الفصل الخامس
صلاةُ التراويح..
هل هيَ مشمولة بحديث سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين؟
1ـ نص الحديثِ ومضمونُه 2ـ الحديثُ ذريعة لنفي الابتداع عن التراويح 3ـ حديث سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ في الميزان أولاً: ضعف الحديثِ واحتمالُ الوضعِ فيه ثانياً: الخلفاء الراشدونَ هم أئمةُ أهلِ البيت (ع) |
نظرة
على الفصل الخامس
تستندُ الكثيرُ من الدعواتِ التي أطلقها المدافعونَ عن صلاة (التراويح) على حديثِ (سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين)، الذي يدلُّ حسبَ زعمهم على أنَّ النبي (ص) أمرَ باتباع سُنَّتهِ وسُنةِ الخلفاء الراشدينَ من بعده؛ حيثُ اعتبرَ هؤلاءِ أنَّ هذهِ الصلاةَ مشمولةٌ بهذا الحديثِ الذي يعطي (عمرَ بنَ الخطابِ) أهليةَ التشريع، فتكونُ (التراويحُ) سُنَّةً لا بدعةً.
وعندما نضعُ حديثَ (سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين) في الميزان، نكتشفُ أنَّه في غايةِ الضعفِ من جهة السَّند، فرواتُهُ من الوضّاعينَ والمدلِّسين، وهو من أخبار الآحاد، إذ أنَّ أسانيده جميعها تنتهي إلى راوٍ واحدٍ، وهو يشتركُ في مضمونهِ مع أحاديثَ مقطوعة الوضع.
وعلى فرضِ تقديرنا لصحة الحديثِ فإننا سوفَ نثبتُ أنَّ المقصودَ من (الخلفاءِ الراشدين) في الحديث هم أئمةُ أهل البيت (ع)، فلا يمكنُ أنْ يكونَ المقصودُ من الحديثِ (الخلفاءَ الأربعة) المعنيينَ به لدى (مدرسةِ الصحابة)، والذين من ضمنهم (عمرُ بنُ الخطاب)، بدليل أنَّ الإمامَ علياً (ع) رفضَ المبايعةَ على سيرة الشيخينِ، ووقعت الخلافاتُ في أصلِ السُنَّةِ بينَ هؤلاءِ الأربعة، كما أنَّ حجمَ الحديثِ لا يتناسبُ معَ موقعِ الخلافةِ وأهميتها في الإسلامِ، مضافاً إلى أنَّ الإقرارَ بصحة الحديثِ يقودُ إلى القولِ بوجودِ النصِّ الذي ترفضُهُ (مدرسةُ الصحابةِ) بضرسٍ قاطعٍ، وأخيراً نثبتُ أنَّ النبيَ (ص) نصَّ على أنَّ خلفاءَه هم أهلُ البيتِ (ع).
صلاةُ التراويح
(1)
نص الحديثِ ومضمونه
وردَ في معظم كتب (مدرسة الصحابة) ومنها (السُّنن) واللفظُ لـ (الدارمي):
(عن عرباض بن سارية قالَ: صلّى لنا رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ صلاةَ الفجر، ثمَّ وعظَ موعظةً بليغةً ذرفت منها العيونُ، ووجلت منها القلوبُ، فقالَ قائلٌ:
ـ يارسولَ اللهِ كأنَّها موعظة مودِّع فأوصِنا، فقالَ:
ـ أُوصيكم بتقوى اللهِ، والسمعِ والطاعةِ، وإنْ كانَ عبداً حبشياً، فإنَّه مَن يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ، عضُّوا عليها بالنواجذ)(1) .
إنَّ التفسيرَ العام الذي ذكرَه علماءُ (مدرسةِ الصحابة) لهذا الحديثِ هو ضرورةُ السَّمعِ والطاعةِ لكلِ والٍ وحاكمٍ مهما كانَ وضعُه وشكلُهُ، ثم يأمرُ الحديثُ باتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، وضرورة العضَّ عليها بـ (النواجذ)(2) ، مبالغةً للتمسُّكِ بها،
____________
(1) الدارمي، سنن الدارمي، ج: 1، ص: 57، ح: 59، باب: اتباع السُنَّة. وسنن أبي داود، ج:4، ص: 200، باب: لزوم السُنَّة، ح: 4607، وفيه: (وسنة الخلفاء المهديين الراشدين)، وسنن الترمذي، المجلد الخامس، كتاب: العلم، ص: 43، باب: 16، ح: 2676. وسنن ابن ماجة، ج: 1، ص: 16، ح: 43، اتباع سُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين. ومسند أحمد بن حنبل، ج: 5، ص: 109، ح: 16692، ح: 16694، ح: 16695. وكنز العمال، ج: 6، ص: 55، ح: 14818، وفيه: (ولا تنازعوا الأمر أهله، وإن كان عبداً أسود، عليكم بما تعرفون من سُنَّة نبيكم والخلفاء الراشدين المهديين). (2) جاءَ في صحلح الجوهري: الناجذ: هو آخرُ الأضراس، وللأسنان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرحاء، ويُسمى ضرس الحُلُم لأنَّه ينبتُ بعد البلوغ وكمال العقل، يُقال: ضحك حتى بدت نواجذُه، إذا استغرقَ فيه، الجوهري، الصحاح، ج: 2، ص: 571. وجاءَ في لسان العرب: قيل النواجذ: التي تلي الأنياب، وقيل: هي الأضراس كلها نواجذ، وأحسنُ ما قيلَ في النواجذ أنَّها الأنياب، ابن منظور، لسان العرب، ج: 3، ص: 513. وورد في مجمع البحرين: وفي حديث للإمام علي (ع): وعضّوا على النواجذ فإنَّه أنبى للسيوف على الهام، الطريحي، مجمع البحرين، ج: 4، ص: 271.
ولم يُصرَّح في الحديث باسم هؤلاءِ الخلفاء، ولكنّ علماءَ مدرسة الخلفاء فسَّروا الخلفاء بالشخصيات الأربعة التي توالت بعد وفاة الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على حكم الدولة الإسلامية، وهم: (أبو بكر بنُ أبي قحافة)، و(عمر بن الخطاب)، و(عثمان بن عفان)، والإمام (علي بن أبي طالب).
وقد عدَّ أعلامَ مدرسة الخلفاء هذا الحديث من الأُمور المفروغ عنها تماماً، واعتُبر من المسلَّمات التي لا يجوزُ المناقشةُ فيها، وخُرِّجت كل الاجتهادات الشخصية في مقابل الوحي المنزل على أساس هذا الحديث الواهن.
جاءَ في كتاب (البدعة) للدكتور (عزت علي عطية) ما نصه:
(قرنَ الرسولُ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ سُنَّة الخلفاءِ الراشدينَ بسُنَّته.. ففي حديث العرباضِ بن سارية قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ: عليكُم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ عضّوا عليها بالنواجذ.. وإنَّما أمرَ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ باتباعهم؛ لأنَّه علم أنَّهم لا يخطئون فيما يستخرجونه بالاجتهاد، ولأنَّه علم أنَّ بعضَ سُنَّته لا يثبت إلاّ في عصرهم.
