اقول: أيخفى إنه عليه السلام أحتج بذلك في أثناء خلافة ابي بكر وخلافة عمر ويوم الشورى وإنما لم يحتح به في أول خلافة أبي بكر لأنه قد إحتجت به فاطمة عليها السلام فيه كما رواه الجزري في كتاب أسنى المطالب قال هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المدني في كتابه المسلسل بالأسماء مسلسلاً من وجهين ولأنه علم علماً ضرورياً إتفاقهم على إنكاره حسداً وعناداً له عليه السلام فعدل الى الإحتجاج بغيره لما كان إلزامياً لهم وقال أنا أحتج عليكم بما دعيتموه أنتم حجة على الأنصار فانصفوا إن من ذا الذي هو أقرب الى الرسول (ص) ؟ وأيضاً تعيين الطريق ليس من دأب المحصلين على أن ذكره عليه السلام للحجة الثانية الصريحة في الدلالة على المقصود بعد مضي زمان لا يقدح في كونها حجة قبل ذلك أيضاً وهو ظاهر غاية الأمر أن يكون سكوته عليه السلام في بعض المراتب للتقية والخوف على النفس تارة وللدين أخرى وما نقل عنه من التظلم صريح فيما ذكرناه.
وأما ماذكره من تصريح علي (ع) نفسه بعدم النص عليه فهو فرية بلا مرية وكذا ما نقله عن البخاري فاستدلاًلهم بأمثال ذلك بعد تسليم دلالتها على مطلوبهم مصادرة ظاهرة كما مر مراراً.
وأما ماذكره من أن «تجويز النسيان على سائر الصحابة السامعين
وأما ماذكره من «إنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد يوم الغدير وأعلن بحق أبو بكر» فبطلانه ظاهر إذ لا يتم إلا بعد إثبات حق لأبي بكر ثم إثبات صحة النقل ودون إثباتهما خرط القتاد.
وأما ماذكره من «إنه سيأتي أحاديث تدل على إنه صلى الله عليه وسلم إنما حث في مرض موته على مودتهم ومحبتهم» ففيه إنه لا إرتباط بما نحن فيه فمن حديث الغدير ولو أغمضنا عن ذلك فنقول إن حثه صلى الله عليه وآله في مرضه على مودتهم لاينفي حثه فيه على خلافة علي (ع) كما دل عليه ماروي متفقاً «من أمره صلى الله عليه وسلم بإحضار الدواة والبياض ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده». وأما الحصر الذي أتى به في ذلك بكلمة إنما فما أحسن في مقابله قول بعض الظرفاء:
ولو سلم إنه (ص) نص في ذلك الوقت على ذلك فقد فهو لاينفي نصه على مايدل على إمامة علي (ع) قبله كيوم الغدير.
وأما ما نسبه الى الشيعة من العناد والمكابرة في إعتقادهم كتمان طائفة من الصحابة النص على علي عليه السلام ففيه إنه لامكابرة ولا إستبعاد في ذلك فإنه قد ثبت مخالفة بعض القوم لرسول الله ص في حالة حياته كما نقلوه في صحاحهم من حديث إبن عباس رضي الله عنه «وقوله إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب الكتاب» ولنعم ماقال الشاعر:
وأما مانقله عن أبي حنيفة «من أن أصل عقيدة الشيعة تضليل الصحابة» فإن اراد به تضليل الصحابة الذين خالفوا علياً وغصبوا الخلافة منه بل محاربة معه فالمشايخ الثلاثة ومن تبعهم في ذلك فهو صحيح لكن لا يستدعى ذلك أن يكون القول بالتفكير بالنسبة الى غيرهم من الصحابة زائداً حادثاً لا أصل له كما يشعر به عبارته، وأن أراد به الأعم ممن ظهر منه مجرد المخالفة وممن حاربه كطلحة والزبير ومعاوية وأتباعهم فغير صحيح لأن الشيعة عن آخرهم قائلون بأن مخالفي علي عليه السلام فسقة ومحاربيه كفرة كما قاله المحقق الطوسي طيب الله مشهده في كتاب التجريد فالفرق بين الشيعة والرافضة في ذلك كما ترى لأن الكل أتباع لأمير المؤمنين عليه السلام وتاركون للأعتقاد الباطل وأيهام الناصبة من لقب الرفض إنهم تركوا إعتقاد الحق تعنتاً وعداوة منهم للشيعة فلا يلتفت أليه كما مر نعم القول بتكفير جميع الصحابة باطل إتفاقاً ولم يوجد من الشيعة من يعتقد ذلك الى الآن كما لا يخفى.
