الصفحة 168

النصوص الواردة في خلافة علي (عليه السلام)

58 - قال: الثامنة زعموا أن صلى الله عليه وسلم نص على الخلافة لعلي اجمالا قالوا: لأنا نعلم قطعاً وجود نص جلي وأن لم يبلغنا لأن عادته صلى الله عليه وسلم في حياته قاضية بإستخلاف علي على المدينة عند غيبته عنها حتى لا يتركهم فوضى أي متساوين لا رئيس لهم فإذا لم يخل بذلك في حياته فبعد وفاته أولى وجوابها مر مبسوطاً في الفصل الرابع بإدلته ومنه إنما ترك ذلك لعلمه بأن الصحابة يقومون به ويبادرون اليه لعصمته عن الخطأ اللازم لتركهم له ومن ثم لم ينص على كثير من الأحكام بل وكلها الى آراء مجتهدين على إنا نقول: إنتفاء النص الجلي معلوم قطعاً وإلا لم يمكن ستره عادة إذ هو مما تتوفر الدواعي على نقله.

وأيضاً لو وجد نص لعلي لمنع به غيره كما منع أبو بكر مع إنه أضعف من علي (رضي الله عنه) عندهم الأنصار بخبر«الأئمة من قريش» فأطاعوه مع كونه خبر واحد وتركوا الإمامة وإدعائها لأجله فكيف حينئذ يتصور وجود نص جلي يقيني لعلي وهو بين قوم لا يعصون خبر الواحد في أمر الإمامة وهم من الصلابة في الدين بالمحل الأعلى

الصفحة 169
بشهادة بذلهم الأنفس والأموال، ومهاجرتهم الأهل والوطن، وقتلهم الأولاد والآباء في نصرة الدين، ثم لا يحتج علي عليهم بذلك النص الجلي بل ولا قال أحد منهم عند طول النزاع في أمر الإمامة ما لكم تتنازعون فيها والنص الجلي قد عين فلاناً لها ؟

فإن زعم زاعم إن علياً قال لهم ذلك فلم يطيعوه كان جاهلاً ضالاً مفترياً منكراً للضروريات فلا يلتفت اليه

وأما الخبر الآتي من فضائل علي رضي الله عنه إنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم ألا قام ولايقوم رجل يقول نبئت أو بلغني ألا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه فقام سبعة عشر صحابياً وفي رواية ثلاثون فقال:هاتوا ماسمعتم فذكروا الحديث الآتي ومن جملته «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال صدقتم أنا على ذلك من الشاهدين فإنما قال ذلك علي بعد أن آلت اليه الخلافة لقول أبي الطفيل راويه كما ثبت عند أحمد والبزار جمع علي الناس بالرحبة يعني بالعراق ثم قال لهم: أنشد الله من شهد يوم غدير خم الى آخره ما مر فأراد به حثهم على التمسك به والنصرة اليه حينئذ إنتهى.

أقول: لا يخفى أن الشيعة صرحوا بأن النبي صلى الله عليه وآله نص على خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام نصاً جلياً مفصلاً خالياً عن الإبهام والإجمال وإنما ذكروا هذا التقرير الإجمالي بطرق الفرض تدرجاً بذلك الى إثبات النص التفصيلي آخراً على الخصم فإن النص الإجمالي مما لا يبادر الخصم الى إنكاره من أول الأمر لإدعاء بعضهم النص الخفي على خلافة أبي بكر فقد تسامحوا في أول الأمر الى أن يتبين جلية الحال ويثبت وجود النص التفصيلي في المآل كما قال شاعرنا:

صد پايه پست كرده ام أهنك قول خويش * تابوكه اين سخن بمذاق تو در شود

وأمثال ذلك في كلام الحكماء كثيرة كما ذكره العلامة الدواني في حواشيه القديمة عن التجريد.

وأما ماذكره من سبق جوابه عن ذلك مبسوطاً فقد عرفت رده منا


الصفحة 170
مفصلاً مشروحاً.

وأما ماذكره في الجواب بقوله «ومنه إنه إنما ترك ذلك لعلمه بأن الصحابة يقومون به الى آخره» ففيه إن النبي صلى الله عليه وآله قد بين كثيراً من الأمور التي هي دون أمر الإمامة بمراتب بل لانسبة بينها وبينه مع علمه بأن اصحابه بل كل من يقوم بالمعروف يقوم به فظهر إنما ذكره لايصلح وجهاً للترك أصلاً وبالجملة لايداني شيء من الأحكام الفرعية عظم أمر الإمامة الي هي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وقد صرح القاضي البيضاوي في بحث الأخبار من منهاج الأصول لأنها من أعظم أصول الدين وهو عندنا كذلك فلا وجه لقياس تركه على ترك بعض الأحكام الفرعية.

وأما قوله «لو وجد نص لعلي لمنع به غيره» ففيه مامر مراراً من إنه عليه السلام منع به بعد فراغه عن دفن النبي صلى الله عليه وآله لكن لم ينفع بعد خراب البصرة بسبق بيعة قريش على أبي بكر وإتفاقهم في ذلك الغدر والمكر.

وأما ماذكره من منع أبي بكر الأنصار بخبر «الأئمة من قريش» فإنما أتفق لما أوقعوا في أوهامهم من إن الفرد الكامل المنصوص عليه بالخلافة من قريش قد تقاعد عنها وقعد في قعر بيته حزناً على النبي صلى الله عليه وآله أو لغيره من الأغراض.

وأما ماذكره من «إنه لم يقل أحد منهم عند طول النزاع في أمر الإمامة مالكم تنازعون فيها والنص الجلي قد عين فلاناً لها ؟» فمردود بأن قريشاً كتموا ذلك حسداً وعداوة لعلي عليه السلام وأما الأنصار فللتوهم المذكور؛ ثم إن أراد بطول النزاع طول النزاع يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله والبيعة على أبي بكر فيه فلتة فلا طول فيه وإن أراد طول النزاع المطوي في قلوب أهل البيت بعد تقرر البيعة على أبي بكر فقد مر إن علياً عليه السلام وجماعة من الصحابة نازعوا ذلك ولم ينجح لسوء إتفاق معاندي قريش على أبي بكر فقالوا «لا عطر بعد عروس» وبالجملة الحديث الآتي الذي ذكره هذا الغافل صريح في تحقيق النزاع فضلاً عن

الصفحة 171
غيره مما شاع وذاع فظهر فساد تفريعه على ماقرره من الجهالات والتمويهات بقوله: «فإن زعم زاعم» الى آخره.

