مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما حجر عنا حجارة إبن حجر وصير نار صواعقه رمادا بلا أثر فبهت الذي كفر وكأنه التقم الحجر والشكر على ما أيدنا بصوارم حجج قاطعة حاكمة فيما شجر وأعلمنا إنا على الحق الذي لا يزدجر ولو ساقونا إلى سعفات هجر ثم الصلاة على سيد الوبر والمدر الذي سبح في كفه الحصى وإستلمه الحجر وعلى إثنتي عشرة عينا بإشارتهم الى الحجر قد نبع الماء منه وإنفجر وشهد بإمامتهم البيت والركن والحجر وبعد فإن الشيخ الجاهل الجامد الحامل للزجاج الكامل في نقص الفطرة وسوء المزاج أبو المدر إبن حجر رخام الإنحراف وبرام الأعوجاج وراج بمشاركة إسم الحافظ العسقلاني بعض الرواج قد أظهر في مقام إيراد الشبهة والإحتجاج غاية الحماقة واللجاج فلم يميز العذب الفرات من الملح الأجاج ولا ضوء الصبح على المظلم الداج ورام رمي الناس بالحجر مع كون بيته من الزجاج بل حاول بيد قاصرة عن إقتباس قبس الإحتحاج وقدم داحضة في ميادين الحجاج

الصفحة 3
معارضة المقتبسين عن مشكاة القرآن والولاية بالطبع الوهاج ومبارزة رجال المنايا وأسود الهياج المتدرعين بسوابغ ولاء أدلاء المنهاج المؤيدين بصوارم كأنها لذي الفقار نتاج مطفئة بحدة ماءها الأجاج حر صواعق كل متمجس أجاج فبادر الي تسويد كتاب يستهزء به الألباب لبيان حقية خلافة أبي فصيل وإبن الخطاب ومع إحتوائه على المصادرة وسوء المكابرة وإنطوائه على الأحاديث الموضوعة والآثار المصنوعة والإيرادات الباردة والإعتراضات الجامدة سماه بالصواعق المحرقة لمحا الى إنه يحرق قلوب الشيعة ويخرق صدور تلك الفرقة الناجية الرفيعة وسيكشف لك ضوء ما قابلناه به من الصوارم المهرقة إنه لا يحرق إلا لحيته ولا يخرق إلا أليته والله يحق الحق ويهدي السبيل.

الرد على خطبة كتاب ابن حجر و حديث اصحابي كالنجوم

1 ـ قال: أحرقه الله بنار صواعقه في خطبة كتابه المذموم: الحمد لله الذي خص نبيه محمداً بأصحاب كالنجوم وأوجب على الكافة تعظيمهم وإعتقاد حقية ماكانوا عليه من حقائق المعارف والعلوم.

أقول: أشار بقوله أصحاب كالنجوم الى مارووا من قوله صلى الله عليه وآله أصحابي كالنجوم فبأيهم أقتديتم إهتديتم وفيه بحث سنداً ومتناً.

أما أولاً فلما قال بعض الفضلاء من أولاد الشافعي في شرح كتاب الشفاء للقاضي عياض المالكي إن حديث أصحابي كالنجوم أخرجه الدار قطني في الفضائل وإبن عبد في العلم من طريقه من حديث جابر وقال هذا إسناد لا يقوم به حجة لأن في طريقه الحارث بن غضين وهو مجهول ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبدالرحيم بن زيد عن أبيه عن المسيب عن عمر قال البزار منكر ولا يصح ورواه إبن عدي في الكامل

الصفحة 4
من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن عمر بلفظ بأيهم أخذتم بدل قوله إقتديتم واسناده ضعيف لأجل حمزة لأنه متهم بالكذب ورواه البيهقي في المدخل من حديث إبن عباس وقال متنه مشهور واسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا الباب اسناد وقال ابن حزم إنه مكذوب موضوع باطل وقال الحافظ زين الدين العراقي وكان ينبغي للمصنف أن لا يذكر هذا الحديث بصيغة الجزم لما عرفت حاله عند علماء الفن إنتهى كلام شارح الشفاء وهو كاف شاف في الرد على أهل الشفاء

وأما ثانيا فلأن المخاطبين في متن الحديث بلفظ إقتديتم وإهتديتم إن كانوا هم الصحابة أو الصحابة مع غيرهم فلا يستقيم إذ لا مساغ للفصيح أن يقول لأصحابه أولهم مع غير هم أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم وهو ظاهر وإن كانوا غير الصحابة فهو خلاف الظاهر إذ الظاهر {ن كل من خاطبه النبي صلى الله عليه وآله بهذا الخطاب المتبادر من الخطاب الشفاهي كان بمرأى منه صلى الله عليه وآله فكان صحابيا ولو سلم ذلك لكان الظاهر اخبار رواية بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لجميع من اسلم غير الصحابة اصحابي كالنجوم الخ ولما لم يكن في روايتكم شيء من هذا التخصيص بطل إدعاؤكم في ذلك