وأما ما ذكره من أن أبا كامل من الشيعة كفر علياً أيضاً فهو شيء قد سبقه أليه صاحب المواقف وتفرد له عند تعداده لفرق الشيعة حيث قال «وأبو كامل يكفر الصحابة بترك بيعة علي ويكفر علياً بترك طلب الحق» كلامه ولا يخفى أن هذه فرية على الكاملية من الشيعة لأن نسبة تكفير علي عليه السلام أليهم كما هو مخالف لمفهوم تلقبهم بالشيعة مخالف أيضاً لكلام من تقدمه من الأئمة المعتبرين المعتنين بتحقيق هذا الشأن كمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل فأنه مع تقدمه في هذا الفن لم ينسب القول بتكفير علي عليه السلام الى الكاملية بل قال أنهم طعنوا عليه بتركه لطلب حقه وشتان بين مفهوم الطعن ومفهوم التفكير ولهذا قد يقع كثيراً الاعتراض والعتاب من الخادم بالنسبة الى مخدومه بل من المحب الى محبوبه كما روى انه لما سلم الحسن بن علي عليه السلام الخلافة الى
وأما ماذكره «من زعم أبي كامل إن علياً عليه السلام أيدهم على كتمان النصوص وعلى ستر مالا يتم الدين إلا به» فهو من كامل إفترائه عليه مخالفته مع مانقلناه سابقا ًمن إمامة صاحب المواقف من إن كفر علياً بترك طلب الحق ولعله مراد أبي كامل بترك طلب الحق ترك طلبه بالسيف لا بإظهار الحجة كيف وقد أجمع الشيعة قاطبة على صدور إحتجاج علي عليه السلام على القوم مراراً كما مر مراراً وهذا كما يطعن الزيدية على إمامة من بعد الحسين من الإئمة الإثني عشر عليهم السلام بعد خروجهم بالسيف ثم لايخفى ما في تفسير قوله الذي نسبه الى أبي كامل بقوله ثانياً أي لأنه لم يرو عنه قط إنه إحتج بالنص الى إخره من التمحل الواهي الذي يضحك منه الغبي والداهي.
أما ماذكره من إنه قد إتخذ الملحدون كلام الشيعة ذريعة لطعنهم في الدين والقرآن ففيه إنه لا إختصاص بكلام الشيعة بذلك فقد إتخذ الملاحدة كثيراً من القرآن والحديث ذريعة الى ذلك كما نقلها المفسرون مع إبطالها وقد قال تعالى في شأن القرآن (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً) فلا لوم على الشيعة إن ضل بعض الملاحدة بكلامهم من غير فهم معناه والذهول عن مقتضاه وأما مانسبه الى الشيعة «من القوم بإرتداد جميع الصحابة بعد وفاة نبيهم إلا ستة أنفس» فعلى تقدير صحة نسبته اليهم لا يخالف مدلول ماذكره من قوله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) لأن الخيرية الماضية المدلول عليها بقوله «كنتم» لا تنافي الإرتداد اللاحق الذي يدل عليه حيث الحوض المذكور في جامعي البخاري ومسلم والشيعة إنما ينسبون الإرتداد الى الصحابة الذين نكثوا عهد النبي عليه السلام وآله بإتفاقهم على غصب الخلافة ومخالفة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ومع هذا
وأما مانقله عن القاضي الباقلاني من «إنه إذ أمكن إجتماعهم على الكتم للنصوص أمكن منهم نقل الكذب والتواطؤ لغرض فليمكن إن سائر مانقلوه من الأحاديث زور ويمكن إن القرآن عورض بما هو أفصح منه كما تدعيه اليهود فكتمه الصحابة؛ الى آخره» فلا يخفى إن هذه الشبهة كما ذكره القاضي الباقلاني بين يدي شيخنا الأجل المفيد قدس سره وأجاب عنه قدس سره بما حاصله إنه لايلزم من تجويز نقل بعض الكذب وتواطؤهم عليه لغرض تجويزه تواطئهم على الكذب في سائر مانقلوه للعلم القطعي لنا ولكل من تتبع الأحاديث والأخبار بكذب هذه الكلية دون تلك الجزئية ولو كان نسبة الكذب الى الكل حقاً لما كان العلم ببطلانه شاملاً لجميع الأمة ولو فرض إنه لم يكن لأحد من العقلاء السامعين للأخبار علم ببطلان ذلك لإحتجنا في بيان فساد ذلك الى إيراد دليل على حدة لكن لما كان ذلك غرضاً ملحقاً بالمحال أغنانا الإستدلال بغيره وذا الكلام في إحتمال معارضة القرآن بما هو أفصح منه وإدعاء اليهود بجواز ذلك تعنت منهم كما لا يخفى وأيضاً لم لا يلتزمون في تجويز إخفاء الصحابة للنص على علي عليه السلام وكتمانه
64 ـ قال: سادسها مالمانع من قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته السابقة يوم الغدير هذا الخليفة بعدي فعدوله الى ماسبق من قوله من كنت مولاه الى آخره ظاهر في عدم إرادة ذلك بل ورد بسند رواته مقبولون كما قاله الذهبي وله طرق عن علي رضي اله عنه قال قيل له يارسول الله من يؤم بعدك فقال أن تأمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة وأن تأمروا عمر تجدوه قوياً أمينا لايخاف في الله لومة لائم وأن تأمروا علياً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم ورواه البزاز بسند رجاله ثقات أيضاً كما قال البيهقي فهو يدل على أن أمر الإمامة موكل الى من يأمره المسلمون بالبيعة وعلى عدم النص بها لعلي وقد أخرج جمع كالبزار بسند حسن والإمام أحمد وغيرهما بسند قوي كما قاله الذهبي عن علي رضي الله عنه إنه
وإنه لو لم يكن لها أهلاً مازوجه إياها فقال له أبو حنيفة لو كتبت اليهم فقال لا يطيعوني بالكتب وتزويجه إياه يقطع ببطلان مازعمه الرافضة وإلا لكان قد تعاطى تزويج بنته من كافر على زعمهم الفاسد.
