الصفحة 180

فلننظر إلى مجموعةٍ من هذهِ الأحاديث، لنرى أنَّها رُويت في نفس المصادر والكتب السابقة، ونقفَ على التناقض الفاضح الذي وقعت فيه هذهِ الروايات.

فقد جاءَ في (التاج الجامع للأُصول) عن صحيحي (النسائي) و(الترمذي):

(وعن كعب بن عجزة رضيَ اللّهُ عنه قالَ: خرجَ علينا رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ ونحنُ تسعةٌ، فقالَ: إنَّه سيكونُ بعدي أُمراءُ مَن صدَّقهم بكذبهم، وأعانَهم على ظُلمهم، فليسَ منّي ولستُ منه، وليسَ بواردٍ عليَّ الحوض، ومَن لم يصدِّقهم، ولم يُعنهم على ظلمهم فهوَ منّي وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوضَ، رواهما النسائي والترمذي. واللّه تعالى أعلى وأعلم)(1) .

وجاءَ في كلٍّ من (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم) و(سنن ابن ماجة) و(سنن الترمذي) عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ:

(على المرء المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ وكره، إلاّ أنْ يؤمرَ بمعصيةٍ فلا سَمع ولا طاعة)(2) .

وفي (سنن ابن ماجة):

(وعن عبد اللّهِ بنِ مسعود عن النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ قالَ: سَيلي أُمورَكم بعدي رجالٌ يُطفئونَ السُنَّة، ويعملونَ بالبدعة، ويؤخرونَ الصلاةَ عن مواقيتها، فقلتُ: يا رسولَ اللّهِ إنْ أدركتُهم

____________

(1) ناصيف، منصور علي، التاج الجامع للأصول، ج: 3، ص: 53، باب: الإخلاص للأمير.

(2) البخاري، صحيح البخاري، ج: 8، كتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام، ص: 105 - 106، ح: 3.

وصحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 326.

وسنن ابن ماجة، ج: 2، باب: الجهاد، ص: 956، ح: 2864.

وسنن الترمذي، ج: 4، ح: 1707، ص: 182.


الصفحة 181

كيفَ أفعل؟ قالَ: تسألني يابنَ أُمِّ عبدٍ كيفَ تفعل؟ لا طاعةَ لمن عصى اللّه)(1) .

وغير ذلك مما زخرت به كتب الحديث لدى مدرسة الصحابة(2) .

____________

(1) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج: 2، ح: 2865، ص: 956.

وانظر: كنز العمال، ج: 5، ح: 14413، ص: 797، ج: 6، ح: 14889، ص: 70، وح: 14907، ص: 76.

(2) ففي (كنز العمال) عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ: (لا ينبغي لنفس مؤمنةٍ ترى مَن يعصي اللّهَ، فلا تنكر عليه): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 3، ح: 5614، ص: 85.

وفيه عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):(لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 6، ح: 14872، ص: 67، وانظر: مسند أحمد، ج: 1، ح: 1098، ص: 131.

وفيه أيضاً عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (سيصيبُ أُمتي في آخر الزمان بلاءٌ شديدٌ من سلطانهم، لا ينجو فيهم إلا رجلٌ عرف دينَ اللّهِ بلسانه، ويده، وقلبه، فذلكَ الذي سبقت له السوابق): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 3، ح: 8450، ص: 682.

وفيه أيضاً عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (يا أبا هريرة: لا تدخلنَّ على أميرٍ وإن غُلبتَ على ذلك، فلا تجاوز سنتي، ولا تخافنَّ سيفَه وسوطَه، أنْ تأمره بتقوى اللّهِ وطاعته، يا أبا هريرة! إنْ كنتَ وزيرَ أمير، أو مشيرَ أمير، أو داخلاً على أمير، فلا تخالفنَّ سُنَّتي ولا سيرتي؛ فإنَّ مَن خالفَ سنتي وسيرتي، جيءَ به يومَ القيامة تأخذُه النار من كلِّ مكان، ثمَّ يصيرُ إلى النار): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 3، ح: 8473، ص: 689.

وفيه أيضاً عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):(إحذروا على دينكم ثلاثةً: … ورجلٌ آتاه اللّهُ سلطاناً، فقالَ: مَن أطاعني فقد أطاعَ اللّه، ومَن عصاني فقد عصى اللّه، وقد كذبَ، ولا يكون لمخلوق خشية دونَ الخالق): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14399، ص: 792.

وفي (الدر المنثور) عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) انَّه قالَ: (إنَّ رحى الإسلام ستدورُ، فحيثُما دارَ القرآنُ فدوروا به، يوشك السلطانُ والقرآنُ أن يقتتلا ويتفرَّقا، إنَّه سيكون عليكم ملوك، يحكمون لكم بحكم، ولهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم، قالَوا: يا رسولَ اللّه، فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قالَ: تكونوا كأصحاب عيسى عَليهِ السلامُ نُشروا بالمناشير، ورُفعوا على الخشب، موت في طاعة خير من حياة في معصية): جلال الدين السيوطي، الدر المنثور، ج: 2، ص: 301.


الصفحة 182

الطريقُ الثاني
الخلفاءُ الراشدونَ هم أئمةُ أهلِ البيت

لو سلَّمنا جدلاً صدقَ حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) وصحته، ولم نتمسك بما أقمناه من قرائنَ سابقةٍ على ضعفه، وكونه حديثاً موضوعاً، فإنّا نرفضُ أنْ يكونَ المقصودُ من (الخلفاء الراشدين) الواردِ ذكرُهم في الحديث هم الخلفاء الأربعة الذين تولّوا الحكمَ الإسلامي بعد وفاةِ رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بالترتيب، وقد عدّوا أمير المؤمنين علياً (عَليهِ السلامُ) رابعهم، وإنَّما المقصودُ من (الخلفاء الراشدين) في الحديث - على فرض صدقه وصحته - هم أئمةُ أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ) الذينَ وردَ النصُّ الشرعي الصريحُ بشأنهم، من خلالِ مجموعةٍ من الآيات الكريمة، والأحاديث المتواترة الصحيحة، والذين عيَّنهم رسولُ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) خلفاءَ على الأُمّة من بعده، وأُمناءَ على وحي اللّهِ ورسالته.

وسوفَ نقتصرُ على ذكر خمسةِ أدلةٍ تثبتُ هذا المطلب، وتدلُّ عليه:

أدلّةٌ ومؤيدات

الدليل الأول: الإمام علي (عَليهِ السلامُ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين.

الدليل الثاني: الخلاف بين الخلفاء الأربعة يناقض الأمر باتباعهم جميعاً.

الدليل الثالث: إرادة الخلفاء الأربعة في الحديث تتنافى مَعَ إنكار العامة لوجود النص.

الدليل الرابع: حجم الحديث لا يتناسب مَعَ موقع الخلافة وأهميتها في الإسلام.

الدليل الخامس: أئمة أهل البيت (عَليهِمُ السلام)ُ خلفاء الرسول (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بنصٍّ منه.


الصفحة 183

ونحن نعتقد بأنَّ عناوين هذهِ الأدلةِ لوحدها كافيةٌ في صرف الحديث من الدلالة على الخلفاء الأربعة إلى حيثُ الانطباق على أئمة أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ)، ولكن لمزيد من التوضيح سوفَ نبسطُ الكلامَ فيها بشيءٍ من التفصيل.

الدليل الأول
الامام علي يرفضُ المبايعةَ على سيرةِ الشيخين

اتفقَ مؤرخو الإسلام قاطبةً على أنَّ أميرَ المؤمنين علياً (عَليهِ السلامُ) رفضَ قبولَ البيعة بعد مقتل (عمر بن الخطاب)، حينما طلبَ منه عبدُ الرحمن بنُ عوف أنْ يبايعَ على كتاب اللّهِ وسنَّة نبيِّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) وسيرةِ الشيخين، فأصرَّ أميرُ المؤمنينَ علي (عَليهِ السلامُ) على حذف الشقِّ الثالث، وأبى إلاّ أنْ يبايعَ على كتاب اللّهِ وسنَّةِ رسوله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)؛ لأنَّه يرى أنَّ سيرةَ الشيخين لا تمثِّلُ مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي المقدَّس.

