69 ـ قال: الرابعة عشر زعموا إنه لو كان أهلاً للخلافة لما قال لهم «أقيلوني أقيلوني» لأن الإنسان لايستقيل من الشيء إلا أذا لم يكن أهلاً له وجوابها منع الحصر فيما عللوا به فهو من مفترياتهم وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمور هم لها أهل وزيادة بل لاتكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لازهد ثم سببه هنا إنه أما خشي من وقوع عجز ما منه عن إستيفاء الأمور على وجهه الذي يليق بكماله له أو إنه قصد بذلك إستبانة ماعندهم وإنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك كذلك فرآهم جميعهم لا يودون ذلك أو إن خشي من لعنته صلى الله عليه وسلم لإمام قوم وهم له كارهون فاستعلم إنه هل فيهم أحد يكرهه أولاً والحاصل إن زعمهم إن ذلك يدل على عدم الأهلية غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأساً انتهى.
أوقال: الرواية المشهورة إنها قال أبو بكر عند إمتناع علي عليه السلام عن بيعته وإدعاء الخلافة لنفسه محتجاً عليه بما إحتج هو به على الأنصار وغيرهم «اقيلوني أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم» ولا ريب إن شيئاً من الوجوه التي تكلف إبداءها في تأويل هذه الإقالة مما لايتمشى ولايصلح جواباً بعد أن يكون وجه إقالته ماذكرناه وعبارته مانقلناه وإن إرتكب متكلف إرجاع بعض وجوهه الى ماذكره الشارح الجديد للتجريد من إنه قصد بما ذكره التواضع وهضم النفس فيتوجه عليه أولاً ماذكرناه عند الكلام على رواية ذكرها فى أواخر الفصل الأول من الباب الأول
وثالثاً إن القول المذكور إنما وقع منه عند إنكار علي عليه السلام لإمامته وتعريض الناس عليه وعدم لياقته بذلك مع وجود علي عليه السلام كما مر فلو كان غرضه هضم النفس لما خص الخيرية لعلي عليه السلام بل قال أقيلوني فإن كل واحد منكم خير مني كما قال عمر «كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت» مع إن هذا ايضاً في الحقيقة إعتراف بالواقع فافهم.
سبب سكوت الامام على عليه السلام عن حقّة في الخلافة
70 ـ قال: الشبهة الخامسة عشرة زعموا ايضاً أن علياً إنما سكت عن النزاع في أمر الخلافة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه ان لايوقع بعده فتنة ولا يسل سيفاً وجوابها إن هذا إفتراء وكذب حمق وجهالة مع عظيم الغباوة عما يترتب عليه إذ كيف يعقل مع هذا الذي زعموه إنه جعله إماماً والياً على الأمة بعده ومنعه من سل السيف على من إمتنع من قبول الحق ولو كان مازعموه صحيحاً لما سل علي السيف في حرب صفين وغيرها ولم قاتل بنفسه وأهل بيته وشيعته وجالد وبارز الألوف منهم وحده أعاذ الله من مخالفة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضاً كيف يتعقلون إنه صلى الله عليه وسلم يوصيه بعدم سل السيف على من يزعمون فيهم بأنهم يجاهرون بأقبح انواع الكفر مع ما أوجبه الله من جهاد مثلهم قال بعض أئمة أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة وقد تأملت كلماتهم فرأيت قوماً أعمى الهوى بصائرهم فلم يبالوا بما ترتب على مقالاتهم من المفاسد ألا ترى الى قولهم «إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه، وحصر فاطمة
أقول: الأحمق الجاهل الغبي هو معدن التحجر والجمود، أبو جلمود أخو سمهود، إبن حجر الذي يحرف الكلم كملاعين اليهود، ويفتري على خصمه بما هو بريء منه عند أهل الشهود، ثم يعترض عليه إستجلاباً لقلوب عوام مذهبه المردود، فإن الذي نقله الشيعة هو وصية النبي صلى الله عليه وآله الى علي عليه السلام بأن لا يسل سيفاً على الثلاثة لا مطلقاً كما موه به وقد بينا وجه الحكمة في ذلك سابقاً بالفرق الظاهر بين زمان الثلاثة وبيان زمان الناكثين والقاسطين والمارقين.
