أقول: في (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(2)، يقال: لمَ كرّر ذكر الرحمن الرحيم.
والجواب عن ذلك: للمبالغة والتوكيد، وللدلالة على أنّ لله من النعم ما لا يفي به نعم منعم، فجرى على كلام العرب إذا أرادوا الدلالة على المبالغة، كما قال الشاعر:
هلاّ سألت جموع كندة | يوم ولّوا أين أينا |
كم نعمة كانت لكم | كم نعمة كم وكم(3) |
____________
(1) هذا التفسير هو غير كتاب النكت في إعجاز القرآن، والذي نقل عنه ابن طاووس قبل صفحات.
(2) الفاتحة: 1 / 3.
(3) ع. ض: كم وكم وكم، والمثبت من حاشية ع.
حطامه الصلب حطوماً | محطماً أنصف(1) الاسد |
ووجه آخر، وهو: أنّه لمّا دلَّ بالالهيّة على وجوب العبادة وذكر تذكّر النعمة الّتي بها يستحقّ العبادة، وكأنّه قيل: وجوب العبادة للنعمة التي ليس فوقها نعمة، ثمّ ذكر عزّوجلّ الحمد فوصله بذكر ما به يستحق الحمد، ليدلّ على أنّه يستحقّ الحمد بالنعمة كما يستحقّ العبادة بالنعمة.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
يقال لعليّ بن عيسى الرماني:
لو كان معنى الرحمن هو معنى الرحيم كان لتأويلك أنّه للتكرار تجويز، وأنت وغيرك يعرف أنّ لفظ الرحمن فيه من المبالغة والعموم ما ليس في لفظ الرحيم، وما جرت العادة أنّ الكلام يذكر بلفظ المبالغة أولاً ثمّ يذكر بلفظ دونه ويكون المراد مجرّد التأكيد.
وهلاّ قال الرماني: لعلّ المراد بلفظ الرحمن على وجه العموم والمبالغة أنّه جلّ جلاله رحمن للمطيع وللعاصي ولكلّ حيوان، والرحيم لما يختصّ به أنبياءه وخواصّه ممّا لا يعطيه مَن لا يجري مجراهم؟ فإنّه إذا احتمل الكلام معنيين كان أليق بالفصاحة والكمال من
____________
(1) حاشية ع: يصف.
أو يقال: لعلّ معنى الرحمن بخواصّه بالعنايات الزائدة، والرحيم بمن دونهم من المخلوقات بدون تلك العنايات.
وأمّا تشبيه الرماني: بأين أينا، وكم وكم، وكلّما ذكره.
فإنّه ما أورد لفظين مختلفي الصفة حتّى يكون احتجاجه بهما على تكرار الرحمن الرحيم مع اختلاف صفاتهما.
أقول:
وأمّا قول الرماني: إنّه لمّا دلّ بالالهيّة على وجوب العبادة وصله بذكر النعمة(1) التي يستحقّ بها العبادة.
فيقال له: لعمري إنّ في لفظ الرحمن الرحيم ذكر النعم المختصّة بمفهوم الرحمن الرحيم، وليست شاملة للنعم التي يستحقّ بها العبادة، فانّ وصفه جلّ جلاله بالمنعم غير وصفه بالرحمن الرحيم.
وهلاّ جوز الرماني أن يكون معنى قوله: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بعد قوله جلّ جلاله: (الْحَمْدُ للهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): أنّه جلّ جلاله لمّا ذكر ربوبيته للعالين وما يجب له من الحمد له على عباده وعرف منهم التقصير في القيام لحقّ الربوبية وتحقيقه ما يستحقّ من الحامد قال: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، كأنّه يريد أنّه يرحمهم مع تقصيرهم فيما يستحقّه عليهم من ذلك ولا يكلّفهم نهاية ما يستحقّه من حقّ الربوبية وحقّ نعمه.
____________
(1) ع. ض: وصله يد النعمة، والمثبت من ط.