أقول: ماذكره أولاً من «إنه مالمانع للنبي صلى الله عليه وسلم في خطبته السابقة من التصريح بقول هذا الخليفة بعدي» مردود بجريان مثله في حق الباري سبحانه فلينازع مع الله تعالى في إنه لم فعل مايوجب حيرة المؤمنين وقال على سبيل الإطلاق والإجمال أقيموا الصلاة من غير تصريح بعدد الفريضة وعدد السنة ولا بتعيين الوقت ولم ينزل آية لبيان عدد ركعاتها وكيفية أدائها في السفر والحضر بل قال مبهما أقيموا الصلاة ليتحير أمة محمد صلى الله عليه وآله ثم قال: بذلك الإسلوب وأتوا الزكاة من غير تعيين النصاب فأوقع الإختلاف بين الفقهاء وأحوجهم في إستنباط فروعها الى الرأي والإجتهاد فأدى ذلك الى تحقق ثلاث وسبعين فرقة وقولاً في أمة محمد صلى الله عليه وآله وكذا الكلام في باقي أركان الشريعة فإذا جاز مثل هذا الإجمال والإبهام فيما ذكر لئلا يكون بعثة محمد صلى اله عليه وآله عبثاً ويحصل بعده الفرق بين الجاعل والعالم فلو عدل النبي صلى الله
وأما مانقلة عن الذهبي الناصبي ذهب الله بنوره فأول مافيه إنه لم يرض بمجرد الكذب حتى رفعه الى علي عليه السلام على إن في المنقول من قوله «وإن تأمروا علياً ولا أراكم فاعلين» دلالة صريحة على علمه صلى الله عليه وآله بأن القوم ينحرفون بعد وفاته عن علي عليه السلام ولا يرضون بإمامته فيؤيد ذلك مارواه إبن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب بإسناده قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام: إن الأمة ستغدر بك» وما رواه موسى بن مردويه الحافظ من الجمهور بإساده الى إبن عباس قال «خرجت أنا والنبي صلى الله عليه وآله فرأينا حديقة فقال علي: ما أحسن هذه يارسول الله.. ! فال حديقتك في الجنة أحسن منها ثم مررنا بحديقة فقال: علي عليه السلام ماأحسن هذه يارسول الله صلى الله عليه وآله قال: حتى مررنا بسبع حدائق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام حدائقك في الجنة أحسن منها ثم ضرب على رأسه ولحيته وبكى حتى علا بكائه فقال علي عليه السلام: مايبكيك يارسول الله ؟ قال ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني».
ومارواه هذا الشيخ الجامد في الباب الثاني فيما جاء عن أكابر أهل البيت في الثناء على الشيخين مما يدل على أن بني تميم وبني عدي كانا أعداء بني هاشم في الجاهلية وما ذكر في أول الخاتمة التي عقدها البيان ما أخبر به صلى الله عليه وآله مما حصل على آله من البلاء والقتل من قوله صلى الله عليه وآله «إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً وإن أشد قوم لنا بغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو
وأما مارواه عن البزار والدارقطني والذهبي إن الروايات الدالة على عدم إستخلاف النبي صلى الله عليه وآله لأحد فهي موضوعات لا يثبت إلا أعمال المصادرة والإحتيال بالحيل الفاجرة.
وأما مانقله عن الدار قطني عن أبي حنيفة فهو إجمال مافصله الدميري الشافعي في كتاب حياة الحيوان وغيره في غيره وقد ذكر الدميري مايدل على إن مولانا الباقر عليه السلام كان يمتنع عن ملاقاة أبي حنيفة معه ولم يكن يأذنه للدخول الى مجلسه الشريف حتى إحتال أبي حنيفة ذات يوم وأدخل نفسه بين جماعة من شيعة الكوفة المأذونين عنه (ع) فدخل معهم على الإمام عليه السلام وسأله بما سأله وأجاب عنه عليه السلام فيما ذكر هاهنا من قوله لا يطيعوني بالكتب فقال أبو حنيفة: كيف يسعهم مخالفتك وأنت إبن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال له: كيف تتعجب عن مخالفتهم لي في ذلك مع كونهم غائبين عني مسيرة شهرين وأنت قد خالفت أمري بمحضري وتلقاء وجهي حيث دخلت بيتي بغير إذني، وجلست على فراشي بغير إذني، وإبتدأت بالسؤال بغير إذني، ثم خرج خائباً خاسراً.
