الصفحة 88

فصل
* (في ذكر آيات ادعى نزولها في أبي بكر وصاحبيه) *


فمنها: (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى) (1) والأتقى في كتاب الله أكرم والأكرم مقدم.

قلنا: ذلك أبو الدحداح كما حكى شارح الطوالع ورواه الواحدي بإسناده إلى عكرمة وابن عباس أنه ابتاع نخلة لرجل في دار فقير بأربعين نخلة، وجعلها للفقير بنخلة في الجنة.

وأسند الثعلبي إلى عطا أنه أبو الدحداح وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الأتقى علي بن أبي طالب قال شارح الطوالع: ويؤيده (ويطعمون الطعام) الآيات (2) إن قلت: من صفة الأتقى سلب نعمة تجزى، وعلي في تربية النبي صلى الله عليه وآله ونفقته نشأ وتلك نعمة تجزى قلنا: نفي الإجزاء من علي لا يدل به على نفيه من الله للنبي، ولا نسلم أنه ليس على أبي بكر نعمة تجزى، كيف ذلك وقد احتاج إلى معاضدته في حروبه وتدبيره، وأحوال معاشه ونعمة النبي عليه في إرشاده جزاؤها للنبي صلى الله عليه وآله من ربه، مع أن الأتقى إن حمل على أفعل التفضيل، لرم كون أبي - بكر أفضل من النبي، بل المراد التقى كقوله تعالى: (وهو أهون عليه (3)) أي هين وكقول طرفة:


تمنت سليمى أن أموت فإن أمتفتلك سبيلي لست فيها بأوحد

ولئن سلم أنه لا فعل التفضيل، فهو من الأمور الإضافية، تصدق بالكثير والقليل، ولو سلمنا أنه أتقى منعنا أنه الأتقى في الآية الأخرى فلا ينتج، لعدم اتحاد واسطته.

____________

(1) الليل: 19.

(2) الإنسان: 8.

(3) الروم: 27.


الصفحة 89
على أن الآية فيها: من كان أكرم فهو أتقى، ولا يلزمه من كان أتقى فهو أكرم لما تقرر في الميزان أن الموجبة الكلية لا تنعكس كلية إلا إذا تلازم الأتقى والأكرم كالانسان والناطق، ولا يلزم هنا لأن ظاهر الأتقى أنه مجانبة للعصيان وجائز كون الأكرم بملازمة الطاعات، فجائز وجود أحد الصفتين في شخص والأخرى في آخر.

وفي هذا نظر إذ يجوز كون الأتقى بمخالفة الأمر والنهي، فيتلازم هو والأكرم، ومن عدم عنه إحدى الصفتين عدم عنه الأخرى إلا أن يحمل الأتقى على التقى، والأكرم على الكريم، كما سلف فيفترقان.

على أن الخصم لما أسقط العلل الغائية عن أفعاله تعالى سقط احتجاجه بهذه الآية إذ ليست الكرامة معللة بالتقوى عندهم، فجاز حصولها لغير المتقي، فلا يلزم تقدم الأتقى وكيف قلتم: الأكرم مقدم، وأنتم تجوزون تقديم المفضول.

فإن قلتم هو إلزام قلنا: نلتزم به ونثبت الأفضلية لعلي بخبر الطائر، و بكونه لم يكفر قط، فكيف يجعل من مضى أكثر زمانه على الكفر أتقى منه، و بقوله تعالى: (وفضل المجاهدين على القاعدين (1)) وعلي بالاتفاق من أجهد المجاهدين، وأبو بكر من ملازمي القاعدين، ومتى كان ثبات علي أكبر فثوابه أكثر.

وقد أخرج صاحب الوسيلة عن أبي سعيد قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي: لك من الثواب ما لو قسم على أهل الأرض لوسعهم.

إن قلت: كان أبو بكر يجاهد بلسانه قلت: فعلي بلسانه وسنانه، وكانت هداية أكثر الضلال على يده.

