الصفحة 102
يخرج عنها إلى المجاز، لعدم الاستدلال إن قالوا: المال المدعى لأبي بكر كان قبل الهجرة والآية فيما بعدها قلنا: و لو سلم ذلك فإن الألف واللام في (الفقراء) ليس للعموم كما سلف، ولأن الله وصف بالصدق من جمع الفقر والهجرة، وابتغاء الفضل والرضوان والنصرة، وليس لهم من الآية دليل على اجتماع هذه الأوصاف في أهل الهجرة.

تذنيب:

قد جاء في التواريخ أن أباه كان عضروطا لابن جذعان أي مناديا على السماط ذكر ذلك جماعة منهم الكلبي في كتاب المثالب، وهو من علمائهم فلو كان غنيا لصان أباه، وقد من الله على نبيه بأنه أغناه فواخيبتاه لمن رد كلام الله.

ففي الحديث الثالث بعد المائة من الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله خرج فوجد أبا بكر وعمر فقال: ما أخرجكما؟ قالا: الجوع فأين الغنا؟.

ومنها: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار والذين اتبعوه في ساعة العسرة) (1) قلت: قد عرفت أولا أن في العموم قولا ولا شك أن توبة الله عليهم مشروطة بتوبتهم، لأن الله لا يقبل توبة من لم يتب، وحينئذ فلا دليل على وقوع التوبة من جميعهم، حتى وقع قبولها لجميعهم.

ومنها: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم (2)) قلنا: سلف الكلام في العموم، ولو سلم جاز حمل العفو على عقاب الدنيا دون المستحق في العقبى، وقد روي هذا المعنى بعينه وجاز حمل العفو على هذا الذنب دون غيره.

ومنها: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين

____________

(1) براءة: 117.

(2) آل عمران: 155.


الصفحة 103
سبقونا بالإيمان (1)) قلنا: لا دليل على سبق الشيخين إلى الإيمان، مع أن هذا سؤال، وليس كل سؤال تقع إجابته.

ومنها: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه (2)) قلنا: لا يتعين هنا السبق إلى الاسلام، بل جاز كونه إلى الخيرات، فإن الله يقول: (ومنهم سابق بالخيرات (3)).

قالوا: لو أراد السبق بالخيرات لم يخص المهاجرين والأنصار، قلنا: التخصيص بالذكر لا يوجب التخصيص بالحكم، وقد قرر في الأصول مع أنه قال بعد ذلك:

(والذين اتبعوهم بإحسان) ولو سلم أن المراد السبق إلى إظهار الاسلام، كان ذكر الشدة على الكفار التي هي ببذل النفس في جهادهم في قوله: (أشداء على الكفار (4)) في آية أخرى ادعي نزولها فيهم، مخرجا لما يعنونه إذ لاحظ لهم في القتال ونصرة الاسلام بحال.

إن قالوا: فأي شدة على الكفار في ستة نفر كانوا في جانب علي قلنا:

ومن حصر المتمسكين بالحق في ستة أو ستين أو ستمائة أو أكثر؟ على أن الذين معه لم يختص بمعاصريه لوجود النفاق في كثير منهم، بل بمن كان على دينه إلى يوم القيامة ولا شبهة أن فيهم من يغيظ الكفار، ولو سلم اختصاصها بمن في عصره فقد مات في حياته جم غفير منهم تنغاظ الكفار ببغضهم، على أنا لا نقطع بحصول الرضا لكل السابقين، فإن الله وعد الصادقين والصابرين ولم يلزم حصول الموعود به لكل صادق وصابر، فكذا ثم.

على أنه لم يعن بالسابق من سبق غيره، وإن كان مسبوقا وإلا لدخل فيه

____________

(1) الحشر: 10.

(2) براءة: 100.

(3) فاطر: 32.

(4) الفتح: 29.


الصفحة 104
ما عدا الأخير، بل عنى السابق مطلقا، ولهذا أكده بالأولية وذلك هو علي بالاتفاق، وسبق غيره على هذا الوجه مختلف فيه، وفرارهم في المواطن معروف قال سلامة شعرا:


قعدوا عن كل هذا جزعاثم قالوا نحن أرباب الرتب
نحن أولى بالنبي المصطفىمن بنيه وأخيه في النسب
وابنة الهادي الرضا فاطمةحقها بعد أبيها يغتصب
ما لهم لا غفر الله لهمجعلوا الدين إلى الدنيا سبب

