الصفحة 288
قلت: إنما جاء الترتيب في اخباره عما يقع من حكم إلهي لا في إثباته صلى الله عليه وآله إياه حكماً شرعياً فربما كان الحكم ثابتاً لك يتأخر وقوعه الى أجل أو لا يقع البتة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن ترتيب وقوعها حكماً إلهياً عن ثبوت ترتيبها حكماً شرعياً إنتهى

وأما تتمة الخبر من قصة أبي بكر بالصلاة مع الناس من انكر الموضوعات عند الشيعة كما مر بيانه وتأييده بآحدى الروايتين في ذلك للبخاري ويدل على كونه كذباً موضوعاً لإشتماله على ما لايتكلم به عاقل فضلاً عن إمام معصوم مؤيد مطالع للوح المحفوظ كعلي عليه السلام وهو القياس الفاسد الذي نبهنا على فساده فيما مر وقد تقدم لذلك في رد خامس أجوبة هذا الجامد عن خبر «من كنت مولاه فعلي مولاه» ما لا مزيد عليه فتنه وتذكر.

ومنها إن ماذكره من نسبه إستلزام نسبة علي عليه لسلام الى التقية دليلاً على الجبن يستلزم أن يكون سيد الأنبياء جباناً ذليلاً مقهوراً ايضاً بل يستلزم أن يكون أجبن وأذل وأشد مقهورية أعاذه الله من ذلك وذلك للإجماع على إن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن أقل شجاعة وقوة من علي عليه السلام (1) وهو مع كون

____________

(1) بل هوصلى الله عليه وآله كان أشجع وأقوى منه عليه السلام فإنه صلى الله عليه وآله صالح معهم في رد من جاء منهم الينا دون من ذهب منا اليهم ولما كتب علي عليه السلام كتاب العهد وصدره بقوله بسم الله الرحمن الرحيم قال سهل بن عمر عليه ماعليه أما بسم الله وما ندري بسم الله الرحمن الرحيم ولكن إكتب مانعرف بإسمك اللهم فوافقهم النبي صلى الله عليه وآله في ترك كتابة البسملة وكتب بسمك اللهم ولما كتب قوله «هذا ماكاتب محمد رسول الله» قالوا نحن لا نعتقد رسالتك فاكتب محمد بن عبدالله فوافقهم فيه وترك كتابة رسول الله قال النووي في شرح صحيح مسلم «وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح» وقال قبل ذلك بورقات، عند أوائل باب صلح الحديبية: للإمام أن يعقد الصلح على مارآه مصلحة اللمسلمين وإن كان ذلك لا يظهر لبعض الناس في بادي الرأي الى آخر ماقال منه رحمه الله «كذا في حاشية هذا الموضع من إحدى النسختين اللتين عندي»


الصفحة 289
أمير المؤمنين عليه السلام، وأبي بكر الأشجع منه، وعمر المقدام، بزعم هذا الجامد وغيره من بني هاشم في ملازمته لم يقاتل مع كفار قريش واختار المهاجرة من مكة الى المدينة الطيبة وبعد إمتداد المدة وتهيأ القوة والشوكة لما توجه الى مكة للحج وصدق عليه كفار قريش في الحديبية صالح معهم صلحاً سماه عمر إعطاء الدنية ورجع من الحديبية الى المدينة كما مر ولا ريب إن كل مايوجه به كف النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وسائر الصحابة والمهاجرين والأنصار عن قتال هؤلاء الكفار فهو يصلح وجهاً لكف أمير المؤمنين عليه السلام عن منازعة الغاصبين للخلافة بطريق أولى ضرورة إن حقية كفار قريش غير متصورة أصلاً بخلاف الغاصبين المتظاهرين بالإسلام فتدبر.

وأما حربه عليه السلام للبغاة فقد بينا الفرق الظاهر بينهم وبين الثلاثة الغاصبين للخلافة مرارا ًفتذكر.

ومنها إن قوله «وأيضاً فبنو تيم ثم بنو عدي قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش فسكوت علي لهما؛ الى آخره» مدفوع بأنا لو سلمنا إن قومهما كان اضعف قبائل قريش فكفى في تقويتهم وجود مثل عمر الذي روى الجمهور إن النبي صلى الله عليه وآله كان يدعوه في بدء الإسلام ويقول اللهم قوني بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ولو سلم ضعفهما في نفسهما أيضاً لكن أكثر ماعداهما من قبائل قريش كبني أمية وبني مخزوم وبني المغيرة كانوا يبغضون علياً عليه السلام لأجل هلاك آباءهم، وأخوانهم، واولادهم، بيده عليه السلام في غزوات النبي صلى الله عليه وآله حتى روي إنه لم يكن بيت من قريش إلا ولهم عليه دعوة دم أراقه في سبيل الله كما ذكره الأصفهاني الشافعي في جرحه على كتاب كشف الحق وقد ذكر الشيخ الجامد في مواضع من كتابه هذا مايدل على بغض القوم وحسدهم له فيما آتاه الله من فضله خصوصاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم والذين كانوا من أعاظم قبائل قريش فقد روى هذا الشيخ الجامد فيما ذكره

الصفحة 290
فى أول الخاتمة التي عقدها البيان ما أخبر به النبي (ص) ما حصل على آله من البلاء والقتل من قوله «إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً وإن أشد أقوام لنا بغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم» إنتهى

ولهذا إبتدأوا بعقد الرايات لعكرمة بن أبي جهل وعمومته الحارث بن هشام وغيرهم من بني مخزوم على بلاد اليمن وسموا خالد بن الوليد المخزومي الفاسق الذي قال في النبي صلى الله عليه وآله «اللهم إني أبرأ اليك مما فعل خالد» سيف الله وسلطوه على مشتهياته من فروج المسلمين ودمائهم وأموالهم وسموا عبيدة بن الجراح المجروح أمين الأمة وجعلوه مشيراً لهم وأرضوا أبا سفيان بتفويض إمارة الشام ولده يزيد ووجهوا إسامة مع من كان في جيشه من الذين خافوا فتنتهم مظهرين له إبطائه على إمارته ليسكت عن مخالفتهم حتى إذا إنتهى الى نواحي الشام عزلوه واستعلموا مكانه يزيد بن أبي سفيان فما كان بين خروج أسامة ورجوعه الى المدينة إلا نحو من أربعين يوماً لما قدم المدينة قام على باب المسجد ثم صاح يامعشر المسلمين عجباً لرجل إستعملني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله فتأمر عليّ وعزلني هذا والسر في إن بني مخزوم وبنو أمية وغيرهم من صناديد قريش لم يتصدوا لغصب الخلافة بأنفسهم وإنما حملوا أبا بكر على ذلك لعدم سابقتهم في الإسلام وسرعة توجه التهمة اليهم بمعاداة علي عليه السلام وأهل بيته بل معاداة الأنصار ايضاً فحملوا على أبا بكر على أكتاف الناس رغماً لعلي عليه السلام ولهم فافهم وبالجملة إن غصب الخلافة لم يكن بمجرد إتفاق بني تيم وبني عدي كما زعمه بل بإتفاق جميع طوائف قريش على ذلك كما مر مراراً وبه تحقق الفرق بين خلافة الثلاثة وزمان الناكثين والقاسطين والمارقين كما أوضحنا تارة بعد أخرى.