وأيضا يلزم على هذا التقدير {ن كل من إقتدى بقول بعض الجهال بل الفساق من الصحابة او المنافقين منهم وترك العمل بقول بعض العلماء الصالحين منهم يكون مهتدياً وان يكون المقتدي بقتلة عثمان والذي تقاعد عن نصرته تابعاً للحق مهتديا وان يكون المقتدي بعائشة وطلحة والزبير الذين بغوا وخرجوا على علي عليه السلام وقتلوه مهتديا وان يكون المقتول من

الصفحة 5
الطرفين في الجنة ولو إن رجلا إقتدى بمعاوية في صفين فحارب معه الى نصف النهار ثم عاد في نصفه فحارب مع علي عليه السلام الى آخر النهار لكان في الحالين جميعا مهتديا تابعا للحق والتوالي بأسرها باطلة ضرورة وإتفاقا والذي يسد باب كون عموم الصحابة كالنجوم ماقال الفاضل التفتازاني في شرح المقاصد من أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على السنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طرق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسات والميل الى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقى النبي بالخير موسوماً إلا إن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآلله وآله ذكر والها محامل وتأويلات بها يليق وذهبوا إلى إنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار المبشرين بالثواب في دار القرار إنتهى.

ويتوجه على ماذكره آخراً من تعليل ذكر العلماء المحامل والتأويلات لما وقع بين الصحابة بحسن ظنهم فيه إن بعد العلم بوقوع ماوقع بينهم لا وجه لحسن الظن بالكل الى التعصب فيهم وأما من زعموه كبار الصحابة وعنوا به الثلاثة فهم أول من أسس أساس الظلم والعدوان بغصب الخلافة عن أهل البيت والإقدام بكيت وكيت وإنما صاروا كباراً بغصبهم الخلافة وحكومتهم على الناس بالجلافة ولهذا قال بعض علماء الامة كل زينته الخلافة إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وروى هذا الشيخ الجامد في الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف على علي عليه السلام

الصفحة 6
انه لما دخل علي عليه السلام الكوفة دخل عليه حكيم من العرب فقال والله ياأمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج اليك منك اليها إنتهي

وأما ماذكره من البشارة لهم بالثواب في دار القرار فإن أشار به الى حديث بشارة العشرة فهو موضوع لا يصح إلا في واحد منه عليه السلام كما سيأتي بيانه وإن أشار به الى غيره من الأحاديث فلعل بعد ظهور صحته يكون بشارة الثواب فيه مشروطا بشروطه كما روي عن مولانا الرضا عليه السلام إنه لما سئل عن صحة رواية قوله صلى الله عليه وآله «من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة» فقال نعم بشروطها وأنا من شروطها أي من ملة شروطها الإعتقاد بإمامتي ووجوب طاعتي والحاصل إنه لا يتحتم بمجرد الصحابية الحكم بإن الإيمان والعدالة وحسن الظن فيهم واستيهالهم للإقتداء بهم والإستهداء منهم وذلك لأنه لاريب في أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وآله مؤمنا به وموته على الإسلام وإن الإيمان والعدالة مكسبان ليسا طبيعين جبليين فالصحابي كغيره في إنه لايثبت إيمانه إلا بحجة لكن قد جازف اهل السنة كل المجازفة فحكموا بعدالة كل الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام والداخلون على غير بصيرة والشكاك كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيرا وكان فيهم شاربوا الخمر وقاتلوا النفس وسارقوا الرداء وغيرها من المناكير بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به الباري جل ثناؤه ورواه البخاري في صحيحه وغيره في غيره وكانوا في عهده صلى الله عليه وآله ساكنين في مدينته يصحبونه ويجلسون في مجلسه ويخاطبهم ويخاطبونه ويدعون بالصحابة ولم يكونوا بالنفاق معروفين ولا متميزين ظاهراً قال الله سبحانه

الصفحة 7
(ولو نشاء لأربكناهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول) بل كان فيهم من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويمكر ويسعى في هدم أمره كما ذكره أبو بكر أحمد البيهقي في كتاب دلائل النبوة حيث قال أخبرنا أبو عبدالله الحافظ وذكر الإسناد مرفوعا الى ابي الأسود عن عروة قال لما رحع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك الى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه فأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق وارادوا ان يسلكوه معه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله خبرهم فقال من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم فأخذ النبي صلى الله عليه وآله العقبة وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به فاستعدوا أو تلثموا وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه وامر عمارا ان يأخذ بزمام الناقة وامر حذيفه ان يسوقها فبينما هم يسيرون إذ سمعوا ذكرة القوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله وامر حذيفة ان يردهم فرجعوا متلثمين فرعبهم الله حين ابصروا حذيفة وظن ان مكرهم قد ظهر واسرعوا حتى خالطوا الناس واقبل حذيفة حتى اقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما ادركه قال له اضرب الراحلة ياحذيفة وامش انت ياعمار فاسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي صلى الله عليه وآله ياحذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط والركب احداً ؟ فقال حذيفة عرفت راحلة فلان وفلان وكانت ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثمون فقال صلى الله عليه وآله هل علمتما ما شأن الركب وما أرادوا ؟ قالا لا يارسول الله (ص) قال فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت لي العقبة طرحوني منها قالا أفلا تأمر بهم يارسول الله إذا جاءك