ومنها: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا (1)) قلنا: لفظة (من) من الصيغ المدعى فيها العموم، وقد عرفتم الكلام فيه، ونفي الاستواء ليس للعموم أيضا، وقد قرر في الأصول، ولو سلم عمومه فعظم الدرج مربوط بالاتفاق، وقد عرف من حال الشيخين عدم القتال، على أن لا نسلم النفقة على حال، وإلا لنقل وجهها الفريقان كما نقلوا تجهيز جيش العسرة من عثمان ولأن خبر إنفاق أبي بكر رواية عائشة وهي متهمة فيه، لأن لها فيه الحظ الأوفر مما يصل إليه، والإنفاق، إما بمكة ولم يجهز النبي هناك جيشا وكان بمال خديجة غنيا، وإما بالمدينة فأبو بكر وردها فقيرا وكان خياطا، وللصبيان معلما، وكان أبوه لما عمي لابن جذعان عضروطا، و لو سلم الإنفاق لم يعلم كونه غير بطر ولا رئاء، أو ترجي، لا كما أنزل؟ في علي لأن صدق النية يمتنع الاطلاع عليه بدون وحي قال العوني شعرا:


فإن تزعماه أنفق المال قربةفإنكما في ذاك تدعيان
وما باله لم يأت في الذكر ذكرهيترجمه للناس وحي قران
كما جاءت الآيات في أهل هل أتىبأنهم من ربهم بمكان
لإطعام مسكين ومأسور قوتهوقوت يتيم ما له أبوان

____________

(1) الحديد: 10.


الصفحة 105


فلم شكر الله اليسير وأهملالكثير أما بالله تدكران

ومنها: (والذي جاء بالصدق وصدق به (1)) قال أبو العالية: صدق به:

أبو بكر. قلنا: قد ذكرتم عند قولنا: (الذين يقيمون الصلاة (2)) أنها لفظة جمع لا توضع لواحد فكيف جعلتم (أولئك هم المتقون) إلى آخر الآية لواحد، ولو سلم أن المراد به واحد لم يتعين كونه أبا بكر، وقول بعض المفسرين: لا يقطع به لمقابلة الآخر له.

فقد روى أبو بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام أنه علي، ورواه علي بن أبي - حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام.

إن قالوا: ليس حجة علينا رواياتكم قلنا: قد جاء من طرقكم فرواه إبراهيم ابن الحكم عن أبيه عن السدي عن ابن عباس وعبيدة بن حميد عن منصور عن مجاهد وقال مقاتل: المصدق به المؤمنون قال السدي: جاء بالصدق جبرئيل، و صدق به محمد صلى الله عليه وآله تلقاه بالقبول وقال ابن عباس: جاء بالصدق محمد وهو (لا إله إلا الله) وصدق به وبلغه إلى الخلق.

قال: وهو أقوى الأقوال، ولقد حدث أبو هريرة معاوية قال: حدثني الصادق المصدق الذي جاء بالحق وصدق به، أنه سيكون أمر يود أحدهم لو علق بلسانه منذ خلق الله السماوات والأرض، وأنه لم يل ما ولي.

وظاهر العامة تفضيل أبي بكر على النبي، حيث يقولون: بحق الصادق والصديق، وفعيل للمبالغة فكان النبي وعلي الذي يدور الحق معه أحق به منه.

ومنها: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى (3)) نزلت في أبي بكر لما اشترى مماليك أسلموا وأعتقهم بلال وغيره.

قلنا: إن حملناها على العموم، لم يتعين أبو بكر لها وإن حملناها على الخصوص

____________

(1) الزمر: 33.

(2) المائدة: 55.

(3) الليل: 6.


الصفحة 106
فقد رويتم عن ابن عباس وأنس وغيرهم أنه أبو الدحداح وإذا تكافأت الروايات تساقطت ورجح حمل الآية على العموم.

ومنها: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى (1)) قالوا: نزلت في أبي بكر لما حلف أنه لا يعول مسطح بن أثاثة.

قلنا: حمل الآية على العموم أولى من الخصوص بغير دليل، وقد قرر في الأصول أن السبب لا يخص مع أن في الآية الوصف بالفضل والسعة، وليس لأبي بكر واحد منهما، على أن الشيعة روت أن سبب نزولها كلام وقع بين المهاجرين والأنصار، فحلفت الأنصار أن لا تبرهم، فنزلت فعادوا إلى برهم.

