اقول:
أولاً لايخفى مافي الحديث الأول من ركاكة بعض فصوله؛ وعدم الإرتباط بينها، الدالين على كونه موضوعاً غير صادر عن الفصيح فضلاً عن أفصح العرب عليه السلام ومما يلحق بذلك مافيه من تعجب القوم عن بكاء أبي بكر، إذ لاعجب في بكاء المؤمنين السامع لوجود عبد خيره الله تعالى بين الدنيا والآخرة فيبكي لعدم ظن نفسه من ذلك القبيل الا أن يكون تعجبهم لإستبعادهم إيمانه ولين قلبه عند ذكر الله تعالى، وذكر الصالحين المختارين.
وثانياً إنه معارض بما في مسند أحمد بن حنبل من عدة طرق «إن النبي صلى الله عليه وآله أمر بسد الأبواب إلا باب علي بن أبي طالب عليه السلام، فتكلم الناس فخطب رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي عليه السلام (1) فقال فيه قائلكم والله،ماغلقت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته» انتهى، وقد نقل هذا الشيخ الجاهل هذه الرواية فيما سيذكره من فضائل علي عليه السلام عن أحمد، وأيضاً عن زيد بن ارقم، ثم ذكر في دفع المعارضة ما لايجري عليه القلم، واما حديث خوخة أبي بكر فلا يصلح لأن يكون موازياً بالدلالة
____________
(1) ما أحسن قول من قال بالفارسية مشيراً الى هذه المنقبة الجليلة: كشايش از درديگر مجو بغير على كه باب غير على را بگل بر آورد ند
وثالثاً فلأن ماتضمنه الحديث الحادي الأول من قوله: كنت متخذاً خليلاً الى آخره مع إنه ليس بمتفق عليه بدلالة كلمة لو علي إنه لم يقع فكيف يقابل بما روي إتفاقاً من إتخاذه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام أخاً والأخوة أفضل من الخلة مع إن في رواية إبن مردويه الحافظ إنه قال صلى الله عليه وآله في شأن علي عليه السلام في حرف التحقيق وصيغة الحزم» إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من اتركه بعدي، يقضي ديني وينجز موعدي، علي بن ابي طالب عليه السلام، فلا يعارض ما روي في شأن ابي بكر ماروي في شأن علي عليه السلام» وأين المخيل من المحقق المجزوم به.
ورابعاً فلأن قوله «الخليفة يحتاج الى القرب من المسجد» غير مسلم وقوله «لشدة إحتياج الناس الى ملازمتة للصلاة بهم» إنما يدل على إحتياج الناس الى القرب دونه والحاصل إن شدة إحتياج الناس الى صلاة أبي بكر بهم في المسجد لايقتضي قربه الى المسجد كما لايقتضي قرب الناس الى المسجد وإنما يقتضي مسافة وزماناً يمكن له ولهم الوصول
38 ـ قال: الخامس، أخرج الحاكم وصححه عن أنس قال: بعثني بنو المصطلق الى رسول الله صلى الله عليه وآله أن أسأله الى من ندفع صدقاتنا بعدك فأتيته فسألته فقال الى أبي بكر» ومن لازم دفع الصدقة اليه كونه خليفة إذ هو المتولي قبض الصدقات انتهى.
