(بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ، عَصَمنا اللّهُ وإياك من الفتنة، فإنْ يفعل فأعظِم بها نعمةً، وإلاّ يفعل فهي الهلكةُ، نحنُ نرى أنَّ الجدالَ في القرآن بِدعةٌ، اشتركَ فيها السائلُ والمجيبُ، فتعاطى السائلُ ما ليسَ له، وتكلَّفَ المجيبُ ما ليس عليه، وليس الخالق إلا اللّهُ، وما سواه مخلوق)(1) .
* ذكر (ابنُ وضاح) عن (أبي حفص المدني) انَّه قالَ:
(اجتمع الناسُ في يوم عرفة في مسجد النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يدعونَ بعد العصر، فخرجَ نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر، فقالَ:
ـ أيُّها الناسُ، إنَّ الذي أنتم عليه بِدعةٌ وليست بسُنَّة، إنّا أدركنا الناسَ ولا يصنعونَ مثلَ هذا.
ثمَّ رجعَ فلم يجلس، ثمَّ خرج الثانية، ففعل مثلها، ثمَّ رجع)(2) .
فعلى الرغم من أنَّ فهم (نافع) لمفهوم (البِدعة) كانَ فهماً مغلوطاً إلاّ أنَّ الذي يخصُّنا ذكره في المقام هو أنَّ لفظ (البِدعة) قد استُعمل في موردَ الذم المقابل للسُنَّة، وطُبقَ على هذا الموردَ بالخصوص في نظر القائل.
* جاءَ في (المدخل) لـ (ابن الحاج):
(إنَّ مروان لمّا أحدثَ المنبرَ في صلاة العيد عند المصلّى، قامَ إليه أبو سعيد الخدري، فقالَ:
ـ يا مروانُ، ما هذهِ البِدعةُ؟ فقالَ:
____________
(1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 89، باب: 14، ح: 4، ص: 118، عن أمالي الصدوق، ص: 326. (2) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 46.
ـ إنَّها ليست ببِدعة، هي خيرٌ مما تعلم، إنَّ الناس قد كثروا فأردتُ أنْ يبلغهم الصوت، فقالَ أبو سعيد:
ـ واللّهِ لا تأتون بخير مما أعلمُ أبداً، واللّهِ لا صليتُ وراءَك اليومَ. فانصرف ولم يصلِّ معه صلاةَ العيد)(1) .
وعلى الرغم أيضاً من أنَّ معالجةَ (أبي سعيد الخدري) لهذا الموقف المحدث لم تكن مبنيةً على أساس فهمٍ صحيح لمفهوم (البِدعة)، وبقطع النظرِ عن طبيعة المواقف الصادرة من طرفي هذهِ الواقعة، نجدُ أنَّ (البِدعة) قد استُعملت مذمومةً أيضاً، وقد فهمَ الطرفُ المقابل خصوصَ هذا المعنى من استعمالها تبادراً.
* وجاءَ في (المدخل) أيضاً:
(قالَ أبو معمَّر رأيتُ يساراً أبا الحكم يستاكُ على باب المسجد، وقاصاً يقصُّ في المسجد، فقلتُ له:
ـ يا أبا الحكم! الناسُ ينظرونَ إليكَ، فقالَ:
ـ الذي أنا فيه خيرٌ مما هم فيه، أنا في سُنَّةٍ وهم في بِدعة)(2) .
فأُطلقت (البِدعةُ) فيما يُقابل السُنَّة في نظر القائل.
* وجاءَ في (فتح الباري):
(وقد أخرج أحمد بسند جيِّد عن غضيف بن الحارث قالَ: بعثَ إلىَّ عبدُ الملك بن مروان فقالَ:
ـ إنَّا جمعنا الناسَ على رفع الأيدي على المنبر يومَ الجمعة، وعلى القصص بعد الصبح والعصر، فقالَ:
____________
(1) ابن الحاج، المدخل، ج: 2، ص: 286. (2) ابن الحاج، المدخل، ج: 2، ص 286.
ـ أما إنَّهما أمثلُ بدعكم عندي، ولستُ بمجيبكم إلى شيءٍ منهما، لأنَّ النبي قالَ: (ما أحدثَ قومٌ بِدعةً إلا رُفعَ من السُنَّة مثلُها، فتمسُّكٌ بسُنَّةٍ خيرٌ من إحداثِ بِدعة)(1) .
فالاستشهادُ بالحديث النبوي، وسياقُ المحاورة واضحٌ في إطلاق لفظ (البِدعة) في مورد الذم من وجهة نظر المتكلِّم.
* روي عن (الحسن البصري) أنَّه قالَ:
(إنَّ أهلَ السُنَّة كانَوا أقلَّ الناس فيما مضى، وهم أقلُّ الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مَعَ أهلِ الترف في أترافهم، ولا مَعَ أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سُنَّتهم، حتى لقوا ربَّهم، فكذلكَ فكونوا)(2) . ونُقل عنه أنَّه قالَ:
ـ صاحبُ البِدعةِ لا يزدادُ اجتهاداً، وصياماً، وصلاةً، إلاّ ازدادَ من اللّه بُعداً)(3) .
وقالَ أيضاً:
(لا تجالسْ صاحبَ بِدعةٍ، فإنَّه يُمرضُ قلبَكَ)(4) .
* وخرَّج (ابنُ وهب) عن (أبي إدريس الخولاني) أنَّه قالَ:
(لئن أرى في المسجد ناراً لا أستطيعُ إطفاءَها، أحبُّ اليَّ من أنْ أرى فيه بِدعةً لا أستطيعُ تغييرَها)(5) .
____________
(1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج: 13، ص: 254. (2) زينو، محمد جميل، منهاج الفرقة الناجية، ص: 110. (3) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 27. (4) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 47. (5) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 36.
* وروي عن (أيوب السختياني) أنَّه قالَ:
(ما ازدادَ صاحبُ بِدعةٍ اجتهاداً، إلاّ ازدادَ من اللّهِ بُعداً)(1) .
* وروي عن (أبي قلابة) أنَّه قالَ:
(ما ابتدعَ رجلٌ بِدعةً، إلاّ استحلَّ السيفَ)(2) .
* وروي عن (يحيى بن أبي كثير) أنَّه قالَ:
(إذا لقيتَ صاحبَ بِدعة في طريقٍ، فخُذ في طريقٍ آخر)(3) .
* ورُوي عن (يحيى بن أبي عمر الشيباني) أنَّه قالَ:
(كانَ يقالُ: يأبى اللّهُ لصاحب بِدعةٍ بتوبة، وما انتقلَ صاحبُ بِدعةٍ إلاّ إلى شرٍّ منها)(4) .
* ورُوي عن (مالك) أنَّه كثيراً ما كانَ ينشد:
وخيرُ أُمور الدين ما كانَ سُنَّةً***وشرُّ الأُمورِ المحدثاتُ البدائعُ(5)
* ورُوي عن (عبد اللّه بن المبارك) قولُه:
(فإلى اللّهِ نشكو وحشتَنا، وذهابَ الإخوان، وقلهَ الأعوان، وظهورَ البدع)(6) .
* ورُويَ عن (عمر بن عبد العزيز) أنَّه لما بايعه الناسُ، صَعَد المنبرَ فقالَ:
(...ألا وانّي لستُ بمبتدع، ولكنّي متّبع)(7) .
____________
(1) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 27. (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 83. (3) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 48. (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 85. (5) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 85. (6) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 39. (7) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 86.
وكتبَ إلى عاملٍ له:
(..واعلم أنَّ الناسَ لم يُحدثوا بِدعةً، إلاّ وقد مضى قبلَها ما هو دليلٌ عليها، وعبرةٌ فيها)(1) .
وقالَ (عروةُ بن أُذينة عن أُذينة) يرثيه:
ففي كلِّ يومٍ كنتَ تهدمُ بِدعةً***وتبني لنا من سُنَّة ما تهدَّما(2)
* ورُوي عن (الفضل بن عياض) أنَّه قالَ:
(مَن جلسَ مَعَ صاحب بِدعةٍ، لم يُعطَ الحكمة)(3) .
* وقالَ (يحيى بنُ معاذ الرازي):
(اختلافُ الناس كلهم يرجعُ إلى ثلاثة أُصول، فلكل واحدٍ منها ضدٌّ، فمن سقطَ عنه وقعَ في ضده: التوحيدُ وضدُّه الشركُ، والسُنَّةُ وضدُّها البِدعةُ، والطاعةُ وضدُّها المعصيةُ)(4) .