فصل


قالوا: جعل الله طريق إثبات الحق شاهدين، وقد شهد لأبي بكر ثمانون ألف هم صدر الأمة وعدولها، بلا التباس، في قوله: (لتكونوا شهداء على الناس (2)) أو تسليم الخصم، وعلي لم ينازع فثبت لحق لأبي بكر.

قلنا: لا اعتبار بكثرة العوام، فإنهم كالهوام، بل الاعتبار بالرؤساء أولي الأحلام الذين هم أساطين الاسلام، وقد كانوا في جانب علي عليه السلام.

وقد ذكر البخاري حديث البيعة وفيه خالف عنا علي والزبير ومن معهما وأخرج مسلم أنه قيل للزهري: لم يبايع علي ستة أشهر؟ فقال: لا والله، ولا واحد من بني هاشم وقال نظام الدين الشافعي في شرح الطوالع: مالت طائفة إلى علي عليه السلام وهم أكثر أكابرهم وروي تخلفه عنها البلاذري وهو من ثقاتهم وابن عبد ربه وعمر بن علية والطبري والواقدي فقد ظهر بهذا ونحوه من نقلهم عدم تسليم علي بخلافتهم، وقد ثبت بحديث الراية وغيره محبة الله ورسوله له، ولا يحبانه إلا وهو متبع لهما لآية (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (3)) فامتنع

____________

(1) النور: 22.

(2) البقرة: 143.

(3) آل عمران: 31.


الصفحة 107
دخوله حال اتباعه تحت (ويتبع غير سبيل المؤمنين (1)) ودخل تحت متابعته (الضالون) ورجعت الأنصار عن قولهم: منا أمير ومنكم أمير، ومن رجع عن شهادته لم تقبل شهادته بإجماع الأمة.

وعدول الأمة إن أرادوا بعضهم فهم في جانب علي كما عرفت وإن أرادوا كلهم نقض بحديث الحوض وغيره أخرجه البخاري وغيره (ليردون علي الحوض، وفي رواية أعرفهم ويعرفوني، وفي أخرى يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي!

فيقال: ليسوا أصحابك إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك وفي رواية لم يزالوا مرتدين فأقول: سحقا لمن غير بعدي).

وحديث حذيفة في أهل العقبة أخرجه الحميدي في الجمع بين الصحاح في الحديث الأول من أفراد مسلم وفي الحديث الخامس أيضا وأخرجه العبدي في الجزء الثالث في ثاني كراس من صحيح مسلم، وفي ذلك أن منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وفي الجزء الثالث من صحيح مسلم أنه قال عليه السلام لعائشة أشد ما لقيت من قومك القيامة.

ولما حدث الخدري أبا بكر بقول النبي صلى الله عليه وآله: من أحب أن يلقى الله وهو عليه عصبان فليبغضن عليا وفاطمة، منعه. وشك أنس في قول النبي صلى الله عليه وآله: إن عليا يدخل فيأكل معه من الحلوى فلم يتيقن حتى دخل فهذا حال من صاحب الرسول وشاهدوا منه ما بهر العقول.

وحديث ذات أنواط أخرجه في جامع الأصول أنه كان للمشركين شجرة يسمونها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقال المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله: اجعل لنا ذات أنواط، فقال: هذا مثل قول موسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (2)) لتركبن سنن من كان قبلكم أخرجه الترمذي وزاد فيه: حذوا النعل بالنعل، والقذة

____________

(1) النساء: 115.

(2) الأعراف: 138.


الصفحة 108
بالقذة، حتى أنه كان فيهم من أتى أمه يكون فيكم، فلا أدري أتعبدون العجل أم لا وقد أخبر الكتاب السماوي بمخالفة أكثر الصحابة في قوله: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما (1)) وقد أجمع المؤالف والمخالف أنهم انصرفوا والنبي صلى الله عليه وآله يخطب [ للجمعة ] بجامعة، إلا اثنا عشر.

وفي قوله (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون إلى قوله: كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (2)) قالوا: عاد إلى الوفاق بعد الخلاف قلنا: نمنع ذلك وتظلماته طول عمره مشهورة في كتبهم، وقد سلف منها جانب وقد أنكر قوم على أبي بكر في مقام بعد مقام ولو فرض سكوته لم يدل على رضاه، وقعوده عن البيعة إن كان حقا، فالبيعة باطلة وإن كان باطلا بطل قول النبي فيه: علي مع الحق والحق معه، فسيأتي تحقيقه.

