(2)
بحث
في الولاء والبراء
قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فإنه منهم (1) لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء (2) لا تتولوا قوما غضب الله عليهم (3) لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية (4).
وقد سلف أن محمد بن يحيى أسند إلى الصادق عليه السلام قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (5)) قال: آمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله ولم يلبسوه بظلم أي لم يخلطوه بولاية فلان وفلان.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وآله على وجوب الولاء والبراء بقوله في علي بخم: اللهم وآل من والاه، وعاد من عاداه، وعن الصادق عليه السلام من أحب كافرا فهو كافر، و عنه عليه السلام من جالس لنا غائبا، أو مدح لنا قاليا، أو وصل لنا قاطعا، أو قطع لنا واصلا، أو والى لنا عدوا، أو عادى لنا وليا فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يحب بهذا قوما وبالآخر عدوهم.
وقال له رجل: إني أتولاك وأتولى فلانا وفلانا، فقال: أنت اليوم أعور فانظر تعمي أو تبصر.
____________
(1) براءة: 23.
(2) الممتحنة: 1.
(3) الممتحنة: 13.
(4) المجادلة: 22.
(5) الأنعام: 82.
أتانا رجل جلف | وقد وافى على المنبر |
فقال الرجل الداخل | قولا بعضه منكر |
لقد حبب لي الكل | في سري وما أظهر |
فقال الطهر أنت اليوم | فيما قد بدا أعور |
فإما أن ترى تعمى | وإما أن ترى تبصر |
وما للمرء من قلبين | ذا صافي وذا أكدر |
وقال أبو البركات في أخيه:
رأيت أبي في النوم بعد وفاته | عفا خالقي عنه وعن كل مسلم |
فقلت له ماذا لقيت؟ فقال لي | نجوت بحب الطالبيين فاعلم |
فليس سوى الأطهار آل محمد | فسلم إليهم فرط حبك تسلم |
فقلت له والله ما في شعرة | تخلص من حب الوصي المكرم |
بلى قد توالى يا أبي غيرهم أخي | وقدم جهلا منه عير المقدم |
فقال أبي أنت الحلال بعينه | وغيرك من غيري ومن غير آدم |
وقال العوني:
فإن قلت أهواهم وأهوى عدوهم | فأنت المقر الجاحد المتوقف |
تعيش كما قال الإله مذبذبا | تسخر تسخير الحمار وتعلف |
يجودك النقاد طرا وتارة | تبهرج فيما بينهم وتزيف |
صديق عدو القوم بعض عداهم | فإن لم يقاتل فهو بالقوم مرجف |
تذنيب:
* (في علة تسمية الرافضة) *
الرفض: الترك ولم يخل أحد من الرفض الذي هو الترك قال الشهرستاني في الملل والنحل: إن جماعة من شيعة الكوفة رفضوا زيدا فجرى الاسم وذكر نحوه نظام الدين شارح الطوالع، وصاحب منهاج التحقيق.
يا أبا بصير رفض الناس الخير، وأخذوا بالشر، ورفضتم الشر وأخذتم بالخير.
الكاظم عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله: لأبي الهيثم ابن التيهان والمقداد وعمار وأبي ذر وسلمان هؤلاء رفضوا الناس، ووالفوا عليا، فسماهم بنوا أمية الرافضة.
سماعة بن مهران قال الصادق عليه السلام: من شر الناس؟ قلت: نحن فإنهم سمونا كفارا ورافضة، فنظر إلي وقال: كيف إذا سيق بكم إلى الجنة، وسيق بهم إلى النار؟ فينظرون فيقولون: (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار (1)).
شهد عمار الدهني عند ابن أبي ليلى، فقال: لا نقبلك لأنك رافضي فبكى وقال: [ تبكي ] تبرء من الرفض وأنت من إخواننا فقال: إنما أبكي لأنك نسبتي إلى رتبة شريفة لست من أهلها، وبكيت لعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي
وعيرتني بالشيب وهو وقار | وليتها عيرتني بما هو عار |
قيل لعلوي: يا رافضي فقال: الناس ترفضت بنا، فنحن بمن نترفض.
لقي الصاحب رجلا حجازيا معه رقعة فيها: أنا من أولاد فلان الصديق فكتب في ظهرها.