وأما ماذكره من «إنه عليه السلام ذكر لأبي حنيفة تزويج علي عليه السلام بنته، الى آخره» فرواية الدميري خالية عنه مع إن ذلك إنما وقع تقية كما تدل عليه زائداً على ماروي من طريقنا ماروى صاحب
وما روى هذا الشيخ الناسي فيما سيجيء من كتابه هذا من أن علياً عليه السلام لما أبى عن إنكاح إبنته لعمر واستعذر بصغرها لم يكن يقبل منه ذلك العذر حتى الجأه الى أن يريها إياها فارسلها اليه فلما رأها عمر أخذ بها وضمها اليه وقبلها ثم إعتذر عن جانب عمر فيما فعله من الضم والتقبيل قبل وقوع العقد والتحليل بأنها لصغرها لم تبلغ حداً تشتهي حتى يحرم ذلك ولولا صغرها لما بعث بها أبوها انتهى
وإني لأقسم بالله على أن الف ضربة على جسده عليه السلام واصغافه علي جسد أولاده أهون عيه من أن يرسل إنتها الكريمة الى رجل أجنبي قبل عقدها أياه ليريها فيأخذها ذلك الرجل ويضمها اليه ويقبلها ويكشف عن ساقها وهل يرضى بذلك من له أدنى غيرة من آحاد المسلمين لولا علمه بأن الامتناع عن ذلك يؤدي الى الوقوع فيما هو أعظم ضرراً منه هذا ومن هلاك نفسه وأولاده أيضا وهو خوف ثوران الفتنة بين المسلمين وارتداد الخلق وإفناء الدين فسلم عليه السلام وصبر وأحتسب كما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله فانزل إبنته في ذلك منزلة آسيا إمرأه فرعون إذ الله يصف قولها (رب إبن اليّ عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) ولعمري إن الذين كان قد إرتكبه فرعون في بني إسرائيل من قتل أولادهم وإستباحة حريمهم في طلب موسى وما إدعاه لنفسه من الربوبية أعظم من تغلبه على آسيا إمرأته وتزويجه وهي إمرأة مؤمنة من أهل الجنة بشهادة الله تعالى بذلك وكذلك سبيل الرجل مع أم كلثوم كسبيل فرعون مع آسيا لأن الذي إدعاه لنفسه ولصاحبه من الإمامة ظلماً وتعدياً وخلافاً على الله ورسوله بدفع الأمام الذي ندبه الله ورسوله لها وإستيلائها على أمور المسلمين
وماسهلت تلك المذاهب فيهم على الناس إلا بيعة الفلتات
فكيف لايكون غصب الإمامة مع كونه مفوتاً لنظام الكل أعظم من فوات واحد من المصالح الجزئية بالجملة عناية الأنبياء والأوصياء بمصالح الدين فوق إهتمامهم بمصالح النفس كما صرح به الفاضل النيشابوري الشافعي عند تفسير قوله تعالى في سورة يونس على نبينا وآله وعليه السلام (ربنا ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) حيث قال «لما قدموا التضرع الى الله في أن يصون دينه عن الفساد أتبعوه سؤال عصمة انفسهم فقالوا نجنا الآية وفي ذلك دليل على أن عنايتهم بمصالح الدين فوق إهتمامهم بمصالح أنفسهم وهكذا يجب أن يكون عقيدة كل مسلم موفق انتهى».
وأما ماذكره آخرآ من «لزوم تعاطي تزويج بنته من كافر» فمردود بأنه إن أراد لزوم تزويجها من هو كافر في الظاهر فبطلان اللازم ممنوع والسند ما سيأتي، وإن اراد من الكافر الحقيقي فهو مسلم وليس بناء الحكم الشرعي عليه والنذكر لتوضيح ذلك ما أفاده السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء حيث قال: «فإما إنكاحه عليه السلام فقد ذكرنا في كتاب الشافي الجواب عن هذا الباب مشروحاً وبينا إنه عليه السلام ما أجاب عمر الى إنكاح إبنته الا بعد توعد وتهدد ومراجعة ومنازعة
وهو كاف شاف إنشاء الله وها هنا تفاصيل مذكورة في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب فليرجع اليه من أراد والله الموفق للسداد.