وأما ماذكره من «إنه كيف يعقل مع جعله إماماً منعه من سل السيف على من إمتنع من قبول الحق» وما كرره به بعيد ذلك بقوله «وايضاً كيف يتعقلون إنه صلى الله عليه وآله يوصيه بعدم سل السيف؛ الى آخره» فمعارض بارسال الله تعالى موسى هارون عليهما السلام الى فرعون الطاغي عليه اللعنة ووصية لهما بأن «قولا له قولاً ليناً» وبعدم سل النبي صلى الله عليه وآله السيف على كفار قريش مع وجود عميه الناصرين له أبي طالب وحمزة وسائر بني هاشم وتحصنه معهم بشعب أبي طالب مدة طويلة ثم فراره بعد وفاة أبي طالب الى الغار ومنه الى المدينة وبعدم محاربته لمن صده من قريش في الحديبية عند توجهه الى الحج بل صالح معهم بكتابة عهد معهم قد تضمن شرائط منها إن من لحق محمداً صلى الله عليه وآله واصحابه من قريش فإن محمداً يرده اليهم ومن رجع من اصحاب محمد الى قريش بمكة فإن قريشاً لا ترده الى محمد ولما كتبوا في كتابة العهد «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما
وأيضاً يمكن المعارضة بما ذكره هذا الجامد في اثناء الخاتمة المتضمنة لبيان إعتقاد أهل السنة في الصحابة من إن إمتناع عليه عليه السلام عن تسليم قتلة عثمان الى معاوية ومن معه من بني أمية إن ظن إن تسليمهم اليهم على الفور مع كثرة عشائرهم وإختلاطهم بعسكر علي يؤدي الى الإضطراب وتزلزل أمر الخلافة التي بها إنتظام كلمة أهل الإسلام سيما وفي بدايتها لم يستحكم الأمر فيها فرأى علي رضي الله عنه إن تأخير تسليمهم أصوب الى أن ترتسخ قدمه في الخلافة ويتحقق التمكن من الأمور فيها على وجهها ويتم له إننظام شملها وإتفاق كلمة المسلمين ثم بعد يلتقطهم واحدا فواحداً ويسلمهم اليه بل يتأتى المعارضة بما فوق ما ذكرنها فإن الله تعالى قد أمهل فرعون الطاغي الكافر أعواماً وأحقاباً خائضاً في كفره وطغيانه فافهم.
وقد ذكرنا سابقاً ماإعتذر أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك بأن له في صبره على طغيان قومه وكفه عن قتالهم إسوة بسبعة من الأنبياء عليهم السلام فتذكر.
واما مانسبة الى أئمة أهل البيت، فهو من مفتريات نفسه الميت.
وأما ماذكره من «إنهم قالوا إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه» فهو مما رواه حشوية
وأما ماذكره «من حصر عمر لفاطمة عليها السلام» فهو مما نقله محمد بن عبدالكريم الشهرستاني الأشعري في كتاب الملل والنحل عن النظام المعتزلي المشارك مع جمهور أهل السنة في تصحيح خلافة أبي بكر فلعل الشيعة إحتجوا بذلك إلزاما على أهل العناد والإنكار، فاندفع العار والبوار عن الإئمة الأطهار، وإنما العار الشنار على من فر في مبارزة آحاد الكفار، وولى الدبر في خيبر وأحد وحنين بلا مبالاة عن لحوق العار، وخوف عن دخول النار.
71 ـ قال: خاتمة قال شيخ الإسلام مجتهد عصره التقي السبكي كنت بالجامع الأموي ظهر يوم الإثنين سادس عشر جمادي الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة فأحضر اليّ شخص شق صفوف المسلمين في الجامع وهم يصلون الظهر ولم يصل وهو يقول «لعن الله من ظلم آل محمد» وقد تكرر منه ذلك فسألته من هو ؟ فقال أبو بكر قلت أبو بكر الصديق ؟ قال أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد فأمرت بسجنه وجعل غل في عنقه ثم أخذه القاضي المالكي فضربه وهو مصر على ذلك وزاد فقال إن فلاناً عدو الله
ويجاب بأن نص الشافعي رضي الله عنه وهو قوله أقبل شهادة أهل البدع والأهواء إلا الخطابية صريح بما قاله النووي مع أن المعنى يساعده وأيضاً فتصريح أئمتنا في الخوارج بأنهم لايكفرون وإن كفرونا لأنه بتأويل فلهم شبهة غير قطعية البطلان صريح بما قاله النووي ويؤيده قول الإصوليين إنما لم يكفر الشيعة والخوارج لكونهم كفروا أعلام الصحابة المستلزم لتكذيبه صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة لأن أولئك المكفرين لم يعلموا قطعاً تزكية من كفروه على الإطلاق الى مماته وإنما يتجه كفرهم إن لو علموا ذلك لأنهم حينئذ يكونوا مكذبين له صلى الله عليه وسلم وبهذا يعلم إن جميع مايأتي عن السبكي إنما هو إختيار له مبني على غير قواعد الشافعية وهو قوله جواب الإصوليين المذكور إنما نظروا فيه الى عدم الكفر لأنه لايستلزم تكذيبه صلى الله عليه وسلم ولم ينظروا لما قلناه إن الحديث السابق دال على كفره وقد قال إمام الحرمين وغيره: يكفر نحو الساجد لصنم وإن لم يكذب بقلبه ولا يلزم على ذلك كفر كل من قال لمسلم ياكافر لأن محل ذلك في المقطوع بإيمانه كالعشرة المبشرين بالجنة وعبدالله بن سلم ونحوه بخلاف غيرهم لأنه صلى الله عليه وآله أشار الى إعتبار الباطن بقوله «إن كان كما قال وإلا رجعت عليه» نعم يلحق عندي وإن لم يذكر ذلك متكلم ولا فقيه بمن ورد النص فيهم من إجتمعه الأمة على صلاحه وإمامته:إبن المسيب والحسن وإبن سيرين ومالك والشافعي.