قالوا: صارت حقا بموافقته قلنا: لا يصير الباطل حقا بالموافقة، وحينئذ فمن مات قبل الموافقة أيضا ولم يجدد بيعة بعدها، مات بغير إمام على أن المخالفة دراية من الفريقين، والموافقة رواية من أحد الخصمين وقد أسلفنا تظلماته وهي تنافي موافقاته.

قالوا: أجمع على إمامة عمر بنص أبي بكر، وفي تصحيح إمامة الخليفة تصحيح إمامة المستخلف قلنا: قد بينا بطلان إمامة أبي بكر، وفي بطلان إمامة المستخلف بطلان إمامة الخليفة.

ثم نقول: إن كانت خلافة أبي بكر لا تثبت إلا بالبيعة، والبيعة لا تجوز إلا لخليفة لزم الدور، وقد ذكر البخاري حديث عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة خالفت الأنصار يوم السقيفة، وعلي والزبير ومن معهما، وقالت: منا أمير ومنكم أمير فخشيت إن فارقنا ولم يكن بيعة أن يبايعوا رجلا بعدنا فبايعته ثم بايعه المهاجرون

____________

(1) الجمعة: 11.

(2) الأنفال: 5 - 6.


الصفحة 109
ثم الأنصار، وامتنع سيدهم سعد بن عبادة، فوعك فقيل قتلتموه فقال عمر: قتله الله.

قالوا: فبال في جحر فرمته الجن بسهم وسمع قائلا ينشد:


قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادةورميناه بسهم لم يكن يخطئ فؤاده

ولو لم يكن لبطلان البيعة وأنها وقعت فجأة لا عن تراض، إلا قول عمر:

خشيت إن فارقنا لم يكن بيعة، ومخالفة الأنصار وزعيمها، لكفى، ولما امتنع سعد دسوا إليه من رماه، ورموا قتله على الجن، ولفقوا شعرهم هربا من عداوة الأنصار قال شاعرهم شعرا:


يقولون سعد شقق الجن بطنهألا ربما حققت فعلك بالغدر
وما ذنب سعد أنه بال قائماولكن سعدا لا يبايع أبا بكر

وأنشأ ابنه قيس:


وقالوا دهى سعدا من الجن عارضغدا هالكا منه وذا لكذابها
أتغتصب الجن النفوس فمن رأىبعينيه ميت قد عراه اغتصابها

وخفي على الناس قاتله، وإنما قتله خالد، حيث كان بالشام، وكان سعد بقرى غسان بالشام، هاربا من البيعة، فلم يظهر ذلك حتى لقي عمر خالدا فعاتبه في قتل مالك فقال: إن كنت قتلته لهنات بيني وبينه، فقد قتلت سعدا لهنات بينكم و بينه فأعجب عمر قوله وضمه وقبله.

وقد ذكر الرازي في النهاية رواية أبي بكر للأنصار (الأئمة من قريش) أنه خبر واحد، ودلالته على منع غير القرشي من الإمامة ضعيفة فلا يعارض ما يدعونه من النص المتواتر.

ونحن نقول: ولو سلمنا الخبر، فعلي أقرب وأشرف، فقد أخرج مسلم في رواية واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، و قريشا من كنانة، وهاشما من قريش، واصطفاني من هاشم، وعلي أفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وآله، فله التقدم لو خلا عن النص فكيف معه شعر:


وإذ كنت بالقربى ملكت أمورهمفإن عليا منك أولى وأقرب


الصفحة 110
أنشأ بريدة الأسلمي في البيعة:


يا بيعة هدموا بهاأسا وجث دعائم
أتكون بيعتهم هدىوتغيب عنها هاشم
ويكون رائد أهلهامولى حذيفة سالم
فليصبحن وكلهمأسف عليها نادم
أمر النبي معاشراهم أسرة ولهاذم
أن يدخلوا ويسلمواتسليم منه عالم
أن الوصي له الإمامةبعده والقائم
والعهد لا مخلولقمنه ولا متقادم

وقال السيد الحميري:


غششت أبا حفص وصي محمدوظاهرت من يبغي عليه أبا بكر
وقلدته أمر الخلافة بعدهوغيركما أولى بذالكما الأمر
فما لعدي والمكارم والعلاوما لبني تيم بن مرة والفخر
أطعت به رأي ابن شعبة مذهباوهل لامرئ في طاعة الرجس من عذر

فصل


وقد علمت احتجاجهم بسكوت علي عند بيعة الناس لأبي بكر قلنا: مع ما سلف من الجواب قد طلب حقه في مواضع.

