الصفحة 241
كتاباً مشتملاً على أمره بالمسح وإظهار إن الأمر السابق إنما كان لعلمه عليه السلام بما يبتلى به من الإمتحان في الوضوء

إن قلت: إنه عليه السلام أما كاذب في قوله «قد سماه صديقاً رسول الله صلى الله عليه وآله» وهو لايليق بعصمته وطهارته، وأما صادق وكفى به فضلاً لأبي بكر.

قلت جاز أن يكون ذلك تهكما على من زعم إن تلك الشبهة قد وقعت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يكون بناء على قوله صلى الله عليه وآله «من إبتلى ببليتين فليختر أيسرهما» ومضمون المقدمة مذكور في الكتب الكلامية القائلة إن إرتكاب أقل القبيحين للتخلص واجب فتدبر.

واما مارواه من خبر حلية السيف، فبعد الإغماض عما في رجال سنده من الزيف، يتوجه أن ذكر الصديق فيه أما من إضافات الراوي تعظيماً له كما قد يضيف الراوي المتأخر لفظ «عليه السلام، ورضي الله عنه» مع فقد إنه في عبارة الراوي المتقدم أو لأجل تحصيل التميز للمخاطب من غير تصديق بمضمونه أو للإستهزاء كما في قوله تعالى «ذق أنك أنت العزيز الكريم» وللتقية عن السائل.

وأما قوله عليه السلام «قد حلى أبي بكر سيفه» فليس المقصود من الإستدلال عدم البأس في فعل أبي بكر من حيث إنه فعله بل بعمله ذلك زمن النبي صلى الله عليه وآله وبمحضر فيه وتقرير النبي صلى الله عليه وآله إياه فالحجة في تقرير النبي صلى الله عليه وآله لا في مجرد فعل أبي بكر وهو ظاهر.

موقف الشيعة من روايات اهل البيت (عليهم السلام) في فضائل الخلفاء

73 ـ قال: وأخرج أيضاً عن جعفر الصادق رضي الله عنه إنه قال: ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله ولقد ولدني مرتين انتهى.

اقول: يدل على كذب هذا الخبر إن صاحب الشفاعة العظمى هو جده صلى الله عليه وآله فلا يليق به عليه السلام نسيان شفاعة جده صلى الله عليه وآله وإظهار

الصفحة 242
رجاء شفاعة غيره سيما أبو بكر الذي لاشافع له ولا حميم يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتىالله بقلب سليم، اللهم إلا إن قصد به مجرد التقية فافهم.

وأما قوله عليه السلام «ولقد ولدني مرتين» فبيان للواقع لا للإفتخار به كيف وقد مر الإتفاق على إن قوم أبي بكر أرذل طوائف قريش وقد وقع التصريح به من أبي سفيان كما مر وقال علي عليه السلام في شأن محمد بن أبي بكر «إنه ولد نجيب من أهل بيت سوء» فتدبر.

74 ـ قال: واخرج ايضاً عن زيد بن علي إنه قال لمن يتبرأ منهما: أعلم والله أن البراءه من الشيخين البراءة من علي فتقدم أو تأخر وزيد هذا كان إماماً جليلاً إستشهد في صفر سنة إحدى وعشرين ومائة ولما صلب عرياناً جاءت العنكبوت ونسجت على عورته حتى حفظت عن رؤية الناس فإنه إستمر مصلوباً مدة طويلة وكان قد خرج وتابعه خلق من الكوفة وحضر اليه كثير من الشيعة فقالوا له إبرأ عن الشيخين ونحو نبايعك فأبى، فقالوا إنا نرفضك فقال إذهبوا فأنتم الرافضة فمن حينئذ سموا الرافضة وسميت شيعته بالزيدية انتهى.

أقول: بعد تسليم صحة السند أراد رضي الله عنه بقوله البراءه من علي إن علياً عليه السلام أمر شيعته بالتقية والإحتراز عن الطعن في أبي بكر وعمر فمن تبرأ عنهما تبرأ عن علي عليه السلام لمخالفة أمره.

وأما ماذكره من «إن الشيعة التي حضروا اليه قالوا له إبرأ عن الشيخين؛ الى آخره» فكذب محض لأن الشيعة لو لم يعلموا علماً قطعياً بأن زيداً رضي الله عنه على ما عليه إبائه عليهم السلام من فساد حال الشيخين لما حضروا اليه من أول الأمر ولما إغتروا بإظهار تبريه لهما ايضاً لتجويزهم أعماله للتورية حين إذ وإنما توهم المخالف ذلك من حال زيد رضي الله عنه وما قاله من قول بعضهم لزيد عن إضطراره

الصفحة 243
الي الحرب مع قلة الأنصار «إين أبو بكر وعمر ؟» يعني لو كانا خليفة في هذا الزمان لما إضطر زيد لذلك فقال رضي الله عنه هما أقاماني هذا المقام فتوهم بعض من سمع ذلك إن مراده رضي الله عنه إن عدم التبري عنهما صار سبب فقد أنصاره من الشيعة وليس كذلك بل كان مراده أن غصبهما الخلافة عن آبائه عليهم السلام وحملهما الناس على رقاب آل محمد صلى الله عليه وآله أوجل إذلال زيد وسائر أولادهم رضي الله عنهم وجرأة من غصب الخلافة بعدهما من بني أمية على سفك دمائهم وإقامتهم مقام فنائهم وإلا فإنما تركه الشيعة بعد إطلاعهم على عدم رضا إمام زمانهم مولانا الصادق عليه السلام بخروج زيد وإنه منعه عن ذلك وأخبره بأنه لو خرج قتل فكان خروجهم معه معصية وغاية مايلزم من تسمية هؤلاء الطائفة بالرافضة رفضهم لنصرة زيد لا لنصرة الحق كما زعمه أهل الباطل.

75 ـ قال: وأخرج الحافظ عمر بن شبت إن زيداً هذا الإمام الجليل قيل له: إن أبا بكر إنتزع من فاطمة فدك فقال إنه كان رحيماً فكان يكره أن يغير شيئاً ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته فاطمة رضي الله عنها فقالت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني فدك فقال هل لك بينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال لها فبرجل وإمرأة تستحقيها ؟ ثم قال زيد والله لو رجع الأمر فيها الي، لقضيت بقضاء ابي بكر رضي الله عنه انتهى.

اقول: لايخفى ما في هذا الخبر من التناقض الدال على تلاعب زيد رضي الله عنه مع السائل تقية لأنه إذا كان أبو بكر لم يغير شيئاً تركه رسول الله صلى الله عليه وآله فقد كان فدك شيئاً تركه رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام كما مر ويدل عليه قولها هاهنا «أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله فدك» فكان يجب عليه أن لايغيره ولا يخرجه عن يدها عليها السلام وقوله قال لها «هل لك بينة» تذكر

الصفحة 244
لجوره في الحكم بطلب البينة عنها عليها السلام بما مر من أن فدك كان مالاً في يد فاطمة عليها السلام والبينة على المدعي واليمين على من أنكر. وكذا في قوله «فبرجل وإمرأة تستحقيها ؟» تذكر بظلمه عليها في عدم إكتفائه في الشهادة على ذلك كما سبق بيانه فدلالة كلامه على الذم هو الظاهر كما لايخفى.