65 ـ قال: سابعها قولهم: هذا الدعاء وهو قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» لا يكون إلا لإمام معصوم دعوى لا دليل عليها إذ يجوز الدعاء بذلك لأدنى المؤمنين فضلاً عن أخصائهم شرعاً وعقلاً فلا يستلزم كونه إماماً معصوماً وأخرج أبو ذر الهروي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان» ولا قيل بدلالته على إمامة عمر عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولا
أقول: لايخفى على من له أدنى معرفة بأساليب الكلام ومقتضيات الحال والمقام إن هذا الدعاء لا يليق إلا بمن كان له أولياء ويحتاج الى النصرة ويحذر من الخذل ولا يكون ذلك إلا سلطاناً أو إمام نعم لا يستلزم ذلك الدعاء كون الإمام معصوماً لكن التقييد بالمعصوم ها هنا إنما هو من إضافات هذا الشيخ المخطيء ولا يستدعي دعوى إختصاص الدعاء المذكور بالإمامة إتصافة بالعصمة وإن كان الإمام عند الشيعة يجب أن يكون متصفاً بالعصمة في الواقع فافهم.
وأما ما أخرجه أبو ذر الهروي الخارجي فاللائح عليه وضعه في مقابل ماروى في شأن علي عليه السلام في الحديث المتفق عليه المشهور وهو «علي مع الحق والحق مع علي، يدور الحق معه كيفما دار» فلظهور وضعه لم يلفتوا الى دلالته على إمامة عمر.
وأما ماذكره من «الترديد في عصمة الإمام» فمردود بإنا قد بينا سابقاً إن الإمامة نيابة عن النبي في أمور الدين والدنيا فيعتبر فيها ماأعتبر في النبوة بل الإمام أحوج الى ذلك لأن النبي مؤيد بالوحي بخلاف الإمام وقد ذكرنا هناك من الحجج العقلية والنقلية ما يفيد القطع فما زعمه هذا الباطل من البطلان باطل قطعاً وكذا ما زعمه من بناء دعوى وجوب عصمة الإمام على تحكيم العقل فإن ماقدمناه من الأدلة براهين عقليه قطعية لا إبتناء لشيء منها على تحكيم العقل في الحسن والقبح على إن تحكيم العقل فيها مع موافقة جمهور المعتزلة والماتريدية الحنفية فيه قد أقيمت عليه براهين عقلية لايمكن لمن تفرد بالخلاف فيه من الأشاعرة الفاجرة القدح فيها ولو عضوا بالحجر وقد فصلنا الكلام في ذلك في شرحنا لكتاب كشف
66 ـ قال: ثامنها انهم اشترطوا في الأمام يكون أفضل الأمة وقد ثبت بشهادة على الواجب العصمة عندهم إن أفضلها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما فوجبت صحة إمامتهما كما إنعقد عليه الإجماع السابق انتهى.
اقول: قد قدمنا سابقاً بيان بطلان ماذكره ها هنا من إنعقاد الإجماع السابق ووقوع الشهادة للاحق والنحمد الله تعالى على سلامتنا عن عظيم ما إبتلوا به من المجاهرة بالباطل، ومعارضة الحق بالكلام الغث العاطل.
حديث المنزلة
67 ـ قال: الشبهة الثانية عشرة زعمو إن من النص للتفصيلي على إمامة علي قوله صلى الله عليه وسلم له لما خرج الى تبوك وإستخلفه على المدينة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لانبي بعدي» قالوا ففيه دليل على أن جميع المنازل الثابتة لهارون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لما صح الإستثناء، ومما ثبت لهارون من موسى إستحقاقه الخلافة عنه لو عاش بعده إذا كان خليفته في حياته فلو لم يخلفه بعد مماته لو عاش بعده لكان لنقص فيه وهو غير جائز على الأنبياء وايضاً فمن جملة منازله منه إنه كان شريكاً له في الرسالة ومن لازم ذلك وجب الطاعة لو بقي بعده فوجب ثبوت ذلك لعلي إلا أن الشركة في الرساله ممتنعة في حق علي فوجب أن يبقى مفترض الطاعة على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم عملاً بالدليل بأقصى مايمكن وجوابها إن الحديث إن كان غير صحيح كما يقوله الأمدي فظاهر وإن كان صحيحاً كما يقوله أئمة الحديث والمعول في ذلك ليس إلا عليهم كيف وهو في الصحيحين فهو من قبيل الآحاد وهم لايرونه حجة في الإمامة وعلى التنزيل فلا عموم له في المنازل بل المراد مادل عليه ظاهر الحديث إن علياً خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم مدة غيبته بتبوك
أقول: يظهر من تفرض الأمدي من بين جميع المتسمين بأهل السنة ومحدثيهم بنفي صحة هذا الحديث إنه لما ظهر عليه قوة دلالة هذا الحديث على إمامة علي عليه السلام
وأما ماذكره من «إن الشيعة لا يروون أخبار الآحاد حجة في الإمامة» فهب أن يكون كذلك لكنهم جعلوا الإحتجاج بها إلزامياً لأهل السنة فلا يلزم أن تكون جميع دلائلهم على هذا المطلب تحقيقاً.