أنا رجل مذ كنت أعرف بالرفض | فلا كان بكري لدي على الأرض |
ذروني وآل المصطفى عترة الهدى | فإن لهم حبي كما لكم بغضي |
وقال أيضا:
قالوا ترفضت قلت كلا | ما الرفض ديني ولا اعتقادي |
لكن توليت غير شك | خير إمام وخير هادي |
إن كان حب الوصي رفضا | فإنني أرفض العباد |
____________
(1) ص: 62.
إن كان حبي خمسة | زكت بهم فرائضي |
وبغض من عاداهم | رفضا فإني رافضي |
وقال السوسي:
يا سيدي يا أمير المؤمنين ومن | عند الصلاة به أدعو وأبتهل |
لولاك لم يقبل الرحمن لي عملا | ولا سعدت ولا أعطيت ما أسل |
رفضي عدوك ثوب الرفض ألبسني | والاعتزال لأني عنه معتزل |
وقال ابن حماد:
عقد الإمامة في الإيمان مندرج | والرفض دين قويم ما له عوج |
ما في عداوة من عادى الوصي علي | من كان مولى له إثم ولا حرج |
الله شرفني إذ كنت عبدهم | وحبهم بدمي واللحم ممتزج |
دين الولي والبرا لا أبتغي بدلا | ولا إلى غيره ما عشت أنعرج |
وقال الشافعي:
إذا في مجلس ذكروا عليا | وسبطيه وفاطمة الزكية |
فقطب وجهه من نال منهم | فأيقن أنه لسلقلقية |
إذا ذكروا عليا أو بنيه | تشاغل بالروايات الغبية |
يقول لما يصح ذروا فهذا | سقيم من حديث الرافضية |
برئت إلى المهيمن من أناس | يرون الرفض حب الفاطمية |
على آل الرسول صلاة ربي | ولعنته لتلك الجاهلية |
وقال مؤلف الكتاب:
ما الرفض لي برذيلة | ولا أنا منه برئ |
بل هو لي فضيلة | أنجوا به في محشري |
وإنما يغضبني | قول عدو مفتري |
من حيث كان عقده | أنا من الحق عري |
فلعنة الله على | كل مضل مجتري |
يصلى به سعيره | مع زفر وحبتر |
فصل
قال هشام بن الحكم لضرار بن عمر: على ما تجب الولاية والبراءة؟ على الظاهر أم الباطن؟ قال: على الظاهر، قال: أفكان علي أذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأقتل لأعداء الله، أم فلان؟ فقال: علي ولكن فلان أشد يقينا قال: هذا هو الباطن الذي نفيته.
قال: فإذا كان الباطن مع الظاهر قال: فضل لا يدفع قال: أفقال النبي صلى الله عليه وآله:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا وهو عنده مؤمن في الباطن قال: لا، قال:
فقد صح لعلي الظاهر والباطن ولم يصح لأبي بكر شئ منهما.
جاء ضرار إلى ابن ميثم مناظرا فقال: أدعوك إلى منصفة وهي أن تقبل قولي في صاحبي، وأقبل قولك في صاحبك قال: لا يمكن، قال: ولم؟ قال: لأني إذا قبلت قولك في صاحبك قلت: إنه كان الإمام والأفضل بعد النبي صلى الله عليه وآله فلا ينفعني أن أقول في صاحبي: صهر النبي واختاره المسلمون.
قال: فاقبل قولي في صاحبك وأقبل قولك في صاحبي قال: لا يمكن، قال:
ولم؟ قال: لأني إن قبلت قولك فيه نسبته إلى الضلال والنفاق، فلا ينفعني قبولك قولي إنه صاحب وأمين، قال: فإذا كنت لا تقبل قولي في صاحبي، ولا في صاحبك فما جئتني مناظرا بل متحكما.
محمد بن عبد الحميد وأبان ابن تغلب: قال الصادق عليه السلام: أتى الأول إلى علي معتذرا فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: اجتمع الناس وسمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول:
لا تجتمع أمتي على ضلال، قال: فأنا وأهلي والعصابة التي معي من الأمة أم لا؟
قال: من خيار الأمة ثم عدد عليه السلام مناقبه نحو أربعمائة وقال: وأنت خلو منها فما حالك فيمن يأتيك منابذا مجادلا؟ فبكى وقال: صدقت، أنظر في أمري.