فإن قلت: الكفر
قلت: التكفير حكم شرعي سببه جحد ذلك أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحداً وهذا منه وهذا أحسن الأدلة في المسألة وينضم اليه خبر الحلية «من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب» والخبر الصحيح «لعن المؤمن كقتله» وأبو بكر أكبر الأولياء والمؤمنين وهذا هو المأخذ الذي ظهر لي في قتل هذا الرافضي وإن كنت لم أتقلده لافتوى ولا حكماً وإنظم الى إحتجاجي بالحديث السابق مما إشتملت عليه افعال هذا الرافضي من إظهاره ذلك في الملأ وإصراره وإعلانه البدعة وأهلها وغمصه السنة وأهلها وهذا المجموع في غاية الشناعة وقد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل بكل واحد منها وهذا معنى قول مالك «تحدث للناس أحكام بقدر مايحدث لهم من الفجور» ولسنا نقول بتغيير الأحكام بتغير الزمان بل بإختلاف الصورة الحادثة وهذا نهاية ماإنشرح صدري له بقتل هذا الرجل وأما السب وحده ففيه ماقدمته وما سأذكره وإذائه صلى الله عليه وسلم أمر عظيم إلا إنه ينبغي ضابط (1) فيه وإلا فالمعاصي كلها تؤذيه ولم أجد في كلام أحد من العلماء إن سب الصحابي يوجب القتل إلا مايأتي من إطلاق الكفر من بعض أصحابها وأصحاب أبي حنيفة ولم يصرحوا بالقتل وقد قال إبن المنذر «لا أعلم أحداً يوجب القتل بمن سب من بعد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.
اقول: قد تورط هذا الشيخ الجاهل المتعصب الجامد في خاتمته هذه التي تشهد عليه بسوء خاتمته في ورطة لا نجاة له منها أبداً وأكثر فيها من الخرافات والترهات التي نسى أولها آخرها يغتر الجاهل فيظن إنه أتى بشيء غامض دقيق من إختراعاتهم
____________
(1) - ــ قال فيماب بعد «والضابط إن كل شتم قصد به أذى النبي صلى الله عليه وسلم كما من عبدالله بن ابي كفر وإلا فلا كما وقع من مسطح في قصة الأفك» انتهى الضابط (كذا كان في الحاشية منه ره)
أولاً إن نظر هذا الرجل في ماوقع من بعض الصحابة المرضيين عندهم ثم عنهم من سب رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام أولى من نظرهم في حال من سب بعض الصحابة الذين وقع النزاع في كونهم مرضيين وذلك لأن أول من سب رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه صلوات الله عليه وآله هو عمر بن الخطاب، خليفة …… حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ايتوني بدواة وكنف لأكتب كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً؛ فقال عمر: إن الرجل ليهجر، حسبنا كتاب الله فاعرض النبي صلى الله عليه وآله مغضبا؛ ثم وقع التشاجر بين الصحابة فقال بعضهم: القول ماقاله عمر، وقال آخرون القول ماقال رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر النبي صلى الله عليه وآله بالإنصراف عنه حيث آذوه بذلك السقط من الكلام وبالصياح عنده فسأل بعضهم من الكتابة ففتح عينيه صلوات الله عليه وآله وقال بعد ما سمعت … !» ثم سب معاوية وبنو أمية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر ثمانين سنة وكذا سب أمير المؤمنين عليه السلام معاوية وعمرو بن العاص وأمثاله ممن كانوا مع معاوية ثم قتل الصحابة أعظم كثيراً من سبهم وقد قتل يزيد بن معاوية الحسين عليه