إن قلت: فكان النبي في القاعدين، فيدخل بزعمكم في جملة المفضولين قلت:

ليس للملوك مباشرة الضروب لما فيها من فساد نظام الحروب.

وكيف يقال إن الآية نزلت في أبي بكر وقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أنه أنزل عذري، وبعيد أن ينزل

____________

(1) النساء: 95.


الصفحة 90
في أبيها قرآن ولا تعلمه لشدة حرصها على قيام ناموسه كما دل عليه تقديمها له وفي منصب نبيه وغيره، ولو نزل به شئ لاحتج به يوم السقيفة ولم يحتج بالأئمة من قريش، لخروج علي من شركته، بل أولى لمسيس قرابته، وليحسن أن يقال في علي الولي شعرا:


علونا فلو مدت إلينا بنانهايمين المناوي زايلتها المعاصم
وعلت بمجد من سناء محلقإذا ما يمين قيدتها الأداهم
مفاخر ميراث ومجد مؤثلرفيع الذرى يشقى بهن المخاصم

ومنها: قوله تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون (1)) فالداعي ليس النبي لقوله تعالى: (قل لن تتبعونا) ولا علي لقوله: (أو يسلمون) لأنه لم يقاتل في خلافته إلا مسلما، فهو أبو بكر حين بعث خالدا لقتال أهل الردة، وهم الموصوفون بالبأس والشدة كانوا ثمانون ألفا فغنم وسبي وقتل مسيلمة وتسرى علي من سبيه بالحنفية وكان ذلك أسا لبقاء الاسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله.

قلنا: لا نسلم أن النبي صلى الله عليه وآله لا يكون داعيا بقوله: (لن تتبعونا) فإن الله بشر من حضر الحديبية بغنيمة خيبر، فأراد المخلفون مشاركتهم، فقال النبي.

(لن تتبعونا) لأن الله وعدنا بها خاصة هكذا قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما على أن (لا تتبعونا) خبر لا نهي، فلا يدل على عدم الدعوة كما قال تعالى: (فإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله (2)) قال: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) فالنبي صلى الله عليه وآله خبر بأن المخلفين لن يتبعوه لامتناع تبديل كلام الله مع أنه دعاهم بعد ذلك إلى قوم ذي قوة مثل حنين والطائف وثقيف وهوازن في حياته، فلا موجب للحمل على ما بعد وفاته. ولئن سلم كون النبي صلى الله عليه وآله ليس داعيا لا يلزم كونه أبو بكر لجواز كونه عليا.

____________

(1) الفتح: 16.

(2) البقرة: 22 و 23.


الصفحة 91
وقولهم: ما حارب في خلافته إلا مسلما ممنوع، بما أخرجه البخاري وغيره قول النبي صلى الله عليه وآله: صرورة يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأخرج الفراء في مصابيحه وغيره قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي وفاطمة والحسنين أنا حرب لمن حاربتم وحرب النبي كفر، ولأن من استحل دم مؤمن كفر، فكيف بالإمام.

إن قالوا: لو كانوا كفارا لسباهم قلنا: معارض بفعل النبي صلى الله عليه وآله بأهل مكة:

قالوا: لا يعلم بقاء المخلفين إلى زمان علي حتى يتم كونهم مدعوين قلنا ولا يعلم بقاهم إلى زمان أبي بكر على أن قوله: (ستدعون) يحتمل كون الداعي هو الله بإيجاب القتال عليهم، وذبهم عن أهل دينهم، ولو سلم كون أبي بكر داعيا لم يلزم كونه إماما لما أخرجه البخاري في صحيحه من قول النبي صلى الله عليه وآله: إن الله ينتصر لهذا الدين بالرجل الفاجر فلعلهم دعاهم إلى حق ولم يكن على حق، و الطاعة لله فيه لا لداعيه، وإن كان على حق لم يلزم أن يكون رئيسا، إذ يتعين على كل مدعو إلى صواب الإجابة، سواء كان الداعي شريفا أم لا، فسقط الاحتجاج.