* ورُوي أنَّه قيلَ لـ (أبي علي الحسن بن علي الجوجزاني):
(كيف الطريقُ إلى السُنَّة؟ فقالَ: مجانبةُ البدع)(5) .
* وقالَ (أبو بكر الترمذي):
(لم يجد أحدٌ تمامَ الهمة بأوصافها، إلاّ أهلُ المحبة، وإنَّما أخذوا ذلك باتباع السُنَّة، ومجانبةِ البِدعة)(6) .
____________
(1) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 30. (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 87. (3) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 90. (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 92. (5) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 92. (6) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 92.
* وقالَ (أبو بكر بنُ سعدان):
(الاعتصامُ باللّه هو الامتناعُ من الغفلة، والمعاصي، والبدع، والضلالات)(1) .
* ورُوي أنَّه سُئلَ (حمدون القصّار):
ـ (متى يجوزُ للرجل أنْ يتكلمَ على الناس؟ فقالَ:
ـ إذا تعيَّن عليه أداءُ فرضٍ من فرائض اللّه في علمه، أو خافَ هلاكَ انسانٍ في بِدعةٍ يرجو أنْ ينجيَه اللّهُ منها)(2) .
* ورُوي عن (أبي عثمان الجبري) أنَّه قالَ:
(مَن أمَّرَ السُنَّة على نفسه قولاً وفعلاً نطقَ بالحكمة، ومَن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطقَ بالبِدعة)(3) .
* ورُوي أنَّه سُئل (إبراهيمُ الخواص) عن العافية، فقالَ:
(العافية: أربعةُ أشياء: دينٌ بلا بِدعة..)(4) .
* ورُوي عن (أبي محمد عبد اللّه بن منازل) أنَّه قالَ:
(لم يضيّع أحدٌ فريضةً من الفرائض، إلا ابتلاه اللّهُ بتضييع السُّنن، ولم يُبتلَ بتضييع السُّنن أحدٌ، إلا يوشكُ أنْ يُبتلى بالبدع)(5) .
____________
(1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 93. (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 95. (3) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 96. (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 97. (5) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 97.
* وقالَ (بندارُ بنُ الحسين):
(صحبةُ أهل البدع تورثُ الإعراضَ عن الحق)(1) .
ففي كل هذهِ المقولات المتقدمة، نلاحظُ أنَّ لفظَ (البِدعة) قد استُعمل في موارد الذم بشكلٍ واضحٍ وصريح، وتشيرُ السياقاتُ اللفظية في كل الموارد المتقدمة إلى أنَّ الارتكاز الحاصلَ في ذهنية المسلمين حول هذا المفهوم ينحصرُ بالطابع المقيت والمذموم له، وأنَّها لم تُستعمل في محاورات المتشرعة إلاّ مذمومةً، وأنَّهم إنما تلقّوا هذا المعنى من الشريعة، وتعاملوا معه على هذا الأساس، ولم يحتملوا أنَّ (البِدعةَ) في الاصطلاح الشرعي يمكنُ أنْ تُطبَّقَ على الحادث الممدوح.
(4)
مَعَ النافينَ لتقسيم البِدعة
لقد نصَّ أكثرُ علماء مدرسة أهل البيت (عَليهِمُ السلامُ) على بطلان تقسيم (البِدعة)، وأثبتوا عدمَ صحة هذا التقسيم المبني أساساً على مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، وأنَّ الصحيحَ هو أنَّ (البِدعة) لا تُطلق في مصطلح الشريعة إلا مذمومةً.
من علماء مدرسة أهل البيت النافين لتقسيم البِدعة
ومن بين أهم هؤلاءِ العلماء المصرّحين ببطلان تقسيم البِدعة على ضوء مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ):
____________
(1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 98.
الشهيد الأول
يقولُ (الشهيدُ الأول) في (قواعده):
(محدثات الأُمور بعد النبي صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تنقسمُ أقساماً، لا يُطلقُ اسمُ البِدعة عندنا إلاّ على ما هو محرَّمٌ منها)(1) .
محمد باقر المجلسي
يقولُ العلامةُ (محمد باقر المجلسي) في توضيح قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ):
(يدلُّ على أنَّ قسمةَ بعض أصحابنا البِدعةَ إلى أقسام خمسة تبعاً للعامة باطلٌ، فإنَّها إنَّما تُطلق في الشرع على قولٍ أو فعلٍ أو رأي قُرّرَ في الدين، ولم يرد فيه من الشارع شيءٌ، لا خصوصاً ولا عموماً، ومثلُ هذا لا يكونُ إلاّ حراماً، أو افتراءاً على اللّه و رسوله)(2) .
عباس القمي
يقولُ الشيخُ (عباس القمي) في (سفينة البحار):
(لا تُطلق البِدعةُ إلاّ على ما كانَ محرَّماً، كما قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار)(3) .
____________
(1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 71، ص: 203. (2) المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج: 1، ص: 193. (3) القمي، عباس، سفينة البحار، ج: 1، ص: 63.
جعفر مرتضى العاملي
يقولُ العلامةُ المحققُ السيّد (جعفر مرتضى العاملي):
(إنَّ ما ذُكر من تقسيم البِدعة إلى حسنةٍ ومذمومةٍ، ومن كونها تنقسمُ إلى الأحكام الخمسة، ثمَّ الاستشهادُ بقول عمر بن الخطّاب عن صلاة التراويح: نعمت البِدعةُ هي.. إنَّ ذلكَ كلَّه ليسَ في محلِّه، ولا يستندُ إلى أساسٍ صحيح؛ وذلكَ لأنَّ البِدعةَ الشرعية هي: إدخالُ ما ليسَ من الدين في الدين، استناداً إلى ما رُوي عنه صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: مَن أحدثَ في أمرنا ما ليسَ منه فهو ردٌّ، لأنَّ قوله: (في أمرنا) معناه: أُدخل في تشريعاتنا الدينية ما ليس منها).
وينقلُ عن السيد (الأمين) القولَ عن (البِدعة):
(ولا يحتاجُ تحريمُها إلى دليل خاص، لحكم العقل بعدم جواز الزيادة على أحكام اللّه تعالى، ولا التنقيصِ منها، ولاختصاصِ ذلكَ به تعالى، وبأنبيائه الذينَ لا يصدرونَ إلاّ عن أمره).
ويضيفُ قائلاً:
(فالبِدعةُ في الشرع، وبعنوانِ التشريع لا تقبلُ القسمةَ المذكورة، بل هي من غير صاحب الشرع قبيحةٌ مطلقاً، وأمّا الابتكار والابتداع في العادات والتقالَيد، وأُمور المعاش والحياة، فهو الذي يقبلُ القسمةَ إلى الحسن والقبيح، ويكون موضوعاً للأحكام الخمسة: الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والإباحة)(1) .
____________
(1) العاملي، جعفر مرتضى، المواسم والمراسم، ص: 63 - 64.
جعفر السبحاني
يقولُ العلامةُ المحققُ الشيخ (جعفر السبحاني):
(وأمّا البِدعةُ بمعنى إدخال ما ليسَ من الدين في الدين، فهو قبيحٌ مطلقاً لا ينقسم، وليس له إلا قسمٌ واحدٌ، وهو أنَّه قبيحٌ محرَّمٌ على الإطلاق)(1) .
من علماءِ مدرسةِ الصحابة النافينَ لتقسيمِ البِدعة
وبما أنَّ التقسيمَ المزعوم للبِدعة لا يمتلكُ أياً من المرتكزات الشرعية أو العقلية التي تبررُه بشكلٍ مطلق، بل لكونه يصطدمُ بشكلٍ مباشر مع حكم العقل، ونصوصِ الشرع كما أسلفنا ذلك في البحث السابق.. فقد التفت مجموعةٌ من علماء مدرسة الخلفاء إلى هذا الأمر، وأبطلوا القولَ بالتقسيم بشكل صريح.
