وإن قالوا إن الله عز وجل قد قال في كتابه (السابقون السابقون، أولئك المقربون) قيل لهم قد قال الله عز وجل وصدق الله والأمر في ذلك بين واضح، والحكمة فيه مستقيمة وذلك إن السابق لا يجوز في الحكمة أن يقع في الإيمان إلا بين أهل العصر الحاضرين المشاهدين لندب الداعي لهم الى السباق، ومحال في الحكمة وفي العدل أن يسابق الله بين قوم خلقهم ومكنهم من أحوال الإجابة وبين قوم لم يخلقهم هذا ظاهر الفساد بعيد من الرشاد بين المحال فضيع من المقال لكنه عز وجل سابق بين الحاضرين من أهل عصر الرسول ولعمري إن من سبق منهم الىالإيمان أفضل وأجل
ومن قال إن الصحابة سبقونا بالإيمان بمعنى التسابق بيننا وبينهم الى الإيمان فكان لهم بسبقهم ذلك الفضل علينا لأجل تأخرنا عنه كان ذلك قولاً محالاً شنيعاً لان تأخرنا عن عصرهم من فعل الله لا من فعلنا والله لا يذمنا على افعاله ولو كان لأهل عصر الصحابة علينا فضل في إيمانهم بتقدمهم علينا في الأعصار والخلق لوجب على هذه القضية أن يكون إيمان من تقدمهم من الأمم السالفة أفضل من إيمانهم بتقدمهم عليهم في الأعصار فلما كانوا يمنعون ذلك ويوجبون الفضل لأمة محمد صلى الله عليه وآله على من تقدمهم من الأمة كانت إيجابهم تفاضل أوائل هذه الأمة على أواخرها فاسداً وهذا ما لانطلقه نحن ايضاً في مذاهبنا لكنا نقول إن أهل كل عصر يتفاضلون بينهم ومن سبق منهم الى الإيمان فهو أفضل ممن تأخر عنه فلحق بالسابق من أهل عصره ولسنا نفضل أهل عصر الرسول على من جاء بعدهم في الأعصار المتأخرة كما لا نفضل أهل الأعصار المتأخرة على من تقدمهم لكنا نفاضل بين أهل كل عصر بعضهم على بعض بما وصفنا من السبق الى الإيمان دون أن يكونوا فاضلين على من تقدمهم ولا على من تأخر عنهم فهذا ماتعلق به أهل الغفلة
10 ـ قال: وكفى فخراً لهم إن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس حيث قال تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فإنهم أول داخل في هذا الخطاب وكذلك شهد رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله في الحديث المتفق على صحته «خير القرون قرني» ولا مقام أعظم من مقام قوم إرتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله ونصرته قال الله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم الإية وقال تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين إتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) فتأمل ذلك فإنك تنجو من قبيح ماإختلقته الرافضة عليهم مما هم بريئون منه كما سيأتي بسط ذلك وإيضاحه فالحذر الحذر من إعتقاد أدنى شائبة من شوائب البغض فيهم معاذ الله لم يختر الله لأكمل أنبيائه إلا أكمل من عداهم من بقية الأمم كما اعلمنا ذلك بقوله «كنتم خير أمة أخرجت للناس» ومما يرشدك الى ان مانسبوه اليهم كذب مختلق عليهم، انهم لم ينقلوا شيئاً منه باسناد عرفت رجاله ولا عدلت نقلته وانما هو من افكهم وحمقهم وجهلهم وافترائهم على الله سبحانه فإياك أن تدع الصحيح وتتبع السقيم ميلاً الى الهوى والعصبية ويتلى عليك عن علي وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة سيما الشيخان وعثمان وبقية العشرة المبشرين بالجنة مافيه مقنع لمن ألهم رشده وكيف يسوغ لمن هو من العترة النبوية أو من المتمسكين بحبلهم أن يعدل عما تواتر عن إمامهم علي من قوله «إن خيرهذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» وزعم الرافضة إن ذلك تقية سيتكرر عليك رده وبيان بطلانه وإن ذلك أدى بعض الرافضة الى إن كفر علياً قال لأنه أعان الكفار
اقول: فيه نظر من وجوه
أما أولاً فلأنه لادلة في الآية على ماقصده من خيرية الصحابة المبحوث فيهم كما عرفته قبل ذلك عندما تكلمنا على دلالة حديث خير القرون قرني الحديث وعلى ذلك فما ذكره من كون المشايخ الثلاثة أول داخل في هذا الخطاب أول البحث كما لا يخفى
وأما قوله «وكذلك شهد رسول الله الخ» فقد عرفت أيضاً هنالك كذب دلالته على الشهادة بما قصده والله يشهد إن المنافقين لكاذبون.