الصفحة 8
الناس فنضرب أعناقهم قال أكره أن يتحدث الناس فيقولون أن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهم ثم قال أكتماهم وفي كتاب أبان بن عثمان قال الأعمش وكانوا إثني عشر سبعة من قريش وعلى تقدير ثبوت الإيمان والعدالة يمكن زوالهما كما في بلعم صاحب موسى عليه السلام حيث قال سبحانه وتعالى (واتلو عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) وكان بلعم أوتي علم بعض كتب الله وقيل يعرف إسم الله الأعظم ثم كفر بآيات الله وكما وقع من الطامة الكبرى في سبعين الفا من بني إسرائيل واولاد الأنبياء الذين كانوا في دين موسى عليه السلام فإرتدوا في حياته بمحرد غيبته عنهم مدة قليلة الى الطور وإستضعفوا وصيه هارون النبي (ع) وكادوا يقتلونه ويدفعونه باليد والرجل وإقتدوا بالسامري في عبادة العجل وإذا كان هذا حال هؤلاء النجباء من أولاد الأنبياء الذين لم يدنسهم سبق الشرك والكفر في حياة نبيهم ووجود نبي آخر ووصيه فيهم فما ظنك بحال جماعة مضى أكثر عمرهم في الكفر والجاهليه بعد وفاة نبيهم مع أنه لم يكن يحصل لهؤلاء عن ذلك العجل الحنيد جاه أو مال عتيد وكان لمن وافق أبا بكر في غصب خلافة نبينا الحميد من طمع الجاه والمال ما ليس عليه مزيد فعقدوا لواء السلطنة بسيفهم خالد بن الوليد وسدوا لسان أبي سفيان بتفويض ولاية الشام إلى ولده يزيد ودفعوا فتنة الزبير بما أراد وأريد وفضوا الى غيرهم كالمغيرة وأبا عبيدة حكومة صنعاء وزبيد الى غير ذلك مما يطول به النشيد وإذا كان كذلك

الصفحة 9
فلا بد من تتبع أحوالهم واقوالهم في حياة النبي صلى الله عليه وآله

وبعد موته ليعلم من مات منهم على الإيمان والعدالة ومن مات ميتة الجاهلية مثل أبي بكر الذي إدعى الإمامة ونص الكتاب والحديث المتواتر ودليل العقل ناطق بأنه حق علي عليه السلام ومن فاطمة عليها السلام أرثها وكتاب الله ناطق بأن لها الإرث

وقتاله لبني حنيف الملتزمين للدين الحنيف الى غير ذلك مما يخالف الشرع الشريف وعمر الذي إدعى ما إدعاه وقال للنبي صلى الله عليه وآله في مرض موته من الهجر والهذيان ما قال وفعل مافعل من منع كتابته (ص) ما يصون الأمة من الضلال وإقدامه بتخريق الكتاب الذي كتبه أبو بكر لفاطمة عليها السلام في أخذها لفدك وقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالين وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما وإحداثه بدعة الجماعة في التراويح

وتفضيل العرب على العجم في العطايا، الى غير ذلك من الطوام التي لا تحملها المطايا، وعثمان الذي ولى أمور المسلمين وولى عليهم من لا يصلح لها مع ظهور فسقه وفساد حاله ودعائه حكم بن العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وإيوائه وإعطائه المال العظيم من بيت مال المسلمين رعاية لقرابته وإعراضا عن الدين وهتكاً لحرمة سيد المرسلين وإيذائه لأبي ذر وعمار بن ياسر وإبن مسعود وغيرهم من أكابر الصحابة الذين كانوا أسود الغابة وغيرها مما هو بهذه المثابة ومعاوية الطليق الباغي الفاسق الذي مال عن علي وسمّ الحسن عليهما السلام وغيّر سنّة النّبي صلى الله عليه وآله في كثير من الأحكام حتى إنه كان يلبس الحرير فقال له إبن عباس رض: إن النّبي صلى الله عليه وآله قال «إنه محرم على رجال أمتي» فقال هواناً: لا أرى به بأساً فقال إبن عباس: من عذيري من معاوية إبن

الصفحة 10
أبي سفيان أنا أقول له قال رسول الله وهو يقول أنا لا أرى بأسا الى غير ذلك من المناكير والأباطيل الصادرة عنهم التي لا يحتملها مقام المقال ويضيق عن ذكرها المجال

وروى مسلم في صحيحه عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: ليردنّ على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم رفعوا الي واختلجوا دوني فلا قولن أي أصيحابي أصيحابي فليقالن إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك إنتهى