[162] فصل:
فيما نذكره ممّا حصل عندنا من تفسير القرآن، لعليّ ابن عيسى الرماني، وهو من قبل آخر براءة إلى سورة يونس وإلى آخر القرآن، نذكر منه من أول وجهة بلفظه:
قوله عزّوجلّ: (وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ والْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيَها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(1)، إنّما فصل الكفر من النفاق مع أن كلّ نفاق كفر ليبيّن الوعيد على كلّ واحد من الصنفين، إذ قد يتوهّم أنّ الوعيد عليه من أحد الوجهين دون الاخر.
ومعنى (هِيَ حَسْبُهُمْ): هي كافيتهم فِي استفراغ العذاب لهم، وتقديره: هي كافية ذنوبهم ووفاء لجزاء أعمالهم.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
أرى كأنّ المهمّ من الاية ما تعرّض له، لانّه كلّ ينبغي أن يذكر كيف ورد لفظ الوعد في موضع الوعيد، والوعد حقيقة لما ينفع الموعود به وكثيره(2)، ولهذا قال الشاعر:
فإنّك إن أوعدتني ووعدتني | لمخلف إيعادي ومنجز موعدي(3) |
____________
(1) التوبة: 9 / 68.
(2) حاشية ع: ويسره.
(3) ع. ض: لتخلف إيعادي وتنجز موعدي، ط: لتخليص إيعادي وتنجيز موعدي، والمثبت من حاشية ع.
أقول:
لعلّ المراد أنّه لمّا كان هذا القول من الله جلّ جلاله لهم في الحياة الدنيا ليردعهم بذلك عن الكفر والنفاق، فقد صار نفعاً لهم باطناً وسعادة لهم أن قبلوها باطناً وظاهراً، لانّ الوعيد إذا أخرجه صاحبه ليخرج مَن يوعده ممّا يستحقّ به الوعيد إلى ما يستحق به الوعد، فقد صار باطنه وعداً وإن كان ظاهره وعيداً.
أقول:
وأمّا قول الرماني: إنّ كلّ نفاق كفر.
فعجيب، فإنّ النفاق قد يكون كفراً وقد يكون فسقاً.
وإنّما لعلّ المراد: أنّه جلّ جلاله يكشف بذلك أنّ النفاق المقتضي للكفر أعظم من الكفر بغير نفاق، فإنّ المنافق مستهزئ بالله جلّ جلاله وبرسوله صلوات الله عليه وآله، فقد جمع كفره بالله استهزاء زائداً على كفره، وهو لعلّه أعظم من الكفر، فإنّ المنافقين في الدرك الاسفل من النار.
أقول:
وفي ذكر المنافقات مع المنافقين وإفراده(1) الكفر للرجال، لعلّ المراد به معنى زائداً، وذاك(2) أنّ النفاق يدخل فيه النفاق، لضعفهنّ وعجزهنّ في الغالب عن المجاهرة، بإظهار بالكفر، وأنّ إظهار الكفر
____________
(1) ع. ض: وإقراره، والمثبت من حاشية ع.
(2) ض: ودالّ.
أقول:
ولعلّ لقوله جلّ جلاله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) بعد تقديم خلودهم في النار معنى زائداً، وذلك على أنّ الخلود في جهنّم قد يحتمل أن يكون أهلها بعضهم أخفّ عذاباً من بعض، وفي القرآن والسنّة شاهد على ذلك، فلما قال جلّ جلاله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)فكأنّه قد آيسهم(2) من تخفيف العذاب عنهم.
[163] فصل:
فيما نذكره من كتاب معاني القرآن، تصنيف علي بن سليمان الاخفش، من وجهة أوّله من سورة النور، من خامس عشر سطر منها بلفظه:
(دُرِّيٌّ)(3): مضئ كالدر.
أقول:
من أين قال: إنّ المقصود بالتشبيه الاضاءة وليس الدرّ في الاضاءة مقصوداً حتّى يقع التشبيه به؟ وهلاّ قال: إنّ الكوكب صافي البياض والنقاء كالدرّ، فيكون على هذا المقصود إن أمكن اللون لا الضوء؟ ولعلّ معناه تشبيه الكوكب في نفسه الزهو عليها في السماء من
____________
(1) حاشية ع: أقوالهم.