منها: حديث سعد بن قدامة في قوله: نحن والله أولى بمحمد ونحوه كلام طويل وفي حديث مخول أنه قال لهم: ما أسرع ما نقضتم، وفي حديث إسحاق وغيره لما أبى البيعة توعدوه بضرب عنقه ثم ارتد جماعة من العرب، وخاف على الاسلام فدخل مع الناس بوساطة عثمان رواه الواقدي.

ورأى عليه السلام أسياف الفتن شاهرة، وشواهد الفساد ظاهرة، ولئن سلم سكوته فسببه أمور.


الصفحة 111
منها: حشو المدينة من المنافقين الذين يعضون الأنامل من الغيظ، وينتهزون الفرصة وقد وثبوا وتهيؤا للفتنة، ووافق ذلك ارتداد العرب ومن حولهم، وقد قال عليه السلام لابن دودان: لما تعجب من تقدمهم عليه كانت أثرة سخت عنها نفوس قوم وشحت عليها نفوس آخرين، فإن ترتفع عنا محن البلوى نحملهم من الحق على محصنه وإن تكن الأخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تأس على القوم الفاسقين.

وقال عليه السلام للخوارج لما قالوا: كان وصيا فضيع الوصية: أنتم كفرتم وأزلتم الأمر عني وليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم لغنائم عن ذلك بنص الأنبياء عليهم، وقد نصبني النبي صلى الله عليه وآله علما، وقال: أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي.

وقد روى الشعبي عن شريح بن هاني قول علي: إن عندي من نبي الله عهدا ليس لي أن أخالفه، ولو خزموا أنفي، فلما بويع لأبي بكر مسكت يدي فلما ارتد قوم خشيت ثلمة الاسلام، فبايعت لئلا يبيد الاسلام، ورأيت ذلك أعظم من فوت ولاية أيام قلائل.

وقد روى البلاذري وهو من أكبر ثقاتهم أن عليا قال لعمر: احلب حلبا لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غدا.

وروى إبراهيم بطريقين أن عليا قال لبريدة ولجماعة أخر أبوا البيعة:

بايعوا إن هؤلاء خيروني أن يأخذوا ما ليس لهم، أو أقاتلهم وأفرق أمر المسلمين ويرتد الناس.

إن قالوا: هذه ونحوها أخبار آحاد قلنا: اتفقت معنا فتواترت فيه.

وبهذا يبطل ما قالوا: إنه كان يعلم بوقت وفاته، فلا معنى لتقيته مع فرط شجاعته، ففي سكوته إما بطلان عصمته، أو اعتقاده في ذلك الوقت عدم خلافته.

قلنا: لا يختص الخوف بنفسه، بل على ذريته وأهل ولايته، وذهاب دين نبيه، مع أنه وإن علم بسلامته لم يأمن من جروح بدنه، وتطويل ألمه وشينه، و من أثره الذي يلحقه من المذلة به، ما يوفي على قتله، على أن ما أعلمه النبي من بقائه كان متعلقا بعلمه بكفه عن القوم، ومداراته على أنه معارض بكف النبي

الصفحة 112
عن أهل بلده وهربه إلى غاره ودار هجرته، هذا كله مع تقدم وعد الله لنبيه ببقائه وإتمام دعوته وإظهاره على الدين كله.

قالوا: طلب علي للبيعة فقال: اتركوني والتمسوا غيري، فإني أسمعكم وأطوعكم إن وليتم غيري قلنا: إنما قال ذلك ليختبر صدق نياتهم في الاقبال عليه فإن رآه التزم بما طلبوه، وإلا فلا فائدة.

تذنيب:

علي مع الحق والحق معه، رواه سعد بن أبي وقاص وحذيفة وأبو موسى الأشعري وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد وعائشة وأم سلمة.

إن قيل: هذه مهملة فهي جزئية فلا تدل على عموم الكون مع الحق قلت:

قد تقرر في المنطق أن الشخصية كالكلية (1) والألف واللام في الحق للاستغراق ولو كانت خبرية لم يكن تخصيص علي بالذكر فائدة.

إن قلت: التخصيص بالذكر ليس فيه تخصيص بالحكم قلت: سلمت وقد اشترك في الحكم النبي وبقية المعصومين، وخرج من تواترت معاصيه، وقد عرف في بابه، على أن في الحديث (يدور معه حيث دار) وفي هذا برهان الحصر وهو المطلوب.