وفي رواية أبان ابن عثمان عن ابن عباس أن ذلك كان سبب صعوده المنبر وقوله: أقيلوني، وبدأ يقص رؤياه، فقام الثاني وقال: ما دهاك والله لا أقلناك و رده عن عزمه.
قال المفيد لأبي عمرو السطوي: الشيخان كفرة بجحد النص المتواتر، و قد روى مسلم والبخاري وابن عباس وجابر الأنصاري والمسور وسهل وأبو وائل والقاضي والجبائي والإصفهاني، والقزويني والثعلبي والطبري والسمعاني و ابن إسحاق والواقدي والزهري والموصلي بل هو إجماع أن عمر شك في دينه فقال: ما شككت منذ أسلمت إلا يوم قاضي النبي أهل مكة، والاجماع أن الشك في الدين كفر.
ثم ادعوا أنه رجع وتيقن، قلنا: لا برهان عليه، ولا نقل لأحد فيه.
ومن شكه أنه قال لحذيفة لما سمع النبي يقول: إنه أعلم بالمنافقين:
أمنهم أنا؟ ولم يخرج حذيفة في جنازة صحابي فقال له عمر: هو من القوم؟ فقال:
نعم، فقال: أنا منهم، قال: لا وفي الإحياء للغزالي كان عمر لا يحضر جنازة لم يحضرها حذيفة وفي مسند النساء الصحابيات روى أبو وائل عن مسروق عن أم سلمة قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله من أصحابي من لا أراه ولا يراني، فناشدها عمر: هل أنا منهم؟ الخبر، وكيف يسأل الإمام رعيته عن أحوال إيمانه وقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله شهد له بالجنة و رأى له قصرا فيها، فلا يعتمد على قول نبيه، ويعتمد على غيره إن قيل: إنما سأل رعيته بعد موت نبيه قلنا: موته لا يبطل قوله.
إن قيل: فقد أجابه حذيفة بأنه ليس منهم، قلنا: جاز أن يكون هابه وخافه لما شاهد من جرأته على من هو أعظم منه.
فصل
رووا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: وزنت بأمتي فرجحت، وزنت بالأول فرجح، وبالثاني فرجح، ورجح ورجح، فظلموا النبي وأبا بكر بترجيح عمر عليهما في الفضل، وعلى سائر الأنام ولا خفاء أن الموازنة ليست بالأجسام وإلا لم تقدر على حملهم الأنعام.
وفي الأغاني: سمع الحميري هذا من واعظ، فقال: إنما رجحا بسيئاتهما فإن من سن سنة قبيحة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة.
ورووا أنه نادى سارية وهو بنهاوند: الجبل الجبل، فسمعه فانحاز إلى الجبل قلنا: ولم لا تكون الكرامة لسماع سارية لا لعمر، وقد طعن جماعة منهم في رواة هذا الحديث.
وروى الحاتمي بإسناده أن الثاني والثالث تشاجرا في علي عليه السلام فقال الثاني أتذكر يوما قال فيه ابن أبي كبشه: لولا أني أخاف أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك؟ قال نعم، سأريك كذبه آتني بتراب من تحت قدميه، فجاء به فمسح به عينيه فرأى سارية من بعيد فأراد الله تصديق رسوله وإظهار فضل وصيه.
ورووا أنه عليه السلام قال: ما احتبس الوحي عني إلا ظننته نزل على آل الخطاب ولو لم أبعث لبعث عمر بن الخطاب، وما رأيته إلا تخوفت أن ينزع خاتم النبوة من بين كتفي ويوضع بين كتفيه.
قلنا: في هذه الروايات ما لا يخفى من المحالات والشناعات إذ في الأول الشك في نبوته، وهو مناف لقوله تعالى: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح (1)) والثاني يوجب كون النبي صلى الله عليه وآله أثقل الناس على عمر، لأنه ولو لم يبعث لبعث وفي الثالث تجويز عزل النبي صلى الله عليه وآله عن نبوته، وهل يجوز نقل النبوة
____________
(1) الأحزاب: 7.
ورووا أن ملكا ينطق على لسانه ويسدده، وهذا بهت لأنه رجع إلى علي وغيره في قضاياه، وقال: كل أفقه من عمر، والأول عندكم أفضل منه، وله شيطان يعتريه، وقد قال عمر يوم حديبية: إن الشيطان ركب عنقي، فأين الملك حينئذ.
