وأما تتمة الخبر من قصة أبي بكر بالصلاة مع الناس من انكر الموضوعات عند الشيعة كما مر بيانه وتأييده بآحدى الروايتين في ذلك للبخاري ويدل على كونه كذباً موضوعاً لإشتماله على ما لايتكلم به عاقل فضلاً عن إمام معصوم مؤيد مطالع للوح المحفوظ كعلي عليه السلام وهو القياس الفاسد الذي نبهنا على فساده فيما مر وقد تقدم لذلك في رد خامس أجوبة هذا الجامد عن خبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» ما لا مزيد عليه فتنه وتذكر.
ومنها إن ماذكره من نسبه إستلزام نسبة علي عليه لسلام الى التقية دليلاً على الجبن يستلزم أن يكون سيد الأنبياء جباناً ذليلاً مقهوراً ايضاً بل يستلزم أن يكون أجبن وأذل وأشد مقهورية أعاذه الله من ذلك وذلك للإجماع على إن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن أقل شجاعة وقوة من علي عليه السلام (1) وهو مع كون
____________
(1) بل هوصلى الله عليه وآله كان أشجع وأقوى منه عليه السلام فإنه صلى الله عليه وآله صالح معهم في رد من جاء منهم الينا دون من ذهب منا اليهم ولما كتب علي عليه السلام كتاب العهد وصدره بقوله بسم الله الرحمن الرحيم قال سهل بن عمر عليه ماعليه أما بسم الله وما ندري بسم الله الرحمن الرحيم ولكن إكتب مانعرف بإسمك اللهم فوافقهم النبي صلى الله عليه وآله في ترك كتابة البسملة وكتب بسمك اللهم ولما كتب قوله «هذا ماكاتب محمد رسول الله» قالوا نحن لا نعتقد رسالتك فاكتب محمد بن عبدالله فوافقهم فيه وترك كتابة رسول الله قال النووي في شرح صحيح مسلم «وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح» وقال قبل ذلك بورقات، عند أوائل باب صلح الحديبية: للإمام أن يعقد الصلح على مارآه مصلحة اللمسلمين وإن كان ذلك لا يظهر لبعض الناس في بادي الرأي الى آخر ماقال منه رحمه الله «كذا في حاشية هذا الموضع من إحدى النسختين اللتين عندي»
وأما حربه عليه السلام للبغاة فقد بينا الفرق الظاهر بينهم وبين الثلاثة الغاصبين للخلافة مرارا ًفتذكر.
ومنها إن قوله «وأيضاً فبنو تيم ثم بنو عدي قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش فسكوت علي لهما؛ الى آخره» مدفوع بأنا لو سلمنا إن قومهما كان اضعف قبائل قريش فكفى في تقويتهم وجود مثل عمر الذي روى الجمهور إن النبي صلى الله عليه وآله كان يدعوه في بدء الإسلام ويقول اللهم قوني بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ولو سلم ضعفهما في نفسهما أيضاً لكن أكثر ماعداهما من قبائل قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني المغيرة كانوا يبغضون علياً عليه السلام لأجل هلاك آباءهم، وأخوانهم، واولادهم، بيده عليه السلام في غزوات النبي صلى الله عليه وآله حتى روي إنه لم يكن بيت من قريش إلا ولهم عليه دعوة دم أراقه في سبيل الله كما ذكره الأصفهاني الشافعي في جرحه على كتاب كشف الحق وقد ذكر الشيخ الجامد في مواضع من كتابه هذا مايدل على بغض القوم وحسدهم له فيما آتاه الله من فضله خصوصاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم والذين كانوا من أعاظم قبائل قريش فقد روى هذا الشيخ الجامد فيما ذكره
ولهذا إبتدأوا بعقد الرايات لعكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيرهم من بني مخزوم على بلاد اليمن وسموا خالد بن الوليد المخزومي الفاسق الذي قال في النبي صلى الله عليه وآله «اللهم إني أبرأ اليك مما فعل خالد» سيف الله وسلطوه على مشتهياته من فروج المسلمين ودمائهم وأموالهم وسموا عبيدة بن الجراح المجروح أمين الأمة وجعلوه مشيراً لهم وأرضوا أبا سفيان بتفويض إمارة الشام ولده يزيد ووجهوا إسامة مع من كان في جيشه من الذين خافوا فتنتهم مظهرين له إبطائه على إمارته ليسكت عن مخالفتهم حتى إذا إنتهى الى نواحي الشام عزلوه واستعلموا مكانه يزيد بن أبي سفيان فما كان بين خروج أسامة ورجوعه الى المدينة إلا نحو من أربعين يوماً لما قدم المدينة قام على باب المسجد ثم صاح يامعشر المسلمين عجباً لرجل إستعملني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فتأمر عليّ وعزلني هذا والسر في إن بني مخزوم وبنو أمية وغيرهم من صناديد قريش لم يتصدوا لغصب الخلافة بأنفسهم وإنما حملوا أبا بكر على ذلك لعدم سابقتهم في الإسلام وسرعة توجه التهمة اليهم بمعاداة علي عليه السلام وأهل بيته بل معاداة الأنصار ايضاً فحملوا على أبا بكر على أكتاف الناس رغماً لعلي عليه السلام ولهم فافهم وبالجملة إن غصب الخلافة لم يكن بمجرد إتفاق بني تيم وبني عدي كما زعمه بل بإتفاق جميع طوائف قريش على ذلك كما مر مراراً وبه تحقق الفرق بين خلافة الثلاثة وزمان الناكثين والقاسطين والمارقين كما أوضحنا تارة بعد أخرى.