السلام ونهب حريمه مع إظهار النبي صلى الله عليه وآله محبته له وإشتهار أمره وأمر أخيه عليهما السلام وجعل الله تعالى مودتهم أجر الرسالة التي هي أعظم الألطاف الربانية على العبيد فإن بسببها يحصل الثواب الدائم والخلاص عن العقاب السرمد؛ ثم سب أهل السنة والجماعة النبي صلى الله عليه وآله حيث نسبوا اليه الكفر لأنه صلى يوماً صلاة الصبح وقرأ فيها سورة النجم الى أن وصل الى قوله تعالى (ومناة الثالثة الأخرى) وقالوا
وثانياً إن ذلك الشخص الذي ذكر هذا الشيخ الجامد إنه شق صفوف الجماعة وقال في شأن أبي بكر ماقال قد إستدل على إستحقاقه لما قال فيه «من إنه ظلم فاطمة عليها السلام في ميراثها الى آخره» وقد أشرنا الى إثبات مقدماته فيما مر فلو فرض أن شيئاً من مقدماته كان نظرياً في نظرهم يجب عليهم مطالبته بإثباتها والدليل عليها فلو عجز عن ذلك عومل معه بما شاء وأمن الضرر والضرار لا بأن يعدلوا عن ذلك تعصباً وحيفاً ويكلف بالتوبة مما لا ذنب فيه، ويقتل بفتوى الفقيه المتعصب السفيه، المتشبث بالأحاديث الموضوعة والأقاويل المضطربة المخترعة لهم جرأة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.
وأما قوله «وهم يصلون الظهر ولم يصل الى آخره» ففيه إنه لاحرج في عدم صلاته معهم كما يوهمه كلامه لجواز إنه تأسى في ذلك بمثل ما نقله قاضي خان الحنفي من عمل أكابر التابعين في زمان بني أمية بمثله حيث قال في كتابه الكبير الشهير «روي عن إبراهيم النخعي وابراهيم بن مهاجر إنهما كانا يتكلمان عند وقت الخطبة فقيل لإبراهيم النخعي في ذلك فقال إني صليت الظهر في داري ثم رحت الى الجمعة تقية فلذلك تأويلان
أحدهما إن الناس في ذلك الزمان كانوا فريقين فريق منهم لا يصلي الجمعة لأنه كان يرى السلطان الجائر سلطاناً وسلطانه يومئذ كان
وكان فريق منهم ترك الجمعة لأن السلطان يؤخر الجمعة عن وقتها في ذلك الزمان ويصلون الظهر في دارهم ثم يصلون الجمعة مع الإمام ويجعلونها سبحة» انتهى
وبالجملة يجوز أن يعتقد ذلك الشخص عدم كون إمام تلك الصلاة مرضياً ولا يقول بما إشتهر بين أهل السنة من جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر كما هو مذهب الفرقة الناجية أيدهم الله تعالى بنصره.
وأما قوله «وسهل عندي قتله؛ الى آخره» فالوجه فيه ظاهر بسهولة من قول شاعر أهل البيت:
وأما ما أتي به من الإستدلال الذي شرح به صدر جاهليته فالظاهر إنه أشار به الى قوله «إحداها قوله صلى الله عليه وسلم؛ الى آخره» ودلالته على مازعمه من كفر ذلك الشخص ممنوعة لأن ضمير رجعت في قوله «وإلا رجعت عليه» غير راجع الى الكفر وهو ظاهر فهو أما راجع الى نتيجة ذلك القول من المقت والخزي كما هو الظاهر من سوق أمثال هذا الكلام أو راجع الى العدواة المفهومة من قوله عدو الله لكن عداوة الله تعالى شاملة للكافر والفاجر فعلى التقديرين لايلزم منه الحكم بالكفر بل الحاكم بذلك كافر لجرأته على تأويل كلام النبي صلى الله عليه وآله تأويل الجاهلين.
وأما التشبيه بالمصحف فلا يصدر إلا عمن نبذه وراء ظهره بل القاه فيما ذكره وذلك فرع إثبات إن أبا بكر آمن بالمصحف فضلاً عن أن يكون له قدر عند الله تعالى ودون إثبات ذلك خرط القتاد كما عرفته مراراً وحققته أطواراً.