وأما ماذكره في تأويل الخبر الآتي الصريح في دعوى علي عليه السلام نصبه للخلافة يوم الغدير من «إنه إنما قال ذلك بعد أن آلت اليه الخلافة فأراد به حثهم على التمسك به والنصرة له حينئذ» فمردود بأنه على تقدير كون ذلك النص موجوداً يثبت به خلافة علي عليه السلام ويقوم حجة على الخصم سواء إحتج به على أبي بكر عند غصبه للخلافة أو سكت عنه تقية الى أن آلت اليه الخلافة وإرادته عليه السلام من ذكر ذلك حديث على المجتمعين عليه في أيام خلافته حثهم على التمسك به والنصرة له لا يقدح في كونه نصاً على خلافته وهو ظاهر.

59 ـ قال: التاسعة زعموا وجود نص على الخلافة لعلي تفصيلاً وهو قوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) وهي تعم الخلافة وعلى من أولي الأرحام دون أبي بكر وجوابها منع عموم الآية بل هي مطلقة فلا تكون نصاً في الخلافة وفرق ظاهر بين المطلق والعام إذ زعموا الأول بدلي والثاني شمولي إنتهى.

قال: لو سلم عدم عموم أولي الأرحام بحسب الصيغة فهو عام بحسب المدلول بقرينة السياق والسباق ودلالة قوله «بعضهم» فكأنه تعالى قال: وجميع أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض لظهور ركاكة أن يقال بعض أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض وأيضاً قد إنعقد الإجتماع على عدم تخصيص الأولوية ببعض دون بعض وأيضاً لو لم يكن المراد به العموم لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ لم يتبين إن ذلك البعض الذي هو أولى بالبعض من ذوى الأرحام بدلاً أي بعض كان ؟ نعم لقائل أن يقول في باديء النظر إن العباس رضي الله عنه كان أقرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من علي عليه السلام ويجاب أولاً بأن الله سبحانه لم يذكر الأقرب الى النبي صلى الله عليه وآله دون أن علقه بوصف فقال: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا

الصفحة 172
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) فشرط الأولى بالنبي الإيمان والمهاجرة ولم يكن العباس من المهاجرين بالإتفاق.

وثانياً إن أمير المؤمنين عليه السلام كان أقرب الى رسول الله صلى الله عليه وآله وأولى بمقامه إن ثبت إن المقام موروث وذلك إن علياً عليه السلام كان إبن عم النبي صلى الله عليه وآله لأبيه وأمه والعباس عمه لأبيه خاصة ومن تقرب بسببين كان أقرب ممن تقرب بسبب واحد كما ذكر في فقه الفرائض ولهذا حكم أبو بكر في الدرع والسيف والبغلة وغيرها من ميراث النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام دون العباس كما نقله هذا الشيخ الجامد سابقاً فتدبر.

آية اولي الامر

60 ـ قال: العاشرة زعموا إن من النص التفصيلي المصرح بخلافة علي قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا؛ الآية) قالوا والولي أما الأحق والأولى بالتصرف كولي الصبي وأما المحب والناصر وليس له في اللغة معنى ثالث والناصر غير مراد لعموم النصرة لكل المؤمنين بنص قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فلم يصح الحصر بأنما في المؤمنين الموصوفين بما في الآية فتعين إنه في الآية المتصرف وهو الإمام وقد أجمع أهل التفسير على أن المراد بالذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون. إذ علي سبب نزولها إنه سئل وهو راكع فاعطى خاتمه وأجمعوا إن غيره كأبي بكر غير مراد فتعين إنه المراد في الآية فكانت نصاً في إمامته وجوابها منع جميع ماقالوه إذ هو حزر وتخمين من غير إقامة دليل يدل له بل الولي فيها بمعنى الناصر ويلزم على مازعموه إن علياً أولى بالتصرف حال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سبهة في بطلانه وزعمهم الإجماع على إرادة على دون أبي بكر كذب قبيح لأن أبا بكر داخل في جملة الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة الى آخره لتكرر صيغة

الصفحة 173
الجمع فيه فكيف يحمل على الواحد ونزولها في حق علي (عليه السلام) لا ينافي شمولها لغيره ممن يجوز إشتراكه معه في تلك الصيغة وكذلك زعمهم الإجماع على نزولها في علي(عليه السلام) باطل أيضاً لقد قال الحسن وناهيك به جلالة وإمامة إنها عامة في سائر المؤمنين ويوافقه إن الباقر عمن نزلت فيه هذه الآية أهو علي ؟ فقال علي من المؤمنين ولبعض المفسرين إن قوله تعالى (إن الذين آمنوا) إبن سلام وأصحابه ولبعض آخر منهم قوله إنه عبادة لما تبرأ من خلفائه من اليهود وقال عكرمة وناهيك به حفظاً لعلوم مولاه ترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما إنها نزلت في أبي بكر فبطل مازعموه وأيضاً فحمل الولي على مازعموه لا يناسب ماقبلها وهو «لاتتخذ اليهود؛ الى آخره» إذ الولي فيها بمعنى الناصر جزماً ولا مابعدها وهو «ومن يتولى الله ورسوله؛ الى آخره» إذ التولي هنا بمعنىالنصرة فوجب حمل مابينهما عليها أيضاً لتتلائم أجزاء الكلام.