وعلى ذلك فالقول: (بأنَّ كلَّ اجتهادٍ وقياسٍ من الخلفاء الراشدين يخالفُ السُنَّة الصحيحةَ لا ينبغي أنْ يُتمسك به) هو قول بغيرِ علم؛ إذ كيف يأمرُ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ باتباع ما
يخالف سنته؟ وكيفَ تحدثُ المخالفةُ بينَ ما أمرَ النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ بإتباعه وبينَ سنته)(1) ؟!!
وقال الشيخ (عبدُ العزيز عيسى) أيضاً:
(فمن أخذَ بما كانَ متبعاً في عهد رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر فحسنٌ، ومَن أخذَ بما كانَ متبعاً في عهد عثمانَ فلا بأسَ به ولا حرجَ عليه في ذلك)(2) .
وقالَ (أبو إسحاق الشاطبي) بهذا الصدد:
(وفي الصحيح قولُه صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأُمور) فأعطى الحديثُ ـ كما ترى ـ أنَّ ما سنَّه الخلفاءُ الراشدونَ لاحقٌ بسُنَّة رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، لأنَّ ما سنُّوه لا يعدو أحدَ أمرَين: إمّا أنْ يكونَ مقصوداً بدليلٍ شرعي، فذلك سُنَّة لا بدعة، وإمّا بغيرِ دليل ـ ومعاذَ اللّهِ من ذلك ـ ولكنَّ هذا الحديث دليلٌ على إثباته سُنَّة، إذ قد أثبته ذلك صاحبُ الشريعة صَلّى عَليِهِ اللهُ وسَلَّمَ)(3) .
ومن الملاحظ هنا أنَّ هذهِ الطريقةَ لا تكلِّفُ الباحثَ أو المفتي عناءً طويلاً لكي يظفرَ بنتائج الأحكام الشرعية، كما أنَّها لا تجعله يقفُ عند الزوايا الحرجة التي تُثار حولَ الكثير من الأُمور المنسوبة إلى (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان) مما هو خارج عن حياط الشرع المبين.
____________
(1) عطية، د. عزت علي، البدعة: تحديدها وموقف الإسلام منها، ص: 149. (2) مجلة (المسلمون)، 27 نوفمبر، 1992م، العدد: 408. (3) الشاطبي، أبو إسحق، الاعتصام، ج: 1، ص: 187.
ومن الغريب حقاً أنَّ هؤلاءِ القوم يسمحونَ لأنفسهم بركوبِ هذا النمط من الاستدلال على نحو الاستئثار والاستقلال، في الوقت الذي لا يَدَعونَ فيه أيَّةَ فرصةٍ من هذا القبيل للطرف الآخر، لكي يمارسَ منهجَه الاستدلالي على ضوء مبانيه ومرتكزاته الخاصة، فمن الجائز لديهم الأخذُ بسُنَّة (الخلفاء الراشدين)، بل وضرورة العضِّ عليها بالنواجذ في مختلف الرؤى والأحكام، اعتماداً على حديثٍ هزيلٍ مروي عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) فيه ما فيه من الضعفِ والوهن، بينما ليسَ من الجائز في وجهة نظرهم أنْ يأخذَ أتباعُ مدرسةِ أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ) بخط أئمتهم ونهجهم، على الرغم من تواتر الروايات الدالة على وجوب الرجوع إليهم، وأخذ معالم الدين عنهم.
كما أنَّ من المفترض لديهم أن يؤمنَ الآخرونَ بكلِّ ما وردَ من طرقهم الخاصة، ويُعدُّونَ الخارجَ عن هذا المنهج الذي سنُّوه خارجاً عن الدين، وتعاليم شريعةِ سيّد المرسلينَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، بينما لا يرونَ أنَّ من الواجب عليهم الإيمانَ والإذعانَ لما رواه الآخرون بأي شكلٍ كان، وليسَ في ذلكَ خروجٌ لهم عن الدين.
فالدين الصحيحُ عندهم هو ما يريدونه وما يكتبونه بطريقتهم الخاصة، وفي ما يعتقدونَه (صحاحاً) معصومةً لا تقبلُ الخطأَ والنقاش، لا ما يعتقدُه ويكتبُه الآخرون!!
إنَّ هذا لوحده كافٍ لدعوتنا إلى التوقف للنظر في منهجهم في التعامل مَعَ أحكام الشريعة الإسلامية المقدسة، والتأمُّلِ في أصل الحديث الذي زعموا فيه الإرجاع إلى (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، وشيَّدوا على أساسه أُصولَ عقائدهم، وأُسسَ أحكامهم في مختلفِ الجوانب والمجالات.وقد أفردتُ دراسةً خاصةً تناولتُ خلالها حديثَ (سُنَّة الخلفاء الراشدين) بالبحث الشامل والتحليل الموضوعي، وأُحاولُ هنا أن أبحثَ الحديث بشكلٍ موجز يتناسبُ مع غرض الدراسة الماثلة.
(2)
الحديث ذريعة لنفي الابتداعِ عنِ التراويح
إنَّ الكثيرَ من الدعوات التي يطلقُها البعضُ لنفي (الابتداع) عن (التراويح)، تستندُ أساساً إلى حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، ويتمُّ تصحيحُ نسبةِ هذهِ الصلاة إلى الشريعة الإسلامية من هذا المنطق، إنّ حديثَ (سُنَّة الخلفاء الراشدين) يستحقُ منّا وقفةً متأنيةً، ننظرُ فيها إلى سندهِ أولاً، ومضمونه ثانياً؛ لأنَّه أصبحَ يمثلُ الخطَّ الخلفي والذريعة الجاهزة، التي يتشبث بها كلّ مَن تُعييه الحججُ، وتُسدُّ في وجهه المنافذ، لتبرير بدع المبتدعين.
وقبلَ أنْ ندخلَ في صميم البحث عن هذا الحديث لا بأسَ بأنْ نطالعَ بعضَ الأقوال التي تستندُ في تبرير (صلاة التراويح) إلى حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، وتعتبره السندَ الأخير في توجيه القول بمشروعيتها تلك (المحدثات)، من بعد أن تعجز من الإجابة على الإشكالات التي تثار حولها.
يقولُ (سعيد حوّى) في (الأساس في السُنَّة وفقهها):
(ألا ترى أنَّ إجماعَ الصحابة على جمع عمر الناسَ في صلاة التراويح على إمامٍ واحدٍ وجعلِها عشرينَ، وقولِ عمر (نعمت البدعةُ هذهِ)، وكلّ ذلكَ قد صحَّ عن عمر وعن الصحابة، ألا ترى أنَّ الذين يضلِّلون عمرَ بسبب ذلك قد دخلوا في دائرة الضلال، فعمرُ من الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ الذين أُمرنا بالاقتداءِ بهم، والاقتداءِ بهديهم)(1) .