ومثله مذكور في صحيح البخاري الذي هو أصح كتب الأحاديث عندهم في تفسير قوله تعالى: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) الآية

قال النووي في حديث مسلم «أما إختلجوا فمعناه إقتطعوا وأما اصحابي فقد وقع في الروايات مصغرا مكررا وفي بعض النسخ أصحابي مكبرا مكرراً

وقال القاضي هذا دليل لصحة تأويل من تأول إنهم أهل الردة ولهذا قال فيهم سحقاً سحقاً ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمره قال وقيل هؤلاء صنفان أحدهما عصاة مرتدون عن الإستقامة لا عن الإسلام وهؤلاء مبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة والثاني مرتدون الى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم واسم التبديل يشمل الصنفين إنتهى.

واقول: بل المراد بالمرتدين المحدثون في دين الله الغاصبون للخلافة والآكلون لمال فدك ظلما وجورا على فاطمة عليها السلام ولهذا قال فيهم في بعض الروايات سحقا سحقا فافهم واذا كان الحال بهذا المنوال من الإختلاف ووقع الإرتداد من الصحابة فلا يجوز الحكم بالإيمان والعدالة لأحد منهم إلا إذا تحقق إتصافه بهما وموته عليهما ولا يعلم ذلك إلا بتتبع الأحوال وإستقراء الآثار الدالة على بقاء الإيمان والعدالة أو الزوال

قال الفاضل التفتازاني في التلويح «إن الجزم بالعدالة يختص بمن

الصفحة 11
إشتهر بطول الصحبة على طريق التتبع والأخذ عن النبي صلى الله عليه وآله والباقون كسائر الناس فيهم عدول وغير عدول»

وقال الفقيه الأسنوي الشافعي «إن المراد من قول العلماء: الصحابة بأسرهم عدول مطلقا إن مجرد الصحبة شاهد التعديل مغن عن البحث عنهم فإن ظهر عن أحد منهم ما يفضي الى التفسير فليس بعدل كسارق رداء صفوان ومن ثبت زنائه ولذا غير بعضهم عبارتهم بأن قال: انهم عدول إلا من تحققنا قيام المانع فيه وليس المراد من كونه عدولا إنه يلزم إتصافهم بذلك ويستحيل خلافه فإن هذا معنى العصمة المختصة بالأنبياء عليهم السلام إنتهى كلامه.

ومن العجب إنه زاد بعضهم في المجازفة والمخارفة فحكم بأنهم كلهم كانوا مجتهدين وهذا مما يقطع من له أدنى عقل بفساده لأنه كان فيهم الأعراب ومن أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وآله بيسير والأميون الذين يجهلون أكثر قواعد الإحكام وشرائع الدين فضلاً عن الخوض فيه في الإستدلال كيف والإجتهاد ملكة لا تحصل إلا بعد فحص كثير وممارسة تامة بغير خلاف، وإمكان حصول التفقه والإجتهاد لهم لا يمنعه إلا إنه لا يقتضي الحكم بذلك لأنه خلاف العلم العادي والذي ألجأهم الى هذا القول البارد السمج الناشيء عن العصبية ما قد تحققوه من وقوع الإختلاف والفتن بينهم وإنه كان يفسق ويكفر بعضهم بعضا ويضرب بعضهم رقاب بعض، فحاولوا أن يجعلوا له طريقا الى التخلص كما جوّزوا الأتمام بكل بر وفاجر ليروّجوا أمر الفساق الجهال من خلفائهم وأئمتهم.

وأما ثالثا فلما ذكر شارح الشفاء ايضا من أن للقائل بالمذهب المختار من أن

الصفحة 12
قول الصحابي ليس بحجة مطلقاً أن يقول: الحديث وإن كان عاما في أشخاص الصحابة فلا دلالة فيه على عموم الإهتداء بهم في كل ما يقتدى فيه وعند ذلك فيمكن حمله على الإقتداء بهم فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله وليس الحمل على غيره بأولى من الحمل عليه إنتهى

ويؤيد وجوب إرتكاب التخصيص فيه إن هذا الشيخ الجامد المتولد من الحجر، إستحسن أن يكون المراد بأهل البيت الذين هم أمان في الحديث الذي أسبقنا (1) نقله من علمائهم معللاً بأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم ولا ريب إن إستحسان التخصيص المذكور في ذلك الحديث يوجب إستحسان مثله في هذا الحديث بطريق أولى وما ذكره من التعليل يقتضي وجوب التأويل بذلك كما لا يخفى ولنعم ماقال بعض الفضلاء رحمة الله تعالى عليهم:

صحابه كرچه ايشان كالنجومند * ولي بعض كواكب نحس وشومند
وإذا بطل الحمل على العموم بطل إستدلالهم بذلك على إستيهال الصحابة الثلاثة وأمثالهم بالإقتداء بهم ووضع الخلافة فيهم والإستهداء منهم فوجب تنزيله على اصحابه صلى الله عليه وآله من أهل بيته عليهم السلام لدلالة الآية والرواية والإتفاق على عدالتهم وطهارتهم بل على علو عصمتهم فوجب الإعتصام بحبلهم المتين والإقتداء بهديهم المبين

التعريف بالشيعة

2 ـ قال: فإني سئلت قديما في تأليف كتاب يبين حقيقة خلافة الصديق وإمارة ابن الخطاب فأجبت الى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب، ثم سئلت في إقرائه لكثرة الشيعة والرفضة ونحوهما الآن بمكة المشرفة أشرف بلاد الإسلام فأجبت الى

____________

(1) كذا كان والظاهر إنه سهو لأنه لم يسبق شيئا بالنسبة الى هذا الحديث.