وأما ماذكره من «إن سكوت علي لتيم وعدي أولاً وقيامه بالسيف على آخرين آخراً دليل على إنه كان مع الحق حيث دار» فالجواب عنه إن ذاك كذلك لكن لا لأجل ماتوهمه من إعتقاد علي عليه السلام
وأما قوله «وإنه لو كان معه وصية من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر القيام على الناس لأنفذ؛ الى آخره» فمدخول بما قد مر أيضاً من إنه كان عنده عليه السلام عهدان من رسول الله صلى الله عليه وآله أحدهما إن ولاية عهد الخلافة حق له بعده والثاني أن لاينازع فيها أحداً من الثلاثة المستولين بعده صلى الله عليه وآله للمصالح التي فصلنا فيها الكلام آنفاً فتأمل.
ومنه إن قوله «ومما يلزمهم أيضاً على هذه التقية المشومة إنه رضي الله عنه لايعتمد على قوله قط؛ الى آخره» إن أراد به لزوم عدم إعتماد المخالفين الذين كان يتقي هو عليه السلام منهم فهو غير مجد له وغير مضر لنا وإن أراد عدم إعتماد أولاده الطاهرين وشيعته واصحابه المخلصين الذين عرفوا اصوله المرضية وضبطوا القرائن القائمة في مواضع أعماله للتقية فهو ممنوع إذ عندهم قواعد وعلامات وقرائن وإمارات قد اشرنا الى بعضها سابقاً بها يميزون بين مواضع أعماله عليه السلام للتقية وبين غيرها على وجه لايبقى شائبة الريب لهم وبهذا التقرير أيضاً يندفع ما إدعى لزومه بعيد ذلك كما لايخفى.
ومنها إن قوله وعلى تقدير إنه قال ذلك تقية فقد إنتفى مقتضيها بولايته؛ الى آخره» ممنوع بما مر مراراً من إنه لما كان إعتقاد جمهور من في زمان ولايته حسن سيرة الشيخين وإنهما كانا على الحق فلم يتمكن عليه السلام من الإقدام على مايدل على فساد إمامتهما وإنهما كانا غير مستحقين لمقامها وكيف يتمكن من ذلك وإظهار خلافهم على الجماعة التي يظنون إنهم كانوا خلفاء رسول الله حقاً وإن خلافته عليه السلام مبنية على خلافتهم فإن فسدت فسدت خلافته وكيف يأمن في خلافته الخلاف عليهم وكل من بايعه وجمهورهم عبدة هؤلاء وكانوا يرون إنهم مضوا على أعدل الأمور وافضلها وإن غاية أمر من بعدهم
95 ـ قال: واخرج أبو ذر الهروي والدارقطني من طرق إن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فاخبر علياً وقال لولا إنهم يرون إنك تضمر ماأعلنوا ما إجترأوا على ذلك فقال علي أعوذ بالله رحمهم (1) الله ثم نهض واخذ بيد ذلك المخبر وادخله المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر على لحيته وجعل ينظر البقاع حتى إجتمع الناس ثم خطب خطبة بليغة من جملتها «مابال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وآله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وانا بريء مما يذكرون، وعليه معاقب، صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله بالجد والوفاء والجد في أمر الله تعالى يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لايرى رسول الله صلى الله عليه وآله كرأيهما رأياً ولا يحب كحبهما حباً لما يرى من عزمهما في أمر الله فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزوا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهم الله تعالى فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، وحبهما