(2) ع: آنسهم.
(3) النور: 24 / 35.
[164] فصل:
فيما نذكره من كتاب مجاز القرآن، تأليف أبي عبيدة معمّر بن المثنّى، من الوجهة الاوّلة من القائمة السادسة بلفظه:
(كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)(1)، أي: مقرّ بأنّه عبد له بأنه عبده قانتات: مطيعات(2).
أقول:
لو قال: (كُلٌّ لهُ قَانِتُونَ): إشارة إلى لسان الحال بأن يشهد عليهم حاجتهم إلى إيجاده لهم وآثار صنعه فيهم بأنّهم أذلاّء له خاضعون مستسلمون له، عسى كان أقرب إلى الحق من قوله: أي إنّهم كلّهم مقرّون أنّهم عبيد، فإنّ هذا الاقرار غير(3) موجود في الكلّ.
ثمّ قول أبي عبيدة بعد هذا: (قَانِتَاتٌ): مطيعات.
فقد صار تفسير قانت هو مطيع، إلاّ أن يقول يحتمل أنّه عبد ويحتمل أنه مطيع، وظاهر مدحه جلّ جلاله لذاته المقدّسة بقنوتهم له يقتضي زيادة على لفظ عبد، ولفظ مطيع يشتمل على مَن دخل في لفظ عموم قوله في القرآن جلّ جلاله: (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ).
____________
(1) البقرة: 2 / 116.
(2) مجاز القرآن: 1 / 51.
(3) ع. ض: بحر، والمثبت من حاشية ع.
أقول:
قوله تعالى: (كُلُّ لَهُ قَانِتُونَ) ما يتهيّأ أن يكون كلّ له مطيعون، فلا بدّ من تقدير ما ذكرناه، أو تأويلاً يحتمل اشتراك الجميع.
[165] فصل:
فيما نذكره من مجلّد قالب الطالبي(3)، يتضمّن أنّه إعراب القرآن، أوّله من سورة القصص، لم يذكر اسم مصنّفه، بلفظه:
(في إمَام مُبِين)(4)، قال مجاهد: إمام مبين في اللوح المحفوظ.
أقول:
إنّ ظاهر لفظ إمام في اللغة والشريعة كيف يدلّ على أنّه اللوح المحفوظ؟
وقوله: مبين.
إن كان يريد المفسَّر بمبين عند الله فعلم الله جلّ جلاله أحق بالوصف بذلك من اللوح المحفوظ، وإن كان يراد بالنسبة إلينا وأنّه مبين لنا فأين نحن لنا واللوح المحفوظ؟ ولعلّ غير مجاهد قال: إنّه القرآن
____________
(1) ع. ض: فقال أهل القنوت.
(2) الصحاح: 1 / 261 قنت.
(3) حاشية ع: البطالي.
(4) يس: 36 / 12.
واعلم
أنّ تمام التأويل: بأنّ القرآن إمام مبين وأنّ اللوح المحفوظ يحتاج الجميع إلى مَن يكشف عنهما لعباده المحتاجين إلى هذا التبيين من رسول مخبر عن الله جلّ جلاله ومَن يقوم مقامه حتّى يرفع الاختلاف واحتمال التأويلات، بحيث يصير الوصف بأنّه إمام مبين من جميع وجوهه، وإلاّ كان مبيناً من وجه غير مبين من وجه، أو مبيناً لبعض دون بعض، فليس كلّ أحد(3) يعرفه من ظاهره.
[166] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثاني من غريب القرآن(4)، لابي عبيدة معمّر بن المثنّى، وهو من كتاب المجاز بلفظه:
(وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى): القريب، (وَالْجَارِ الجُنُبِ)(5): الغريب(6).
أقول:
لو قال: والجار الجنب البعيد، كان أولى من قوله: الغريب، لانّه
____________
(1) النحل: 16 / 89.