الصفحة 13
ذلك رجاء لهداية بعض من زل به قدمه عن واضح المسالك.

أقول: أيها الشيخ الجامد، لعمرك ما زدت بذلك إلا إبراز زلة قدمك وإظهار جهلك المركب على الشيعة بحيث يضحكون على تأليف هذا لما أشرنا اليه من إبتنائه على مجرد المصادرة وسوء المكابره الذين أخذتهما بإرث التعصب من الأشاعرة …. لكن قد عمى منكم القلب والبصر والمسمار لا يؤثر في الحجر

ثم إن أراد بالرفضه الغلاة من الشيعة الذين قالوا بإلوهية علي عليه السلام أو نبوته فهم كانوا جماعة قليلة قد حكم سائر طوائف الشيعة أيضاً بكفرهم بل بنجاستهم العينية وقد إنقرضوا قبل خمسمائة من زماننا هذا

وأن اراد بهم الشيعة الإمامية الذين هم عيون طوائف الشيعة المدار عليهم الطاعنين في خلافة المشايخ الثلاثة فليس في تلقبهم بهذا الأجل ماذكر شناعة كما يشعر به سياق كلام هذا الشيخ الجاهل وأصحابه لأنه مآل هذا الرفض يرجع عند التحقيق الى رفض الباطل وهو إعتقاد صحة خلافة المشايخ الثلاثة وإنما الشناعة في أصل تلقب مخالفيهم بأهل السنة والجماعة فإن هذا اللقب قد وضع في زمان معاوية وأرادوا بالسنة سنة معاوية من سب علي عليه السلام على المنابر ونحوه من الكفر والبدعة وبالجماعة جماعته كما يشعر به ما سيذكره هذا الجامد في باب خلافة الحسن عليه السلام حيث قال «وكان نزول الحسن عن الخلافة في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين فسمي هذا العام عام الجماعة لإجتماع الأمة على خليفة واحد إنتهى

ثم لما ظهرت دولة بني العباس ومعاداتهم لبني أمية وأتباعهم خافوا عن الحمل على ذلك وقالوا مرادنا بالسنة سنة النبي وبالجماعة جماعة أصحابه فقد ظهر إنهم في الحقيقة أهل السنة والجماعة

الصفحة 14
لا أهل سنة النبي وجماعته ولنعم ماقال صاحب الكشاف فيهم:

لجماعة سموا هواهم سنة * وجماعة حمر لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا * شنع الورى فتستروا بالبلكفة (1)
3 ـ قال: المقدمة الأولى، اعلم أن الحامل الداعي الى التأليف في ذلك، وان كنت قاصرا عن حقائق ما هنالك، ما أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع وغيره إنه صلى الله عليه

____________

(1) ذكرهما الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه، قال ربي أرني أنظر اليك، قال لن تراني ولكن إنظر الى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، وخر موسى صعقاً فلما أفاق، قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين) وهي الآية الثانية والأربعون بعد المائة من سورة الأعراف يعير بهما القائلين بالرؤية وعبارته قبل البيتين هكذا (350 /1 المطبوع بمصر سنة 1307) «ثم تعجب من المتسمين بالإسلام، المتسمين بأهل السنة والجماعة، كيف إتخذوا هذه العظيمة مذهبا ؟ ولا يغرنك تسترهم بالبلفكة فإنه من منصوبات أ شياخهم والقول ماقال بعض العدلية فيهم لجماعة سمو الخ»

وانت خبير بأن صريح عبارته إنهما من إنشائات بعض العدلية ويمكن أن يقال إن هذا التعبير خوفاً من متعصبي العامة وجهالهم ولذا قال محب الدين الأفندي في كتاب تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات المطبوع في ذيل الجزء الثاني من الكشاف (ص 88) بعد نقل البيتين «البيتان للزمخشري عند قوله تعالى: لن تراني ولكن إنظر الى الجبل الى آخر الآية