قربة وبغضهما مروق ثم ذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر للصلاة وهو يرى مكان علي ثم ذكر إنه بايع أبو بكر ثم ذكر إستخلاف أبي بكر لعمر ثم قال إلا ولا يبلغني عن أحد إنه يبغضهما إلا جلدته حد المفتري، وفي رواية ما إجترأوا على ذلك أي سب الشيخين إلا وهم يرون إنك موافق لهم منهم عبدالله بن سبأ وكان أول من أظهر ذلك لهما فقال علي معاذ الله أن أضمر لهما ذلك لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل وسترى ذلك إنشاء الله ثم ارسل الى إبن سبأ فسيره الى المدائن وقال لا تساكني في بلدة أبداً قال الأئمة وكان ابن سبأ هذا يهودياً فأظهر الإسلام وكان
____________
(1) هذه الكلمة في النسخة المطبوعة من الصواعق بصيغة التثنية بخلاف نسخة المصنف كما يعلم من هنا ومن الجواب أيضاً كما سيجيء
أقول: يعلم من هذا الخبر وكثير من أمثاله المذكورة في هذا الكتاب بعد تسليم صحتها إنه عليه السلام كان في زمانه متهماً بأعمال التقية في شأن الشيخين ويظهر منه إن تجويز التقية والحكم بشرعيتها ليس من مخترعات الشيعة كما قد يتوهم وأي تقية أظهر من إنه عليه السلام قال في ضمن جوابه لسؤال ذلك البعض قوله «رحمهم الله» بضمير الجمع الظاهر في كونه راجعاً الى تلك النفر السابين المذكورين في الخبر غاية الأمر إنه عليه السلام سيستعيذ من سب الشيخين فيذهل بعد ذلك عن ظهور إرجاع الضمير الآتي في قوله «رحمهم الله» الى تلك النفر السابين ويزعم بقرنية الإستعاذة المطلقة المبهة إن ضمير الجمع راجع الى الشيخين من أجل توهمه إن تلك الإستعاذة المطلقة منصرفة الى الإستعاذة من سبهما وإن الإتيان بضمير الجمع دون التثنية للتعظيم وأما باقي الأوصاف المذكور لهما من الوزارة والسيادة وأبوة المسلمين مع إن الأخير منها غصب لما خص به رسول الله صلى الله عليه وآله من كونه أباً للمسلمين كأزواجه بكونهن إمهاتهم مسوقة تهكماً على طبق مايصفهما به أوليائهما كقوله تعالى (ذق إنك أنت العزيز الكريم) وقول إبن منير الطرابلسي الشيعي الإمامي رحمه الله مهدداً لشريف زمانه الذي أوقف مملوكه المسمى بتتر عنده في جملة أبيات مضحكه منها قوله:
ليس الشريف الموسوي أبا الرضا إبن أبي مضر أبدى الحجود ولم يرد
على مملوكي تتر واليت آل أمية الطهر الميامين الغرر واقول أم المؤمنين
عقوقها إحدى الكبر الى آخره فليضحك قليلا وليبكي كثيراً.
وأما الرواية الأخرى التي ذكرها آخراً فبعد تسليم صحتها يتوجه عليه إن غاية مايدل عليه هو إستعاذة علي
وأما قوله عليه السلام «لعن الله من أظهر لهما إلا الحسن الجميل» فلا دليل فيه على عدم إستحقاق الشيخين عنده للعن المتنازع فيه لأن مراده بالحسن الجميل ما هو اللائق بهما عند الله وإن كان طعناً أو لعناً ضرورة إن الحسن الجميل بحال الجبت والطاغوت وفرعون ونمرود ليس إلا مثل ذلك؛ ثم لايخفى إن قوله «ثم أرسل الى إبن سبأ فسيره الى المدائن؛ الى إخره» يدل على إنه إنما سيره لأجل سبه أبا بكر وعمر وقوله بعيد ذلك «إنه أخرجه مع طائفة لما إدعوا فيه الإلهية» يدل على إن التسيير والإخراج لأجل إدعائهم الإلهية فيه عليه السلام فهما متناقضان وهذا من أجل آيات الوضع في الخبر فتدبر.