وأما قوله رضي الله عنه «لو رجع الأمر فيها اليّ، لقضيت بقضاء ابي بكر» فليس أول قارورة كسرت في الإسلام لأن علياً عليه السلام قضى في ذلك عند رجوع الأمر اليه بما قضى أبو بكر لما مر من أن تصرفه في فدك كان يستلزم الطعن في عمل الشيخين وإنه عليه السلام لم يكن قادراً على تغير بدعهم والطعن على أحكامهم فكلامه رضي الله عنه دليل على وجوب أعمال التقية عليه بموافقة أبي بكر في القضاء عند رجوع الأمر اليه كما فعله آبائه عليهم السلام فتدبر.

76 ـ قال: وأحرج ايضاً ابن عساكر عن سالم بن ابي الجعد قلت لمحمد بن الحنفية رضي الله عنه هل كان أبو بكر أول القوم إسلاماً قال لا ؟ قلت: فبمن علا أبو بكر ؟ قال لأنه كان أفضل إسلاماً حين أسلم حتى لحق بربه انتهى.

أقول: لا ذكر في كتب رجال الإمامية لسالم المذكور اصلاً لا في المقبولين ولا في المردودين فهو من المجهولين عندهم نعم هو مذكور في التقريب لإبن حجر العسقلاني الشافعي حيث قال: «سالم بن ابي الجعد رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة كان يرسل كثيراً» وقال عند ذكر الكنى: «إنه صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة» انتهى والظاهر إنه إنما حكم بصدقه لأجل إختراعه مثل هذه الروايات والأزدي المسكين غفل عن هذه الدقيقة وإلا لما تكلم فيه ولو بحجة فافهم. ثم الظاهر إن مراد السائل سؤاله عن وجه علو أبي بكر في أرض الخلافة، وإستعلائه على عرش الإمامة،

الصفحة 245
وقوله رضي الله عنه «لأنه كان أفضل إسلاماً حين أسلم» لا يصلح وجهاً له إلا تهكماً وإستهزاء لأن غاية مايدل عليه أفضلية إسلام أبي بكر حين إسلامه على مابعده من الأحيان وليس في ذلك دلالة على فضيلة يستحق بها الخلافة بل يدل على سوء عاقبته بمخالفته رسول الله صلى الله عليه وآله في ذلك ونحوه بعد حين فتأمل.

77 ـ قال: وأخرج الدارقطني عن سالم بن أبي حفصة وهو شيعي ولكنه ثقة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد عن الشيخين فقالا: ياسالم تولهما وإبرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى انتهى.

اقول: وثقاة سالم هذا غير مسلمة بل هو معتل أجوف غير سالم عن القدح، لأنه كان زيدياً بترياً سمي هو وأصحابه بذلك من قول زيد رضي الله عنه لهم «بتركم الله» على مافصل في كتب رجال أصحابنا الإمامية أيدهم الله تعالى وقد لعنهم مولانا الصادق عليه السلام وكذبه وكفره وقس على هذا سائر الأخبار المنقولة عنه لعنه الله.

78 ـ قال: وأخرج عنه ايضاً قال دخلت على أبي جعفر وفي رواية على جعفر بن محمد فقال وأراه قال ذلك من أجلي: اللهم إني اتولى أبا بكر وعمر واجهما، الله إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة انتهى.

اقول: الظاهر إن ضمير ذلك في قول سالم الراوي «وأراه قال ذلك لأجلي» إشارة الى ماذكره بعد ذلك من قول الإمام عليه السلام «اللهم إني أتولى أبا بكر؛ الى إخره» فقوله «قال ذلك من أجلي» أي لأجل خاطري صريح في إنه فهم منه عليه السلام أعمال التقية معه في ذلك فكيف يستدل فيه الشيخ الجاهل الذاهل على مطلوبه ثم الأولى بهم نسبة هذا الخبر الموضوع لهم الى أبي جعفر عليه السلام دون جعفر عليه السلام لأنه لايوافق الحديث المنقول عنه سابقاً الذي ترك فيه رجاء شفاعة النبي صلى الله

الصفحة 246
عليه وآله الى رجاء شفاعة أبي بكر بل الموافق له أن يقول «اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة أبي بكر» فافهم.

79 ـ قال: ؤأخرج عن جعفر أيضاً إنه قيل له: إن فلانا يزعم إنك تتبرأ من أبي بكر وعمر فقال برأ الله من فلان إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر «ولقد مرضت فاوصيت الى خالي عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه انتهى.

اقول: هذا ايضاً كسابقه مما ذكره عليه السلام لأجل خاطر سالم لعنه الله تقية منه وضحك به على لحيته ولا دلالة في قوله عليه السلام «نفعني الله بقرابتي من أبي بكر» على النفع الديني ولا حصوله وحصول النفع الدنيوي منه نفسه إذ يكفي في صدق ذلك صدور هذا النفع من أولاده الصالحين كما يرشد اليه قوله عليه السلام «ولقد مرضت فاوصيت؛ الى آخره» تدبر.

80 ـ قال: وأخرج هو ايضاً والحافظ عمر بن شبت عن كثير قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أخبرني أظلمكم أبو بكر وعمر من حقكم شيئاً ؟ فقل ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ماظلمانا من حقنا من يزن حبة خردلة. قال قلت افأتولاهما جعلني الله فداك ؟ قال نعم ياكثير تولهما في الدنيا والآخرة انتهى.

اقول: إن اراد بكثير ما هو بالتصغير وهو الشاعر المشهور من مادحي أهل البيت وقد وصفه اليافعي بأنه كان شيعياً غالياً قائلاً بالرجعة فكيف يجري بينه وبين مولاه ماذكره من الكلمات وهو يبقى على خلاف ما أمره مولاه وهل الغلو في التشيع إلا تناول الشيخين بالوقيعة والتبري عنهما ؟ أو أراد الكثير بصيغة التكبير فلا إعتناء بالغير، ولا خير في كثير.


الصفحة 247
81 ـ قال: وأخرج أيضاً عن الشافعي رضي الله عنه عن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر خير خليفة وأرحمه لنا وأحناه علينا. وفي رواية، فما ولينا أحد من الناس مثله. وفي رواية، فما رأينا قط خيراً منه. انتهى.

اقول: ـ قد إتفق الجمهور من ارباب السير والتواريخ على أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما إستشهد في غزوة مؤتة في سنة ثمان من الهجرة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف أخبر لغيره عن حسن ولاية أبي بكر وخلافته ومتى رأى ذلك ؟ اللهم إلا أن يقال إنه لما روى إنه رضي الله عنه طار عند الشهادة الى الجنة فربما نزل بعده الى أسلاف الشافعي في بعض الأحيان وأخبره بذلك هذا وإذا كان هذا حال الشافعي إمامهم في الوضع والجهل المذموم، فكيف يكون حال المأموم.

82 ـ قال: وأخرج ايضاً عن ابي جعفر الباقر إنه قيل له إن فلانا حدثني إن علي بن الحسين قال هذه الآية (ونزعنا ما في صدورهم من غل)نزلت في أبي بكر وعمر وعلي قال والله إنها لفيهم أنزلت، ففي من أنزلت إلا فيهم ؟ قيل فأي غل هو ؟ قال غل الجاهليه إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم شيء في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذ أبو بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده ويكمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية فيهم وفي رواية له عنه ايضاً قلت لأبي جعفر وسألته عن أبي بكر وعمر فقال ومن شك فيهما فقد شك في السنة انتهى.

أقول: لايخفى إن سوق الآية يدل على إن الضمير في صدورهم راجع الى الجمع المدلول عليه قبل ذلك بقوله (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لانكلف نفساً إلا وسعها اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون) وأما كون المنزول فيهم مجموع أبي بكر وعمر وعلي فغير مسلم عندنا وكون ذلك مروياً عن الباقر عليه السلام ممنوع موضوع عليه وإنما الرواية الصحيحة ما في مسند أحمد بن حنبل من إنها نزلت في علي عليه السلام

الصفحة 48
وأيضاً إن اريد إن مفاد الآية نزع بعض أقسام الغل عن صدورهم فلا يفيدكم وإن أريد نزع مطلق الغل فغير مسلم كيف والمذكور في ضمن هذا الخبر إن المراد نزع الغل والعداوة التي كانت بينه في الجاهلية فيجوز أن يكون في صدور الشيخين غل الحسد مع علي عليه السلام على ما آتاه الله من فضله كما ذكره هذا الشيخ الناسي عند ذكر الآية في فضائل أهل البيت عليهم السلام وصرح بمثله في مواضع أخرى قد أشرنا إليها آنفاً فتذكر.

وأيضاً ينافي كون المنزول فيهم من ذكر ظاهر ماسيذكر بعد ذلك رواية عن محمد بن حاطب من إنه سئل علياً عليه السلام في من قتل عثمان وكان متكئاً فقال يا إبن حاطب والله إني لأرجو أن أكون انا وهو كما قال الله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل) فإنه لو كان علي عليه السلام من ملة المنزول فيهم لكان دخوله في الآية محققاً عنده لا مرجواً له إلا أن يقال إن رجاءه لذلك إنما كان بإعتبار ضمه لعثمان معه أو يقال إن الضمير الغائب أعني هو في قوله «أنا وهو» ليس راجعاً الى عثمان بل هو راجع الى من قتل عثمان وهو محمد بن أبي بكر مع بعض أصحابه وحينئذ يكون المراد بالغل المنزوع عداوة الإسلام لا عدواة عثمان ضرورة إن عداوة عثمان عند أهل البيت عليهم السلام من كمال الإسلام وشرائط الإيمان كما روي «إنه قال رجل لعلي عليه السلام: أحبك وأتولى عثمان فقال له الآن أنت أعور، فأما أن تعمى وأما أن تبصر» على إن الظاهر من توسيط قوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل) بين قوله (اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) وبين قوله (تجري من تحتهم الأنهار) إن كلا من نزع الغل من صدورهم وجريان الأنهار من تحتهم مما يتصفون به في الجنة لا في أرض الحجاز وقد صرح بذلك ايضاً صاحب الكشاف حيث قال «أي من كان في قلبه غل من أخيه في الدنيا نزع منه فسلمت قلوبهم فطهرت ولم يكن إلا التواد والتعاطف

الصفحة 249
وعن علي كرم الله وجهه لأرجو أن أكون وعثمان وطلحة والزبير منهم» إنتهى فمع توجه ما أريناكه من أقسام الإختلال على ذلك الإستدلال كيف يعقل إسناده الى الإمام المؤيد المعصوم عليه السلام بل يمنع عن إسناده اليه عليه السلام ايضاً قوله «ففيمن نزلت إلا فيهم ؟» فانه يدل على إنه لم يكن في طوائف الأصحاب وآحادهم من يصلح نزول الآية المذكورة فيهم مع إن نظير هذه الآية قد ورد في شأن الآوس والخزرج من الأنصار الذين كان بينهم في الجاهليه من الغل والإرتياب، ما لايخفى على متتبع الإحوال، فهذه العبارة التي لايرضى بها الفصيح تدل على إنه موضوع عليه عليه السلام.

وأما مانسبه في الرواية الأخرى اليه عليه السلام من إنه قال «من شك في ابي بكر وعمر فقد شك في السنة» فلا نشك في صدقه لأن السنة التي نسب اهل السنة أنفسهم اليها إنما هي سنة أبي بكر وعمر بل سنة معاوية في سبه علياً عليه السلام لا سنة النبي صلى الله عليه وآله كما أوضحناه في موضعه فيكون متفرعاً على يقين صحة خلافتهما ولا ريب إن الشك في الإصل موجب للشك في الفرع، فتدبر.

83 ـ قال: وأخرج عن ابي جعفر ايضاً عن ابيه على بن الحسين رضي الله عنهم إنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر ثم في عثمان؛ إلا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ؟ قالوا لا، قال فانتم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خاصة، ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون ؟ قالوا لا، قال أما أنتم فقد برأتم أن تكونوا في أحد هذين الفريقين وأنا أشهد بانكم لستم من الذين قال الله عز وجل فيهم: «والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا

الصفحة 250
ولأخواننا الذين سبقونا بالأيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم انتهى.

اقول: ان مانقله عنه عليه السلام إنما يدل على إن المخاطبين لم يكونوا من الفريقين المذكورين في الآيتين ولا دلالة له على إن الثلاثة كانوا داخلين فيهما وبالحملة هذا كلام مجمل مبهم مستعمل في مقام التقية وإجماله اقوى قرينة على ذلك فلا ينتهض حجة علينا اصلأً ودعوى إن دخولهم في الآيتين قد علم من خارج غير مسموعة، يرشد اليه وجوب خروج ابي بكر عن عموم الفقراء في الآية الأولى لأنه كان عند أوليائه غنياً ذا يسار كثير المال واسع الحال كما صرحو به وليس لهم أن يتاولوا الفقر في الآية بالفقر عند الهجرة مدعياً إنه تصدق قبل ذلك بجميع ماله كما تكلفه بعضهم لأنهم مطالبون باثبات ذلك وقد نفيناه عن أصله في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب، بوجوه لايخفى وقعها على المتأمل الراسب وأما الآية الثانية فقد نزلت في شأن الإنصار وهو الظاهر من قوله تعالى «يحبون من يهاجر اليهم» فتدبر.

84 ـ قال: واخرج ايضاً عن الحسين بن محمد بن الحنفية إنه قال ياأهل الكوفة إتقوا الله عز وجل ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا بأهل له إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثاني إثنين وإن عمر أعز الله به الدين إنتهى.