ومنها: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله (1)) والنبي صلى الله عليه وآله لم يأخذ سوى جزيرة العرب، وإنما ظهر الدين في خلافة المشايخ، فإنهم أجلسوا على التراب ملوك الأديان، وكان في سبيهم بنت كسرى شاه زنان، فلا دليل أظهر منه على صحة خلافتهم، لظهور دين الحق بإمامتهم قلنا: المراد ظهوره على أهل الأديان بالحجة والبرهان، لقرينة (الهدى) لا لغلبة الأعداء، ولأن ما ذكروه ظهور على أهل الأديان لا على نفس الأديان والأصل عدم الاضمار وقد سلف أن الله لينتصر لهذا الدين بالرجل الفاجر، وقد علم أن السلاطين الفسقة بمصر وغيرها يغزون الكفار من الأنام، ويحمون بيضة الاسلام، فليتخذوهم مع ما هم من الآثام خلفاء للنبي عليه السلام.

ثم نقول لهم: يلزم على تقديركم، كون الدين ناقصا في حياة نبيكم، و

____________

(1) براءة: 33. الصف: 9.


الصفحة 92
فيه رد لقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم (1)) وأي وصمة تصل إلى النبي صلى الله عليه وآله أعظم من التعريض بنقص دينه في حياته.

ومنها: قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم (2)) قالوا: في الآفاق ما ذكره في الكشاف انتشار الدين في الأقطار (وفي أنفسهم) تملك الضعفا ممالك ملوك الكفار فحكم سلمان في ملك كسرى مع غربته، والمغيرة بن شعبة في ملك النعمان بحيرته، ومعاوية في ملك هرقل بالشام، مع كونه من صعاليك قومه وابن العاص في ملك فرعون بمصره، وفيه دليل حقية خلافة الثلاثة إذ كانوا أصلا لفرعيته.

قلنا: قد فسر من نسبتم التفسير إليه مقاتل بن سليمان (الآفاق) بمرورهم على ديار عاد وثمود ولوط (والأنفس) بالقتل ببدر، وليس لهم تكذيب مقاتل و تصديق الكشاف لأن فيهم من يكفره حيث حكم بأنهم القدرية المجوس في تفسير (وأما ثمود فهديناهم (3)) ونحوها مع أن اللام في (الآفاق) للعموم ولم يقع مقتضاها لاستمرار الشرك إلى الآن في أكثر البلدان، ولكنه سيقع بالمهدي إن شاء الله في آخر الزمان، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن كعب ينزل عيسى من السماء فتأتيه اليهود والنصارى، ويقولون: نحن أصحابك فيقول: كذبتم أصحابي المهاجرون، بقية أصحاب الملحمة فيأتي مجمع المسلمين فيجد خليفتهم يصلي بهم، فيقول: يا مسيح صل بنا فيقول: بل صل أنت بأصحابك إنما بعثت وزيرا ولم أبعث أميرا. ثم إن أصل انتشار الدين كان بالنبي وحزبه وبسيف علي وحربه.

ومنها: (والذين معه أشداء على الكفار (4) الآية قلنا: أما أولا فإنه لا

____________

(1) المائدة: 6.

(2) فصلت: 53.

(3) فصلت 17.

(4) الفتح: 29.


الصفحة 93
عموم لها ولأنه لم يرد بالمعية المكان والزمان، لقوله: (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق (1)) ولا المعية في الدين لأن في الآية أوصاف لا تصدق على من كان مع في الدين، وخصوصا أبو بكر لم يكن له شدة على الكفار، لما عرف له من الفرار وقد ذكر ابن قتيبة في المعارف وهو عامي المذهب فرار الشيخين يوم حنين.