وأما ماذكره من «إن خبر الواحد يعمل به في الحكم بالتكفير» فمجرد دعوى لا دليل عليه سوى تقرير وجوب الحد والتعزير على من طعن أبا بكر بالتكفير،
وأما تضعيف قول النووي
وأما مانقله عن السبكي من قوله «إن الإصوليين لم ينظروا لما قلناه إن الحديث السابق دال على كفره» فمردود بما أريناكه من عدم دلالته على ذلك قطعاً
وأما مانقله عن إمام الحرمين من «إنه يكفر نحو الساجد لصنم» فلا يجدي فيما نحن فيه لأن المخالف يدعي إن الطعن في أبي بكر ليس في مرتبة الطعن في ساجد الصنم فكيف يصح تنظير تكفير أبي بكر بنحو السجود للصنم.
وأما قوله «نعم يلحق عندي بمن ورد النص فيهم من إجتمعت الإمة على صلاحه وإمامته كإبن المسيب؛ الى إخره» فنعم إلالحاق لكن ليس أحد ممن سماهم هاهنا على الصلاة،
أما إبن المسيب فلأنه كان ناصبياً قد إشتهر عنه الرغبة عن الصلاة على جنازة مولانا زين العابدين عليه السلام فقيل له إلا تصلي على هذا الرجل الصالح من أهل البيت الصالح ؟ فقال صلاة ركعتين أحب اليّ من الصلاة على الرجل الصالح من أهل البيت الصالح. وروي عن مالك إنه كان خارجياً أباضياً.
وأما الحسن البصري فمع قطع النظر عن القوادح المروية فيه عن طريقة أهل البيت عليهم السلام قد سبق الرواية عن الشافعي إنه قال «فيه كلام».
وأما إبن سيرين فقد كان مرائياً مصانعاً وقد قال صاحب جامع الأصول في آخر الجامع في ذكر الرجال عمران بن حطان البيدوي الخارجي وذكر إنه روي عنه محمد بن سيرين «ولا إعتداد بمن يروي عن خارجي يكفر علياًعليه السلام».
وأما مالك والشافعي فقد طعن فيهما أصحاب أبي حنيفة وإبن حزم الظاهري وغيرهما وأصحاب الشافعي كإمام الحرمين والغزالي وغيره طعنوا في أبي حنيفة ومالك بل قال إبن الجوزي في المنتظم «إتفق
وأما ماذكره من «إن التكفير حكم شرعي سببه جحد ذلك أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر» فمسلم لكن لانسلم ماذكره من إن سب أبي بكر من هذا القبيل والسند واضح مما أسبقناه مراراً وكذا الكلام في خبر الحلية فإنا نقول بموجبه لكن لانسلم تحلي أبي بكر بمدلوله وكونه من الأولياء فضلاً عن كونه أكبرهم وقس على هذا باقي كلماته بل سائر وجوهه الخمسة الآتية فالنضرب عنه صفحاً تحرزاً عن تضييع الوقت بأزيد من ذلك ونقول قد ذهب الشيخ الأشعري والغزالي والأمدي وفخر الدين الرازي وصاحب المواقف وصاحب المكاتيب المشهورة وأمثالهم من أكابر أهل السنة الى عدم تكفير من سب الشيخين من الشيعة والرافضة والنذكر ماذكره الغزالي في كتاب المستظهري وصاحب المكاتيب قطب الدين الأنصاري الشافعي في مكاتيبه لأن تحصيلهما ربما يتعسر أو يتعذر على سائر الناظرين ـ قال الغزالي (1) بعد جملة من الكلام في تحقيق هذا المرام «فإن قيل: فلو إعتقد معتقد فسق أبي بكر وعمر وطائفة من الصحابة ولم يعتقد كفرهم فهل تحكمون بكفره ؟ قلت لا نحكم بكفره وإنما نحكم بفسقه وضلالته ومخالفته لإجماع الأمة ونحن نعلم إن الله تعالى لم يوجب على من قذف محصناً بالزنى إلا ثمانين جلدة وإن هذا الحكم يشمل كافة الخلق ويعمهم على وتيرة واحدة، وإنه لو قذف قاذف أبي بكر وعمر بالزنا، مازاد على إقامة حد الله
____________
(1) قال الرازي في نهاية العقول: «لايجوز تكفير الشيعة على السب لإعتقادهم كفر من يسبونه» منه نور الله مرقده (كذا كان في حاشية الموضع)
أحدهما مخالفة الإجماع وخرقه فإن تكفير غيره ربما لايكون خارقاً لإجماع معتد به
الثاني إنه ورد في حقهم من الوعد بالجنة والثناء عليهم والحكم بصحة دينهم وثبات يقينهم وتقدمهم على الخلق إخبار كثيرة فقائل ذلك إن بلغه الأخبار ثم إعتقد مع ذلك كفرهم فهو كافر لا بتكفيره إياهم ولكن بتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وآله فمن كذبه في كلمة من أقاويله فهو كافر بالإجماع؛ وهما قطع النظر عن التكذيب في هذه الأخبار وعن خرق الإجماع نزل تكفيرهم منزلة تكفير القضاة والأمة وآحاد المسلمين» انتهى.