أقول: الحسين هذا ليس عنه ذكر في كتب الرجال منا ولا في كتاب التقريب الذي هو إشمل كتب أهل السنة للرجال على إنه يمكن أن يكون مراده بقوله («إتقوا الله»)الأمر بالتقية كما فسر قوله تعالى («إن أكرمكم عند الله أتقاكم») بأن المراد اعمالكم بالتقية فسقط الإستدلال.

وبالجملة ماروى عنه كلام مجمل مبهم لايصدر مثله إلا في مقام التقية أما لفظ «إتقوا» فلما عرفت.

وأما قوله «ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ماليسا بأهل له» فلما مر من أن مايستأهله

الصفحة 251
الشيخان عند أهل البيت وشيعتهم هو الذم دون المدح، فهذا الخبر لنا لاعلينا. ولا ينافي هذا الحمل ماإستدل به رضي الله عنه بعد ذلك مما يوهم إعتقادهم فيهما إتصافهما بالفضل والكمال لأن هذا مجرد وهم لايذهب اليه من له أدنى فهم.

وأما ماذكره رضي الله عنه من صحبة الغار، فلما سنبينه في موضعه اللائق به من إنه لا يوجب لأبي بكر إلا العار والشنار.

وأما قوله «إن عمر أعز الله به الدين» فلأنه في الحقيقة أشار الى فجوره وتذكر قوله صلى الله عليه وآله «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» والملخص إنه قد جرت عادة الأئمة عليهم السلام وأكابر شيعتهم في مقام عروض الخوف والتقية أن يضحكوا على لحية الخصام، بإلقاء مثل هذه الكلمات الجامحة البالغة في درجات الإيهام والإبهام الذي لا يطلع على حقائقها إلا ذووا الإفهام.

85 ـ قال: وأخرج أيضاً عن جندب الأسدي إن محمد بن عبدالله بن الحسن رضي الله عنه أتاه قوم من أهل الكوفة والجزيرة فسألوه عن أبي بكر وعمر فالتفت اليّ فقال إنظر الى أهل بلادك يسألوني عن أبي بكر وعمر ؟ لهما عندي أفضل من علي إنتهى.

أقول: يتوجه عليه بعد تسليم صحة سنده والإغماض عن جهالة جندب هذا الذي لم يذكر في كتب رجال الإمامية ولا في كتاب التقريب الذي هو أجمع للرجال من كتب أهل السنة إن حضور المخالفين أعني أهل الكوفة من الشيعة الخالصة واهل الجزيرة الظاهر منها جزيرة الموصل المشهور اهلها سيما الأكراد منهم بالنصب والغلو في موالاة يزيد بن معاوية دليل على أعماله رضي الله عنه لتقية في محاورتهم وايضاً في إسلوب كلامه ركاكة تبعد صدوره عن البليغ بلا ضرورة فإن السؤال عن أبي بكر وعمر لايوجب التعجب والإضطراب الذي يشعر به قوله «إنظر الى أهل بلادك؛ الى آخره» وايضاً مطلق السؤال عنهما لا يوجب إظهار تفضيلهما على علي عليه السلام على إنه قد مر إن اللام قد تكون للجر وقد تكون لمجرد التأكيد وقوله «لهما» متحمل لهما وإذا

الصفحة 252
قام الإحتمال بطل الإستدلال.

86 ـ قال: وأخرج أيضاً عن فضيل بن مرزوق إنه قال قلت لعمر بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه أفيكم إمام تفترض طاعته تعرفون ذلك له، من لم يعرف ذلك له فمات ميتتة جاهلية ؟ فقال لا ولله ما ذاك فينا،من قال هذا فهو كاذب. فلت إنهم يقولون إن هذه المنزلة كانت لعلي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى اليه ثم كانت للحسن، إن علياً أوصى اليه ثم كانت للحسين بن علي، إن الحسن أوصى اليه ثم كانت لعلي بن الحسين، إن الحسين أوصى اليه ثم كانت لمحمد بن علي أي الباقر أخي عمر المذكور، إن علي بن الحسين أوصى اليه فقال عمر بن علي بن الحسين فوالله ما أوصى أبي بحرفين إثنين فقاتلهم الله لو إن رجلاً أوصى في ماله وولده وما يترك بعده ويلهم ما هذا من الدين والله ما هؤلاء إلا متآكلين بنا إنتهى.

أقول: لقائل أن يقول إن تسمية هذا السيد بعمر إنما وقعت تقية فكيف يتوقع منه خلاف أعمال التقية مع من خالفه بالإعتقاد وايضاً يجوز أن يكون ذلك الإنكار منه حسداً على أخيه الباقر وإخفاء لإمامته وإفتراض طاعته كما وقع مثل ذلك لمحمد بن الحنفية رضي الله عنه مع مولانا زين العابدين عليه السلام فإنه لما طال نزاع محمد رضي الله عنه في الإمامة دعاه علي عليه السلام الى حكومة الحجر الأسود بينهما ولما حضرا عنده حكم بإمامة علي عليه السلام وتفصيل هذه القصة مذكورة في كتاب شواهد النبوة لعبدالرحمن الجامي النقشبندي فليطالع ثمة وأيضاً القسم المذكور بقوله «فوالله ماأوصى أبي بحرفين إثنين» يدل على كذب عمر أو كذب الخبر عنه وكونه عن فضلات أخبار فضيل الذي ليس له ذكر في كتب الرجال للإمامية وإن نسبه صاحب التقريب من أهل السنة الى التشيع كيف والوصية سنة مؤكدة عند الموت وطريقة مسلوكة للنبي وآله العظام، واصحابه الكرام، فكيف أهمل ذلك زين العابدين عليه السلام.


الصفحة 253
87 ـ قال: وأخرج ايضاً عنه إنه (1) سأل عنهما فقال أبرأ ممن ذكرهما إلا بخير فقيل له لعلك تقول ذلك تقية فقال إنا إذن من المشركين ولا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إنتهى

أقول: يدل على كذب هذا الخبر مانسب اليه عليه السلام من قوله «إنا إذن من المشركين» لأن التقية إخفاء الحق وإظهار غيره خوفاً عن المخالفين والمؤدي الى الشرك هو النفاق الداعي الى إبطال الباطل وإظهار الحق خوفاً فكيف يصح منه عليه السلام أن يستدل على نفي أعماله للتقية بأنه مستلزم للشرك اللهم إلا أن يحمل على إن مراده عليه السلام هو «إني لو لم أعمل بالتقية التي هي ديني ودين آبائي لكنت من المشركين؛ الى آخره» كما يدل عليه إشعار العبارة بكونه عليه السلام متهماً عند السائل فافهم.

88 ـ قال: وأخرج عنه ايضاً إنه قال إن الخبثاء من أهل العراق يزعمون إنا نقع في أبي بكر وعمر وهما والداي أي لأن أمه أم فروة بنت القاسم الفقيه بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر ومن ثم سبق قوله «ولدني أبو بكر مرتين» إنتهى.