إن قالوا: تصدق تلك الأوصاف بفرد فرد قلنا: لو كفى لم يختص المصاحبون بالمدحة على أنكم عدوا لأبي بكر قتيلا واحدا.

إن قالوا: تحمل المعية على المصاحبة، وتعم إلا من أخرجه الدليل في المنافقين قلنا: فتصير الآية من المجاز، لأجل التخصيص، فحملها على المعية؟ في النصرة حقيقة لعدم التخصيص، فهي أولى * نعم وجدنا شدتهم على عترة نبيهم، في غصب عليهم وسيدة النساء فيهم، وسرى ذلك في أولادهما وشيعتهما، ولعل من من فعل ذلك بهم اعتقد الكفر فيهم، وسيأتي تكميل بحث في هذه في مكان قريب.

إن شاء الله.

ومنها: آية المحبة (2) ادعوا نزولها فيه، وقد سلف نزولها في علي عليه السلام فليطلب منه.

ومنها: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون (3)) قلنا: هذه الآية سلفت في علي عليه السلام وما أنزل فيه، ولكن أعيدت استيناسا بها، ولنرد فيها على من حرفها عن موضعها، ولزياد؟

بحث لم ينظم فيها، فأثرنا أن نعثر عليها.

قالوا: الركوع التواضع، والثلاثة مؤمنون مصلون مزكون متواضعون ولقد كان أبو بكر يلين جانبا، وعمر يلبس مرقعا، وعثمان مع حصره لم يرق من مسلم دما، ولفظ الجمع في الآية صادق عليهم، والشروط صالحة فيهم دون

____________

(1) براءة: 101.

(2) يريد قوله تعالى: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه الآية 54 من المائدة.

(3) المائدة: 55.


الصفحة 94
غيرهم وذلك كله دليل صحة إمامتهم في زمانهم دون غيرهم.

قلنا: نمنع كون الركوع التواضع، بل قال الجوهري في صحاحه: هو الانحناء فحمله على التواضع مجاز لا يصار إليه مع إمكان الحقيقة، ولئن سلم كونه التواضع كما فهم من قول الأضبط بن قريع من رواية الصغاني.


لا تحقرن الوضيع علك أنتركع يوما والدهر قد رفعه

فإنه يجب الحمل على الحقيقة الشرعية لطريانها على اللغوية فهي كالناسخة لها.

إن قيل: الحمل على اللغوية أولى لكونه تأسيسا فإن الركوع الشرعي دخل في قوله: (يقيمون الصلاة) فالحمل عليه يكون تأكيدا.

قلنا: بل الحمل هنا على الشرعي أولى، لأن المراد ليس بيان وقوع الركوع بل بيان أمر وقع حال الركوع، وقولهم: شرط الولاية حاصل فيهم دون غيرهم فيه إبطال لإمامة علي بمقتضى الحصر، وهو باطل إجماعا.

وأين لين أبي بكر مع هجومه على الخلافة غصبا، والنبي صلى الله عليه وآله لم يدفن وأين زهد عمر مع كشفه بيت فاطمة وضربها، ومع ما فيه من الفظاظة والغلظة كما في كتاب المحاسن: دخل المهاجرون على أبي بكر لما بلغهم أنه يستخلف عمر وقالوا: نراك مستخلفا عمر علينا وقد عرفته وبوائقه إلينا.

ومن كتاب ابن قتيبة: دخل رجل على عمر لما ولي، وقال: بغضك الناس للسانك وعصاك، ومن الكتاب دحل رجل شامي عليه، فسأله عن أهل الشام فقال:

سالمون ولولايتك ومن شرك مشفقون.