ولكنَّ هؤلاءِ ظلّوا يعيشون في نفس الوقت هاجسَ (التراويح)، وتحيَّروا في تبرير إطلاق لفظ (البِدعة) عليها في مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، إذ لا بدَّ أن يكونَ المرادُ منها أحدَ أمرين: إمّا المعنى الاصطلاحي، وإمّا المعنى اللغوي، فإن كانَ المرادُ منها هو المعنى الاصطلاحي، فهو غيرُ قابل للانطباق إلا في خصوص الموارد المذمومة، بنصِ كلام النافين للتقسيم، وهذا يعني كونَ (التراويح) بِدعةً لا أصلَ لها في الدين، وإذا كانَ المقصودُ منها هو المعنى اللغوي الذي يعني الأمرَ الحادث لا على مثال سابق، على ما أجمعَ عليه اللغويون، فهذا ينتهي بهم أيضاً إلى كون (التراويح) (بِدعةً) لا أصل لها في الدين أيضاً، إذ أنَّ من أجلى قيود (البِدعة) وشروطها بالاتفاق، هو عدمُ وجود أصلٍ شرعي لها في الدين.
____________
(1) السبحاني، جعفر، بحوث في الملل والنحل، ج: 4، ص: 92.
أخذَ هذا الأمرُ يطرحُ نفسَه بالحاحٍ أمامَ النافين للتقسيم، فماذا يا تُرى أنَّهم يجيبون عليه؟ وما هو التبريرُ الذي بوسعهم أن يقدموه في هذا المجال؟
هذا ما ستقفُ عليه أيُّها القارئ الكريم، بعد أن تطالعَ معنا هذهِ الطائفةَ التي انتخبناها لكَ من بين أقوالِ النافينَ للتقسيم.
ابن رجب الحنبلي:
يقولُ الحافظُ (ابنُ رجب الحنبلي) بصدد إبطال القول بتقسيم (البِدعة) إلى ممدوحة ومذمومة:
(والمرادُ بالبِدعة: ما أُحدثَ مما لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، أما ما كانَ له أصلٌ من الشرع يدلُّ عليه، فليس ببِدعة شرعاً، وان كانَ بِدعةً لغةً)(1) .
ويضيفُ الى ذلك القول:
(فقولُه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيءٌ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أُصول الدين، وهو شبيهٌ بقوله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ، فكلُّ مَن أحدثَ شيئاً، ونسبَه إلى الدين، ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجعُ إليه، فهو ضلالةٌ، والدينُ بريءٌ منه، وسواء من ذلكَ مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة)(2) .
____________
(1) حوّى، سعيد الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 361، عن جوامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي، ص: 233. (2) الفوزان، صالح، البِدعة: تعريفها - أنوعها - أحكامها، ص: 8.
ابن حجر العسقلاني:
يقولُ (ابنُ حجر) في (فتح الباري) موضحاً معنى (المحدَثة في الدين):
(المحدَثاتُ بفتح الدال، جمعُ محدَثة، والمرادُ بها ما أُحدث وليسَ له أصلٌ في الشرع، ويُسمّى في عرف الشرع (بِدعةً)، وما كانَ له أصلٌ يدلُّ عليه الشرعُ فليس ببِدعة، فالبِدعةُ في عرف الشرع مذمومةٌ بخلاف اللغة، فإنَّ كلَّ شيءٍ أُحدث على غير مثالٍ يُسمّى بِدعةً، سواءٌ كانَ محموداً أو مذموماً، وكذا القولُ في المحدَثة، وفي الأمر المحدَث الذي وردَ في حديث عائشة: من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو رد)(1) .
ابن تيمية:
يقولُ (ابنُ تيمية) في (اقتضاء الصراط المستقيم):
(إنَّ من الناس مَن يقولُ: البدعُ تنقسم إلى قسمين: حسنة وقبيحة، بدليل قول عمر رضيَ اللهُ عنه في صلاة التراويح: نعمتِ البدعةُ هذهِ، والجوابُ: أمّا أنَّ القولَ: إنَّ شرَّ الأُمور محدثاتُها، وإنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، والتحذير من الأمور المحدثات، فهذا نصٌّ من رسول اللّه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يدفعَ دلالتَه على ذم البدع، ومَن نازعَ في دلالته فهو مراغم..
ولا يحلُّ لأحدٍ أن يقابلَ هذهِ الكلمةَ الجامعةَ من رسول اللّه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الكلية، وهي قولُه: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ بسلب
____________
(1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 252.
عمومها، وهو أن يقالَ: ليس كل بِدعةٍ ضلالة، فإنَّ هذا إلى مشاقةِ الرسول أقربُ منه إلى التأويل، بل الذي يُقالَ فيما يثبتُ به حسن الأعمال التي قد يُقالَ هي بِدعة: إنَّ هذا العمل المعيَّن مثلاً ليس ببِدعة، فلا يندرج في الحديث)(1) .
أبو اسحاق الشاطبي:
ونرى أنَّ (أبا إسحاق الشاطبي) يفصّلُ القولَ بإبطال تقسيم البِدعة إلى ممدوحة ومذمومة في الاصطلاح الشرعي، ويقصرُها على خصوص مورد الذم من خلال أدلة وحجج كثيرة، فيقولُ بشأن النصوص الشرعية التي تناولت مفهومَ (البِدعة) بالذم والتقريع:
(إنَّها جاءَت مطلقةً عامةً على كثرتها، لم يقع فيها استثناءٌ البتة، ولم يأتِ فيها مما يقتضي أنَّ منها ما هو هدى، ولا جاءَ فيها: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ إلاّ كذا وكذا، ولا شيءَ من هذهِ المعاني، فلو كانَ هناكَ محدثةٌ يقتضي النظرُ الشرعي فيها الاستحسانَ، أو أَنَّها لاحقةٌ بالمشروعات، لذُكر ذلكَ في آيةٍ أو حديث، لكنَّه لا يوجد، فدلَّ على أنَّ تلكَ الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية، التي لا يتخلفُ عن مقتضاها فردٌ من الأفراد.. إنَّ متعلقَ البِدعة يقتضي ذلكَ بنفسه، لأنَّه من باب مضادةِ الشارع، واطّراح الشرع، وكلُّ ما كانَ بهذه المثابة فمحال أن ينقسمَ إلى حسنٍ وقبيح، وأن يكونَ منه ما يُمدحُ وما يُذمُّ)(2) .
ويقولُ منتقداً الرأي القائلَ بتقسيم (البِدعة) إلى أحكام الشريعة الخمسة:
____________
(1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 276. (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 141.
(إنَّ هذا التقسيم أمرٌ مخترع، لا يدلُّ عليه دليلٌ شرعي، بل هو في نفسه متدافع، لأنَّ من حقيقة البِدعة أن لا يدلَّ عليها دليلٌ شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كانَ هناك ما يدلُّ من الشرع على وجوب، أو ندبٍ، أو إباحة؛ لما كانَ ثمَّ بِدعة، ولكانَ العملُ داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخيَّر فيها، فالجمعُ بينَ تلكَ الأشياء بدع، وبين كون الأدلة التي تدلُّ على وجوبها، أو ندبها، أو إباحتها، جمعاً بينَ متنافيين)(1) .
محمد بخيت:
يقولُ الشيخ (محمد بخيت) في رسالته عن (البِدعة):
(إن البِدعةَ الشرعيةَ هي التي تكونُ ضلالةً ومذمومة، وأمّا البِدعةُ التي قسَّمها العلماءُ إلى واجبٍ وحرام... الخ، فهي البِدعةُ اللغوية، وهي أعمُّ من الشرعية، لأنَّ الشرعيةَ قسمٌ منها)(2) .
الدكتور دراز:
يقولُ الدكتور (درازُ) ما مضمونُه:
(صارت كلمةُ البِدعة في الاستعمال الشرعي إلى معنىً أخص من معناها في الاستعمال اللغوي، فلا تتناولُ على حقيقتها الشرعية
____________
(1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 191 - 192. (2) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 361.
في الصدر الأول إلاّ ما هو باطل، وهو تلكَ الطرائق المخترعة التي ليس لها مستندٌ من كتابٍ أو سُنَّة أو ما استُنبطَ منها)(1) .
محمد جميل زينو:
يقولُ (محمد جميل زينو) في (العقيدة الإسلامية):
(ليس في الدين بِدعةٌ حسنةٌ، والدليلُ قولُه تعالى: اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً(2) ، وقالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: إيّاكم ومحدثات الأُمور، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار،صحيح رواه النسائي وغيره)(3) .