جاءَ في تاريخ (الطبري) وبقية تواريخ الإسلام:

(فقالَ عبد الرحمن: إنّي قد نظرتُ وشاورتُ، فلا تجعلُنَّ أيُّها الرهطُ على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً فقالَ:

ـ عليكَ عهدُ اللّهِ وميثاقُه لتعملنَّ بكتاب اللّهِ وسنةِ رسوله وسيرةِ الخليفتين من بعده، قالَ:

ـ أرجو أنْ أفعلَ وأعملَ بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمانَ، فقالَ له مثلَ ما قالَ لعلي، قالَ:

ـ نعم، فبايعه، فقالَ عليٌّ:


الصفحة 184

ـ حبوتَه حبوَ دهر، ليس هذا أولَّ يومٍ تظاهرتُم فيه علينا، فصبرٌ جميلٌ، واللّهُ المستعانُ على ما تصفون، واللّهِ ما ولَّيتَ عثمانَ إلّا ليردَّ الامرَ اليكَ)(1) .

ونتيجة لهذا الإصرار المتناهي من قبل أمير المؤمنين (عَليهِ السلامُ) على رفض البيعة بشرط قبوله بالعمل على سيرة الشيخين، والموقف الحازم الذي لم يتزعزع أمامَ الملك والخلافة، حدثَ انعطافٌ كبيرٌ في تاريخ الأُمّة الإسلامية بتولية (عثمان بن عفان)، وانتهاء أمر خلافته إلى ما سجَّله التأريخُ من مآسٍ وكوارثَ ومحنٍ وأشجان.

فرفضُ أميرِ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) للعمل على ضوءِ سيرة الشيخين أدلُّ دليلٍ على عدم إرادةِ الخلفاء الأربعة من لفظةِ (الخلفاء الراشدين) الواردةِ في الحديث، لأنَّ معنى ذلك أنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تأمرُ المسلمينَ بالجمع بين المتناقضات، وهو أمرٌ مستحيل.

____________

(1) الطبري، ابن جرير، تاريخ الطبري، ج: 3، ص: 297.

وابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج: 3، ص: 71.

وابن كثير، البداية والنهاية، ج: 7، ص: 165.

والذهبي، تاريخ الإسلام، ج: 3، ص: 305.

وقد جاء في (البداية والنهاية) و (تاريخ الإسلام): (هل أنتَ مبايعي على كتاب اللّه وسنة نبيه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وفعل أبي بكر وعمر؟ قالَ: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلكَ وطاقتي).


الصفحة 185

الدليل الثاني
الخلاف بينَ الخلفاءِ الأربعةِ يناقضُ الأمرَ بإتباعهم جميعاً

حصلت خلافاتٌ حادةٌ بينَ الخلفاء الأربعة المدَّعى شمول حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) لهم جميعاً، وعلى حدٍّ سواء، وكانت الدرجةُ التي تبلغها بعض هذهِ الخلافات درجة لا تقبلُ إمكانيةَ الجمع بين الآراء، والتماسَ المبررات والأعذار، لأنَّها تناولت قضايا دينيةً مصيرية تتعلقُ بأصل التشريع والسُنَّة النبوية الشريفة، فلو كانَ الخلفاءُ الأربعةُ بمجموعهم يمثلونَ مصدراً من مصادر التشريع على ما يُدَّعى استفادتُه من حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، لما أمكننا أنْ نتصورَ وقوعَ الاختلاف في أمر التشريع ومتعلقاته بأبسط صوَرِهِ وأنحائه، فضلاً عن وقوعه بالدرجة التي لا تقبلُ الجمعَ والتلفيق.

وسوف نستعرضُ بعضَ النماذج لصور الخلافات في أُصول التشريع والأُمور الدينية الحساسة التي وقعت بين الخلفاء الأربعة على مستويين:

المستوى الأول: الخلافاتُ التي وقعت بينَ (أبي بكر)، و(عمر)، و(عثمان) من جهة، وبينَ أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) من جهة أخرى.

المستوى الثاني: الخلافاتُ التي وقعت بينَ كلٍّ من (أبي بكر)، و(عمر)، و(عثمان). وهناكَ مستوىً ثالث للخلاف يسيرُ بنفس الاتجاه، ويبطلُ دعوى انطباق حديث (سُنَّة الخلفاء الراشدين) على (الخلفاء الأربعة) جميعاً، وهو الخلافُ الواقع بين (أبي بكر)، و(عمر)، و(عثمان) من جهةٍ، وبينَ علماءِ العامة ومحققيهم من جهة أُخرى في الكثير من أُمور التشريع، لأنَّه لو وجب إتباع سُنَّتهم لما ساغ للجميعِ مخالفتُهم، وخصوصاً العلماء، وهذا ما لا يسعُنا الخوضُ فيه ضمنَ دراستنا هذهِ، ولذا فسوف نقتصرُ على ذكرِ بعضِ النماذج البارزة لصورتي الخلاف الأُوليتين، ونعتقدُ إنَّ فيهما الكفايةَ للدلالة على المقصود.


الصفحة 186

أ ـ الخلاف بين علي والخلفاءِ الثلاثة

وقعت بينَ أميرِ المؤمنين (عَليهِ السلامُ) وبينَ الخلفاء الثلاثة الذينَ سبقوه خلافاتٌ تتعلّقُ بأُصولِ التشريع ومبانيه، مما لا يمكنُ بشأنه القولُ بأنَّ الجميعَ يمثِّلُ السُنَّة، ويحكي التشريع، وأبرز هذهِ الخلافات هي:

* ما مَّر معنا سابقاً من أنَّ أميرَ المؤمنين علياً (عَليهِ السلامُ) قد نهى المسلمينَ عن إقامة صلاة (التراويح)، عندما سألوه أنْ ينصبَ لهم إماماً لأدائها، وعرَّفهم بأنَّ ذلكَ خلافٌ لسُنَّة رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وسيرتِهِ الثابتة(1) .

فمن الواضح أنَّ رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لو كانَ قد أمَرَ المسلمين باتباع سُنَّة الخلفاء الأربعة، وأنّ سُنَّة كلِّ واحدٍ منهم مرضية بالنسبة إليه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، ومجزئة للمسلمين، لما كان هناك داعٍ لأن يردعَ أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) عن سُنَّة عمر السابقة، ويعتبرَها من البدع المخالفة لسُنَّةِ رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).

" ما وردَ من أنَّ أميرَ المؤمنينَ علياً (عَليهِ السلامُ) قد خالفَ رأي (عمر) و(عثمان) في شأن متعة الحج، حيثُ قالَ (عمر) و(عثمان) بعدم جوازها، وشرَّعا تحريمَها، وعدمَ جوازِ وصلها بالحج، وأمّا أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) فقد قالَ بجوازها، وجواز الجمعِ بينَها وبين الحج، ومن ثمَّ فقد جسَّد علي (عَليهِ السلامُ) هذهِ المخالفةَ عملياً، ليثبتَ أنَّ سُنَّةَ رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أحقُّ أنْ تُتَّبع.

____________

(1) وقد قالَ (عَليهِ السلامُ) في ذلك: (واللّهِ لقد أمرتُ الناسَ أنْ لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتُهم أنَّ اجتماعَهم في النوافل بدعةٌ، فتنادى بعضُ أهل عسكري ممن يقاتلُ معي: يا أهلَ الإسلام، غُيِّرت سُنَّة عمر! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً): الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: 5، ح: 4، ص: 193.


الصفحة 187

والملاحظُ أنَّ (عمرَ) هو الذي نهى عن متعة الحج باجتهادِه الشخصي، وتبعه على ذلك (عثمانُ) أيضاً، ولم يكن علي (عَليهِ السلامُ) يرضى ذلك، وكانَ يبيِّنُ للناس أنَّ هذا العمل خلافُ السُنَّة النبوية الثابتة، وأنَّ النهي عن متعة الحج (بدعةٌ) حدثت في الدين من بعدَ وفاةِ رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).

