الصفحة 47
وليتأمل ذو الرأي السديد إن فيما وقع في ايام من صحاح أهل السنة سلطنه بل خلافته كيزيد، عليه من اللعنة مايربو ويزيد، من قتل الحسين عليه السلام وشيعته من حفظ حوزة الإسلام أو في قتله لأهل المدينة الطيبة وإفتضاض الف بكر من أولاد الصحابة والتابعين الكرام رعاية نظام الأنام أو في رمي المناجيق على الكعبة وتخريب بيت الله الحرام أمارة لما إختل من النظام أو دعوة لمن دخلها الى دار السلام هذا مع إنا لا نسلم إن الثلاثة كانوأ أعرف بحفظ الحوزة وحفظ حال الرعية ولو كانوا كذلك لما أمر النبي عليهما عمرو بن العاص مرة وزيد بن حارثة مرة وزيد بن أسمامة تارة أخرى وقد إشتهر إن أكثر ما إستعمله عمر من تدبير فتح العجم ونشر الإسلام في بلادهم إنما كان بإشارة علي عليه السلام وإنه كتب صفحة من قبيل الجفر والتكسيرا وجب عقدها على راية أهل الإسلام إنتكاس رايه العجم وقد ذكر بعض الجمهور على ما في كتاب الشافي من مقاتلة أبي بكر لأصحاب مسيلمة الكذاب وأمثالهم مشهورين بين أهل السنة بأهل الردة إنما كان بإشارة علي عليه السلام نعم كان عليه السلام محترزاً عن إستعمال الغدر والمكيدة والحيلة والخديعة التي يعد العرب مستعملها من الدهاة وكانوا يصفون معاوية بذلك ويقولون إنما وقع الإختلاف في عسكر علي عليه السلام لأن معاوية كان صاحب الدهاء دونه ولما سمع عليه السلام قال «لولا الدين (1) لكنت من أدهى العرب» فتدبر.

____________

(1) نقل السيد الرضي ره في نهج البلاغة مايحقق هذا المرام بهذه العبارة «ومن كلام له عليه السلام: والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما إستغفل بالمكيدة ولا إستغمز بالشديدة» وقال إبن أبي الحديد في شرحه كلاماً مفصلاً منه هذا «أعلم إن السائس لايتمكن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه وبما يرى فيه صلاح ملكه وتمهيده امره وتوطيد قاعدته سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ماقلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله وأمير المؤمنين كان مقيداً بقيود الشريعة مدفوعاً الى إتباعها ورفض مايصلح إعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن الشرع موافقاً فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين اليه ما هو منزه عنه لكنه كان مجتهداً يعمل بالقياس والإستحسان والمصالح والمرسلة ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء بالإستنباط من اصول يقتضي خلاف مايقتضيه عموم النصوص ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة ويؤدب بالدرة والسوط من يتغلب على ظنه إنه يستوجب ذلك ويصفح من آخرين قد إجترموا مايستحقون به التأديب كل ذلك بقوة إجتهاده وما يؤديه اليه نظره ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يرى ذلك وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها الى الإجتهاد وإلا قيسته ويطبق أمور الدنيا على أمور الدين ويسوق الكل مساقاً واحداً ولا يرفع إلا بالكتاب والنص فاختلفت طريقتاهما بالخلافة والسياسة وكان عمر مع ذلك شديد الغلظة والسياسة وكان علي عليه السلام كثير الحلم والصفح والتجاوز فازدادت خلافة ذاك قوة وخلافة هذا ليناً ولم يمن عمر بما مني به علي عليه السلام من فتنة عثمان الخ» وهو كلام نافع طويل الذيل جداً ينبغي إن يلاحظ ويراجع ومن اراده فليطلبه منه هناك «وهو أواخر الجزء العاشر من شرح النهج لصاحب الكلام».


الصفحة 48

اشتراط العصمة في الإمامة

13 ـ قال: واشتراط العصمة في الإمام وكونه هاشمياً وظهور معجزة على يده يعلم بها صدقه من خرافات نحو الشيعة وجهالاتهم لما سيأتي بيانه وإيضاحه من حقية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مع إنتفاء ذلك فيهم ومن جهالاتهم ايضاً قولهم إن غير المعصوم يسمى ظالماً فيتناوله قوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين وليس)

الصفحة 49
كما زعموا إذ الظالم لغة من يضع الشيء في غير محله وشرعاً العاصي وغير المعصوم قد يكون محفوظاً فلا يصدر عنه ذنب او صدر عنه ويتوب منه حالا توبة نصوحا فالآية لاتتناوله وانما تتناول العاصي على أن العهد في الآية كما يحتمل ان يكون المراد به الإمامة العظمى يحتمل ايضاً ان يكون المراد به النبوة أو الإمامة في الدين او نحوهما من مراتب الكمال وهذه الجهالة منهم انما اخترعوها ليبنوا عليها بطلان خلافة غير علي كرم الله وجهه وسيأتي مايرد عليهم ويبين عنادهم وجهلهم وضلالهم نعوذ بالله من الفتن والمحن انتهى.

اقول: يتوجه عليه:

اولاً ان الإمامية الذين ينبغي ان يكون وجه الكلام معهم انما اشترطوا العصمة دون الهاشمية وان اتفق كون الأئمة المعصومين من بني هاشم ودون اظهار المعجزة وان صدر عنهم ذلك حسبما ذكره مؤلف شواهد النبوة وغيره.

وثانياً ان اثبات حقية خلافة ابي بكر وعمر مع انتفاء العصمة فيهم انما يوجب خرافة من اشترط العصمة في الإمامة لو لم يثبت ذلك ببرهان من العقل والنقل وإلا فغاية الأمر تعارض الإثباتين فجاز ان يكون الخرافة والجهل في هذا الشيخ الخرف والجهلاء من اهل نخلته على إن لنا بحمد الله تعالى على ذلك دلائل عقلية ونقلية لايخفي وقعها على أولي الطبائع الزكية

أما النقلية فما ذكره هذا الشيخ الجامد بعيد ذلك من قوله تعالى (لاينال عهدي الظالمين) وسنوضح دلالته على المقصود بحيث لا يبقى للخصم مجال الإنكار والجحود وقوله تعالى) كونوا مع الصادقين) و

الصفحة 50
غير المعصوم لايعلم صدقه فلا يجب الكون معه فيجب الكون مع المعصوم وهم أهل البيت عليهم السلام كما نطق به آية التطهير على ماأوضحناه في شرح كشف الحق ونهج الصدق

وأما العقلية فلأن الإمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله وله الولاية العامة في الدين والدنيا وساد مسده فكما انه إشترط في النبي اتفاقاً فكذا في الإمام الزاماً وبالجملة ان الأدلة على عصمة النبي صلى الله عليه وآله دالة على عصمة الأمام عليه السلام وهي إنتفاء فائدة بعثة النبي صلى الله عليه وآله لو لم يكن معصوماً لظهور انتفاء نصب الإمام ايضاً على تقدير عدم عصمته وللزم والتسلسل لو لم يكن الأمام معصوماً وقد شبهوا هذا بدليل وجوب انتهاء سلسلة الممكنات على الواجب لئلا يلزم التسلسل ولأن الأمر بإتباعه امر مطلق فلو وقع منه معصية لزم ان يكون الله آمراً لنا بفعل المعصية وهو قبيح عقلاً لا يفعله الحكيم تعالى لما ثبت من الأدلة الدالة على إمتناع القبائح منه تعالى ولأنه لو فعل المنكر فان لم يعترض عليه لزم سقوط النهي والمنكر وان انكر عليه لزم سقوط محله عن القلوب فلا يحصل فائدة نصبه ولأن الإمام حافظ للشرع بمعنى انه مؤيد منفذ لأحكامه بين الناس جميعاً وكل من كان حافظاً للشرع بهذا الوجه لابد من عصمته.