اقول: لو صح الحديث مع كون أول رواية انس الذي مر مافيه من القوادح فإنما يدل على مقصود أولياء أبي بكر إن لو كان المراد بدفع الصدقة اليه بعد النبي صلى الله عليه وآله الدفع على وجه التولية ومن الجائز أن يكون المراد الدفع اليه على وجه كونه مصرفاً فان أبا بكر بعد بذل أمواله في سبيل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما زعمه أهل السنة صار فقيراً صعلوكاً لم يبق له شيء حتى روى هذا الشيخ الجامد في اواخر ماسيذكر من الفصل الرابع فيما ورد من كلام العرب والصحابة وغيرهم في فضل أبي بكر إنه كا يعمل في السوق ولما بويع أصبح وعلى ساعده أبراد وهو ذاهب الى السوق فقال له عمر، أين تريد؟ قال السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال فمن أين أطعم عيالي؟ قال إنطلق يقرض لك ابو عبيدة الى آخره وأخرج البخاري «إن بنته أسماء كانت تنقل النوى من ارض الزبير الذي اقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله على رأسها» وهي من منى على ثلثي فرسخ وغاية الأمر أن يستبعد ذلك لظن إن صدقات ذلك القوم ربما كان شيئاً كثيراً زيد على إستحقاق أبي بكر وأهله وليس بشيء لأن أبا بكر وفقراء أهله أيضاً كانوا معاً كثيراً وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله إن خير الصدقة ما ابقت غني
إن قيل إن دفع الصدقة الى المصرف بغير إذن
قلت: هذا لم يعلم من دين النبي صلى الله عليه وآله على أصل الخضم إذ ليس هناك إمام منصوب منصوص من الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وآله فمن أين علم وجوب الدفع اليه وعدم جوازه الى غيره ولهذا دفعوا بنوا حنيف صدقات قومهم الى فقرائهم كما مر.
39 ـ قال: السادس أخرج مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إدعي لي اباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولي ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر انتهى.
اقول: فيه بحث
أما أولاً فلظهور تهمة عائشة في مثل هذه الرواية من حيث جرها بذلك نفعاً وشرفاً لها ولأبيها، ومن حيث ظهور عداوتها لعلي عليها السلام، كما يدل عليه تصفح أخبارهم وتتبع آثارهم، منها ماأخرجه البخاري في صحيحه من قول عائشة «إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في مرضه ويده اليمنى على كتف رجل واليسرى على كتف إبن عباس» وقال إبن عباس «اتعرف من الرجل الذي لم تسمه ؟ قال: لا، قال: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأخرج أيضاً في قضية الأفك قول عائشة «أما أسامة فقال بما يعلم من نفسه ومن براءة اهله: إلزم أهلك، واما علي (عليه السلام) فقال: النساء كثيرة ولن يضيق الله عليك وسل الجارية تصدقك الحديث» وكذا اخرج قول العثماني لآخر» أبلغك إن علياً كان فيمن رمى به عائشة بالإفك» وقال إبن قتيبة في كتاب السياسة والإمامة «لما قال طلحة لعائشة قد بويع علي (ع) فقال: مالعلي يتولى على رقابنا؟ لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان ورجعت» قال: ولما أتي عائشة خبر أهل الشام إنهم ردوا بيعة علي عليه السلام، وأبوا أن يبايعوه أمرت فعمل لها هودج من حديد وجعل فيها موضع لعينها ثم خرجت ومعها طلحة والزبير و
وكيف ينكر عناد عائشة مع علي عليه السلام وقد أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وحذرها عن ذلك كما سيذكره هذا الشيخ الكذوب الناسي في الباب الثامن في خلافة علي عليه السلام في ذيل ماقدمه هناك من قصة قتل عثمان حيث قال «وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة الجمل، وصفين، وقتال عائشة وطلحة والزبير علياً كما أخرجه الحاكم وصححه البيهقي عن ام سلمه قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال: إنظري حميراء ان لاتكوني أنت. واخرج البزار وأبو نعيم عن أبن عباس مرفوعاً أيتكن صاحبة الجمل الأحمر ؟ تخرج حتى ينبحها كلاب الحوأب، يقتل حولها قتلى كثيرة ثم تنجوا بعدما كادت» (انتهى) وروي إنما لما وصلت الى الحوأب ونبحها كلابه تذكرت كلام النبي صلى الله عليه وآله فحاضت حيضة للرجوع ثم منعها عنادها وبغضها لعلي عليه السلام فعادوا لما نهوا عنه.