وبناءً على الضوابط التي طالعناها سابقاً في بحث (البدعة) من دراستنا هذهِ، نستطيعُ أنْ نكتشفَ بسهولةٍ أنَّ نهي (عمر) و(عثمان) عن متعة الحج داخلٌ في عداد (الابتداع)، وخصوصاً إذا رأينا أنَّ (عمرَ) بنفسه يصرّحُ بأنَّ هذا العملَ كانَ موجوداً على عهدِ رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) وأنَّه هو الذي رأى أنْ ينهى عنه، مبرراً ذلك برأيه واجتهاده الشخصي، وكأنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) حينما شرَّعَ (متعةَ الحج) لم يكن ملتفتاً إلى هذهِ النكتة، وهذا التبرير، فاستدركَ عليه (عمر)، وتلافى الأمرَ من بعده (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)!!

جاءَ في (كنز العمال) ما نصُّه:

(عن عمر قالَ: متعتانِ كانتا على عهدِ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ أنهى عنهما وأُعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج)(1) .

وفيه أيضاً:

(عن أبي قلافة أنَّ عمر قالَ: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أنا أنهى عنهما، وأضربُ فيهما)(2) .

وعن (جابر) قالَ:

____________

(1) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 16، ح: 45715، ص: 519.

(2) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 16، ح: 45722، ص: 521.


الصفحة 188

(تمتعنا متعة الحج، ومتعة النساء على عهد رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فلما كان عمر نهانا، فانتهينا)(1) .

وعن (أبي نضرة) قالَ:

(سمعتُ عبدَ اللّه بنَ عباس، وعبدَ اللّه بنَ الزبير ذكروا المتعةَ في النساء والحج، فدخلتُ على جابر بن عبد اللّه، فذكرتُ له ذلك، فقالَ: أما إنّي قد فعلتُهما جميعاً على عهد النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، ثم نهانا عنهما عمرُ بنُ الخطاب، فلم أعد)(2) .

إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة في هذا المجال(3) .

وقد كانَ أميرُ المؤمنينَ علي (عَليهِ السَّلامُ) يستفرغُ وسعَه في الردع على هذهِ (البدعة) ويعلنُ خلافَه الصريحَ لما أحدثه (عمر) و(عثمان)، وهذا الردعُ يكشفُ لنا أيضاً عن استحالة صدورِ الأمرِ من رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) باتباع سُنَّة الخلفاء الأربعة على النحو المزعوم(4) .

____________

(1) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 16، ج: 45720، ص: 520.

(2) علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 16، ح: 45724، ص: 521.

(3) جاءَ في (صحيح مسلم):(وعن أبي موسى الأشعري أنَّه كانَ يفتي بالمتعة، فقالَ له رجلٌ: رويدكَ ببعض فتياكَ، فإنَّكَ لا تدري ما أحدثَ أميرُ المؤمنينَ في النُسك بعدَكَ، حتى لقيتُه بعدُ فسألتُه، فقالَ عمر: قد علمتُ أنَّ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ فَعَلَه وأصحابه، ولكنّي كرهتُ أنْ يظلّوا بهنَّ معرِّسين تحتَ الأرائك، ثمَّ يروحونَ بالحجِّ تقطرُ رؤوسُهم): - مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 8، كتاب الحج، باب: جواز تعليق الإحرام، ص: 201.

وانظر: كنز العمال، ج: 5، ح: 12478، ص: 165.

(4) جاءَ في (صحيح البخاري): (عن مروان بن الحكم قالَ: شهدت عثمانَ وعلياً رضي اللّه عنهما، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن يُجمع بينهما، فلما رأى علي عَليهِ السلامُ أهلَّ بهما: لبيكَ بعمرةٍ وحجة، قالَ: ما كنتُ لأدعَ سُنَّة النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ لقول أحد): البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 151، باب: التمتع والإقران، ح: 3.

وفيه أيضاً: (عن سعيد بن المسيَّب قالَ: اختلفَ علي وعثمان رضي اللّه عنهما وهما بعُسفان في المتعة، فقالَ علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمرٍ فعله النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ؟ قالَ: فلما رأى ذلكَ عليٌّ أهلَّ بهما جميعاً): . البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ح: 9، ص: 153.

ووردَ في (صحيح مسلم):(كانَ عثمان ينهى عن المتعة، وكانَ عليٌّ يأمر بها، فقالَ عثمان لعلي كلمةً، ثم قالَ علي: لقد علمتَ أنّا تمتعنا مَعَ رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فقالَ: أجل ولكنّا كنّا خائفين): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 8، ص: 202.

وانظر: كنز العمال، ج: 5، ح: 12388، ص: 168.

وفيه أيضاً:(اجتمع علي وعثمان رضي اللّه عنهما بعُسفان، فكانَ عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقالَ عليٌّ: ما تريد إلى أمرٍ فعله رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تنهى عنه، فقالَ عثمان: دعنا منك، فقالَ: إني لا أستطيع أن أدعَكَ، فلّما أن رأى عليٌّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 8، ص: 202، وانظر: كنز العمال، ج: 5، ح: 12486، ص: 167.

وفي (سنن النسائي): (حجَّ عليٌّ وعثمان، فلمّا كنا ببعض الطريق، نهى عثمان عن التمتع، فقالَ علي: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبّى عليٌّ وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان، فقالَ علي عَليهِ السلامُ: ألم اُخبر أنكَ تنهى عن التمتع؟ قالَ: بلى، قالَ له علي عَليهِ السلامُ: ألم تسمع رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تمتع، قالَ: بلى): النسائي، سنن النسائي بشرح السيوطي، ج: 5، باب: التمتع، ص: 152.

وانظر: كنز العمال، ج: 5، ح: 12483، ص: 166.

فنرى أنَّ أمير المؤمنين علياً عَليهِ السلامُ في هذا الحديث هو الذي يبادر بسؤال عثمان عن تحريمه لعمرة الحج، ثم ينتزع منه اعترافاً وإقراراً بوقوعهما في زمن رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وفي ذلك أبلغ الحجج وأتم البراهين.


الصفحة 189

" ما وردَ من أنَّ أمير المؤمنين علياً (عَليهِ السلامُ) قد خالف رأي عمر في تحريم (متعة النساء)، واعتبر ذلك التحريم من (البدع) المخالفة للسنة النبوية الثابتة، وقد اعترف (عمرُ) بنفسه في كلامه السابق الذي رواه أبناءُ العامة عنه في كتب الحديث بأنَّه هو الذي بادر إلى التحريم، وأنَّ (متعةَ النساء) مثل (متعة الحج) كانت على زمن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وقد تقدَّمت الإشارةُ إلى بعض الأحاديث في النموذج السابق، وروى (القوشجي) ـ وهو من أئمة المتكلمين على مذهب الأشاعرة ـ عن عمر أيضاً انه قالَ:


الصفحة 190

(ثلاث كنَّ على عهدِ رسول اللّه، وأنا أنهى عنهنَّ واُحرمهنَّ، وأُعاقب عليهنَّ، متعة النساء، ومتعة الحج، وحيّ على خير العمل)(1) .

فقول (عمر): (كنَّ على عهد رسول اللّه)، ثم قوله بعد ذلك: (وأنا أنهى عنهنَّ وأُحرّمُهنَّ، وأُعاقب عليهنَّ)، تشريعٌ ابتدائي، وإحداثُ أمرٍ في الدين من دون أنْ يكونَ له أصلٌ فيه، وهو من أصدقِ مصاديق (الابتداع).

بل نرى أنَّه قد وضَع نفسَه في موضعٍ لم يكن رسولُ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) على عظمته وجلالةِ قدره ليضعَ نفسَه فيه، حيثُ يقولُ اللّهُ (جَلَّ وَعَلا) في شأنه:

(وَما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى* إِن هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى)(2) .

ويقول (جَلَّ وَعَلا):

(إِن أَتَّبِعُ إِلا ما يُوحى إِلَيَّ)(3) .

ولم يُعهد منه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ (أنا أرى) في مقابل الوحي الإلهي المنزل، والشريعة السماوية الحكيمة، لأنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) إن سَنَّ أمراً، أو تفوَّه بقولٍ، فإنَّما هو مرتبطٌ باللّه عزَّ وجلَّ، ومنتسب إليه، ومأخوذ عنه سبحانه وتعالى، ولا يمكنُه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنْ يحيدَ عن ذلك قيدَ شعرة مطلقاً.