وأما ثانياً فلأن قوله «ولا مقام أعظم من مقام إرتضاهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله الخ» مردود بأن الله تعالى ما إرتضاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله بل إبتلى نبيه صلى الله عليه وآله بصحبتهم زيادة في ثوابه وتحصيلاً برفع درجاته ولغيرهما من المصالح والحكم على إن صحبة النبي صلى الله عليه وآله إنما ينفع كريم الأصل شريف الذات وأما الخسيس الدني فإنما يزيده فساد الحال والمآل كما قال شاعر الشيعة.
وأما ثالثا فلأن ما إختلقه من نسبة الإختلاق الى الشيعة فهم براء منه لأن الشيعة عن آخرهم أجل مكاناً وفضلاً عن أعمال المصادرة والإحتجاج على خصامهم بما رووه من طرق أهل البيت عليهم السلام كما فعل هذا الرجل في كتابه هذا من الإحتجاج على الشيعة بالأحاديث المروية من طريق أهل نحلته، المتسمين بأهل السنة بل الشيعة إلتزموا أن يحتجوا بما في كتب أهل السنة عليهم، لعلمهم بإنه إدعى الى تلقيه بالقبول، ووافق راى الجميع متى رجعوا الى الأصول وإن ذلك أتم في الورود وقيام الحجة بشهادة الخصم أوكد وإن تعددت الشهود فمن أين جاء الإفتراء والإختلاق لولا إنه ليس للناصب في الآخرة من خلاق.
وأما رابعاً فلأن ماذكره من إن الله تعالى لم يختر لأكمل أنبيائه إالأكمل من عداهم من بقية الأمم نقول في جوابه نعم لم يختر له إلا الأكمل لكن الشأن في إثبات إن الثلاثة معدودة في الأكمل والشيعة من وراء المنع بأسانيد معتبرة متفق عليها
وأما خامساً فلأن قوله «ومما يرشدك الخ» ليس فيه رشاد ولا إرشاد ولا أدري ماأرى من تكرر نسبة إختلاقه الى الشيعة لم يذكره مبهماً بأنهم لم ينقلوا شيئاً منه بإسناد عرف رجاله وعدلة نقلته إذ كان لا بد من ذكر ذلك حتى ننظر في صحة نسبته وفسادها وإلا فالإبهام والإجمال دليل الأفك والإنحلال على إنا نقول إنه إن أراد إن الشيعة نقلوا مانقلوا في قدح المشايخ الثلاثة بإسناد لم يعرف أهل السنة حال الرجال المذكورة فيه ولم يحكموا بعدالة رجاله فهذا غير واقع بل هم لم ينقلوا شيئاً إلزاماً لأهل السنة إلا من كتبهم المعتبرة نعم إذا تنبهوا حينئذ بما في المنقول من كتبهم من الدلالة على الطعن والقدح في أسلافهم إحتالوا في رده تارة بضعف الراوي، وتارة بالتأويل البعيد الطويل الذي يرفع الأمان عن فهم الكلام وكفى بذلك إلزاماً وخزياً
وإن أراد إن الشيعة لم يبحثوا عن حال رجال إسناد ذلك المنقول وعدالتهم فذلك لايهمهم ولا يقدح في إحتجاجهم على أهل السنة بل يكفي فيه كون ذلك مسطوراً في الكتب المعتبرة لأهل السنة كصحاحهم الست ومسند إبن حنبل ونحوه من كتب المناقب التي ألفها أكابرهم ومشاهيرهم.
وأما سادساً فلأن ماذكره من بطلان زعم الرافضة إن مايتلى عن علي عليه السلام وعن أكابر أهل بيته من تعظيم الصحابة المبحوث فيهم واقع تقية مدخول بأن نسبة الشيعة الى القول بكون ذلك على إطلاقه واقعاً على سبيل التقية كاذبة بل ربما يقدحون في بعض الرجال المذكورة في سند ما نقله أهل السنه عنهم عليهم السلام في مدح من علم عدم إستحقاقه للمدح بدلائل أخرى وأما حمل البعض على التقية
وأما سابعاً فلأن ماذكره من إن بعض الرافضة كفر علياً لأجل أعمال التقية مدفوع بأنا لانعلم هذا البعض ولا عبرة بكلام المجاهيل سيما إذا كان دليلهم المذكور على ذلك من أوهن الأباطيل.