وأما ماذكره بعد التنزيل فهو أنزل مما تنزل منه لأن ما أتى به فيه من إنكار العموم منع للمقدمة المستدل عليها حيث إستدل الخصم على العموم بما نقله من قولهم وإلا لما صح الإستثناء فافهم. وقوله «بل المراد الى آخره» مردود بان الكلام في الدلالة لا في الإرادة وانى له إثبات المراد وكيف يبقى بعد ظهور دلالة اللفظ على عموم المنازل دلالة ظاهرة للفظ الحديث على ماذكره من التخصيص المخالف للأصل والظاهر.
وأما ماذكره من «إن قول موسى عليه السلام: إخلفني في قومي لا عموم له الى آخره» ففيه إنه إن لم يكن له عموم بحسب الصيغة لكنه يفيد العموم بحسب العرف كما في قولنا «الله وفقنا لما تحب وترضى» فكما إن العرف يفهم هاهنا العموم لا طلب التوفيق في وقت دون وقت فكذا فيما نحن فيه يفهم أن المطلوب الخلافة الثابتة مدة حياة الخليفة لا الخلافة المستعقبة للعزل ولأن الغرض من ذلك الإستخلاف رعاية مصالح الرعية
وأما ماذكره من «إن عدم الشمول لما بعد الوفاة إنما هو لقصور اللفظ» فإنما نشأ عن قصور فهمه وإلا فاللفظ قد خيط على قدر المعنى سواء بسواء كما عرفت.
واما ماذكره من «إن عزل هارون عن الخلافة بعد موسى عليه السلام كمال له لأنه يوجب إستقلاله في الرسالة وإن ذلك أعلى من كونه خليفة له وشريكاً في رسالته» فمدخول بأنه لو سلم إنه كان شريكاً له في النبوة والرسالة فلا يلزم إستقلاله فيها بعد وفاة موسى عليه السلام إذ الشركة لا تقتضي إستقلال التصرف في حصة الشريك بعد وفاته لجواز ضم آخر اليه بدله على إنه إذا كان هارون شريكاً لموسى في النبوة غير مستقل فيه كما هو صريح عبارته فيلزم منه أن يكون موسى عليه السلام ايضاً كذلك ولم يقل أحداً بأنهما عليهما السلام كانا نبياً واحدا مستقلاً وهو ظاهر وايضاً لو صح ذلك لما تميز عن هارون بكونه من أولي العزم دونه، ولما نسب نزول التوراة اليه وحده، ولما نسب بنو إسرائيل الى كونهم أمته وحده، فظهر إن المراد بقوله «إشركه في أمري» المشاركة في دعوة فرعون ونحوه من الأمور وكذا المراد باستخلافه بهارون كونه خليفة بما يختص بموسى عليه السلام من أحكام نبوته بل الظاهر إنه لا معنى لعدم الإستقلال في النبوة سواء كان النبي مبعوثاً على نفسه أو على غيره ايضاً فتأمل.
وأما ماذكره من «إن العام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة» فضعيف جداً لأن المحققين من أئمة الأصول على كونه حجة في الباقي والمخالف شاذ لا يعتد به لكن هذا الشيخ الجاهل غلب الأمر في نسبة القوة والضعف الى المذهبين ترويجاً لما هو في صدده هاهنا والا فقد تراه في غيره من
وأما ماذكره من «إن نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى لو فرض إنما للنبوة لا للخلافة» مجرد دعوى لا دليل عليه أصلاً ولم لا يجوز أن يكون بالأمرين معاً ففي لوازم نبوة نفسه بها وفي إجراء أحكام نبوة موسى عليه السلام بالخلافة عنه ويؤيد هذا ماروى محمد الشهرستاني الأشعري عند بيان أحوال اليهود من كتاب الملل والنحل حيث قال «إن الأمر كان مشتركاً بين موسى وبين أخيه هارون عليهما السلام إذ قال (إشركه في أمري) فكان هو الوصي فلما مات هارون في حياته إنتقلت الوصاية الى يوشع وديعة ليوصلها الى شبير وشبر قراراً وذلك لأن الوصية والإمامة بعضها مستقروبعضها مستودع» انتهى
وهو نص في أن المراد بالمنزلة في حديث المنزلة وهو الوصاية والخلافة.
وأما ماذكره بقوله «فعلم ماتقرر إنه ليس المراد؛ الى آخره» فهو مردود بما علمت من عدم تقرر ماذكره بل كان ذلك كالرقم على الماء والنقش على الهواء.
وأما ماذكره من «إن الحديث مع كونه آحاداً لايقاوم الإجماع» ففيه من قد بينا سابقاً من بطلان إنعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر وإنه لغاية وهنه ربما يقاومه ما هو أوهن من بيت العنكبوت فضلاً عن الخبر الواصل الى حد التواتر في الصحة والثبوت.
وأما ما إستدل به على مطلوبه من دلالة السياق بمعونة الدليل المنفصل من موضوعات البخاري ومعونة تفسيره للآية بما شاء لا يخفي وهنه ونحن نبرأ الى الله تعالى من هذا التفسير البارد الفاسد الذي هو أما زله عالم فاضل أو إفتراء كاذب فاسق ونحمده تعالى على السلامة من ذلك.