أقول: جميع منوعه مكابرات مردودة والدلائل على ثبوت مقدما إستدلالنا بالآية الكريمة موجودة

أما الدليل على أن المراد بالولي الأولى بالتصرف دون المعاني الأخر فلأن حصر الولاية بالمؤمنين الموصوفين في الآية في إيتاء الزكاة حال الركوع يدل على عدم إرادة النصرة ونحوها والألزم بمقتضى الحصر أن يكون من شرط المؤمن مطلقاً إيتاء الزكاة حال الركوع وفساده ظاهر والحاصل إنه إن أريد بالولي الناصر وبالذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن إتصافهم بالنصرة فيستقيم الحصر حينئذ لكن لايستقيم الوصف بإيتاء الزكاة حال الركوع وإن أريد به الناصر وبالذين آمنوا علي عليه السلام يبطل الحصر وإن أريد به الأولى بتصرف وبهم علي عليه السلام يستقيم الحصر والوصف معا لأن كون إيتاء الزكاة حال الركوع

الصفحة 174
من شأن الإمام الإولى بالتصرف في أحكام المؤمنين غير مستبعد بل روي إنه قد وقعت هذه الكرامة عن باقي الأئمة المعصومين عليهم السلام وأيضا العطف دال على تشريك الله تعالى ورسوله ووليه في إختصاص النصرة بهم والإخفاء في إن نصرة الله ورسوله للمؤمنين مشتملة على التصرف فى أمورهم على ماينبغى فكذلك نصرة من أريد بالذين آمنوا غاية الأمر إن التصرف فى أمورهم مفهوم مشكك يختلف بالأوليه والأولوية والأشدية بل حقق إن جميع المعانى العشرة التي ذكروها للولي مرجعها الى الإولى بالتصرف كما سنبينه فيما سيورده من حديث الغدير فما نسبه الى الشيعة في تقرير كلامه من إنهم قالوا ليس له معنى ثالث مرية بلأمرية.

وأما ماأورده من «إنه يلزم على مازعموه إن علياً أولى بالتصرف في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم الى آخره» فمردود بأنا نلتزمه ولا نسلم بطلانه لأنه لامانع عن ثبوت الولاية له عليه السلام في الحال بل الظاهر إن المراد إثباتها على سبيل الدوام بدلالة إسمية الجملة وكون الولي صفة مشبهة وهما دالتان على الدوام والثبات ويؤيد ذلك إستخلاف النبي صلى اله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام على المدينة غزوة في تبوك وعدم عزله الى زمان الوفاة فيعم الأزمان والامور للإجماع على عدم الفصل ويؤيده أيضاً حديث المنزلة على ماسيجيء لدلالته على ولايته في زمان حياة النبي صلى الله عليه وآله ومماته كما سيجيء تحقيقه إنشاء الله تعالى

وأما الدليل على ثبوت الإجماع على إن المراد من ضمائر الجمع في الآية علي عليه السلام وإن الجمع للتعظيم كما وقع في كثير من الآيات والاخبار فهو نقل جماعة من علماء أهل السنة كالفاضل التفتازاني والفاضل القوشجي إتفاق المفسرين على ذلك ولإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

وأما إستبعاد الإجماع على إرادة علي عليه السلام دون أبي بكر مستنداً بأن أبا بكر داخل في «جملة الذين آمنوا؛ الى آخره» فلا يخفى مافيه لأن دخول أبي بكر أو غيره من المؤمنين بحسب عموم اللفظ لو سلم لا ينافي وقوع

الصفحة 175
الاجماع على ارادة علي عليه السلام فقط وأين الأرادة من الدلالة … ! وأما ماذكره من «أن نزولها في علي لاينافي شمولها لغيره ممن يجوز؛ الى آخره» ففيه إن من منع شمول الآية لغير علي عليه السلام لم يستند فيه بمجرد نزولها في شأن علي عليه السلام بل ضم مع ذلك كون الآوصاف المذكورة فيها قد إنحصر بالإتفاق في واحد هو علي عليه السلام دون غيره على إنه قد قرر العلامة الحلي قدس سره الإستدلال بالآية على وجه لا يتوجه اليه شيء من ذلك فقال: «إن لفظة إنما تفيد الحصر بالنقل عن أهل اللغة والولي يطلق على الناصر ونحوه والمتصرف ولا معنى للأول هاهنا لأن هذه الآية متخصصة ببعض الناس والنصرة عامة لقوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) إذا أثبت هذا فنقول: إن المراد بالذين آمنوا ها هنا بعض المؤمنين لأن الله تعالى وصفهم بإيتاء الزكاة حال ركوعهم وليس هذا الوصف ثابتاً لكل المؤمنين وأيضاً لو كان المراد كل المؤمنين لكان الولي والمولى عليه واحداً وذلك باطل وإذا ثبت إن المراد بعض المؤمنين كان ذلك البعض علياً عليه السلام لأن الأمة أجمعوا على أن المراد أما بعض المؤمنين فهو علي عليه السلام وأما جميع المؤمنين فيدخل علي عليه السلام فيهم وقد بينا أن المراد هو البعض فلو كان غير علي عليه السلام كان ذلك خارجاً للإجماع المركب ولإتفاق المفسرين على أن المراد بذلك هو علي عليه السلام» «إنتهى»

وأما إبطاله للإجماع على نزول الآية في علي عليه السلام بمخالفة قول الباقر عليه السلام وشذوذ من المفسرين لذلك فبطلانه ظاهر ومن عجيب تمحلاتهم إنهم لم يكتفوا بأن ينسبوا الكذب في ذلك الى عكرمة ومن شاكلوه حتى نسبوه الى مولانا الباقر عليه السلام لزعمهم أن الشيعة إذا سمعوا النسبة الى مولاهم الباقر عليه السلام يذهلون عن القدح فيمن رواه عنه من الجمهور فيصححونها ويجعلونها حجة على أنفسهم مر الدهور، على

الصفحة 176
إن إتفاق أكثر المفسرين من أهل السنة يكفى إحتجاجاً بسبب ماذكرناه سابقاً من إن مايصير حجة على واحد منهم فهو حجة على الآخرين لأن مايلبق أن يعتبر لذي الإنصاف هو ماإتفق عليه الفريقان فتذكر وتأمل.

وأما ماذكره من إن حمل الولي علي مازعموه لا يناسب ماقبلها الى آخره» فمدخول بأن الولاية بمعنى الإمامة والتصرف في الأمور أعم من الولاية بمعنى النصرة في الجملة فنفي الولاية بمعنى الإمامة مفيد لنفي الولاية المنفية عن اليهود والنصارى في الآية الأولى على أتم وجه لأن نفي العام نفي الخاص مع الزائد فهو أتم في النفي فتكون المناسبة حاصلة.

وأمام مابعد الآية فلا دلالة له على مقصوده إلا إذا حمل حزب الله على معنى أنصار الله كما تحمله بعضهم وهو كما ترى على أن كثيراً من آيات القرآن قد يأتي وأولها في شيء وآخرها في غيره ووسطها في معنى آخر وليس طريق الإتفاق في المعنى من محسنات الكلام ولو سلم فإنما يريد على خليفتكم عثمان الذي رتب القرآن على غير وجه فتدبر.