أقول: حاشى عن الإمام الصادق عليه السلام أن يستدل من غير ضرورة تقية على عدم وقوعه في أبي بكر وعمر لأنهما والداي لظهور أن عبدالله بن عبدالمطلب وآمنة بنت وهب كانوا والدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مع إنه صلوات الله عليه وآله كان عند أهل السنة بريئاً عنهما ممنوعاً من الإستغفار لهما فلا وجه لذلك إلا مجاراة السائل

____________

(1) الضمير يرجع الى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لتقدم ذكره في خبر نقله صاحب الصواعق (ص 33 من النسخة المطبوعة) وتركه المؤلف «ره» هو قوله «وأخرج ايضاً عن عبدالجبار الهمداني إن جعفر الصادق أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال إنكم إنشاء الله من صالحي أهل مصركم فابلغوهم عني من زعم إني إمام مفترض الطاعة فأنا منه بريء ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بريء).


الصفحة 254
لزائغ الضليل، ودفع غائله شره بالمموه من الدليل، على أنه لم يظهر من تقريره كيفية كون عمر احد والديه فيكون ذلك كلاما مختالا لا يليق بجناب الإمام عليه السلام، كما لا يخفى على أولي الافهام.

89 - قال: وأخرج أيضاً عن أبي جعفر الباقر قال: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة انتهى.

اقول: قد ذكر سابقاً نظير هذا الحديث عن ابي جعفر الباقر عليه السلام وهو قوله «من شك في ابي بكر وعمر فقد شك في السنة» وقد ذكرنا عدم دلالته على مقصود القوم فتذكر.

90 - قال: فهذه اقاويل المعتبرين من اهل البيت رواها عنهم الأئمة الحفاظ، الذين عليهم المعول في معرفة الأحاديث والآثار، وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم المتصلة، فكيف يسع التمسك بحبل اهل البيت ويزعم حبهم ان يعدل عما قالوه من تعظيم ابي بكر وعمر واعتقاد حقية خلافتهما وما كانا عليه وصرحوا بتكذيب من نقل عنهم خلافه ومع ذلك يرى أن ينسب اليهم ما تبرءوا منه ورأوه ذما في حقهم حتى قال زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما: ايها الناس احبونا حب الاسلام فوالله ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً وفي رواية حتى نقصتمونا الى الناس أي بسبب ما نسبوه اليهم مما هم براء منه فلعن الله من كذب على هؤلاء الائمة ورماهم بالزور والبهتان انتهى.

اقول: قد اوضحنا بعون هادي السبيل، ان بعض ما نقله من الاقاويل عن سادات اهل البيت الجليل قد تقولوها عليهم وكذبوا في نسبتها اليهم لنصرة المذهب الذليل، وان البقية صريحة في اعمال التقية ودفع شر اهل الإضلال والتضليل واما مدحه لحفاظ قومه بما مدحهم به فهو مصادرة على المطلوب ومجاهرة بتصديق الكذوب، وكيف يصير

الصفحة 255
تعويلهم على هؤلاء المتهمين بالوضع عند الخصم كما مر حجة عليه أو يوجب اقباله على خبرهم والركون اليه وحاشا أن يعدل المتمسك بحبل أهل البيت عليهم السلام عما يظن إنه مما قالوه وأن ينسب اليه ما تبرؤا عنه واستقالوه بل القضية منعكسة لذي الألباب كما أوضحناه في كل مانسب في هذا الباب.

وأما مانقله عن مولانا زين العابدين عليه السلام فلا دلالة له على مقصوده فإن أئمتنا عليهم السلام لم يزل كانوا يوصون شيعتهم بالتقية والتحرز عن الوقوع في تهلكة المخالفين من الأموية وغيرهم من أولي العصبية الجاهلية لكن ربما ضاق صدر بعض الشيعة سيما عوامهم عن كتمان ولائهم وغلا قدره بالتبري عن أعدائهم فاورث ذلك لهم في نظر الجمهور عاراً وأدى الى بغض الناصبة لهم سراً وجهاراً حتى لعنوهم على منابر بني أمية أعواماً وأعصاراً فلنعم ماقال الكاذب الملعون «لعن الله من كذب على هؤلاء الأئمة ورماهم بالزور والبهتان».

ترتيب افضليّة الخلفاء عند ابن حجر

91 ـ قال: الباب الثاث في بيان افضلية أبي بكر على سائر هذه الأمة، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وفي ذكر فضائل أبي بكر الواردة فيه وحده أو مع عمر أو مع الثلاثة أو مع غيرهم وفيه فصول، الفصل الأول: في أفضليتهم على هذا الترتيب وفي تصريح علي رضي الله عنه بأفضلية الشيخين على سائر الأمة وفي بطلان مازعمه الرافضة والشيعة من أن ذلك قهر وتقية.

إعلم إن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة إن أفضل هذه الإمة أبو بكر الصديق ثم عمر ثم إختلفوا فالأكثرون ومنهم الشافعي وأحمد وهو المشهور عن مالك إن الأفضل بعدهما عثمان ثم علي وجزم الكوفية ومنهم سفيان الثوري بتفضيل علي على عثمان وقيل بالوقف عن التفاضيل بينهما وهو رواية عن مالك فقد حكى أبو عبدالله المأرزي عن المدونة إن مالكاً سئل أي الناس أفضل ببعد نبيهم ؟ فقال ابو بكر ثم عمر ثم قال أو في ذلك شك ؟ فقيل له وعلي وعثمان فقال ما أدركت أحداً ممن أقتدي به يفضل أحدهما على الآخر

الصفحة 256
إنتهى

وقوله رضي الله عنه «أو في ذلك شك ؟» يؤيد مايأتي عن الأشعري إن تفضيل أبو بكر ثم عمر على بقية الأمة قطعى وتوقفه هذا رجع عنه وقد حكي القاضي عياض عنه إنه رجع عن التوقف الى تفضيل عثمان قال القرطبي «وهو الأصح إنشاء الله تعالى» ومال الى التوقف إمام الحرمين فقال «وتعارض الظنون في عثمان وعلي» ونقله إبن عبدالله عن جماعة عن السلف من أهل السنة منهم مالك ويحيى القطان ويحيى بن معين قال إبن معين ومن قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ولا شك إن من إقتصر على عثمان ولم يعرف لعلي فضله فهو مذموم وزعم إبن عبدالبر إن حديث الإقتصار على الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان مخالف لقول أهل السنة إن علياً افضل الناس بعد الثلاثة مردود بأنه مايلزم من سكوتهم إذ ذاك عن فضله عدم تفضيله وأما حكاية ابي منصور البغدادي الإجماع على أفضلية عثمان على علي فمدخولة وإن نقل ذلك عنه بعض الحفاظ وسكت عليه لما بيناه من الخلاف ثم الذي مال اليه أبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة إن تفضيل أبي بكر على من بعده قطعي وخالفه القاضي أبو بكر الباقلاني فقال إنه ظني واختاره إمام الحرمين في الإرشاد وفيه جزم صاحب المفهم في شرح مسلم ويؤيده قول إبن عبدالبر في الإستيعاب. ذكر عبدالرزاق عن معمر قال: لو إن رجلاً قال عمر أفضل من أبي بكر ما عنفته وكذلك لو قال: علي عندي أفضل من أبي بكر وعمر لم أعنفه إذا ذكر فضل الشيخين وأحبهما وأثنى عليهما بما هما أهله فذكرت ذلك لوكيع فاعجبه واشتهاه انتهى وليس ملحظ عدم تعنيف قائل ذلك إلا إن التفضيل المذكور ظني لا قطعي ويؤيده ايضاً ماحكاه الخطابي عن بعض مشايخه إنه كان يقول أبو بكر خير وعلي أفضل لكن قال بعضهم هذا تهافت من القول لأنه لا معنى للخيرية إلا الأفضلية فإن أريد خيرية أبي بكر من بعض الوجوه وأفضلية علي من وجه آخر لم يكن ذلك من محل الخلاف ولم يكن الأمر في ذلك خاصاً بأبي بكر

الصفحة 257
وعلي بل أبو بكر وأبو عبيدة مثلاً يقال فيهما ذلك لأن الأمانة التي في أبي عبيدة وخصه بها صلى الله عليه وسلم لم يخصوا أبا بكر بمثلها فكان خيراً من أبي بكر من هذا الوجه والحاصل إن المفضول قد توجد فيه مزية بل مزايا لا توجد في الفاضل فإن أراد شيخ الخطابي ذلك وإن أبا بكر أفضل مطلقاً الى إن علياً وجدت فيه مزايا لم توجد في أبي بكر فكلامه صحيح وإلا فكلامه في غاية التهافت خلافاً لمن إنتصر له ووجه بما لا يجدي بل لايفهم

فإن قلت ينافي ما قدمته من الإجماع على أفضلية أبي بكر قول إبن عبد البر إن السلف إختلفوا في تفضيل أبي بكر وعلي وقوله أيضاً قبل ذلك روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم إن علياً أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره قلت:

أما ماحكاه أولاً من إن السلف إختلفوا في تفضيلهما فهو شيء غريب إنفرد به عن غيره ممن هو أجل منه حفظاً وإطلاعاً فلا يعول عليه فكيف والحاكي لإجماع الصحابة والتابعين على تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على سائر الصحابة جماعة من أكابر الأئمة منهم الشافعي رضي الله عنه كما حكاه عنه البيهقي وغيره وإن من إختلف منهم إنما إختلف في علي وعثمان وعلى التنزل في إنه حفظ ما لم يحفظ غيره فيجاب عنه بأن الأئمة إنما أعرضوا عن هذه المقالة لشذوذها ذهاباً الى أن شذوذ المخالف لايقدح فيه أو رأوا إنها حادثة بعد إنعقاد الآجماع فكانت في حيز الطرح والرد، على إن المفهوم من كلام إبن عبد البر إن الإجماع إستقر على تفضيل الشيخين على الحسنين.

وأما ماوقع في طبعات أبن السبكي الكبرى عن بعض المتأخرين تفضيل الحسنين من إنهما بضعة فلا ينافي ذلك لما قدمناه إن المفضول قد توجه فيه مزية لا توجد في الفاضل على إن هذا تفضيل لا يرجع الى كثرة السواد بل لمزيد شرف ففي ذات أولاده صلى الله عليه وسلم من الشرف ما ليس في ذات الشيخين ولكنهما أكثر ثواباً واعظم نفعاً للإسلام والمسلمين وأخشى لله تعالى وأتقى ممن عداهما من أولاده صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً

الصفحة 258
من غيرهم. وأما ماحكاه أعني عبدالبر ثانياً عن أولئك الجماعة فلا يقتضي إنهم قائلون بأفضلية علي على أبي بكر مطلقاً بل أما من حيث تقدمه عليه إسلاماً بناء على القول بذلك أو مرادهم بتفضيل علي على غيره ما عدا الشيخين وعثمان لقيام الأدلة الصريحة على أفضلية هؤلاء عليه

فإن قلت: مامستند إجماعهم على ذلك ؟ قلت: الإجماع حجة على كل أحد وإن لم يعرف مستنده لأن الله عصم هذه الأمة من أن تجتمع على ضلالة ويدل لذلك بل يصرح به قوله تعالى (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا) وقد أجمعوا أيضاً على إستحقاقهم الخلافة على هذا الترتيب لكن هذا قطعي كما مر بأدلته مبسوطاً.

فإن قلت: أما بين عثمان وعلي فواضح للخلاف فيه كما تقدم وأما بين أبي بكر ثم عمر ثم غيرهما فهو وإن أجمعوا عليه إلا إن في كون الإجماع حجة قطعية خلافاً فالذي عليه الأكثرون حجة قطعية مطلقاً فيقدم على الأدلة كلها ولا يعارضه دليل اصلاً ويكفر أو يبدع ويضلل مخالفه وقال الإمام الرازي والأمدي إنه ظني مطلقاً والحق في ذلك التفصيل فما إتفق عليه المعتبرون حجة قطعية وما إختلفوا فيه كالإجماع السكوتي والإجماع الذي يرد مخالفه فهو ظني وقد علمت مما قررته لك إن هذا الإجماع له مخالف نادر فهو وإن لم يعتد به في الإجماع على مافيه من الخلاف في محله لكنه يورث إنحطاطه عن الإجماع الذي لا مخالف له فالأول ظني وهذا قطعي وبهذا يترجح عند الإصوليين التفصيل المذكور وكان الأشعري من الأكثرين القائلين بأنه قطعي مطلقاً ومما يؤكد إنه ظني إن المجمعين أنفسهم لم يقطعوا بالأفضلية المذكورة وإنما ظنوها فقط كما هو المفهوم من عبارات الأئمة وإشاراتهم وسبب ذلك إن المسألة إجتهادية ومن مستندها إن هؤلاء الأربعة إختارهم الله بخلافة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة دينه فكان