صالح الفوزان:
يرفضُ (صالحُ الفوزان) القولَ بتقسيم (البِدعة) رفضاً قاطعاً حيثُ يقولُ:
(كلُّ بِدعةٍ في الدين فهي محرّمةٌ وضلالةٌ لقوله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: وإياكم ومحدثات الأُمور، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وقوله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليَس منه فهو ردٌّ، وفي روايةٍ: مَن عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ، فدلَّ الحديثُ على أنَّ كلَّ محدثٍ في الدين فهو بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ مردودة، ومعنى ذلكَ أنَّ البدع في العبادات والاعتقادات محرّمةٌ.. ومَن قسم البِدعة إلى بِدعة حسُنَّة وبِدعة سيئة فهو غالطٌ ومخطئ ومخالفٌ لقوله صَلّى اللهُ عليهِ
____________
(1) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 362. (2) المائدة / 3. (3) زينو، محمد بن جميل، العقيدة الإسلامية من الكتاب والسُنَّة الصحيحة، ص: 94.
وسَلَّمَ: فانَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ؛ لأنَّ الرسولَ حكمَ على البدع كلِّها بأنَّها ضلالةٌ، وهذا يقولُ: ليس كلّ بِدعةٍ ضلالة، بل هناك بِدعةٌ حسنة).
ثمَّ أردفَ يقولُ مبيناً خلفيةَ القول بالتقسيم:
(وليس لهؤلاء حجّةٌ على أنَّ هناك بِدعة حسنة إلا قول عمر رضيَ اللهُ عنه في صلاة التراويح: نعمتِ البدعةُ هذهِ)(1) .
(5)
ثلاثة مبرراتٍ للتراويحِ من قِبَلِ النافينَ لتقسيمِ البِدعة
بعدَ أن انكشفَ للكثيرينَ من علماءِ مدرسة الخلفاء بطلانُ القول بتقسيم (البِدعة) على نحو القطع واليقين، وانحصارُ حقيقتها الشرعية في خصوص مورد الذم والحرمة، حاولوا أن يبرروا إطلاقَ لفظ (البِدعة) على (التراويح) في مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ) من غير المنطلق الذي استندَ إليه القائلونَ بالتقسيم، ليعالجوها من زاويةٍ جديدةٍ تنسجمُ مَعَ القول بنفي التقسيم.
فالقائلونَ بتقسيم (البِدعة) إلى مذمومة وممدوحة، لم يكونوا ليعانوا أمراً من مسألة الاستعمال هنا؛ لأنَّهم يقولُون ببساطة استناداً إلى التقسيم المتقدم، بأنَّ المرادَ من (البِدعة) في هذا الحديث هو البِدعةُ الممدوحة، وقد تقدمَ معنا أنَّ مصدرَ القول بالتقسيم إنَّما بُنيَ أساساً على هذا الحديث نفسه، فالحديثُ إذنْ يحملُ بين طياته حجيةَ
____________
(1) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 8.
القول بالتقسيم، ويتضمنُ مشروعيةَ إطلاق لفظ (البِدعة) على ما لم يكن مذموماً، ومن ثمَّ يُتَّخذُ القولُ بالتقسيم الذي يُدَّعى استفادته من هذا الحديث ذريعةً لصحة استعمال (البِدعة) في غير موردَ الذم.
وبعبارة أُخرى إنَّ تقسيمَ (البِدعة) إلى مذمومة وممدوحة قد بُنيَ على طبيعة الاستعمال المذكور في الحديث، وورودُ هذه الكلمة في حديث (عمر)، وبعد ذلك خُرِّجَ القولُ بصحة إطلاق لفظ (البِدعة) على (التراويح)، واستعمالها في غير مورد الذم - على ما يُدَّعى في نفس الحديث - بناءاً على التقسيم المذكور.
فانظر ماذا ترى؟!!
وأمّا بقيةُ الأعلام من مدرسة الخلفاء الذين أصابوا الواقعَ في القول بنفي التقسيم المذكور، فقد تحيَّروا حقاً في توجيه هذهِ المقولة، وتبرير إطلاق لفظ (البِدعة) على (التراويح)، ومن ثمَّ استحسانها، والإطراء عليها.
فهل انَّها استُعملت في المعنى الاصطلاحي الشرعي الذي يعني (إدخال ما ليس من الدين فيه) والذي ليس له إلا قسمٌ واحد مذموم؛ فيتم بذلك القضاءُ المبرم على شرعية (التراويح)؟!!
أو انَّها استُعملت في المعنى اللغوي الذي يعني الأمرَ الحادثَ الذي ليس له أصلٌ سابق، فلا تكونُ النتيجةُ في هذا الفرض بأحسن مما سبق؟!!
أو أنَّ هناك استعمالاً ثالثاً لم نتمكن من الاهتداء إليه؟!!
هذهِ الأسئلةُ أخذت تطرحُ نفسَها بالحاحٍ أمامَ النافينَ للتقسيم المذكور، وباتت تنتظرُ الإجابةَ الصريحةَ منهم، وفقاً لما توصلوا إليه من نتائج تلك الأبحاث.
ونودُّ هنا أنْ نلفتَ نظرَ القارئ الكريم إلى أنّا لسنا بصدد إثبات صحة إطلاق لفظ (البِدعة) الواردة في مقولة "نعمتِ البدعةُ هذهِ" على معنىً دونَ معنىً آخر، لأنَّه سواءٌ أصحَّ هذا الإطلاق أو ذاك؛ فإنَّ صلاة (التراويح) غيرُ ثابتةٍ لدينا، ولم يقم على مشروعيتها أيُّ دليلٍ شرعي، ولكنَّ كلامنا يتجه نحو الطريقة التي يتعاملُ بها الكثيرُ
من أعلام مدرسة الخلفاء مَعَ مفردات الثقافة الإسلامية، وكيف تكونُ هذهِ المفرداتُ الحساسة ضحيةً للتقولات والتبريرات، إذ يكونُ الأساسُ في البحث والطرح العلمي هو تبريرُ ما يُرادُ تبريرُه - لأيِّ دافعٍٍ كانَ - حتى لو اقتضى الأمرُ حرفَ المفهوم عن حقيقته، وإقصاءه عن واقعيته التشريعية، وهذا ما لمسناه بشكلٍ مباشر في الكلمات المتقدمة التي بَنَت تقسيمَ (البِدعة) على أساس مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، على حساب المعنى الشرعي والواقعي لها، والذي تداركه البعضُ الآخرُ من هؤلاءِ الأعلام الذين أبطلوا القولَ بالتقسيم.
ولكنَّ هؤلاءِ وإن أصابوا في إبطال القول بالتقسيم، إلاّ انَّهم وقعوا في نفس ما وقعَ فيه الأسبقون حينَ حاولوا تبريرَ مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، وتوجيه استعمال هذا اللفظ فيها، مَعَ الحرص على القول ببطلان التقسيم، وأنَّ (البِدعةَ) لا تُطلقُ في مصطلح الشرع إلاّ في مورد الذم والحرمة.
وإنْ كنّا نحتفظُ لأنفسنا بالاعتقاد بأنَّ لفظَ (البِدعة) هنا قد استُعمل في معناه الشرعي المصطلح والمرتكز في أذهان المسلمين، والذي يعني (إدخال ما ليسَ من الدين فيه)، كما سجَّلنا ذلك دليلاً من نفس الحديث المذكور على عدم شرعية صلاة (التراويح)، ليُضمَّ إلى الأدلة والقرائن الأُخرى في المقام.
ويبقى علينا أنْ ننتحلَ العذرَ لأمر الإعجاب بهذهِ (البِدعة)، والإطراء عليها، لِما رآه القائلُ المبتكِرُ من استجابةٍ مثالية من قبلِ الكثير من المسلمين لقراراته، التي ينطلقُ فيها من اعتبار نفسه ناطقاً باسم الرسالة والدين، وممسكاً بزمام الأحكام الشرعية، ومؤهلاً لرفعها، أو وضعها من الأساس!!
وقبل أن نستعرضَ بعضَ الأقوال التي برَّرت إطلاقَ لفظ (البِدعة) على صلاة (التراويح) من قبل النافين للتقسيم، نشيرُ إلى أنَّ هؤلاءِ قد اتفقوا على أمرين هما:
الأمرُ الأولُ:
إنَّ صلاةَ (التراويح) ليست (بِدعةً) بالمعنى الشرعي، وإنَّما هي سُنَّةٌ تمتلك الأصلَ الشرعي، من خلال ممارسة النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لها بضعةَ ليالٍ، ثمَّ تركَها مخافةَ الافتراضِ على الأُمة، وهذا الأمرُ سوف نناقشه لاحقاً بإذن الله تعالى، ونثبتُ هناك أنَّ (التراويح) لا تمتلكُ أيةَ شرعيةٍ مطلقاً، وليس لها أيُّ أصلٍ في الدين، وأنَّ رسولَ اللهِ ( صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ) لم يصلِّها في حياته قط، وإنَّما هي من أصدق مصاديق الابتداع.