حديث الغدير والرد على شبهات المطروحة حوله

61 ـ قال: الحادية عشرة زعموا إن من النص التفصيلي المصرح بخلافة علي عليه السلام قوله يوم غدير خم وضع الجحفة مرجعه من حجة الوداع بعد أن جمع الصحابة وكرر عليهم «الست أولى بكم من أنفسكم» ثلاثاً وهم يجيبون بالتصديق والإعتراف ثم رفع يد علي عليه السلام وقال «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيثما دار» قالوا: فمعنى المولى الأولى أي فلعلي عليهم من الولاء ماله صلى الله عليه وسلم عليهم منه بدليل قوله «الست أولى بكم» لا الناصر وإلا ما إحتاج الى جمعهم كذلك مع الدعاء له لأن ذلك يعرفه كل أحد قالوا: ولا يكون هذا الدعاء إلا لإمام معصوم مفترض الطاعة قالوا فهذا نص صريح صحيح على خلافته. انتهى

وجواب هذه الشبهة التي هي أقوى شبههم يحتاج

الصفحة 177
الى مقدمة وهي بيان الحديث ومخرجيه وبيان إنه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعه كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً وفي رواية لأحمد إنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون صحابيا وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته كما مر وسيأتي وكثير من أسانيده صحاح وحسان ولا إلتفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده بأن علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي ص وقول بعضهم «إن زيادة اللهم وال من والاه؛ الى آخره موضوعة» مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيراً منها وبالجملة فما زعموه مردود من وجوه نتلوها عليك وإن طالت لمسيس الحاجة اليها فاحذر أن تسأمها وتغفل عن تأملها

أحدها إن فرق الشيعة إتفقوا على إعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة وقد علم نفيه لما مر من الخلافة في صحة هذا الحديث بل الطاعنون في صحته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع اليهم فيه كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهما فهذا الحديث مع كونه آحاداً مختلف في صحته فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ماإتفقوا عليه من إشتراط التواتر في أحاديث الإمامة ويحتجون بذلك ؟ ماهذا إلا تناقض قبيح وتحكم لا يعتضد بشيء من أسباب الترجيح انتهى.

اقول: من البين إنه لايعتبر في تواتر الخبر والإحتجاج بتواتره كونه متواتراً عند جميع الناس كما زعمه هذا الشيخ الخناس بل يعتبر كونه متواتراً في الجملة وإلا فيشكل بالكتاب العزيز فإنه ليس بمتواتر عند الكل ومن جميع الطرق اتفاقاً فلا يلزم مناقضة الشيعة لأنفسهم في إستدلالهم بذلك لإثبات الإمامة فإنهم يدعون تواتره من طرقهم ومن بعض طرق أهل السنة فقد ذكر الشيخ عماد الدين ابن كبير الشامي الشافعي في تاريخه عند ذكر احوال محمد بن جرير الطبري الشافعي إني رأيت كتاباً

الصفحة 178
جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين وكتاباً جمع فيه طرق حديث الطير ونقل عن أبي المعالي الجويني إنه كان يتعجب ويقول شاهدت مجلداً ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون ورواه إبن عقدة من الزيدية في مائة وخمس طرق وأثبت الشيخ إبن الجزري الشافعي في رسالته الموسومة بأسنى الطالب في مناقب على بن أبي طالب تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ونسب منكره الى الجهل والعصبية وبالجملة قد بلغ هذا الخبر في التواتر والإشتهار الى حد لايوازي به خبر من الأخبار، وتلقته محققوا الإمة بالقبول والإعتبار، فلا يرده إلا معاند جاهل أو من لا إطلاع له على كتب الإحاديث والآثار، فاتضح بطلان مامهده من المقدمة ومابناه عليها من الوجه الذي لا يبيض وجه عند الأخيار، ثم أقول: إن في روايته لحديث الغدير خصوصا من طريق إستدل به لشيعة إهمالاً وإخلاص لا يخفى لأن مضمنون الحديث على الوجه المتفق عليه بين الطريق المنقول لقدماء العامة وبعض طرق أصحابنا هو إنه لما نزل حين رجوع النبي ص عن حجة الوداع قوله تعالى(أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك؛ الآية) نزل النبي صلى الله عليه وآله بغدير خم وقت الظهر الذي لم يكن نزول المسافر فيه متعارفا ًفي يوم شديد الحر حتى إن الرجل كان يضع ردائه تحت قدميه من شدة الحر فأمر النبي صلى الله عليه وآله بجمع الرحال وصعد عليها خطيباً بالناس ذاكراً في خطبته: إن الله تعالى أنزل عليه (بلغ ما أنزل اليك من ربك، الآية) لدنو لقاء ربه وإنه يبلغ ماأمره الله بتبليغه وتوعده إن لم يبلغه ووعده بالعصمة من الناس ثم أخذ بيد علي عليه السلام وقال في جملة كلامه: الست أولى بكم من أنفسكم قالوا: بلا يارسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر

الصفحة 179
من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه كيف دار» فلم ينصرف الناس حتى نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي) فقال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الله تعالى برسالتي وبولاية على بعدى

ولا يخفى على من له شائبة من الأنصار إن مخاطبة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله في آخر عمره ووداعه للدنيا بعد تبليغه الإسلام والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغيرها من أحكام الدين بقوله (إن لم تفعل فما بلغت رسالته) ونزول النبي صلى الله عليه وآله في زمان ومكان لا يتعارف فيهما النزول وصعوده على منبر من الرحال وقوله في حق أمير المؤمنين عليه الاسلام «من كنت مولاه فعلي مولاه» ودعائه له على الوجه المذكور ليس إلا لأمر عظيم الشأن جليل القدر كنصبه للإمامة لا لمجرد إظهار محبته ونصرته ونظائرهما سيما مع قوله «الست أولى بكم من أنفسكم» ومع وقوع هذه الصورة بعد نزول الآية السابقة ونزول الآية اللاحقة بعدها لا بد أن يكون المراد من المولى المتولي المتصرف في أمر المسلمين لا الناصر والمحب وغيرهما من معاني المولى التي سيذكرها هذا الشيخ الجاهل تقليداً لأصحابه في تجويز حمل الحديث عليها فكان المعنى على ماأوضحناه إن علياً عليه السلام وهو الأولى بالتصرف في حقوق الناس والتدبير لأمورهم بعدي ولا معنى للإمامة إلا هذا فتأمل.