____________
(1) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 354.
(3)
حديث سُنَّة الخلفاءِ الراشدينَ في الميزان
وسوف نثبتُ أنَّ حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) لا يمكنُ أن يحتلَّ هذه المكانةَ التي أُضفيت عليه بإجلال وتوقير، ولا يمتلكُ الأهليةَ للوفاء بما عُقد الأملُ عليه، ولنا لإثباتِ ذلك طريقان:
أولاً: ضعفُ الحديث سنداً ومضموناً.
ثانياً: بفرضِ التسليمِ بصحة الحديث فإنَّنا نعتقدُ أنَّ المقصودَ بالخلفاء الراشدينَ الذين أمرَ الحديثُ باتِّباعهم هم أهلُ البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ)، وليسَ ما قصدَه أعلامُ مدرسةِ الخلفاء.
فإلى حيثُ حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) ندعوك ـ أيُّها القارئُ الكريم ـ أن تُلقيَ معنا فيه نظرةً بإنصاف!!
الطريقُ الأولُ
ضعفُ الحديثِ واحتمالُ الوضعِ فيه
هناكَ ثلاثُ قرائنَ أساسيةً تدلُّ على كون حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) حديثاً ضعيفاً وساقطاً عن الاعتبار هي:
أ - ضعف سند الحديث.
ب - انتهاء أسانيد الحديث جميعاً إلى راوٍ واحد.
ج - اشتراك مضمون الحديث مع أحاديث أُخرى مقطوعة الوضع.
وسوفَ نقوم باستعراض هذهِ القرائن الثلاث على الترتيب بنحوٍ من الإيجاز.
أ ـ ضعفُ سَندِ الحديث
وردَ حديثُ (سُنَّة الخلفاء الراشدين) في كتب أبناء العامة بأسانيدَ محدودةٍ، يمكنُ حصرها بالسلاسل الست التالية ليس غير:
السلسلة الأُولى(1):
وقع فيها (ثور بن يزيد) ، وهذهِ السلسلة تُعدُّ من أوثق وأشهر السلاسل التي يعتمد عليها المتمسكون بحديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، وتناقلتها أغلب كتبهم الحديثية المعتبرة، وقد وقع في هذهِ السلسلة (ثور بن يزيد) الذي كانَ معروفاً ببغض أهل البيت (عَليهِمُ السلامُ) ونصبِ العداءِ لهم.
ورد عن (ابن حجر) في (تهذيب التهذيب): أنَّه كانَ يبغضُ أميرَ المؤمنينَ علياً عَليهِ السلامُ، ويصرِّحُ عن ذلك بالقول: (لا أُحبُّ رجلاً قتلَ جدي)؛ وذلكَ لأنَّ جدَّه قد قُتل في صفين إلى صف معاويةَ بن أبي سفيان في حربه مَعَ أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ).
____________
(1) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: 1، ص: 16، وفيه (حدثنا يحيى بن حكيم، حدثنا عبد الملك بن الصباح السلمي، حدثنا ثور بن يزيد..). وفي سنن الترمذي، ج: 5، كتاب العلم، ص: 43، باب: 16، وفيه: (حدثنا الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالَوا: حدثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد... وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر، عن عرباض بن سارية. وفي سنن الدارمي، ج: 1، ص: 57، وفيه: (أخبرنا أبو عاصم، أخبرنا ثور بن يزيد.. وفي مسند أحمد: ج: 5، ص: 109، وفيه: (حدثنا عبد اللّه، حدثني أبي، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ثور.. وحدثنا عبد اللّه، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد). وفي سنن أبي داود، ج: 4، ص: 200، وفيه: (حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد. وفي مستدرك الحاكم، ج: 1، ص: 96 - 97، وفيه: (حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا عاصم، حدثنا ثور بن يزيد..
جاءَ في (تهذيب التهذيب) ما نصُّه:
(ويُقالَ إنَّه كان قدرياً، وكان جدُّه قُتل يوم صفين مَعَ معاوية، فكانَ ثورٌ إذا ذَكرَ علياً قالَ: لا أُحبُّ رجلاً قتل جدّي)(1) .
ونحن نظن أنَّ هذا وحدَه كافٍ في وجهة نظر جميع الفرق والطوائف الإسلامية لإسقاط عدالةِ المرء، وردِّ حديثه، وعدم قبول روايته، فممن لا تُقبل روايتُه بالاتفاق الناصبُ العداءِ لأهل بيت النبوة الطاهرين (عَليهِمُ السلامُ) الذين وردَ الأمرُ بوجوب محبتهم ومودتهم في صريح قوله تعالى:
(قُل لا أَسألُكُم عَلَيهِ أَجراً إلاّ المَوَّدةً في القُربى)(2) .
وقد وردَت الروايات الكثيرة المتضافرة في كتب الفريقين لتشير إلى هذا المعنى أيضاً، وتؤكد على أنَّ حبَّ أهل البيت (عَليهِمُ السلامُ) من الإيمان، وبغضَهم من الكفر والنفاق، وخصوصاً أمير المؤمنينَ علي (عليهِ السلامُ) الذي يدورُ الحقُّ معه أينما دار، والذي هو قسيمُ الجنَّة والنار باتفاق الجميع.
وبما أنَّ هذا الأمر من المسلَّمات الشرعية فإنَّنا نكتفي هنا بالإشارة إلى الحديث المروي في (مستدرك الحاكم على الصحيحين) عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) حيثُ يقولُ:
(والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله اللّه النار)(3) .
____________
(1) العسقلاني، ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج: 2، ص: 33. وانظر: جمال الدين المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج: 4، ص: 425. (2) الشورى / 23. (3) الحاكم في المستدرك، ج: 3، ص: 150
هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد اتفقَ المؤرخونَ والعلماءُ على أنَّ (ثور بن يزيد) كان قدرياً، وقد نصّوا على ذلك بشكل صريح، وكانوا أبعدَ ما يرونَه عن الوثاقةِ بأحاديثه، ويعبِّرونَ عن ذلك بقولهم:
(اتقوا ثوراً لا ينطحكم بقرنيه)(1) !!