قالَ اللهُ (جَلَّ وَعَلا):

(وَلَو تَقوَّل عَلَينا بعضَ الأَقاوِيلِ* لأَخَذنا مِنهُ باليَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ)(4) .

____________

(1) عبد الحسين شرف الدين، النص والاجتهاد، ص: 206، عن شرح التجريد للقوشجي، في أواخر بحث الإمامة.

(2) النجم / 3 و 4.

(3) الأحقاف / 9.

(4) الحاقة / 44و 45و 46.


الصفحة 191

فنحن نرى أنَّ (عمر) قد أثبتَ وجودَ (متعةِ النساء) في الشريعة الإسلامية، وأنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد سنّها لأُمته، ثم نرى بعد ذلكَ أنَّه يرى خلافَ ذلك فيحرّمها ويحذفها من قائمة التشريع، ويعاقب من يزاولها، ويقيم عليها، فهل يمكنُ أنْ يحصلَ تناقضٌ أكثر من هذا، حيثُ يتمُّ إثباتُ جميعِ هذهِ الأُمور في الدين ثم يتمُّ رفعُها بعد ذلك بكلمةٍ واحدةٍ؟! وهل يمكنُ أنْ يجتمعَ طرفا الإثبات والنفي هذان في أكثرِ الشرائعِ السماوية شموليةً وهدفيةً واتساعاً؟ !

ولذا نلاحظُ أنَّ أمير المؤمنين علياً (عَليهِ السلامُ) كانَ يصرُّ على إلغاء هذا التحريم، ويبيِّنُ أنَّ للمسلمين في تشريع (متعة النساء) مصلحةً إسلاميةً كبرى، تصونُ المجتمعات من الفساد، والانحراف، والتحلُّل الخُلُقي، وأنَّ هذا الحكمَ حكمٌ مستمرٌ إلى يوم القيامة كما أُريدَ له أنْ يكونَ كذلك من قبل صاحبِ الرسالة (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، فقد رَوى (الحكم)، و(ابن جريح)، وغيرهما، قالَوا: قالَ علي (رضيَ اللهُ عنه):

(لولا أنَّ عمر رضي اللّه عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي، وفي لفظٍ آخر: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطّاب: لأمرتُ بالمتعة، ثمَّ ما زنى إلا شقي)(1) .

____________

(1) انظر: جعفر مرتضى العاملي، الزواج المؤقت في الإسلام، ص: 95، وقد خرَّجه عن: تفسير الطبري، ج: 5، ص: 9، وكذا مصنف عبد الرزاق، ج: 7، ص: 500، ومنتخب كنز العمال هامش المسند، ج: 6، ص: 405، وتفسير الرازي ط سُنَّة 1357، ج: 10، ص: 50، والدر المنثور، ج: 2، ص: 140، وشرح النهج للمعتزلي، ج:2، ص: 253، وتفسير النيسابوري هامش الطبري، ج: 5، ص: 17، والجواهر، ج: 30، ص: 144، عن نهاية ابن الأثير، والطبري، والثعلبي، والغدير، ج: 6، ص: 260 عن كنز العمال، ج: 8، ص: 294، وعن تفسير أبي حيان ج: 3، ص: 218، وأبي داود في ناسخه، وبعض من تقدم، والبيان للإمام الخوئي، ص: 343 عن مسند أبي يعلى، ودلائل الصدق ج: 3، ص: 101، وتلخيص الشافي، ج: 4، ص: 32، والبحار ط قديم، ج: 8، ص: 286، والوسائل، أبواب المتعة، وكنز العرفان، ج: 2، ص: 148، والكافي، ج: 5، ص: 448.


الصفحة 192

* ما وردَ من الأخبار المقطوعة التي دلَّت على تأخّر أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) عن بيعة (أبي بكر)، وأنَّه لم يبايعه إلاّ مكرهاً مجبراً، فلو أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد نصَّ على وجوب اتباع سُنَّة الخلفاءِ الأربعة على ما يُدَّعى استفادتُه من حديث (سُنَّة الخلفاءِ الراشدين)، لم يكن من الحري بأمير المؤمنين علي (عَليهِ السلام)ُ أنْ يتأخرَ عن الإقدام لبيعة (أبي بكر)، وهو الذي يُفترض أنْ يكونَ أولَ المجسدين لاتّباع هذا الحديث، باعتبار أنَّ مدرسة الخلفاء تجعلُه من ضمن مفرداته، وأحد الخلفاء المعنيينَ به.

فتأخرُ أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) عن بيعة (أبي بكر)، ومبايعته أخيراً على نحو الإكراه من أجل حفظ مصلحة الإسلام العليا، دليلٌ آخر على عدم قبوله لسُنَّته، وبالتالي وقوع التضارب والاختلاف الذي يتنافى مَعَ إرادةِ سنتيهما معاً.

جاءَ في (شرح نهج البلاغة):

(ثم ينبغي للعاقل أن يفكّر في تأخّر علي عَليهِ السلامُ عن بيعة أبي بكر ستة أشهر إلى أن ماتت فاطمة، فإن كان مصيباً فأبو بكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة، وإن كان أبو بكر مصيباً فعليٌّ على الخطأ في تأخره عن البيعة وحضور المسجد)(1) .

ولا نظنُّ أنَّه يخفى على القارئ الكريم حلُّ هذهِ المعادلة، أو أنَّه يرتابُ في وضوح نتيجتها.

ووردَت أيضاً الوثائق التاريخية لتؤكّدَ عدمَ رغبة أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) في بيعة (عمر) و(عثمان)، وأنَّه (عَليهِ السلامُ) قد هُدِّد بالقتل إن لم يبايع (عثمان)(2) .

____________

(1) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: 20، ص: 24.

(2) فقد جاءَ في شرح نهج البلاغة: (روى البلاذري في كتابه عن ابن الكلبي، عن أبيه، عن أبي مخنف في إسنادٍ له: أنَّ عليّاً عَليهِ السلامُ لما بايع عبدُ الرحمن عثمانَ كانَ قائماً، فقالَ له عبد الرحمن، بايع والاّ ضربتُ عنقَكَ، ولم يكن مَعَ أحدٍ سيف غيره، فخرج علي مغضباً، فلحقه أصحاب الشورى، فقالَ له: بايع والاّ جاهدناكَ، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان): ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: 12، ص: 265.

وفيه أيضاً عن تاريخ الطبري: (أنَّ الناس لما بايعوا عثمان تلكّأ علي عَليهِ السلامُ، فقالَ عثمان: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّما يَنكُثُ عَلى نَفسِهِ وَمَن أَوفى بِما عاهَدَ عَلَيهُ اللّهَ فَسَيُؤتيهِ أَجراً عظِيماً) (الفتح: 10)، فرجع عليٌّ عَليهِ السلامُ حتى بايعه وهو يقولُ: خدعة وأيُّ خُدعةٍ)؟: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: 12، ص: 265، وانظر: تاريخ الطبري، ج: 5، ص: 41.


الصفحة 193

وهذا يدلُّ أيضاً على عدم ارتضاء أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) لسيرة وسنة (عثمان)، فلا يمكنُ جعلُ السنتين في عرضٍ واحد.

* ما وردَ على لسان أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) من الاحتجاج في مسألة الخلافة على كلٍّ من (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان)، وكونه أحق بالخلافة وولاية أمرِ المسلمين منهم جميعاً، وأنَّه إنَّما سكتَ عن حقِّه حفاظاً على وحدةِ كلمة الأُمّة، وحقناً لدماءِ المسلمين، وخوفاً من وقوعِ الفتنة بينَهم.

وكانَ أميرُ المؤمنينَ علي (عَليهِ السلامُ) يُعربُ عن عدم ارتياحه ورضاه، وعن ألمه العميق لما صارت إليه هذهِ الأُمة من تياهٍ وضياع، ولما حصل فيها من تصدّعٍ وانشقاق(1) .