الأمرُ الثاني:
إنَّ لفظَ (البِدعة) الواردَ في مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، لا يمكنُ أن يُرادَ منه المعنى الشرعي في نظر النافينَ للتقسيم، لما ثبتَ لديهم بأنَّ (البِدعةَ) لا تُطلقُ شرعاً إلاّ في موردَ الذم والحرمة، فلا بدَّ إذن من التماسِ مخرجٍ آخر، يبررُ الاستعمالَ المذكور، وينسجمُ مَع القول بنفي التقسيم.
ومن خلال ملاحظة هذين الأمرين جاءَت التبريراتُ متعددةً ومتنوعة، نذكرُ منها ثلاثةَ نماذجَ تمثلُها وتُعدُّ القاسمَ المشتركَ بينها من كلمات المتقدمين والمتأخرين.
التبريرُ الأولُ: لابنِ تيمية
يبررُ (ابنُ تيمية) خروجَ (التراويح) من عموم البدع المذمومة بالقول:
(أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بِدعة مَعَ حسنها، وهذهِ تسميةٌ لغويةٌ، لا تسمية شرعية، وذلكَ انَّ البِدعةَ في اللغة تعمُّ كل ما فُعلَ ابتداءاً من غير مثالٍ سابق، وأمّا البِدعةُ الشرعية فكلُّ ما لم
يدلَّ عليه دليل شرعي... فلفظُ البِدعة في اللغة أعمُّ من لفظ البِدعة في الشريعة).
من خلال هذا النص يصرّح (ابن تيمية) بأن إطلاق (عمر) لكلمة (البِدعة) على التراويح لا يمكن أن يراد به المعنى الشرعي، لأنه سينتهي إلى القول بعدم وجود دليل شرعي على (التراويح)، وإنَّما المرادُ من كلمة (البِدعة) هنا المعنى اللغوي الأعم الذي يعني الأمرَ الحادثَ من غير مثالٍ سابق.
ولكنَّه بعد سطر واحدٍ من كلامه هذا يناقضُ نفسَه حيثُ يدَّعي بأنَّ رسولَ اللهِ ( صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ) قد أدَّى هذه الصلاة بضع ليالٍ، ومن ثمَّ انصرفَ عنها، بمعنى أن لهذه الصلاة مثالاً سابقاً، مع أنَّ المعنى اللغوي الذي يذهبُ إليه يُشترط في صدقه عدمُ وجود مثالٍ سابق، فكيف يمكنُ الإدِّعاءُ بصحة المعنى اللغوي مع هذا الأداء السابق لها من قبل النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّمَِ) حسب زعمه؟!!
فنراه يقولُ بهذا الخصوص:
(فالنبيُّ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قد كانَوا يصلّون قيامَ رمضانَ على عهده جماعةً وفرادى، وقد قالَ لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: إنَّه لم يمنعني أنْ أخرجَ إليكم إلا كراهةَ أنْ يُفرض عليكم، فصلّوا في بيوتكم، فإنَّ أفضلَ صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة.
فعلَّل صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عدمَ الخروج بخشية الافتراض، فعُلمَ بذلك أنَّ المقتضي للخروج قائم، وانَّه لولا خوف الافتراض لخرجَ إليهم)(1) .
____________
(1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 276 - 277.
وبعد وقوع (ابن تيمية) في هذا التناقض الصارخ يحاولُ أن يضفي على (التراويح) بعضَ المواصفات التي تجعلُ من كيفيتها غيرَ مسبوقة بمثال؛ لكي ينطبقَ عليها المعنى اللغوي المزعوم.
من هنا نراه يقولُ:
(فلما كانَ في عهد عمر جمعَهم على قارئ واحد، وأُسرجَ المسجدُ، فصارت هذهِ الهيئة ـ وهي اجتماعُهم في المسجد على إمامٍ واحدٍ مَعَ الإسراج ـ عملاً لم يكونوا يعملونَه من قبل، فسُميَ بِدعةً، لأنَّه في اللغة يُسمى بذلك، وان لم يكن بِدعةً شرعية)(1) .
فهل تعرف أيُّها القارئُ الكريمُ للتحميل والتعسف معنىً غير هذا؟ وهل أنَّ (ابن تيمية) يعتقدُ في قرارة نفسه بصحة ما يقولُ؟ وما دخلُ (الإسراج) فيما نحنُ فيه؟!!
فالملاحظ انَّ (ابنَ تيمية) يضمُّ (الإسراج) إلى اجتماعِ المصلين على إمامٍ واحد من أجل أن يجعلَ الأمر المبتدع غيرَ مسبوقٍ بمثال، لكي يصحَّ بذلك استعمالُ (البِدعة) في معناها اللغوي الذي يعني الحادثَ الذي ليس له مثالٌ سابق.
ففائدةُ ضمِّ (الإسراج) إذن هي تبريرُ الاستعمال المذكور، والإيحاءُ بأنَّ هذهِ الهيئة بأجمعها لم تكن موجودةً سابقاً، فيكون قد احتفظَ لصلاة (التراويح) بأصلها الشرعي المزعوم، وبَرَّرَ استعمالَ (البِدعة) لغوياً؛ لكي لا يقعَ الاصطدامُ بين الأمرين.
____________
(1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 276 - 277.
وعلى أساس هذه المغالطة التي ذكرها (ابنُ تيمية) لتبرير (التراويح) يمكننا أنْ نضمَّ عشرات الأوصاف والأحوال الأُخرى إلى هذهِ الهيئة الحاصلة لتبرير عدم مشابهتها لما سبق!!
ونكتفي بالإشارة في المقام إلى أنَّ العودةَ إلى الاستعمال اللغوي للفظ المنقول، وتصحيحَ إطلاقه كذلك، ليس كما يصوّرُه (ابنُ تيمية) في كلامه هذا، وخصوصاً مثل كلمة (البِدعة) التي ترسَّخَ معناها الاصطلاحي الجديد في أذهان المسلمين، واقترنَ استعمالُها الشرعي في موارد الذم والحرمة، من خلال أحاديث غفيرة على لسان صاحب الرسالة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وكلمات بقيةِ الصحابة، كما استعرضنا قسماً منها في سابق دراستنا هذه، ولا سيما إذا لاحظنا قولَ (ابن تيمية) المتقدم حولَ قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ):
(فهذا نصٌ من رسول اللّه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فلا يحلُّ لأحدٍ أنْ يدفعَ دلالته على ذم البدع، ومَن نازع في دلالته فهو مراغم).
فإذا كانَت دلالةُ الحديث على ذم البدع بهذا المستوى من الوضوح، وقد أصبح هذا المعنى نتيجةً لعملية النقل الشرعي هو المتبادرَ إلى أذهان المسلمين، فكيف يصحُّ استعمالُ لفظ ( البِدعة) بعد ذلك في معناها اللغوي الأسبق، من دون الإتيان بقرينة تصرفُ اللفظَ عن معناه المرتكز، لا سيما إذا لاحظنا أنَّ كلمةَ (البِدعة) قد وردَت في هذا الحديث بشكل مطلق، بل سياقُ الحديث يأبى هذا التحميل، ويشهدُ بخلافه، ولنا قرائنُ من نفس الحديث تدلُّ على عدم إمكانَية قصد المعنى اللغوي، وإنَّما المقصود هو (البِدعة) بالمعنى الشرعي المرتكز في ذهنية المسلمين، وهي:
القرينة الاولى:
ذكر (عمر) كلمة (هذه)، أو (هي) في وصف هذه البِدعة والإشارة إليها في قوله: (نعمتِ البدعةُ هذهِ)،أو (نعمتِ البِدعةُ هيَ)، وهذه الإشارةُ تبيِّنُ أنَّ المقصودَ الصريح هو هذه الصلاة بالكيفية المعروفة التي جمعَ الناسَ عليها، ومن ثمَّ استحسنَ ابتكارَه لها، بعد أن لم يكن لها أصلٌ في الدين، شأنُه شأنُ من يفخرُ بمنجزاته ومخترعاته، وهذا يعني أنَّه بصدد المعنى الشرعي على نحو الخصوص.