____________
(1) جاءَ في (تهذيب التهذيب): (وقالَ عبد اللّه بن أحمد عن أبيه: ثور بن يزيد الكلاعي كان يرى القدر، كان أهل حمص نفوه لأجل ذلك): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 2، ص: 34. وانظر: شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 6، ص: 344. وانظر: محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج: 1، ص: 374. وقالَ (أبو مسهر) عن (عبد اللّه بن سالم): (أدركتُ أهل حمص، وقد أخرجوا ثور بن يزيد، وأحرقوا داره لكلامه في القدر): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 2، ص: 34، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 6، ص: 345، وتهذيب الكمال، ج: 4، ص: 427. وقالَ (علي بن عياش)، عن (إسماعيل بن عياش)، قالَ لنا (عطاء الخراساني): (لا تجالسوا ثور بن يزيد): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 4، ص: 425. وقالَ (أبو توبة الحلبي): (حدَّثنا أصحابنا أنَّ ثوراً لقيَ الأوزاعي، فمدَّ يدَهُ إليه، فأبى الأوزاعي أن يمدَّ يده إليه، وقالَ: يا ثور، لو كانت الدنيا لكانت المقاربة، ولكنَّه الدين): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 6، ص: 344 - 345، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 425. وقالَ (عبد اللّه بن موسى): (اتقوا ثوراً لا ينطحنَّكم بقرنيه): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 6، ص: 345. ورويت هذهِ المقولة عن سفيان الثوري وعن أبي روّاد أيضاً، جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 4، ص: 434. وقالَ (أبو عمير بن النحاس): حدثنا (ضمرة عن (ابن أبي روّاد)، قالَ: (كان الرجل إذا أتاه، قالَ له: أين تريدُ إلى الشام؟ قالَ: إنَّ بها ثوراً فاحذر لا ينطحك بقرنيه): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 4، ص: 424. وقالَ (أبو مسهر) وغيره: (كان الاوزاعي يتكلَّم فيه ويهجوه)، وقالَ (أبو عمير بن النحاس): حدثنا (ضمرة عن (ابن أبي روّاد)، قالَ: (كان الرجل إذا أتاه، قالَ له: أين تريدُ إلى الشام؟ قالَ: إنَّ بها ثوراً فاحذر لا ينطحك بقرنيه): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب: ج: 2، ص: 34. وقالَ (أبو مسهر) أيضاً: (حدثني سلمة بن العيّار قالَ: كانَ الاوزاعي يسيء القول في ثلاثة: في ثور بن يزيد، ومحمد بن إسحاق، وزرعة بن إبراهيم): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 4، ص: 425. وعنه أيضاً:(حدثنا أبو مسلم الفزاريُّ، قالَ: ما سمعتُ الأوزاعي يقولُ في أحدٍ من الناس إلا في ثور بن يزيد، ومحمد بن اساحق، قالَ: وقلتُ له: يا أبا عمرو حدثنا ثور بن يزيد، قالَ: فغضبَ عليَّ غضبةً ما رأيتُ مثلها، ثم قالَ: قالَ رسولُ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: (ستة لعنتُهم، فلعنهم اللّه وكلُّ نبي مجاب: الزائد في كتاب اللّه، والمكذِّب بقدر اللّه..)، ثور بن يزيد أحدهم تأخذ دينَكَ عنه؟ وأمّا محمَّد بن إسحاق فكانَ يرى الاعتزال، قالَ: فجئتُ إلى كتابي الذي سمعتُه من ثور ومحمد بن إسحق، فألقيته في التنّور): جمال الدين المزي: تهذيب الكمال، ج: 4، ص: 425. وجاءَ عنه أيضاً في (تهذيب الكمال) انَّه: (قدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته، وليس لمالك عنه رواية لا في الموطأ، ولا في الكتب الستة، ولا في غرائب مالك للدارقطني، فما أدري أين وقعت روايته عنه مَعَ ذمِّه له): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 2، ص: 35. وقالَ (نعيم بن حمّاد)، قالَ (عبد اللّه بن المبارك): أيها الطالبُ علماً***ائتِ حمّادَ بنَ زيد فاطلبنَّ العلمَ منهُ***ثمَّ قيِّده بقيد لا كثورٍ وكجهم***وكعمرو بنِ عُبيد ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 2، ص: 35، وانظر: تهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 426.
وفي نفس الوقت نرى أنَّ محدّثي مدرسة الخلفاء قد رووا في كتبهم المعتبرة أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد أمر بمقاطعة القدريين وهجرانهم، وحذَّر من مجالستهم والتعامل معهم بأي شكل كان، وبيَّنَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنّهم خارجون عن الإسلام، وليس لهم فيه أدنى نصيب، ووجَّه إليهم الذم العنيف، واعتبرهم مجوس هذه الأُمة، من خلال مجموعة كبيرة من الأحاديث (1).
____________
(1) راجع على سبيل المثال: ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: 1، باب: 10 في القدر، ح: 92، ص: 35. وأبا داود، سنن أبي داود، ج: 4، باب: في القدر، ص: 222، ح: 4691، وح: 4692. وفي مسند أحمد، ج: 2، ص: 82، وج: 5، ص، 406 و 407. والترمذي، سنن الترمذي، ج: 4، كتاب القدر، باب 6: 13، ص: 395، ح: 2149. وعلاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 1، ص: 362، ح: 1597. وانظر لمزيد من التفصيل: كنز العمال، ح: 1، ص: 363 - 364، الأحاديث: 1597 - 1603. وابن الأثير في جامع الأصول في أحاديث الرسول، ج: 10، ص: 128 - 132.
فكيف يمكن لنا بعد ذلك الركون والاطمئنان لما يرويه لنا (ثور بن يزيد) من أحاديث وخصوصاً حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) المشخص المسار والاتجاه؟!!
السلسلة الثانية(1) :
وقد وقع فيها (الوليد بن مسلم) ، وقد ضعّفه علماء الرجال لدى مدرسة الخلفاء قاطبةً ، واعتبروه وضّاعاً،رفّاعاً،مدلِّساً، كثير الخطأ(2) .