وأما ماذكره آخراً من «إنه أيضاً فاستخلافه على المدينة لا يستلزم؛ الى آخره» فمقدوح بأن الإجماع من الأمة حاصل على إن هؤلاء لا حظ لهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله في إمامة ولا فرض طاعة وذلك دليل ظاهر على ثبوت عزلهم أيضاً الفرق ظاهر لأنه صلى الله عليه وآله عزل إبن أم مكتوم بتولية علي عليه
وها هنا زيادة تدقيق وتحقيق وشحنا بها شرحنا بكتاب كشف الحق ونهج الصدق فليطالع ثمة.
68 ـ قال: الشبهة الثالثة عشرة زعموا أيضاً إن من النصوص التفصيلية الدالة على خلافة علي قوله صلى الله عليه وسلم لعلي «أنت أخي ووصيي، وخليفتي وقاضي ديني» أي بكسر الدال وقوله «أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم «سلموا على علي بإمرة الناس وجوابها مر مبسوطاً قبيل الفصل الخامس ومنه إن هذه الأحاديث كذب باطلة موضوعة مفتراة عليه (ص) ألا لعنة الله على الكاذبين. ولم يقل أحد من أئمة الحديث إن شيئاً من هذه الأكاذيب بلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها بل كلهم مجتمعون على إنها محض كذب وإفتراء فإن زعم
أقول: أما الحديث الأول فهو مذكور في مسند أحمد بن حنبل من عدة طرق بالفاظ متقاربة وكذا رواه الثعالبي في تفسيره وإبن المغازلي في كتاب المناقب
وأما الحديث الثاني والثالث فقد مر إنهما من المتواتر في الطبقة الأولى كافة، وإنما إنقطع تواتره في أواخر تلك الطبقة سيما بني أمية وأتباعهم، المنحرفين عن النصوص عليه، المعاندين لظهور نقلها على الكافة فصار الخوف منهم واجباً لكتمان جمهور الطبقة الثانية الموجودين في حاق زمان ملكهم بذلك وبقي بين الشيعة بحالة مستسرين في نقلة طائفة بعد طائفة. إن قيل: كيف يجوز على العدد الكثير وعلى من يتواتر به الإخبار من جماعة أهل السنة أن يكتموا خبراً تحتاج اليه الأمة أشد حاجة وهو في الأمر العظيم الخطير الشريف الرفيع وقد وعدوا على كتمانه ووعدوا على إذعانه لبعض ماذكرتم من الأسباب الفاسدة والأغراض الكاسدة لو جاز هذا عليهم لجاز عليهم تعمد الكذب فيما شاهدوا وعاينوا، وما الفرق بين الكتمان والكذب ؟ قلنا: إنا لا نجيز وقوع الكتمان من العدد الكثير إلا بعد أن يتغير حالهم ويحتال عليهم محتال في إدخال شبهة عليهم يزيلهم بها عن دينهم فإذا تغيرت الحال وعملت الشبهة وزال القوم عن الدين أمكن أن يعرضوا عما قد سمعوه وعاينوه فإذا أعرضوا أمكن وقوع الكتمان على الأيام وتطاولها وما يعرض فيها من غلبة سلطان جائر يقصد الذين يدينون دين الحق فيقتلهم ويشردهم ويخوفهم حتى يسكت العلماء ويتخذ الناس رؤساء جهالاً فساقاً كمعاوية ويزيد، عليهم من اللعن مايربوا ويزيد، فيضلون ويضلون والدليل على صحة ماإدعيناه إنا وجدنا من أمة موسى عليه السلام ماتغيرت حالهم وتمكنت الشبهة في قلوبهم أعرضوا عما كانو سمعوه ووعوه من قول موسى عليه السلام وارتد الذي لامثل له ولم يلتفتوا مع مافي عقولهم من إن الصانع لانسبة لصنعه الى صنعة السامري الى ماكان يذكرهم به هارون (ع) وهموا بقتله وقالوا (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعوا الينا موسى) هذا
إذ يعلم من هذا إن مجرد ظهور أدلة الشيعة على الإمامة ونحوها من مطاليبهم في نفس الأمر لا يوجب عدم خفائها على أهل السنة وكذا بالعكس وبعبارة أخرى لاوجه لأن يقال لو كان الأمر كماعليه الشيعة لما جاز على خلق كثير من علماء أهل السنة مثلاً أن لا يتفطنوا بمدلول ذلك الدليل ولا يهتدوا به الى الحق ولنعم ماقال عارف الشيرازي:
فلا بد لكل من الفريقين من الفحص عن أدله أخرى بل المباحثة والمناضرة معه حتى يتقرر له الدليل ويتضح عليه السبيل وكل من رام الحق بدون ذلك فهو في تضليل ولعله كما قال النيشابوري قد سبق كتاب من الله في أن لاينال أهل السنة مدلول دليل أهل الحق على إثبات الحق فتأمل هذا وقد مر إن من شرط حصول العلم التواتري لسامع الخبر الا يكون السامع ممن سبق الى إعتقاده نفي مخبره بشبهة أو تقليد فمتى كان السامع كذلك لا يحصل له العلم المخبر الخبر المتواتر. لايقال: فعلى هذا الشرط يجب أن لايحصل لمن سبق إعتقاده نفي مكة العلم بوجودها لأنا نقول مادة النقض غير متحققة إذ لاداعي هاهنا الى سبق إعتقاد النفي فلا يطرأ فيه شبهة.
