الصفحة 567

أقول:

هكذا وجدتُ كثيراً من المفسّرين يذكرون أن (فِي) هاهنا بمعنى على، ولعمري إنّ حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، ولكن هذا إنّما يحوج إليه إذا لم يكن حمل اللفظ على حقيقته، و (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) يحتمل أن يكون قريباً من الحقيقة، لانّ المصلوب لا يكون أبداً غالباً على رأس الجذع، وإنّما يكون نازلاً عن أعلاه، وكان قوله: (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أقرب إلى صورة حال المصلوب، أو لعلّ قد كان لفظ فرعون في جذوع النخل أو بهذا المعنى فحكى الله جلّ جلاله ما ذكره فرعون كما حكى كلمات الكفر عمّن ذكرها عنه بصورة لفظها.

[174] فصل:

فيما نذكره من الجزء العاشر لابي عبيدة(1) المذكور، من السطر الرابع من وجهة ثانية من أول تفسير الذاريات(2) بلفظه:

(وَأخْرَجَتِ الاْرْضُ أثْقَالَهَا)(3)، إذا كان الميّت(4) في بطنها فهو ثقل عليها، وإذا كانت هي عليه فهي ثقل

____________

(1) ع. ض: عبيد، وكذا جاء في بعض الموارد السابقة واللاحقة، وما أثبتناه من ط.

(2) كذا في الاصول المعتمدة، والاية المذكورة من سورة الزلزلة.

(3) الزلزلة: 99 / 2.

(4) ع. ض: السبب، والمثبت من حاشية ع. المصدر.


الصفحة 568
عليه(1).

فأقول:

قد كان ينبغي أن يأتي بحجّة على هذا، مثاله: أن يقول: جلّ جلاله قال عن الحامل: (فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما)(2)، فكان هذا شاهداً أنّ الثقل الحمل في البطن، وإلاّ فلولا هذا العرف القرآني كان الانسان ثقلاً عليها، سواء كان على بطنها أو ظهرها، بل كان إذا صار في بطن الارض فكأنّه قد خفّ عن بعضها وصار ثقلاً على بعضها.

ولو كان يحتمل أن يقال: إنّ المكلّفين لمّا كانوا حاملين لاثقال الاوزار وحاملين لاثقال الحساب(3) وحاملين لاثقال التكليف، جاز أن يسمّوا أثقالاً للارض، فإنّ في الحديث: إنّ الارض تستثقل العصاة لله جلّ جلاله، مجازاً، لانّها محمولة بالله، والله جلّ جلاله الحامل لها ولهم وهو يبغضهم ويمقتهم، وكلّ ممقوت ثقيل.

[175] فصل:

فيما نذكره من كتاب اسمه تنزيه القرآن من(4) المطاعن، تصنيف عبد الجبار بن أحمد، من سابع عشر قائمة من أوّله، من الوجهة الثانية منها بلفظه:

مسألة: وسألوا عن قوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)(5)، قالوا: ولو عرف كلّ أهل

____________

(1) مجاز القرآن 2 / 306، وفيه: وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها.

(2) الاعراف: 7 / 189.

(3) حاشية ع: الحسنات.

(4) كذا في الاصول المعتمدة، وفي المصدر: عن.

(5) البقرة: 2 / 146.


الصفحة 569
الكتاب نبوّته لما صحّ مع كثرتهم أن ينكروا ذلك ويجحدوه، فكيف يصح ما أخبره(1) تعالى.

وجوابنا: أنّ المراد مَن كان يعرف ذلك منهم، وهم طبقة من علمائهم دون العوام منهم، ولذلك قال: (وَإنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(2)، ولا يجوز ذلك على جميعهم، لعلمنا باعتقاداتهم وتجويزه على ما ذكرناه(3) يصح(4).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

هذا جواب الشيعة لعبد الجبار في دعواه: أنّه لو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد نصّ على مولانا لما أنكره عبد الجبار وأصحابه، فيقال لهم في الجواب ما أجابه أهل الكتاب، فالمصيبة بينهم واحدة.

وقد قلنا غير هاهنا: إنّه ليس كلّ منصوص عليه بأبلغ الظهور وأوضح الامور لا يقع جحوده أو الشبهة فيه لاسباب تتفق، لانّ الله جلّ جلاله نصّ على ذاته لجميع مقدوراته الّتي لا يقدر عليها سواه، وما رفع ذلك الخلاف فيه، حتّى عبدت الاحجار والاخشاب دونه، ولم يكن ذلك لعدم النصوص المعلومة على وجوده جلّ جلاله.

[176] فصل:

فيما نذكره من الوجهة الثانية من تاسع عشر قائمة،

____________

(1) في المصدر: ما أخبر به تعالى عنهم.

(2) البقرة: 2 / 146.

(3) في المصدر: على من ذكرناهم.

(4) تنزيه القرآن عن المطاعن: 37.


الصفحة 570
من كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن، تأليف أبي عبدالله الحسين بن خالويه(1) النحوي، بلفظ ما وجدناه:

و (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(2) هم الانبياء، والاصل في عليهم بضمّ الهاء(3)، وهي لغة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد قرأ بذلك حمزة، وإنّما كسر الهاء من كسرها لمجاورة الياء(4).

وأمّا أهل المدينة ومكّة فَيَصِلُون الميم بواو في اللفظ، فيقولون: عليهموا، قالوا: وعلامة الجمع كما كانت الالف في عَلَيْهِمَا علامة(5)(6).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

ما الجواب لمن يقول: إذا كانت لغة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّ الهاء والقرآن فأحقّ ما نزل بلغته (عليه السلام)؟ وعلام كان ظاهر قراءة أهل الاسلام في الصلوات وغيرها بكسر الهاء؟ ولايّ حال صار مجاورة الهاء للياء

____________

(1) وهو الحسين بن أحمد المعروف بابن خالويه، والمتوفى سنة 370 هـ.

(2) الفاتحة: 1 / 7.

(3) في المصدر: والاصل في عَليْهِمْ عَلَيْهُمْ بضمّ الهاء.

(4) في المصدر ومَن كسر الهاء كسرها لمجاورة الياء.

(5) إعراب ثلاثين سورة من القرآن: 32.

(6) كذا في الاصول المعتمدة، وهو كما ترى!

وفي المصدر: قالوا وعلامة الجمع الواو كما كانت الالف في عليهما علامة للتثنية.


الصفحة 571
حجّة على قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أفصح العرب؟ وإذا اختلفت لغاتهم كان هو الحجّة عليهم (عليه السلام).

وأعجب من ذلك أن يكون أهل المدينة وأهل مكّة البلدين الّذين أقام فيهما وصاحباه على خلاف قراءته، وأن يقدم أحد يذكر هذا عنهم أو عن مسلم من المسلمين، كيف جاز ذكر مثل هذا من العلماء العارفين؟!

[177] فصل:

فيما نذكره من كتاب اسمه كتاب الزوائر(1) وفوائد البصائر في وجوه القرآن والنظائر(2)، تأليف حسين بن محمّد الدامقاني(3)، في آخر القائمة الرابعة من الكرّاس العاشر منه بلفظه:

تفسير الساق على وجهين:

فوجه منها: الساق يعني الشدّة، قوله تعالى في سورة نون(4): (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاق)(5) يعني: عن الشدّة، كقوله في القيامة: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)(6) يعني:

____________

(1) كذا في جميع الاصول المعتمدة، والظاهر أنّ الصحيح: الزوائد.

(2) جاء اسمه في المطبوع: قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم.

وهو ترتيب وتكميل وإصلاح كتاب الوجوه والنظائر للدامغاني، قام به عبد العزيز سيّد الاهل.

(3) كذا في الاصول المعتمدة، وفي المصدر: الدامغاني.

(4) في المصدر: القلم.

(5) القلم: 68 / 42.

(6) القيامة: 75 / 29.


الصفحة 572
الشدّة بالشدّة.

ووجه الثاني: السوق(1) جمع الساق، قوله تعالى في سورة ص: (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالاْعْنَاقِ)(2) يعني: الساق المعروف(3).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

رأيتُ في الصحاح الجوهري ما هذا لفظه: والساق(4) نزع الروح، يقال: رأيت فلاناً يسوق أي: ينزع عند الموت(5).

أقول:

فإذا كان الساق(6) اسم النزع في عرف اللغة، فهلاّ حملتم(7) قوله جلّ جلاله: (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) على معنى التفّ(8) النزع

____________

(1) حاشية ع: السوقة، وفي المصدر: الثاني الساق بعينها جمعها سوقاً.

(2) سورة ص: 38 / 33.

(3) قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر: 253 ـ 254، وفيه: يعني السوق المعروفة وهي جمع ساق.

(4) في المصدر: والسياق.

(5) الصحاح: 3 / 1500 سوق.

(6) ع. ض: السوق، والمثبت من حاشية ع.

(7) ع. ض: فهلاّ مثل، والمثبت من حاشية ع.

(8) ع. ض: التفّت، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 573
بالنزع للموت بعضه ببعض، ويكون معناه منفرداً عن الّذي فسّره بالشدّة.

[178] فصل:

فيما نذكره من وجهة أوّله من خامس قائمة من الكرّاس الثالث، من كتاب سمّاه كتاب ثواب القرآن وفضائله، تأليف أحمد بن شعيب بن علي النسائي(1) بلفظه:

أخبرنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا الليث، عن ابن عجلان(2)، عن سعيد(3) المَقْبُريّ، عن عقبة بن عامر قال:

كنتُ أمشي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا عقبة قل».

فقلت: ماذا أقول؟

فسكت عنّي، ثمّ قال: «يا عقبة قل».

فقلت: ماذا أقول يا رسول الله؟

فسكت عنّي.

فقلت: اللّهم اردده عليّ.

فقال: «يا عقبة قل».

فقلت: ماذا أقول؟

فقال (عليه السلام): (قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)(4)، فقرأتها حتّى

____________

(1) ع. ض: الساي، ط: السامي، والمثبت من حاشية ع.

(2) ع. ض: عن أبي عجلان، والمثبت من حاشية ع. المصدر.

(3) حاشية ع: معبد.

(4) الفلق: 113 / 1.


الصفحة 574
أتيت على آخرها.

ثمّ قال: «قل».

قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟

قال: (قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)(1)، فقرأتها حتّى أتيت على آخرها.

ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها»(2).

[179] فصل:

فيما نذكره من كتاب يحيى بن زياد المعروف بالفرّاء، وهو مجلّد فيه سبعة أجزاء تام، رواية مسلمة(3) بن عاصم عن ثعلب، وعليه إجازة تاريخها سنة تسع وأربعمائة، نذكر من الجزء الاول منه من وجهة ثانية من القائمة الخامسة بلفظه:

(فَأنْجَيْنَاكُمْ وَأغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(4)، يقال: قد كانوا في شغل من أن ينظروا مستورين بما اكتنفهم(5) من البحر أن يروا فرعون وغرقه، ولكنّه في

____________

(1) الناس: 114 / 1.

(2) فضائل القرآن: 100 ـ 101.

وراجع أيضاً السنن الكبرى للنسائي: 4 / 437 حديث 7838.

(3) وقيل: الصحيح سلمة.

(4) البقرة: 2 / 50.

(5) ع. ض: أكفيتهم، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 575
الكلام كقولك: قد ضُربتَ وأهلك ينظرون فما أتوك ولا أعانوك(1)، يقول: وهم قريب بمسمع ومرأ وبمرأ ومسمع(2).

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

إذا كان قد عرف أصحاب موسى (عليه السلام) أنّ فلق البحر لنجاتهم وهلاك فرعون وأصحابه، فكيف لا يكونون متفرغين لنظرهم ومسرورين بهلاكهم؟! كما لو قيل لانسان: أدخل هذه الدار ليدخل عدوّك وراءك فإذا خرجت من الدار وقعت الدار على عدوّك، فإنّه يكون مسروراً ومتفرّغاً لنظر هلاك عدوّه.

ويقال أيضاً: إنّ أصحاب فرعون لمّا نزلوا خلف(3) أصحاب موسى (عليه السلام)، جعل طرف البحر والماء الذي بينهم كالشباك الذي ينظر منه بعضهم إلى بعض، فعلى هذه الرواية كانوا ناظرين لهلاكهم ومسرورين به.

ويقال: وإن كان هلاك فرعون وأصحابه بعد أن صار موسى وأصحابه على ساحل البحر وأيقنوا بالسلامة، فكيف لا يكونون ناظرين إليهم ومشغولين بالسرور بانطباق البحر عليهم؟ وهل يكون لهم عند تلك الحال وفي ذلك الوقت شغل إلاّ مشاهدتهم ونظرهم كيف

____________

(1) في المصدر: ولا أغاثوك.

(2) معاني القرآن: 1 / 36، ولم يرد فيه: وبمرأ ومسمع، وفي ض: ويراد مسمع.

(3) ع. ض: خلل، والمثبت من حاشية ع.


الصفحة 576
يهلكون؟

[180] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثاني من كتاب الفرّاء، من الوجهة الاوّلة من القائمة الثانية من الكرّاس الثاني منه بلفظه:

(مِنْهُ آياتٌ مُحْكَمَاتٌ)، يعني: مبيّنات من الاصل للحلال والحرام ولم يُنْسَخْنَ، وهنّ الثلاث الايات في الانعام: أوّلها: (قُلْ تَعَالَوْا أتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(1)، والايتان بعدها.

قوله: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) يقول: هنّ الاصل.

(وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(2)، وهن: (المص)(3) و (المر)و (الر)(4)، مشبّهات(5) على اليهود، لانّهم أرادوا أن يعرفوا مدّة الاسلام وأكل هذه الامّة من حساب الجمل، فلمّا لم يأتهم على ما يريدون قالوا: خلط محمّد، وكفروا بمحمد (عليه السلام)(6).

____________

(1) الانعام: 6 / 151.

(2) آل عمران: 3 / 7.

(3) الاعراف: 7 / 1.

(4) يونس: 10 / 1، هود: 11 / 1، يوسف: 12 / 1، إبراهيم: 14 / 1، الحجر: 15 / 1.

(5) في المصدر: اشتبهن.

(6) معاني القرآن: 1 / 190.


الصفحة 577

يقول عليّ بن موسى بن طاووس:

من أين عرف الفرّاء أنّ مراد الله تعالى بالايات المحكمات الثلاث المذكورات؟ ومن أين ذكر أنّهن محكمات وقد وقع تحريم كثير في غيرهن وفي الشريعة وخصّص عمومهن؟ وظاهر قوله جلّ جلاله: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) أنّ الضمير راجع إلى الكتاب كلّه، والكتاب يشتمل على محكم كثير يعرف من ظاهره المراد به، فكيف عدل عن ذلك كلّه؟

وأمّا تعيينه الايات المتشابهات بالحروف.

فهو أيضاً تحكّم عظيم، وليس في ظاهرها ما يقتضي ذلك ولا إجماع على ما ذكره ولا حجّة من عقل ولا نقل، والقرآن فيه من المتشابه الّذي قد صنّف المسلمون فيه المجلّدات ما لا يخفى والاجماع على أنّه متشابه.

أقول:

وأمّا قوله عن اليهود.

فإذا كان القرآن قد تضمّن أنّهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل، يعني حديث النبي (صلى الله عليه وآله)، فيكون قد عرفوا أنّه خاتم الانبياء (عليهم السلام)، ودولته مستمرّة إلى يوم القيامة، وذلك كاف لهم وأمّا ما حكاه عنهم من الطعن.

فيكون الطعن من سفائهم ومَن لا حكم لطعنه حتّى يجعل القرآن المتشابه ما قد اقتصر عليه، لانّ علماءهم كانوا عارفين، ولانّه ما كان يلزم عند علمائهم من ستر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمدّة نبوته ورسالته عنهم ما طعنوا به، لانّ الملوك عادتهم ستر مثل هذه الامور، بل كان ينبغي أن

الصفحة 578
يعتقدوا ستر ذلك من حساب الجمل وجهاً من وجوه حكمة الايات.

ثمّ يقال للفرّاء:

فقد وجدنا كثيراً من المفسّرين قد ذكروا تأويلاً لهذه الحروف وما جعلوها متشابهاً.

[181] فصل:

فيما نذكره من الجزء الثالث من كتاب الفرّاء، من وجهة ثانية من ثالث قائمة من الكرّاس الثاني منه بلفظه:

قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ)(1): لا(2) إله إلاّ الله، والسيّئة: الشرك(3).

أقول:

هذا تأويل غريب غير مطابق للمعقول والمنقول، لانّ لفظ لا إله إلاّ الله يقع من الصادق والمنافق، ولانّ اليهود تقول: لا إله إلاّ الله، وكلّ فرق الاسلام تقول ذلك، وواحدة منها ناجية واثنان وسبعون في النار، وهذه الاية وردت مورد الامان لمن جاء بالحسنة، فكيف يتأوّلها على ما يقتضيه ظاهرها.

أقول:

وقد رأيت النقل متظاهراً: أنّ الحسنة معرفة الله ورسوله ومعرفة الذين يقومون مقامه صلوات الله عليه وعليهم، وهذا مطابق للمعقول والمنقول وللبشارة، لانّ أهل هذه الصفات ناجون على اختلاف الفرق

____________

(1) الانعام: 6 / 160.

(2) في المصدر: بلا.

(3) معاني القرآن: 1 / 367.


الصفحة 579
واختلاف التأويلات.

[182] فصل:

فيما نذكره من الجزء الرابع من كتاب الفرّاء، من وجهة أوّله من رابع عشر سطر منها بلفظه:

قوله: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(1) ولم يقل: البرد، وهي تقي الحرّ والبرد، فترك لانّ معناه معلوم، والله أعلم، كما قال الشاعر:

وما أدري إذا يمّمت وجهاً أريد الخير أيّهما يليني
يريد: أنّ الخير والشر يليني، لانّه إذا أراد الخير فهو يتّقي الشر(2).

فيقال للفرّاء:

كيف قلت إنّ ما يقي الحرّ يقي الحر والبرد، ومن المعلوم خلاف هذا، فإنّ الحرّ يتوقّى بالثوب الواحد وليس كذلك البرد.

ولعلّ معنى الاية أنّ الله جلّ جلاله لمّا ضمّ إلى الحرّ البأس بقوله جلّ جلاله: (سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)(3)، والبأس مناسب الحرّ، واقتصر على ما يناسبه.

____________

(1) النحل: 16 / 81.

(2) معاني القرآن: 2 / 112.

(3) النحل: 16 / 81.


الصفحة 580
أو لعلّ أهل تلك البلاد الغالب عليها الحرّ، وهذا مروي عن عطا(1).

أو لعلّ المراد أنّه جلّ جلاله لمّا ذكر الاصواف والاوبار والاشعار الّتي تقي البرد ذكر ها هنا ما يقي الحرّ من السراويل، فقد ذكر قتادة: أنّ المعنى بسرابيل لباس القطن والكتان(2).

وقول الفرّاء يريد أن الخير والشر يليه لا يقتضيه قول الشاعر، لانّه قال: أيّهما يليني، وأيّهما أي أحدهما، ومن المعلوم أنّ الّذي يلي الانسان أحدهما.

[183] فصل:

فيما نذكره من الجزء الخامس من كتاب الفرّاء، من وجهة ثانية من عاشر سطر منها بلفظه:

قوله: (الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهمْ)، المعنى: إلاّ من أزواجهم الّلاتي أحلّ الله لهم من الاربع لا يجاوزوا(3).

(أوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ) ما، في موضع خفض، يقول: ليس عليهم في الاماء وقت ينكحون ما شاءوا، فذلك قوله حفظوا فروجهم إلاّ من هاذين.

(فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)(4) فيه غير مذنبين(5).

____________

(1) وعنه في التبيان: 6 / 413.

(2) وعنه في التبيان: 6 / 413.

(3) في المصدر: لا تُجاوَز.

(4) المؤمنون: 23 / 5 ـ 6.

(5) معاني القرآن: 2 / 231.


الصفحة 581

يقال للفرّاء:

هلاّ احتمل أن يكون (إلاَّ عَلَى أزْوَاجِهِمْ) على ظاهره، لانّ الله تعالى لمّا قال: (غَيْرُ مَلُومِينَ) فكأنّه قال غير ملومين على أزواجهم وما ملكت أيمانهم، لانّ الملامة إنّما يعبّر عنها بنحو هذا اللفظ.

ويقال للفرّاء:

من أين قلت: إنّ الملامة معناها الذنب؟ ويقال: يلام الانسان على ما لا يكون ذنباً شرعاً من الغلط في تدبير الامور، ولانّ رفع اللوم عنهم أعم من الذنب، فلايّ حال عدل عن عموم اللفظ إلى ما يقتضي تخصيصه؟ ولم يذكر حجّة على ذلك.

[184] فصل:

فيما نذكره من الجزء السادس من كتاب الفرّاء، من وجهة ثانية من سادس عشر سطر منها بلفظ:

قوله: (قَالَتَا أتَيْنَا طَائِعِينَ)(1)، جعل السماوات والارضين كالشيئين(2)، كقوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)(3) ولم يقل: وما بينهن، ولو كان بينهنّ لكان صواباً(4).

____________

(1) فصّلت: 41 / 11.

(2) في المصدر: كالثنتين.

(3) الحجر: 15 / 85.

(4) معاني القرآن: 3 / 13، وفيه: ولو كان كان صواباً.


الصفحة 582

يقال للفرّاء:

هلاّ قلتَ: إنّ المقتضي للتثنية دون الجمع لعلّ الله جلّ جلاله أراد تثنية الجمعين ولم يرد ذكر أفرادهما، كما يقال جائني فريقان وهما جمعان.

وأمّا قول الفرّاء: لو كان بينهنّ كان صواباً.

أتراه أراد في مجرّد العربية أو هذه الاية؟ فإن كان أراد مجرّد العربية فمن أين عرف أنّ مراد الله جلّ جلاله في هذه الاية مجرّد العربية دون معنى غيرها زائد عليها؟ وإن كان أراد هذه الاية فتحكّم وتهجّم على الله جلّ جلاله.

ولعلّ المراد بذكر ما بينهما ولم يقل ما بينهن: أنّ الحديث في هذا القرآن الشريف مع بني آدم وهم بين السماوات والارضين وليسوا ساكنين بين طبقاتها، فكان لفظ بينهما أبلغ في المراد وأحقّ بالتأويل.

[185] فصل:

فيما نذكره من الجزء السابع من كتاب الفرّاء، من سادس عشر سطر من وجهة ثانية بلفظه:

قوله: (قَدَّرُوهَا)(1)، يريد قدروا الكأس على ريّ أحدهم لافضل فيه ولا عجز عن ريّه، وهو ألذّ الشراب.

وقد روى بعضهم عن الشعبي: قُدِّرُوهَا تَقْدِيراً، والمعنى والله أعلم وأجلّ: قدّرت لهم وقدّروا لها(2).

يقال للفراء:

من أين عرفت أنّ الله جلّ جلاله يريد تقدير الشراب؟ بل الكأس، ولو كان المقصود بالتقدير الشراب لكان يقول

____________

(1) الانسان: 76 / 16.

(2) معاني القرآن: 3 / 217، وفيه: والمعنى واحد والله أعلم قدِّرت لهم وقدروا لها.


الصفحة 583
قدروه تقديراً، والتأنيث الحقيقي في اللفظ يقتضي أنّها الكأس دون الشراب.

أقول:

وليس المراد من تقدير الكأس مجرّد الشرب منه، فإنّ النظر للكأس إذا كان جميلاً في التقدير ومكملاً في التحرير كان أطيب للشرب منه، فإنّ عين الشارب تقع على الكأس قبل الشراب.

ولو قال الفرّاء: يحتمل أن يكون تقدير الكأس على قدر ذلك المقام وعلى قدر الانعام والاكرام، كان أليق بالافهام.

وقال الفرّاء في ثاني سطر من وجهة ثانية في بعض تفسيره ما هذا لفظه:

(شَرَاباً طَهُوراً)(1)، يقول: هو طهر ليس بنجس، لما كانت في الدنيا مذكورة بالنجاسة(2).

فيقال للفرّاء:

أنت قدوة في اللغة والعربية، فهلاّ قلت: (طَهُوراً)بلفظ المبالغة يقتضي أبلغ صفات الطهارة في نفسه ويطهر مَن يشربه: بأن يزيدهم طهوراً إلى طهورهم، ولا يحوجهم إلى بول ولا طهارة منه، لانّه شراب الدنيا يصير بولاً نجساً، وكان هذا موضع المنّة عليهم دون ما ذكره الفرّاء.

ولو أردنا ذكر ما في كتابه من الاخذ عليه كنّا قد خرجنا عمّا

____________

(1) الانسان: 76 / 21.

(2) معاني القرآن: 3 / 19.


الصفحة 584
قصدنا إليه، لكن هذا بحسب ما يقع اختيارنا عليه.

[186] فصل:

فيما نذكره من مجلّد آخر تصنيف الفرّاء، فيه ستة أجزاء أوّله الجزء العاشر، فمن الوجهة الاوّلة من القائمة الثالثة(1) من الجزء الاول من المجلّدة وهو العاشر بلفظه:

وقوله عزّوجلّ: (إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)(2)، قد اختلف فيه القرّاء، فقال بعضهم، هذا لحن ولكنّا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب.

حدّثنا أبو الجهم(3)، قال: حدثنا الفرّاء، قال: وحدّثني أبو معاوية(4)، عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنّها سُئلت عن قوله في النساء: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ)(5)؟ وعن قوله في المائدة: (إنّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاَدُوا وَالصَّابِئُونَ)(6)؟ وعن قوله: (إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)؟ فقالت: يابن أخي، هذا كان خطأ من الكاتب.

____________

(1) ع: الثانية.

(2) طه: 20 / 63.

(3) وقيل: الصحيح ابن الجهم.

(4) في المصدر: حدّثنا أبو العباس، قال: حدّثنا محمد، قال: حدّثنا الفرّاء، قال: حدّثني أبو معاوية الضرير.

(5) النساء: 4 / 162.

(6) المائدة: 5 / 69.


الصفحة 585
وقرأ أبو عمر(1): إن هذين لساحران، واحتجّ بأن قال: بلغني عن بعض أصحاب محمد أنّه قال: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب، ولست أشتهي(2) أن أخالف الكتاب.

____________

(1) في المصدر: أبو عمرو.

(2) في المصدر: قال الفرّاء: ولست أشتهي.