____________
(1) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: 1، ص: 16، فيه: (حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم… (2) قالَ (أبو بكر المزوري): (قلتُ لأحمد بن حنبل في الوليد، قالَ: هو كثير الخطأ): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 11، ص: 154، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 96. وقالَ (أبو بكر الإسماعيلي): (سمعتُ مَن يحكي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، عن أحمد، وسُئلَ عن الوليد بن مسلم فقالَ: كانَ رفّاعاً): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 31، ص: 96. وقالَ (حنبل بن اسحق): (سمعتُ يحيى بن معين يقولُ: قالَ أبو مسهر: كانَ الوليد يأخذ من ابن أبي السَّفر حديث الأوزاعي، وكان ابن أبي السَّفر كذّاباً، وهو يقولُ فيها: قالَ الأوزاعي): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 11، ص: 154 وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 96 - 97، وميزان الاعتدال لمحمد بن أحمد الذهبي، ج: 4، ص: 348، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 9، ص: 215. وقالَ (أبو الحسن الدارقطني) في كتاب (الضعفاء والمتروكون): (الوليد بن مسلم يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 9، ص: 216 - 217، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 97. وقالَ (أبو مسهر): (الوليد مدلِّس عن كذّابين): - شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 9، ص: 216، وانظر: ميزان الاعتدال للذهبي، ج: 4، ص: 347. وقالَ (مؤمَّل بن إهاب) عن (أبي مسهر): (كانَ الوليد بن مسلم يحدِّث بأحاديث الأوزاعي عن الكذّابين، ثم يدلسها عنهم): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 11، ص: 154، وفي تهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 97. وقالَ (صالح بن محمد الأسدي الحافظ): (سمعتُ الهيثم بن خارجة يقولُ: قلتُ للوليد بن مسلم: قد أفسدتَ حديث الأوزاعي، قالَ: كيف؟ قلتُ تروي عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري، وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد، وغيرُكَ يُدخل بينَ الأوزاعي وبينَ نافع عبد اللّه بن عامر الأسلمي، وبينه وبينَ الزهري إبراهيم بن مرّة وقرة وغيرهما، فما يحملكَ على هذا؟ قالَ: أُنبِّل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء، قلتُ: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء، وهؤلاء ضعفاء، أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنتَ، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضَعُفَ الأوزاعي. فلم يلتفت إلى قولي): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 11، ص: 154، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 97، وفي هامش كتاب (سير أعلام النبلاء) قالَ المحقّق معلّقاً على هذا الحديث:(وهذا النوع من التدليس يسمى عند المتقدمين تجويداً، فيقولُونَ: جوَّده فلان، يريدونُ ذكر فيه من الأجواد، وحذفَ الأدنياء، وسمّاه المتأخرون: تدليس التسوية، وذلكَ انَّ المدلِّس الذي سمع الحديث من شيخه الثقة عن ضعيف عن ثقة، يسقط الضعيف من السند، ويجعل الحديث عن شيخه الثقة، عن الثقة الثاني بلفظ محتمل، فيستوي الإسناد كلّه ثقات، وهو شرُّ أنواع التدليس وأفحشها؛ لانَّ الثقة الأول ربَّما لا يكون معروفاً بالتدليس، فلا يحترز الواقف على السُنَّة عن عنعنةٍ وأمثالها من الألفاظ المحتملة التي لا يُقبل مثلها من المدلّسين، ويكون هذا المدلِّس الذي يحترز من تدليسه قد أتى بلفظ السماع الصريح عن شيخه، فأمنَ بذلكَ من تدليسه، وفي ذلكَ غرر شديد): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، بتحقيق: كامل الخرّاط، ج: 9، ص: 216 (الهامش). وقالَ (الآجري):(سمعتُ أبا داود يقولُ: روى الوليد عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل، منها عن نافع أربعة): جمال الدين المزي تهذيب الكمال بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، ج: 31، ص: 99، (الهامش) عن سؤالاته: 5 الورقة 15، وعن ميزان الاعتدال للذهبي، ج: 4، ص: 347. وقالَ (أبو داود): (كل منكر يجيء عن الوليد بن مسلم، إذا حدَّث عن الغرباء يخطئ): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 31، ص: 99 (الهامش). وقالَ: (بقية أحسن حالاً من الوليد بن مسلم): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 31، ص: 99 (الهامش). وسيأتي الكلام عن (بقية) الذي هو أحسن حالاً من (الوليد) لاحقاً إن شاءَ اللّه تعالى، ويثبت أنَّه ضعيف أيضاً، فكيف بالذي أضعف منه؟ وقالَ (الذهبي) في (سير أعلام النبلاء): (قلتُ: البخاري ومسلم قد احتجّا به، لكنهما ينتقيان حديثَه، ويتجنبان ما يُنكر له): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 9، ص: 216، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 99 (الهامش).
ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ كلاً من (مسلم) و(البخاري) في صحيحيهما لم يرويا حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) على نحو الخصوص، ولعله عائدٌ إلى حال رواة الحديث المطعون بهم علناً في كتب الرجال كافةً.
السلسلة الثالثة(1) :
وقد وقع في هذهِ السلسلة راويان ضعيفان، وضّاعان، كثيرا الخلط ، والخطأ، والتدليس، ويرويان المناكير:
أحدهما: (يحيى بن أبي كثير)(2) .
____________
(1) مسند أحمد بن حنبل، ج: 5، ص: 109 فيه: (حدثنا عبد اللّه، حدثني أبي، حدثنا إسماعيل بن هشام الدستوائي، عن يحيى بن كثير، عن محمد بن إبراهيم. وفي مستدرك الحاكم، ج: 1، ص: 96 - 97، وفيه: (حدثنا أبو عبد اللّه عبد اللّه الحسين بن الحسن بن أيوب، حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، حدثنا عبد اللّه بن يوسف التينسي، حدثنا الليث بن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمر السلمي، عن العرباض بن سارية. (2) أمّا (يحيى بن أبي كثير) فقد قالَ عنه (الذهبي) في (سير أعلام النبلاء): (وقالَ العقيلي: كان يُذكر بالتدليس): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 6، ص: 28، وميزان الاعتدال لمحمد بن أحمد الذهبي، ج: 4، ص: 402، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 11، ص: 269، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 509. وفيه أيضاً: (وقالَ يحيى بن قطّان: مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 6، ص: 30، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 11، ص: 269. وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 4، ص: 403، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 509. وفيه أيضاً: (وقالَ يزيد بن هارون عن همام قالَ: ما رأيتُ أصلبَ وجهاً من يحيى بن أبي كثير، كنّا نحدّثه بالغداة، فنروح بالعشي فيحدثناه): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 6، ص: 30 - 31، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 509. وقالَ في (تهذيب التهذيب): (قلتُ: تتمة: كلام ابن حبان: كان يدلِّس، فكلما روى عن أنس فقد دلَّس عنه، لم يسمع من أنس، ولا من صحابي): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 11، ص: 269. وقالَ (الذهبي) في (ميزان الاعتدال): (يروي عن أنس ولم يسمع منه): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 4، ص: 402. وفيه أيضاً: (وقالَ نعيم بن حماد: حدثنا المبارك عن همام، قالَ: كنّا نحدِّث يحيى بن أبي كثير بالغداة، فإذا كانَ بالعشي قلبه عنّا): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 4، ص: 402، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 31، ص: 509.
والآخر: (محمد بن إبراهيم بن الحارث)(1) .
السلسلة الرابعة(2) :
وقد وقعَ في هذه السلسلة (معاوية بن صالح)، وأمّا حالُه فلم يكن يأخذ عنه الرواةُ ولا حرفاً واحداً، ولم يكن بأهلٍ أنْ يُروى عنه، وكانَ البعضُ لا يرضاه، وكان لا يبالي بما يروي، وزعموا أنَّه لم يكن يدري ما الحديث، ولم يخرِّج له البخاري(3) .