وأما ترك عثمان الدفاع عن نفسه، فهو ألقى إلى التهلكة بيده، ومعلوم أن الدفاع من الجهاد المأمور به، ومن يفعل ذلك بنفسه لا يصلح لأدنى ولاية. هذا إن كان تركه للقتال عن قدرة، وإن لم يكن فلا مدحة في عجزه وضعفه. وقد أنكر الناصب الشقي الأعور الواسطي نزول الآية في علي حيث ذكر لفظ الجمع فيها الممتنع حمله عليه، ومن حيث ذكر الزكاة المنفية عن الفقير الذي يلبس القصير، ويأكل

الصفحة 95
الشعير ومن حيث إن إخراج الزكاة يصرف عن الخشوع الذي هو روح الصلاة قلنا: قد جاء في الذكر الحكيم لفظ الجمع على الواحد للتعظيم فقد ذكر البخاري أن قوله: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم (1)) نزلت في النبي صلى الله عليه وآله حيث أخذ غوثر (2) سيفه حين نام، وقد غلقه بشجرة، وهم به فنادته الملائكة والمراد جبريل ومثله (إذ قالت الملائكة يا مريم (3)).

إن قلت: كيف يعظم علي ويخلو الله ورسوله منه قلت: وهمت، فإن لفظة الجلالة على ذات الواجب وإضافة الرسول تعظيم بالغ على أن الجمع قد جاء بدون التعظيم ففي تفسير مقاتل (الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله (4)) نزلت في ابن أبي بن سلول (والذين يظاهرون (5)) نزلت في أوس بن الصامت.

وفي تفسير الزمخشري وابن المرتضى وهو من أكابرهم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم (6)) نزلت في نعيم بن مسعود، وقال: إنه قول عكرمة ومجاهد.

قوله: لا مال له ولا صدقة له قلنا: إخبار الله بزكاته أصدق من اعتداء الناصب وتخييلاته وقد قال العاقولي في شرحه للمصابيح من مسند ابن حنبل وغيره: إن عليا قال: لقد ربطت الحجر من الجوع على بطني، وبلغت أربعة آلاف دينار صدقتي وروي أربعين ألف دينار.

قالوا: نمنع الحصر بل المعنى أن كل فرد من المؤمنين موصوف بنصرة

____________

(1) المائدة: 11.

(2) ويقال غورث أيضا.

(3) آل عمران: 42.

(4) المنافقون: 7.

(5) المجادلة: 4.

(6) آل عمران: 173.


الصفحة 96
الآخر، فكأنه قال: إنما ناصركم الله ورسوله والبعض الآخر من المؤمنين ولا ينافي ذلك قوله: (والمؤمنون بعضهم أولياء بعض (1).

أجبنا بأن ذلك إثبات مطلوبنا الذي هو المغايرة وإلا لزم التكرار، فإن الإمامة أخص من النصرة.

قالوا: حسن التوكيد في قولنا: إنما جاءني زيد وحده، دليل عدم الحصر في (إنما) أجبنا بأن التوكيد تقوية المؤكد، فلولا الحصر تناقضا فلا تقوية.

قالوا: حسن الاستفهام بقولنا: كم أكلت؟ عند قولنا: إنما أكلت رغيفا أجبنا بمنع حسنه كما لا يحسن عند قولنا: إنما أكلت رغيفا واحدا، لعدم الفرق بينهما عقلا ولغة، ولو حسن الاستفهام لزم الاشتراك.

قالوا: (وهم راكعون) مشتركة بين الحال والاستيناف، لحسن الاستفهام بهل أداها حال ركوعه أو قبله؟ أجبنا بمنع حسنه، وإلا لزم الاشتراك.

قالوا: نفهمه من قوله: (يقيمون) إلى آخرها أن ذلك عادتهم إذ لا يطلق ذلك إلا على المعتاد أجبنا بالمنع من كونه ليس عادتهم، ولو سلم لكن أهليتهم له و فعلهم وقعها يجري مجرى عادتهم.

قالوا: لو كان المدح على الايتاء حال الركوع، لزم صيرورته سنة فينا وليس.

أجبنا بأن ليس كل حسن يفعل يصير سنة لنا، أو يكون صار سنة لهم دوننا.