وأما ثانياً فلأن الحديث بعد فرض صحته التي تلحق بفرض المحال لو كان مفاده مافهموه لكان نصاً على خلافة أبي بكر؛ مع إنه لم يتمسك به عند منازعته مع الأنصار ولا بعده و«لاعطر بعد عروس (1)» فدل على إنه من موضوعات عائشة أو مفتريات غيرها من أولياءه وسيورد علينا هذا الشيخ الجامد المتحجر مثل هذا البحث فيما سيأتي حيث يقول «واحتمال إن ثمة نصاً غير مازعموه يعلمه علي أو أحد من المهاجرين والأنصار باطل وإلا لأوردة العالم به يوم السقيفة حين تكلموا بالخلافة أو مابعده لوجوب إيراده حينئذ» (إنتهى).
وأما ثالثاً فإن هذا الجامد سينكر في حديث الغدير كون الأولى بمعنى الولي والإمام مع إن مبنى إستدلاله ها هنا عليه كما لايخفى.
____________
(1) مثل معروف: يضرب لمن ولايؤخر عنه نفيس، أو في ذم إذخار الشيء وقت الحاجة«أقرب الموارد»
40 ـ قال: السابع، أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال: مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس. قال العلماء: في هذا الحديث أوضح دلالة على إن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق، وأحقهم بالخلافة وأولاهم بالإمامة، وقد إستدل الصحابة أنفسهم بهذا على إنه أحق بالخلافة، منهم عمر ومر كلامه في فصل المبايعة ومنهم علي (عليه السلام) فقد أخرج إبن عساكر عنه «لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس وإني لشاهد وما أنا بغائب وما بي مرض فرضيناه لدنيانا، مارضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا ووجه ماتقرر من إن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة إن القصد الذاتي من نصب الإمام العالم إقامة شعائر الدين على الوجه المأمور به من إداء الواجبات وترك المحرمات، وإحياء السنن، وإماتة البدع، وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كإستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها لمستحقيها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصوداً بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم إذ لايتم تفرغهم له إلا إذا إنتظمت أمور معاشهم بنحو الأمن على الأنفس والأموال ووصول كل ذي حق الى حقه فلذلك رضي النبي صلى الله عليه وسلم لأمر الدين وهو الإمامة العظمى أبا بكر بتقديمه للإمامة في الصلاة كما ذكرنا ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر.
اقول: هذا الحديث المروي عن أبي موسى الأشعري مقيم الفتنة،ومضل ـ
وتمسكهم بإستدلال عمر على ذلك مع ظهور فساده إنما هو من قبيل إستشهاد إبن آوى بذنبه
وأما ماذكره من «إن الأمر بتقديمه للصلاة كما ذكر فيه الإشارة أو التصريح بأحقيته بالخلافة» فهو مخالف إتفاق متقدميهم على فقدان النص في شأن الكل
وأما ماذكره من «إن القصد الذاتي من نصب الإمام إقامة شعائر الدين» فمردود بأنه
إن اراد به إن المقصود الذاتي في نصب الإمام ذلك، والأمور الدنيوية تبع له فهب أن يكون كذلك لكن لايفيد ذلك مطلوبه وإنما يفيده لو لم يكن مقصوداً بالذات في الدين وهذا غير لازم من ذلك وكيف لاتكون الأمور الدنيوية كإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحماية بيضة الإسلام ونحوها من الأمور المتعلقة بحفظ النظام وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر وإصلاح المعاش والمعاد مقصوداً أصليا في الدين ؟
وإن اراد به إن المقصود الأصلي في الدين من نصب الإمام ذلك وما عداه مقصود بالتبع فغير مسلم بل الكل مقصود بالذات من الدين كما اوضحناه وتقريره المذكور لايفي بإثبات خلافه كما ليخفي.
41 ـ قال: واخرج أحمد عن سفينه وأخرجه ايضاً عن اصحاب السنن وصححه إبن حبان وغيره قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعد ذلك الملك.
وأما ماذكره بعيد ذلك في دفع المعارضة هذا الشيخ المبهوت، فهو أوهن من نسج العنكبوت.