الشيعة وعلم الرواية والدراية
96 ـ قال: وأخرج الدارقطني من طرق إن علياً بلغه إن رجلاً يعيب أبا بكر وعمر فاحضره وعرض له بعيبهما لعله يعترف ففطن فقال له أما والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحق إن لو سمعت منك الذي بلغني أو الذي نبئت عنك أو الذي ثبت عليك ببينة لأفعلن بك كذا وكذا إذا تقرر ذلك فاللائق بأهل البيت النبوي إتباع سلفهم في ذلك والإعراض عما يوشيه اليه الرافضة وغلاة الشيعة من قبيح الجهل والغباوة والعناد فالحذر الحذر عما يلقونه اليهم من إن كل من إعتقد تفضيل أبي بكر على علي كان كافراً لأن مرادهم بذلك أن قرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم وانه لا مؤمن غيرهم وهذا مؤد الى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته واهل بيته إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم
وأماما يفتقر الى نظر وإستدلال فلا كفر بإنكاره وإن أجمع عليه على مافيه من الخلاف وانظر الى انصافنا معشر أهل السنة والجماعة الذين طهرهم الله من الرذائل والجهالات والعناد والعصب والحمق والغباوة فإننا لم نكفر القائلين بأفضلية علي على أبي بكر وإن كان ذلك عندنا خلاف ما أجمعنا عليه في كل عصر منا الى النبي صلى الله عليه وسلم على ما مر في أول هذا الباب بل اقمنا لهم العذر المانع من التكفير ومن كفر الرافضة من الأئمة فلأمور أخرى من قبائحهم إنضمت الى ذلك فالحذر الحذر من إعتقاد كفر من قلبه مملو بالإيمان بغير مقتض تقليداً للجهال الضلال الغلاة وتأمل ماصح وثبت عن علي وأهل بيته من تصريحهم بتفضيل الشيخين على علي فإن هؤلاء الحمقى وإن حملوه على التقية المشومة عليهم فلا أقل من أن يكون عذراً لأهل السنة في إتباعهم لعلي وأهل بيته فيجتنب أعتقاد الكفر فيهم فإنهم لم يشقوا
اقول فيه نظر من وجوه
أما أولاً فلأنه على تقدير تسليم صحة الخبر إنما عرض علي عليه السلام عيب الشيخين على ذلك الرجل لإستحبابه تكراره وليتنبه ذلك الرجل من عرض ذلك عليه على وجه غير معتاد وفي مقام محفوف بالمخالفين بأن المقام مقام التقية والتوقف عن الإعتراف بما يورث توجه البلية فقد إتقى علي نفسه وعلى مولاه في ذلك وما قوله «إذا تقرر ذلك؛ الى آخره» ففي إنه لم يتقرر له شيء هاهنا إلا الرواية ولا دلالة لها على مافهمه منها من كف سلف أهل البيت عليهم السلام عن الطعن في الشيخين كما عرفت فحق أن يقال له «ثبت العرش ثم إنقش».
وأما ثانياً فلأن تكفير من إعتقد تفضيل أبي بكر على علي عليه السلام مما لم يذهب اليه جمهور الشيعة وإنما الذي ذهبوا اليه الحكم بفسقهم بل لم يذهبوا الى تكفير الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الأصحاب الذين خالفوا علياً ولم يحاربوا وإنما كفروا منهم من حاربه كالناكثين والقاسطين.
وأما ماذكره من تقرير الشيعة إنه لامؤمن غيرهم فلا يقتضي تكفير غيرهم من المسلمين لأن ذلك مبني على ماحققوه من الفرق بين المؤمن والمسلم وإن غيرهم كأهل السنة مسلمون وإنما المؤمنون من إعتقد خلافة علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل وهذا الشيخ الجامد
وأما ثالثاِ فلأن ما ذكره من تأدية تكفير اهل السنة الى هدم قواعد الشيعة من أهلها غير لازم اصلاً وإنما يلزم ذلك إن لو لم يوجد في الأمة من قام مقامهم وإذ قد ذكر إن الشيعة قد حصروا المؤمنين من الأمة المحمدية في أنفسهم فقد إنهم إعتقدوا كونهم الحافظين لأصول الإيمان وقواعد الشريعة وإنه لايضر الحاق أهل السنة بمن عداهم من الكفار وأيضاً قد إتفق المحققون من الإمامية على إن الخبر الذي يرويه السني الذي تحقق عدالته، وإنها لايبيح وضع الحديث لنصرة المذهب وغيرها من المصالح الفاسدة يعتبر روايته فلا يلزم إلغاء العمل بجميع الأحاديث الموجودة في أهل السنة.