قالوا: قلتم: لو لم يرد بالركوع الحال بل الاستيناف لزم التكرار لدخوله في (يقيمون الصلاة) قلنا: ذكره تشرفا له.

قالوا: إن قلتم: فذكر السجود أولى لكونه أشرف قلنا: جاز كون ذكر الركوع لمصلحة لا نعلمها أجبنا عن ذلك كله بأن ذلك رجوع منكم إلى أن (الواو) للاستيناف، ولو كان له، لزم ركة الكلام، لأن ذكر إقامة الصلاة أشرف من ذكر بعض أجزائها إذ لا يحسن الوصف بالأنقص بعد الوصف بالأكمل، ولو كان (الواو)

____________

(1) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض: براءة: 71.


الصفحة 97
للاستيناف، لانقطع الكلام عما قبله، ويصير كأنه قال ابتداء: هم راكعون.

إن قالوا: الواو مع كونه للاستيناف هو للعطف أجبنا بأن (واو) الاستيناف لا تطلق على واو العطف، ولو جامعت واو العطف صار التقدير (الذين يقيمون الصلاة والذين يؤتون الزكاة وهم راكعون) فيلزم عطف الجملة على المفرد، وهو غير جائز أو يصير التقدير (والذين هم راكعون) فيلزم الاضمار وهو خلاف الأصل.

قالوا: إذا قيل: فلان يحارب عني ويبني داري لم يفهم منه الحال أجبنا بأن الموجب لذلك عدم إمكان الجمع بخلاف الآية.

قالوا: يحمل الراكع على ما من شأنه أن يكون راكعا وتصير الآية عامة لكل المؤمنين أجبنا بأن ذلك مجاز لم تلجئ الضرورة إليه قالوا: المقصود من الآية إثبات نصرة المؤمنين ونفيها عن الكتابيين، أجبنا بأن ذلك قد مر في قوله قبلها: (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء (1)) فحمل آية (إنما وليكم) على الإمامة أكثر فايدة من حملها على النصرة، لاستلزام الخاص العام، ولرفع تكثير التكرار عن الكلام.

قالوا: لم يرد بالصدقة زكاة آتاها بل وقوفا أجراها فهدا؟؟ شيخه عن علمائه ولم ينقل لأحد الثلاثة ولا لمجموعها ما يقارب ذلك.

قوله: الزكاة تسلب الخشوع قلنا: لا، فإن هذا من خصائصه فإنه لما سمع السائل خشع قلبه لله خوفا من رده، فكان الاشتغال بالله لا عن الله، وأي تناف بين الخشوع لله في الصلاة لسبب خارج عن الصلاة.

وإنكاره نزول الآية في علي، فيه خلاف لشيوخه وغيرهم من المفسرين ذكر ذلك الزمخشري في كشافه، وعبد المطلب في تبصيره وهو من أكبر مشايخه ومقاتل في تفسيره، وذكره الواحدي، والكلبي والثعلبي، ورواه عن علي أبو ذر الغفاري قال: وكان الانزال بسؤال النبي صلى الله عليه وآله حين قال للسائل: من أعطاك؟

فقال: ذلك المصلي، فقال: يا رب إن موسى سألك أن تجعل له وزيرا من [ أهله

____________

(1) المائدة: 51.


الصفحة 98
وأنا أسألك أن تجعل لي وزيرا من ] أهلي عليا أخي اشدد به أزري، فظهر بهذا خلاف الناصب لمفسريه، وخالف أيضا محدثيه، فان صاحب جامع الأصول ذكره في حديث ورواه عن رزين في الجمع بين الصحاح ورواه سبط الجوزي في خصائصه وذكر صاحب المنهاج شعر حسان فيه مرفوعا بإسناده وقد أسلفناه مع أطراف أخر، في باب نزول الآيات وأسلفنا نيفا وعشرين من الروايات فليراجع منه.