الإمامة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله
11 ـ قال: المقدمة الثانية، إعلم أيضاً إن الصحابة أجمعوا على إن نصب
أقول: فيه بحث من وجوه
أما أولاً فانه إن اراد انعقاد الإجماع على أن نصب الإمام واجب على الأمة فبطلانه ظاهر لظهور الخلاف من الإمامية والمعتزلة كما لايخفى وايضاً وجوب نصبه على الأمة يقتضي انهم اذا لم يتفقوا لم يحصل إنعقاد الإمامة
واما ثانيا فلأن من اشتغل بذلك عن دفن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جائراً جاهلاً زنديقاً لاعالماً عادلاً ولا صديقاً فلا يستلزم ذلك مطلوبه والشيعة يستدلون بفعلهم الشنيع هذا على عصيانهم بل على عدم إيمانهم وإختيارهم الدنيا على الآخرة وذلك لأنهم يذكرون حديثاً وهو أن «من صلى على مغفور غفر له ذنوبه» فلو كانوا مصدقين بما جاء به النبي (ص) لما أعرضوا عن هذه السعادة الكبرى والمغفرة العظمى مع إن المصلحة والمشورة في أمور الدين والدنيا ماتفوت بيوم أو يومين فلو كان لهم إيمان ومروة لصبروا لدفنه والصلاة عليه والتعزية لأهل البيت عليهم السلام وإدخالهم في المشورة إذ كان النزاع معهم والحاصل إنهم إنما إشتغلوا في أمر الخلافة لأنهم إغتنموا الفرصة بغيبة علي عليه السلام وأصحابه وأشتغالهم بتجهيز النبي صلى الله عليه وآله وتدفينه وعلموا إنه لو حضر علي عليه السلام مجلس إشتغالهم بأمر الخلافة لفات الأمر منهم وإلا فلم يكن في تأخير ذلك عن تجهيز النبي مضنة فوته وعدم إستدراكه بل لو صبروا واشتغلوا مع علي عليه السلام وسائر بني هاشم بدفن النبي صلى الله عليه وآله ومصابهم به والحزن له والصلاة عليه المرغب فيها لكان أولى لإجتماع الناس حينئذ أكثر مما كان قبل دفنه وليت شعري كيف صار ذلك واجباً فورياً ؟ مع إنه حين أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يكتب في مرض موته كتاباً في هذا الباب منع منه عمر وقال: حسبنا كتاب الله كما ذكره
____________
(1) تلميح الى المثل المعروف عند العرب من قولهم «رجع بخفي حنين» قال الميداني بعد ذكره (ص255 من مجمع الأمثال المطبوع بإيران وص 171 من المطبوع بمصر»: قال أبو عبيد: أصله إن حنيناً كان إسكافاً من أهل الحيرة فسامه إعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه فاراد غيض الإعرابي فلما إرتحل الإعرابي أخذ حنين أحد خفيه فطرحه في الطريق ثم القى الآخر في موضع آخر فلما مر الإعرابي بأحدهما قال ماأشبه هذا الخف بخف حنين ولو كان معه آخر لأخذته ومضى فلما إنتهى الى الآخر ندم على تركه الأول وقد كمن له حنين فلما مضى الإعرابي في طلب الأول عمد حنين الى راحلته وما عليها فذهب بها وأقبل الإعرابي وليس معه إلا الخفان فقال له قومه ماذا جئت به من سفرك؟ قال جئتكم بخفي حنين فذهبت مثلاً [ يضرب عند اليأس عند الحاجة والرجوع بالخيبة ] وقال إبن السكيت: حنين كان رجلاً شديداً إدعى الى أسد بن هاشم بن عبد مناف فأتى عبدالمطلب وعليه خفان أحمران فقال ياعم أنا إبن أسد بن هاشم فقال عبدالمطلب لا وثياب إبن هاشم ماأعرف شمائل هاشم فيك فارجع فرجع فقالوا رجع حنين بخفيه فصار مثلاً.