60 ـ قال: ثانيها لا نسلم إن معنى الولي ماذكروه بل معناه الناصر لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق والمتصرف بالأمر والناصر والمحبوب وهو حقيقة في كل منها وتعيين بعض المعاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لايعتد به وتعميمه في مفاهيمه كلها لايسوغ لأنه كان مشتركاً لفظياً بأن تعدد وضعه بحسب تعدد معانيه كان فيه خلاف والذي عليه جمهور الأصوليين وعلماء البيان واقتضاه إستعمالات الفصحاء للمشترك إنه

الصفحة 180
لا يعم جميع معانيه على إنا لو قلنا بتعميمه على القول الآخر وبناء على إنه مشترك معنوي بان وضع وضعاً واحداً للقدر المشترك وهو القرب المعنوي من المولى بفتح فسيكون لصدقه لكل مما مر فلا يتأتى تعميمه هنا لأمتناع إرادة كل من المعتق والعتيق فتعين ارادة البعض ونحن وهم متفقون على صحة إرادة الحب بالكسر وعلي رضى الله عنه سيدنا وحبيبنا على أن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة ولا شرعاً

أما الثاني فواضح

وأما الأول فلأن أحداً من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلا يأتي بمعنى افعل وقوله تعالى مأواكم النار هي مولاكم أي مقركم أو ناصرتكم مبالغة في نفي النصرة كقولهم الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً فالأستعمال من أن مفعلاً بمعنى أفعل إذ يقال هو أولى من كذا دون وأولى الرجلين دون مولاهما وحينئذ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظراً لرواية الآتية «من كنت وليه» فالغرض من التنصيص على موالاته أجتناب بغضة لأن التنصيص عليه أو في بمزيد شرفه وصدره بالست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم وكذا بالدعاء لأجل ذلك أيضاً ويرشد لما ذكرناه حثه صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة على أهل بيته عموماً وعلى علي خصوصاً ويرشد اليه أيضاً ما أبتدأ به هذا الحديث ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح إنه صلى الله عليه وسلم خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: أيها الناس أنه قد نبأني اللطيف الخبير إنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله وأني لأظن أنى يوشك أن أدعى فأجيب وأنى مسؤول وانكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون ؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً فقال أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده و رسوله وأن جنته حق وأن ناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا بلى، نشهد بذلك قال: اللّهم

الصفحة 181
أشهد ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني علياً اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: ياأيها الناس إني فرطكم وأنكم واردون عليّ الحوض حوض أعرض مما بين بصري الى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأول كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير إنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض وأيضاً فسبب ذلك كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن إبن إسحاق إن علياً تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حجه خطبها تنبيهاً على قدره ورداً على من تكلم فيه كبريدة كما في البخاري إنه كان يبغضه وسبب ذلك ما صححه الذهبي إنه خرج معه الى اليمن فرأى منه جفوة فنقصه للنبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتغير وجهه ويقول يابريدة الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قال بلا يارسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه

وأما رواية إبن بريدة عنه لاتقع يابريدة في علي فإن علياً مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ففي سندها الأصلح وهو وإذن وثقه إبن معين لكن ضعفه غيره على إنه شيعي وعلى تقدير الصحة فيحتمل إنه رواه بالمعنى بحسب عقيدته وعلى فرض إنه رواه بلفظه فيتعين تأويله على ولاية خاصة نظير قوله (ص) اقضاكم على علي إنه وإن لم يحتمل التأويل فالإجماع على حقية ولاية أبي بكر وفرعيها قاض بالقطع بحقيقتها لأبي بكر وبطلانها لعلي لأن مفاد الإجماع قطعي ومفاد خبر الواحد ظني ولا تعارض بين ظني وقطعي بل يعمل بالقطعي ويلغي الظني على إن الظني لاعبرة فيها عند الشيعة كما مر إنتهى.


الصفحة 182
أقول: إمتناع إرادة المعتق والمعتق والحليف والجار هاهنا ظاهر لايحتاج الى بيان وقد مر في إية تصدق الخاتم التدليل الدال على إمتناع أراده الناصر وكذا المحب اللازم له هاهنا أيضاً خصوصاً بملاحظة ما هنا من خصوصية الزمان والمكان وإن النبي صلى الله عليه وآله لم ينزل في الحر الشديد ووسط النهار في مكان وزمان لم يكن نزول المسافر فيهما معهوداً إلا لإبلاغ أمر عظيم كما تدل عليه أيضاً التأكيدات المذكورة في الآية والحديث الوارد في شأن نزولها وكيف يجوز أن يجمع صلى الله عليه وآله الجمع العظيم في مثل تلك الحال ويخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلم الناس من قرينه ما يعلمونه صلى الله عليه وآله وأوضح القرائن المقالية على إمتناع حمل لفظ المولى على غير الأولى إنه لايجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ثم يعطف عليه بلفظ محتمل إلا ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون ماعداه نزيده بياناً وإيضاحاً إنه لو قال أحد الستم تعرفون داري التي في موضع كذا ثم وصفها وذكر حدودها فإذا قالوا بلى قال فاشهدوا إن داري وقف على المساكين وكانت له دور كثيرة لم يجز أن يحمل قوله فى الدار التي وقفها إلا على إنها الدار التي قررهم على معرفتها ووصفها وكذا لو قال لهم ألستم تعرفون عبدي فلاناً الفولي فإذا قالوا بلى قال لهم فاشهدوا إن عبدي حر لوجه الله تعالى وكان له عبيد سواه لم يجز إن يقال إنه أراد إلا عتق من قررهم على معرفته دون غيره من عبيده وإن إشترك جميهم في إسم العبودية وإذا كان الأمرعلى ماذكرناه ثبت إن مراد النبي صلى الله عليه وآله بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه إنه أولى به وهو المعنى الأول الذي قدم ذكره وقرره بقوله الست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من أنفسهم ولم يجز أن يصرف الى غيره من سائر أقسام مايحتمله وذلك يوجب أن علياً عليه السلام أولى بكل مؤمن من نفسه بما

الصفحة 183
ثبت إنه ص مولاهم من الحديث ومن قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فقد ظهر إن الحديث خصوصاً مع إنضمام نزول الآيتين المحفوظتين به كما تضمنه ماذكرناه سابقاً من بعض الطرق المتفق عليها برهان قاطع على إمامة مولانا أمير المؤمنين

وأما ما أستند به على كونه بمعنى الناصر من قوله «لأنه مشترك بين معان؛ الى إخره» فهو دليل عليه لا له لظهور إنه إذا كان مشتركاً لفظياً لا يجوز حمله على خصوص الناصر أيضاً من غير دليل.