____________
(1) أما (محمد بن إبراهيم بن الحارث) فقد ضعَّفه (أحمد بن حنبل)، حيث جاءَ في (سير أعلام النبلاء) و (تهذيب التهذيب) و(ميزان الاعتدال):(وقالَ العقيلي: حدثنا عبد اللّه بن أحمد: قالَ: سمعتُ أبي ذكر محمد بن إبراهيم التيمي، فقالَ: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير أو منكرة): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 5، ص: 295، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 9، ص: 600، وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 3، ص: 445، المحمدون 7097، وتذيب الكمال للمزي، ج: 34، ص: 304، ولسان الميزان لابن حجر العسقلاني، ج: 5، ص: 20. (2) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: 16، ح: 43، فيه: (حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، وإبراهيم السواق قالَا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح.. وفي مسند أحمد، ج: 5، ص: 109، وفيه: (حدثنا عبد اللّه، حدثني أبي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية.. وفي مستدرك الحاكم، ج: 1، ص، 96 - 97، وفيه: (أبو الحسن أحمد بن محمد العنبري، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، (وأخبرنا) أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الرحمن يعني ابن مهدي، عن معاوية بن صالح.. (3) في (تهذيب التهذيب) عنه: (وقالَ صالح بن أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني: سألتُ يحيى بن سعيد عنه، فقالَ: ما كنّا نأخذ عنه ذلك الزمان ولا حرفاً): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 10، ص: 210، والإمام الرازي في الجرح والتعديل، ج: 4، ص: 382، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 190. وقالَ (أبو صالح الفراء): (حدثنا أبو إسحاق يعني الفزاريّ يوماً بحديث عن معاوية بن صالح، ثم قالَ أبو اسحق: ما كانَ بأهلٍ أن يُروى عنه). وقالَ (ابن أبي خثيمة) و(الدوري) في تأريخيهما عن (ابن معين): (كان يحيى بن سعيد لا يرضاه): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 10، ص: 210، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 7، ص: 160، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 190. وعن (عباس) عن (يحيى) في موضع آخر: (ليس برضي): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 10، ص: 210، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 7، ص: 160، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 189. وقالَ (الليث بن عبده): قالَ (يحيى بن معين): (كان ابن مهدي إذا تحدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد، وقالَ: ايش هذهِ الأحاديث، وكان ابن مهدي لا يبالي عن مَن روى): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 28، ص: 193، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 10، ص: 210، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 7، ص: 162، وميزان الاعتدال للذهبي ج: 4، ص: 135. وقالَ (يعقوب بن شيبة السدوسي): (قد حمل الناس عنه، ومنهم مَن يرى أنَّه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف، ومنهم مَن يضعّفه): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 10، ص: 211، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 192. وقالَ (أحمد بن سعد بن أبي مريم) عن عمِّه (سعيد بن أبي مريم): سمعتُ خالي (موسى بن سلمة) قالَ: (أتيتُ معاوية بن صالح لأكتب عنه، فرأيتُ أُراه قالَ: الملاهي - فقلتُ: ما هذا؟ قالَ: شيء نهديه إلى صاحب الأندلس!! قالَ: فتركته ولم أكتب عنه): - ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 10، ص: 211، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 192. وقالَ (أبو حاتم): (يُكتب حديثه، ولا يحتج به): الرازي، الجرح والتعديل، ج: 4، ص: 382 وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 191. وقالَ (محمد بن عبد اللّه بن عمّار الموصلي): (الناس يروون عنه، وزعموا انَّه لم يكن يدري أيَّ شيء الحديث): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 211، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 28، ص: 192. وفي (ميزان الاعتدال): (وقالَ أبو حاتم لا يحتج به، وكذا لم يخرِّج له البخاري): ميزان الاعتدال للذهي، ج:4، ص: 135.
السلسلة الخامسة(1) :
وقد وقع في هذه السلسلة (عمرو بن أبي سلمة التينسي)، وهو من الضعفاء الذين لا يُحتجُّ بأحاديثهم (2).
____________
(1) الحاكم في المستدرك، ج: 1، ص: 96 - 97، وفيه: (يحيى بن أبي المطاع القرشي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد التينسي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة التينسي.. (2) قالَ عنه (الذهبي) في (ميزان الاعتدال): (وقالَ أبو حاتم لا يحتج به): ميزان الاعتدال للذهبي، ج: 3، ص: 262. وقالَ (ابن حجر العسقلاني) في (تهذيب التهذيب):(وقالَ أحمد: روى عن زهير أحاديث بواطيل): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 8، ص: 44، وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 3، ص: 262. وفيه أيضاً: (وقالَ الساجي: ضعيف): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 8، ص: 44، وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 3، ص: 262. وفيه أيضاً: (وقالَ العقيلي في حديثه وهم): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 8، ص: 44، وميزان الاعتدال للذهبي ج: 3، ص: 262. وفي (الجرح والتعديل): (حدثنا عبد الرحمن، قالَ ذكره أبي، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، أنَّه قالَ: عمرو بن أبي سلمة ضعيف): الرازي، الجرح والتعديل، ج: 6، ص: 230. وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 10، ص: 21، وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 3، ص: 262، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 8، ص: 43. وفيه أيضاً: (حدثنا عبد الرحمن قالَ: سألتُ أبي عن عمرو بن أبي سلمة، فقالَ: يكتب حديثه، ولا يحتج به): الرازي، الجرح والتعديل، ج: 6، ص: 235 - 236، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 8، ص: 43.
السلسلة السادسة(1) :
وقد وقع في هذه السلسلة (بقية بن الوليد بن بُجير بن سعد)، وهو ليس بأحسن حالاً من الرواة الذين سبقوه، وأنَّه كان ممن لا تُقبل روايته، وخصوصاً إذا روى عن مجهولين، وأنه ساقط العدالةِ لا يُحتجُّ به، وقد قيل فيه: (بقية ليست أحاديثه نقية، فكن منها على تقية)، وغيرها من المقولات التي تدلُّ على سقوط رواياته عن الاعتبار(2) .