____________
(1) يريد بيوم مرحب يوم خيبر أسم بطل معروف من يهود خيبر ويومه معروف ومشهور عند أهل الأخبار والسير وقصه فرار أبي بكر وعمر في هذه الغزوة مذكورة في كتب الخاصة والعامة «كمسند أحمد بن حنبل وغيره» واعترف به كل مخالف وموافق، وعدو وصديق، قال الفاضل المعاصر الدكتور محمد حسنين هيكل في تاريخه المسمى بحياة محمد (ص) عند ذكره وقائع هذه الغزوة «ص 375 س 24 من الطبعة الثانية»: «وتتابعت الأيام، فبعث الرسول ابا بكر براية الى حصن ناعم كي يفتحه، فقاتل ورجع ولم يكن الحصن قد فتح. وبعث الرسول عمر بن الخطاب في الغداة، فكان حظه حظ أبي بكر. فدعى الرسول اليه في الغداة علي بن أبي طالب ثم قال له: خذ هذه الراية فمض بها حتى يفتح الله عليك. ومضى علي بالراية، فلما دنى من الحصن خرج اليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه؛ فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترس به، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الحصن». وقد أجاد إبن أبي الحديد المعتزلي البغدادي في بائيته المعروفة «وهي إحدى العلويات السبعة».
بو العجب قومي گه منكر ميشوند از فضل او
زان خبر كايشان روايت روز خيبر كرده اند
وأما الثانى فلأنه كيف يصح ما فيها من دعاء الناس الى إحالة آراءهم في ذلك وطلب الناس المهلة عنه للنظر فيه مع ما شحنوا به كتبهم
____________
(1) يناسب ذلك ماروى من إن الصادق عليه السلام مر بدار عرس سمع منها صوت الدف ومغنية تغني وتقول:
وأما رابعاً فلأن مبادرة القوم الى تصديق أبي بكر في إيجابه النظر في ذلك يجوز أن يكون لإعقتقادهم إرادة التفحص عن إمام منصوب من الله تعالى لا لإختيار إمام من عند أنفسهم ثم لما ظهر عليهم خلافه واتضح آثار العدوان سكتوا فغاية الأمر إنعقاد الإجماع السكوتي عن جماعة في ذلك ووهنه ظاهر.
وأما خامساً فلأن وجوب المشار اليه بقوله «وذلك الوجوب عندنا» أعم من الوجوب على الله أو على الأمة فلا يصح إطلاق ذلك الوجوب عندنا معشر أهل السنة والجماعة وعند أكثر المعتزلة بالسمع لأن ماذهب اليه أهل السنة هو الوجوب السمعي على الأمة لا الوجوب على الله أيضاً فالصواب أن يقال إن ذلك الوجوب الأعم عندنا وعند أكثر المعتزلة على الأمة بالسمع الخ.
وأما سادساً فلأن ماذكره من أن أكثر المعتزلة على الوجوب سمعاً كذب صريح يشهد به عبارة الشرح الجديد للتجريد حيث قال «إختلفوا في نصب الإمام بعد إنقراض زمان النبوة هل يجب أم لا ؟ وعلى تقدير وجوبه على الله أم علينا ؟ عقلاً أم سمعاً؟ فذهب اهل السنة الى إنه واجب علينا سمعاً وقالت المعتزلة والزيدية بل عقلاً وذهبت الإمامية على إنه واجب الله تعالى عقلاً إنتهى.