وأما ماذكره من «إن سكوت علي لتيم وعدي أولاً وقيامه بالسيف على آخرين آخراً دليل على إنه كان مع الحق حيث دار» فالجواب عنه إن ذاك كذلك لكن لا لأجل ماتوهمه من إعتقاد علي عليه السلام

الصفحة 291
على حقية خلافة الأولين بل لأجل مامر من أن السكوت في الأول لم يكن إختيارياً له والقيام بالسيف ثانياً كان بإختيار منه.

وأما قوله «وإنه لو كان معه وصية من رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر القيام على الناس لأنفذ؛ الى آخره» فمدخول بما قد مر أيضاً من إنه كان عنده عليه السلام عهدان من رسول الله صلى الله عليه وآله أحدهما إن ولاية عهد الخلافة حق له بعده والثاني أن لاينازع فيها أحداً من الثلاثة المستولين بعده صلى الله عليه وآله للمصالح التي فصلنا فيها الكلام آنفاً فتأمل.

ومنه إن قوله «ومما يلزمهم أيضاً على هذه التقية المشومة إنه رضي الله عنه لايعتمد على قوله قط؛ الى آخره» إن أراد به لزوم عدم إعتماد المخالفين الذين كان يتقي هو عليه السلام منهم فهو غير مجد له وغير مضر لنا وإن أراد عدم إعتماد أولاده الطاهرين وشيعته واصحابه المخلصين الذين عرفوا اصوله المرضية وضبطوا القرائن القائمة في مواضع أعماله للتقية فهو ممنوع إذ عندهم قواعد وعلامات وقرائن وإمارات قد اشرنا الى بعضها سابقاً بها يميزون بين مواضع أعماله عليه السلام للتقية وبين غيرها على وجه لايبقى شائبة الريب لهم وبهذا التقرير أيضاً يندفع ما إدعى لزومه بعيد ذلك كما لايخفى.

ومنها إن قوله وعلى تقدير إنه قال ذلك تقية فقد إنتفى مقتضيها بولايته؛ الى آخره» ممنوع بما مر مراراً من إنه لما كان إعتقاد جمهور من في زمان ولايته حسن سيرة الشيخين وإنهما كانا على الحق فلم يتمكن عليه السلام من الإقدام على مايدل على فساد إمامتهما وإنهما كانا غير مستحقين لمقامها وكيف يتمكن من ذلك وإظهار خلافهم على الجماعة التي يظنون إنهم كانوا خلفاء رسول الله حقاً وإن خلافته عليه السلام مبنية على خلافتهم فإن فسدت فسدت خلافته وكيف يأمن في خلافته الخلاف عليهم وكل من بايعه وجمهورهم عبدة هؤلاء وكانوا يرون إنهم مضوا على أعدل الأمور وافضلها وإن غاية أمر من بعدهم

الصفحة 292
كعلي عليه السلام أن يتبع آثارهم ويقتفي طرائقهم فتأمل وانصف.

95 ـ قال: واخرج أبو ذر الهروي والدارقطني من طرق إن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فاخبر علياً وقال لولا إنهم يرون إنك تضمر ماأعلنوا ما إجترأوا على ذلك فقال علي أعوذ بالله رحمهم (1) الله ثم نهض واخذ بيد ذلك المخبر وادخله المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر على لحيته وجعل ينظر البقاع حتى إجتمع الناس ثم خطب خطبة بليغة من جملتها «مابال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وآله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين وانا بريء مما يذكرون، وعليه معاقب، صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله بالجد والوفاء والجد في أمر الله تعالى يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان لايرى رسول الله صلى الله عليه وآله كرأيهما رأياً ولا يحب كحبهما حباً لما يرى من عزمهما في أمر الله فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون فما تجاوزوا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهم الله تعالى فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، وحبهما قربة وبغضهما مروق ثم ذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله لأبي بكر للصلاة وهو يرى مكان علي ثم ذكر إنه بايع أبو بكر ثم ذكر إستخلاف أبي بكر لعمر ثم قال إلا ولا يبلغني عن أحد إنه يبغضهما إلا جلدته حد المفتري، وفي رواية ما إجترأوا على ذلك أي سب الشيخين إلا وهم يرون إنك موافق لهم منهم عبدالله بن سبأ وكان أول من أظهر ذلك لهما فقال علي معاذ الله أن أضمر لهما ذلك لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل وسترى ذلك إنشاء الله ثم ارسل الى إبن سبأ فسيره الى المدائن وقال لا تساكني في بلدة أبداً قال الأئمة وكان ابن سبأ هذا يهودياً فأظهر الإسلام وكان

____________

(1) هذه الكلمة في النسخة المطبوعة من الصواعق بصيغة التثنية بخلاف نسخة المصنف كما يعلم من هنا ومن الجواب أيضاً كما سيجيء


الصفحة 293
كبير طائفة من الروافض وهم الذين أخرجهم علي رضي الله عنه لما إدعو فيه الإلهية.

أقول: يعلم من هذا الخبر وكثير من أمثاله المذكورة في هذا الكتاب بعد تسليم صحتها إنه عليه السلام كان في زمانه متهماً بأعمال التقية في شأن الشيخين ويظهر منه إن تجويز التقية والحكم بشرعيتها ليس من مخترعات الشيعة كما قد يتوهم وأي تقية أظهر من إنه عليه السلام قال في ضمن جوابه لسؤال ذلك البعض قوله «رحمهم الله» بضمير الجمع الظاهر في كونه راجعاً الى تلك النفر السابين المذكورين في الخبر غاية الأمر إنه عليه السلام سيستعيذ من سب الشيخين فيذهل بعد ذلك عن ظهور إرجاع الضمير الآتي في قوله «رحمهم الله» الى تلك النفر السابين ويزعم بقرنية الإستعاذة المطلقة المبهة إن ضمير الجمع راجع الى الشيخين من أجل توهمه إن تلك الإستعاذة المطلقة منصرفة الى الإستعاذة من سبهما وإن الإتيان بضمير الجمع دون التثنية للتعظيم وأما باقي الأوصاف المذكور لهما من الوزارة والسيادة وأبوة المسلمين مع إن الأخير منها غصب لما خص به رسول الله صلى الله عليه وآله من كونه أباً للمسلمين كأزواجه بكونهن إمهاتهم مسوقة تهكماً على طبق مايصفهما به أوليائهما كقوله تعالى (ذق إنك أنت العزيز الكريم) وقول إبن منير الطرابلسي الشيعي الإمامي رحمه الله مهدداً لشريف زمانه الذي أوقف مملوكه المسمى بتتر عنده في جملة أبيات مضحكه منها قوله:

ليس الشريف الموسوي أبا الرضا إبن أبي مضر أبدى الحجود ولم يرد

على مملوكي تتر واليت آل أمية الطهر الميامين الغرر واقول أم المؤمنين

عقوقها إحدى الكبر الى آخره فليضحك قليلا وليبكي كثيراً.