____________

(1) ومن ذلك قوله عَليهِ السلامُ عند سماعه بنبأ الشورى التي نصَّ عليها عمر قبل وفاته:(بايع الناس لأبي بكر وأنا واللّهِ أولى بالأمرِ منه، وأحقّ به منه، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناسُ كفّاراً يضربُ بعضهم رقابَ بعضٍ بالسيف، ثمَّ بايعَ الناسُ عمر وأنا واللّهِ أولى بالأمر منه، وأحقّ به منه، فسمعتُ وأطعت مخافةَ أن يرجع الناس كفّاراً يضربُ بعضهم رقابَ بعضٍ بالسيف، ثمَّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمانَ، إذاً أسمعُ وأطيع، إنَّ عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كلّنا فيه شرع سواء، وأيم اللّه! لو أشاء أن أتكلَّم ثمَّ لا يستطيع عربيُّهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك ردَّ خصلةٍ منه لفعلت): انظر الحديث بتمامه في كنز العمال، ج: 5، ص: 724 - 726، ح: 14243.

ومنها قوله عَليهِ السلامُ في بيان خلفيات موقفه، وأهداف سكوته عَليهِ السلامُ: (فأمسكتُ يدي حتى رأيتُ راجعةَ الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعونَ إلى محق دين محمدٍ، فخشيتُ إن لم أنصر الإسلام وأهلَه أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوتِ ولايتكم التي إنَّما هي متاع أيامٍ قلائل): نهج البلاغة: الكتاب / 62.

وقوله عندما انتهت إليه أنباء السقيفة: (ما قالَت الأنصار؟ قالَوا: قالَت: منّا أمير ومنكم أمير، قالَ عَليهِ السلامُ: فهلاّ احتججتُم عليهم بأنَّ رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وصّى بأن يُحسن إلى محسنهم، ويُتجاوز عن مسيئهم؟ قالَوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قالَ عَليهِ السلامُ: لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصيةُ بهم، ثم قالَ عَليهِ السلامُ: فماذا قالَت قريش؟ قالَوا: احتجَّت بأنَّها شجرة رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فقالَ عَليهِ السلامُ: احتجّوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة): نهج البلاغة: الكلام / 67.

وحسبُكَ ما في الخطبة الشقشقية من لوم وتقريع، حيث يقولُ أمير المؤمنين عَليهِ السلامُ في جوانب منها:(أما واللّه، لقد تقمَّصها فلان، وإنَّه ليعلم أنَّ محلي منها محلَّ القطب من الرَّحى، ينحدرُ عنّي السيلُ، ولا يرقى اليَّ الطير، فسدلتُ دونَها ثوباً، وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ أرتئي بينَ أن أصولَ بيدٍ جذّاء، أو أصبرَ على طخيةٍ عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيبُ فيها الصغير، ويكدحُ فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه! فرأيتُ أنَّ الصبرَ على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذىً، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى فلانٍ بعدَه، ثمَّ تمثَّل بقول الأعشى: شتان ما يومي على كورها***ويوم حيّان أخي جابر فيا عجباً!! بينا هو يستقيلُها في حياته، إذ عَقَدها لآخر بعد وفاته…إلى أن يقولُ عَليهِ السلامُ (فصبرتُ على طول المدّة، وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعةٍ زعم أنَّي أحدهم، فيا للّه وللشورى، متى اعترضَ الريبُ فيَّ مَعَ الأول منهم، حتى صرتُ اُقرن إلى هذهِ النظائر؟ لكنّي أسففتُ إذ أسفُّوا، وطرتُ إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومالَ الآخر لصهره، مَعَ هنٍ وهَنٍ، إلى أن قامَ ثالث القوم نافحا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقامَ معه بنو أبية، يخضمونَ مالَ اللّه خضمةَ الإبل نبتةَ الربيع، إلى أن انتكث عليه فتلُه، وأجهزَ عليه عملُه، وكَبَت به بطنتُه)!!: نهج البلاغة: الخطبة / 3.


الصفحة 194

* ما روي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَليهما السلامُ) أنَّهما قالَا:

(حجَّ عمرُ أولَ سُنَّة حجَّ وهو خليفةٌ، فحجَّ تلكَ السنة المهاجرونَ والأنصار، وكانَ علي عَليهِ السلامُ قد حجَّ تلكَ السنة بالحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر، قالَ: فلمّا أحرم عبدُ اللّهِ لبس إزاراً وردَاءاً ممشَّقَين مصبوغين بطين المَشق، ثم أتى فنظرَ إليه عمرُ وهو يلبّي، وعليه الإزارُ والرداءُ، وهو يسيرُ إلى جنب علي عَليهِ السلامُ فقالَ عمرُ مِن خلفهم:

ـ ما هذه البدعةُ التي في الحرم؟


الصفحة 195

فالتفتَ إليه علي عَليهِ السلامُ فقالَ:

ـ يا عمرُ، لا ينبغي لأحدٍ أنْ يعلِّمَنا السُنَّة، فقالَ عمرُ:

ـ صَدَقتَ يا أبا الحسن، لا واللّهِ ما علمتُ أنَّكم هم)(1) .

فوقعَ الخلافُ هنا في أصل السُنَّة التي هيَ واحدةٌ في حكمِ اللّهِ تعالى، وواقعِ الأمر، ومن الواضح أنَّ التقابلَ بين كون العمل (بدعة) على ما زعمه (عمرُ)، وكونه سُنَّة على ما أكّدَه أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ)، مما لا يتحققُ بشأنه الجمعُ، ولا يمكنُ أنْ يُنتحلَ له أيُّ تخريج، ولا يمكنُ أنْ نتصورَ أمراً يجمعُ بينَ السُنَّتين.

* ما رواه (ابنُ أبي الحديد) عن كتاب (شورى عوانة) عن (إسماعيل بن أبي خالد) عن (الشعبي) قالَ:

(فلمّا ماتَ عمرُ، وأُدرج في أكفانه، ثمَّ وُضِع ليُصلّى عليه، تقدَّم علي بن أبي طالب، فقامَ عندَ رأسه، وتقدَّمَ عثمانُ فقامَ عند رجليه، فقالَ علي عَليهِ السلامُ: هكذا ينبغي أنْ تكونَ الصلاةُ، فقالَ عثمان: بل هكذا، فقالَ عبد الرحمن: ما أسرعَ ما اختلفتم.

يا صهيب! صلِّ على عمر كما رضيَ أنْ تصلّيَ بهم المكتوبة)(2) .

وهذا خلاف في أصل السُنَّة أيضاً، ولا يمكن أن يقع من شخصين واجبي الاتباع معاً.

" ما رواه (ابنُ أبي الحديد) من أنَّ (عثمان) قالَ لعلي (عَليهِ السلامُ) في كلام دار بينهما:

____________

(1) العياشي، تفسير العياشي، تحقيق: هاشم المحلاتي، ج:2، ص38، وانظر: بحار الأنوار،ج:96،ح3، ص: 142.

(2) التستري، محمد تقي، قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَليهِ السلامُ، ص: 210، عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.


الصفحة 196

(أبو بكر وعمر خير منكَ! فقالَ علي (عَليهِ السلام)ُ: كذبتَ، وأنا خيرٌ منكَ ومنهما، عبدتُ اللّهَ قبلَهما، وعبدتَهُ بعدَهما)(1) .

فكيفَ يمكنُ أنْ تكونَ سُنَّةُ الخلفاء الأربعة واجبةَ الاتباع على حدٍّ سواء مَعَ هذا الترتيب الذي ذكرَه أميرُ المؤمنين عَليهِ السلامُ في كلامه، ومَعَ لحنِ الخطابِ الصادر منه (عَليهِ السلامُ)؟

أضف إلى كلِّ أنحاءِ الخلاف هذه، ما وردَ في باب القضاءِ من هفوات خطيرة وقَعَ فيها (أبو بكر) و(عمر) و(عثمان) طيلةَ المقطع الزمني الذي مارسوا فيه الحكم، وقد تمكنَ أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) أنْ يتلافى ويستدركَ عليهم ما أمكنَه أنْ يتلافاه من ذلك، حتى قالَ (عمر) مقولتَه المشهورة:

(لولا علي لهلك عمر)(2) .

وقالَ:

(ما عشتُ لمعضلةٍ ليسَ لها أبو الحسن)(3) .

____________

(1) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: 20، ص: 25.

(2) الشاكري، حسين، علي في الكتاب والسنة، ج: 2، ص: 144، عن كفاية الطالب للكنجي، والغدير، ج: 6، ص: 94، وبحار الأنوار، ج: 40، باب: 93، ح: 54، ص: 149.