وأما ماذكره من «إنه كيف ينفرد الشيعة بعلم صحة تلك مع إنهم لم يتصفوا قط برواية ولا صحبة محدث ويجهل ذلك مهرة الحديث؛ الى آخره» ففيه إنه إن أراد إنهم لم يتصفوا برواية وصحبة لمحدث من أهل السنة فعلى تقدير تسليمه وجهه ظاهر لحصول المعاندة بينهم على وجه يتقي الشيعة منهم، وإن أراد روا يتهم من أكابر شيعتهم وصحبتهم مع المحدثين منهم أنفسهم فلهم بحمد الله تعالى أكابر فضلاء، محدثون علماء، وقد دونوا في الحديث النبوي والإمامي من نفائس الكتب مايزيد على الإصول الستة لأهل السنة فمن تلك الكتب الجامع المسمى
وأيضاً فالشيعة وإن لم يتصفوا برواية وصحبة محدث من أهل السنة فقد إتصفو برواية أهل السنة منهم وصحبتهم إياهم كما يرشد اليه ماصرحوا به من أن سبعة من مشايخ البخاري كانوا من محدثي الشيعة منهم عبيد الله بن موسى وأبي معاوية كما مر وذكر الذهبي في أول كتابه الموسوم بميزان الإعتدال في أحوال الرجال أبان بن تغلب رحمه الله وقال إنه شيعي صلب لكنه لما كان صدوقاً فصدقه لنا وبدعته له وقد وثقه أحمد بن حنبل وإبن معين وقال إبن عدي: «إنه كان غالياً في التشيع» ثم قال «فإن قيل كيف يحكم بثقة المبتدع مع إن العدالة التي هي ضد البدعة مأخوذ في تعريف الثقة قلنا الغلو في التشيع والتشيع بلا غلو كان كثيراً في التابعين مع إنهم كانوا متحلين بحلية التدين والورع والصدق فلو ردت أحاديثهم مع كثرتها لضاع كثير من الآثار النبوية وهذه مفسدة ظاهرة» آنتهى.
ومن محدثي الشيعة الذين قد روي عنه جماعة من محدثي أهل السنة الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني الكوفي الملقب بإبن عقدة وقد ذكره الذهبي في ميزانه واليافعي وإبن كثير الشامي في تاريخهما وقالوا «أبوالعباس كوفي شيعي وهو أحد من أركان الحديث والحفاظ الكبار وكان قد سمع أحاديث كثيرة وسافر في طلب الحديث أسفاراً عديدة وإستفاد من خلق كثير واستمع منه الطبراني والدار قطني والجعامي وبن عدي وبن مظفر وبن شاهين وكان آية من أيات الله تعالى في الحفظ حتى قال الدار قطني: إن أهل بغداد أجمعوا على إنه
وأما ماذكره من «إن محدثي أهل السنة دونوا الأحاديث في كتبهم على غاية من الإستيعاب» فهو كذب صريح ظاهر على أصحابه ايضاً لأنهم صرحوا بأن كتاب البخاري مشتمل على أربعة الآف حديث بعد إسقاط المكررات وقد نقل عنه إنه كان يحفظ مائة الف حديث وقس على هذا مسلماً وغيره جمعاً وحفظاً مع تداخل أكثر أحاديث جوامعه وقال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم «إن البخاري ومسلماً لم يلتزما إستيعاب الصحيح بل صحح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنهما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله لا إنه يحصر جميع مسائله هذا مع ما سمعت منا سابقاً من القدح التفصيلي في الكتابين فتذكر وأعجب من جميع ماذكر تعجبه من الشيعة في نفيهم لصحة شطر من أحاديث أهل السنة كيف ودعوى صحة تلك الأحاديث أول المسألة ومصادرة على المطلوب كما مر مراراً خصوصاً في دعوى صحة خبر «إقتدوا بالذين من بعدي» ولقد أحسن حيث حذف ذكر أبي بكر وعمر ها هنا فافهم.
وأما ماذكره من «إن الشيعة يقولون في مقابلة استدلال أهل السنة بتلك الأحاديث إنها أخبار آحاد؛ الى آخره» فهو إفتراء عليهم بل هم لايسلمو صحتها من أول الأمر.
وأما استدلالهم بالخبر الواحد الثابت عند اهل السنة المذكور في بعض