موكفة من الأكاف وهو البردعة

والبلتفة قولك بلا كيف يقرر مذهبه في نفي الرؤية ويقدح في أهل السنة والجماعة الذين يصدقون بأن رؤية الله تعالى حق ويقولون نرى ربنا يوم القيامة بل كيف كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» وكان الشافعي رضي الله عنه يتمسك في إثبات الرؤية بقوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) قال لم حجب الكفار بالسخط دل على أن الأولياء يرونه في الرضا وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن رؤية العباد ربهم يوم القيامة فقال منهم من ينظر الى ربه في الجمعة مرة ومنهم من ينظر الى ربه بكرة وعشية رزقنا الله تعالى رؤيته في الآخرة كما رزقنا في الدنيا بكرمه معرفته ولقد عورض ما أنشده وأنشأه من الهذيان بأبيات ذكرها السكوني في التمييز وهي

سميت جهلاً صدر أمة أحمد * وذوي البصائر بالحمير الموكفة
ورميتهم عن نبعة سميتها * رمى الوليد غدا يمزق مصحفه
وزعمت إن قد شبهوه بخلقه * وتخوفوا وتستروا بالبلكفة
نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى * فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفة
وجب الخسار عليك فانظر منصفا * في آية الأعراف فهي المنصفة
أترى الكريم أتى بجهل ما أتى؟ * وأوتوا شيوخك ما أتوا عن معرفه ؟
ويؤيد كونهما للزمخشري ما هو مشهور منه ومذكور في ترجمته حتى ترجمته المطبوعة في آخر الكشاف ايضاً (573 /2) من قوله:

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه كتمانه لي أسلم
فإن حنفياً قلت قالوا بأنني * أبيح الطلا وهو الشراب المحرم
وإن مالكيا قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
وإن حنبليا قلت قالوا بأنني * ثقيل حلو لي بغير مجسم
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون تيس ليس يدري ويفهم
تعجبت من هذا الزمان وأهله * فما أحد من ألسن الناس يسلم
وأخرني دهري وقدم معشرا * على إنهم لا يعلمون وأعلم
ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني * أنا الميم والأيام أفلح وأعلم

الصفحة 15
وآله قال «إذا ظهرت الفتن (أو قال البدع) وسب أصحابي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله له صرفا ولا عدلاً

أقول: إعترافه بالقصور عن حقائق هذه المسألة حق كما سيظهر وليس فيه هضم نفس كما قد يتوهمه بعض أوليائه وما ذكره من الحديث فلا يصلح حاملا باعثاً على تأليفه هذا، لجواز أن يكون المراد من البدع ما أبدعه خلفائه الثلاثة في دين رب العالمين كما أشرنا اليه سابقا وسيأتي لاحقاً والمراد بمن سب من الأصحاب هو مولانا أمير

الصفحة 16
المؤمنين عليه السلام ومن تابعه من المهاجرين والأنصار فإن معاوية ومن بعده من فراعنة بني أمية سبوهم على منابرهم ثمانين سنة كما هو المشهور المذكور على ألسنة الجمهور.

4 ـ قال: والطبراني «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام».

أقول: هذا حجة عليه لا له حيث وقر في كتابه هذا جماعة هم أول من أبدعوا في دين الإسلام بل حجة على الصحابة الذين وقروا الثلاثة ومكنوهم من غصب الخلافة وإحداث فنون البدع والكثافة.

5 ـ قال: وسيتلى عليك ما تعلم منه علما قطعيا إن الرافضة والشيعة وما نحوهما من أكابر أهل البدعة.


الصفحة 17
أقول: لعمرك، أن هذا العلم إنما حصل لك من فرط تقليدك للآباء والأمهات، ونموك في عدواة أهل الحق من شيعة الأئمة الهداة، وإلا فالإستدلال على ذلك بما نسجته من الطامات، والأحاديت الموضوعات، التي وضعها أمثالك لنصرة المذهب، لا يصير حجة على الخصم ولا يورث ظناً ضعيفا فضلاً عن العلم القطعي ولو سلم أنها من أكابر أهل البدعة فأكبرهم أكابر خلفائك الثلاث وسينجلي لك إنما ذكرته مكابرة إنشاء الله تعالى.

6 ـ قال: وأخرج المحاملي والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدانه عن النبي صلى الله عليه وآله قال «إن الله إختارني وإختار لي أصحاب فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهاراً فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله.

آقول: لو صح هذا الحديث فالمراد بالوزراء فيه علي عليه السلام والجميع بالتعظيم كما قاله المفسرون فيما نزل في شأنه (ع) من قوله تعالى (والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) إذا لم يتعدد وزيره صلى الله عليه وآله كما هو الأصل بل كان واحداً وهو علي عليه السلام عند الشيعة ولو سلم إن المراد غيره فهو من الأنصار لما سيذكر هذا الرجل في الفصل الأول من الباب الأول رواية عن أحمد مايدل على حصر الوزارة في الأنصار وعلى هذا يكون لفظ الأنصار في هذا الحديث بمنزلة عطف تفسير للوزراء فإفهم وكذا الكلام في الأصهار لظهور أن الأصهار على تقدير سليم كون عثمان صهراً للنبي (ص) أيضاً لا يبلغ مرتبة الجمعية بالأتفاق.