وأما سابعاً فلأن قوله وقال كثير بالعقل إن اردا به الوجوب العقلى على الأمة يلزم إهمال ذكر القول بوجوبه على الله تعالى عقلاً وإن اراد به وجوبه على الله تعالى
وأما ثامناً فلأن القول بكون الوجوب في ذلك سمعياً غير مسموع لأن الوجوب السمعي منحصر في الكتاب والسنة والإجماع والكل مفقود هاهنا بإعتراف الخصم ومنهم صاحب المواقف حيث قال «وإذا ثبت حصول الإمامة بالإختيار والبيعة فاعلم إن ذلك الحصول لا يفتقر الى الإجماع من جميع أهل الحل والعقد إذ لم يقم عليه أي على هذا الإفتقار دليل من العقل والسمع بل الواحد والإثنان من اهل الحل والعقد كاف في ثبوت الإمامة ووجوب إتباع الإمام على اهل الإسلام وذلك لعلمنا بأن الصحابة مع صلابتهم في الدين إكتفوا في عقد الإمامة المذكور من الواحد والإثنين كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبدالرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها إجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد فضلاً عن إجماع الأمة من علماء الأنصار ومجتهدي جميع أقطارها هذا ولم ينكر عليهم أحد وعليه أي على الإكتفاء بالواحد والإثنين بعقد الإمامة إنطوت الأعصار بعدهم الى وقتنا هذا» إنتهى
وقد علم من كلامه هذا إنهم جعلوا عمل الغاصب للخلافة حجة فيها على الأمة لظهور إن النزاع إنما هو فيهم وفي عدم إستحقاقهم لذلك وإلا فما الدليل العقلي والنقلي من الكتاب والسنة على إن مجرد البيعة بل مجرد بيعة الواحد والإثنين حجة ؟ ومن أين ثبت لعمر إمامة أبي بكر حتى بايعه ؟ وكيف علم أبو بكر إنه إمام حتى إدعى ذلك ؟ ولعل هذا اول ما أباح على اهل السنة كهذا الشيخ الجاهل في كتابه هذا ارتكاب المصادرة وسوء المكابرة فما بقي لهم في المسألة إلا الإعتماد على حسن الظن
وأما تاسعاً فلأن ماذكره أولاً في وجه الوجوب على الأمة سمعاً غير متجه لأنه لا يقتضي كون نصب الإمام واجباً سمياً على الأمة كما إدعاه لظهور إن أمر النبي صلى الله عليه وآله بإقامة الحدود وسد الثغور ونحوهما على آحاد الأمة ليس
وأما عاشراً فلأن ماذكره ثانياً بقوله «ولأن في نصبه جلب منافع لا تحصى ودفع مضار لا تستقصى الخ» مردود بأن الضرر المضنون أما ديني وهو تقريب المكلفين وتبعيدهم وذلك لايحصل إلا من إمام مؤيد من عند الله بالآيات والبينات عارف بجزئيات التكاليف العقلية والشرعية مما لا يعرفها إلا الراسخون ولا يرضى بحكمه إلا المتقون، بخلاف من نصبه الرعية على وفق آرائهم، ومقتضى شهواتهم، حيث جوزوا ترجيح المرجوح وتفضيل المفضول واستأثروا إتباع الظالم الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من ضروريات الدين كما ينبغي، بل لا يهتدي بضروريات العقل أيضاً لينالوا بوسيلته الى مرداتهم الجاهلية والمالية
وأما دنيوي كالهرج والمرج والفتن ولا نزاع لنا في حصوله في الجملة من نصب رئيس يختاره طائفة من الناس بينهم لئلا يختل
الإمامة بين النص والشورى
12 ـ قال: المقدمة الثالثة الإمامة تثبت أما بنص من الإمام على إستخلاف واحد من أهلها وأما بعقدها من أهل الحل والعقد لمن عقدت له من اهلها كما سيأتي بيان ذلك في الأبواب وأما بغير ذلك كما هو مبين في محله واعلم إنه يجوز نصب المفضول مع وجود من هو أفضل منه لإجماع العلماء بعد الخلفاء الراشدين على إمامة بعض من قريش مع وجود أفضل منه منهم ولأن عمر جعل الخلافة بين ستة من العشرة منهم عثمان وعلي وهما أفضل أهل زمانهما فلوا تعين الأفضل لعين عثمان فدل عدم تعيينه إنه يجوز نصب غير عثمان وعلي مع وجودهما والمعنى في ذلك إن غير الأفضل قد يكون أقدر منه على القيام بمصالح الدين وأعرف بتدبير الملك وأوفق لإنتظام حال الرعية وأوثق في إندفاع الفتنة انتهى.