وأما ماذكره من «إن تعيين بعض معاني المشترك من غير دليل تحكم» فمدفوع بما سمعت منا سابقاً من إنا لا نسلم إنه مشترك لفظي بين المعاني المذكورة كيف وهو خلاف الأصل كما تقرر في الأصول بل هو موضوع لمعنى واحد هو الأولى والمعاني العشرة أقسام له حاصلة حقيقية بإضافتها اليه

أما الناصر فلأنه إختص بالنصرة فصار بها أولى من غيره.

وأما إبن العم فلأنه إنما سمي مولى لأنه يعقل عن إبن عمه ويحوز ميراثه فكان بذلك أولى من غيره.

وأما الجار فلإنه أولى بالملاصقة من البعيد وأولى بالشفعة في العقار من غيره.

وأما الحليف فلأنه أولى بنصرة حليفه ممن لاخلف بينه وبينه.

وأما المعتق فلأنه أولى بنصرة معتقه من غيره.

وأما المعتق فلأنه أولى بميراثه مما لايعتقه

وأما مالك الرق فلأنه أولى بتدبير عبده من غيره.

وأما ضامن الجريرة فلأنه الزم نفسه مايلزم المعتق فكان بذلك أولى ممن لم يضمن.

وأما السيد المطاع فلأنه أولى بالطاعة فاندفع ماأورد من إنتقاض التعميم في المعاني المذكورة بامتناع إرادة كل من المعتق والمعتق وذلك لأنا إنما إدعينا تعميم الأولى لا تعميم الأولى بالتصرف كما زعمه وقر عرفت إن تعميم الأولى ياتي في كل من تلك الأقسام بوجه فتوجه.

وأما ماذكره في العلاوة من «إن كون المولى بمعنى الإمام لم يعهد لغة» فإيراد على مقدمة لم يذكرها الشيعة في إستدلالهم

الصفحة 184
لأنهم لم يقولوا إن المولى وضع لمعنى الإمام إبتداء بل قالوا إنه وضع لمعنى الأولى بالتصرف والأولى بالتصرف لايكون إلا النبي أو الإمام كما إن الإنسان موضع للحيوان الناطق وهو صادق على زيد وعمر وبكر وغيرهم من الافراد لا إنه موضوع لكل منها على إنه قد ساعدنا الشارح الجديد للتجريد على كون ذلك معهوداً حيث قال: إن إستعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة والمراد إنه إسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بإنه ليس من صيغة أسم التفصيل وإنه لايستعمل إستعماله وينبغي أن يكون المراد في الحديث هذا المعنى ليطابق صدر الحديث أعني قوله «الست أولى بكم من أنفسكم» إنتهى كلامه وبه يندفع أيضاً الإعتراض الآخر الذي يذكره الشيخ الجاهل بعيد ذلك فلا تغفل

وأما قوله «الغرض من التنصيص على موالاته إجتناب بغضه؛ الى آخره» فمشتمل على تمويهات لصرف الحديث عما هو صريح في الدلالة عليه من أولوية التصرف لما مر من ظهور إن الأولى بالتصرف فى أمور الناس من أنفسهم بعد النبي صلى الله عليه وآله ليس إلا الإمام وما نقله عن الطبراني إنما يرشد الى ماذكرنها عند الرشيد.

وأما مانقله عن الجزري في سبب الخطبة التي نقلها الطبراني فمردود بما أسبقناه من الطرق المتفق عليها للحديث الناطق بأن السبب في ذلك إنما كان نزول الوحي الى النبي صلى الله عليه وآله بإظهار فضائل علي عليه السلام ومناقبه ولايته ووجوب طاعته على الخلق ومدخول بان الإنكار على بريدة والإعتراض عليه في شكاية علي عليه السلام قد وقع عنه (ص) قبل ذلك وعند مراجعته مع علي عليه السلام من اليمن كما نقله هذا الشيخ الناسي في فضائل علي عليه السلام من كتابه هذا حيث قال وكذا وقع لبريدة إنه كان مع علي في اليمن فقام مغضباً عليه فأراد شكايته بجارية أخذها من الخمس فقيل له إخبره ليسقط علي من عينه ورسول الله

الصفحة 185
صلى الله عليه وآله يسمع من وراء الباب فخرج مغضباً فقال ما بال أقوام ينقصون علياً من نقص علياً فقد نقصني ومن فارق علياً فقد فارقني إن علياً مني وأنا منه خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم يابريدة أما علمت إن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ؛ الحديث وإذا وقع فيه الإعتراض من النبي صلى الله عليه وآله على بريدة عند شكايته بل على كل من توقع منه صدور مثل ماصدر عن بريدة وذكر فيه فضائل علي عليه السلام والحث على متابعته والنهي عن مفارقته الى غير ذلك لم يبق معه حاجة الى تكرار ذلك عن قريب في غدير خم على الوجه الذي وصفناه.

وأما ماصححه عن الذهبي ذهب الله بنوره من إنه صلى الله عليه وآله قال عند شكوة بريد عن علي عليه السلام عنده صلى الله عليه وآله «الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال بلى يارسول الله قال صلى الله عليه وآله وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه» فهوأيضاً دليل على إمامته عليه السلام لأن شكوته إنما كان لأجل جارية أخذها علي عليه السلام من خمس الغنائم لنفسه كما مر قبيل ذلك نقلاً عن هذا الجامد فقوله ص في جواب ذلك من كنت مولاه فعلي مولاه صريح في حكمه صلى الله عليه وآله على مساواة علي عليه السلام له فى أولوية التصرف وينادي على إرادة هذا المعنى بأعلى صوت مانقله من رواية إبن بريدة كما لا يخفى.