الصفحة 259
الظاهر إن منزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة وايضاً ورد في أبي بكر وغيره كعلي نصوص متعارضة ويأتي بسطها في الفضائل وهي لاتفيد القطع لأنها بأسرها آحاد وظنية الدلالة مع كونها متعارضة ايضاً وليس الإختصاص بكثرة اسباب الثواب موجباً للزيادة المستلزمة للأفضلية قطعاً بل ظناً لأنه تفضل من الله تعالى فله أن لايثيب المطيع ويثيب غيره وثبوت الإمامة وإن كان قطعياً لا يفيد القطع بالأفضلية بل غايته الظن كيف ولا قاطع على بطلان إمامة المفضول مع وجود الفاضل لكننا وجدنا السلف فضولهم وحسن ظننا بهم قاض بأنهم لو لم يطلعوا على دليل في ذلك لأطبقوا عليه فلزمنا أتباعهم فيه وتفويض ما هو الحق فيه الى الله تعالى قال الأمدي وقد يراد بالتفضيل إختصاص أحد الشخصين عن الآخر أما بأصل فضيلة لا وجود له في الآخر كالعالم والجاهل وأما بزيادة فيها ككونه أعلم مثلاً وذلك أيضاً غير مقطوع به فيما بين الصحابة إذ ما من فضيلة تبين إختصاصها في واحد منهم إلا ويمكن بيان مشاركة غيره له فيها وبتقدير عدم المشاركة فقد يمكن إختصاص الآخر بفضيلة أخرى ولا سبيل الى الترجيح بكثرة الفضائل لإحتمال أن تكون الفضيلة الواحدة أرجح من فضائل كثيرة أما لزيادة شرفها في نفسها أو لزيادة كميتها فلا جزم بالأفضلية لهذا المعنى أيضاً وأيضاً فحقيقة الفضل ما هو فضل عند الله وذلك لا يطلع عليه إلا بالوحي وقد رود الثناء عليهم ولا يتحقق إدراك حقيقة ذلك الفضل عند عدم دليل قطعي متناً وسنداً إلا للمشاهدين لزمن الوحي وأحواله صلى الله عليه وسلم معهم لظهور القرائن الدالة على التفضيل حينئذ بخلاف من لم يشهد ذلك نعم وصل الينا سمعيات أكدت عندنا الظن بذلك التفضيل على ذلك الترتيب لإفادتها له صريحاً أو إستنباطاً وسيأتي مبسوطاً في الفضائل ويؤيد ما مر إنه لا يلزم من الإجماع على الأحقية بالخلافة الإجماع على الأفضلية إن أهل السنة أجمعوا على إن عثمان أحق بالخلافة

الصفحة 260
من علي مع إختلافهم في أن أيهما أفضل وقد إلتبس هذا المقام على بعض من لافطنة عنده فظن إن من قال من الإصوليين إن أفضلية أبي بكر إنما ثبتت في الظن لا بالقطع يدل على أن خلافته كذلك وليس كما زعم على إنهم كما صرحوا بذلك صرحوا معه بأن خلافته قطعية فكيف حينئذ يتأتى ما ظنه ذلك البعض هذا ولك أن تقول أن افضلية ابي بكر ثبتت بالقطع حتى عند غير الأشعري أيضاً على معتقد الشيعة والرافضة وذلك لأنه ورد عن علي وهو معصوم عندهم والمعصوم لايجوز عليه الكذب إن أبا بكر وعمر أفضلا الأمة قال الذهبي وقد تواتر ذلك عنه في خلافته وكرسي مملكته وبين الجم الغفير من شيعته ثم بسط الأسانيد الصحيحة في ذلك قال: ويقال «رواه عن علي نيف وثمانون نفساً وعد منهم جماعة ثم قال فقبح الله الرافضة ما أجهلهم» انتهى آ

ومما يعضد ذلك ما في البخاري عنه إنه قال خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر فقال إبنه محمد بن الحنفية ثم أنت ؟ فقال إنما أنا رجل من المسلمين وصحح الذهبي وغيره طرقاً أخرى عن علي بذلك وفي بعضها إلا وإنه بلغني إن رجالاً يفضلوني عليهما فمن وجدته فضلني عليهما فهو مفتر، عليه ما على المفتري. انتهى

اقول: سنبين بعون الملك الوهاب لأولى الألباب، إن ما ذكره هذا الشيخ الجامد الممرور المرتاب في هذا الباب، من تفضيل أبي بكر والإجماع عليه من بقية الأحزاب، وعبدة الازلام والأنصاب، وبطلان مازعمه الشيعة وما آلو اليه وتصريح علي بأفضلية الشيخين عليه أماني كاذبة وخيالات غير صائبة بل هي من أضغاث الأحلام أو مما زينه لهم الشيطان من الوساوس والأوهام فمن إغتر بها من الطلبة الممرورين كان حقه معاناة دماغه بما يعاني به سكان المارستان ونحن لم نشتغل بإيضاح فسادها والإفصاح عن فضيحة مفادها إلا لتحذير القاصرين من الناضرين وصونهم عن الوقوع في ورطات الخاسرين فنقول:

الصفحة 261
يتوجه على ما أطال فيه الكلام، بما يدل على إنسلاخه عن فطرة أولي الأحلام، وجوه من الكلام، وضروب من الطعن والملام.

أما أولاً فلما مر من أن الكلام في مطلق الإجماع خصوصاً في دعوى إنعقاده على خلافة أبي بكر وأفضليته طويل، وإنه لأهل السنة في تحقيقه فزع وعويل، والنقرر حاصله ها هنا بعبارة أخرى، هي أضبط وأحرى، وهو إنهم أجمعوا على إن لا دليل لهم في المقامين سوى الإجماع وقد عرفوا الإجماع في كتبهم كالمحصول للرازي والمنهاج للبيضاوي والمختصر لإبن الحاجب وغيرها بأنه إتفاق جميع أهل الحل والعقد يعني المجتهدين على أمر من الأمور في وقت واحد وقد بحثوا فيه من وجوه أكثرها مذكور في شرح المختصر للقاضي عضد الأيجي فقالوا: هل الإجماع أمر ممكن أو محال ؟ وعلى تقدير الإمكان هل هو متحقق أولاً ؟ وعلى تقدير التحقق هل يمكن العلم به أم لا ؟ وعلى تقدير العلم هل يمكن إثباته بالنقل أم لا ؟ وعلى تقدير الإثبات هل يصير حجة ودليلاً أم لا ؟ (1) وعلى تقدير صيرورته حجة إذا لم ينته ثبوته الى حد التواتر هل يصير حجة أم لا ؟ وقد وقع الخلاف من علماء اهل السنة في كل من هذه المراتب فيجب إثبات كل مما وقع أحد طرفي الترديد في هذه المراتب حتى يثبت حقية خلافة أبي بكر وافضليته وليت شعري إن من لم يكن قائلاً بشيء من ذلك كيف يدعي حقية إمامة أبي بكر وافضليته قطعاً أو ظناً ثم بعد ذلك يوجد خلاف آخر وهو إنه هل يشترط في حجية الإجماع أن لا يبقى من الجماعة التي أجمعوا الى ظهور المخالف وأن لايخالفهم أحد الى موت

____________

(1) وقال النووي في باب نكاح المتعة من شرحه لصحيح مسلم «إختلف الإصوليون أي إن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف وتصير المسئلة مجمعاًعليها أولاً والأصح عند اصحابنا إذ لا يرفعه بل يدوم الخلاف ولا تصير المسألة بعد ذلك مجمعاً عليها أبداً وبه قال القاضي ابو بكر الباقلاني» كذا منه ره في الحاشية.