(2) الانعام: 6 / 38.
(3) ض: واحد.
(4) وهو نفسه مجاز القرآن، والّذي نقل عنه المصنّف قبل قليل.
(5) النساء: 4 / 36.
(6) مجاز القرآن: 1 / 126.
والنسخة(1) الّتي عندنا لعلّها كتبت في حياته، عتيقة.
[167] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثالث من كتاب أبي عبيدة معمّر بن المثنّى بلفظه، من وجهة ثانية من ثاني عشر سطر منها:
ومن سورة الاعراف (المص)(2): ابتداء كلام(3).
أقول:
لو قال أبو عبيدة: ما أعرف تفسير (المص) كان أحسن من قوله: ابتداء كلام، فإنّه زاد(4) في تفسيره على ما كان، وإن أراد: أنّ مراد الله جلّ جلاله بـ (المص) ابتداء كلام، فليس في اللفظ الشريف الرباني ما يدلّ على أنّ المراد من تقطيع هذه الحروف ابتداء الكلام أو غيره، فهلاّ احتجّ أبو عبيدة على هذا؟ فإنّ كتابه قد ادّعى أنّه صنّفه لكشف هذه الامور.
[168] فصل:
فيما نذكره من الجزء الرابع من كتاب أبي عبيدة معمّر ابن المثنّى، من السطر الحادي عشر من وجهة أوله بلفظه:
(يَوْمَ الْفُرْقَانِ)(5) يوم النصر، والتي في البقرة، وقوله:
____________
(1) حاشية ع: والتتمة.
(2) الاعراف: 7 / 1.
(3) مجاز القرآن: 1 / 210، مع اختلاف.
(4) ع. ض: ما أراد، والمثبت من حاشية ع.
(5) الانفال: 8 / 41.
أقول:
تفسير أبي عبيدة خلاف ما قدّمناه عن عبد الجبار الهمداني: أنّ الفرقان التعريف بكلّ شيء، وهذا معمّر بن المثنى عندهم كالامام لهم في علم اللغة والقرآن وهو كالحجّة عليهم.
وهلاّ قال أحد منهم: إنه يحتمل أن يكون (نَزَّلَ الْفُرْقَانَ) أنّه اسم من أسماء القرآن، فتارةً يسمّى قرآناً وتارةً فرقاناً؟ فإنّ المعنيين له حاصلان فيه، فإذا كان القرآن بمعنى الجمع فكذلك هو، وإن كان فارقاً فهو كذلك أيضاً.
[169] فصل:
فيما نذكره من الجزء الخامس من تفسير معمّر بن المثنّى أيضاً، من القائمة الثانية من الوجهة الثانية بلفظه:
(أفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)(3)، أي: جُوف لا عقول لهم، والجوف أفئدة لا عقول لاربابها، قال الشاعر:
إنّ بني الحرمان(4) قوم خوف(5) | لا كرم فيهم ولا معروف(6) |
____________
(1) الفرقان: 25 / 1.
(2) لم يرد هذا المطلب في كتاب مجاز القرآن المطبوع.
(3) إبراهيم: 14 / 43.
(4) ض: المحرمان.
(5) كذا في ط، وفي ع. ض: جوف.
(6) مجاز القرآن: 1 / 344، مع اختلاف كثير، حيث لم يرد البيت الذي استشهد به في المطبوع.
يقال لابي عبيدة معمّر بن المثنّى:
قد أنشدت البيت على معنى خوف(1)، وإنّما كانت الحاجة إلى إنشاد شاهد على أنّ معنى (أفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) بمعنى جوف(2).
ثمّ يقال له: كيف يفهم من الافئدة العقول؟ وكيف يفهم من أنّها هواء أنّهم لا عقول لهم؟
فهلاّ قال: عسى يحتمل أن يكون لمّا غلب الخوف والاهوال على الّذين حكى الله جلّ جلاله عنهم أنّ أفئدتهم هواء جاز أن يقال: إنّها اضطربت الافئدة حتّى صارت كالاهواء المضطربة بالامواج؟ أو لعلّ إن كان يحتمل أن يكون المراد: أنّ المقصود بالافئدة الفكر واستحضار المعاني، ولمّا غلب على هؤلاء الخوف ما بقي لها قدرة على فكرة، فكأنّ الافئدة خرجت من أماكنها، كما قال في موضع آخر: (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)(3)، فتكون قد صارت كالهواء الّذي لا يستقرّ في مكان واحد.