وأما الرواية الأخرى التي ذكرها آخراً فبعد تسليم صحتها يتوجه عليه إن غاية مايدل عليه هو إستعاذة علي

الصفحة 294
عليه السلام عن سب الشيخين والسب مما يستعيذ منه الشيعة أيضاً ولا يجوزونه بالنسبة الى الكافر فضلاً عن المسلم والمنافق وإنما الذي جوزه هو اللعن على من يستحقه كما مر وفرق مابينهما بين.

وأما قوله عليه السلام «لعن الله من أظهر لهما إلا الحسن الجميل» فلا دليل فيه على عدم إستحقاق الشيخين عنده للعن المتنازع فيه لأن مراده بالحسن الجميل ما هو اللائق بهما عند الله وإن كان طعناً أو لعناً ضرورة إن الحسن الجميل بحال الجبت والطاغوت وفرعون ونمرود ليس إلا مثل ذلك؛ ثم لايخفى إن قوله «ثم أرسل الى إبن سبأ فسيره الى المدائن؛ الى إخره» يدل على إنه إنما سيره لأجل سبه أبا بكر وعمر وقوله بعيد ذلك «إنه أخرجه مع طائفة لما إدعوا فيه الإلهية» يدل على إن التسيير والإخراج لأجل إدعائهم الإلهية فيه عليه السلام فهما متناقضان وهذا من أجل آيات الوضع في الخبر فتدبر.

الشيعة وعلم الرواية والدراية

96 ـ قال: وأخرج الدارقطني من طرق إن علياً بلغه إن رجلاً يعيب أبا بكر وعمر فاحضره وعرض له بعيبهما لعله يعترف ففطن فقال له أما والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحق إن لو سمعت منك الذي بلغني أو الذي نبئت عنك أو الذي ثبت عليك ببينة لأفعلن بك كذا وكذا إذا تقرر ذلك فاللائق بأهل البيت النبوي إتباع سلفهم في ذلك والإعراض عما يوشيه اليه الرافضة وغلاة الشيعة من قبيح الجهل والغباوة والعناد فالحذر الحذر عما يلقونه اليهم من إن كل من إعتقد تفضيل أبي بكر على علي كان كافراً لأن مرادهم بذلك أن قرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم وانه لا مؤمن غيرهم وهذا مؤد الى هدم قواعد الشريعة من أصلها وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته واهل بيته إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم

الصفحة 295
وللأحاديث بأسرها بل والناقل للقرآن في كل عصر من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هلم الصحابة والتابعون وعلماء الدين إذ ليس لنحو الرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشيعة وإنما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي أو نحوه والكلام في قبوله معروف عند أئمة الأثر ونقاد السنة فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأساً وصار الأمر كما في زمن الجاهلية الجهلاء وكيف يسع العاقل أن يعتقد كفر السواد الأعظم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع إقرارهم بالشهادتين وقبولهم لشيعة نبيهم صلى الله عليه وسلم من غير موجب للتكفير وهب إن علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر اليس القائلون بأفضلية أبي بكر معذورين لأنهم إنما قالوا ذلك لأدلة صرحت به لهم وهم مجتهدون والمجتهد إذا أخطأ له أجر فكيف يقال حينئذ بالتكفير وهو لا يكون إلا بإنكار مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة عناداً كالصلاة والصوم.

وأماما يفتقر الى نظر وإستدلال فلا كفر بإنكاره وإن أجمع عليه على مافيه من الخلاف وانظر الى انصافنا معشر أهل السنة والجماعة الذين طهرهم الله من الرذائل والجهالات والعناد والعصب والحمق والغباوة فإننا لم نكفر القائلين بأفضلية علي على أبي بكر وإن كان ذلك عندنا خلاف ما أجمعنا عليه في كل عصر منا الى النبي صلى الله عليه وسلم على ما مر في أول هذا الباب بل اقمنا لهم العذر المانع من التكفير ومن كفر الرافضة من الأئمة فلأمور أخرى من قبائحهم إنضمت الى ذلك فالحذر الحذر من إعتقاد كفر من قلبه مملو بالإيمان بغير مقتض تقليداً للجهال الضلال الغلاة وتأمل ماصح وثبت عن علي وأهل بيته من تصريحهم بتفضيل الشيخين على علي فإن هؤلاء الحمقى وإن حملوه على التقية المشومة عليهم فلا أقل من أن يكون عذراً لأهل السنة في إتباعهم لعلي وأهل بيته فيجتنب أعتقاد الكفر فيهم فإنهم لم يشقوا

الصفحة 296
عن قلب علي حتى يعلموا إن ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم الشجاعة والإقدام وإنه لايهاب أحداً ولا يخشى بالله لومة لائم قاطعة بعدم التقية فلا أقل أن يجعلوا ذلك منهم شبهة لأهل السنة مانعة عن أعتقادهم كفرهم سبحانك هذا بهتان عظيم انتهى.

اقول فيه نظر من وجوه

أما أولاً فلأنه على تقدير تسليم صحة الخبر إنما عرض علي عليه السلام عيب الشيخين على ذلك الرجل لإستحبابه تكراره وليتنبه ذلك الرجل من عرض ذلك عليه على وجه غير معتاد وفي مقام محفوف بالمخالفين بأن المقام مقام التقية والتوقف عن الإعتراف بما يورث توجه البلية فقد إتقى علي نفسه وعلى مولاه في ذلك وما قوله «إذا تقرر ذلك؛ الى آخره» ففي إنه لم يتقرر له شيء هاهنا إلا الرواية ولا دلالة لها على مافهمه منها من كف سلف أهل البيت عليهم السلام عن الطعن في الشيخين كما عرفت فحق أن يقال له «ثبت العرش ثم إنقش».

وأما ثانياً فلأن تكفير من إعتقد تفضيل أبي بكر على علي عليه السلام مما لم يذهب اليه جمهور الشيعة وإنما الذي ذهبوا اليه الحكم بفسقهم بل لم يذهبوا الى تكفير الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الأصحاب الذين خالفوا علياً ولم يحاربوا وإنما كفروا منهم من حاربه كالناكثين والقاسطين.

وأما ماذكره من تقرير الشيعة إنه لامؤمن غيرهم فلا يقتضي تكفير غيرهم من المسلمين لأن ذلك مبني على ماحققوه من الفرق بين المؤمن والمسلم وإن غيرهم كأهل السنة مسلمون وإنما المؤمنون من إعتقد خلافة علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل وهذا الشيخ الجامد

الصفحة 297
الجاهل لما جهل ما حققه الشيعة الإمامية ونظر الى ما قرره أهل السنة من إتحاد المؤمنين والمسلمين توهم إن حسب الشيعة الإيمان في أنفسهم يستلزم نفي الإسلام عن غيرهم وليس فليس.