ورووا أن الشيطان يهرب من ظل عمر قلنا: كيف يهرب من ظله، ويلقي على لسان نبيه الكفر عندكم، حيث قلتم، إنه قرأ (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى).
ورووا أن الله أعز الاسلام بعمر فأين عزه للاسلام، وقد فر في مغازي النبي صلى الله عليه وآله وقد أنزل الله في بدر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة (1)).
إن قالوا: أعزه بالفتح بعد النبي صلى الله عليه وآله قلنا: قد قال النبي صلى الله عليه وآله إن الله ليؤيد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم، وبالرجل الفاجر. إن قيل: فهذا يعود عليكم في علي بن أبي طالب قلنا: أخرجه ثبوت عصمته، وقول النبي صلى الله عليه وآله في حقه، علي مع الحق والحق معه، ونحو ذلك كثير، ولم ينقل له أحد فجورا في عمره كما روينا ورواه المخالف في عمر، وفي تاريخ الطبري أول من سماه الفاروق أهل الكتاب فآثره المسلمون به، ولم يرد فيه رواية عن النبي نعم يشتق له ذلك من جهله وخطائه في قضائه.
فصل
* (في رد الأخبار المزورة في عثمان) *
رووا أن الله جعل لعثمان نورين قلنا: إن أريد جعلهما في الدنيا أو في الآخرة فكيف يخص دون غيره، وهو عندكم مفضول عن الشيخين، وإن أريد أنه خص بنور في الدنيا ونور في الآخرة قلنا: لا اختصاص فإن الله جعل؟ ذلك لكل مؤمن ففي الدنيا (جعلنا له نورا يمشي به في الناس (2)) وفي الآخرة (انظرونا نقتبس
____________
(1) آل عمران: 123.
(2) الأنعام: 132.
إن قلت: لا يلزم من الذكر التخصيص قلت: فذهب الفضل المدعى لعثمان حينئذ.
ورووا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من يشتري بئر أرومة فله الجنة فاشتراها عثمان قلنا: إن صح ذلك لم يكن لوجه الله، ولو كان لنزل فيه قرآن بالاختصاص، كما نزل في أصحاب الأقراص (2) سلمنا لكن رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لم يبق بينهما إلا قليل، فيسبق عليه القضاء فينقله إلى النار، ولا يخفى ما أحدث عثمان مما يوجب النار.
ورووا أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله بدنانير كثيرة فقلبها بيده وقال: لا يضر نعثل ما فعل بعدها قلنا: كيف يصح هذا، وفيه إغراء النبي صلى الله عليه وآله بالقبائح إذا لم يضره شئ.
قالوا: جلس النبي صلى الله عليه وآله يوما مكشوف الفخذين بين أصحابه، فدخل عثمان فغطاهما النبي صلى الله عليه وآله وقال: إني لأستحيي ممن تستحيي منه الملائكة قلنا: رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الركبة من العورة، فكيف يكشفها وما فوقها، وفي ذلك تفضيل نعثل على الشيخين وهو يناقض قولكم.
وأما سبب حياء الملائكة منه، فبجناية جنتها عليه، أو نعمة أسداها إليهم على يده، حتى أوجبت على نفسها إجلاله.
قالوا: جهر جيش العسرة وهو خارج إلى تبوك قلنا: كان الجيش خمسمائة وعشرون ألفا فأعطى عثمان النبي صلى الله عليه وآله مائتي راحلة ففرقها، فكم يبلغ ذلك من تجهيز خمسمائة وعشرين ألفا وقد تخلف عن الجيش ضعفاء متأسفين على الجهاد ولم يجهزهم.
____________
(1) الحديد: 13.
(2) يريد نزول هل أتى في شأن أهل البيت في صدقتهم الأقراص المعدة للافطار علي المسكين واليتيم والأسير.
إنه كان للكافر أن ينكح المؤمنة حتى نسخ ذلك.
وفي كتاب الأنوار أن النبي صلى الله عليه وآله ضمن بيتا في الجنة لمن حفر بئر أرومة ويجهز جيش العسرة، ففعل ذلك عثمان، فخطب رقية فقال النبي صلى الله عليه وآله: أبت إلا أن أصدقتها البيت الذي في الجنة فأصدقها إياه وبرئ النبي صلى الله عليه وآله إليه من ضمانه، وأشهد على ذلك ثم توفت رقية قبل أن يراها عثمان.