وأما طعنه فيها «بأن في طريقها الأصلح فليس بغريب» فإن طعن كل صالح أو أصلح روى شيئاً من فضائل علي عليه السلام عادة مستمرة لهم سيما إذا إستشموا منها مايوجب القدح في بعض مطالبهم وإن صححها مثل إبن معين منهم وبالجملة من قبائح عادات القوم وفضائح وقاحاتهم إنهم إذا وجدوا آية نازلة في فضائل أهل البيت ومناقبهم أو حديثاً كذلك قد إستدل به الشيعة على أفضليتهم وأحقيتهم فمع إنهم رووه أيضاً قبل ذلك في كتبهم يردونه حينئذ تارة باحداث مخالف، وتارة بضعف الراوي، وتارة

الصفحة 186
بالتخصيص، وتارة بالتعميم، وتارة بالتأويل كانهم مفوضون في وضع الدين، موكلون في تشريع الشرائع لسيد المرسلين ولم يسمعوا كلام رب العالمين حيث قال (قتل الخراصون الذين هم غمرة ساهون، والذين يكتمون ماأنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) فما أقل حياءهم وأكثر إعتدائهم..! فأي خير في سلفهم ؟ وأي جميل يترقب من خلفهم ؟ لا يرحمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.

وأما ماذكره من «إنه على فرض إنه رواه بلفظه فيتعين تأويله على الآية خاصة؛ الى آخره» ففيه إن دعوى تعين ذلك تحكم بحت لا دليل عليه سوى حفظ حال أبي بكر وأخويه وكذا الكلام في قوله صلى الله عليه وآله «أقضاكم علي».

وأما ماذكره من الإجماع على حقية ولاية أبي بكر فقد مر مراراً الكلام فيه وإنه لم يثبت أصلاً وبعد الإغماض عنه ليس كل إجماع قطعياً بل الأكثر من الإجماعات ظني فإثبات قطعية الإجماع على أبي بكر أصعب من خرط القتاد.

وأما ماذكره من «إن مفاد الخبر الواحد ظني لا عبرة به فيها عند الشيعة في الإمامة كما مر» فهب إنه كذلك لكن مانحن فيه من خبر الغدير متواتر عند الشيعة وكثير من أهل السنة كما سبق بيانه.

61 ـ قال: ثالثهما، سلمنا إنه أولى لكن لانسلم إن المراد إنه الأولى بالإمامة بل بالإتباع والقرب منه فهو كقوله تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين إتبعوه) ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الإحتمال بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر وناهيك بهما من الحديث فإنهما لما سمعاه قالا له أمسيت ياإبن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة أخرجه الدار قطني وأخرج أيضاً إنه قيل لعمر إنك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه مولاي إنتهى.

أقول: هذا المنع ساقط جداً لأن إرادة الأولى بإتباع النبي صلى الله عليه وآله

الصفحة 187
والقرب منه في هذه الآية مما يأبي عنه تقييد الأولى فيها بالأنفس وذلك لأنه لامعنى للأولوية من الناس بنفس الناس إلا الأولوية في التصرف فقياس مانحن فيه على قوله تعالى «(إن اولى الناس بإبراهيم للذين إتبعوه) قياس مع الفارق وهو باطل إتفاقاً

وأما ما ترقى عنه بقوله «بل هو الواقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر؛ الى آخره» فهو بالإضراب والإعراب عنه أولى إذ الظاهر إن هذا الفهم إنما وقع من أوليائهما نيابة عنهما بعد خراب البصرة كما وقع إثباتهم لشجاعة أبي بكر بنيابة خالد بن الوليد له كما ذكره هذا الشيخ الجامد سابقاً وإلا فالمتواتر المشهور عند المهور المذكور في مستد أحمد بن حنبل مرفوعاً سنده الى البراء بن عازب إنه قال عمر في ذلك اليوم تهنئة له عليه السلام على الولاية «بخ بخ لك ياإبن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» ويؤيده مانقله هذا الشيخ المبهوت بعيد ذلك من إخراج بعضهم إنه قال عمر «إن علياً مولاي» فتدبر على إن فيما رواه عن أبي بكر وعمر من «إنهما قالا له أمسيت؛ الى آخره» دليل على علو شأنه وسمو مكانه بالنسبة الى جميع المؤمنين والمؤمنات وهذا أيضاً دليل على إمامته إن لم يتشبه الناصبي السمج المهزول، بجواز تفضيل المفضول، الذي قد سبق إنه من أسخف الفضول، الشاهد على قائله بأنه عن الرأي المعزول.

62 ـ قال: رابعها، سلمنا إنه أولى بالإمامة فالمراد المآل وإلا كان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم ولا تعرض فيه لوقت المآل وكان المراد حيث يوجد عقد البيعة له فلا ينافي حينئذ تقديم الثلاثة عليه لإنعقاد الإجماع حتى من علي عليه كما مر وللأخبار السابقة المصرحة بإمامة أبي بكر وأيضاً فلا يلزم من أفضلية علي على معتقدهم بطلان تولية غيره لما مر من إن أهل السنة أجمعوا على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل بدليل

الصفحة 188
إجماعهم على صحة خلافة عثمان وإختلافهم في أفضليته على علي وإن كان أكثرهم على إن عثمان أفضل منه كما يأتي وقد صح عن سفيان الثوري إنه قال من زعم إن علياً كان أحق بالولاية من الشيخين فقد خطأهما والمهاجرين والأنصار وما أراه يرفع له عمل مع هذا الى السماء نقل ذلك النووي عنه كما مر انتهى.

أقول: مآل هذا المقال يرجع الى التيتال (1) إذ قد أثبتنا في ذكره سابقاً من آية التصدق بالخاتم صحة كون علي عليه السلام إماماً مع وجود النبي صلى الله عليه وآله فتذكر

وأما ماذكره من «إنه حيث لم يقع التعرض لوقت المآل فكان المراد حين يوجد عقد البيعة له» فتهكم ظاهر لأن المفهوم من المآل على تقدير كون مراد النبي صلى الله عليه وآله ذلك كونه (ع) أولى بالتصرف بعد النبي (ص) بلا فصل وكفى هذا في بناء الشيعة كلامهم عليه ولا يخفى إن هذا التحمل منهم نظير ماتحملوه في تأويل قوله صلى الله عليه وآله في شأن علي (ع) أنت الخليفة من بعدي» حيث قالوا لايدل على البعدية بلا فصل فإن هذا أيضاً خروج عن الظاهر بلا ضرورة سوى التعصب لأبي بكر كيف وقولهم فلان صار سلطاناً بعد فلان وفلان بعد فلان لايفهم منه إلا البعدية من غير فصل فمن جاء العدول عن ذلك فيما نحن فيه.