أقول:
وعسى يحتمل أنّه لمّا كانت الافئدة والقلوب عند الامن
____________
(1) كذا في ط، وفي ع. ض: جوف.
(2) ط: خوف، حاشية ع: على أنّ معنى (أفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) وأن الهوى بمعنى جوف.
(3) الاحزاب: 33 / 10.
[170] فصل:
فيما نذكره من الجزء السادس منه، من ثالث قائمة من الوجهة الثانية منها بلفظه:
ومن سورة مريم: (إنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي)(1)، أي: من قدّامي، أي: من بني العم.
وقال الفضل(2):
مهلا بني عّمنا مهلاً موالينا | لا تنبشوا بيننا(3) ما كان مدفونا(4) |
يقال لابي عبيدة:
إنّك ادّعيت أنّ معنى ورائي قدامي، فكان ينبغي أن تستشهد ببيت يقتضي ذلك، أو بحجّة غير هذا البيت، وما ترى هذا البيت يقتضي حجّة ولا شبهة على ما ذكرت.
وهلاّ ذكر أبو عبيدة: أنّ قول الله جلّ جلاله: (مِنْ وَرَائِي) حقيقة غير مجاز؟ لانّ بني العم يتخلّفون وراء الميّت، أي: بعده، فكأنّهم حقيقة وراءه، فكيف زعم أبو عبيدة أنّ معناه قدامه؟!
____________
(1) مريم: 19 / 5.
(2) ع. ض: وقال بني الفضل، والمثبت من حاشية ع. المصدر.
(3) في المصدر: لا تظهرن لنا.
(4) مجاز القرآن: 2 / 1، مع اختلاف.
[171] فصل:
فيما نذكره من الجزء السابع من كتاب معمّر بن المثنّى، من الوجهة الاوّلة من القائمة الثانية منه بلفظه:
(وَأزْلَفْنَا ثَمَّ الاْخَرِينَ)(1)، أي: جمعنا، والحجّة فيه يقال: ليلة الجمع(2) وليلة المزدلفة.
وذكروا عن الحسن: (وَأَزْلَفْنَا): أهلكنا(3).
أقول:
إنّ الظاهر ما حكاه صاحب الصحاح، فقال: إنّ معنى أزلفه: أي قربه، والزّلفة والزلفى: القربة والمنزلة، ومنه قوله تعالى: (وَمَا أمْوالكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ بِالّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى)(4)، وهو اسم المصدر كأنّه قال: بالّذي يقرّبكم(5) عندنا ازدلافاً(6)، هذا لفظ الجوهري في الصحاح.
أقول:
وأمّا احتجاج معمّر بن المثنّى: بأنّه يقال ليلة جمع وليلة مزدلفة.
____________
(1) الشعراء: 26 / 64.
(2) ع. ض: جمع، والمثبت من ط.
(3) مجاز القرآن: 2 / 87، مع اختلاف، وفيه: وقال بعضهم وأهلكنا.
(4) سبأ: 34 / 37.
(5) في المصدر: وهي اسم المصدر كأنّه قال بالّتي تقربكم.
(6) الصحاح: 4 / 1370 زلف.
وقد قال الجوهري في صحاحه: وازدلفوا: أي تقدّموا(2)، وإذا كان بمعنى تقدّموا فهذه صفة المزدلفة، لانّ الحاجّ يتقدّمون إليها من عرفات قبل أن يصلّوا صلاة عشاء المغرب وصلاة عشاء الاخرة.