وأما ثالثاِ فلأن ما ذكره من تأدية تكفير اهل السنة الى هدم قواعد الشيعة من أهلها غير لازم اصلاً وإنما يلزم ذلك إن لو لم يوجد في الأمة من قام مقامهم وإذ قد ذكر إن الشيعة قد حصروا المؤمنين من الأمة المحمدية في أنفسهم فقد إنهم إعتقدوا كونهم الحافظين لأصول الإيمان وقواعد الشريعة وإنه لايضر الحاق أهل السنة بمن عداهم من الكفار وأيضاً قد إتفق المحققون من الإمامية على إن الخبر الذي يرويه السني الذي تحقق عدالته، وإنها لايبيح وضع الحديث لنصرة المذهب وغيرها من المصالح الفاسدة يعتبر روايته فلا يلزم إلغاء العمل بجميع الأحاديث الموجودة في أهل السنة.

وأما رابعاً فلأن الصحابة كما صرحوا كانوا متجاوزين عن مائة الف وكان أكثرهم ممن لم يرو حديثاً عن النبي صلي الله عليه وآله وأما الأقلون فمنهم من روي حديثاً كثيراً كعلي عليه السلام من الصادقين وأبي هريرة من الكاذبين ومنهم من توسط في كثرة الرواية وقلتها ومنهم من قل روايته كأبي بكر وعمر على ماذكره أهل السنة ايضاً والشيعة الإمامية إنما يقدحون في بعض رواة الصحابة في الجميع ولا في الأكثر كيف وهم قد ذكروا في كتب الرجال من الصحابة الموثقين الذين ثبتوا على ولاية علي عليه السلام أولاً وآخراً والذين رجعوا اليه آخراً مايزيد على ثلاثمائة صحابي معروف وعلى هذا فاللازم طرح رواية قليل من الصحابة ولا يلزم من طرح رواية أقل قليل خصوصاً قليلي الرواية هدم الشريعة وإلغاء السنة نعم يطرحون روايتهم إذا كان في سلسلة الرواية عنهم من لا يوثق به من أهل السنة كما

الصفحة 298
أشرنا اليه سابقاً وليس هذا طرحاً لرواية الصحابي من حيث إنه صحابي بل حيث إنه وضع عليه تلك الرواية.

وأما خامساً فلأنه أراد بلزوم الغاء كتب أهل السنة لزوم الغاء الكتب التي الفها أهل السنة في الحديث فبطلان اللازم غير مسلم لقيام ماهو أضعفه من كتب الشيعة الإمامية مقامه وإن اراد الغاء جميع الكتب المؤلفة في ذلك الباب لزعمه إنحصار الكتب المؤلفة في مؤلفاتهم فبطلانه ظاهر جداً ومثله في هذا الزعم الباطل مثل ماوقع في عصرنا من إن بعض المبتدئين من فقراء الطلبة واعيانهم كان يقرأ رسالة مؤلفة في واجبات الطهارة والصلاة ولم يكن يرى كتاباً آخر في الدنيا ولا سمع به فاتفق له في بعض الأيام بعد فراغه عن درسه في خدمة شيخه المرور على حلقة درس شيخ آخر يباحث كتاب المطول في المعني والبيان والمزاعم إن الكتاب منحصر في أفراد نسخ تلك الرسالة وإن كل أحد في كل حلقة درس كل يوم يقرأ ماقرأ هو في ذلك اليوم عند شيخه فجلس في تلك الحلقة وفتح كتابه قصداً لتكرار سماع درسه من تلك الرسالة وإذا سمع مراراً ماقرأه قاريء المطول وما أفاده المدرس من المعاني ولم يجد ذلك مطابقاً لما في درسه من تلك الرسالة ذلك اليوم قام عن المجلس مغتاضاً معترضاً على أولئك الجماعة بأن كل كتبهم غلط فليضحك قليلاً وليبك كثيراً على إن أصح ما إعتمدوا عليه في الرواية كتاب البخاري ثم كتاب مسلم وقد بينا فيما يتعلق بالباب الأول الذي عقده لبيان كيفية خلافة أبي بكر القدح في البخاري ومسلم وكتابيهما وأوضحنا إن روايتهما فيهما عن الوضاعين المعتمدين واحتجاجهما بحديث الناصبي والغالي والمتهم في الدين، فمن كان إعتماده في الرواية والإحتجاج على مثل هذين الأصلين الضعيفين في المزاج، المتكسرين بإشارة كالزجاح، كيف يرجو الرواج بقدحه عن اصل عترتهم السالمون عن

الصفحة 299
الإعوجاج وهو الواضح غرة صحته كبياض الصبح وضوء السراج.

وأما سادساً فلأن قوله «إذ ليس لنحو الرافضة؛ الى آخره» مردود بأنه إن أراد بنحو الرافضة مايشمل الإمامية فهو مكابرة على المتواترات المشتهرة بأن نقل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وأخبار أهل البيت عليهم السلام وآدابهم وعباداتهم وسننهم وعاداتهم ومذهبهم في أصول الفقه وفروعه ومعتقداتهم بين الشيعة الإمامية أظهر من أن يخفى وقد نقلوا عن ذلك مايزيد على ما في الصحاح الست بأسانيد معتبرة ونقحوا رجال الأسانيد بالجرج والتعديل غاية التنقيح ولم يقبلوا إلا رواية من ثبت ثقته أو إتفق عليه الفريقان كأكثر الأحاديث الواردة في طعن الثلاثة وأئمتهم، ومجتهدوهم من لدن علي بن أبي طالب عليه السلام لايقصرون عن علماء فرقة من الفرق بل هم في كل زمان أعلم وأتقى والذي يشهد عليه بعناده في نفي الرواية والدراية عن الشيعة خصوصاً الإمامية ما قاله إبن الأثير الجزري في جامع الأصول من إن مجدد مذهب الإمامية في المائة الثانية علي بن موسى الرضا عليهما السلام وما قاله محمد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عن ذكر الباقرية والجعفرية من الشيعة إن أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام وهو ذو علم غزير في الدين ودأب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات وقد اقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين اليه ويفيض الموالين له اسرار العلوم انتهى

وأما مازعمه من قلة عدد الشيعة فلا يوجب نقصاً في شأنهم كما مر مراراً بل هي دليل حقيتهم إذ كلما كان في الدنيا أقل فهو أعز كالأنبياء في نوع الإنسان والعلماء والأتقياء ونحو ذلك كالجواهر والمسك والمعادن.

وأما سابعاً فلأن قوله وإنما غاية أمرهم إن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي؛ الى آخره» مدفوع بأن عدم ذكر أهل السنة لرجال الشيعة لا يدل على قلة

الصفحة 300
روايتهم فضلاً عن قلة ذكرهم إياهم ضرورة إن إقبال الخصم سيما إذا كان معانداً الى إعتبار قول الخصم وروايته وإن كان حقاً صدقاً نادر قليل جداً مع إنما يشعر به كلامه من غاية قلة المذكورين من الشيعة في خلال أحاديث أهل السنة مكابرة لا يخفى على من تتبع كتب أهل السنة سيما كتاب الميزان للذهبي وتاريخ إبن عساكر وتاريخ الكامل لإبن الأثير وتاريخ المنتظم لإبن الجوزي وتاريخ القاضي لإبن خلكان وتاريخ الشيخ عماد الدين إبن كثير الشامي وتاريخ اليافعي وانساب السمعاني ونظائرها فإن أحوال المذكورين في هذه الكتب من علماء الشيعة يبلغ مجلداً ضخما.