أما الصغرى فلا إعتبار عموم الرياسة في الدنيا والدين في الإمامة كما سبق

وأما الكبرى فلأن من كان حافظاً للشرع بالوجه المذكور لابد ان يكون آمناً عند الناس من تغيير شيء من احكامه بالزيادة والنقصان وإلا لم يحصل الوثوق بقوله وفعله فلا يتابعه العباد فيهما فتختل الرياسة العامة وتنتفي فائدة الإمامة لا يقال إن هذا الدليل يقتضي ان تكون العصمة شرطاً في المجتهد ايضاً لأنه حافظ للشرع فلا بد ان يكون معصوماً ليؤمن

الصفحة 51
من الزيادة والنقصان وكذا الكلام في الدليل المذكور قبله لأنه لو فعل المعصية سقط من القلوب وانتفت فائدة الآجتهاد او سقط حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلاهما باطل لكنها ليست بشرط اتفاقاً لأنا نقول المجتهد ليس حافظاً للشرع بين جميع الناس بل مظهر له على من قلده فلا يجب فيه أن يكون آمناً من الزيادة والنقصان على سبيل القطع بل يكفي حسن الظن بصدقه بعد ثبوت الإجتهاد ولذلك شرط العدالة فيه وبالجملة مرتبة الإجتهاد لكونها دون مرتبة الإمامة تحصل باستجماع شرائطها المشهورة المسطورة في كتب الأصول ويكفي في وجوب العمل بقول المجتهد حسن الظن بصدقه المتفرع على ثبوت عدالته بعد حصول شرائط الإجتهاد كما تقرر في محله بخلاف مرتبة الإمامة فإنها رياسة عامة بحسب الدين والدنيا ومن البين إنها لاتحصل لشخص إلا بعد أن يكون آمناً من الزيادة والنقصان في أحكام الشرع وإلا لإختلت تلك الرياسة العامة وإنتفت فائدة الإمامة كما لايخفى على من له طبع سليم وعقل مستقيم.

ولا يبعد ان يقال ايضاً إن كلاً من جواز الإجتهاد وجواز تقليد المجتهد في ايام غيبة الإمام من باب الرخصة في أكل لحم الميتة عند الخمصة لئلا تتعطل الأحكام الشرعية وإنما الجائز بحسب اصل الشرع هو الإجتهاد في زمن حضور النبي أو الإمام عند كونه في ناحية بعيدة عنهما يمكنه إستعلام ما إستبهم من الأحكام بالكتابة اليهما ونحوها إذ مع حضور النبي والإمام المعصومين في الأحوال والأقوال يرجع المجتهدون اليهما في مواضع الإشتباه والإشكال وبإعلام كل منهما يحصل التقصي عن الحق والضلال فلا يحتاج الى إعتبار عصمة المجتهد مع حضور النبي صلى الله عليه وآله

الصفحة 52
والإمام الذي يمكن الرجوع اليه في تحقيق الأحكام والكشف عن مسائل الحلال والحرام فإن قيل عمدة ماذكرتم معشر الإمامية في عصمة الأنبياء والأئمة إن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض من بعثة الأنبياء ونصب الإمام أعني قبول أقوالهم وإمتثال أوامرهم ونواهيهم فبينوا لنا وجه القدح إذ قد طال الكلام في هذه المسألة بين الفريقين قلت لاشك إن من تجوز عليه الكبائر والمعاصي فإن النفس لا تسكن ولا تطمئن الى قبول قوله مثل ما تطمئن الى قول من لايجوز عليه شيء من ذلك جزماً قال الشريف الرضي رضي الله عنه هذا معنى قولنا إن وقوع الكبائر والمعاصي منفرّ عن القبول والإمتثال والمرجع فيها الى العادات وليس ذلك مما يستخرج بالدليل ومن رجع الى العادة علم صدق ماذكرناه فإن الكبائر في باب التنكير لا تنحط عن المهاجاة التي تدل على خسة صاحبها وعن المجون والسخافة ولا خلاف في إنها ممتنعة منهم فإن قيل أو ليس قد جوز كثير من الناس الكبائر على الأنبياء والأئمة ومع ذلك لم ينفروا عن قبول أقوالهم وإمتثال أوامرهم وهذا يناقض قولكم إن الكبائر منفرة قلنا هذا كلام من لم يعرف معنى النفس وحصول الإطمئنان ولا يشك عاقل في إن النفس حال عدم تجويز الكبائر أقرب منها الى ذلك عند تجويزها وقد يبعد الأمر عند الشيء ولا يرتفع كما يقرب من الشيء ولا يقع عنده إلا ترى إن عبوس الداعي الى طعامه وتضجره منفر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه وقد يقع ماذكرناه الحضور والتناول ولا يخرجه من أن يكون منفراً وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسمه يقرب من الحضور والتناول وقد يرتفع عنده ذلك لايقال هذا يقتضي أن لاتقع الكبائر عنهم حال النبوة

الصفحة 53
والإمامة وأما قبلها فلا لزوال حكمها بالتوبة المسقطة للعقاب والذم ولم يبق وجه يقتضي التنكير لأنا نقول إنا لم نجعل المانع عن ذلك إستحقاق العقاب والذنب فقط بل ولزوم التنفير أيضاً وذلك حاصل بعد النبوة ولهذا نجد ذلك من حال الواعظ الداعي الى الله وقد عهد منه الإقدام على كبائر الذنوب وإن تاب عنها بخلاف من لم يعهد منه ذلك والضرورة فارقة بين الرجلين فيما يقتضي القبول والنفور وكثيراً مانشاهد إن الناس يعيرون من عهد منه القبائح المتقدمة وإن حصلت منه التوبة والنزاهة ويجعلونها نقصاً وعيباً وقدحاً غاية ما في الباب إن الكبائر بعد التوبة أقل تنفيراً منها قبل التوبة ولا يخرج بذلك عن كونها منفرة إن قلت فلم قلتم إن الصغائر لاتجوز عليهم مطلقاً ولا تنفير فيها قل بل التنفير حاصل فيها ايضاً عن التأمل لأن إطمئنان النفس وسكونها إنما هو مع الأمن عن ذلك لا مع تجويزها والفرق بأن الصغائر لا توجب عقاباً وذماً ساقط لأن المعتبر التنفير كما ذكرنا مراراً ألا ترى إن كثيراً من المباحاة منفرة ولا ذم ولا عقاب فيها وكيف لايكون ذلك موجباً للتنغير مع إن الخصم حصل على بعض الإجتهادات البعيدة من المشاهدة بكونه منفراً للعوام مع تصريحهم لأن المجتهد المخطيء مثاب قال أبو المعاني الجويني في رسالته المعمولة في بيان حقية مذهب الشافعي قد إتفق للشافعي أصل مقطوع ببطلانه على وجه أجمعت الأمة شارقة وغاربة أرضاً فأرضاً طولاً وعرضاً على بطلان ذلك الأصل وهو إنه لم يجوز نسخ السنة بالكتاب ولم يجوز نسخ الكتاب بالسنة وهذا أمحل المحالات والعامي إذا سمع هذا يستنفر طبعه وينزوي عن تقليده والإقتداء به الجواب قلنا هذا الأصل غير مقطوع ببطلانه فإنه إنما لم يجوز نسخ السنة المتواترة بالكتاب

الصفحة 54
لأن الله تعالى الى آخره وتقرير الكلام على هذا التفصيل والتنقيح من نفائس المباحث فاحفظة فإنه بذلك حقيق.

وثالثاً إن أحداً من الشيعة سيما من الإمامية لم يقل بأن غير المعصوم يكون ظالماً كيف وغير المعصوم قد يكون عادلاً في جميع ايام عمره كما ذكره نعم قد إستدلوا بالآية التي ذكرها على عدم صلاحية المشايخ الثلاثة للإمامة بما حاصله إنهم كانوا كفاراً في الأصل وإنما أسلموا بعد تماديهم في الكفر والضلالة والكافر ظالم بقوله تعالى (والكافرون هم الظالمون) والظالم لايصلح للإمامة لأن ابراهيم على نبينا وعليه السلام حين طلب الإمامة لذريته وقال «ومن ذريتي» قال الله تعالى في جوابه (لا ينال عهدي الظالمين) يعني إن الإمامة لاتصل مني ومن جانبي الى أحد من الموصوفين بالظلم وأورد عليه الفاضل القوشچي في شرحه على التجريد بأن غاية ماتدل عليه الآية إن الظالم في حال الظلم لا ينال عهد الإمامة ولا يلزم من ظلم الثلاثة وكفرهم قبل الخلافة أن لا ينالوها حال إسلامهم وعدم إتصافهم بالظلم وفيه نظر ظاهر لأن لفظة من في قوله ومن ذريتي تبعيضة كما هو الظاهر وصرح به المفسرون وحينئذ نقول إن سؤال ابراهيم عليه السلام الإمامة لذريته الظالمين أما إن كان لبعض ذريته المسلمين العادلين في تمام عمره أو لذريته الظالمين في تمام عمرهم أو لذريته المسلمين العادلين في بعض أيام عمره الظالمين في بعضه الآخر لكن يكون مقصوده عليه السلام نيلهم لذلك حال إسلامهم وعدالتهم أو الأعم من هذا القسم والقسم الأول فعلى الأول يلزم عدم مطابقة الجواب للسؤال وعلى الثاني يلزم طلب الجليل، وذلك المنصب الجليل، للكافر والظالم حال الكفر والتضليل، وهذا مما لايصدر عن أدنى عاقل، بل جاهل من رعية وعن الثالث والرابع يحصل

الصفحة 55
المطلوب وهو إن الإمامة مما لا ينالها من كان كافراً ظالماً في الجملة وفي بعض أيام عمره فظهر إن الخرافة والجهالة إنما صدرت عن هذا الشيخ الخرف المبهوت الذي ينسج عليه أموراً واهية كنسج العنكبوت فمقصود الإمامة عنه يفوت.

ورابعاً إن ماذكره في العلاوة مردود بأن أكثر المفسرين من أهل السنة أيضاً حملوا العهد على الإمامة وهو الظاهر أيضاً من سوق الآية ومدار الإستدلال في النقليات على هذا ما لم يقم دليل آخر على خلافه يستدعي العدول عنه وإقامة الحجة على شطر من علماء مذهبكم كاف لنا في الإلزام بل يلزم الباقين التقصي عن مقتضاها لقوله عليه السلام «الكفر ملة واحدة» على إنه يلزم من إشتراط العصمة والعدالة في النبي صلى الله عليه وآله في جميع ايام عمره إشتراطه في الإمام بطريق أولى لعدم تأييد الإمام بالوحي العاصم عن الخطأ.

وخامساً إن مانسبه الى الإمامية من إختراع إشتراط العصمة في الأئمة معارض بمثله فإن لهم أن يقولوا إن أهل السنة إنما إخترعوا نفي إشتراط عصمة الأئمة حفظاً لحال مشايخهم الثلاثة الفاقدين للعصمة وبناء لصحة خلافتهم والله ولي العصمة.

بيان كيفيّة خلافة ابي بكر

14 ـ: الباب الأول في بيان

كيفية خلافة الصديق والإستدلال على حقيتها بالأدلة النقلية والعقلية وما يتبع ذلك وفيه فصول

الفصل الأول في بيان كيفيتها

روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما الذين هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتد به إن عمر خطب الناس مراجعة من الحج فقال في خطبته

الصفحة 56
قد بلغني ان فلاناً منكم يقول لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امره ان يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة إلا وأنها كذلك إلا إن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من يقطع اليه الأعناق مثل أبي بكر وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله إن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة وتخلفت الأنصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون الى أبي بكر وقلت له يا أبا بكر إنطلق بنا الى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم أن نقصدهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم قالا اين تريدون يامعشر المهاجرين فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى وجدناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقلت ماله قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فاثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فنحن انصار الله وكتيبة الإسلام وانتم يامعشر المهاجرين رهط منا وقد رفت رافة منكم أي ذب قوم منكم بالإستعلاء والترفع علينا تريدون أي تخزنونا من أصلها وتخضنونا من الأمر أي تنحونا عنه وتستبدون به دوننا فلما سكت اردت أن أتكلم وقد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن اقولها بين يدي أبي بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني والله ماترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهة وأفضل حتى سكت فقال أما بعد فما ذكرتم من خير فانتم اهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هو أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لك أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد ابي عبيدة بن الجراح فلم أكره ما قال غيرها وكان والله إن أقدم فيضرب عنقي لا يقربني

الصفحة 57
ذلك من أثم أحب اليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فقال قائل من الأنصار أي جذيلها المحكك وغديقها المرحب منا أمير ومنكم أمير يامعشر قريش وكثر اللفظ وارتفعت الأصوات حتى خشيت الإختلاف فقلت إبسط يدل يا أبا بكر فبسط يده وبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار والله ماوجدنا فيما حضرنا أمر هو أوفق من مبايعة أبي بكر وخشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فأما أن نبايعهم على مانرضى وأما أن نخالفهم فيكون فيه فساد انتهى

أقول يتوجه عليه إنه إن اراد إجماع من يعتد به من أهل السنة على صحة ما في الكتابين فهو مصادرة لا يتمشى مع من هو طرف البحث من الشيعة وإن اراد إجماع من يعتد به من الشيعة على صحة مافيهما فبطلانه ظاهر لأن البخاري ومسلم وأضرابهما وضاعون كذابون عند الشيعة بل حكموا بحماقة البخاري وقصور فهمه عن التميز بين الصحيح والضعيف لأمور شتى منها ماصرح به بعض الجمهور من إن البخاري حدث عن المتهم في دينه كعباد بن يعقوب الرواجي واحتج بحديث من اشتهر عنه النصب والبغض لعلي عليه السلام كمحمد بن زياد الأبهاني وحريز بن عثمان الرحبي واتفق البخاري ومسلم على الإحتجاح بحديث أبي معاوية وعبيد الله بن موسى وقد إشتهر عنهم الغلو ومنها ماذكره فقهاء الحنفية في بحث الرضاع من كافيهم وكفايتهم من بلادته وقصور إدراكه عن فهم معاني الأخبار والفتوى بما يضحك منه الصبيان حتى أجمعوا علماء بخارا على إخراجه منها وطرده بأسوأ حال ومن هذا حاله كيف يعتمد على نقله وكيف يقال إن كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى على إن الكرماني شارح البخاري قد روى في أوائل شرحه مايدل على إن صحيح البخاري لن يتم في أيام حياته بل كان كثيراً من مواضعه مبيضاً كان على حواشيه ملحقات وعلى أوساطه

الصفحة 58
قطعات إستصعبوا الإهتداء الى مواضع ربطها وإنما رتبه عدة من تلامذته البخاريين على حسب ماوصل اليه فهمهم ومن البين إنه لو بقي البخاري بعد ذلك مدة لجاز ان يرجع عن الحكم بصحة بعض ما أودع فيه وتصرف فيه بزيادة ونقصان فكيف يعتمد بمثل هذا الأبتر الواهي الذي قد لعب به جماعة من نواصب بخارى وفساقها في تحقيق الكلام الإلهي سيما الأوامر والنواهي وكذا الكلام في مسلم كما فصلنا في شرح كتاب كشف الحق ونهج الصدق ولو سلم صحة نقلهما ذلك عن عمر فالكلام مع عمر وإنه هو الذي عقد البيعة لأبي بكر ظلماً وجوراً على أهل البيت عليهم السلام ولعلمه بأن أبا بكر يجعل الخلافة فيه بعده قال طلحة وليته أمس وولاك اليوم فكيف يسمع كلامه في كيفية خلافة أبي بكر مع ما إشتمل عليه من الأكاذيب الظاهرة وناهيك في ذلك ماقال إبن أبي الحديد المعتزلي من مصححي خلافة الثلاثة إن عمر هو الذي وطأ الأمر لأبي بكر وقام فيه حتى وقع في صدر المقداد وكسر سيف الزبير وكان قد اشهر سيفه عليهم ولهذا إن أبا بكر لما صعد المنبر قام إثني عشر رجلاً ستة من المهاجرين وستة من الأنصار فانكروا على أبي بكر في فعله وقيامه مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ورووا أحاديث في حق علي (ع) ووجوب خلافته لما سمعوا من النص عليه من رسول الله صلى الله عليه وآله حتى إن ابا بكر أفحم على المنبر ولم يرد جواباً فقام عمر وقال يالكع إذا كنت لا تستطيع أن ترد جواباً فلم أقمت نفسك هذا المقام وانزله من المنبر وجاءوا في الإسبوع الثاني ومع معاذ بن جبل مائة رجل ومع خالد بن الوليد كذلك شاهري سيوفهم حتى دخلوا المسجد وعلي عليه السلام جالس في نفر من أصحابه فقال عمر والله ياأصحاب علي لئن ذهب رجل منكم يتكلم بالذي تكلم به أمس لنأخذن الذي فيه عيناه فقام سلمان الفارسي وقال سمعت رسول الله (ص) قال بينما حبيبي وقرة عيني جالس

الصفحة 59
في مسجدي إذ وثب عليه طائفة من كلاب أهل النار يريد قتله ولا شك إنكم هم فأومى اليه عمر بالسيف فجذبه علي حتى جلد به الأرض وقال ياإبن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا وبجمعكم تكافروننا والله لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتكم أينا أقل عدداً واضعف ناصراً وقال لأصحابه تفرقوا انتهى فاحسن تأمله وهل هذا إلا مصادرة.

15 ـ قال: وفي رواية إن أبا بكر إحتج على الأنصار بخبر الأئمة من قريش وهو حديث صحيح ورد من طرق نحو أربعين صحابياً.

أقول: الحديث صحيح ويؤيده قوله عليه السلام في صحاح الأحاديث إن الإسلام لايزال عزيزاً ما مضى فيهم إثني عشر خليفة كلهم من قريش لكن المراد من الخليفة الأول القريشي علي (ع) إلا إنهم لما أوقعوا في القلوب إنه عليه السلام تقاعد من تصدى الخلافة كما ذكرناه سابقاً موهوا ذلك بجواز العدول الى قريشي آخر فتدبر.

16 ـ قال: وأخرج النسائي وأبو يعلى والحاكم وصححه عن إبن مسعود رض إنه قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فاتاهم عمر بن الخطاب فقال يامعشر الأنصار الستم تعلمون إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس وأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقال الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر انتهى.

اقول: أولاً إن رواية الحاكم لهذا الحديث عن إبن مسعود كاذبة بل هي مما رواه الحسن البصري عن عائشة وقال إنه نص خفي على إمامة أبي بكر والحسن البصري ممن قدح فيه الشيعة والشافعي حيث نقل عنه إبن المعالي الجويني إنه قال فيه كلام وأما عائشة

الصفحة 60
فمع ظهور عداوتها لأمير المؤمنين عليه السلام وكذبها عند الشيعة كما سيجيء بيانها متهمة في خصوص هذه الرواية لما فيها من جر نفع لها ولأبيها وبالجملة الشيعة لا تسلم إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بذلك وإنما أمرت به عائشة فقالت للمؤذن مر أبا بكر فليصل بالناس فظن إن النبي صلى الله عليه وآله أمرها بذلك ولما تفطن النبي صلى الله عليه وآله بذلك خرج متكئاً علىعلي عليه السلام وفضل بن العباس ونحى أبا بكر عن المحراب وصلى مع الناس والأنصار أعلم من أن يصدقوا بهذا الحديث الواهي الذي لا دلالة له على مطلوب أولياء أبي بكر بإحدى الدلالات كما سنوضحه وقد صرح بذلك إبن أبي الحديد المعتزلي في قصيدته الكبيرة المشهورة حيث قال في مدح علي عليه السلام تعريضاً بأبي بكر.

ولا كان معزولاً غداة براءة * ولا في صلاة أم فيها مؤخراً

وأهل السنة يوافقون في خروج النبي صلى الله عليه وآله على الوجه المذكور لكن يقولون إنه صلى خلف أبي بكر وقد صرح بذك الشارح الجديد للتجريد حيث قال واستخلفه في الصلاة في مرضه وصلى خلفه انتهى وفيه إن النبي صلى الله عليه وآله لو عجز عن الصلاة فكيف خرج وصلى خلفه ولو لم يعجز فلم إستخلفه المهم إلا أن يقال للدلالة على خلافته كما توهمه بعضهم وفساد هذه الدلالة ظاهر جداً لأن الإمامة الصغرى بمعزل عن الإمامة الكبرى بدليل إنها تجوز خلف قريش وغيرهم إتفاقاً والإمامة الكبرى لاتصح في غير قريش على قول أهل السنة بل عندهم إنه يجوز الصلاة خلف كل مفضول بل كل بر وفاجر فكيف تقاس الإمامة الكبرى على إمامة الصلاة ومما ضحك به السيد الشريف الجرجاني على لحيتهم إنه قال في شرحه للمواقف وأما مارواه البخاري بإسناده الى

الصفحة 61
عروة عن أبيه عن عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه فكان يصلي بهم قال عروة فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله في نفسه خفة فخرج الى المحراب فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله والناس يصلون بصلاة أبي بكر أي بتكبيره فهو إنما كان في وقت آخر إنتهى وفيه مافيه فتأمل فيه على إن الإستخلاف لايقتضي الدوام إذ الفعل لا دلالة له على التكرار والدوام إن ثبت خلافته بالفعل وإن ثبت بالقول فكذا كيف وقد جرت العادة بالتبقية مدة الغيبة والإنعزال عند مجيء المستخلف وأيضاً ذلك معارض بأنه صلى الله عليه وآله أستخلف علياً عليه السلام في غزوة تبوك في المدينة وما عزله وإذا كان خليفة على المدينة كان خليفة في سائر وظائف الإمامة لأنه لا قائل بالفصل والترجيح معنا لأن الإستخلاف على المدينة أقرب الى الإمامة الكبرى لأنه متضمن لأمور الدين والدنيا بخلاف الإستخلاف في الصلاة وهو ظاهر.

17 ـ قال: وأخرج إبن سعد والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري إنهم لما إجتمعوا بالسقيفة بدار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يامعشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا إستعمل الرجل منكم يقرن معه رجل منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم فتتابعت خطباؤهم على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال أتعلمون إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان من المهاجرين وخليفة من المهاجرين ونحن كنا أنصاره فاخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرون والأنصار وصعد أبو بكر المنبر ونظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعى به فجاء فقال قلت إبن عمة رسول الله صلى الله عليه وحواريه اردت ان تشق عصا المسلمين فقال لاتثريب ياخليفة رسول الله صلى الله

الصفحة 62
عليه وسلم فقام فبايعه ثم نظر بوجوه القوم فلم ير علياً فدعى به فجاء فقال قلت إبن عم رسول الله صلى الله عليه وختنه على بنته أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب ياخليفة رسول الله صلى الله عليه فقام فبايع أنتهى.

أقول: بعد الإغماض عن عدم صلاحية الحديث للإحتجاج به على الخصم كما مر إن قول زيد إن النبي صلى الله عليه وآله كان من المهاجرين باطل لأن المهاجر الشرعي من هاجر الى الرسول صلى الله عليه وآله والأنصار أنصاره فلا معنى لوصف الرسول (ص) بالمهاجر ولا وصف أبي بكر به لأنه لم يهاجر الى النبي صلى الله عليه وآله بل كان معه في الفرار من مكة الى المدينة ولو سلم كون المجيء مع رسول الله صلى الله عليه وآله هجرة اليه في الجملة فلا نسلم تحقيق باقي شرائط الهجرة الشرعية في أبي بكر كالإيمان والعدالة فإنهما شرط في تحقيق الهجرة والنصرة الشرعيتين ولو لم يشترط ذلك لزم أن يكون المؤلفة القلوب الذين هاجروا اليه من بلادهم لنصرته مهاجرين وانصاراً شرعية وبطلانه ظاهر وقد روي مؤلف المشكاة في أوائل كتاب الإيمان مايؤيد هذا المعنى حيث قال عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه والمهاجر من هجر مانهى الله عنه الحديث ولو سلم فأي ملازمة بين كون رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين وكون خليفته أيضاً من المهاجرين مع إنه معارض بدعوى إن رسول الله صلى عليه وآله كان من بني هاشم فكان خليفة من بني هاشم وبأن رسول الله صلى الله عليه وآله من أولاد عبدالمطلب فكان خليفة منهم بل هذان أقيس من قياس زيد وكيف نجعل هذا الكلام الواهي من زيد بن ثابت أو من الواضع عليه حجة ثابتة على الخصم وبذلك يستدل على وضع الباقي وإنه لا يصلحه طبيب ولا راق..


الصفحة 63
18 ـ قال: وروي إبن إسحاق عن الزهري عن أنس إنه لما بويع يوم السقيفة جاش من الغد على المنبر فقام عمر فتكلم قبله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني إثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر البيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم ابو بكر فحمد الله واثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليتكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وأن أسأت فقوموني الخ.

اقول: الزهري وأنس عند الشيعة مستحدث موضوع وقد ذكر الزندويسي الحنفي في كتاب الروضة إن ابا حنيفة طعن في أنس وذكر أبو المعالي الجويني الشافعي أيضاً في رسالته المعمولة في بيان أحقية مذهب الشافعي إن أبا حنيفة طعن في أنس ولم يعمل بحديثه وحديث إبن عمر وأبي هريرة وأضرابهم قط فالشيعة في ذلك أعذر ثم لايخفى إن الإمام الذي إحتمل صدور الإساءة عن نفسه وإحتياجه فيها الى تقويم غيره له لا يصلح للإمامة الكبرى عند من لم يكابر عقله وحمل ذلك على هضم النفس تعسف صريح كما سيجيء بيانه انشاء الله تعالى عن قريب.

19 ـ قال: وأخرج أحمد إن ابا بكر لما خطب بهم يوم السقيفة لم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله في شأنهم إلا ذكره وقال لقد علمتم إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار ولقد علمت ياسعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وانت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وانتم الأمراء ويؤخذ منه ضعف ماحكاه إبن عبد البر إن سعد أبى أن يبايع أبا بكر حتى لقى الله تعالى انتهى.


الصفحة 64
اقول: بعد تسليم صحة ماأخرجه أحمد لا دلالة فيه على بيعة سعد رضي الله عنه لأبي بكر بل الظاهر من كلامه إن كلاً من قريش والأنصار صنف على حياله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لاطاعة لأحدهما على الآخر كما لا طاعة لأحدهما على الآخر كما لا طاعة لأمراء السلطان على وزرائه وبالعكس وأين هذا من الدلالة على البيعة بل الذي ذكره أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وآله في شأن الأنصار يدل على أن بيعة أبي بكر إذا لم يسلكه سعد مع كونه سيد الأنصار وسلك غيره يكون باطلاً وبهذا يظهر إن حكم هذا الشيخ الجاهل يضعف ماحكاه إبن عبد البر ضعيف بل أجوف معتل.

20 ـ قال: وفي رواية لإبن سعد عن أبي بكر إنه قال في خطبة أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره وولله لوددت أن بعضكم كفانيه إلا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل ماعمل رسول الله صلى الله عليه وآله لم اقم به كان رسول الله صلى الله عليه وآله عبداً أكرمه الله بالوحي وعصمه به إلا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحدكم فراعوني فإذا رأيتموني إستقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا إن لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني عصيت فاتنبوني انتهى

أقول: لو كان كارهاً للخلافة لما سارع مع عمر الى سقيفة بني ساعدة لإستجلابها ولما رضى بإنتزاعها من أهلها وهو علي عليه السلام ولما أغمض عن وقوع اصحابه على صدر المقداد وكسرهم سيف الزبير عند قولهم نحن لانرضى بخلافة أبي بكر ولصبروا على فراغ أهل البيت عن دفن النبي صلى الله عليه وآله لأن النص أو الظاهر كان فيهم وأما إظهاره لوداده إن بكفيه غيره فهو كذب من الأول ولو كان صادقاً في ذلك لما إرتكبه من أول الأمر ولسلمه الى من علمه متعيناً له أو طرحه حتى يلتقطه

الصفحة 65
الراغبون المشتاقون له كعمر وطلحة والزبير وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأمثالهم مع إن قوله لست بخير من أحدكم يدل دلالة واضحة على إعترافه بمفضوليته من الكل فلا يصلح للإمامة والجواب بأن هذا إنما وقع على سبيل التواضع كقول النبي صلى الله عليه وآله لا تفضلوني على يونس بن متي وإنه لا خلاف في إنه صلى الله عليه وآله أفضل الأنبياء يونس ومن هو أعظم منه كإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وما ذلك إلا كرم وتواضع منه عليه أفضل الصلاة والسلام مدفوع بأن قياس ذلك على نهي النبي صلى الله عليه وآله قياس مع الفارق إذ الإنشاء لايحتمل الصدق والكذب بخلاف الأخبار ولهذا قالت الإمامية كثرهم الله تعالى لا يخلو قول أبي بكر من أحد قسمين أما أن يكون صدقاً أو كذباً فعلى الأول لايصلح للإمامة لكونه مفضولاً وعلى الثاني لذلك الكذب فالتواضع هاهنا لا ينفع المجيب كما لايخفى على اللبيب وأيضاً ما تضمنه آخر كلامه من التماس التقويم من رعيته والإعتراف بأن له شيطاناً يعتريه دليل واضح على عدم صلوحه للإمامة فالحديث حجة على الشيخ الجاهل لا له.

21 ـ قال: واخرج الحاكم إن أبا قحافة لما سمع بولاية إبنه قال هل رضي بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة قالوا نعم قال لا واضع لما رفعتم ولا رافع لما وضعتم إنتهى.

اقول: في هذا الحديث شهادة من أبي قحافة على إن إبنه أبا بكر كان قبل الخلافة وضيعاً مهيناً وإنه لم يكن صالحاً للخلافة وهذه شهادة لا يعتريها جرح كما لايخفى فالحديث حجة على الناصبة ولعمري إنه مع ظهور دلالته على ماذكرناه كيف لم ينتبه له هذا الشيخ وأورده زعماً منه إنه من دلائل فضيلة أبي بكر فتأمل فإن الفكر فيه طويل.


الصفحة 66

الرد على انعقاد الاجماع على ولاية ابي بكر

22 ـ قال:

الفصل الثاني في بيان إنعقاد الإجماع على ولايته

قد علم مما قدمناه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على ذلك وإنما حكى عن تخلف سعد بن عبادة عن البيعة مردود ومما يصرح بذلك أيضاً ما أخرجه الحاكم وصححه عن إبن مسعود قال ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلف أبو بكر فانظر الى ماصح عن إبن مسعود وهو من أكابر الصحابة وفقهائهم ومتقدميهم من حكاية الإجماع من الصحابة جميعاً على خلافة أبي بكر ولذلك كان هو الأحق بالخلافة عند جميع أهل السنة والجماعة في كل عصر منا الى الصحابة وكذلك هو أحق بالخلافة عند جميع المعتزلة وأكثر الفرق وإجماعهم على خلافته قاض بإجماعهم على إنه أهل لها مع إنه من الظهور بحيث لايخفى فلا يقال إنها واقعة يحتمل إنها لم تبلغ بعضهم ولو بلغت الكل لربما أظهر بعضهم خلافاً على إن هذا إنما يتوهم إن لو لم يصح عن بعض الصحابة المشاهدين لذلك الأمر من أوله الى آخره حكاية الإجماع وأما بعد أن صح عن مثل إبن مسعود حكاية إجماعهم كلهم فلا يتوهم ذلك اصلاً سيما وعلي (ع) ممن حكى الإجماع في ذلك أيضاً كما سيأتي عنه إنه لما قدم البصرة سأل عن مسيره هل هو بإشارة من النبي صلى الله عليه وآله فذكر مبايعته هو وبقية الصحابة لأبي بكر وإنه لم يختلف عليه منهم إثنان إنتهى.

أقول: قد مرنا على ماقدمه من دعوى الإجماع وبينا لما نقلناه من كلام صاحب المواقف الناطق بأنهم لم يشترطوا في عقد البيعة لأبي بكر إجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد إن رده على ماحكى من تخلف سعد بن عبادة مردود بأن المتخلف أبداً كان سعد وأولاده وخواص أصحابه والى ستة اشهر علي عليه السلام وسائر بني هاشم ومواليهم كما سيجيء وأما حكم الحاكم بصحة نقل الإجماع عن إبن مسعود فلا حكم

الصفحة 67
له عندنا وكذا حكم الوسائط التي بينه وبين إبن مسعود من الوضاعين لنصرة مذهب أهل السنة كإمامهم نعيم بن حماد الخزاعي كما ذكره عبدالعظيم المنذري الشافعي في خاتمة كتاب الترغيب والترهيب على إن ماروى الحاكم عن إبن مسعود رضي الله عنه إنما هو مجرد ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء وأما قوله وقد رأى الصحابة جميعاً ان يستخلف أبو بكر الخ فقد إكتفى ذلك المستدل بذلك القدر من كلام إبن مسعود على صحة خلافة أبي بكر لزعمه إنه مما رآه الصحابة قاطبة فلا يلزم منه تصحيح إبن مسعود لإنعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر وأيضاً إن اراد بالمسلمين الكل فلا نسلم إطباق آراء الكل على خلافة ابي بكر وإن اراد البعض فقد رأى كل في صاحبه حسناً مثل ما رآه الشيعة في علي وغيرهم في غيره فمن أين ثبت بذلك الخلافة التي رآها الكل

إن قيل يلزم من ذلك تخطئة أصحاب محمد صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار

قلت اللازم تخطئة بعضهم كما عرفت ولا إستبعاد فيه لوقوع أشد من ذلك في أصحاب موسى من بني إسرائيل حيث إستضعفوا وصية هارون وكادوا يقتلونه فارتدوا وتابعوا السامري في عبادة العجل وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال يقع في أمتي كل ما وقع في الأمم السابقة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولو سلم فالإمامة عندهم ليست بنص من الله ولا سنة من النبي صلى الله عليه وآله فاجتماع بعضهم عليه لا يمسى إجماعاً عند الكل بل غايته أن يكون كعدولهم عن أكل المن والسلوى الى أكل الفوم والبصل وأما مارواه من إجماع أهل السنة في سائر الأعصار على حقية أبي بكر بالخلافة فلا رواج له في سوق الخصم وكذا إجماع المعتزلة على ذلك على إن المعتزلة لم يقولوا بالأحقية بل هم مجتمعون على أحقية علي عليه السلام من سائر الصحابة لذلك لكنهم صححوا خلافة المفضول عنه عليه السلام لتجويزهم تفضيل المفضول

الصفحة 68
كما مر بيانه مع دفعه سابقاً وأما قوله فلا يقال إنها واقعة يحتمل إنها لم تبلغ بعضهم الخ فمدفوع بما نقلناه سابقاً عن صاحب المواقف من عدم إنعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر في أوائل الأمر بل مطلقاً وأما دعوى حصول الإجماع عن الباقي بعد طول الأزمنة فهو من قبيل الرجم بالغيب والرمي في الضلام ولو كان المدعي إبن مسعود ومن أين علم إبن مسعود إتمام الإجماع على ذلك من علماء الأنصار ومجتهدي أقطارها مع حكم جماعة من العلماء كالنظام وفخر الدين الرازي في المعالم على عدم إمكان العلم بذلك كما حقق في الأصول وأيضاً إشتراط الأكثر ان لا يتخلف أحد من المجمعين الى إنقراض الكل كما ذكر في الأصول أيضاً ولا ريب إن العلم بهذا أشد إمتناعاً من الأول وأيضاً قد إختلفوا في إن الإجماع هل هو بنفسه حجة أو لا بد فيه من سند هو الدليل والحجة حقيقة والسند الذي لهم في ذلك ما مر من قياس استحقاق إمامة الصلاة الموضوعة على أبي بكر على إستحقاق الإمامة الكبرى وقد عرفت مافيه إن إثبات شرعية القياس دونه خرط القتاد ولهم به أيضاً خلاف واختلاف وعلماء أهل البيت عليهم السلام والظاهرية ينكرون حجيته ولهم على ذلك أدلة عقلية ونقلية لا يسع المقام ذكرها ولغيرهم ايضاً في شروطه إختلاف كثير وعلى تقدير ثبوته الملحق بالمحال إنما يكون في موضع يتحقق هناك علة في الأصل ويستوي فيها الفرع مع الأصل ولا ظهور للعلة ها هنا بل الفرق ظاهر بجواز الصلاة عندهم خلف كل فاسق وفاجر ولأن أمر إمامة الصلاة أمر واحد لايحتاح فيه الى علم كثير أو شجاعة وتدبير وغيرها والإمامة الكبرى خلافة وحكومة في جميع أمور الدين والدنيا ويحتاج فيها الى العلوم والشرئط الكثيرة التي لم يوجد واحد منها في ابي بكر فلا يصح قياس هذا على ذاك على إن الأصل غير ثابت عند الشيعة كما قررناه سابقاً وأما ما رواه عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك فآثار الوضع عليه لائحة إذ لامعنى لأن يجاب

الصفحة 69
عند السؤال عنه عليه السلام من كون مسيره بإشارة من النبي صلى الله عليه وآله بذكر مبايعته هو وبقية الأصحاب لأبي بكر فتدبر.

23 ـ قال: وأيضاً فالأمة اجتمعت على حقية إمامة احد الثلاثة أبي بكر وعلي والعباس ثم أنهما لم ينازعاه بل بايعاه فتم بذلك الإجماع له على إمامته دونهما إذ لو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع على معاوية مع قوة شوكة معاوية عدة وعدداً على شوكة أبي بكر فاذا لم يبال علي بها ونازعه فكانت منازعته لأبي بكر أولى وأحرى فحيث لم ينازعه دل على إعترافه بحقية خلافته ولقد سأله العباس في أن يبايعه فلم يقبل ولو علم نصاً عليه لقبل سيما ومعه الزبير مع شجاعته وبنو هاشم وغيره ومر أن الأنصار كرهوا بيعة ابي بكر وقالوا منا أمير ومنكم أمير فدفعهم أبو بكر بخبر الأئمة من قريش فانقادوا له واطاعوه وعلي (ع) اقوى منهم شوكة وعدداً وشجاعة فلو كان معه نص لكان أحرى بالمنازعة وأحق بالإجابة انتهى.

أقول: ماذكره أولاً من دليل إجماع الأمة على حقية خلافة الثلاثة ساقط جداً لأنه إدعى فيه عدم نزاع أمير المؤمنين عليه السلام وقد فصلنا سابقاً إنه عليه السلام نازع ولم يبايع ابا بكر الى ستة اشهر وطلب عن أنس من الصحابة الشهادة على نصبه عليه السلام يوم الغدير فلم يشهد عناداً فدعى عليه السلام حتى صار مبروصاً وكذا لم يشهد زيد بن أرقم فصار بدعائه عليه السلام أعمى ونزاع سلمان وأبي ذر ومقداد وعمار وخالد بن سعيد الأموي ومالك بن نويرة الحنفي وغيرهم واحتجاجهم على أبي بكر في ذلك مشهور وفي كتب المتقدمين من الجمهور مسطور وأما ترك النزاع آخراً والبيعة لأبي بكر بعد ستة أشهر فلا يدل على صحة خلافته لأن المعتبر في باب الإمامة إنما هو الرضا والتسليم دون الصفقة باليد ألا ترى إن من نأى عن محل الإمام

الصفحة 70
وبلده يعد مبايعاً له من حيث رضى وسلم وإنقاد وإن لم يضرب بيده وإنما يراد الصفقة ليكون إمارة الرضا فإذا ظهر ما هو أولى منها يعتبر بها ولم يحتج اليها فلما وقع الإتفاق على تأخر أمير المؤمنين عليه السلام عن البيعة يجب أن يكون محمولاً عن التأخر عن إظهار الرضا والتسليم دون الصفقة باليد ولو كان راضياً بالأمر ومسلماً للعقد لم يعتبر بصفقته ولا عوتب على تأخره ولا قيل في ذلك ماقيل وجرى ماجرى ومن صواب الجواب ماروى إنه لما إتصل بعلي بن أبي طالب عليه السلام إن الناس قالوا ما باله لم ينازع ابا بكر وعمر كما نازع طلحة والزبير وعائشة قال إن لي بسبعة من الأنبياء إسوة أولهم نوح عليه السلام قال الله تعالى مخبراً عنه (رب إني مغلوب فانتصر) فإن قلتم إنه ماكان مغلوباً فقد كذبتم القرآن وإن كان كذلك فعلي أعذر والثاني إبراهيم (ع) وهو خليل الرحمن حيث يقول (واعتزلكم وما تدعون من دون الله) فإن قلتم إنه إعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم وإن قلتم إنه رأى المكروه فاعتزلهم فالوصي أعذر وإبن خالته لوط عليه السلام إذ قال لقومه (لو إن لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد) فإن قلتم إن كان له بهم قوة فقد كذبتم القرآن وإن قلتم إنه ماكان له بهم قوة فالوصي أعذر ويوسف عليه السلام إذ يقول (رب السجن أحب اليّ مما تدعونني اليه) فإن قلتم إنه دعيّ الى غير مكروه يسخط الله فقد كفرتم وإن قلتم إنه دعي الى مايسخط الله تعالى فاختار السجن فالوصي أعذر وموسى بن عمران عليه السلام إذ يقول (فررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين) فإن قلتم إنه فر منهم من غير خوف فقد كفرتم وإن قلتم فر منهم خوفاً فالوصي اعذر وهارون عليه السلام إذ يقول (يا إبن أم إن القوم إستضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بيّ الأعداء) فإن قلتم إنهم ما إستضعفوه كفرتم وإن قلتم إنهم إستضعفوه واشرفوا على قتله فالوصي أعذر ومحمد صلى الله عليه وآله حيث هرب الى الغار فإن قلتم إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كفرتم وإن

الصفحة 71
قلتم إنهم أخافوه فلم يسعه الا الهرب فالوصي أعذر فقام الناس اليه بأجمعهم وقالوا ياأمير المؤمنين قد علمنا إن القول قولك ونحن المذنبون التائبون وقد عذرك الله تعالى انتهى.