القرينة الثانية:
وقعت المفاضلةُ في كلام (عمر) في نفس الحديث بين (التراويح) المبتدعة وبين نافلة الليل المسنونة، معترفاً بأنَّ نافلة الليل فرادى على شكلها المأثور عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، والتي يؤتى بها في وقت السحر غالباً أفضل من (التراويح) جماعةً، حيث يقولُ: (والتي ينامونَ عنها أفضلُ)، مما يجعلُ كلمةَ (البِدعة) في حديثه منصرفاً إلى خصوص هذهِ الصلاة المبتكرة من دون قيدٍ أو شرطٍ يوحي بصرف (البِدعة) إلى معناها اللغوي العام.
القرينة الثالثة:
قالَ (عمرُ): (إني أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئ واحدٍ لكانَ أمثل)، فهذا القولُ صريح بوجود عملية تشريع شخصي جديد في مقابل السُنَّة النبوية الثابتة، مما لا يجعلُ مجالاً للشك في إرادة المعنى الشرعي المألوف.
وخلاصةُ القول أنَّ العودةَ بالكلمة المنقولة شرعاً الى المعنى اللغوي العام لها عند الاستعمال يحتاجُ إلى قرينة تصرفُ اللفظَ عن معناه المنقول إلى المعنى المهجور.
ولتوضيح الفكرة نوردُ لها مثالاً، فلو قالَ شخصٌ لآخر: (لقد صليتُ اليومَ في المسجد)، فلاشك أنَّ السامعَ سوف يفهمُ من كلامه أنَّه أدَّى الصلاةَ المألوفة من قيام، وركوع، وسجود، وهذا هو المعنى المتبادرُ من لفظ (الصلاة) في ذهنية المسلمين، أمّا لو قالَ: إني أردتُ من قولي ذاك المعنى اللغوي للصلاة، أي انِّي دعوتُ الله (جَلَّ وعَلا) وحسب، ولم أكن أقصدُ الصلاةَ المألوفة، فإنَّ كلامَه لا يكونُ مقبولاً، ويقالُ له كانَ الأحرى بك أنْ تنصبَ قرينةً تشيرُ إلى المعنى اللغوي.
ويزدادُ الأمرُ أهميةً فيما لو ترتبَ على المعنى أثرٌ معين، فلو طلبَ شخصٌ من آخر أن يصليَ عن والده المتوَفَّى مقابلَ أجرٍٍ معين (بناءً على القول بصحة الإجارة في العبادات عن الأموات)، وقالَ له: (خذ هذا المالَ وادخل المسجدَ وصلِّ عن روح والدي ما تستطيع)، فأخذَ الأجيرُ المالَ، ودخلَ المسجدَ، وجلسَ برهةً ثمَّ خرج منه، فعاتبه صاحبُ المال بأنَّه لم يره يقومُ ويقعدُ ويركعُ ويسجدُ، فأجابه الأجيرُ قائلاً:(إني فهمتُ المعنى اللغوي للصلاة وهو الدعاء، ولم أفهم المعنى الشرعي لها)، فلا شك في أنَّ هذا التبرير أمرٌ غيرُ مقبول، لأنَّ المعنى اللغوي للصلاة وهو (الدعاء) أصبحَ مهجوراً، ولا بدَّ من إقامة القرائن في حال قصده وإرادته.
كما يزدادُ الأمرُ حساسيةً وخطورةً عندما يتعلقُ بمصير الإنسان الأُخروي، ويمسُّ دينه ومعتقداته، كما في حال تشريع (التراويح) التي توقعُ الإنسانَ في مواجهة السُنَّة الشريفة الثابتة، وتجعلُه مورداً لانطباق جميعِ مواصفات المبتدعين عليه.
ولنقرب الفكرةَ أكثر من خلال مثالٍٍ حسيٍّ تقريبي يحاكي ما فعلَه (عمرُ) بشأن (التراويح)؛ لكي تستبينَ الأُمورُ أكثر، ويسفرَ الصبحُ لذي عينين، والمثالُ هو:
(كانَ هناكَ شخصٌ مهيب، مسموعُ الكلمة، مطاعُ الأمر، يقفُ على مفترقِ طريقين بجانب صاحبٍ له، وكانَ كلٌّ من الطريقين يؤدي إلى مدينةٍ معينة، ولكنَّ أحدَ الطريقين كانَ آمناً وخالياً من المتاعبِ والمخاطر، والآخرَ كانَ محفوفاً بالمخاطر ومملوءاً بالوحوش.
فجاءَ قومٌ يقصدونَ السيرَ إلى تلك المدينة في الليل البهيم، فقالَ الشخصُ المهيبُ لصاحبه: إني أرى لو جعلتُ هؤلاءِ الناس يسيرونَ في طريق الوحوشِ المفترسة لكانَ أمثل؛ لأنَّ في ذلك قوةً لقلوبهم، وتقويةً لعزائمهم، فقالَ له صاحبُه: إنَّها كذبةٌ مهلكةٌ أيُّها الشخصُ المهيب، فقالَ: لا بأسَ بذلك!!
ثمَّ أمرَهم بالسير في طريق المخاطر.
ولما أسفرَ الصبحُ سارَ إليهم لينظرَ حالهم، فإذا هم جرحى، مقطعي الأوصال، تعتصرُهم الآلام، ويتصاعدُ منهم الأنين، وقد فاتَهم الوصولُ إلى مقصدهم وغايتهم التي كانَوا يرجون.
فقالَ الصاحبُ: أيُّها الشخصُ المهيب، ألا تنظر إلى نتيجة الكذبةِ التي كذبتَها على هؤلاءِ المساكينَ الذين اعتمدوا عليك، ووثقوا بكلامك، وإلى الذي أدَّت بهم من عواقبَ سيئة؟
فقالَ الشخصُ المهيب: إنَّ الأنينَ الذي تسمعُهُ من هؤلاء هوَ دويُّ القوةِ والشجاعة! وعلامةُ الإقدامِ والهيبة!!
لقد كانَت كذبةً بيضاء، كذبةٌ ونعمتِ الكذبةُ هذه).
إن ارتكابَ البدع المحرّمة، والسيرَ في طريق الضلالة، والابتعادَ عن السُنَّة النبوية الشريفة، والمحجةِ الإسلامية الغراء، لهو أكثرُ خطراً من تعرضِ الإنسان للوحوش الضارية، بل لا مقايسةَ بين الحالتين، إذ أنَّ مثلَ هذا العمل الذي يجتهدُ فيه الإنسانُ في مقابل قول اللهِ ورسولهِ لا يزيدُ صاحبَه إلا بُعداً عن اللهِ (جَلَّ وعَلا)، ولا يؤدي به إلاّ إلى عذاب الله، وعقوبته، ونكاله، وجحيمه.
إنَّ إدراكَ الإنسان لمصلحة معينة في فعلٍ معينٍ لا يمكنُ أن تبيحَ له اختراقَ حصانة التشريع الإسلامي، وتجاوز خطوطه التوقيفية الحمراء.
ولذلك نرى أنَّ الأثر السيّئَ لصاحب (البدعة) لا ينحصرُ في نطاق شخص صاحبه، وحياتهِ الخاصة، وإنَّما يتعدى ذلك إلى الحياة الاجتماعية العامة، فيؤثرُ فيها سلباً، ويعرقلُ حركتَها، ويشوِّه معالمَها، نتيجةَ الدسِّ، والتحميلِ، والافتراء، ووضع العقباتِ أمامَ القانونِ الإلهي من أن يأخذ مساره الطبيعي في توجيه الفرد والمجتمع، والوصول بالبشرية إلى حيثُ السعادةُ والكمالُ.
وقد تمَّ التاكيدُ من هذا الباب على إغلاق بابِ التوبة في وجهِ المبتدع، وأنَّ أعمالَ البرِّ لا تُقبل منه، وأنَّه يحمل وزرَه ووزرَ مِن عمل ببدعته، كما قال (جَلَّ وعَلا):
(لِيَحمِلوا أوزارَهم كَامِلةً يَومَ القِيامَةِ وَمِن أوزارِ الذِينَ يُضلونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ)(1) .
وجاءَ في الحديث عن رسول اللّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّمَِ) أنَّه قالَ:
(ومن ابتدعَ بدعةَ ضلالةٍ لا تُرضي اللّهَ ورسولَهُ كانَ عليهِ مثلُ آثام مَن عملَ بها لا ينقصُ ذلك من أوزارِ الناس شيئاً)(2) .
وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّمَِ) أنَّه قالَ:
____________
(1) النحل / 25. (2) الشاطبي، أبو اسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 122.
(إنَّ اللهَ احتجرَ التوبةَ على صاحبِ كلِّ بدعة)(1) .
وأغربُ ما في كلام (ابن تيمية) لتصحيح إطلاق (البِدعة) على (التراويح) من باب كونها وردَت في المعنى اللغوي هو قضيةُ (الإسراج) التي أقحمها في كلامه؛ لكي يجعلَ من (التراويح) بمعيِّةِ (الإسراج) غيرَ مسبوقةٍ بمثال!!
فلو غضضنا النظرَ عن عدم الإشارة إلى أمر (الإسراج) من قريبٍ أو بعيد في عمدة الأحاديث التي يُستدلُ بها على ثبوت (التراويح)، بما في ذلك روايتا (البخاري) و(الموطأ)، فإنَّنا نتساءلُ مع (ابن تيمية) ومَن يسيرُ في ركبه أنَّه هل يرتضي لشخصٍ أن يقولَ بشأن (صلاة العشاء) مثلاً التي تُقام جماعةً في مسجد ذي (سراج) بأنّها (بِدعة)، ويطلق عليها هذه الكلمةَ بهذه العفوية، من دون أنْ يقيمَ قرينةً على إثبات ما يقصدُ إليه؟!!
وهل يُلامُ مَن يحملُ كلمةَ (البِدعة) في هذا الكلام على معناها الشرعي المنقول عندَ الاستماع إليها بهذه الطريقة المطلقة؟!
____________
(1) الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1105، ص: 220. ووردَ عن الإمام جعفر الصادق (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قالَ:(كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا إنكَ قد طلبتَ الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدّلكَ على شيءٍ تكثر به دنياك، ويكثر به تبعك؟ قال: بلى، قال: تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس. ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، وأصاب من الدنيا، ثمَّ أنَّه فكّر فقال: ما صنعت؟ ابتدعت ديناً ودعوت الناس، وما أرى لي توبة، إلا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول لهم: إنَّ الذي دعوتكم إليه باطل وانما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت وهو الحق، ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه، فلما رأى ذلكَ عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه، وقال: لا أحلّها حتى يتوب اللّه عزَّ وجلَّ عليَّ، فأوحى اللّه عزَّ وجلَّ إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي، لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما استجبت لك، حتى تردَّ مَن مات إلى ما دعوته إليه، فيرجع عنه): البرقي، أبو جعفر، المحاسن، ج: 1، ص: 328، ح: 7.
فكيفَ إذا حُفَّ الأمرُ بقرائن توحي بالعكس، وكيفَ إذا صدرت هذه الكلمةُ بهذا التسامح من إنسانٍ جلسَ في الموقع الذي يُحاسبُ فيه على الصغيرة والكبيرة من أطراف كلامه؟
وعلى أيّة حال فإنَّ ما تكلَّفه (ابنُ تيمية) أمرٌ مرفوضٌ من الناحية العلمية بالدرجة الأُولى، ومن ناحية كونه التفافاً معلناً على الحقائق، وتزويراً صريحاً للمفاهيم الإسلامية، بما يصبُّ في صالح الأحقاد المذهبية، والتعصب الذميم.
التبريرُ الثاني: لأبي إسحاق الشاطبي
ومن النافين لتقسيم (البِدعة) الذين حاولوا توجيهَ صلاة (التراويح) (أبو إسحاق الشاطبي)، حيثُ أقامَ استدلالَه على ركيزتين:
الركيزة الاولى:
إنَّه اعتبرَ الفترةَ الزمنيةَ التي تركَ فيها رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أداءَ التراويح حسب زعمه، مضافاً إلى الفترة التي لم يصلِّ فيها (أبو بكر) هذه الصلاة.. اعتبرها كافيةً لتطبيق التعريف اللغوي على (البِدعة)، وأنَّها ليست مسبوقةً بمثالٍ سابق، فلم تُستعمل في المعنى الشرعي، لكي نلجأ للقول بالتقسيم.
الركيزة الثانية:
إنَّه عدَّ تسميتَها بالبِدعة أمراً هيِّناً ومبنياً على قاعدة أنْ (لا مشاحةَ في الأسامي)، ولا حاجة للعناء في توجيه ذلك ما دامَ الأمرُ مجردَ تسميةٍ عابرة؛ فنراه يوردُ الإشكالَ الواردَ على تقسيم (البِدعة)، ثمَّ يجيبُ عليه حيثُ يقولُ:
(فانْ قيلَ: فقد سمّاها عمرُ رضيَ اللهُ عنه بِدعةً، وحسَّنها بقوله: نعمتِ البدعةُ هذهِ، وإذا ثبت بِدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلقُ الاستحسان في البدع، فالجوابُ: إنَّما سماّها بِدعةً باعتبار ظاهرِ الحال من حيثُ تركها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، واتفقَ أنْ لم تقع في زمان أبي بكر، لا أنَّها بِدعةٌ في المعنى، فمن سمّاها بِدعةً بهذا الاعتبار فلا مشاحةَ في الأسامي)(1) .
فـ (الشاطبي) هنا يجعلُ (التراويح) من حيثُ أصلها ذاتَ وجهين:
الوجه ألأول:
هي عنده ذاتُ أصلٍ في الدين، باعتبار أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد صلاّها لياليَ ثمَّ انقطعَ عنها كما يُدَّعى، وبهذا تخرجُ عن كونها (بِدعةً) في الاصطلاح الشرعي؛ لأنَّ المعنى المصطلح والمذموم هو ما لم يكن له أصلٌ شرعي يستندُ إليه.
____________
(1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 195.
الوجه الثاني:
هي في نفس الوقت لا تمتلكُ أصلاً، وليس لها سابقُ مثال، باعتبار أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد انقطع عنها، ولم يصلِّها أبو بكر، فيصحُ إطلاقُ لفظِ (البِدعة) عليها بهذا الاعتبار، أي باعتبار أنَّها لم تُصلَّ في برهةٍ زمنية معينة.
ومن الواضح انَّ كلامَ (الشاطبي) هنا لا يسلمُ من المعارضة السابقة لكلام (ابن تيمية) المتقدم، وإن كانَ (الشاطبي) لم يصرّح هنا بأنَّ (البِدعةَ) قد استُعملت في معناها اللغوي كما فعلَ (ابنُ تيمية)، وإنَّما تركَ الكلامَ غائماً، ومشوباً بالغموض والإبهام.
وعلى أيةِ حال فإنَّ ذكرَ (الشاطبي) لهذهِ الفترة الوسطية التي لم تُصلَّ فيها (التراويح) على ما قالَ كانَت سبباً يسوِّغُ الاستعمالَ اللفظي للـ (البِدعة) في الحادث الذي ليس له مثالٌ سابق، وهو ما لا يصحُ هنا، لأنَّ تركَ العمل لمدة معينة غير كافٍ في انطباق عنوان (ما ليسَ له مثالٌ سابق) عليه.
فلو أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كانَ قد صلّى (صلاةَ الاستسقاء) مثلاً لقحطٍ أصابَ المسلمين، وندرةٍ في الأمطار، ثمَّ تركَ الصلاةَ إلى أن ارتحلَ إلى الرفيق الأعلى، ثمَّ صُلّيت هذهِ الصلاةُ بعد عشرينَ عاماً لنفس السبب السابق، فهل يسوِّغُ لنا أن نقولَ هنا بأنَّ (صلاةَ الاستسقاء) (بِدعةٌ)، ونطبقَ اللفظَ لغوياً على هذا المعنى المتأخر زماناً؟ وهل لنا أنْ نبررَ هذا الاستعمالَ اللغوي باعتبار الفترة الوسطية التي تخللت الفعلين؟!
هذا كلُّه بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً من حاجة مثلِ هذا الاستعمالِ في المعنى اللغوي إلى قرينةٍ صارفةٍ تعيِّنُ المقصودَ، وتصحّحُ الاستعمال.
وإذا كانَ مرادُ (الشاطبي) من ذكر الفترة الوسطية بين الفعلين هو أنَّ إطلاقَ لفظ (البِدعة) هنا إطلاقٌ تسامحي، وأنَّه من بابِ ما يُعبِّرُُ عنه بالقول: (فلا مشاحةَ في الاصطلاح)، فهو مرفوضٌ أيضاً لسببين:
السبب الاول:
إنَّ هذا المعنى إن تمَّ واستقامَ في شيءٍ، فهو لا يتمُّ في التعامل مع مصطلحات الشريعة الإسلامية، وخصوصاً مثل مفهوم (البِدعة) الذي يُعدُّ من المفاهيم الإسلاميةِ الدقيقةِ والحسّاسة، التي لا يمكنُ التسامحُ في أمر تناولها، وتطبيقُها على الموارد المختلفة، من دون تثبُّتٍ، ودقةٍ، واستقصاءٍ، وخصوصاً من قبل الأشخاص الذين يعتلون المواقعَ الحساسةَ التي تطمحُ إليها الأبصار، إذ أنَّ أيةَ مسامحة من هذا القبيل، سوف تعرِّضُ مفاهيمَ الشريعةِ الاصطلاحيةِ إلى التذبذب والارتباك.
السبب الثاني:
إنَّ هذا الأمر الذي ذكره (الشاطبي) يمكنُ أنْ يجريَ في إطلاق لفظ (البِدعة) على غير موارد الذم والحرمة أيضاً مما لم يكن له وجودٌ في عهد رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بمثل الاعتبار المذكور، أي أنْ يقالَ بأنَّه (بِدعة) باعتبار أنَّه لم يكن موجوداً في عهد رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، كما لو تمَّ إطلاقُ لفظ (البدعة) على استعمال (الهاتف) أو (المذياع) أو (مكبّرة الصوت)، فيقال بأنَّها بدعٌ، بلحاظ عدم وجودها في زمن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، كما ادَّعى (الشاطبي)، ويُعتذرُ لذلك بالقول بأنَّه (لا مشاحةَ في الأسامي)، فيرجعُ الأمرُ في النتيجة إلى تقسيم (البِدعة) إلى مذمومة وممدوحة، إذ يمكنُ أن نوجدَ لحاظاً واعتباراً لكل الأُمور الحادثة الممدوحة، ونبررَ تطبيقَ لفظ (البِدعة) عليها على هذا الأساس؛ وهذا ما رفضه (الشاطبي) أشدَّ الرفض، حين أكَّدَ بطلانَ القول بالتقسيم بشكلٍ مطلق.
التبرير الثالث: لصالح الفوزان
ويواجه (الفوزان) نفسَ المشكلة التي واجهت النافينَ لتقسيم (البِدعة) في معالجة (التراويح)، مقرراً أنَّ الأحاديثَ الصحيحةَ صرّحت بأنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ من دون أي استثناء، وهذا يعني أنَّ من حقنا أنْ نحملَ كلمةَ (البِدعة) الواردة في مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ) على الضلالة المحرَّمة؛ لأنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وهذهِ (بِدعةٌ)، فهي إذن ضلالةٌ، وهذا لونٌ من ألوانِ القياس العقلي الذي لا يقبلُ التشكيك، فيعودُ (الفوزان) إلى خلفيات هذهِ الصلاة المحدثة، ويحاولُ أنْ يعالجَ الأمرَ من الجذور، بعد اليأس من درجها ضمنَ دائرة المندوبِ أو المباح، كما كانَ يفعلُ القائلونَ بالتقسيم.
وقد عمدَ إلي تبرير إطلاق لفظ (البِدعة) هنا بانتهاج سبيلين:
السبيل الأول:
إنَّه ادّعى أنَّ لفظَ (البِدعة) الواردَ في الحديث المتقدم محمولٌ على معناه اللغوي لا الاصطلاحي، فيقولُ:
(وقولُ عمر: (نعمت البِدعةُ)، يريدُ البدعةَ اللغويةَ لا الشرعية)(1) .
وقد حاولَ أنْ يضيِّقَ من المدلول اللغوي لهذه الكلمة، ويتصرفَ في أصل وضعها بما ينسجمُ مع هذهِ المقولة، فأضافَ:
(فما كانَ له أصلٌ في الشرع يُرجعُ إليه إذا قيلَ إنَّه بِدعةٌ، فهو بِدعةٌ لغةً لا شرعاً)(2) .
____________
(1) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 9. (2) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 9.
فالملاحظُ أنَّه يجعلُ الفعلَ الذي يكونُ له أصلٌ في الشرع من أفراد المعنى اللغوي للبِدعة، وهذا ما لم يتفوه به أحدٌ من السابقين أو اللاحقين.
وعلى ضوء رأي (الفوزان) سوفَ تكونُ جميعُ السُّنن الثابتةِ في الشريعة الغرّاء بِدَعاً محدثةً في المعنى اللغوي على حدِّ زعم (الفوزان)، فبناءً على هذا الرأي تكونُ (الصلاةُ) بِدعةً لغةً، و(الصومُ) بِدعةً لغةً، و(الحجُّ) بِدعةً لغةً لا اصطلاحاً.. وهكذ، والنتيجةُ أنَّ هذا المبنى لا يقلُّ شناعةً عن القول بتقسيم (البِدعة) الذي فرَّ منه (الفوزان)، فهو كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ.
وهذا الاستنتاجُ منه خلافٌ فاضحٌ لما ذكره قبلَ صفحتين من موضوع كلامه هذا، عندما تعرَّضَ لذكر المعنى اللغوي للبِدعة حيثُ يقولُ:
(البِدعةُ في اللغةِ مأخوذةٌ من البدع وهوَ الاختراعُ على غيرِ مثالٍ سابقٍ، ومنه قولُه تعالى: بَدِيعُ السَمواتِ والأَرض(1) ، أي مخترعُها على غيرِ مثالٍ سابق، وقولُه تعالى: قُلْ ما كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسلِ (2)، أي ما كنتَ أولَ مَن جاءَ بالرسالة من اللّهِ تعالى إلى العباد، بل تقدمني كثيرُ من الرسل، ويُقالُ: ابتدعَ فلانٌ بِدعةً، يعني ابتدأَ طريقةً لم يُسبق إليها)(3) .
فمن الواضح أنَّ المعنى اللغوي للـ (البِدعة) يأبى التفسيرَ الذي ذكره (الفوزان) لها على نحو التحميل، وذلك حسبَ إقراره هو، وتصريحه بذلك، إذ (البِدعةُ) لغةً هي: (ما لم يكن له مثالٌ سابق)، حسبَ قولِ أئمةِ اللغة وعلمائها بالاتفاق، فكيفَ يمكنُ أنْ تُطبَّقَ على ما كانَ له أصلٌ سابقٌ في الشريعة، وهل أنَّ بامكانِ أحدٍ أنْ يوسِّعَ أو يضيِّقَ المداليلَ اللغويةَ للألفاظ متى شاءَ، وأنّى أراد؟
____________
(1) البقرة: 117. (2) الأحقاف: 9. (3) الفوزان، صالح، البِدعة ـ تعريفها ـ أنواعها ـ أحكامها، ص: 5.
إنْ هذا إلا عبثٌ سافرٌ بالألفاظ، وخلطٌ واضحُ التهاترِ والبطلان.
السبيل الثاني:
إنَّه ادَّعى أنّ صلاةَ (التراويح) كانَت قائمةً في عهد النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وانَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد صلاها بأصحابه مدّةً، ثمَّ انقطعَ عنها، حيثُ يقولُ:
(والتراويحُ قد صلاّها النبي بأصحابه ليالي، وتخلَّفَ عنهم في الأخير، خشيةَ أنْ تُفرضَ عليهم، واستمرَ الصحابةُ - رضيَ اللهُ عنهم - يصلّونَها أوزاعاً متفرّقينَ في حياة النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وبعد وفاته، إلى أنْ جمعهم عمرُ بنُ الخطاب رضيَ اللهُ عنه خلفَ إمامٍ واحدٍ كما كانَوا خلفَ النبي، وليسَ هذا بِدعة في الدين)(1) .
وقد أثبتنا فيما سبقَ أنَّ النبي الخاتَمَ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لم يصلِّ هذه الصلاةَ المزعومة، بل نهى عن الإتيان بنوافل شهرِ رمضانَ جماعةً، وعنَّفَ بعضَ الصحابة الذين حاولوا ذلك لبضعة ليالٍ، ووصفَ هذا العملَ بأنَّه بِدعةٌ محدثةٌ.
____________
(1) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 9 - 10.