وأما ثامنا فلأن جمهور الشيعة لا يكفر أهل السنة في تفضيلهم لأبي بكر وإنما حكم بذلك شذوذ منهم ذهاباً منه الى إن المطلب ضروري ودعوى الشبهة والإشتباه تعنت وعناد أو لأمور أخر إنضمت الى ذلك كإعتقادهم بغض أهل السنة لعلي عليه السلام ولهذا يعبرون عن جمهور أهل السنة بالناصبة وقد أرشدهم الى ذلك كلام القاضي إبن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور عند بيان أحوال علي بن جهم القرشي حيث قال ما حاصله «إن التسنن لايجتمع مع حب علي بن ابي طالب» وما كتبه أهل ما وراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور وغيره من فتوى إشتراط بغض علي عليه السلام بقدر شعيرة أو حبة رمانة في صحة الإسلام مشهور، وفي السنة الجمهور مذكور، وأما مايشعر به كلامه سود الله وجهه عن زعمه لكون أهل السنة هم السواد الأعظم المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم «عليكم بالسواد الأعظم» لايبيض وجة دعواه اصلاً فإن السواد الأعظم بمعنى أكثر الناس على ما فهمه أهل السنة لا يركن الى إعتباره إلا القلوب الساذجة والأنفس الخالية من معرفة الحق واليقين الغافلة عن قوله صلى الله عليه وإله «كلهم في النار إلا واحدة» فإنه دل على إن الناجي قليل بل نادر بالنسبة الى كثير من

الصفحة 3.1
السالكين كما مر مراراً ويؤيد ماذكرنا مارواه الطيبي في شرح المشكاة عن سفيان الثوري في تفسير الجماعة حيث قال لو إن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة والحق إن مراده صلي الله عليه وآله بالسواد الأعظم مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام كما يشعر به كلام الزمخشري وفخر الدين الرازي في تفسيريهما لما نزل في شأن علي عليه السلام من قوله تعالى (وتعيها أذن واعية) فإنهما قالا «فإن قيل لما قال إذن واعية على التوحيد والتنكير قلنا للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي فيهم وللدلالة على إن الأذن الواحدة إذا وعت فهو السواد الأعظم وإنما سواها لا يلتفت اليه وإن إمتلأ العالم منه» إنتهى فظهر إن الحديث النبوي صلى الله عليه وآله لنا لا علينا.

وأما تاسعاً فلأن قوله «وهل أن علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر؛ الى آخره» مدخول بأن هذا الكلام لو تم لدل على كون الشيعة معذورين في حكمهم ببطلان خلافة الثلاثة وإستحقاقهم اللعن لأنهم أيضاً إنما حكموا بذلك لأدلة صرحت لهم وهم مجتهدون؛ الى آخر ماذكره على إنا قد بينا عدم صراحة تلك الأدلة بل عدم دلالتها على ماقصدوه اصلاً وإنهم إنما تشبثوا بذلك عناداً وفساداً على العوام كدعوى معاوية وغيره من البغاة الغاوية إجتهادهم في الخروج على الإمام الحق علي عليه السلام من غير جهد أو إجتهاد في تحقق ذلك المرام مع ظهور الأمر على سائر الصحابة الكرام وعلماء تلك الأيام.

وأما عاشراً فلأن ما ذكره من «إن الشيعة لم يشقوا عن قلب علي حتى يعلموا إن ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم الشجاعة والإقدام؛ الى آخره» مدفوع بأن إستعلاام الأمور لا يحتاج الى شق القلوب وصدع الصدور فإنه (ع) كان يعلن لشيعته المخلصين المخصوصين به ما كان يضمره عن غيره من المخالفين وقد نصب لشيعته

الصفحة 302
في مواضع أعماله للتقية، القرائن والإمارات الجلية كما مر سابقاً بما لا مزيد عليه فتذكر.

97 ـ قال: الفصل الثاني في

الفضائل المزعومة لأبي بكر من القرآن والسنّة

ذكر فضائل أبي بكر الواردة في وحده وفيها آيات وأحاديث

أما الآيات فالأولى قوله تعالى (سيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا إبتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى) قال إبن الجوزي أجمعوا على إنها نرلت في أبي بكر ففيها التصريح بأنه إتقى من سائر الأمة والأتقى هو الأكرم عند الله لقوله تعالى «إن أكرمكم عند الله اتقاكم» والأكرم عند الله هو الأفضل فنتج إنه أفضل من بقية الأمة ولا يمكن حملها على علي خلافاً لما إفتراه بعض الجهلة لأن قوله تعالى وما لاحد عنده من نعمة تجزى يصرفه عن حمله على علي لأن النبي رباه فله عليه نعمة أي نعمة تجزى فإذا خرج على تعيين أبي بكر للإجماع على إن ذلك الأتقى هو أحدهما وأخرج إبن حاتم والطبراني إن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله فأنزل الله قوله وسيجنبها الأتقى الذي، الى آخر السورة إنتهى.

اقول: فيه نظر من وجوه

أما أولاً فلأنا لانسلم صحة الرواية في شأن أبي بكر فضلاً عن الأجماع عليه والسند ماذكره بعضهم إنها نزلت في حق أبي الدحداح وقد روى هذا ابو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الموسوم بأسباب النزول بإسناده المرفوع الى عكرمة وإبن عباس إن رجلاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير وصاحب النخلة يصعد ليأخذ منها التمر فربما سقطت تمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ التمر من أيديهم فإن وجدها في أحدهم أدخل إصبعه في فيه فشكى الفقير الى النبي صلى الله عليه وآله مما يلقى من صاحب النخلة فقال النبي صلى