____________
(1) الترمذي، سنن الترمذي، ج: 5، ص: 43، باب: 16، وفيه: (حدثنا علي بن حجر، حدثنا بقية بن الوليد بن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية.. (2) قالَ (ابن عيينة): (لا تسمعوا من بقية ما كانَ في سُنَّة، واسمعوا منه ما كانَ في ثوابٍ وغيره): الرازي، الجرح والتعديل، ج: 2، ص: 345، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 1، ص: 474، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 196، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 520. وقالَ (عبد اللّه بن أحمد بن حنبل)، سُئل أبي عن (بقية) و(إسماعيل بن عياش)، فقالَ: (بقيةُ أحبُّ إليَّ، وإذا حدَّثَ عن قومٍ ليسوا بمعروفينَ، فلا تقبلوه): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 474، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 521، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 196 - 197. وقالَ (ابن أبي خَثيمة) سُئل (يحيى) عن (بقية)، فقالَ: (إذا حدَّث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره فاقبلوه، وإذا ما حدَّث عن أُولئك المجهولين فلا، وإذا كنّى الرجل ولم يسمّه فليس يساوي شيئاً): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 474 - 475، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 521، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 197. وقالَ (يحيى)، ولقد قالَ لي (نُعيم يعني ابن حمّاد): (كان بقية يضنُّ بحديثه عن الثقات، قالَ: طلبتُ منه كتابَ صفوان، فقالَ: كتاب صفوان؟ أي كأنه قالَ: - يحيى بن معين - كان يحِّدث عن الضعفاء بمائة حديث قبل أن يحدِّث عن الثقات): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 475، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 522، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 197. وقالَ (يعقوب) عنه:(ويحدِّث عن قومٍ متروكي الحديث، وعن الضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم، ويحدِّث عمَّن هو أصغر منه): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 475، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 521، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 197. وقالَ عنه (أبو زرعة):(فأمّا في المجهولين فيحدِّث عن قومٍ لا يُعرفونَ ولا يضبطون): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 475. وقالَ (أبو حاتم): (يُكتب حديثه ولا يُحتج به): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 475، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 522 وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 1، ص: 332، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 198. وقالَ (ابن عدي): (يخالف في بعض رواياته عن الثقات): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 475 - 476. وقالَ (أبو داود): سمعت (أحمد) يقولُ: (روى بقية عن عبد اللّه بن عمر مناكير): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 475 - 476. وقالَ (الجوزقاني) في كتاب (الموضوعات) تأليفه: (ضعيف الحديث لا يُحتج به): جمال الدين المزي، تهذيب الكمال، ج: 4، ص: 199 (الهامش). وقالَ (الجوجزاني): (رحم اللّه بقية ما كانَ يبالي إذا وَجَدَ خرافة عمَّن يأخذ): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 332، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 523، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 199 (الهامش). وقالَ (ابن خزيمة): (لا احتج ببقية، حدثني أحمد بن الحسن الترمذي: سمعتُ أحمد بن حنبل يقولُ: توهمت أنَّ بقية لا يحدِّث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدِّث المناكير عن المشاهير، فعلمتَ من أين أتى؟ قلتُ: من التدليس): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 476، وميزان الاعتدال للذهبي، ج: 1، ص: 332. وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 197 (الهامش). وقالَ (البيهقي) في (الخلافيات): (أجمعوا أنَّ بقية ليس بحجة): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 477. وقالَ (عبد الحق) في (الأحكام): (بقية لا يُحتج به): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 477، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 528. وجاءَ في (ميزان الاعتدال) وغيره عن (ابن القطان): (بقية يدلِّس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صحَّ مفسد لعدالته): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 339، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 528، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 200 (الهامش)، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 1، ص 477. فقالَ (الذهبي) معلِّقاً على هذا القول:(قلتُ: نعم، واللّه صحَّ هذا عنه، أنَّه يفعله، وصحَّ عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة كبار فعله، وهذه بلية منهم): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 339، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 528، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 200 (الهامش)، وتهذيب التهذيب للعسقلاني، ج: 1، ص 477. وقالَ (الخطيب) في (تاريخ بغداد):(وقدم بقية بغداد، وفي حديثه مناكير إلا أنَّ أكثرها عن المجاهيل): الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج: 7، ص: 123. وقالَ غير واحدٍ (إنَّه كان مدلِّساً، فإذا قالَ عن، فليس بحجة): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 231. وقالَ (أبو أيوب القيرواني): (يروي عن كثير من الضعفاء والمجهولين): محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 231. وفي (سير أعلام النبلاء): (وقالَ إمام الأئمة ابن خزيمة: لا أحتج ببقية): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 8، ص: 523. وفيه أيضاً: (وحاصل الأمر أنَّ لبقية عن الثقات أيضاً ما يُنكر وما لا يُتابع عليه): شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج: 8، ص: 527. وقالَ (أبو مسهر): (بقية ليست أحاديثه نقية، فكن منها على تقية): ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج: 1، ص: 476، الجرح والتعديل للرازي، ج: 2، ص: 435، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 8، ص: 523، وتاريخ بغداد للبغدادي، ج: 7، ص: 124، وتهذيب الكمال للمزي، ج: 4، ص: 198.
وبهذا فإنَّ حديثَ (سُنَّة الخلفاء الراشدين) حديثٌ ساقطٌ عن الاعتبار من جهة السند، وأقربُ الظن أنَّه حديث مختَلق، وليس له أصلٌ مطلقاً، وقد نُسب إلى رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كذباً وزوراً، وقد رأينا ضعفَ جميع أسانيده المذكورة في أكثر الكتب اعتباراً لدى علماء مدرسة الخلفاء؛ وبهذا فهو لا يمتلك أية قيمة علمية للتعويل عليه.
ب ـ انتهاء أسانيد الحديث جميعاً إلى راوٍ واحد
إنَّ حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) ينتهي بجميع أسانيده المتقدمة إلى رجلٍ واحد وهو (العرباض بن سارية)، فيكون من أخبار الآحاد التي يمكن أن تكون معتمدة بشكل أساسي في مجمل القضايا الشرعية، وخصوصاً القضايا العقائدية الحساسة.
ج ـ اشتراك مضمون الحديث مَعَ أحاديث أُخرى مقطوعة الوضع
إضافةً إلى ما تقدم من ضعف سند حديث (سُنَّة الخفاء الراشدين)، وكونه من أخبار الآحاد، فإنَّ هناك ملاحظات وإشكالات في داخل الحديث توجب الريبة في الحديث وعدم الاطمئنان والركون إليه، وإنَّه قد تعرض إلى شرائط مطلقة لا يمكن قبولها على ما هي عليه، إلا إذا ضممنا إليها الأدلة المخصصة الأُخرى، ونحن نحتمل
نتيجةً لهذه الملاحظات أنَّ بعض فصول الحديث على أقل تقدير قد وضعت من قبل الساسة الحاكمين في العصور المتأخرة عن صدر الإسلام، وفي بداية أمر تدوين الحديث، من أجل تبرير تلاعب أُمراء الجور، وولاة السوء بشؤون المجتمع، ومقدَّرات الشعوب، وبقائهم على كرسي الحكم وسدة السلطان... هذا من جانب.
ومن جانب آخر نرى أنَّ الغاية من وضع هذهِ الأحاديث تهدف إلى ضرب مدرسة أهل البيت (عَليهِمُ السلامُ) التي كانت تعلن رفضها بكل قوة وصراحة لألوان الجور والاضطهاد، وتشجب حكومات الجهل والضلال، وتدعو إلى العودة إلى رسالة الدين الحنيف، وقيم الإسلام وتعاليمه، واعتماد كتاب اللّه تعالى، وسنة رسوله الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) منهجاً للحكم وإدارة شؤون الحياة.
فالملاحظ أنَّ صدر الحديث يأمرُ المسلمينَ بالسمع والطاعة على نحو الإطلاق، ولأي متصدٍّ كان، ومن دون أن يفترض فيه أية صفة أو خصوصية أو كفاءة تُذكر، ومن دون أن تُبيَّن الضابطة التي تمَّ بموجبها تقدُّم هذا المتصدي إلى مركز الحكم والقرار، وتفويض أُمور العباد إليه.
بل الذي يظهر من التأمل في سياق حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، ومن خلال النظر في أحاديث أُخرى تشترك معه في لحن الخطاب، وطريقة التعبير، أنَّ المقصود من الإطاعة المذكورة في هذا الحديث تعني الإطاعة والانقياد، إلى أي حاكمٍ أو والٍ، تمكن أن يصل إلى مركز الحكم، واستطاع أن يتلبَّس بهذا العنوان، حتى وإن كان ذلك الحاكم فاسقاً فاجراً جائراً، فقد جاءَ في صدر الحديث:
(أُوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وإن كانَ عبداً حبشيّاً).