وأما رابعاً فلأن الصحابة كما صرحوا كانوا متجاوزين عن مائة الف وكان أكثرهم ممن لم يرو حديثاً عن النبي صلي الله عليه وآله وأما الأقلون فمنهم من روي حديثاً كثيراً كعلي عليه السلام من الصادقين وأبي هريرة من الكاذبين ومنهم من توسط في كثرة الرواية وقلتها ومنهم من قل روايته كأبي بكر وعمر على ماذكره أهل السنة ايضاً والشيعة الإمامية إنما يقدحون في بعض رواة الصحابة في الجميع ولا في الأكثر كيف وهم قد ذكروا في كتب الرجال من الصحابة الموثقين الذين ثبتوا على ولاية علي عليه السلام أولاً وآخراً والذين رجعوا اليه آخراً مايزيد على ثلاثمائة صحابي معروف وعلى هذا فاللازم طرح رواية قليل من الصحابة ولا يلزم من طرح رواية أقل قليل خصوصاً قليلي الرواية هدم الشريعة وإلغاء السنة نعم يطرحون روايتهم إذا كان في سلسلة الرواية عنهم من لا يوثق به من أهل السنة كما
وأما خامساً فلأنه أراد بلزوم الغاء كتب أهل السنة لزوم الغاء الكتب التي الفها أهل السنة في الحديث فبطلان اللازم غير مسلم لقيام ماهو أضعفه من كتب الشيعة الإمامية مقامه وإن اراد الغاء جميع الكتب المؤلفة في ذلك الباب لزعمه إنحصار الكتب المؤلفة في مؤلفاتهم فبطلانه ظاهر جداً ومثله في هذا الزعم الباطل مثل ماوقع في عصرنا من إن بعض المبتدئين من فقراء الطلبة واعيانهم كان يقرأ رسالة مؤلفة في واجبات الطهارة والصلاة ولم يكن يرى كتاباً آخر في الدنيا ولا سمع به فاتفق له في بعض الأيام بعد فراغه عن درسه في خدمة شيخه المرور على حلقة درس شيخ آخر يباحث كتاب المطول في المعني والبيان والمزاعم إن الكتاب منحصر في أفراد نسخ تلك الرسالة وإن كل أحد في كل حلقة درس كل يوم يقرأ ماقرأ هو في ذلك اليوم عند شيخه فجلس في تلك الحلقة وفتح كتابه قصداً لتكرار سماع درسه من تلك الرسالة وإذا سمع مراراً ماقرأه قاريء المطول وما أفاده المدرس من المعاني ولم يجد ذلك مطابقاً لما في درسه من تلك الرسالة ذلك اليوم قام عن المجلس مغتاضاً معترضاً على أولئك الجماعة بأن كل كتبهم غلط فليضحك قليلاً وليبك كثيراً على إن أصح ما إعتمدوا عليه في الرواية كتاب البخاري ثم كتاب مسلم وقد بينا فيما يتعلق بالباب الأول الذي عقده لبيان كيفية خلافة أبي بكر القدح في البخاري ومسلم وكتابيهما وأوضحنا إن روايتهما فيهما عن الوضاعين المعتمدين واحتجاجهما بحديث الناصبي والغالي والمتهم في الدين، فمن كان إعتماده في الرواية والإحتجاج على مثل هذين الأصلين الضعيفين في المزاج، المتكسرين بإشارة كالزجاح، كيف يرجو الرواج بقدحه عن اصل عترتهم السالمون عن
وأما سادساً فلأن قوله «إذ ليس لنحو الرافضة؛ الى آخره» مردود بأنه إن أراد بنحو الرافضة مايشمل الإمامية فهو مكابرة على المتواترات المشتهرة بأن نقل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وأخبار أهل البيت عليهم السلام وآدابهم وعباداتهم وسننهم وعاداتهم ومذهبهم في أصول الفقه وفروعه ومعتقداتهم بين الشيعة الإمامية أظهر من أن يخفى وقد نقلوا عن ذلك مايزيد على ما في الصحاح الست بأسانيد معتبرة ونقحوا رجال الأسانيد بالجرج والتعديل غاية التنقيح ولم يقبلوا إلا رواية من ثبت ثقته أو إتفق عليه الفريقان كأكثر الأحاديث الواردة في طعن الثلاثة وأئمتهم، ومجتهدوهم من لدن علي بن أبي طالب عليه السلام لايقصرون عن علماء فرقة من الفرق بل هم في كل زمان أعلم وأتقى والذي يشهد عليه بعناده في نفي الرواية والدراية عن الشيعة خصوصاً الإمامية ما قاله إبن الأثير الجزري في جامع الأصول من إن مجدد مذهب الإمامية في المائة الثانية علي بن موسى الرضا عليهما السلام وما قاله محمد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عن ذكر الباقرية والجعفرية من الشيعة إن أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام وهو ذو علم غزير في الدين ودأب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات وقد اقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين اليه ويفيض الموالين له اسرار العلوم انتهى
وأما مازعمه من قلة عدد الشيعة فلا يوجب نقصاً في شأنهم كما مر مراراً بل هي دليل حقيتهم إذ كلما كان في الدنيا أقل فهو أعز كالأنبياء في نوع الإنسان والعلماء والأتقياء ونحو ذلك كالجواهر والمسك والمعادن.