الصفحة 303
الله عليه وآله إذهب ولقى النبي ص صاحب النخلة وقال له إعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وآله إن لي نخلاً كثيراً وما فيها نخلة أعجب اليّ تمرة منها فكيف أعطيك ثم ذهب الرجل في شغله فقال رجل كان يسمع كلام النبي صلى الله عليه وآله أتعطيني ما أعطيت الرجل أعني التخلة التي في الجنة إن أنا أخذتها فقال: النبي صلى الله عليه وآله نعم فذهب الرجل ولقى صاحب النخلة فساومها منه فقال تعرف إن محمداً اعطاني نخلة في الجنة فقلت له يعجبني تمرها وأن لي نخلاِ كثيراً وما فيه كله نخلة أعجب اليّ تمراً منها ؟ فقال الرجل لصاحب النخلة أتريد بيعها ؟ قال لا إلا أن أعطي مالا أظنه أعطي قال فما مناك ؟ قال اربعون نخلة فقال الرجل لصاحب النخلة لقد جئت بعظيم، تطلب بنخلتك المائلة اربعين نخله ؟ ثم قال الرجل أنا اعطيك اربعين نخلة فقال صاحب النخلة إشهد لي إن كنت صادقاً فمر الرجل على أناس ودعاهم واشهد لصاحب النخلة ثم ذهب الى النبي صلى الله عليه وآله وقال: يارسول الله صلى الله عليه وآله إن النخلة صارت في ملكي فهي لك فذهب رسول الله صلى الله عليه وآله الى الفقير وقال له: النخلة لك ولعيالك فانزل الله تعالى (والليل إذا يغشى) السورة وعن عطاء إنه قال اسم الرجل أبو الدحداح فأما من اعطي وأتقى هو أبو الدحداح وأما من بخل واستغنى صاحب النخلة وهو سمرة حبيب وقوله (لا يصليها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى) المراد به صاحب النخلة وقوله (يجنبها الأتقى) هو أبو الدحداح ولا يخفى إن مع وجود هذه الرواية إدعاء نزوله في أبي بكر ثم حصر نزولها فيه يكون باطلاً مع ما لايخفي من شدة إرتباط هذه الرواية لمتن الآية بخلاف ما روى إنه نزلت في شأن أبي بكر حين إشترى جماعة يؤذيهم المشركون فأعتقهم في الله تعالى إذ لايقال لمن يؤذي عبده إنه بخيل ولا إنه كذب وتولى فتدبر.


الصفحة 304
وأما ثانياً فلأنه يرد على إستدلالهم بهذه الآية ما أورده كثير منهم كصاحب المواقف وغيره على إستدلالنا بحديث الطير حيث قالوا إنه لايدل على إن علياً عليه السلام أحب الخلق مطلقاً ب يمكن أن يكون أحب الخلق بالنظر الى شيء إذ يصح الإستفسار بأن يقال أحب خلقك في كل شيء أو في بعض الأشياء على غيره الزيادة لا في كل شيء بل جاز أن يكون غيره أزيد ثواباً منه في شيء آخر وذلك إن للمعارض أن يقول إن هذه الآية لاتدل على أن أبا بكر إتقى الخلق مطلقاً لجواز الترديد والإستفسار بانه أتقى الكل أو البعض ومن كل وجه أو من بعض الوجوه كما ذكرتم في حديث الطير حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وأما ثالثاً فلأنا لانسلم إن معنى قوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ما فهمه بل المراد به كما صرحه به بعض المفسرين «إن اكرمكم عند الله أعملكم بالتقية» وأما رابعاً فلأنه إن اريد بالأتقى من كان أتقى من جميع المؤمنين عند نزول الآية فينحصر في النبي صلى الله عليه وآله وإن إرتكب التخصيص وإن أريد به كان أتقى من بعض المؤمنين فلا يلزم منه أفضلية أبي بكر وأكرميته مطلقاً فضلاً عن علي عليه السلام لوجهين الأول إنا لانسلم حينئذ إن علياً عليه السلام داخل في ذلك البعض حتى يكون ابو بكر أفضل منه الثاني إن الأكرم عند الله هو الذي يكون أتقى من جميع المؤمنين كما قال الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لا الأتقى من بعض المؤمنين وبالجملة إذا تطرق التخصيص في الأتقى سقط الإستدلال بظاهر المقال.

وأما خامساً فلأنا لانسلم رواية الشيعة ذلك في شأن علي عليه السلام بل إنما ذكروا ذلك على سبيل الإحتمال في مقام البحث والجدال ولهذا لايوجد في تفاسيرهم المتداولة

الصفحة 305
عن هذه الرواية عين ولا أثر وإنما إحتملوا ذلك لمناسبة قوله تعالى (ويأتون الزكاة وهم راكعون) في حق علي عليه السلام إتفاقاً لقوله تعالى ها هنا (الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى) ومناسبة ماورد في حقه عليه السلام أيضاً من قوله ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكورا) لقوله (وما لا حد عنده من نعمة تجزى، إلا إبتغاء وجه ربه الأعلى)

وأما سادساً فلأنه إن كان المراد بقوله تعالى (وما لا حد عنده من نعمة تجزى) أن لايكون عنده نعمة يكافيء عليها أعم من أن يكون ذلك الأحد من الذين آتاهم شيئاً أم لا فلا نسلم إن أبا بكر كان بهذه المثابة إذ الظاهر إنه لا يوجد شخص لا يكون لأحد في حقه حق نعمة من طعام أو شراب ونحوهما مع إن النبي صلى الله عليه وآله لم يسلم من ذلك لكونه في حجر تربية عمه أبي طالب رضي الله عنه ومع أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحرض أصحابه على التحبب والإتحاد وأكل بعضهم من بيوت بعض والقول بأن مثل ذلك ليس نعمة تجزى مكابرة ظاهرة وغاية الأمر أن يكون جزاءه أقل ويرشد الى ماذكرنا قول الشاعر على طبق كلام أهل العرف في محاوراتهم

حق نان ونمك تبه كردن * بشكند مرد را سرو كردن
هر آنكس باتودارد حق آبي * فراموشش مكن در هيج بابي

وإن كان المراد به أن لايكون عنده لأحد من الذين آتاهم النعمة نعمة تجزى كما هو الظاهر ويدل عليه سياق الآية أي لم يفعل الأتقى مايفعل من إيتاء المال وإنفاقه في سبيل الله الا إبتغاء وجه ربه الأعلى فلا نسلم إنه لايجوز أن يكون المراد به علياً عليه السلام خصوصاً مع قيام القرائن والمناسبات التي مر ذكرها.


الصفحة 306
وأما سابعاً فلأن إستدلاله على صرف حمله عن علي عليه السلام بقوله «إن النبي صلى الله عليه وآله رباه؛ الى آخره» مدخول بأنه مر منا إنه ليس المقصود في الآية نفي مجرد نعمة النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك الأتقى بل نفى نعمة كل واحد من آحاد الناس وكما إن علياً عليه السلام كان في حجر تربية النبي صلى الله عليه وآله كان ابو بكر في حجر ابيه وامه والفرق بين التربيتين تحكم صرف لا يقوم به بليد، أو مكابر عنيد.

وأما ثامناً فلأن أقل الأمر إن عند أبي بكر نعمة هداية النبي صلى الله عليه وآله فكيف ينفي عنه نعمة الكل حتى النبي صلى الله عليه وآله وما توهمه رئيس المشككين فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير من أن نعمة الهداية لا تجزي مستدلاً عليه بقوله تعالى (قل لا أسئلكم عليه أجراً) معارض بل مخصص بقوله تعلى أيضاً (قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ويدل على إن المراد من الأجر المنفي في مثل هذه الآية هو المال لا مطلق الأجر قوله تعالى في سورة هو حكاية عن نوح عليه السلام (ويا قوم لا أسئلكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله؛ الآية) والضمير في عليه راجع الى ماسبق من قوله (إني لكم نذير مبين.)

وأما تاسعاً فلأن قوله آخراً «للإجماع على إن ذلك الأتقى هو أحدهما لا غير» يناقض ظاهر قوله أولاً «إجمعوا على إنها نزلت في أبي بكر» لأن الإجماع على الواحد المعين غير الإجماع على المردد بين الإثنين كما لا يخفى ولنعم ماقيل «الكذوب لاحافضة له) فاحفظ هذا.

98 ـ قال: الآية الثانية قوله تعالى (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى) وأخرج إبن أبي حاتم عن إبن مسعود إن أبا بكر إشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشرة أوراق فاعتقه لله فانزل الله هذه الآية أي إن سعي أبي بكر وأمية وأبي لمفترق فرقاً عظيماً فشتان ما بينهما انتهى.


الصفحة 307
اقول: بعد تسليم صحة رواية النزول في كون معنى الآية ماذكره هذا الشيخ النازل لا دلالة فيها إلا على الفرق بين سعي أبي بكر وسعي كافرين وليس في هذا فضيلة كما لا فضيلْة بين فرعون ونحوه من كل جبار عنيد في أن يقال: إنه أصلح من الشيطان المريد.

99 ـ قال: الآية الثالثة قوله تعالى (ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها) أجمع المسلمون على إن المراد بالصاحب ها هنا أبو بكر ومن ثم من انكر صحبته كفر إجماعاً. واخرج إبن أبي حاتم عن إبن عباس إن الضمير في (فانزل الله سكينته عليه) لأبي بكر ولا ينافيه (وأيده بجنود) إرجاعاً للضمير في كل الى مايليق به وجلالة إبن عباس قاضية بأنه لولا علمه في ذلك نصاً لما حمل الآية عليه مع مخالفة ظاهرها له انتهى.

اقول: الإستدلال بهذه الإيه على فضيلة أبي بكر أما من حيث مجرد كونه مع النبي صلى الله عليه وآله في الغار، وأما من حيث وصفه بكونه ثاني إثنين للنبي صلى الله عليه وآله فيه كما ذكر فخر الدين اتلرازي في تفسيره، أو من حيث تسميته صاحباً للنبي صلى اله عليه وآله ولا دلالة لشيء منها على ذلك؛

أما الأول فلأنه شاهد عليه بالنقص والعار، وإستحقاقه لسخط الملك الجبار، لا الفضيلة والإعتبار لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يأخذه معه للأنس به كما توهموه لأن الله تعالى قد آنسه بالملائكة ووحيه وتصحيح إعتقاده إنه تعالى ينجز له جميع ماوعده وإنما أخذه لأنه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه إحتياطاً في تمام سره ولم دخل معه صلى الله عليه وآله في الغار في حرز حريز ومكان مصون بحيث يأمن الله تعالى على نبيه

الصفحة 308
صلى الله عليه وآله مع ما ظهر له من تعشيش الطائر ونسج العنكبوت على بابه لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة ولا صدق بالآيه وأظهر الحزن والمخافة حتى غلبه بكاءه وتزايد قلقه واضطرابه وابتلى النبي صلى الله عليه وآله في تلك الحال بمماشاته واضطر الى مداراته ونهاه عن الحزن وزجزه النبي ونهي النبي صلى الله عليه وآله وزجره لا يتوجه بالحقيقة إلا الى القبيح ولا سبيل الى صرفه الى المجاز بغير دليل وقد ظهر من جزعه وبكائه ما يكون في مثله فساد الحال في الإختفاء فهو إنما نهى عن إستلزامه ما وقع منه ولو سكن نفسه الى ما وعد الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وآله وصدقه فيما أخبره به من نجاته لم يحزن حيث يجب أن يكون آمنه ولا إنزعج قلبه في الموضع الذي يقتضي سكوته فتدبر.

وأما الثاني فلأن قوله تعالى (ثاني إثنين) بيان حال للرسول صلى الله عليه وآله باعتبار دخوله الغار ثانياً ودخول أبي بكر أولاً كما نقل السير لا عكس ذلك كما توهموه وعلى التقديرين لا فضيلة فيه لأبي بكر لأنه إخبار عن عدد ونحن نعلم ضرورة إن مؤمناً وكافراً إثنان كما نعلم إن مؤمنا ومؤمن إثنان فليس في الإستدلال بذكر هذا العدد طائل يعتمد عليه وكذا الإستدلال بما يلزمه ما إجتماع أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وآله في ذلك المكان لأن المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار وأيضاً فإن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى (فما للذين كفروا قبلك مهطعين، عن اليمين وعن الشمال عزين) وايضاً فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة فاستدلالهم بالآية على إن أبا بكر كان ثاني رسول الله صلي الله عليه وآله في الغار ثم التخطي عنه الى كونه ثانياً في الشرف والفضل كما فعله فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير كما ترى، وبالجملة لفظ «ثاني إثنين» في الآية لايستلزم كون أبي بكر ثاني إثنين للنبي في الشرف لما عرفت من إنه كان متقدماً في دخول الغار والحصول فيه والنبي

الصفحة 309
صلى الله عليه وآله تأخر عنه في الدخول. وأما التفاوت بحسب الشرف والرتبة فلم يستعمل الآية فيها ولا هو لازم منها والألزم أن يكون المعنى على ما أوضحناه إن النبي صلى الله عليه وآله مؤخر عن أبي بكر في الشرف والفضل وهذا كفر صريح كما لا يخفى فاتضح إن استعماله لتلك العبارة في شأن أبي بكر وتداولها في مدحه على رؤوس منابر إنما هو حيلة منه في أيهامهم للعوام إن صريح عبارة الآية نازلة في شأن ابي بكر وإنه ثاني إثنين النبي صلى الله عليه وآله في جميع الأمور وقد بينا بحمد الله تعالى ضعف حيلتهم ووهن وسيلتهم.

وأما الثالث فلأن الصاحب المذكور في متن مانقله من الإجماع على تقدير صحة النقل أعم من الصاحب اللغوي والإصطلاحي كالمذكور في أصل الآية وحينئذ لا فضيلة فيه لأبي بكر إذ لامانع من أن يكون صاحب النبي صلى الله عليه وآله بالمعنى كافراً أو فاسقاً كيف وقد سمى الله تعالى في محكم كتابه ايضاً الكافر صاحباً لهم كما في قوله تعالى عن لسان يوسف عليه السلام (ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟) وقد صرح القاضي البيضاوي في تفسيره وغيره بأن المراد ياصاحبي في السجن وحينئذ تسمية أبي بكر بالصاحب لا تدل على إسلامه وسلامته فضلاً عن أن تدل على فضله وكرامته فأي فضيلة في آية الغار يفتخر فيها لأبي بكر ؟ لولا المكابرة والعناد والبعد عن فهم المراد ولقد ظهر بما قررناه إنه إنما يلزم من الإجماع المذكور بعد صحته تكفير من أنكر صحبة أبي بكر مطلقاً لا صحبته بالمعنى الإصطلاحي المتنازع فيه.