وقال الجوهري: الزلفة الطائفة من أوّل الليل(3)، ولانّ عرفات آخر منازل الحجّ وأبعدها من الكعبة، فأوّل منازل يقرب بعد عرفات من مكّة والكعبة المزدلفة، فجاز أن يسمّى بذلك، لانّه أوّل منازل التقريب.
وأمّا ما حكاه عن البصري: (وَأَزْلَفْنَا) أهلكنا.
فلم يذكر حجّة له على ذلك، ولا ذكره صاحب الصحاح فيما رأيناه من صحاحنا.
ولعلّ المراد بـ (أزْلَفْنَا ثَمَّ الاْخَرِينَ) أي: قرّبناهم من البحر لهلاكهم فصاروا فيه وأقرب قريب إليه.
وسيأتي في الجزء التاسع عن أبي عبيدة موافقه لما ذكرناه في قوله الله تعالى: (أزِفَتِ الاْزِفَةُ)(4) قال: دنت القيامة.
____________
(1) ع. ض: كانت.
(2) الصحاح: 4 / 1370 زلف.
(3) الصحاح: 4: 1370 زلف.
(4) النجم: 53 / 57.
[172] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثامن من كتاب معمّر بن المثنّى، من القائمة الخامسة من أوّل وجهة منها بلفظه:
(فَلْيَرْتَقُوا فِي الاْسْبَابِ)(1)، الاسباب والسبب: الحبل، والسبب: ما تسبّب به من رحم أو يد أو دين، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل سبب أو نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي»، وإذا تقرّب الرجل إلى الرجل وليس بينهما نسب فالاسلام أقوى سبب وأقرب نسب(2).
أقول:
ما أنصف معمّر بن المثنّى، فانّ عمر لمّا طلب التزويج عند مولانا علي بن أبي طالب (عليه السلام) اعتذر عن طلب ذلك مع كبر سنّه واشتغاله بالولاية بهذا الحديث: في أنّه أراد التعلّق بنسب النبي (عليه السلام)، فلو كان الاسلام أقوى سبب وأقرب نسب ما احتاج إلى هذا، والصدر الاول أعرف من معمّر بن المثنّى بمراد النبيّ (صلى الله عليه وآله).
على أنّ قوله عن الاسلام: أقرب نسب، مكابرة قبيحة لا تليق بأهل العلم، كيف يكون الاسلام وهو سبب؟ وأقصى ما حصل من هذا السبب الاخوّة الّتي جمعت في هذا اللفظ بين الاعداء، فقال الله جلّ
____________
(1) سورة ص: 38 / 10.
(2) مجاز القرآن: 2 / 177 ـ 178، مع اختلاف.
بل لو قال قائل: إنّ معنى قول النبي (عليه السلام): «كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي» إنّ المفهوم منه السبب الّذي بينه وبين الله، كأنّه قال: إلاّ السبب الّذي بيني وبين الله والنسب الّذي بيني وبين مَن ينسب إليّ، ما كان هذا التأويل بعيداً.
أو لعلّ معناه ما روي: «أنّه مَن أسدى إلى أحد من أهل بيتي معروفاً كافيته يوم القيامة»(3)، فلعلّه أيضاً من جملة السبب، لاجل الرواية.
[173] فصل:
فيما نذكره من الجزء التاسع من كتاب أبي عبيدة المذكور، من القائمة الثالثة من الوجهة الاوّلة منها بلفظه:
وفي القرآن: (وَلاَُصَلّبَنَّكُمْ فِي جُذُوع النَّخْلِ)(4)، أي: على(5).
____________
(1) إشارة إلى قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ)الشعراء 26 / 124، (إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالحٌ ألاَ تَتَّقُونَ)الشعراء: 26 / 142، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلاَ تَتَّقُونَ) الشعراء: 26 / 161.
(2) حاشية ع: نسب.
(3) أورد القندوزي في ينابيع المودّة 2 / 379 ـ 380 عن جواهر العقدين للسمهودي ثلاثة أحاديث في هذا المعنى.
(4) طه: 20 / 71.
(5) مجاز القرآن: 2 / 195.