(3) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 40، باب: 93، ح: 54، ص: 149، والغدير، ج: 6، ص: 103.

ولمزيد من التفصيل راجع البحث العلمي القيِّم الذي جاد به يراع العلامة الأميني في موسوعة الغدير، ج: 6، باب: نوادر الأثر في علم عمر، ص: 83 - 325، وج: 7، ص: 73 - 200، وج: 8، ص: 97 - 241.


الصفحة 197

ب ـ الخلاف بينَ الخلفاءِ الثلاثة

يكفينا للاطلاع الإجمالي على بعض النماذج البارزة لصور الخلاف الواقعة بين كلٍّ من (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان) أن نوردَ ما ذكره (طه العلواني) في كتاب (أدب الاختلاف في الإسلام) حيث يقولُ ما لفظه:

(فمما اختلفَ فيه الشيخان ـ أبو بكر وعمر رضيَ اللّهُ عنهما غيرَ ما ذكرنا... سبي أهل الردّة، فقد كان أبو بكر يرى سبيَ نساء المرتدين، على عكس ما يراه عمرُ الذي نقضَ - في خلافته - حكمَ أبي بكر في هذهِ المسألة، وردَهنَّ إلى أهليهنَّ حرائرَ، إلا مَن ولدت لسيدها منهنَّ، ومن جملتهنَّ كانت خولةُ بنتُ جعفر الحنفية أُم محمد بن علي رضيَ اللّهُ عنهما.

كما اختلفا في قسمةِ الأراضي المفتوحة، فكان أبو بكر يرى قسمتَها، وكانَ عمرُ يرى وقفَها ولم يقسِّمها.

وكذلكَ اختلفا في المفاضلةِ في العطاء، فكانَ أبو بكر يرى التسويةَ في الأعطيات، حينَ كانَ عمرُ يرى المفاضلة، وقد فاضَل بين المسلمينَ في أعطياتهم.

وعمر لم يستخلف، على حين استخلفَه أبو بكر، كما كانَ بينهما اختلافٌ في كثيرٍ من مسائل الفقه)(1) .

فمن حق المرء بعدَ أنْ يطّلعَ على هذهِ النماذج من صور الخلافِ التي وقعت تارةً بينَ أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) من جهةٍ، وبينَ كلٍّ من (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان) من جهةٍ ثانيةٍ، ووقعت تارةً أُخرى بين (أبي بكر) و(عمر) و(عثمان) أنفسهم.. أنْ يتساءَلَ من رواد حديث (سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين) والمتمسكينَ به، أنَّه هل يمكنُ أنْ

____________

(1) العلواني، طه جابر، أدب الاختلاف في الإسلام، ص: 59 - 60.


الصفحة 198

يأمرَ النبي الخاتَمُ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أُمتَه بأنْ تأخذَ بالسُنَّة وبخلافها في وقتٍ واحد؟ وهل يعني ذلك إلاّ الجمعَ بين المتناقضين؟ وهل يمكنُ لنا أن نصدِّقَ بحديثٍ يؤدي إلى وقوع الشريعة الإسلاميةِ في مثل هذا التناقضِ الفاحش، وبينَ أيدينا كلامُ اللّهِ الذي ينفي فيه الاختلاف والتفاوت عن التشريع حيثُ يقولُ:

(أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عَندِ غَيرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثيِراً)(1) .

وفي مقابلِ كلِّ هذا نرى التناسقَ، والنظمَ، والإحكام في أقوالِ أئمة أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ)، على الرغم من اختلاف الظروفِ التي عاشوا فيها، والفواصلِ الزمنيةِ الطويلةِ التي وقعت بينَ بعضهم والبعضِ الآخر، فلو أرجعنا البصرَ فيما ورثناه من أحكامٍ زاخرةٍ، وتعاليمَ غفيرةٍ صدرت عن أئمة أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ)؛ لما وجدنا أيَّ لونٍ من ألوانِ التفاوتِ والاختلاف في أقوالهم وآرائهم وسلوكهم، وهذا أدلُّ دليلٍ على عصمتهم وأهليتهم لتبليغِ الرسالة، وحمايةِ الشرع المبين، والاستمرارِ على خُطى الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وبما جاءَ به من قوانينَ وأنظمةٍ وأحكام. ولا غروَ في ذلك إذا ما قرنَهم رسولُ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بكتابِ اللّهِ العزيز الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه في (حديثِ الثقلين) المتقدمِ الذكر. فلأنَّهم (عَليهِمُ السلامُ) قرناءُ القرآن الكريم، وقد أخبرَ رسولُ اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بالدليل القطعي عن اقترانِهم به، وملازمتِهم له إلى حين ورود الحوض.. فإنّا لا نجدُ أيَّ اختلاف في أقوالهم وأحكامهم، ونجدُ أنَّ كلامَهم المقطوعَ الصدور ككلام القرآن الكريم، يصدِّقُ بعضُه البعضَ الآخر، ولا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه.

فإن كانَ هناك خلفاءُ راشدونَ يجبُ أن يُتَّبعوا، وتُقتفى آثارُهم، ويُعمل بسنتهم، فهم أئمةُ أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ)؛ لأنَّ سُنَّتَهم سُنَّةٌ واحدة، تكشفُ عن سُنَّة رسولِ

____________

(1) العلواني، طه جابر، أدب الاختلاف في الإسلام، ص: 59 - 60.


الصفحة 199

اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وتنطقُ بها، ولا يصحُّ بأيِّ حالٍ أنْ يردَ الأمرُ باتباع سُنَّة متفرّقةٍ مبعثرةٍ مختلفة، كما لاحظناه سابقاً.

قالَ رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):

(ألا إنَّ مثلَ أهلِ بيتي فيكم مثل سفينة نوحٍ من قومه، مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّفَ عنها غرق)(1) .

وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):

(النجومُ أمانٌ لأهلِ الأرضِ من الغرق، وأهلُ بيتي أمانٌ لأُمتي من الاختلاف)(2) .

فالأمرُ لا يتوقفُ إذن في إطار عدم وجود التفاوت والاختلاف في سُنَّةِ أهلِ البيت (عَليهِمُ السلامُ) فحسب، وإنَّما يتعدى ذلك إلى أنَّ سُنَّتَهم ترفعُ أيَّ اختلاف من المفترض أنْ تقعَ فيه الأُمّةُ الإسلامية، وإنَّها تمثّلُ المحورَ الذي يجبُ أنْ يلتفَ حوله المسلمون، ويلجأوا إليه، عند وقوع الفتنِ والاختلافاتِ فيما بينهم؛ لأنَّهم (عَليهِمُ السلامُ) أمانُ الأُمّة من الاختلاف، كما أنَّ نجومَ السماء أمانٌ لأهل الأرضِ من الغرق. ويشيرُ أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) إلى أنَّ أهلَ البيت (عَليهِمُ السلامُ) لا يخالفونَ الحقَّ، ولا يختلفون فيه بشكلٍ مطلق، وأنَّهم عقلوا الدينَ عقلَ وعايةٍ، لا عقلَ رواية(3) .

____________

(1) الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم، ج: 3، كتاب معرفة الصحابة، ص: 151.

(2) الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم، ج: 3، كتاب معرفة الصحابة، ص: 149.

(3) حيثُ يقولُ (عَليهِ السلامُ):(هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتُهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقَّ، ولا يختلفونَ فيه، وهم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عادَ الحقُّ إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانهُ عن منبته، عقلوا الدين عقلَ وعايةٍ ورعايةٍ، لا عقلَ سماع ورواية، فإنَّ رواة العلم كثير، ورعاتهَ قليل): نهج البلاغة: الخطبة / 239.

وعنه (عَليهِ السلامُ) في موضع آخر أنَّه قالَ:(لو اختصم إليَّ رجلان فقضيت بينهما، ثمَّ مكثا أحوالاً كثيرة، ثم أتياني في ذلك الأمر، لقضيت بينهما قضاءً واحداً؛ لأنَّ القضاء لا يحول ولا يزول أبداً): محمد بن النعمان المفيد، أمالي الشيخ المفيد، ج: 3، ص: 287، وبحار الأنوار، ج: 2، باب: 32، ح: 13 ص: 172.