قالوا: قال النبي صلى الله عليه وآله: لو كان عندنا ثالثة لما عدوناك قلنا: في هذا تفضيل له على الشيخين، إذ خطبا فاطمة فردهما، هذا إن دل التزويج على الأفضلية و إلا سقطت بالكلية.
____________
(1) المشهور أن زوجته الثانية أم كلثوم ولعله كان اسمها زينب وكان أكبر بناته صلى الله عليه وآله أيضا يسمى زينب زوجة أبي العاص.
(14)
(باب)
* (في رد الشبهات الواردة من مخالفيه) *
وفيه فصول، منها في الآيات، ومنها في الروايات، ويلحقه كلام في وقعة الجمل ونحوها.
ذكر بعض الجهال طرفا من الالباس على ضعفاء الناس، أن مذهب الشيعة حدث على رأس أربعمائة من خلافة بني العباس، ولم ينظر إلى قول أكابر شيوخه كابن مسكويه وغيره ذكر في كتابه تجاريب الأمم أنه لما قتل الحسين عليه السلام اجتمعت الشيعة بالكوفة وقد ذكرنا علة تسمية الرافضة في باب المجادلة، ولو سلم ذلك فحدوث اللقب قد يتوخر عن حدوث الملقب، وقد قال يحيى القرشي في منهاج التحقيق: إن معاوية لما سن سب علي عليه السلام سمى ذلك عام السنة وبه سميت أهل السنة لا ما يوهمون به أهل السنة والجماعة.
وذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد أن هذين أحدثهما معاوية بعد قتل علي وصلح الحسن، ونحوه ذكر العسكري في كتاب الزواجر، وحكى الكرابيسي أن ذلك من يزيد حين دخل عليه رأس الحسين عليه السلام، وحكى صاحب الإبانة أن الحجاج قال: سنة الجماعة سنة أربعين، وقال أبو يوسف: يقولون: السنة السنة إنما هي سنن الحجاج وأصحاب الشرط.
وفي مسند ابن حنبل قال أنس: ما أعرف اليوم شيئا مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قلنا: فالصلاة قال: أولم يضعوا فيها ما قد علمتم.
قال الصاحب:
حب علي بن أبي طالب | هو الذي يهدي إلى الجنة |
إن كان تفضيلي له بدعة | فلعنة الله على السنة |
لعن الله من يسب عليا | وحسينا من سوقة وإمام |
أيسب المطهرون جدودا | وكريموا الأخوال والأعمام |
وروى مسندا إلى أنس قول النبي صلى الله عليه وآله: أن لله خلقا ليسوا من ولد آدم ولا إبليس، وهم القنابر يقولون في السحر: ألا لعنة الله على مبغض علي بن أبي طالب وقد نظم ذلك مؤلف هذا الكتاب:
يسب علي بأعلى المنابر | وفي جهلهم حسبوا أنها بر |
فقد سخر الله من لطفه | خليقة معروفة بالقنابر |
تقوم بلعنة من يبغض | الوصي عليا عدو مكابر |
رواه أنيس عن المصطفى | وقد كان فيما رواه لخابر |
قالوا: كيف سميتم بالمؤمنين وقد تركتم الجمعة وهي من أعظم أركان الدين قلنا: لم نقل نحن ولا أنتم أن العبادات من أركان الدين، وإنما هو التصديق القلبي فقط، وقد شرط الشافعي في الجمعة أربعين، وشرط أبو حنيفة السلطان أو من أمره، وشرط فيها المصر، وأنها لا تصح في القرى، ولأنا سمينا أيضا بالمؤمنين لاتباعنا أمير المؤمنين.
قالوا: فعمر سمي أمير المؤمنين، قلنا: ذلك من تسمية المعاندين، كما سموا به يزيد، أو غيره؟ وهم أعداء المؤمنين، بخلاف من سماه النبي الأمين، حيث قال في علي: سلموا عليه بإمرة المؤمنين.
قالوا: نمنع ورود ذلك قلنا: قد رويتم أنه يعسوب الدين، وقد أسلفنا في الباب التاسع فصلا في تسميته أمير المؤمنين مستوفى فليراجع منه.