النصوص النبوية الواردة في شأن الخلافة
قال:
الفصل الرابع في بيان إن النبي صلى الله عليه وآله هل نص على خلافة أبي بكر؟
اعلم إنهم إختلفوا في ذلك، ومن تأمل الأحاديث التي قدمناها علم من إن اكثرها إنه نص عليها نصاً ظاهراً وعلى ذلك جماعة من المحدثين وهو الحق؛ وقال جمهور أهل السنة رضوان الله عليهم والمعتزلة والخوارج: لم ينص على أحد.
اقول: قد إمتثلنا وتأملنا الأحاديث الحادثة التي قدمها ومررنا عليها بأنها بعد تسليم صحتها لا دلالة لها على مقصوده وبالجملة إن الأحاديث التي زعم دلالتها على التنصيص في شأن أبي بكر إنما هي من مفتريات شرذمة قليلة من حشوية أهل النص في أبي بكر وهذا لاينافي إنكار جمهور أهل السنة والمعتزلة بوجود النص فيه في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع قطع النظر عن جرأتهم على تخطئة جمهور أهل السنة في إنكار وجود النص بل على خرق إجماعهم على الإنكار كما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم «نقول لو كان هناك نص لكان أبو بكر أعلم به، ولقال أطيعوني مستدلاً به، ولما قال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، ولما توقف علي عليه السلام في البيعة الى ستة اشهر، ولما قال أبو بكر: وددت إني سئلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ثم لايخفى إن دلالة ماذكره آخراً من الأحاديث التي لم نذكرها تحرزاً عن تضييع الوقت على عدم التنصيص ظاهرة وما إرتكبه بدفع التعارض عن التأويلات الباردة، والتوجيهات الكاسدة، مما لايروج على ذلك بصيرة نافذة.
42 ـ قال: فلزم من ذلك بطلان مانقله الشيعة وغيرهم من الأكاذيب وسودوا به أوراقهم من نحو خبر «أنت الخليفة بعدي» وخبر «سلموا على علي بإمرة المؤمنين» وغير ذلك مما يأتي إذ لاوجود لما نقلوه فضلاً عن إشتهاره كيف وما نقلوه لم يبلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها إذ لم يصل علمه لأئمة الحديث المسابرين على التنقيب عنه كما إتصل كثير مما ضعفوه وكيف يجوز في العادة أن ينفرد هؤلاء بعلم صحة تلك الأحاديث ؟ الى آخر ماذكر.
أقول: الشيعة يدعون التواتر المعنوي في بعض ماحكم هذا الشيخ الجاهل بعدم وجوده وساعدهم فيها جمع كثير من نقاد محدثي أهل السنة كالحاكم، وإبن جرير الطبري، وإبن الأثير الجزري، وكفى به حجة
وأيضاً من شرائط حصول العلم التواتري لسامع الخبر أن لايكون السابق ممن سبق الى إعتقاد نفي مخبره بشبهة أو تقليد وألف بالباطل وأكثر أهل السنة أشد تورطاً من الكفرة في تقليد الآباء واقتداء آثارهم فكيف
وبالجملة قد وصل علم الطبقة الأولى بل الثانية من أهل السنة أيضاً الى ذلك بطريق التواتر لكنهم أخفوها واطبقوا على سد باب نقلها الى من بعدهم فانتفى تواترها في طبقات متأخريهم من مدوني الحديث فلا يوجب ذلك عدم تواترها مطلقاً ولو بين علماء الشيعة تدبر.