الصفحة 18
7 ـ قال: وأخرج هو يعني أبا ذر الهروي والذهبي عن إبن عباس مرفوعاً «يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام فإقتلوهم فإنهم مشركون.

أقول: بعد منع صحة السند قد مر إن الكلام في هذا المبحث في كل عصر إنما كان مع الشيعة الأمامية دون من لايعبأ بهم من الغلاة، ومن الظاهر الذي لايخفى على كل أحد إن الإمامية لا يقولون بتعدد الآله ولا بإلوهية أحد من الأئمة المعصومين عليهم السلام حتى يكونوا مشركين فلو صح الحديث كان المراد من الرفضه المذكوره فيه الغلاة من الشيعة الذين يفرطون في حبّ علي عليه السلام الى أن يعتقدوا الربوبية فيه كما يدل عليه الحديث الذي سيذكره بعد ذلك بقوله: وأخرج الدارقطني عن علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وآله «سيأتي من بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضه فإن أدركتهم فإقتلهم فإنهم مشركون، قال قلت يارسول الله ما العلامة فيهم ؟ قال يفرطونك بما ليس فيك ويطعون على السلف» إنتهى

بل المراد بالرافضة كلما وقع في آثار السلف هم الغلاة وجعله شاملا للشيعة الإمامية تعنت من مخالفيهم وأما قوله «ويطعنون على السلف» فمن إضافات الخلف فهو خلف باطل كما لا يخفى.

الصحابة والخلفاء

8 ـ قال: الطبراني عن إبن عباس رضي الله عنه «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

أقول: الظاهر إن المراد سب جميع الأصحاب بحيث يدخل فيه المقبول

الصفحة 19
منهم والمردود على أن يكون الإضافة في أصحابي للإستغراق ولا كلام في أن ساب الجميع ملعون بل الظاهر إن المراد كون السب لأجل الصحابية لا لأجل إستحقاق ذلك الصحابي لذلك وهذا يرجع الى عداوة النبي صلى الله عليه وآله ولا ريب في أن عداوة النبي صلى الله عليه وآله يوجب اللعن

وأيضاً المراد من السب الشتم والقذف دون اللعن الذي ربما يرتكبه الشيعة بالنسبة الى بعض المردودين من الصحابة والإخفاء في أن الشتم لا يحل بالنسبة الى كافر ذمي فضلا ً عن مسلم أو من ظاهره الإسلام وأما اللعن فهو دعاء من المظلوم أو من وليه على الظالم وليس بممنوع شرعاً بل قد يستحب كما صرح به الفاضل النيشابوري في تفسيره ويدل عليه لعن الجاري الشرع بين المتلاغين المسلمين بل الصحابيين بنص الكتاب وقوله صلى الله عليه وآله «لعن الله المحلل والمحلل له» مع جواز التحليل بنص الكتاب أيضاً غاية الأمر إنهما ليسا بحسنين في شرع التكرم كما لا يخفى تدبر.

9 ـ قال: الطبراني والحاكم عن جعدة بن هبيرة نقلاً (يعني عن النبي) «خير الناس قرني الذي أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخرون أراذل» ومسلم عن أبي هريرة «خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم الحديث».

أقول: بعد إلإغماض عما في السند لا دلالة لهذين الحديثين وأمثالهما مما تركنا ذكره على ما قصده هذا الرجل من خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبي (ص) حتى بعض الصحابة الذين حكم عليهم الشيعة بكونهم أشراراً فإن قولنا أن قريش

الصفحة 20
أفصح العرب وأكرمهم مثلا لايقتضي لغة وعرفا أن يكون كل واحد من آحاده كذلك لظهور وجود الآحاد المتصفة بأضداد ذلك من العي واللؤم فيهم بل قد أطبقوا على أن طائفة تيم قوم أبي بكر قاطبة من أرذال قريش وقد نقلوا النص على ذلك عن أبي سفيان وغيره عند البيعة على أبي بكر على أن هذا الحديث معارض بما رواه هذا الجامد في أواخر كتابه عند بيان وقوع الخلاف في التفضيل بين الصحابة ومن جاء بعدهم من صالحي هذه الأمة حيث قال ذهب أبو عمر بن عبدالبر الى إنه يوجد فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل من بعض الصحابة وأحتج على ذلك بخبر عمر قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله قال: أتدرون أي خلق أفضل إيماناً ؟ قلنا الملائكة وحق لهم بل غيرهم قلنا الأنبياء قال وحق لهم بل غيرهم ثم قال صلى الله عليه وآله أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيماناً» وبحديث «مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله» وبخبر «ليدركن المسبح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ثلاثا» الحديث وقال صاحب الإستغاثة (1) في بدع الثلاثة: إن مضمون هذا الحديث مخالف لحقائق النظر، خارج عن العدل والحكمة، وذلك لأنه إن كان خيرتهم وفضلهم من جهة تقدم خلقهم في الأزمنة المتقدمة لما بعدها فقد زعموا إن أمة محمد صلى الله عليه وآله أفضل من الأمم التي مضت قبلها، وإن محمدا (ص) أفضل من الأنبياء عليهم السلام الذين

____________

(1) وهو الشريف أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفى في سنة 352 المترجم حاله والمبين إعتبار كتابه هذا في كتب التراجم والأخبار.