وأما ما أخرجه إبن أبي حاتم عن إبن عباس فالمنافاة فيه ظاهرة ولو وافق فيه لإبن عباس جميع من في الدنيا وإنما يندفع لو لم يكن نزول السكينة على النبي صلى الله عليه وآله لا يعاقبه مع إنه وقع حكاية نزولها عليه في مواضع من القرآن كما سيأتي ولا ريب في أن إرتكاب إنفكاك الضمير بلا قرينة ظاهرة لا يليق بفصيح الكلام فضلاً عن أفصح الكلام.

وأما ماذكره من «إن جلالة إبن عباس قاضية بأنه لولا علم؛ الى آخره»

الصفحة 310
فمدفوع بأنه لاكلام في جلالة إبن عباس رضي الله عنه لكن الكلام في رداءة الراوي عنه المتهم بإباحته للوضع على أفضل من إبن عباس من نصرة مذهبه كإبن أبي حاتم أو غيره من الوسائط المذكورة في الإسناد هذا وقد أفاد بعض أجلة مشايخنا قدس سره إن الله سبحانه لم ينزل السكينة على نبيه صلى الله عليه وآله في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان إلا عمه بنزول السكينة وشملهم بذلك كما في قوله تعالى (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) ولم لم يكن مع النبي صلى الله عليه وآله في الغار إلا أبو بكر أفرد الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله بالسكينة وأيده بجنود لم تروها فلو كان الرجل مؤمناً يجري مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم ولولا إنه أحدث بحزنه في الغار منكراً لأجله توجه النهى اليه عن إستدامته لما حرمه الله تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في المواطن على ماجاء في القرآن، ونطق به محكم الذكر بالبيان وهذا ما أبين لمن تأمله إنشاء الله وقد ألفنا قبل ذلك في تحقيق هذه الآية الكريمة رسالة شريفة قد تعرضنا فيها لتشكيكات فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير لم نغادر فيها صغيراً ولا كبيراً ينفعك اليها المصير والله سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

100 ـ قال: الآية الرابعة قوله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) أخرج البزار وإبن عساكر إن علياً قال في تفسيرها: الذي جاء بالحق هو محمد صلى الله عليه وآله، والذي صدق به أبو بكر. قال إبن عساكر: هكذا الرواية بالحق ولعلها قراءة لعلي إنتهى.

أقول: قد نقل صاحب كشف الغمة عن الحافض أبي بكر موسى بن مردويه

الصفحة 311
بإسناده إن الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وآله والذي صدق به علي بن أبي طالب عليه السلام وأما نزول ذلك في شأن أبي بكر فهو شيء قد تفرد به فخر الدين الرازي الصديقي بمجرد ملاحظة مناسبة التصديق المذكور في الآية لما وضع أولياء أبي بكر من لقب الصديق عليه وهذا دأب الرجل في تفسير كثير من الآيات كما لايخفى على المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير؛ ولو حاولوا إثبات وجود رواية نزول الآية في شأن أبي بكر في شيء من كتب المتقدمين على الرازي ومن تبعه كإبن عساكر بلا إستعمال كذب وميل، فرجعوا بخفي حنين. ومن وقاحات الرازي إنه لم يكتف في ذلك بالكذب على الله تعالى حتى وضع ذلك على لسان علي عليه السلام قاصداً به سد باب تجويز القاصرين من الناضر من كون ذلك وارداً في علي عليه السلام ثم لدفع التهمة التي غلبت على الكاذب الخائن الخائف نسب ذلك الى المفسرين على الإجمال، ولكن الذكي الفطن لا يخفى عليه حقيقة الحال، ويدل على عدم ورود الرواية في شأن أبي بكر وعلي وصول الرواية الدالة على إن المراد بالآية هو علي الى الرازي ماذكره بعد ذلك حيث قال: إنه هذا يتناول أسبق الناس الى التصديق وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل أما أبو بكر وأما علي لكن هذا اللفظ على أبي بكر اولى لأن علياً رضي الله عنه كان في وقت البعث صغيراً فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت ومعلوم إن إقدامه على التصديق لايفيد لمزيد قوة وشوكة في الإسلام فكان حمل هذا اللفظ على ابي بكر أولي إنتهى

ووجه دلالته على الأمرين بل على ماذكرنا من إنه بني على مجرد المناسبة إنه لو كان هناك رواية في شأن أبي بكر لذكرها ولما إحتاج الى تكلف الإستدلال المذكور ولا الى ذكر علي عليه السلام فيه ولو على سبيل الإحتمال؛ على إن الإستدلال المذكور كسائر تشكيكاته ظاهر البطلان لأن درجة النبوة اعلى مرتبة الإسلام «خ ل: الإيمان» وإذا جاز نبوة الصبي كان صحة إيمانه أجوز وقد قال تعالى

الصفحة 312
في شأن يحيى عليه السلام (وآتيناه الحكم صبيا) وقال حكاية عن عيسى عليه السلام في صباه (إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا) وقال في شأن يوسف عليه السلام في حال صباه وعند القاءه في غيابة الجب (وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا ولا يشعرون) وقال سبحانه وتعالى (ففهمناها سليمان وكل آتيناه حكما وعلماً) وكان عمره عندما جعل نبياً أحدى عشر سنة وإذا جاز أن يكون الصبي صاحب النبوة والوحي جاز أن يكون صاحب الإيمان بطريق أولى وأيضاً كما لايقال لمن تولد مؤمناً في فطرة الإسلام إنه آمن لأنه ولد عليه فكذا في علي لأنه تولد في حضرة الرسول صلى الله عليه وآله ولم يعبد صنماً قط لكن أبو بكر قد عهد الأصنام أزيد من أربعين سنة فكان عليه الإتيان بالإيمان بعدما لم يكن مؤمناً وأيضاً فعند أصحابنا إن علياً عليه السلام حين آمن بالنبي صلى الله عليه وآله كان عمره خمسة عشر سنه وقيل أربعة عشر والروايتان جائتا أيضاً من طريق الخصم ذكر ذلك شارح الطوالع عن أصحابه في شرحه والعاقولي في شرحه للمصابيح قال «روى الحسن البصري إن عمره كان خمسة عشر سنة عند إسلامه» وأما شارح الطوالع فروى أربع عشر سنة وهذا ما جاء في صحيح البخاري قد تجاوز البلوغ لأنه أول نقل عن المغيرة إنه قال: إحتلمت وانا إبن إثني عشر سنة وايضاً فقد روي إن النبي صلى الله عليه وآله دعاه الى الإسلام وهو صلى الله عليه وآله لايدعو الى الإسلام إلا من يصح منه ذلك كما قاله المأمون حين ناظر أبا العتاهية وايضاً قد صح واشتهر إنه عليه السلام كتب الى معاوية أبياتاً من جملتها قوله عليه السلام:

سبقتكم الى الإسلام طراً * غلاماً مابلغت أوان حلمي

ولم ينكر عليه معاوية مع عداوته وتعنته فكيف يزيد عليه الرازي وهو من جماعته في ذلك وأيضاً مرجع الإسلام الى التصديق بما جاء به