الصفحة 200

ولا نكادُ نجدُ أنفسَنا بحاجةٍ إلي أنْ نطيلَ التأملَ في هذهِ النقطة بعدَ أنْ ندركَ بأنَّ كلَّ ما يقولُه أئمةُ أهلِ البيتِ (عَليهِمُ السلامُ) فإنَّما هو مستقىً من معينِ علمِ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، ومأخوذ من بحور معرفته(1) .

الدليل الثالث
إرادة الخلفاءِ الأربعة تتنافى مع إنكارِ مدرسة الخلفاء لوجود النص

بنى جمهورُ مدرسة الخلفاء ثقافتَهم الإسلامية بما تحمله من خصوصياتٍ وأبعاد على أساسِ القولِ بعدمِ وجودِ النصِّ الشرعي من قبل رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)

____________

(1) يقولُ سيد الأئمة علي (عَليهِ السلامُ): (علَّمني رسول اللّه ألف باب من العلم، فَفُتح لي من كلِّ بابٍ ألفُ باب): حسين الشاكري، علي في الكتاب والسنة، عن فتح الملك العلي للسيد أحمد المغربي، ص: 19، والأربعين للهروي، ص: 47 (مخطوط)، وينابيع المودة للقندوزي، ص: 72.

ويقولُ رسولُ اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بشأن علي (عَليهِ السلامُ):(أنا مدينة العلم، وعلي بابُها): حديث متواتر اتفق على روايته الفريقان، وللتفصيل راجع: إحقاق الحق، ج: 5، ص: 469 - 501، وج: 16، ص: 277 - 297، وج: 21، ص: 415 - 428.

ويقولُ الامام الصادق (عَليهِ السلامُ): (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وحديث رسول اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قول اللّه عزَّ وجلَّ): زين الدين العاملي، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ص: 194.

وسأل (سماعةُ) الإمام موسى الكاظم (عَليهِ السلامُ) قائلاً: أكل شيءٍ في كتابِ اللّه وسنة نبيِّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أو تقولونَ فيه؟ فقالَ عَليهِ السلامُ: بل كلّ شيءٍ في كتاب اللّه وسنة نبيه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): محمد بن يعقوب الكليني، الأصول من الكافي7 ج: 1، باب: الرد إلى الكتاب والسنة، ح: 10، ص: 62.


الصفحة 201

على الخليفة من بعده، وأشادوا كلَّ معتقداتهم وأفكارهم ورؤاهم على هذا الأساس.

وعندَ القول بأنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد عيَّنَ أربعةَ خلفاء من بعدهِ، وهم (أبو بكر) و(عمر) و(عثمان)، وعلي (عَليهِ السلامُ)، أو يزيدونَ على ذلك كما في بعض التفاسير، وأنَّهم هم المقصودونَ بلفظةِ (الخلفاءِ الراشدين)، وأنَّ سُنَّتَهم يجبُ أنْ تُتبعَ، ويُعضُّ عليها بالنواجذ، فإنَّ هذا يعني وجودَ النصِّ على أمرِ الخلافة الإسلامية بعدَ رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، خصوصاً معَ ملاحظة ما يرتّبونه من آثار عمليةٍ شاملة لجميع الأحكام وخصوصيات التشريع على تسليمهم لهذا الحديث، وتوجيههم لمختلف التشريعات الصادرةِ عن (عمر) و(أبي بكر) و(عثمان) عن طريق التشبُّث به، والتمسكِ بمؤداه، وهذا يعني وجودَ النصِّ على الخلافة، الأمرُ الذي يرفضه جمهور مدرسةِ الخلفاءِ رفضاً قاطعا.ً

الدليل الرابع
حجم الحديثِ لا يتناسبُ مَعَ موقعِ الخلافةِ وأهميتِها في الإسلام

إنّ حديثَ (سُنَّة الخلفاء الراشدين)، والنزر القليل المدَّعى معه في الدلالة على وجوب اتباع سُنَّةِ (الخلفاءِ الراشدين) على النحو المتقدم لدى أتباع مدرسة الخلفاء، لا يتناسبُ في حجم مؤداه مَعَ أمرِ الولايةِ الإسلامية وخطورته؛ إذ لا يمكنُ لحديثٍ هزيلٍ من ناحية السند، ومبهمٍ من ناحية الدلالة، أنْ يرتفعَ إلى مستوى تغطية هذا الأمر الحساس والوفاءِ به.


الصفحة 202

إنَّ قضيةَ الخلافةِ الإسلامية والولاية على أمر التشريع لهي من أهمِّ ما يفكّرُ فيه رائدٌ إنساني مثل النبي الخاتَم (صلى الّه عليه وآله وسلم)، الذي بُعثَ ليقدّمَ للبشرية جمعاء منهجاً متكاملاً يغطّي جوانب الحياة، ويستجيب لمختلف احتياجاتها ومتطلباتها؛ ليودِّع أُمََّتَه بعد ذلك وهو مطمئنٌ على سلامة ما أتى به من مبادئ وأحكام..

على أنَّ علماءَ مدرسة الخلفاء ومحدثيهم يروون الحشدَ الكبيرَ من الروايات الدالة على استخلاف (أبي بكر) لـ (عمر) من بعده، كما أنَّ (عمرَ) قد جعلَ الخلافةَ من بعده في واحدٍ من ستة نفرٍ شخَّصهم بأسمائهم(1) .

____________

(1) رُويَ أنَّ أبا بكر: (دعا عثمانَ بنَ عفان فقالَ: اكتب: بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ، هذا ما عهد أبو بكر بنُ أبي قحافة في آخر عهده من الدنيا خارجاً عنها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيثُ يؤمنُ الكافرُ، ويوقنُ الفاجرُ، ويصدِّق الكاذبُ، إنّي استخلفتُ عليكم بعدي عمرَ بنَ الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14175، ص: 674.

ورُويَ أيضاً أن أبا بكر قالَ لعمر: (أدعوكَ لأمرٍ متعب لمن وُلّيه، فاتقِ اللّهَ يا عمرُ بطاعته، وأطعه بتقواه): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14176، ص: 677.

ورُويَ أنَّ الناسَ قالَوا لعمر عند ما دنت إليه الوفاةُ: استخلفْ، فقالَ (لا أجدُ أحداً أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاءِ النفر الذين تُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ وهو عنهم راضٍ، فأيُّهم استُخلفَ فهو الخليفةُ بعدي، فسمّى علياً وعثمانَ وطلحة والزبيرَ وعبدَ الرحمن بنَ عوف وسعداً): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14245، ص: 730.

وعنه أنَّه قالَ: (وان اجتمعَ رأي ثلاثة ثلاثة فاتبعوا صنفَ عبد الرحمنِ بنِ عوف واسمعوا وأطيعوا): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14251، ص: 733.

وليُنظر إلى ما يرويه (ابنُ عباس) عن (عمر) حيث يقولُ: (إنّي لجالسٌ مَعَ عمر بن الخطاب ذاتَ يوم إذ تنفَّسَ تنفساً ظننتُ أنَّ أضلاعَه قد تفرَّجت، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، ما أخرجَ هذا منكَ إلاّ شرٌّ، قالَ: شرٌّ واللّهِ، إنّي لا أدري إلى مَن أجعلُ هذا الأمرَ بعدي، ثم التفتَ إليَّ فقالَ: لعلَّك ترى صاحبَكَ لها أهلاً، فقلتُ: إنَّه لأهلُ ذلكَ في سابقته وفضله، قالَ: إنَّه لكما قلتَ، ولكنَّه امرؤٌ فيه دعابة): علاء الدين الهندي، كنز العمال، ج: 5، ح: 14262، ص: 737.


الصفحة 203

فكيف يمكن للنبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) الذي أُؤتمنَ على أوسعِ الشرايع السماوية وأكثرها شموليةً، أنْ يخرجَ عن السير على ضوء هذهِ القاعدةِ العقلائية المسلَّمة، ويتعاملَ مَعَ أمر الاستخلاف بهذه الطريقة المزعومة، ومن خلال حديثٍ متناقضٍ في مضمونه، ومجمل في دلالته، ويتيم في مؤداه؟!!