وأما سابعاً فلأن قوله وإنما غاية أمرهم إن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي؛ الى آخره» مدفوع بأن عدم ذكر أهل السنة لرجال الشيعة لا يدل على قلة
وأما ثامنا فلأن جمهور الشيعة لا يكفر أهل السنة في تفضيلهم لأبي بكر وإنما حكم بذلك شذوذ منهم ذهاباً منه الى إن المطلب ضروري ودعوى الشبهة والإشتباه تعنت وعناد أو لأمور أخر إنضمت الى ذلك كإعتقادهم بغض أهل السنة لعلي عليه السلام ولهذا يعبرون عن جمهور أهل السنة بالناصبة وقد أرشدهم الى ذلك كلام القاضي إبن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور عند بيان أحوال علي بن جهم القرشي حيث قال ما حاصله «إن التسنن لايجتمع مع حب علي بن ابي طالب» وما كتبه أهل ما وراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور وغيره من فتوى إشتراط بغض علي عليه السلام بقدر شعيرة أو حبة رمانة في صحة الإسلام مشهور، وفي السنة الجمهور مذكور، وأما مايشعر به كلامه سود الله وجهه عن زعمه لكون أهل السنة هم السواد الأعظم المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم «عليكم بالسواد الأعظم» لايبيض وجة دعواه اصلاً فإن السواد الأعظم بمعنى أكثر الناس على ما فهمه أهل السنة لا يركن الى إعتباره إلا القلوب الساذجة والأنفس الخالية من معرفة الحق واليقين الغافلة عن قوله صلى الله عليه وإله «كلهم في النار إلا واحدة» فإنه دل على إن الناجي قليل بل نادر بالنسبة الى كثير من
وأما تاسعاً فلأن قوله «وهل أن علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر؛ الى آخره» مدخول بأن هذا الكلام لو تم لدل على كون الشيعة معذورين في حكمهم ببطلان خلافة الثلاثة وإستحقاقهم اللعن لأنهم أيضاً إنما حكموا بذلك لأدلة صرحت لهم وهم مجتهدون؛ الى آخر ماذكره على إنا قد بينا عدم صراحة تلك الأدلة بل عدم دلالتها على ماقصدوه اصلاً وإنهم إنما تشبثوا بذلك عناداً وفساداً على العوام كدعوى معاوية وغيره من البغاة الغاوية إجتهادهم في الخروج على الإمام الحق علي عليه السلام من غير جهد أو إجتهاد في تحقق ذلك المرام مع ظهور الأمر على سائر الصحابة الكرام وعلماء تلك الأيام.
وأما عاشراً فلأن ما ذكره من «إن الشيعة لم يشقوا عن قلب علي حتى يعلموا إن ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم الشجاعة والإقدام؛ الى آخره» مدفوع بأن إستعلاام الأمور لا يحتاج الى شق القلوب وصدع الصدور فإنه (ع) كان يعلن لشيعته المخلصين المخصوصين به ما كان يضمره عن غيره من المخالفين وقد نصب لشيعته
97 ـ قال: الفصل الثاني في
الفضائل المزعومة لأبي بكر من القرآن والسنّة
ذكر فضائل أبي بكر الواردة في وحده وفيها آيات وأحاديث
أما الآيات فالأولى قوله تعالى (سيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا إبتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى) قال إبن الجوزي أجمعوا على إنها نرلت في أبي بكر ففيها التصريح بأنه إتقى من سائر الأمة والأتقى هو الأكرم عند الله لقوله تعالى «إن أكرمكم عند الله اتقاكم» والأكرم عند الله هو الأفضل فنتج إنه أفضل من بقية الأمة ولا يمكن حملها على علي خلافاً لما إفتراه بعض الجهلة لأن قوله تعالى وما لاحد عنده من نعمة تجزى يصرفه عن حمله على علي لأن النبي رباه فله عليه نعمة أي نعمة تجزى فإذا خرج على تعيين أبي بكر للإجماع على إن ذلك الأتقى هو أحدهما وأخرج إبن حاتم والطبراني إن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله فأنزل الله قوله وسيجنبها الأتقى الذي، الى آخر السورة إنتهى.
اقول: فيه نظر من وجوه
أما أولاً فلأنا لانسلم صحة الرواية في شأن أبي بكر فضلاً عن الأجماع عليه والسند ماذكره بعضهم إنها نزلت في حق أبي الدحداح وقد روى هذا ابو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الموسوم بأسباب النزول بإسناده المرفوع الى عكرمة وإبن عباس إن رجلاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير وصاحب النخلة يصعد ليأخذ منها التمر فربما سقطت تمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ التمر من أيديهم فإن وجدها في أحدهم أدخل إصبعه في فيه فشكى الفقير الى النبي صلى الله عليه وآله مما يلقى من صاحب النخلة فقال النبي صلى
وأما ثالثاً فلأنا لانسلم إن معنى قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ما فهمه بل المراد به كما صرحه به بعض المفسرين «إن اكرمكم عند الله أعملكم بالتقية» وأما رابعاً فلأنه إن اريد بالأتقى من كان أتقى من جميع المؤمنين عند نزول الآية فينحصر في النبي صلى الله عليه وآله وإن إرتكب التخصيص وإن أريد به كان أتقى من بعض المؤمنين فلا يلزم منه أفضلية أبي بكر وأكرميته مطلقاً فضلاً عن علي عليه السلام لوجهين الأول إنا لانسلم حينئذ إن علياً عليه السلام داخل في ذلك البعض حتى يكون ابو بكر أفضل منه الثاني إن الأكرم عند الله هو الذي يكون أتقى من جميع المؤمنين كما قال الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لا الأتقى من بعض المؤمنين وبالجملة إذا تطرق التخصيص في الأتقى سقط الإستدلال بظاهر المقال.