فلا تغتر أيها العاقل بتمويه الناصبين وتفحص عن كتب علمائهم، لتخرج من زمرة الجاحدين، فانظر إلى الكتاب الأكبر كيف أوضح فضل علي، ويأباه الواسطي الغوي فظهر من جحده وكتمانه ظن البغض له في جنانه وإن أظهر المحبة والترضي بلسانه، فما أحقه بقول بعضهم:


إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفتله عن عدو في ثياب صديق

وإذا اتفق الخصمان على نزولها فيه، أوجبت له الولاية بأداة الحصر المذكور في الآية.

قالوا: فإذا دل الحصر على نفي غيره. لزم عدم إمامة أولاده، قلنا: كل من قال بإمامته قال بإمامة أولاده، فالقائل بها له دونهم خارق للاجماع، وجاز أن يدخلوا ضمنا وإن لم تكن الصفة ظاهرة فيهم، وما أحسن ما قال بعض الأدباء في مدحهم:


ليس كالمصطفى ولا كعليسيد الأوصياء من يدعيه
من توالى غير الإمام عليرغبة فيه فالتراب بفيه
إنما هذه وليكم اللهأتت بالولا من الله فيه
فإذا ما اقتضى بها اللفظ معناعنه كانت من بعده لبنيه

ومنها: قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا (1)) والشروط الثلاثة حصلت بعد النبي في الثلاثة.

____________

(1) النور: 55.


الصفحة 99
قلنا: قد أنزل الله في كتابه كمال الدين، فكيف يصرف نبيه ومن مات قبله عن هذا التكميل، ويخص به المخالفين والتابعين.

قال مقاتل: نزلت عند صد المسلمين عام الحديبية فقالوا: لو دخلنا مكة آمنين فنزلت، وعنى بالأرض مكة وبتمكين الدين الاسلام وبتبديل الخوف من أهل مكة أمنا.

هذا قول مقاتل: وهو من أكبر شيوخهم قال ابن حنبل: ما رأيت أعلم بالتفسير من مقاتل بن سليمان وقال الشافعي: الناس عيال على مقاتل في التفسير وعلى زهير في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام.

وقال شارح الطوالع نظام: لا يدل الاستخلاف على الرئاسة العامة، بل قد يكون المراد توريثهم بلاد الكفار، وقد جاء الاستخلاف بجميع المهاجرين بقوله: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) (1) ولم يرد بذلك الإمامة، والتوريث والتمكن والأمن لا تخصيص للخلفاء بها، فإن الله علق ذلك على الإيمان وعمل الصالحات وهما حاصلان لكثير وقد فتح بنو مروان كثيرا من البلدان واعلم أن الناصبة استدلوا بالآية على خلافة الأربعة، والواسطي الغوي خصها بالثلاثة معاندة لعلي، وقد روى ابن جريج عن مجاهد أن المراد بالاستخلاف جميع الأمة وروت الفرقة المحقة أنه عند خروج المهدي وأسند الشيرازي وأبو - عبيدة من أهل المذاهب إلى ابن مسعود نزولها في حلافة علي ثم إن أريد التمكن التام لم يحصل لأحد، وإن أريد غيره لم يخل منه أحد، على أنه ليس لأحد فضل في فعل يكون الكل من الله عندكم قال منصور:


سبحان ممهل من يقولبأن آل أبي قحافة
أولى وأحرى حرمةمن آل أحمد بالخلافة

ومنها: قوله تعالى: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) الآية (2)

____________

(1) فاطر: 39 (2) التحريم: 3.


الصفحة 100
قالوا: أجمع المفسرون أنه أسر إلى حفصة أن أباك وأبا بكر يليان الأمر بعدي.