الصفحة 262
الجميع أم لا ؟ وأيضاً قد إختلفوا في أن الإجماع بمجرده حجة أو يحتاج الى سند هو الدليل والحجة حقيقة ؟ ومن البين إن لاسند لأهل السنة في ذلك سوى ما نسجوه من القياس الفاسد وهو ما مر سابقاً من أن النبي صلى الله عليه وآله قد إذن في مرض موته لأبي بكر أن يكون أمام الناس في صلاتهم وإذا جعله النبي صلى الله عليه وآله إماماً في أمر الدين ورضي به فتقديمه لأمر الدنيا وهو أمر الخلافة يكون أرضى له بطريق أولى فقد قاسوا أمر الخلافة بالإمامة في الصلاة وحسبوه سنداً للإجماع ولا يخفى فساد ذلك عند من له أدنى معرفة بالإصول لأن إثبات حجية القياس أيضاً مما إستشكله الناس، واختلفوا في شروطه واقسامه إختلافاً يهدمه من الأساس، وعلماء أهل البيت عليهم السلام ينكرون حجيته ولهم أدلة عقلية ونقلية على ذلك مذكورة في محلها وعلى تقدير ثبوته الذي دونه خرط القتاد إنما يعتبر فيما إذا كان في الأصل علة تساوي الفزع فيها الأصل وفيما نحن فيه من أمر الخلافة وإمامة الصلاة العلة ليست بظاهرة بل الفرق ظاهر لأن إمامة الصلاة أمر واحد جزئي لايعتبر فيها العلم الكثير، ولا الشجاعة والتدبير ونحوهم إتفاقاً ولا العدالة عن أهل السنة لجواز الصلاة خلف كل بر وفاجر عندهم وأما أمر الخلافة فهو سلطنة وحكومة في جميع أمور الدين والدنيا وتحتاج الى علوم وشرائط كثيرة لم يوجد واحد منها في أبي بكر فكيف يقاس هذا بذلك وقول جمهورهم إن إمامة الصلاة من أمور الدين والخلافة من أمور الدنيا كما مر مردود بأن الفاضل القوشجي في شرحه للتجريد وغيره من محققي أهل السنة في غيره قد عرفوا الإمامة بأنها رياسة عامة في أمر الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك كذلك على إن الأصل هاهنا ليس بثابت لأن الشيعة ينكرون إذن النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر في إمامة الصلاة ويقولون إن النبي صلى الله عليه وآله قال قولوا للناس صلوا وقالت عائشة بنت

الصفحة 263
أبي بكر لبلال قل لهم إن النبي صلى الله عليه وآله أمر أن يكون أبو بكر إماماً في الصلاة فشرعوا في الصلاة خلفه ولما إطلع النبي صلى الله عليه وآله على ذلك بادر الى القيام فوضع إحدى يديه على منكب العباس وأخرى على منكب علي عليه السلام أو فضل وخرج الى الجماعة ونحى أبو بكر عن المحراب وصلى بنفسه المقدسة مع الناس حتى لايصير ذلك مؤدياً الى الفتنة التي وقعت آخرآ بدونه ايضاً وقد مر بعض الأحاديث الصحيحة عند أهل السنة الدالة على تولي النبي صلى اله عليه وآله لإمامة الصلاة حينئذ بنفسه فتذكر، وايضاً لو سلمنا وجود القياس الصحيح فلا ريب في إن الإمامة إنما هي من الإصول ولهذا يذكر في الكتب المصنفة فيه فكيف يمكن إثباتها بالقياس الفقهي الذي لايكون إلا في الفروع ؟

وأما ماذكره صاحب المواقف من إن مسألة الإمامة ليست من الإصول ومجمع فيه العلامة الدواني بأنه بالفروع أشبه فمعارض بما ذكره القاضي البيضاوي في مبحث الأخبار من كتاب المنهاج وجمع من شارحي كلامه إن الإمامة من أعظم مسائل أصول الدين التي مخالفتها توجب الكفر والبدعة وبما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين وغيره في غيره من إن النبي صلى الله عليه وآله قال «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية» فإنه صريح في إن الإمامةْ في الإصول ضرورة إن الجاهل بشيء من الفروع وإن كان واجباً لايكون ميتته ميتة جاهلية ولا يقدح ذلك في إسلامه وأيضاً قد صرحوا بأن الإمامة صنو مرتبة النبوة وإن حقوق النبوة من حماية بيضة الإسلام وحفظ الشرع ونصب الألوية والأعلام في جهاد الكفار والبغاة والإنتصاف للمظلوم وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر الى غير ذلك من توابع منصب النبوة ثابتة للإمامة لأنها خلافة ونيابة عنها وبالجملة لو لم تكن مسألة الإمامة مثل مسألة النبوة في كونها من أصول الذين، وكان يكفي فيها كما في سائر الفروع ظن المجتهدين أو تقليدهم

الصفحة 264
للزم ان لا يجوز تخظئة المجتهد الذي ظن إن أبا بكر ليس بإمام وكذا تخطئة المقلد والحال إنهم إذا سمعوا من يقول: إني أعتقد إن أمير المؤمنين عليه السلام خليفة للنبي صلى الله عليه وآله بغير فصل بسبب الظن الذي قادني اليه أو بواسطة تقليد المجتهد الفلاني يخطئونه بل يكفرونه ويقتلونه وأيضاً لو لم تكن من المسائل الأصلية بل كانت من المقدمات الفرعية فلا ينبغي النزاع فيها مع أحد كسائر الأحكام الفرعية التي يجوز الخلاف فيها من غير توجه قدح وإنكار فقد علم مما فصلناه إن لادليل لهم الى إمامة أبي بكر سوى الإجماع وقد عرفت حاله وكيفية إستدلالهم به في هذا المقام مع ماتوجه اليه من النقض والإبرام وبعد تسليم الكل نقول: من البين إنه لم يقع إجماع جميع مجتهدي الإمة في وقت واحد في المدينة الطيبة على إمامة أبي بكر كما إعترف به صاحب المواقف وغيره من الجمهور كيف وقد تخلف سعد بن عبادة وأولاده عن بيعة أبي بكر ولم يكن لأحد من أهل البيت عليهم السلام وسائر بني هاشم وموافقيهم في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله خبر عن إجتماعهم لذلك يوم السقيفة فضلاً عن دخولهم فيه ولهذا ترى صاحب المواقف إنه بعد إرتكاب شطر من التعسفات والتمحلات إلتزم خرق إحماع القوم وإلتجأ الى القوم بأن الواحد والإثنين من أهل الحل والعقد كافي ثبوت الإمامة ووجوب إتباع الإمام علي اهل الإسلام متشبثاً بعلمه بأن الصحابة مع صلابتهم في الدين إكتفوا في عقد الإمامة بذلك كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها إجتماع من في المدينة من أهل الحل والعقد فضلاً عن إجتماع الأمة من علماء أنصار الإسلام ومجتهدي أقطارها انتهى ولا يخفى مافيه من الخبط الخارج عن الضبط.

أما أولاً فلأنه قد ذكر سابقاً إن الدليل على الأمامة أما النص أو الإجماع والنص