وأما خامساً فلأنا لانسلم رواية الشيعة ذلك في شأن علي عليه السلام بل إنما ذكروا ذلك على سبيل الإحتمال في مقام البحث والجدال ولهذا لايوجد في تفاسيرهم المتداولة
وأما سادساً فلأنه إن كان المراد بقوله تعالى (وما لا حد عنده من نعمة تجزى) أن لايكون عنده نعمة يكافيء عليها أعم من أن يكون ذلك الأحد من الذين آتاهم شيئاً أم لا فلا نسلم إن أبا بكر كان بهذه المثابة إذ الظاهر إنه لا يوجد شخص لا يكون لأحد في حقه حق نعمة من طعام أو شراب ونحوهما مع إن النبي صلى الله عليه وآله لم يسلم من ذلك لكونه في حجر تربية عمه أبي طالب رضي الله عنه ومع أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحرض أصحابه على التحبب والإتحاد وأكل بعضهم من بيوت بعض والقول بأن مثل ذلك ليس نعمة تجزى مكابرة ظاهرة وغاية الأمر أن يكون جزاءه أقل ويرشد الى ماذكرنا قول الشاعر على طبق كلام أهل العرف في محاوراتهم
وإن كان المراد به أن لايكون عنده لأحد من الذين آتاهم النعمة نعمة تجزى كما هو الظاهر ويدل عليه سياق الآية أي لم يفعل الأتقى مايفعل من إيتاء المال وإنفاقه في سبيل الله الا إبتغاء وجه ربه الأعلى فلا نسلم إنه لايجوز أن يكون المراد به علياً عليه السلام خصوصاً مع قيام القرائن والمناسبات التي مر ذكرها.
وأما ثامناً فلأن أقل الأمر إن عند أبي بكر نعمة هداية النبي صلى الله عليه وآله فكيف ينفي عنه نعمة الكل حتى النبي صلى الله عليه وآله وما توهمه رئيس المشككين فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير من أن نعمة الهداية لا تجزي مستدلاً عليه بقوله تعالى (قل لا أسئلكم عليه أجراً) معارض بل مخصص بقوله تعلى أيضاً (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ويدل على إن المراد من الأجر المنفي في مثل هذه الآية هو المال لا مطلق الأجر قوله تعالى في سورة هو حكاية عن نوح عليه السلام (ويا قوم لا أسئلكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله؛ الآية) والضمير في عليه راجع الى ماسبق من قوله (إني لكم نذير مبين.)
وأما تاسعاً فلأن قوله آخراً «للإجماع على إن ذلك الأتقى هو أحدهما لا غير» يناقض ظاهر قوله أولاً «إجمعوا على إنها نزلت في أبي بكر» لأن الإجماع على الواحد المعين غير الإجماع على المردد بين الإثنين كما لا يخفى ولنعم ماقيل «الكذوب لاحافضة له) فاحفظ هذا.
98 ـ قال: الآية الثانية قوله تعالى (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى) وأخرج إبن أبي حاتم عن إبن مسعود إن أبا بكر إشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشرة أوراق فاعتقه لله فانزل الله هذه الآية أي إن سعي أبي بكر وأمية وأبي لمفترق فرقاً عظيماً فشتان ما بينهما انتهى.
99 ـ قال: الآية الثالثة قوله تعالى (ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) أجمع المسلمون على إن المراد بالصاحب ها هنا أبو بكر ومن ثم من انكر صحبته كفر إجماعاً. واخرج إبن أبي حاتم عن إبن عباس إن الضمير في (فانزل الله سكينته عليه) لأبي بكر ولا ينافيه (وأيده بجنود) إرجاعاً للضمير في كل الى مايليق به وجلالة إبن عباس قاضية بأنه لولا علمه في ذلك نصاً لما حمل الآية عليه مع مخالفة ظاهرها له انتهى.