اقول: اولاً التحقيق إن الإمامة لا تثبت إلا بنص من النبي صلى الله عليه وآله أو من الإمام المنصوص على إمامته وأما القسمان الآخران اللذان ذكرهما هذا الشيخ الجامد فقد أشرنا الى بطلانهما إجمالاً وسيأتي الكلام فيهما تفضيلاً إنشاء الله تعالى
وثانياً إنه إن اراد بدعوى إجماع العلماء على إمامة المفضول مع وجود الفاضل إجماع جميع العلماء فالمنع عليه ظاهر كيف وسائر أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم الى هذا الزمان على طرف الخلاف وإن
ومن العجائب إن إبن أبي الحديد المعتزلي خالف هاهنا مقتضى ما أجمع عليه من القول بالحسن والقبح العقليين ونسب هذا التقديم الذي ذهب اليه الى الله عز وجل فقال في خطبة شرحه لنهج البلاغة «وقدم المفضول على الفاضل لمصلحة إقتضاها التكليف» وهذا في غاية مايكون من السخف، ولأنه نسب ما هو قبيح عقلاً الى الله عز وجل، مع إنه عدلي المذهب، فقد خالف مذهبه، ولهذا حملت الشكايات الواردة من علي عليه السلام عن الصحابة، والتظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقية وغيرها على ذلك ولا يخفى إن الحمل على ذلك مما لا وجه له سوى التحامل على علي عليه السلام لأن هذا التقديم إن كان من الله تعالى، لم يصح من علي عليه السلام الشكاية مطلقاً لأنها حينئذ تكون رداً على الله، والرد عليه على حد الكفر وإن كان من الخلق فإن كان هذا التقديم لمصلحة المكلفين وعلم بها جميع الخلق غير علي عليه السلام فقد نسبه عليه السلام الى الجهل بما عرفه عامة الخلق وإن كان لا لمصلحة كان تقديماً بمجرد التشهي فلم تكن الشكاية على الوجه الذي توهمه فلا وجه لحملها عليه هذا والعقل والنقل كما اشرنا اليه دال على قبح ذلك أما العقل فظاهر وأما النقل فلأن القرآن نص على إنكار ذلك حيث قال تعالى (أفمن يهدي الى الحق
وثالثاً إنما ذكره من التعليل العليل بقوله «ولأن عمر جعل الخلافة الخ» قد مر مافيه مع إبتنائه لمجرد حسن الظن الذي لايغني من الحق شيئاً.
ورابعاً إن قوله «والمعنى في ذلك إن غير الأفضل قد يكون اقدر منه الخ» فيه إنه إن عنى بالأقدر المذكور فيه إنه لايعرف مصالح الدين لكنه أقدر على إقامتها فهذا لايسمن ولايغني من جوع لأن إقامة مصالح الدين فرع العلم بها وهو ظاهر وإن عنى به إنه أقدر بإقامتها مع العلم بها من غير أحتياج وإستناد الى إستعلامها عن غير فهو خلاف المفروض لأن مثل هذا الشخص ليس بمفضول في العلم بل أقل الأمر أن يكون مساوياً لغيره وأما مجرد معرفة تدبير الملك وإنتظام حال الرعية فلا يجدي في الدين لأن ذلك التدبير والإنتظام يجب أن يكون على الوجه الشرعي الخالي عن شوائب الجور والظلم الذي لا يحصل إلا ممن إتصف بالعلم والعفة والزهد والشجاعة بل بالعصمة كما سنحققه دون الوجه العرفي السياسي الحاصل من معاوية الباغي وجروه يزيد، والوليد الجبار العنيد، الذي إستهدف المصحف المجيد، والحجاج الظالم الفاتك الشديد، واللص المتغلب الدوانيقي ونحوهم من كل شيطان مريد، فإنهم كانوا يدفعون الفتنة الموهمة على الملك والرعية وعلى خصوص سلطنتهم وجاههم وقتل كل متهم، وصلب كل عدو مظنون وإحراق بيوتهم وبيوت اقوامهم وجيرانهم وضرب أعناقهم الى غير ذلك من العذاب والنكال بلا ثبوت ذنب
(شعر (1))
وأضحت (5) قناة الدين في كف ظالم إذا إعوج منها جانب لايقيمها
____________
(1) نقل إبن شهر آشوب ره هذه الأبيات في كتاب المناقب من دون تسمية لقائلها [ صفحة 232 من ج 2 من النسخة المطبوعة في سنة 1317 القمرية الهجرية ونقلها المجلسي ره عن المناقب في البحار «ص 256 من ج 10 من النسخة المطبوعة بنفقة أمين الضرب ره ] (2) المناقب والبحار «قتل» (3) المناقب والبحار «عصابة» (4) المناقب والبحار «نام زعيمها» (5) المناقب والبحار «فاضحت»