وأما ما أتي به من تكرار دعوى إنعقاد الإجماع على أبي بكر والإشارة الى الأخبار التي زعم صراحتها فى إمامة أبي بكر فقد مر بيان بطلانها ولم يبق للناظر فيها مجال العناد.

وأما ماذكره «من إجماع أهل السنة على صحة إمامة المفضول مع وجود الفاضل» ففيه ما مر مراراً من إن إجماع أهل السنة لا يصير حجة على الشيعة بل هو عندهم أوهن من بيت العنكبوت على إنا قد بينا سابقاً إن العقل والعرف حاكمان بقبح ذلك ومن أضحوكاتهم الإستدلال على صحة إجماعهم هذا بإجماعهم على صحة خلافة عثمان وأنى لهم إثبات

____________

(1) كذا في الأصلين اللذين عندي ولم نهتد لفهم المراد منه.


الصفحة 189
صحة خلافة عثمان حتى يجعل ذلك دليلاً على صحة أجماع آخر.

وأما ماكرر نقله عن سفيان الثوري فقد مر مافي الإستدلال به من المصادرة والبيان الدوري، وظهور فساد ذلك بأول النظر الفوري.

63 ـ قال: خامسها، كيف يكون ذلك نصاً على إمامته ولم يحتج به هو ولا العباس رضي الله عنهما ولا غيرهما وقت الحاجة اليه وإنما إحتج به علي في خلافته كما مر في الجواب عن ثامنة من الشبه فسكوته عن الإحتجاج به الى أيام خلافته قاض على من عنده أدنى فهم وعقل بأنه علم منه إنه لانص فيه على خلافته عقب وفاة النبي صلى الله عليه وآله على إن علياً نفسه صرح بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينص عليه ولا على غيره كما سيأتي عنه وفي البخاري وغيره حديث خروج علي والعباس من عند النبي صلى الله عليه وسلم بطوله وهو صريح فيما ذكر من إنه (ص) لم ينص عند موته على أحد وكل عاقل يجزم بأن حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» ليس نصاً في إمامة علي وإلا لم يحتاج هو والعباس الى مراجعته (ص) المذكورة في حديث البخاري ولما قال العباس فإن كان هذا الأمر فينا علمناه مع قرب العهد جداً بيوم الغدير إذ بينهما نحو الشهرين وتجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين بخبر يوم الغدير مع قرب العهد وهم من هم في الحفظ والذكاء والفطنة وعدم التفريط والغفلة فيما سمعوه منه صلى الله عليه وآله محال عادي يجزم العاقل بأدنى بديههْ بأنه لم يقع منهم نسيان ولا تفريط وبأنه حال بيعتهم لأبي بكر كانوا متذكرين لذلك الحديث عالمين به بمعناه على إنه (ص) خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبي بكر في الحديث الثالث بعد المائة التي في فضائله فانظره ثم وسياتي في الآية الرابعة في فضائل أهل البيت أحاديث إنه (ص) في مرض موته إنما حث على مودتهم ومحبتهم وإتباعهم وفي بعضها: آخر ماتكلم به النبي (ص) «إخلفوني في أهل بيتي» فتلك وصيته بهم وشتان مابينهما وبين مقام الخلافة وزعم الشيعة والرافضة

الصفحة 190
بأن الصحابة علموا هذا النص ولم ينقادوا له عناداً ومكابرة بالباطل كما مر وقولهم «إنما تركها عليّ تقية» كذب وإفتراء أيضاً لما تلوناه عليك مبسوطاً فيما مر ومنه إنه كان في منعة من قومه من كثرتهم وشجاعتهم ولذا إحتج أبي بكر رضي الله عنه على الأنصار لما قالوا «منا أمير ومنكم أمير» بخبر «الأئمة من قريش» فكيف سلموا له هذا الإستدلال ؟ ولأي شيء لم يقولوا له ورد النص على إمامة علي ؟ فكيف تحتج بمثل هذا العموم..! لقد أخرج البيهقي عن أبي حنيفة رضي الله عنه إنه قال أصل عقائد الشيعة تضليل الصحابة رضوان الله عليهم انتهى

وإنما نبه رحمه الله على الشيعة لأنهم أقل فحشاً في عقائدهم من الرافضة وذلك لأن الرافضة يقولون بتكفير الصحابة لأنهم عاندوا بترك النص على علي بل زاد أبو كامل من رؤوسهم فكفر علياً زاعماً إنه أعان الكفار على كفرهم وأيدهم على كتمان النصوص وعلى ستر ما لايتم الدين إلا به أي لأنه لم يرو عنه قط إنه إحتج بالنص على إمامته بل تواتر عنه إن أفضل الأئمة أبو بكر وعمر وقبل من عمر إدخاله إياه في الشورى وقد إتخذ الملحدون كلام هؤلاء السفلة الكذبة ذريعة لطعنهم في الدين والقرآن وقد تصدى بعض الأئمة للرد على الملحدين المحتجين بكلام الرافضة ومن جملة ماقاله اولئك الملحدون: وكيف يقول الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقد إرتدوا بعد وفاة نبيهم إلا نحو ستة أنفس منهم لإمتناعهم عن تقديم أبي بكر على علي الموصى به فانظر الى حجة هذا الملحد تجدها عين حجة الرافضة قاتلهم الله أنى يؤفكون؛ بل هم أشد ضرراً على الدين من اليهود والنصارى وسائر فرق الضلال كما صرح به علي رضي الله عنه بقوله «تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة شرها من ينتحل حبنا ويفارق أمرنا» ووجهه ما إشتملوا عليه من إفترائهم من قبائح البدع وغايات العناد والكذب حتى تسلطت الملاحدة بسبب ذلك على الطعن في الدين وأئمة المسلمين بل قال القاضى أبو بكر الباقلاني إن فيما ذهبت اليه الرافضة مما ذكر إبطالاً للإسلام رأساً لأنه إذا أمكن