كلامه قال صاحب المكاتيب بعد نقل كلام الغزالي هذا في مكاتيبه: «اگر كسي گويد كه امام غزالي فرمود كه كسيث كه اخبار در تزكيهء ايشان وارد است باور ررسيده باشد ومع هذا تكفير ايشان كند كافر است وكريمهء «اذ قال لصاحبه لا تحزن» بهمه كس رسيده چه قرآن متواتر الجميع است. آنست كه قرآن متواتر الجميع نيست نسبت باهمه كس، چه كسي هست كه غير سورهء فاتخه نخوانده وأيضا آنكس كه آيهء مذكوره باورسيده باشد على سبيل التواتر شايد كه اين كه آن صاحب مذكور در آيه ابو بكر است بر سبيل قطع نداند چه اين كه ورود آيهء مذكوره در شأن ابوبكر است از قبيل ساير شأن نزول آياتست كه در تفاسير واحاديث مذكور است و از اخبار آحاد است وايضا شايد كه آنكس بر آن باشد كه مراد از صاحب صاحب لغويست يعني كسى كه باوى همراه بود در غار واز
اگر كسى سؤال كند كه گير كه نظر بآيه چنين است چه ميگوئي در خرق اجماع كه اكثر علماء بر آن رفته اند كه صاحب آن كافر است قال القاضي عياض في الشفاء«فأما من انكر الإجماع المجرد الذي ليس طريقه النقل المتواتر عن الشارع فاكثر المتكلمين والفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا بتكفير كل من خالف الإجماع الصحيح الجامع لشروط الإجماع المتفق عليه عموماً وحجتهم قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين وله ماتولى ونصله جهنم،) الآية؛ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من خالف الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام» جواب گويم اگر چه مذهب غزالي در اين مسئله نه مذهب جمهور است وخرق اجماع نزد او كفر نيست چنانكه در نقل مذكور شد اما ما استناد بمذهب او ميجوئيم ومي گوئيم كه اجماعي كه خرق آن كفر است اجماعا اجماعيست كه در امور در اين انكار رفع حكميست از احكام دين چه ثمرهء أين اين انكار آنست كه شرب خمر
أگر كسي سؤال كنند كه كسي أكر نابايست در شأن ابي بكر وعمر كويد بمجرد اين همه مستحق تعزير باشد وبس چنانچه در سخون غزالي كذشت كأن كه دل باين قدر خشنود نميشود ودوست ميدارد كباين إستحقاق تكفير درست شود.
جواب آنست كه مقصود ما أز سخن آنست كه خوارج وشيعه كافر نبا شند چه اهل علم تكفير ايشان نكرده اند ايشانرا مبتدع وضال مشرده اند وهمهء ايشان نابايست ميكو يند وعامل عمر بن عبدالعزيز از كوفه بوي نوشت كه شخصي سبب عمر بن الخطاب كرده اكر رخصت فرمائي او را قتل كنم در جواب نوشت كه جايز نيست كه كسي راكه سبب
ويزيد ذلك وضوحاً ماذكره بعض فضلاء أهل السنة في شرحه للشفاء المذكور حيث قال في شرح فصل عقده مصنف الشفاء لبيان حكم الفرق المعتقدين غير إعتقاد أهل السنة من المشبهة والمجسمة والمعتزلة والشيعة وغيرهم «إنه يفهم من كلام المصنف في هذا المقام إن لمالك وأصحابه أقوالاً بالتكفير والقتل إن لم يقع لهم توبة وهو مشكل لأن القول بالتكفير في مثل هذا المقام أعني مقام» التاؤيل الإجتهاد يتعين عنه الإبعاد لأنه أمر عظيم الخطر مهول في الدين القويم، تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم، إذ هو عبارة عن الأخبار عن شخص إن عاقبته في الآخرة هو العقوبة الدائمة وإنه في الدنيا مباح الدم والمال لا يمكن من نكاح مسلمة ولا يجري عليه أحكام الإسلام في حياته وبعد مماته والخطأ في ترك الف كافر أهون عند الله من الخطأ في سفك محجمة
التقيّة عند الشيعة
72 ـ قال: الباب الثاني فيما جاء عن أكابر أهل السنة من مزيد الثناء على الشيخين ليعلم برائتهما مما يقول الشيعة والرافضة من عجائب الكذب والإفتراء وليعلم بطلان مازعموه من إن علياً إنما فعل ما مر عنه تقية ومداراة وخوفاً وغير ذلك من قبائحهم
أقول: مانقله في هذا الباب من أكابر أهل البيت، لإحياء الميت، وإضاءة سراجه
أما أولاً فلأن السائل سئل عن فعل عبدالله رضي الله عنه في المسح على الخفين وعدمه وهو قد أجابه بجواب غير مطابق لذلك السؤال فقال إن عمر كان يفعل ذلك حتى إعترض عليه السائل بإن جوابك غير مطابق لسؤالي ثم إحتال رضي الله عنه في التخلص عنه بأن قال له «إن ذلك أعجز لك» ففي قوله رضي الله عنه هذا دليل على إن السائل كان من أهل السنة إذ لو كان من شيعته وشيعة آبائه عليهم السلام لكان فعل عبد من عبيدهم اْجز له من فعل عمر وأخويه فضلاً عنه رضي الله عنه.