الصفحة 21
تقدموه قبل عصره وكان الواحب على طرد هذه العلة أن يكون كل أمة أفضل من التي بعدها فلما أوجبوا آخر الأمم أفضل ممن تقدمهم وآخر الأنبياء أفضل من تقدمه كان لا معنى لهذا الخبر، في تفضيل القرن الأول على القرن الثاني من هذه الأمة، بل يجب فيه النظر والتميز وما يلزم من أحوال ما نقل الينا من سيرة من تقدم عصرنا هذا أن يكون من تأخر افضل من تقدم منهم وذلك إنا وجدنا القرن الذي كان في عصر الرسول والقرن الذي كان بعده والقرن الثالث ممن كان في عصر الفراعنة والطواغيت من ملوك بني أمية الذين كانوا يقتلون أهل بيت الرسول، ويسبون أمير المؤمنين عليه السلام ويلعنونه على المنابر، وأهل عصرهم من فقائهم وحكامهم الى غير ذلك منهم فهم على ذلك متبعون وبإفعالهم مقتدون وبإمامتهم قائلون ولهم على ذلك معينون بوجوه المعونة من حامل سلاح الى حاكم الى خطيب الى تاجر الى غير ذلك من صنوف الأمة وسباب المعونة ولسنا نجد في عصرنا هذا من كثر من ذلك شيئاً بل نجد الغالب على أهل عصرنا هذا الرغبة عن ذلك والذم عن فاعله والتنزه عن كثير منه إلا من لا يظهر بمذهبه بينهم فيجب أن يكونوا في حق النظر افضل من أهل ذلك العصر الذي كانت هذه صفتهم

قال: فإن قالوا إن أهل عصر الرسول لأجل مشاهدتهم له ومجاهدتهم معه أفضل وكذلك سبيل من شاهدهم من بعد الرسول من التابعين ونقلوا الينا العلوم وآلأخبار عنهم ومنهم قيل لهم اليس كل من تقدم خلقته في ذلك العصر فهو فعل الله فلا حمد للمتقدم في تقدم خلقه ولا صنع له في ذلك ولا فعل يحمد اليه ولا يذم منه فلا بد من نعم فيقال لهم أفتقولون إن الله تعالى يحمد العباد على افعاله ويذمهم عليها ؟ فإن قالوا ذلك جهلوا

الصفحة 22
عند كل ذي فهم وكفى بالجهل لصاحبه خزيا وإن قالوا لا قيل لهم فإذا كان كذلك وجب في حق النظر أن يكون من شاهد الرسول ورأى دلائل المعجزات والعلامات وظهر له البرهان وأسفر له البيان بقول يشهد فيه القرآن لاعذر له في تقصير عن حق ولا دخول في باطل فإن الحجة بذلك ألزم وعليه أوجب وكان من أشكل عليه منهم شيء في تفسير آية وتحقيق معنى في كتاب الله أو سنته يرجع في ذلك الى الرسول فأثبت له الحق منه واليقين ونفى عنه الشك والزيغ فمن قصد منهم بعد هذا الحال الى خلاف الواجب كان حقيقا على الله أن لا يقبل له عذرا ولا يقبل له عثرة وأما من كان في عصرنا هذا الذي قد إختلفت فيه الأقاويل وتضادت المذاهب وتشتت الآراء وتباينت الأهواء وظلت المعارف ونقصت البصائر وعدمت التحقيقات إذ ليس من يرجع اليه بزعم أهل الغفلة من صفته في تحقيق الأشياء صفة الرسول فيثبت لنا اليقين وينفى عنا الشك فيها فعذرهم مقبول وعثرتهم مغفورة بل أقول: لو أوجبت إن من يرتكب من أهل هذا العصر مائة ذنب أعذر ممن إرتكب في ذلك العصر ذنبا واحدا أو قلت إن من إستبصر في هذا العصر في دينه فشغل نفسه لمعرفة بصيرته حتى عرف من ذلك ما نجا به بتوفيق الله فيما سعى له من الطلب أفضل من عشرة مستبصرين كانوا في ذلك العصر لقلت حقا ولكان صدقا وإذا كان الحل على ماوصفت فيجب أن يكون مستبصرنا أفضل من مستبصرهم إذ كان البرهان قد قطع عذرهم والبيان قد أزاح عللهم بقرعه لأسماعهم صباحا ومساء ومشاهدتهم أياه بأبصارهم من غير تكلف منهم في طلبه وذلك كله معدوم في عصرنا بل نشاهد من الجهل ونباشر من وجوه الباطل مايضل به ذهن الحكيم ويطيش فيه قلب العليم ويذهل معه