قالوا: فأنتم لا جهاد لكم، فلستم بمؤمنين، لقوله تعالى: (إنما المؤمنون
بل من الجهاد جهاد النفس في الصبر، ومنه حراسة الدين بالحجج والبراهين وبهذا يندفع قولهم: لو كنتم مؤمنين لانتصرتم لقوله تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا (1)) قلنا: لو أريد نصرة الحرب لم يكن أنبياء بني إسرائيل مؤمنين، وقد أخرجوا أمعاء حبيب النجار بالوطي، وهو مؤمن آل ياسين وقد كسر المسلمون بأحد، وحصر عثمان وحزبه، وتولت البرامكة على الناصبية فلا إيمان لهم ولا لأئمتهم، بموجب تقريرهم، فلله الحمد على لزومهم التناقض كطوق الحمامة إلى يوم القيامة، وقد ذكر حزقيل من آل فرعون يكتم إيمانه.
قالوا: بلغ من إخفاء دينكم أن تلعنوا أنفسكم، إذا قيل: لعن الله الرافضي قلتم مثله، قلنا: فأنتم لعنتم إمامكم الذي هو أعظم من ذلك إذا قلنا: لعن الله من خالف النبي، قلتم مثله، مع نقلكم في صحاحكم أن عمر خالفه في كتابة الكتاب، ولعن الإمام عمدا أبلغ من لعن النفس تقية، ويكفيكم ما خرج في كتبكم عن عائشة من قول النبي صلى الله عليه وآله: شر الناس من يتقي الناس فحشه.
وقد ذكر صاحب كتاب الأوصياء أن القهر والاضطهاد في صالحي ولد آدم طبقة بعد طبقة إلى ما يشاء.
ولقد بلي أيوب بالبلاء، وعني يعقوب بالعناء وناح نوح حتى ثوى، وبكى داود حتى ذوي، ونشر يحيى، وذبح زكريا، وقتل بنو إسرائيل الأنبياء، و لو دلت المغلوبية على بطلان الدين، بطل الاسلام، حيث هرب في ابتدائه سيد المرسلين ولا عيب إذا ظفر الشقي بالولي.
فحربة وحشي سقت حمزة الردى | وحتف علي في حسام ابن ملجم |
____________
(1) الحجرات: 15.
(2) غافر: 51.
وقد أخرج البخاري ومسلم حديث المغيرة لا تزال أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون، قال الصادق عليه السلام: أهل العلم وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم خذلان من خذلهم فهذا صريح في أن خذلانهم لا يبطل أديانهم. ومع ذا فليتخذ الناصبة حكام الجور أئمة لهم، لأنهم الآن تحت قهرهم، مع إجماعهم على الباطل، إذ يجب عليهم نصب الإمام شرعا بزعمهم، فالظلمة على قولهم أحق بالأمر منهم، إذا كان السلطان لهم.
ومن أحسن ما يتمثل به:
فكم في الأرض من عبد هجين | يقبل كفه حر؟ هجان |
وقد يعلو على الرأس الذباب | كما يعلوا على النار الدخان |
وأما مغلوبية الشيعة بالدليل، فليس إليها بحمد الله من سبيل، فإن براهينها من المعقول مشهورة، ومن المنقول في صحاح مخالفيهم مذكورة.
قالوا: فأنتم الأقلون، قلنا: فالنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه أولا هم الأقلون، و هل هذا إلا مثل قول فرعون: (إن هؤلاء لشرذمة قليلون (1)) وقد قال تعالى:
(وما آمن معه إلا قليل (2)) ونحوه كثير ومنه (وقليل من عبادي الشكور (3)) قالوا: كل قليل شكور، ولا ينعكس إلى كل شكور قليل، بل إلى بعض الشكور قليل قلنا: فإذا حصل الشكور ببعض القليل، خرج البعض الآخر منه، وجميع الكثير، ولزم المطلوب. على أن قولهم المعنى كل شكور قليل، ينعكس بالنقيض إلى كل ما ليس بقليل ليس بشكور، فالكثير ليس بشكور، فالكثير مذموم والمراد إيقاع نسبة (ليس بشكور) على ما ليس بقليل، لوجوب تطابق العكس للأصل في الكيف كما علم في المنطق.
____________
(1) الشعراء: 54.
(2) هود: 40.
(3) سبأ. 13: