وقرأ بعضهم: إن ـ مخففة ـ هذان ساحران(1).
وفي قراءة عبدالله: وأسرّوا النجوى إن هذان ساحران وفي قراءة أبيّ: إن ذان إلاّ ساحران.
فقراءتنا(2) بتشديد إنّ وبالالف على جهتين:
إحداهما: على لغة بني الحرث بن كعب ومَن جاورهم، وهم يجعلون الايتين(3) في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالالف، أنشدني رجل من الاسد عنهم:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى | مساغاً لنا باه الشجاع لصمّما |
____________
(1) في المصدر: لساحران.
(2) ع. ض: فقرأ انّنا، والمثبت من المصدر.
(3) في المصدر: الاثنين.
(4) في المصدر: قال وما رأيت أفصح من هذا الاسدي وحكى هذا الرجل عنهم هذا خط يدا أخي بعينه.
(5) كذا في جميع الاصول المعتمدة، وفي المصدر: مسلمون.
والوجه الاخر: أن نقول: وجدت الالف من هذا دعامه وليست بلام فعل، فلمّا ثبت ردّت(5) عليها نوناً، ثمّ تركت الالف ثابتة على حالها لا تزول في كلّ حال، كما قالت العرب: الّذي، ثمّ زادوا نوناً لا تدلّ على الجماع، فقالوا الّذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان بالالف في رفعه ونصبه وخفضه، وكنانة يقولون: الّذون(6).
____________
(1) في المصدر: لانّ الواو لا تعرب.
(2) ع. ض: كسروا، والمثبت من المصدر.
(3) في المصدر: تركوا الالف تتبعه فقالوا: رجلان في كلّ حال وقد اجتمعت العرب على إثبات الالف في كلا.
(4) في المصدر. وحاشية ع: كلي.
(5) في المصدر: زدتُ.
(6) معاني القرآن: 2 / 183 ـ 184.
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
ألا تعجب من قوم يتركون مثل عليّ بن أبي طالب أفصح العرب بعد صاحب النبوّة وأعلمهم بالقرآن والسنّة ويسألون عائشة؟ أما يفهم أهل البصائر أنّ هذا لمجرّد الحسد أو لغرض بعيد من صواب الموارد والمصادر؟ ثمّ كيف يروى مثل هذا ولا ينكر ولا يترك؟ وهي تطعن بهذا القول على مَن جمع المصحف وعلى كاتبه وعلى مَن حضر من الصحابة وعلى ما بلغه ذلك من الصدر الاول!
أقول:
وأمّا الّذي يقال عنه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أنّ في القرآن لحناً.
فقد ذكر ابن قتيبة أنّه عثمان بن عفان.
وأمّا قول مَن قال: إنه لحن، ولكنّه نمضي عليه.
فلعلّه يعتقد أنّ جامع القرآن ممّن يجوز الطعن على جمعه! ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد أن في القرآن لحناً جعلوه حجّة على فسادهم.
وأمّا تأويل الفرّاء وما حكاه من استعمال بعض العرب.
فلو كان القرآن قد استعمل هذا في مواضع من القرآن على مقتضى هذه اللّغة كان ما يخفى ذلك على الصدر الاول، وكانوا ذكروه وكشفوه
أقول:
فكان يمكن أن يقال: إنّ الله جلّ جلاله حكى هذا القول عن غيره جلّ جلاله، فلعلّ الّذي حكى عنه قال: (إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)، فأراد الله جلّ جلاله أن يحكي لفظ قائله على وجهه كما جرت عادة كثير من
[187] فصل:
فيما نذكره من الجزء الحادي عشر من هذه المجلّدة، تصنيف الفرّاء، من خامس قائمة منه من الوجهة الاوّلة من رابع سطر بلفظه:
وقوله عزّوجلّ: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)يبادرون بالاعمال (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)(1)، يقول: إليها سابقون، وقد يقال: (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ): أي سبقت لهم السعادة(2).