ومما يعارض دعواهم الإجماع الطوعي على إمامة أبي بكر الإجماع على إمامة معاوية بإتفاق الناس بعد تسليم الحس عليه السلام الأمر له فكانوا بأمرهم مظهرين للرضا بإمامته وتنفيذ أحكامه وكافين عن النكير عليه حتى سميّ ذلك العام عام الجماعة وكلما يدعي هاهنا من إنكار باطن وخوف تقية وعدم الطوع والرضا يمكن أن يدعي بعينه فيما تقدم وكذا يعارض أيضاً بالإجماع على قتل عثمان وخلعه فإن الناس كانوا بين قاتل وخاذل وكاف عن النكير وهذه إمارات الرضا عندكم ويدل على ما ذكرنا ماسيذكره هذا الشيخ الجامد من إنه لما توفيت فاطمة إستنكر علي عليه السلام وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر وأدل من ذلك عبارة صحيح البخاري حيث قال لما توفيت فاطمة عليها السلام تولت وجوه الناس عن علي عليه السلام فضرع الى بيعة أبي بكر فإن لفظ ضرع صريح في الإلجاء والإكراه فافهم ويرشد اليه ايضاً أحتجاج علي عليه السلام يوم الشورى بما ذكره هذا الشيخ أيضاً في هذا الكتاب وكذا الأشعار المنسوبة اليه في ديوانه الشريف الذي جمعه بعض الجمهور والملخص إن الدعوى لا تثبت إلا بالدليل أو بقبول الخصم والخصم ه الشيعة ينكرون إمامة أبي بكر ولا دليل عقلياً ولا نقلياً لهم غير الإماع المذكور وقد عرفت بطلانه إنفاً فتكون إمامتهم باطلة وأما مازعم من إن نزاعه عليه السلام مع أبي بكر كان اولى من نزاعه مع معاوية فساقط جداً بل الأمر بالعكس بطريق أولى فإن الفرق بين النزاع مع الشيوخ الثلاثة التي زعم القوم كونهم مستأهلين للخلافة الحقيقة الإلهية وكونهم من السابقين الأولين من المهاجرين الصديقين وبين النزاع مع معاوية الطليق الذي لم يدرك الإسلام في زمن

الصفحة 72
النبي صلى الله عليه وآله إلا ستة أشهر وكانت إمامته بالسلطنة والملك والغلبة فرق مابين الفرق والقدم ومع قطع النظر عن علو شأنه في نظر قريش وإنه من حيث إرادتهم دفع علي عليه السلام عن مقامه به ودنو كعب معاوية في نظرهم كان المسلمون حديثي عهد بالجاهلية في زمان ابي بكر وأخويه ولم يكونوا راسخين في الإسلام بل كانوا مستعدين للإرتداد وإفناء الإسلام عن اصله بأدنى سبب وأقل فتنة بخلاف الزمان الذي وصلت فيه الخلافة الى علي عليه السلام كما لايخفى وأيضاً من البين إما حصل له في أول خلافته من إجماع أكثر المهاجرين وسائر الأنصار وإعراب البوادي والقفار عليهم كان وافياً في نظر العقل لدفع معاوية وعزله وإزالة بدعه وتجبره على المسلمين ومخالفته لدين سيد المرسلين لكن عائشة وطلحة والزبير فرقوا جمعيته عليه السلام بالخروج والبغي عليه عند ذلك وجرأوا معاوية أيضاً على منازعته والخروج عليه بل كاتبوه والتمسوا منه خروجه من الشام معاونة لهم غاية الأمر إنه أخر الخروج تأنفاً عن لزوم متابعتهم ثم خرج مستقلاً الى حرب علي عليه السلام في صفين وكان آثار غلبة علي عليه السلام في طول أيام تلك الحرب ظاهرة حتى عجز أصحاب معاوية ورفعوا المصاحف على رؤوس رماحهم صلحاً وشفاعة لكن جماعة من رؤساء عسكر أمير المؤمنين عليه السلام كأشعث بن قيس وعبدالله بن وهب الراسبي وأمثالهما الذين إستمالهم معاوية مكراً وخدعة مرقوا عن الدين فقلبوا الأمر وألجأوه عليه السلام الى قبول الحكمين ومع ذلك حيث لم يتم أمر الحكمين إغتنم معاوية فرصة الهرب الى الشام ورجع أمير المؤمنين عليه السلام الى حرب الخوارج المارقين كما فصل في كتاب السير والتواريخ وأما ماذكره من سؤال العباس مبايعته له عليه السلام وعدم قبوله عليه السلام لذلك ففيه إن الوجه فيه إنه عليه السلام كان يعرف بطلان الأمر وكلام العباس كان على الظاهر ولا يمتنع أن يغلب في ظنه

الصفحة 73
مالا يغلب على ظن العباس فلا يكون في أمثاله دلالة على صواب ماجرى من العقد لأبي بكر وإنما يدل على إن ما بذله له العباس من البيبعة لم يكن عنده صواباً وبالجملة لما رأى العباس إن القوم شرعوا الإمامة ن جهة الإختيار وأوهموا إن الطريق الى الإمامة أراد أن يحتج عليهم بمثل حجتهم ويسلك في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام مسلكهم على سبيل الإستظهار عليهم وإلا زالت لشبهتهم ولما علم عليه السلام إن العباس ليس ممن لا يصلح معاضداً معارضاً في هذا الأمر توقف عن قبوله ويؤيد هذا ماروى عنه عليه السلام إنه قال في تلك الأيام لو كان حمزة وجعفر حيين لما طمع في هذا الأمر أحد ولكني قد إبتليت بجلفين جافين عباس وعقيل وأما ماذكره من إن الأنصار كرهوا بيعة أبي بكر الخ فاقول نعم لكن الشيخين وأتباعهما من قريش أوقعوا في أوهام الأنصار وغيرهم إن قعود علي عليه السلام في بيته لتجهيز النبي صلى الله عليه وآله ترك عنه عليه اسلام للخلافة المتعينة له عن النبي صلى الله عليه وآله فلهذا إجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وأرادوا عقد الإمارة لواحد منهم على أنفسهم لإنتظام أمورهم ولم يظهر لهم خلاف ما توهموه أولاً إلا بعد ما غلب عليهم صناديد قريش وأخذوا منهم البيعة الفاسدة لأبي بكر فلتة كما مر فلم يسعهم نقضها بعد ذلك والرجوع الى علي عليه السلام ظاهراً إلا من شذ منهم كسعد بن عبادة وأولاده رضي الله عنهم وتفصيل ذلك مذكور في كتاب الفتوح وكتاب روضة الصفا فخذ ماصفا وأما قوله «فدفعهم أبو بكر بخبر الأئمة من قريش» فالظاهر إنه مما وضعوه وأوقعوا في أوهام الأنصار إنه حديث النبي صلى الله عليه وآله لأن عمر قد ناقض ذلك فيما بعد وقال حين أظهر الشك في إستحقاق كل واحد من الستة الذي جعلهم شورى لو كان سالم مولى حذيفة حياً ما يحابي فيه شك وسالم عبد لأمرأة من الأنصار وهي اعتقته وحازت ميراثه وأما قوله وعلي أقوى منهم شوكة

الصفحة 74
وعدداً فمن أوضح الأكاذيب كما سمعت آنفاً كيف وقد أجمع جميع طوائف قريش الذين كانوا يبغضون علياً عليه السلام للثارات الجاهلية على خلافة أبي بكر كما صرح به عليه السلام فيما نقلناه سابقاً من قوله في بعض شكاياته «اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي وكفأوا إنائي وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري» فكيف لا يكون عليه السلام عنهم في خوف وحذر مع إن اصحابه من بني هاشم وغيرهم كانوا بالنسبة اليه مبغضين كما نقل عن النبي (ص) في أوائل الخاتمة التي عقدها البيان ما أخبر به مما حصل على إله من البلاء والقتل من قوله صلى الله عليه وآله «إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً وإن أشد اقوام لنا بغضاً بنو أمية وبنوا المغيرة وبنوا المخزوم» فهؤلاء الطالبون لثاراتهم عنه عليه السلام إتفقوا على منع علي عليه السلام عن الخلافة وهجموا على إستخلاف أبي بكر رغماً له عليه السلام ولهذا ذكر ايضاً في الفتوح وغيره إن في حرب صفين كان من قريش مع علي عليه السلام خمسة نفر وهم محمد بن ابي بكر ربيبه عليه السلام وجعد بن هبيرة المخزومي بن أخته عليه السلام وابو الربيع بن أبي العاص بن ربيعة الذين كان ابوه ابو العاص سلفه ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن أخت معاوية بن ابي سفيان وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان مع معاوية ثلاث عشر قبيلة من قريش مع اهلهم وعيالهم ولا يخفى على الفطن اللبيب إن إجماعهم وإجتماعهم على باطل معاوية في الأواخر دليل على جواز إجماعهم على باطل أبي بكر واخويه في الأوائل وتوضيح المقال والكشف عن سريرة الحال مارواه بعض السلف عن حذيفة رضي الله عنه إنه قال حدثني بريدة الأسلمي إنه لما قمنا من مكاننا في غدير خم نريد مضاربنا سمعت رجلاً يقول لصاحبه ما رأيت اليوم ما فعل بإبن عمه ؟ لو قدر أن يصيره نبياً بعده لفعل فقال له صاحبه اسكت لو فقدنا محمداً صلى الله عليه وآله لم نر