وقد تكررت نفسُ هذهِ اللهجة في أحاديث أُخرى مقطوعة الوضع، مما يدل على أنَّ حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) يشترك معها في ذات الأهداف، وعين الغايات المقصودة.
وليسَ غريباً أن نجد مثل هذا الحديث في كتب مدرسة الخلفاء ومصادرهم الحديثية، لانّا نرى بأنَّ أوثق المصادر المعتمدة لديهم طافحة بمثل تلك الأحاديث، وقد ضمت بين دفتيها عشرات الأحاديث الموضوعة التي تشير إلى نفس المعنى الذي نتحدث عنه.
واليكَ ـ أيها القارئ الكريم ـ بعض الأحاديث التي وردَت في المصادر الموثوقة والمعتبرة لدى أتباعِ مدرسة الخلفاء، والتي تأمر المسلمين بطاعة الولاة والحكام بشكل مطلق، أو إطاعتهم وإن كانوا فاسقين فاجرين جائرين، والسكوت عن مساوئهم وجرائمهم بحق الناس والدين:
فقد رُويَ عن رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في (صحيح مسلم):
(إنَّ خليلي أوصاني أن أسمعَ وأطيعَ وإن كان عبداً حبشياً مجدَّعَ الأطراف)(1) .
ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في (مسند أحمد):
(اسمع وأطع ولو لحبشي كأنَّ رأسَه زبيبة)(2) .
ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
(اعبدوا اللّهَ ولا تشركوا به شيئاً، وأطيعوا مَن ولاه اللّهُ أمرَكم، ولا تُنازِعوا الأمرَ أهلَه، وإنْ كانَ عبداً أسودَ)(3) .
ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
(لا تسبُّوا السلطانَ فإنَّه ظلُّ اللّهِ في أرضه)(4) !!
____________
(1) مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 225. (2) ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، ج: 3، ص: 171. (3) الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق، حمدي عبد المجيد السلفي، ج: 18، رقم: 621، ص: 248، وكنز العمال، ج: 5، ح: 14396، ص: 790. (4) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، كنز العمال، ج: 6، ، ح: 14868، ص: 66.
إلى غير ذلك من الأحاديثِ المشابهة (1).
وقد جاءَ في بعض ألفاظ حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) ما نصه:
(فإنّما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما انقيد انقاد)(2) .
فهذه الروايةُ الأخيرة تجعلُ المؤمنَ الذي يُراد له أن يكونَ مستخلفاً على هذهِ الأرض، ووارثاً لها، كالجمل الذلول، الذي لا يملكُ من أمرِه شيئاً، ولا يجدُ دونَ الانصياع والانقياد بُدّاً!!
وفي اعتقادنا أنَّ هذا مؤشرٌ آخر يؤيدُ ما ذكرناه من احتمال الوضع في بعض فصول الحديثِ على أقل تقدير، إذ أنَّ من الاستحالة بمكانٍ أنْ يتفوَّه رسولُ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بهذا اللون من الأحاديث، التي تأمرُ بالسمعِ والطاعةِ لكلِّ حاكمٍ وأمير؛ لأنَّ في ذلك هدماً واضحاً لدعائمِ الدين، وخلافاً صريحاً لجميع أُسسه ومبادئه، وتقويضاً من رأس لمرتكزاته وأركانه، فكيفَ يمكنُ أنْ توضعَ مقاليدُ الحكم طوعاً بيد
____________
(1) فقد ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في (صحيح البخاري): (مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنَّه ليس أحدٌ يفارق الجماعةَ شبراً فيموت، إلا ماتَ ميتة جاهلية): البخاري، صحيح البخاري، ج: 8، كتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام، ح:2، ص: 105. ورُويَ في (صحيح مسلم) عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ:(يكونُ بعدي أئمةٌ لا يهتدونَ بهداي، ولا يستنونَ بسُنتَّي، وسيقومُ فيهم رجالٌ، قلوبهُم قلوبُ الشياطين في جثمانِ إنس، قال الراوي: كيف أصنعُ يا رسولَ اللّه إنْ أدركتُ ذلك؟ قالَ: تَسمعُ وتطيعُ للأمير، وانْ ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 238. ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (فإنَّ من طاعة اللّهِ أن تطيعوني، ومن طاعتي أن تطيعوا أُمراءَكم، وإن صلّوا قعوداً صلّوا قعوداً): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14374، ص: 782. ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):(اسمعوا وأطيعوا فإنّما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 226، وكنز العمال للهندي، ج: 6، ح: 4796، ص: 49. ورُويَ عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (صلّوا خلفَ كلِّ بَرٍّ وفاجر، وصلّوا على كلِّ بَرٍّ وفاجر، وجاهدوا مَعَ كلِّ بَرٍّ وفاجر): علاء الدين الهندي، كنز العمال، كنز العمال، ج: 6، ص: 54، ح: 14815. (2) ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، ج: 4، ح: 16692، ص: 126.
المتجبرينَ الذين كافحت الأديانُ والرسالاتُ السماوية في سبيلِ استئصالهم، وقلع وجودهم من الجذور؟
وما معنى إقامة العدل، والحكم به، الذي أمرت الشريعةُ به بشكلٍ صريح، وحذَّرت من مخالفته؟
وما هي فائدةُ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وما معنى كلمةِ الحق عندَ سلطانٍ جائر؟ وما المغزى من حرمة معونة الظالمين ولو بشقِّ كلمة؟
جاءَ في (الجامع الصحيح) عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ:
(مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان)(1) .
وجاءَ في (التاج الجامع للأصول):
(عن طارق بن شهاب رضي اللّه عنه، أنَّ رجلاً سأل النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، وقد وَضَع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قالَ: كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائر)(2) .
وجاءَ في (كنز العمال):
(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطانٍ جائر)(3) .
ومما يثيرُ فيكَ العجب أنَّ نفسَ هؤلاءِ الذين يروون أحاديثَ السمعِ والطاعة للبرِّ والفاجر، يروونَ أيضاً عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) ما يناقضُ هذا الأمرَ تماماً، ويعقِّبُ شرّاحُ الحديث بعد ذلك بقولهم (واللّه تعالى أعلم)، ولا يكلِّفونَ أنفسَهم برفعِ هذا التهافت، الذي أصبح مثاراً للجدال، وبلاءً على الأجيال.
____________
(1) ابن مسلم، الجامع الصحيح، ج: 1، ص: 50، وكنز العمال للهندي، ج: 3، ح: 5524، ص: 66. (2) ابن مسلم، الجامع الصحيح، ج: 1، ص: 50، وكنز العمال للهندي، ج: 3، ح: 5524، ص: 66. (3) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 3، ح: 5511، ص: 64.