اقول: الإستدلال بهذه الإيه على فضيلة أبي بكر أما من حيث مجرد كونه مع النبي صلى الله عليه وآله في الغار، وأما من حيث وصفه بكونه ثاني إثنين للنبي صلى الله عليه وآله فيه كما ذكر فخر الدين اتلرازي في تفسيره، أو من حيث تسميته صاحباً للنبي صلى اله عليه وآله ولا دلالة لشيء منها على ذلك؛
أما الأول فلأنه شاهد عليه بالنقص والعار، وإستحقاقه لسخط الملك الجبار، لا الفضيلة والإعتبار لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يأخذه معه للأنس به كما توهموه لأن الله تعالى قد آنسه بالملائكة ووحيه وتصحيح إعتقاده إنه تعالى ينجز له جميع ماوعده وإنما أخذه لأنه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه إحتياطاً في تمام سره ولم دخل معه صلى الله عليه وآله في الغار في حرز حريز ومكان مصون بحيث يأمن الله تعالى على نبيه
وأما الثاني فلأن قوله تعالى (ثاني إثنين) بيان حال للرسول صلى الله عليه وآله باعتبار دخوله الغار ثانياً ودخول أبي بكر أولاً كما نقل السير لا عكس ذلك كما توهموه وعلى التقديرين لا فضيلة فيه لأبي بكر لأنه إخبار عن عدد ونحن نعلم ضرورة إن مؤمناً وكافراً إثنان كما نعلم إن مؤمنا ومؤمن إثنان فليس في الإستدلال بذكر هذا العدد طائل يعتمد عليه وكذا الإستدلال بما يلزمه ما إجتماع أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وآله في ذلك المكان لأن المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار وأيضاً فإن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى (فما للذين كفروا قبلك مهطعين، عن اليمين وعن الشمال عزين) وايضاً فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة فاستدلالهم بالآية على إن أبا بكر كان ثاني رسول الله صلي الله عليه وآله في الغار ثم التخطي عنه الى كونه ثانياً في الشرف والفضل كما فعله فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير كما ترى، وبالجملة لفظ «ثاني إثنين» في الآية لايستلزم كون أبي بكر ثاني إثنين للنبي في الشرف لما عرفت من إنه كان متقدماً في دخول الغار والحصول فيه والنبي
وأما الثالث فلأن الصاحب المذكور في متن مانقله من الإجماع على تقدير صحة النقل أعم من الصاحب اللغوي والإصطلاحي كالمذكور في أصل الآية وحينئذ لا فضيلة فيه لأبي بكر إذ لامانع من أن يكون صاحب النبي صلى الله عليه وآله بالمعنى كافراً أو فاسقاً كيف وقد سمى الله تعالى في محكم كتابه ايضاً الكافر صاحباً لهم كما في قوله تعالى عن لسان يوسف عليه السلام (ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟) وقد صرح القاضي البيضاوي في تفسيره وغيره بأن المراد ياصاحبي في السجن وحينئذ تسمية أبي بكر بالصاحب لا تدل على إسلامه وسلامته فضلاً عن أن تدل على فضله وكرامته فأي فضيلة في آية الغار يفتخر فيها لأبي بكر ؟ لولا المكابرة والعناد والبعد عن فهم المراد ولقد ظهر بما قررناه إنه إنما يلزم من الإجماع المذكور بعد صحته تكفير من أنكر صحبة أبي بكر مطلقاً لا صحبته بالمعنى الإصطلاحي المتنازع فيه.
وأما ما أخرجه إبن أبي حاتم عن إبن عباس فالمنافاة فيه ظاهرة ولو وافق فيه لإبن عباس جميع من في الدنيا وإنما يندفع لو لم يكن نزول السكينة على النبي صلى الله عليه وآله لا يعاقبه مع إنه وقع حكاية نزولها عليه في مواضع من القرآن كما سيأتي ولا ريب في أن إرتكاب إنفكاك الضمير بلا قرينة ظاهرة لا يليق بفصيح الكلام فضلاً عن أفصح الكلام.
وأما ماذكره من «إن جلالة إبن عباس قاضية بأنه لولا علم؛ الى آخره»
100 ـ قال: الآية الرابعة قوله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) أخرج البزار وإبن عساكر إن علياً قال في تفسيرها: الذي جاء بالحق هو محمد صلى الله عليه وآله، والذي صدق به أبو بكر. قال إبن عساكر: هكذا الرواية بالحق ولعلها قراءة لعلي إنتهى.
أقول: قد نقل صاحب كشف الغمة عن الحافض أبي بكر موسى بن مردويه
ووجه دلالته على الأمرين بل على ماذكرنا من إنه بني على مجرد المناسبة إنه لو كان هناك رواية في شأن أبي بكر لذكرها ولما إحتاج الى تكلف الإستدلال المذكور ولا الى ذكر علي عليه السلام فيه ولو على سبيل الإحتمال؛ على إن الإستدلال المذكور كسائر تشكيكاته ظاهر البطلان لأن درجة النبوة اعلى مرتبة الإسلام «خ ل: الإيمان» وإذا جاز نبوة الصبي كان صحة إيمانه أجوز وقد قال تعالى
ولم ينكر عليه معاوية مع عداوته وتعنته فكيف يزيد عليه الرازي وهو من جماعته في ذلك وأيضاً مرجع الإسلام الى التصديق بما جاء به