وأما ثانياً فلأنه لولا ماذكرناه لكان الظاهر من حاله إن يستند بما علمه في المسألة من فعل جده صلى الله عليه وآله وآبائه عليهم السلام وحيث لم سيتند بفعل أحد
وأما ثالثاً فلأن قول السائل له ثانياً «هذا تقية» صريح في إنه رضي الله عنه كان في معرض تهمة أعماله للتقية ومن البين إن المسؤول عنه إذا علم إن سؤال السائل إنما صدر على وجه الإمتحان وإنه عند السائل متهم بالرفض وإخفاء مايعتقده خوفاً وتقية عن السائل لابد له أن يسلك في جوابه مسلك التقية حذراً عن الوقوع في التهلكة.
وأما رابعاً فلأن قوله رضي الله عنه «هذا قولي في السر والعلانية؛ الى آخره» يحتمل أن يكون المشار اليه فيه بهذا التقية أي القول بالتقية قولي ففي كلامه هذا أيضاً أعمال التقية كما لايخفى وكذا الكلام في قوله «من هذا الذي يزعم إن علياً كان مقهوراً ؟» فإن هذا الكلام مع صراحته في الوضع لقلة إرتباطه بكلام السائل إنما يدل على إنكار زعم مقهوريته عليه السلام دائماً ومن كل أحد ولا يمكن أن يكون مراده إنكار زعم مقهوريته في الجملة والأول لايفيد مطلوب الخصم والثاني أعني إنكار زعم مقهوريته في الجملة يكاد أن يكون كفراً فكيف يكون مقصوداً من كلامه رضي الله عنه ؟ وكذا الحال ايضاً في قوله رضي الله عنه «وإن النبي صلى الله عليه وآله أمره بأمر فلم ينفذه؛ الى آخره» لأن إنفاذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروط بشروط مذكورة في محلها وحينئذ يظهر إنه رضي الله عنه لم يرد إن من أمره النبي صلى الله عليه وآله لابد له من إنفاده مطلقاً وإن منع عنه مانع شرعي بل المراد وجوب إنفاده مع رفع الموانع ونحن معشر الإمامية نقول إن النبي صلى الله عليه وآله أمر علياً عليه السلام بأن يتولى إمامة المسلمين بعده لكن أوصاه إن لا يتنابذن الثلاثة عند ظهور المخالفة
وأما ما رواه عن النفس الزكية فبعد تسليم تزكية من بعده من رجاله لا يرحمهم الله ولا يزكيهم وجه اعمال التقية فيه ظاهر لأن قوله «لهما» كما يحتمل أن يكون اللام فيه لام التأكيد على ما اغتربه الراوي يحتمل أن يكون لام الجر بأن يكون المعنى إن لأبي بكر وعمر عندي من هو افضل من علي عليه السلام ويكون المراد بالافضل نبينا صلى الله عليه وآله ووجه تخصيصهما باعتقاد وجود من هو أفضل من علي عليه السلام هو دلالة آية المباهله على المساواة بين النبي صلى الله عليه وآله وبينه عليه السلام كما صرح به المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد وحاصله ان الله تعالى قال في آية المباهلة حكاية عن النبي صلي الله عليه وآله «وانفسنا أنفسكم» وأجمع المفسرون على أن المراد بالنفس ها هنا علي عليه السلام والأتحاد محال فلم يبق إلا المساواة في الصفات الفاضلة النفسية فيكون مساوياً له في الفضل.