قلنا: هذا غير صحيح، وإلا لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة لأنه أدل على تعيينه من قوله: الأئمة من قريش، وأقطع لقول علي: أنا أحق بهذا الأمر منكم أتأخذونه منا أهل البيت غصبا، لا تخرجوا سلطان محمد من داره، كما ذكره ابن قتيبة وغيره.

وقد أخرج البخاري ومسلم حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله في مرضه طلب أن يكتب كتابا لن نضل بعده، فقال عمر: إنه ليهجر، وقد سلف، ولو كان ما ذكروه أنه أراد أن يكتب بخلافتهم لسارعوا إلى الكتابة.

وأخرج البخاري عن ابن عباس الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه ولو أنه أسر إليها جاز ذلك أن يليا الأمر غصبا، كولاية بني أمية وبني العباس فلا يدل وقوع الآية على جوازها، كما أخبر بأشياء قبل وقوعها خولف الدين فيها.

ولقد أجزل أجر السيد الحميري حيث قال في ذلك:


إحداهما نمت عليه حديثهوبغت عليه بغشها أخراهما
لم تنصحا لمحمد بل غشتاوكذاك غش وصيه أبواهما

ومنها: قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (1)) وقد علم أن فيهم أبا بكر وعمر.

قلنا: أول ما فيها أن الألف واللام ليس للاستغراق، وثانيا أنه علق الرضا عنهم بحال مبايعتهم لقوله: (إذ يبايعونك) فلا تعم، ولا شك في الرضا عمن جمع الإيمان والبيعة، فمن أين لكم أن من بايع اتصف بهما، فإن ظاهر الآية لا يفيده مع أنه تعالى وصفهم بالسكينة والفتح، وهو فتح خيبر بلا خلاف، وقد علم هرب

____________

(1) الفتح: 18.


الصفحة 101
الشيخين منها، فيخرجان من الآية بمقتضى هربهما عنها، وقد كانت البيعة على أن لا يفروا وقد فر الشيخان، وفيه نكث للعهد والإيمان، وقد أخرج في المجلد الأول من جامع الأصول قول علي والعباس إن أبا بكر وعمر غادران ناكثان خائنان ولهذا أن النبي صلى الله عليه وآله لما هادن أهل مكة بعد البيعة تحت الشجرة حمل المسلمون بالسلاح على قريش، فهزمتهم قريش فبعث عليا فردهم فتابوا فقال النبي:

الآن عودوا إلى البيعة فقد نقضتم ما كان في أعناقكم، فبايعوا على أن لا يفروا فسميت بيعة الرضوان لوقوعها بعد العصيان، وقد فر الشيخان بخيبر وحنين وجماعة من المسلمين أيضا، وهذا نكث لبيعة الرضوان.

على أن الرضا ماض جاز أن يتعلق بفعل ماض، فلا يدل على الرضا في الآتي ولنعم ما قال العوني في هذا الشأن:


فهل بيعة الرضوان إلا أمانةفأول من قد خانها السلفان
وما استوجب الرضوان من خاف ربهفما لكما إياي تختدعان
وبئس الرفيقان الشريكان في الرخىوفي ساعة الأهوال ينهزمان

وكان الفتح لعلي فيها، فهو المخصوص بحكمها.

إن قالوا: يضاف الفتح إلى جميع المسلمين وإن جرى على يد بعضهم فدخل أهل البيعة فيهم فعم الرضا لجميعهم قلنا: هذا عدول عن الظاهر، فإن إضافة الفتح إلى متوليه حقيقة وإلى تابعيه مجاز ولهذا لا يوصف المسلمون المتباعدون بأن الفتح لهم، وإن أضيف إليهم، فلا يطلق على النائمين والنساء والنائين، أنهم هزموا جيوش المشركين.

ومنها: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصديقون (1)) قلنا: عندكم أن أبا بكر كان غنيا، فلا يدخل في الآية.

إن قالوا: الفقر هنا هو الفقر إلى الله من المال قلنا: الفقر حقيقة من المال، فلا

____________

(1) الحشر: 8.