أقول:
إذا احتمل اللفظ الحقيقة فما الّذي يحمل على تفسيره بالمجاز، فإنّ قوله تعالى: (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، هو المعلوم من الحال بالضرورة، لانّهم سبقوا أعمالهم بالمعرفة بالّذي كلّفهم إيّاها وبالرسول الّذي دلّهم عليها وبمعرفة تلك الاعمال الصالحة، وكانوا سابقين لها وهي متأخّرة عن سبقهم، وهو أبلغ في مدحهم(3).
____________
(1) المؤمنون: 23 / 61.
(2) معاني القرآن: 2 / 238.
(3) ع: مدّتهم.
[188] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثاني عشر من هذه المجلّدة، من تفسير الفرّاء، من عاشر سطر من وجهة أوّله:
وقوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ)(1)، ولم يقل: فيفزع، فجعل فَعَلَ مردودة على يَفْعَل، وذلك أنّه في المعنى: وإذا نفخ في الصورة ففزع، ألا ترى أنّ قولك: أقوم يوم تقوم، كقولك: أقوم أذا تقوم فأجيبت بفَعَلَ، لانّ فعل ويفعل يصلحان مع إذا.
فإن قلت: فأين جواب قوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) مع إذا(2).
قلت: قد يكون في فعل مضمر مع الواو، كأنّه قال: وذلك يوم ينفخ في الصور، فإن شئت قلت: جوابه متروك كما قال: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(3) قد ترك جوابه، لانّه كلام معروف، والله أعلم(4).
يقال للفرّاء:
هلاّ جوّزت أن يكون معنى ففزع لعلّ المراد منه سرعة فزعهم من النفخة وتعجيل انزعاجهم مع النفخة، لانّه لو قال جلّ
____________
(1) النمل: 27 / 87.
(2) مع إذا، لم يرد في المصدر.
(3) البقرة: 2 / 165.
وفي المصدر: كما قال: (وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَلاَ فَوْتَ) [34 / 51]وقوله: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا).
(4) معاني القرآن: 2 / 300 ـ 301.
ويقال للفرّاء،
عن قوله: أين جواب (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ).
أنّ الجملة في تمام الاية كاف في الجواب، وما يحتاج أن يقال متروك ولا فعل مضمر مع الواو.
[189] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثالث عشر منه، من الوجهة الثانية من القائمة الثانية منه بلفظه:
قوله: (النَّبِيُّ أوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وَأزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)(1)، وفي(2) قراءة عبدالله وأبيّ: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم، وكذلك كلّ نبيّ، وجرى ذلك لانّ المسلمين كانوا متواخين، وكان الرجل إذا مات عن أخيه الّذي آخاه ورثه دون عَصَبَته وقرابته، فأنزل الله عزّوجلّ النبيّ من المسلمين بهذه المنزلة وليس يرثهم، فكيف يرث المواخي أخاه، وأنزل الله عزّوجلّ: (وَأولُوا الاْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ)(3) عزّوجلّ،
____________
(1) الاحزاب: 33 / 6.
(2) ع. ض: وهي، والمثبت من حاشية ع.
(3) الانفال: 8 / 75.
وفي المصدر: (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بَبَعْض) في الميراث (في كِتَابِ اللهِ).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
كيف يترك ظاهر هذه الاية الشريفة في ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) على المؤمنين كافة وأنّه أولى بهم من أنفسهم وهي قد وردت مورد التخصيص له والتعظيم بما أورد فيها من ذكر الزوجات أنّهن كالامّهات في التحريم لهن على المؤمنين؟
ويقال: مثل هذا الذي ذكره الفرّاء من خلاف الظاهر الواضح، وهل في الاية ما يدلّ على أنّ هذه الولاية والاولوية للنبي (عليه السلام) على المؤمنين على سبيل المثل كما زعم الفراء؟ وهل ذكر زوجاته (عليه السلام)يقتضي حديث ميراث أو معطوف على ما يدلّ على الارث(2).
ثمّ من العجب قول الفراء: إنّ معنى (فِي كِتَابِ اللهِ) أنّه اللوح المحفوظ، وما الّذي صرفه عن أن يكون المراد في القرآن؟ وهو المتضمّن لذلك تصريحاً وتحقيقاً وعياناً ووجداناً، وأيّ حجّة تدلّ من ظاهر هذه الاية على أنّه اللوح المحفوظ؟ فهلاّ ذكر شبهة أو ما يقارن الحجة؟!
[190] فصل:
فيما نذكره من الجزء الرابع عشر منه، من الوجهة الاوّلة بلفظه:
قوله عزّوجلّ: (وَأرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ ألْفِ أوْ يَزِيدُونَ)(3)، أو ها هنا بمعنى بل، كذلك في التفسير مع صحّته في العربية(1).
____________
(1) معاني القرآن: 2 / 335.
(2) حاشية ع: الميراث.
(3) الصافات: 37 / 147.
يقال للفرّاء:
هذا تأويل كأنّه من شاكّ في صحّة التفسير وفي صحّته في العربية، فهلاّ ذكر له وجهاً؟ أو كان تَرَكَ الاية بالكلّية ولا يوهم بهذا الشك الطعن على المفسّرين وأنّها مخالفة للعربية، وهلاّ قال كما قال جدّي أبو جعفر الطوسي في التأدّب مع الله تعالى في تأويل هذه الاية، فإنّه قال:
في معنى أو، ثلاثة أقوال:
أن تكون بمعنى الواو، وتقديره: إلى مائة ألف وزيادة إليهم والثاني: أن تكون بمعنى بل، على ما قال ابن عباس.
الثالث: أن تكون بمعنى الابهام على المخاطبين، كأنّه قال: أرسلناه إلى إحدى العدّتين(2).
أقول:
فهذه وجوه تصون عن الّذي ذكره الفرّاء، وإن كان يمكن أن يكون (أوْ يَزِيدُونَ) على معنى قوله تعالى: (إنَّا أوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أوْ فِي ضَلاَل مُبِين)(3)، فيكون معناه: إنّهم يزيدون على مائة ألف.
____________
(1) معاني القرآن: 2 / 393.
(2) التبيان: 8 / 531.
(3) سبأ: 34 / 24.
[191] فصل:
فيما نذكره من الجزء الخامس عشر منه، من الوجهة الاوّلة منه بلفظه:
قوله عزّوجلّ: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بحُور عِين)(1)، وفي قراءة عبدالله: وأمددناهم بعيس عين والعيساء البيضاء والحوراء(2).
أقول:
وما أدري كيف ذكر قراءة عبدالله واختلاف لفظين على خلاف المصحف؟ وكذا يتضمّن تأويل القرآن اختلافاً كثيراً، وكيف احتمل المسلمون تجويز صحة هذا والطعن على لفظ المصحف الشريف؟ ومن هذه الوجهة طعناه.
وقوله عزّوجلّ: (لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلاَّ الْمَوْتَةَ الاْولَى)(3) يقول القائل: كيف استثنى موتاً في الدنيا قد مضى من موت في الاخرة؟ ثمّ ذكر أنّ إلاّ بمعنى سوى(4).
أقول:
واعلم أنّ السؤال على الفرّاء باق بحاله، لانّه يقال له: إذا قدرنا أنّ
____________
(1) الدخان: 44 / 54.
(2) معاني القرآن: 3 / 44، وفيه: والحوراء كذلك.
(3) الدخان: 44 / 56.
(4) معاني القرآن: 3 / 44.
فأقول أنا:
لعلّ المراد: أنّ هذا الوصف لمّا كان عن المتّقين، وكانوا أيام الحياة الدنيا مشغولين بعمارة الاخرة، فلمّا حضرهم الموت في الدنيا كان ذلك في وقت اشتغالهم بعمارة آخرتهم، فكان ذلك الموت كأنّه في الدار الاخرة، لانّ الانسان إذا جاءه موت وهو مشغول بعمارة دار وقائم في بنائها وبنى أبوابها معنى وصورة، جاز أن يقال مات فيها.
أو لعلّ حال المتّقين لمّا كانوا مكاشفين بالاخرة، فكأنّهم كانوا في الدنيا وأرواحهم ساكنة في الجنان وحاضرة في ذلك المكان، فلما جاءهم موت الدنيا كان كأنّه أتاهم وهم في دار الاخرة.
وقد قال مولانا علي (عليه السلام) في وصف المتّقين: «إنّ أرواحهم معلّقة بالمحلّ الاعلى»(1).
وقال الشاعر:
جسمي معي غير أنّ الروح عندكم | فالروح في غربة والجسم فيوطني |
____________
(1) نهج البلاغة: 4 / 188 باب المختار من حكم أمير المؤمنين، رقم 147.
[192] فصل:
فيما نذكره من الجزء السادس عشر من كتاب الفرّاء، من أوّل وجهة منه بلفظه:
وقوله عزّوجلّ: (بِأكْوَاب وَأبَارِيقَ)(1)، الكوب: ما لا أذن له ولا عروة له، والاباريق: ذات الاذان والعُرا(2).
هذا آخر لفظه بالمعنى، فهلاّ ذكر ما يحتمله خلق الاكواب والمنّة بها على عادته في كثير من كتابه؟ فإنّه ربّما احتمل أنّ الله جلّ جلاله لمّا كان الناس في الحياة الدنيا يستعملون الاباريق ويتكلّفون رفعها بأيديهم احتاجوا إلى عراة لها، ولمّا كان أهل الجنة إذا أرادوا شيئاً كان، فان شاءوا أن تصعد الاكواب إلى أفواهم ليشربوا منها بغير إمساك منهم لها، كان ذلك، فجعل في الجنة ما له عروة لمن يريد رفعه بيده، وما لا عروة له لمن يريد الشرب منه بغير إمساكه.
أقول:
وذكر الفرّاء في تفسير: (قُلْ أُوحِيَ)(3)، من السطر الثامن بلفظه:
إنّ الشياطين لمّا رجمت وحرست منها السماء، قال إبليس: هذا نبيّ قد حدث، فبثّ جنوده في الافاق وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكّة، فأتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجدوه وهو ببطن نخلة قائماً يصلّي ويتلو القرآن،
____________
(1) الواقعة: 56 / 18.
(2) معاني القرآن: 3 / 123.
(3) الجنّ: 72 / 1.
أقول:
في هذه القصة عبرة أن يكون رسل إبليس سعادتهم في طيّ شقاوتهم، وسعادة الغلمان والاتباع لشقاوة سلطانهم المطاع، وأنّ الجنّ تطيع مع قوّتها، وكثير من بني آدم مع ضعفهم ماتوا على الكفر والامتناع، وأنّ إبليس مع قوّة معرفته وحيلته اختار لطاعته من كان لمعصية، فكيف يصلح الثقة باختيار مَن هو دونه في بصيرته؟!
[193] فصل:
فيما نذكره من كتاب قطرب، في تفسير ما ذهب إليه الملحدون عن معرفته من معاني القرآن، من نسخة عتيقة تأريخها سنة تسع وأربعمائة، من رابع كرّاس من رابع قائمة من الوجهة الثانية بلفظه:
ومن سأل عن قوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ)(2)، كيف جاز أن يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ) قبل خلقهم وتصويرهم، وثمّ إنّما يصير الثاني بعد الاول، إذا قلت: أكلتُ رطبة ثمّ تمرة، كانت التمرة المأكولة آخراً، فيما(3) يجاز ذلك؟
____________
(1) معاني القرآن: 3 / 190.
(2) الاعراف: 7 / 11.
(3) ع. ض: فما، حاشية ع: فما مجاز، والمثبت من ط.
أحدهما: (خَلَقْنَاكُمْ) خلقنا أباكم آدم، لانّه أصلهم الّذي منه كانوا، فيكون خلقه آدم هو خلقه لولده، كما يقول: فضحناكم وقتلناكم وهزمناكم يوم ذي قار ويوم حيلة ويوم النساب(1) ويوم الجفار ويوم كذا ويوم كذا، وأنت لم تدرك ذلك اليوم، كأنّك قلت: قَتَلَتْ آباؤنا آباءكم وسادتكم، فكان ذلك قتلاً لهم وإهلاكاً، فهذا وجه حسن.
والوجه الثاني: أن يكون (ثُمَّ) في معنى الواو، كما جاز هذا في الفاء أن يكون قالوا وهي أختها وقد سمعنا ذمّهم(2)سنة في بيت شعر:
قالت سألت ربيعة من خيرها | أباً ثمّ أمّاً فقالت له(3) |
وأمّا الفاء، فقول امرء القيس:
____________
(1) ط: النسار.
(2) ع. ض: دمهم، حاشية ع: ومهمرس كذا في النسخة المنقولة من الاصل.
(3) ع. ض: لمه.
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل | بسقط اللوى بين الدخول فحومل |
ومثله قول القطامي:
سأخبرك الابنا عن أم منزل | بصفها بين العذيب فراسب |
وقول الله في ثمّ(1): (مَا أدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَة أوْ إطْعَامٌ فِي يَوْم ذِي مَسْغَبَة يَتيماً ذَا مَقْرَبة أوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة)(2)، (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنَوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(3)، فإنّه قال: وكان من الذين آمنوا، لانّ ثمّ ها هنا لا يسهل معناها على البعد(4) أن يقول: فكّ رقبة كذا وكذا، قبل أن يكون من الّذين آمنوا، لانّه كأنّه قال: وكان من الّذين آمنوا، مع هذا
____________
(1) كذا.
(2) البلد: 90 / 12 ـ 16.
(3) البلد: 90 / 17.
(4) ط: البعيد.
قالوا: ولا يوجب أن يكون الاخر بعد الاول، ولكن أنت بالخيار في ذلك إذا قلت: ركبت فرساً أو حماراً جاز أن يكون المبدوّ به في اللفظ آخر ويجوز أن يكون أولاً، كذلك قوله: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ)(1).
يقول عليّ بن موسى بن طاووس:
ما المانع أن يكون معنى قوله جلّ جلاله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ) أن تكون الاشارة بهذا الخلق والتصوير إلى ما خلقه في اللوح المحفوظ من صورة خلقهم وتصويرهم؟ وكان السجود لادم بعده بأوقات يحتمل اللفظ ثم الّتي معناها المهملة.
فان قيل: لو كان كذلك كان الخلق والتصوير في اللوح المحفوظ معاً، فلا يحتمل بينهما.
ثمّ يقال: بل الخلق للامر المفردة في كتابتها في اللوح المحفوظ قبل التصوير، ويحتمل أن يكون بينهما بمهملة.
وأمّا قول قطرب في الاية الاخرى: وكان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر.
فربّما لا تكون هذه الاية محتاجة إلى تأويلها بالمجاز، لانّ الله جلّ جلاله وصف الّذي يفكّ الرقبة ويطعم اليتيم والمسكين بأنّهم بعد
____________
(1) هود: 11 / 3 و 52 و 90.
وأمّا قول قطرب عن الاية الثالثة: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ)(2) فلا يحتاج أيضاً إلى تقدير المجاز الّذي ذكره، لانّ مفهوم الاستغفار السؤال لله جلّ جلاله في طلب المغفرة والتوبة، مفهومها الندم على مافات والعزم على ترك العود في عرف الشرع، فأين هذا من ذلك؟ بل يحتمل أن يراد منهم السؤال للمغفرة أولاً ثمّ التوبة ثانياً، ولا يحتاج إلى تأويله بالمجاز.
[194] فصل:
فيما نذكره من كتاب تصنيف عبد الرشيد بن الحسين ابن محمد الاسترابادي، في تأويل آيات تعلّق بها أهل الضلال، قد سقط أوّله، من الكرّاس السابع عشر من الوجهة الثانية من القائمة السابعة، فيما نذكر معناه وبعض لفظه:
وممّا تعلّقوا به قوله تعالى: (وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(3)، فقالوا: كيف يكون والفرقان هو القرآن، ولم يؤت موسى (عليه السلام) القرآن، وإنّما اختصّ به محمد.
____________
(1) البلد: 90 / 17.
(2) هود: 11 / 3 و 52 و 90.
(3) البقرة: 2 / 53.
فيها وجوه:
منها: أن يكون المراد بالفرقان الكتاب، وإذا اختلف اللفظ جاز العطف، كما يقال: النائي والبعد، وهما واحد.
ومنها: أن يراد بالفرقان فرق البحر بينه وبين فرعون وكلّما كان فرقاناً.
ومنها: أن يكون أتينا موسى الايمان والتصديق بكتابه وهو التوراة وبفرقان محمد.
ومنها: أن يكون آتينا موسى الكتاب ومحمداً الفرقان.
وأورد الاسترابادي على كلّ وجه ما يقتضي جوازه
يقول عليّ بن موسى بن طاووس.
إنّ قول الله جلّ جلاله في آية أخرى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وضِيَاءً)(1)، كأنه يقتضي أن يكون الفرقان حقيقة عن التوراة وعما آتاهما ومن كلّ ما يسمّى فرقاناً ولا يحتاج إلى تأويله بالمجاز، وما كأنّه إشارة إلى القرآن.
[195] فصل:
فيما نذكره من المجلّدة المذكورة، من مناقب النبي والائمّة (عليهم السلام)، تأليف الاسترابادي (رحمه الله)، وفيه آيات وأخبار، من الوجهة الاوّلة من ثاني قائمة من الكرّاس الرابع بلفظه:
____________
(1) الانبياء: 21 / 48.
حضر الرضا عليّ بن موسى (عليهما السلام) عند المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق وخراسان.
فقال الرضا (عليه السلام): «أخبروني عن قول الله عزّوجلّ: (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم)(1)، فمن عني بقوله: (يس)؟».
قالت العلماء: (يس) محمد (عليه السلام) لم يشك فيه أحد.
قال أبو الحسن (عليه السلام): «فإنّ الله تبارك وتعالى أعطى محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد كنه وصفه إلاّ من غفله، وذلك أنّ الله عزوجلّ لا يسلّم على أحد إلاّ الانبياء صلوات الله عليهم، فقال تبارك وتعالى: (سَلاَمٌ عَلَى نُوح فِي الْعَالَمِينَ)(2)، وقال: (سَلاَمٌ عَلَى إبْرَاهِيمَ)(3)، وقال: (سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ)(4)، ولم يقل: سلام على آل نوح، ولم يقل: سلام على آل إبراهيم، ولم
____________
(1) يس: 36 / 1 ـ 4.
(2) الصافات: 37 / 79.
(3) الصافات: 37 / 109.
(4) الصافات: 37 / 120.
أقول:
وإنّ تحت قوله جلّ جلاله: (إنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(2)، شهادة من الله جلّ جلاله لهم بأنّ تسليمه جلّ جلاله عليهم جزاء حسناتهم ومكافاة على علوّ شأنهم، فهو زيادة على إطلاق لفظ التسليم وإشارة إلى المراد بالتعظيم.
[ ] فصل:
فيما نذكره من كتاب الوجيز في شرح أداء القرّاء الثمانية المشهورين، تأليف حسن بن علي بن إبراهيم الاهوازي، ذكره في الوجهة الاولة ما هذا لفظه:
عبدالله بن كثير المكي، ونافع بن عبد الرحمن المدني، وعبدالله بن عامر الشامي، وأبو عمر بن العلاء البصري، وعاصم بن أبي النجود الاسدي، وحمزة بن حبيب الزيات السميلي، وعليّ بن حمزة الكسائي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي.
أقول:
ثم ذكر من اختلافهم ما لا أُؤثر الكشف عنه، وأصون سمع مَن يقف على كتابي عنه.
[196] فصل:
____________
(1) الصافات: 37 / 130.
(2) الصافات: 37 / 131.
(يَا أيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا ألْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ الانَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإنْ يَكُنْ مِنْكُم مِائةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ألْفٌ يَغْلِبُوا ألْفَيْنِ بِإذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(2).
أقول: قال لي قائل: هل رويت لايّ حال كان من الحسنة الواحدة عشراً؟
قلت: ما على خاطري الان ذلك، ولكن إن كان يمكن أنّه لمّا كان في صدر الاسلام قد كلّف المؤمن أن يجاهد عشرة من الكفّار، اقتضى العدل والفضل أن يكون عوض الحسنة عشراً، فلمّا نسخ الله جلّ جلاله ماله جلّ جلاله من التكليف أبقى ما وعد جلّ جلاله من التضعيف والتشريف، إن كان يمكن هذا التأويل.
أقول:
____________
(1) كذا في جميع الاصول المعتمدة، وفيما مرّ من الفهرس: تأريخ.
(2) الانفال: 8 / 65 ـ 66.
ولعلّ تأويل هذا: أنّهم لمّا كانوا في بداية الاسلام كان ملوك الدنيا يستضعفونهم أن يقصدوهم بالمحاربة، وكان أعدادهم قليلين، ولمّا شاع الاسلام وقوي أصحابه صار أعداؤهم أضعافهم من قبل، فاحتاجوا إلى ترغيب وضمان النصرة لهم وأراهم أنّني خففت عن كثرة العدوّ لاوثقكم أنّني أنا القيّم بنصرة رسولي وديني فتطيب قلوبهم، كما قال موسى (عليه السلام) لبني إسرائيل لمّا قالوا: (إنَّا لَمُدْركُونَ) فـ (قَالَ كَلاَّ إنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(1)، فسكنت القلوب وفرجت الكروب.
[197] فصل:
فيما نذكره من الجزء الاول من إعراب القرآن، تصنيف أبي إسحاق إبراهيم ابن السري(2) الزجّاج، من الوجهة الاوّلة من القائمة الثالثة(3) من السطر السادس والعشرين بلفظه:
قوله عزّوجلّ: (الْحَمْدُ للهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(4).
(الْحَمْدُ)، رفعٌ بالابتداء.
____________
(1) الشعراء: 26 / 61 ـ 62.
(2) ع. ض: إبراهيم السري، والمثبت من حاشية ع.
(3) في حاشية ع: الثانية.
(4) الفاتحة: 1 / 2.
أقول:
هذا الزجاج قد ذكر المنع من العمل باحتمالات الاعراب في القرآن، واقتصر على ما نقل بالطرق الصحيحة من جهة صاحب الشريعة، وهذا هو الاحوط في دين الاسلام، وهو خلاف ما قدّمناه عن كثير ممّن صنّف تفسير القرآن.
[198] فصل:
فيما نذكره من الجزء الثاني من كتاب الزجّاج، من أوّل وجهة وأوّل قائمة منه من ثاني سطر بلفظه:
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاْنْفَالِ)(2)، إن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على السين وأسقطتها، وقراءة سعد بن أبي وقاص: يسئلونك الانفال، يكون على التفسير، وتعدّت يسئلونك إلى مفعولين.
وآخر ما حكيناه هو أوّل كلمة في السطر الثالث.
أقول:
قد كان شرط الزجاج ما قدّمناه عنه، وأراه في هذا الجزء الثاني قد
____________
(1) ع. ض: والاختيار.
(2) الانفال: 8 / 1.