لا يقال: كيف يتحقق المساواة في جميع صفات النفس ومنها النبوة التي لم تحصل لعلي عليه السلام ؟ فيجوز أن يكون النبي المتصف بهذه الصفة الكاملة العالية أعني النبوة أعظم منزلة عند الله تعالى من غير المتصف بها
لأنا نقول: إن أراد بالنبوة بعث إنسان على الوجه المخصوص فظاهر إن ذلك ليس من صفات النفس وإن أراد به الصفة الكاملة النفسية التي ينبعث منه البعث المذكور فلا يمتنع أن تكون تلك الصفة حاصلة لعلي عليه السلام غاية الأمر إن خصوصية خاتمية نبينا صلى الله عليه وآله منعت من بعثه على الوجه المخصوص كما روى الجمهور من إن النبي صلى الله عليه وآله قال في شإن عمر «لو كان بعدي نبي لكان عمر» وبالجملة إنه عليه السلام كان مستجمعاً للصفات الصالحة لترتب النبوة عليها
الحديث هذا وإيراد الألفاظ المحتملة لا يستعبد من العامل بالتقية كما مر بظهور إن هذا المقام أنسب بأعمال التقية والألغاز من الإفصاح والإبراز.
وأما مارواه عن مولانا الباقر عليه السلام ففيه إنما أخبر به عليه السلام من إجماع بني فاطمة رضي الله عنهم على ماذكر إنما كان خوفاً وتقية عن بني أمية التابعين لهما أو عن جماعة أخرى من أتباعهما الذين كانوا في ذلك الزمان إذا سمعوا سب الشيخين من لسان أحد الشيعة بادروا في مقابله بسب علي عليه السلام ويؤيد هذا ماروي عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فسيبوا الله عدواً بغير علم» حيث قال عليه السلام: «لا تسبوهم فإنهم يسبون عليكم» وأيضاً عدوله عليه السلام عن أن يقول إجمع المسلمون او نحوه الى قوله «أجمع بنو فاطمة» يدل على إنه إنما ذكر هذا الكلام بدفع ضرر متوجه اليهم من إتهامهم بعدم كونهم قائلين في الشيخين أحسن مايكون من القول ولولا ماذكرناه لكان أقل مايناسب مقام التأكيد أن يقول أجمع بنو هاشم حتى يشمل سائر ذرية علي عليه السلام من لا يكون فاطمياً وغيره من آل عباس وعقيل وجعفر ونظائرهم
وأيضاً: نحن نعلم علماً قطعياً إنعقاد الإجماع من بني فاطمة عليها السلام
وأما مارواه عن مولانا الصادق عليه السلام أيضاً من التعبير عن أبي بكر بالصديق والمبالغة فيه فمدخول بإن الرجل السائل عنه عليه السلام إن كان من أهل السنة فوجه التقية ظاهر وإن كان من الشيعة فالظاهر إنه قد حضر هناك غيره من المخالفين أو عرف عليه السلام من حاله إنه إذا سمع فساد حال أبي بكر من لسانه عليه السلام لايطيق السكوت بعد ذلك فيطعن فيه فيقع في الضرر فشدد عليه السلام عليه صوناً له عن الوقوع في التهلكة وهذا كما روي إن مولانا الكاظم عليه السلام كتب بعض الأيام الى علي بن يقطين رحمه الله من خلص شيعته كان من وزراء هارون العباسي «إن أغسل الرجلين في الوضوء بدل المسح» وشدد عليه في ذلك فجرى علي رحمه الله على ذلك أياماً بمجرد إمتثال أمره عليه السلام مع علمه بأن وجوب غسل الرجلين ليس من أصول مذهب أهل البيت وقد إتفق في أثناء ذلك سعاية بعضهم له رحمه الله الى هارون بنسبة الى كونه من خلص شيعة الكاظم عليه السلام ومن المتدينين بدين الإمامية فأمر هارون بإحضاره ذات يوم وأشغله إمتحاناً له في بعض بيوت دار الخلافة بأمر من الأمور طول اليوم وكان ينظر اليه من كون ذلك البيت سرأ ًحتى رآه إنه توضأ عند دخول وقت صلاة الظهر وغسل رجليه فاعتذر اليه وأكرمه وأساء الى من سعى فيه ولما إنقضى هذا الإمتحان أرسل عليه السلام إليه