ويؤيد إنهم لم يزالوا يخفون الأحاديث الدالة على فضائل أمير المؤمنين ماشهد به فخر الدين الرازي في تفسير الفاتحة من سعي بني أمية في محو آثار أهل البيت عليهم السلام وماأخرجه الجزري في جامع الأصول في الفصل الثالث في التلبية بعرفة ومزدلة عن سعيد بن جبير قال: كنت مع إبن عباس بعرفات فقال: مالي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت يخافون من معاوية فخرج إبن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة على بغض علي عليه السلام وذوي القربى. وما رواه هذا الجامد في ذيل الفصل الآتي المتضمن للأحاديث الواردة في بغض أهل البيت كفاطمة وولديها حيث قال عند ذكر الآثار المترتبة على قتل الحسين عليه السلام: وحكى عن الزهري إنه قدم الشام يريد الغزو، فدخل على عبدالملك بن مروان فأخبره إنه يوم قتل علي عليه السلام لم يرفع حجر من بيت المقدس إلا وتحته دم؛ ثم قال له: لم يبق من يعرف هذا غيري وغيرك فلا يخبر به، قال فما أخبرت به إلا بعده انتهى.
وأما ماذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة مع إقراره بصحة خلافة أبي بكر وعمر بقوله: وما أقول في رجل أقر له أعدائه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان
ولايخفى إن مراده بقوله «ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله» إنه لم يمكن ذلك لجميع الأعداء كما يدل عليه قوله آخراً «إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة» وقال صاحب الفتوح في فتح من أول كتابه «إن ها هنا أخباراً أخر لم نذكرها لئلا يجعلها الشيعة متمسكاً لهم» وكم مثل هذه في بطون كتبهم … ! فتأمل وانصف.
43 ـ قال: نعم روى آحاداً خبر «أ نت مني بمنزلة هارون من موسى» وخبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» وسيأتي الجواب عنهما واضحاً مبسوطاً، وإنه لادلالة لواحد منهما على خلافة علي لا نصاً ولا إشارة وإلا لزم نسبة جميع الصحابة الى الخطأ وهو باطل لعصمتهم من أن يجتمعوا على ضلالة فإجماعهم على خلاف مازعمه أولئك المبتدعة الجهال قاطع بأن ما توهموه من هذين الحديثين غير مراد إن لو فرض إحتمالهما لم قالوه فكيف وهما لايحتملانه كما يأتي فظهر إن ما سودوا به اوراقهم من تلك الأحاديث لا يدل لما زعموه
واحتمال إن ثم نصاً غير مازعموه يعلم علي عليه السلام أو واحد من المهاجرين أو الأنصار باطل ايضاً وإلا لأورده العالم به يوم السقيفة حين تكلموا بالخلافة أو فيما بعده لوجوب إيراده حينئذ وقولهم «ترك علي عليه السلام {يراده مع علمه به للتقية باطل» إذ لاخوف يتوهمه من له أدنى مسكة وإحاطة بعلم أحوالهم في مجرد ذكره
وأيضاً فيمتنع عادة من مثلهم إنه يذكره لهم ولا يرجعون اليه كيف وهم أطوع لله وأعمل بالوقوف عند حدوده وأبعد عن إتباع حظوظ النفس لعصمتهم السابقة وللخبر الصحيح «خير القرون قرني ثم الذين يلونه» وأيضاً ففيهم العشرة المبشرون في الجنة ومنهم أبو عبيدة أمين هذه الأمة كما صح من طرق فلا يتوهم فيهم وهم بهذه الأوصاف الجليلة إنهم يتركون العمل بما يرويه لهم من يقبل روايته بلا دليل أرجح يعولون عليه انتهى.
اقول: شهرة الحديث الأول وبلوغه حد التواتر، لاينكره غير المعاند المكابر،
وأما الحديث الثاني فقد أثبت محمد بن جرير الطبري وإبن الأثير الجزري في رسالته الموسومة بأسنى المطالب تواتره من طرق كثيرة
وأما ما إستدل به ها هنا على عدم دلالة الحديثين على خلافة علي عليه السلام بقوله «وإلا لزم نسبة جميع الصحابة الى الخطأ «الى آخره» فالخطأ فيه ظاهر كيف ودلالة الحديثين ليست مما ينبغي بإستلزامهما لبعض المحذورات نعم ربما يستدل (1) المعنى المفاد من اللفظ الدال على الملزوم غير مراد وأين (2) لزوم ماذكره من نسبة جميع الصحابة الى الخطأ إذ قد سبق (3) أبي بكر بإعتراف المحققين من أهل السنة فاللازم إنما هو نسبة جماعة من الصحابة لأجل غصب الخلافة من أهل البيت عليهم السلام الى الخطأ وبطلانه
____________
(1) و(2) و(3) هذه الموارد كذا في النسختين اللتين عندي.
وأما قوله «إحتمال إن ثمة نصاً غير ما زعموه؛ الى آخره» ففيه إن (1) لامحتمل كما يدل عليه مسند بن حنبل ومناقب الخوارزمي ومناقب إبن المغازلي وغير ذلك وأما إستدلاله على بطلان هذا الإحتمال بقوله «وإلا لاورده العالم به يوم السقيفة الى آخره» فباطل لأن علياً عليه السلام وسائر بني هاشم ومواليهم وتابيعهم من المهاجرين إستدلوا به فيها وأما الأنصار فقد مر أن أبا بكر وأبا عبيدة وسالماً مولى حذيفة أوقعوا في قلوب الأنصار وغيرهم ممن سمع النص في شأن علي عليه السلام وشبهوا الأمر على الناس وعلى الأنصار فيه إنه عليه السلام ترك الخلافة وقعد في قعر بيته حزناً على النبي صلى الله عليه وآله فلهذا لم يورده أحد من الطائفتين
وأما من عداهما من قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني المغيرة فاعانوهم على خذلان علي عليه السلام بأخذ حقه منه إنتقاماً لثارات الجاهلية كما مر
وأما إستبعاده ترك علي عليه السلام لإيراد النص تقية فقد مر مافية أيضاً من البيعة لأبي بكر في السقيفة وطلبوا عنه عليه السلام البيعة قد إحتج عليهم بالنص ولم يلتفتوا وجواز التقية كانت موجودة هناك
ولا بأس أن نوضح ذلك هاهنا
ونقول: لايخفى على من تتبع كتب الجمهور في الأحاديث والسير عدم تساوي متابعيه وأنصاره عليه السلام في ايام خلافته ومحاربته الناكثين والقاسطين والمارقين وفقدانه لذلك في أيام خلافة الثلاثة وإختياره للسكوت عن طلب حقه حينئذ والمنازعة والمقاتلة معهم فقد نقل عن أمير المؤمنين إن ذات من أيام واقعة صفين ركب مع عسكر كثير ولما نظر الى كثرتهم قال لأصحابه: كنت أنتظر هذه الكثرة ولها لزمت الصبر. وقد روي
____________
(1) هنا بياض بمقدار ثلاث كلمات في النسختين اللتين عندي.
ويؤيد ذلك ماذكره هذا الشيخ الجاهل في مواضع متعددة من كتابه هذا مما يشعر بعداوة الناس وحسدهم لعلي عليه السلام وإظهارهم لذلك في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعد وفاته منها ماذكره في أثناء الباب التالي لهذا الباب من «إن بني تيم وبني عدي كانوا أعداء بني هاشم في الجاهليه» ومنها ما ذكره في آخر الفصل الثالث في ثناء الصحابة «إن ما نفر الناس عن علي إلا إنه لا يبالي بأحد» وفي موضع آخر عن السلفي في الطيوريات من «إن علياً عليه السلام كان كثير الأعداء» ومنه ماذكره في الفضل الأول من الباب العاشر في فضائل اهل البيت عليهم السلام عند ذكره الآية السادسة وهو قوله تعالى(أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) حيث روي عن الباقر عليه السلام إنه قال في هذه الآية «نحن والناس والله» ومنها ماذكره في دلائل الآية العاشرة وهو «إن علياً عليه السلام شكى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حسد الناس إياه ومنها ماذكره في هذا الباب ايضاً في (1) المقصد الثاني من مقاصد الآية الرابعة عشر وهو قوله (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) حيث قال: وصح إن العباس شكى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مايلقون من قريش ومن تعبيسهم في وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى إحمر وجهه ودر عرق بين عينيه وقال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله. وفي رواية صحيحة ايضاً قال: ما بال
____________
(1) هنا بياض بمقدار نصف سطر في إحدى النسختين اللتين عندي
____________
(1) و(2) و(3) و(4) و(5) و(6) و(7) في كل واحد من هذه المواضع بياض في كلتا النسختين اللتين عندي.
وأما ماذكره من «إنه يمتنع عادة أن يذكر النص لهم ولا يرجعون اليه؛ «الى آخره» ففيه إن العادة في ذلك غير منضبطة لظهور إن الشيطان وحب الدنيا قد تدعو الى العادة السيئة
وأما ما أردف به العادة من حس الظن بهم فقد عرفت مافيه من السوء ثم في إستعماله العصمة ها هنا في أن الثلاثة مريداً به الحفظ عن الكبائر كما مر إصطلاحهم عليه سابقاً مع تبادر العصمة الحقيقية منه الى الإفهام تلبيساً وتدليساً للعوام إلا من عصمه الله فتدبر.
وأما إستدلاله بخبر «خير القرون قرني» فقد مر عدم دلالته على خيرية الصحابة المبحوث فيهم وإنه لايلزم من خيرية أهل قرن وعصرخيرية كل أحد من آحاد أهله وإلا لزم خيرية وليد بن عقبة الذي نزلت الآية على فسقه عندما بعثه النبي صلى الله عليه وآله الى أخذ صدقات بني المصطلق (1) الصحابة ومن سرق منهم الى غير ذلك كما (2) الثلاثة من هذا القبيل لولا مجرد حسن ظن (3) إن العشرْة المبشرين كانوا في (4) العشرة وهو سعيد بن نفيل وهو في ذلك (5) جمله من تضمنه الخبر شبهة وطريق الى التهمة على إنا نعلم (6) أن يعلم مكلفاً يجور أن يقع منه القبيح والحسن وليس بمعصوم من الذنوب (7) الجنة لأن ذلك تغرية بالقبيح
ومما يبين بطلان هذا الخبر (8) ولأحتج به له في مواطن وقع فيها الى الإحتجاج (9) أيضاً لما حوصر وطولب بخلع نفسه وهموا بقتله وقد رأيناه
____________
(1) و(2) و(3) و(4) و(5) و(6) و(7) و(8) و(9) هذه الموارد في النسختين اللتين عندي كانت كذا.
وأما توصيفه ابا عبيدة بكونه أمين الأمة فجوابه إنه: ماوصفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما وصفه بذلك ابو بكر وعمر لإعانته إياهما في غصب الخلافة عن أهل البيت عليهم السلام واتفاقه مع الأنصار وارتكابه لبيعة أبي بكر بعد عمر وعدوله عن علي عليه السلام(2) مع هذا الوصف عن النار، ولنعم ماقيل في بعض الأشعار:
بيان مواقف وصفات ابي بكر
44 ـ قال:
الفصل الخامس، في ذكر شبة الشيعة والرافضة ونحوهما وبيان بطلانها بأوضح الأدلة واظهرها.
الأولى ـ زعموا إنه صلىالله عليه وسلم لم يول أبا بكر عمداً يقيم فيه قوانين الشرع والسياسة فدل ذلك على إنه لا يحسنهما وإذا لم يحسنهما لم تصح إمامته لأن من شرط الإمام أن يكون شجاعاً والجواب عن ذلك بطلان مازعموه من إنه صلى الله عليه وسلم لم يوله عملاً ففي البخاري عن سلمة بن الأكوع «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، مرة علينا ابو بكر ومرة علينا اسامة وولاه صلى الله عليه وسلم الحج بالناس سنه تسع وما زعموه من إنه لا يحسن ذلك
____________
(1) و(2) كذا في النسختين اللتين عندي في الموضعين.