إنَّ مَن يستعرضُ مفردات الشريعة الإسلامية وتعاليمها، يجدُ أنَّها تعطي القضايا التي تلي أمرَ الخلافةِ في الأهمية الشيءَ الكثيرَ من التركيز، وتغطّيه بالعددِ الغفير من الأحاديث، كيفَ وأمرُ الخلافةِ والولاية هو الدعامة الأُولى للدين، والأساسُ الرئيسي الذي تُشادُ عليه بقية التعاليم (1)؟

فكيفَ يمكنُ لهذا البناء الفكري الذي يقرُّ بعدم وجود النصِّ في أمر الخلافةِ، والذي آمنَ به أبناءُ مدرسة الخلفاء لمئات السنين، واختطّوا نهجَه، وتسالموا على تعاطيه، خلالَ الحقبِ الزمنية المتمادية... كيفَ يمكنُ لهذا البناء أنْ يتعامل مع هذه الرواية الهزيلةِ التي عليها ما عليها من الإشكالات والإيرادات؟

وكيفَ يمكنُ أنْ يُستظهرَ منها الأمرُ بوجوب اتباع سُنَّه (الخلفاءِ الأربعة) مجتمعين على ما زعموا، في مقابل الحشدِ الكبير، والسيلِ المتدفق من الآياتِ الكريمة والأحاديثِ النبوية المتواترةِ منها والمستفيضة، التي دلَّت على إيكال أمرِ الخلافةِ

____________

(1) يقولُ الامام الباقر (عَليهِ السلامُ) على ما رواه (زرارةُ) عنه: (بُنيَ الإسلامُ على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، قالَ زرارةُ: وأيُّ شيءٍ من ذلكَ أفضل؟ فقالَ عَليهِ السلامُ: الولايةُ أفضل؛ لأنَّها مفتاحُهنَّ، والوالي هو الدليلُ عليهنَّ): محمد بن يعقوب الكليني، الأصول من الكافي، ج: 2، باب: دعائم الإسلام، ح: 5، ص: 18.

ويقولُ (عَليهِ السلامُ): (بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ، على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم ينادَ بشيءٍ كما نُودي بالولاية): محمد بن يعقوب الكليني، الأصول من الكافي، ج: 2، باب: دعائم الإسلام، ح: 1، ص: 18.


الصفحة 204

والولاية إلى أهل بيت العصمة والطهارة (عَليهِمُ السلامُ)، كـ (آية الولاية)، و(آية المباهلة)، و(آية التطهير)، و(آية المودة)، و(آية التبليغ)... وكـ (حديث الغدير)، و(حديث الثقلين)، و(حديث السفينة)، و(حديث المنزلة)... إلى غير ذلك من الأحاديث التي طفحت بها كتب الفريقين، ومما ملأ ذكرهُ الخافقَين.

الدليل الخامس
أئمة أهلِ البيتِ خلفاءُ الرسولِ بنص منه

نَقَل أعلامُ مدرسة الخلفاء في مصادرهم المعتبرة أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد نصَّ على أنَّ خلفاءَ الأُمة الإسلامية من بعده هم (اثنا عشر) خليفةً، وأنَّهم من (قريش)، فتكونُ هذهِ الأحاديثُ مفسِّرةً للمراد من لفظة (الخلفاء الراشدين) الوارد ذكرُها في حديث (سُنَّة الخلفاءِ الراشدين)، باعتبار انطباقها على أئمةِ أهل البيت (صلواتُ اللّهِ عَليهم أجمعينَ).

جاءَ في (صحيح البخاري) وفي (سنن الترمذي) عن (جابر بن سَمُرة) قالَ:

(سمعتُ النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ يقولُ: يكونُ اثنا عشرَ أميراً، فقالَ كلمةً لم اسمعها، فقالَ أبي: إنَّه قالَ: كلُّهم من قريش)(1) .

وفي هذا المضمون وردت أحاديثُ كثيرةٌ مستفيضةٌ(2) ، لا يمكنُ أن تفسّرَ إلاّ على أساسِ نظرية الأئمة الإثني عشر التي يؤمن بها أتباعُ مدرسة أهل البيت (عَليهِمُ السلامُ)

____________

(1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 8، كتاب الأحكام، ص: 127.

وانظر: سنن الترمذي، ج: 4، باب: 46 ما جاءَ في الخلفاء، ح: 2323، ص: 434.

(2) ورد في ( صحيح البخاري) عن رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ:(لا يزالُ هذا الأمرُ في قريش ما بقي منهم اثنان): البخاري، صحيح البخاري، ج: 8، كتاب الأحكام، ح: 4، ص: 105.

وفي (صحيح مسلم) عن (جابر بن سَمُرة) قالَ:(دخلتُ مع أبي على النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ فسمعتُه يقولُ: إنَّ هذا الأمرَ لا ينقضي حتى يمضيَ فيهم اثنا عشرَ خليفةً، ثم تكلّمَ بكلامٍ خفي عليَّ، قالَ: فقلتُ لأبي: ما قالَ؟ قالَ: كلُّهم من قريش): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 201.

وفيه أيضاً عن (جابر بن سَمُرة) قالَ:(سمعتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ يقولُ: لا يزالُ الإسلامُ عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قالَ كلمةً لم أفهمها، فقلتُ لأبي: ما قالَ؟ فقالَ كلُّهم من قريش): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 202.

وفيه أيضاً عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (لا يزالُ الإسلامُ عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 203.

وفيه أيضاً عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):(لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلُّهم من قريش): مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 12، ص: 203.


الصفحة 205

والتي تضمن دوام أمر الخلافةِ إلى آخرِ مطافِ البشرية، وملازمتهم للقرآن الكريم المحفوظ برعاية اللهِ حتى آخرِ لحظاتِ الوجود.

وقد وردَ في بعضِ مصادر مدرسة الخلفاء المعتبرة أيضاً النصُّ على أسمائهم، أو البعضِ منهم، علاوة على تحديدِ عددهم بأنَّهم اثنا عشرَ خليفةً، وتحديدِ أصلهم وهو أنَّهم من قريش.

فقد جاءَ في كتاب (مودة القربى) أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد قالَ للحسين بن علي (عَليهِ السَّلامُ):

(أنتَ إمامٌ ابنُ إمامٍ، أخو إمام، أبو أئمةٍ، وأنتَ حجّةٌ ابنُ حجّةٍ، أخو حجةٍ أبو حججٍ تسعٍ، تاسعُهم قائمُهم)(1) .

كما وردَ النصُّ على طرفي هذهِ السلسلة المباركة وتشخيصِ أولِ فردٍ فيها وهو الإمامُ علي بن أبي طالب (عَليهِ السلامُ)، وآخرِ فردٍ فيها وهو الإمام محمد المهدي (عَليهِ السَّلامُ)، وأمّا تشخيصُ الأئمةِ بأسمائهم جميعاً فقد وردَ في مجاميع غفيرة من مصادرنا المعتبرة، وكذلك بعض المصادرِ القليلة المنصفة لدى مدرسة الخلفاء، وقد

____________

(1) الزين، محمد حسين، الشيعة في التاريخ، ص: 23 عن ينابيع المودة للحنفي ص: 139.


الصفحة 206

غابت هذه الأسماءُ اللامعة في كتبهم المشهورة لأسبابٍ شتى عالجناها في كتابنا (الخلفاء الإثني عشر) بإسهابٍ وتفصيل.

فأمّا ما وردَ بشأن سيد الأئمةِ أمير المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) فقد تقدمت الإشارة إلى طرفٍ بين طيات هذهِ الدراسة، وأمّا ما وردَ بشأن الإمام الثاني عشر عَليهِ السلامُ فهو أحاديث كثيرة أيضاً منها ما روي في (ينابيع المودة) للشيخ (سليمان الحنفي) من أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قالَ:

(إنَّ خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي الاثنا عشر، أولهم علي، وآخرهم المهدي)(1) .

وتواترت هذه الأخبارُ لدى مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السلامُ) وهو مذكورٌ في مظانِّه الخاصة.

____________

(1) الزين، محمد حسين، الشيعة في التاريخ، ص: 23 عن ينابيع المودة للحنفي ص: 374.