الصفحة 75
من هذا شيئاً ثم لما رحل النبي صلي الله عليه وآله عن غدير خم ورأى إن ابا بكر وعمر وأبا عبيدة يتناجون في إنكار تلك الخطبة في شأن علي عليه السلام أمر منادياً ينادي إلا لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون وارتحل عليه السلام فلما نزل منزلاً آخر أتي سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة فوجدهم يسار بعضهم بعضاً فوقف عليهم وقال اليس رسول الله صلى اله عليه وآله نهى ان يجتمع ثلاثة نفر على سر؟ والله لئن لم تخبروني بما أنتم عليه لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله ولأعرفنه ذلك منكم فقال ابو بكر ياسالم عليك عهد الله وميثاقه إن نحن أخبرناك بما نحن فيه فإن أحببت أن تدخل معنا دخلت وإن أبيت كتمت علينا فقال سالم ذلك لكم عليّ فاعطاهم عهد الله وميثاقه إنه إن لم يدخل معهم يكتمه عليهم قالو إجتمعنا على أن نتعاقد اليوم أن نمنع محمداً مما إفترضه علينا من ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام فقال لهم سالم انا والله به اولى من يخالفكم على ذلك الأمر والله ماطلعت شمس على أهل بيت أبغض اليّ من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض اليّ من علي عليه السلام فاصنعوا ما بدا لكم فإني واحد منكم فتعاقدوا في وقتهم ذلك ثم تفرقوا قال حذيفة ثم إنهم أتو رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم ماكنتم يومكم هذا تتناجون فيه ؟ قالوا يارسول الله ماإلتقينا غير وقتنا هذا فنظر اليهم مغضباً ثم قال وما الله بغافل عما تعملون ثم امر رسول الله صلى الله عليه وآله بالرحيل حتى دخل المدينة واجتمع القوم بها وكتبوا صحيفة على حسب ماتعاقدوا عليه من التنكب عما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في إستخلاف علي عليه السلام وإن الأمر لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بعده لعمر بن الخطاب ثم بعده للحي من أحد الرجلين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وأشهدوا على ذلك أربعة وثلاثين رجلاً أربعة عشر رجلاً أصحاب العقبة وعشرين

الصفحة 76
رجلاً غيرهم وهم سعيد بن العاص الأموي واسامة بن زيد والوليد بن أبي ربيعة وسعيد بن زيد بن نفيل وأبو سفيان بن حرب وسفيان بن أمية وأبوحذيفة بن عتبة ومعاذ بن جبل وبشير بن أبي سعيد الأنصاري وسعد بن عمر وحكيم بن حزان الأسدي وصهيب بن سنان الرومي والعباس بن مرداس السلمي وأبو مطيع بن أسد العبدي وقعد إبن عمرو وسالم مولى أبي حذيفة وسعيد بن مالك وخالد بن عرفطة ومروان بن الحكم والأشعث بن قيس قال حذيفة حدثتني أسماء بنت عميس زوجة ابي بكر إن القوم إجتمعوا في دار أبي بكر فتآمروا في ذلك وأسماء تسمع جميع كلامهم فأمروا سعيد بن العاص أن يكتب على آفاق منهم بسم الله الرحمن الرحيم من المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه إتفقوا جميعاً بعد إن إجتهدوا في آرائهم وكتبوا هذه الصحيفة نصراً منهم للإسلام وليقتدي بهم من جاء بعدهم أما بعد فإن الله بمنه وكرمه بعث محمداً رسولاً الى الناس كافة بدينه الذي إرتضاه لعباده فأدى ما أمر به حتى إذا أكمل الدين وبين الفرائض والسنن والحلال والحرام فقبضه اليه مكرماً من غير أن يستخلف من بعده أحداً فجعل الإختيار الى المسلمين ليختاروا لأنفسهم من وثقوا برأيه ودينه وإن للمسلمين في رسول الله إسوة حسنة في ترك الإستخلاف فإنه عليه السلام لم يستخلف على الناس اصلاً لئلا يجري ذلك في أهل ملة واحدة فيكون إرثاً لهم دون سائر المسلمين ولئلا تكون دولة بين الأغنياء منهم ولئلا يقول الذي يستخلفه إن هذا الأمر باق في عقبه من ولد الى ولد الى يوم القيامة والذي يجب على المسلمين عند مضي كل خليفة أن يجمعوا أهل الصلاح وذوي الرأي منهم

الصفحة 77
ليشاوروا في أمورهم فمن رأوه مستحقاً للخلافة بدينه وفضله ولوه أمورهم وجعلوه القيم عليهم لأنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم لخلافة فإن إدعى أحد إن رسول الله صلى الله عليه وآله إستخلف رجلاً بعينه بحيث نصبه للناس بإسمه ونسبه كان كاذباً في دعواه وأتى بخلاف مايعرفه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وخالف إجماع المسلمين وإن إدعى مدع إن خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة لأهل بيته فقد أبطل وأحال وخالف قول رسول الله صلى الله عليه وآله «نحن معاشر الأنبياء لانورث فما تركناه صدقة» وإن إدعى مدع إن الخلافة لاتصلح إلا لرجل واحد لجميع الناس وإنها مقصورة فيه وإن قال قائل إن الخلافة تتلو النبوة فقد كذب لأنه صلى الله عليه وآله قال اصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم وإن إدعى مدع إنه يستحق بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله فليس ذلك له لأن الله تعالى قال إن اكرمكم عند الله اتقاكم فمن رضي بما إجتمع عليه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقد هدى وعمل بالصواب ومن كره ذلك وخالف أمرهم فقد عاند جماعة من المسلمين فليقاتلوه فإن في ذلك صلاح الأمة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال الإجتماع لأمتي رحمة والفرقة عذاب ولا تجتمع أمتي على ضلال أبداً وإن المسلمين يد واحدة على من سواهم وإنه لايخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق معاند مضاهر عليهم فقد اباح الله ورسوله دمه وأحل قتله وكتب سعيد بن العاص باتفاق من أثبت إسمه وشهادته آخر هذه الصحيفة في محرم سنه عشر من الهجرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وسلم ثم دفعت الصحيفة الى ابي عبيدة بن الجراح فوجه بها الى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة الى أن ولي عمر بن الخطاب

الصفحة 78
فأخرجها وهي التي تمناها أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه وقال ما أحب أن القى الله تعالى إلا بصحيفة هذه المسجى قال حذيفة فلما فرغوا من ذلك أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد فجلسوا معه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وآله الى أبي عبيدة وقال بخ بخ لك يا أبا عبيدة من مثلك وقد أصبحت أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم ثم قرأ (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) ولقد أصبح نفر من أصحابي ماهم في فعلهم دون مشركي قريش لما كتبوا صحيفتهم وعلقوها في الكعبة ولا إن الله أمرني بالإعراض عنهم لأمر هو بالغه لقدمتهم وضربت أعناقهم قال حذيفة فوالله لقد رأيت هؤلاء النفر قد إستقبلتهم الرعدة فلم يملك أحد منهم نفسه ولم يخف على كل من حضر مع رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار إن رسول الله صلى الله عليه وآله يؤمهم انتهى.

ومما ينبغي أن ينبه عليه إن أبا عبيدة هو الذي جادل وخاصم مع علي عليه السلام في أمر الخلافة عند إحضارهم له عندهم بعد بيعة السقيفة ليأخذوا منه البيعة أيضاً كما هو المذكور المشهور في التواريخ المعتبرة من كتب أهل السنة والجماعة ولهذا قال شاعر أهل البيت عليهم السلام مشيراً الى الخائن أبي عبيده الذي سماه القوم أميناً.

غلط الأمين غجازها عن حيدر * والله ما كان الأمين أمينا
وقد ذهب ذلك علىالسيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف فزعم إن هذا البيت من شعر الغلاة وإن المراد من الأمين جبرئيل عليه السلام وإن ضمير جازها راجع الى النبوة فإنهم والذي يزيد أيضاً حالما بيناه وتثبيتاً لما نقلناه إنه قد ترشح عن بعضهم