تنبيه:

قالوا: الاجماع على خلافة أبي بكر، قلت: لا يخفى ما وقع فيها من خلاف الأنصار وغيرهم، وقد سلف ذلك بنقلهم بل الاجماع على إمامة علي لأن الأمة فيه بين قائل: كان إماما في كل الأوقات بعد النبي إلى الممات، وبين قائل كان إماما في بعض تلك الأوقات والأمة في أبي بكر بين قائل أنه كان إماما في وقت ما وقائل لم يكن إماما أصلا، وفي كون هذا إجماعا نظر لأن القائل بإمامة علي عليه السلام في بعض الأوقات لا ينافيه القائل بإمامة الآخر في بعض الأوقات لعدم تنافي الجزئيتين، كما قرر في المنطق، إنما يكون إجماعا لو كان الكل قائلا بأنه كان إماما في الكل، وليس كذلك إلا أن يعتبر في الاجماع قول المعصوم كما هو المشهور من مذهب الشيعة فلا يضر خروج غيره منه.

____________

(1) يعني لشخص الموضوع.


الصفحة 113
قالوا: لو قدموا عليا لارتد أكثر الناس لما علموا منه من شدة البأس، و للحقد المركوز في صدورهم بقتله لأقاربهم قلنا: إذا كان علي سياف ربه وسيف رسوله، فأي وصمة في فعله، وهذا قدح فيهم إذ لم يرضوا من الله بحكمه وقد أنزل فيه (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) (1).

على أن ما ذكروه من إمكان الارتداد ظن يمكن وقوعه وعدمه، (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) (2) مع أن الارتداد وقع بما فعلوا كما في حديث الحوض وغيره (فأقول: سحقا لمن غير بعدي).

إن قالوا: هم قليلون والأكثر على الاستقامة، ولا تقدم مصلحة الخاصة على العامة قلنا: بل الأكثر منحرف عن الاستقامة، ومن نظر في القرون الماضية والأمم الخالفة علم ذلك، على أن الله علم كفر الأكثر عند إرسال الأنبياء، فلم يكن ذلك صارفا له عن بعثهم فكذلك القول في إمامة علي لولا بغيهم، ومن الذي يقطع بالارتداد عنه قيامه، ولم لا يكون علم العوام بشدة البأس، يذهب الاختلاف، و هذا فظاهر بغير التباس.

قال شاعر:


لو سلموا لولاة الأمر أمرهمما سل بينهما في الناس سيفان

فصل


ثم احتجوا بسكوت علي وغيره عند النص على عمر، وبدفن أبي بكر في الحجرة، وقد كانت مقفولة ففتحت من غير فتح، وسمع فيها صوت: أدخلوا الحبيب على الحبيب.

____________

(1) المائدة: 54.

(2) النجم: 28.


الصفحة 114
قلنا: لا نسلم السكوت لما أخرجه ابن قتيبة في كتابه أن أبا بكر قال في وجعه ما ألقى منكم يا معاشر المهاجرين أشد من وجعي وليت أمركم خيركم فكلكم ورم من ذلك أنفه، أراد أن يكون هذا الأمر له.

ومن الكتاب قول علي للحسن: ما زلت مظلوما منذ هلك جدك وقد ذكرنا طرفا مما يدل على كراهة الناس لعمر، عند قولنا في قوله: (إنما وليكم الله و رسوله) (1) إذا كان إذا قد صدر * فأين الرضا بخلافة عمر * ولئن سلم سكوته فهو أعم من رضاه، وقد عرف في الأصول بطلان الاجماع السكوتي، إذ لا ينسب إلى ساكت قول، بل دلالة السكوت على السخط أولى من دلالته على الرضا.

قالوا: يكفي في الرضا ترك النكير، قلنا: لا فإن السخط أسبق للاجماع على تأخره عن البيعة كراهة لها.

قالوا: في وصية النبي صلى الله عليه وآله له أن لا توقع فتنة، دليل صحة خلافتهم، قلنا:

قد أمر الله نبيه بالصبر على أذى الكفار حتى نزلت آية السيف وقد أخرج صاحب جامع الأصول عن أبي ذر قول النبي صلى الله عليه وآله: كيف أنتم وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفئ؟ قلت: أضرب بسيفي حتى ألقاك قال: هل أدلك على خير من ذلك؟

تصبر حتى تلقاني.

وفي صحيح مسلم والبخاري عن حذيفة نحو ذلك وأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يسمع ويطيع وإن ضرب ظهره، وأخذ ماله، فهذا نص كتبهم وهم يستدلون بذلك على إمامة صاحبهم، فما أحسن قول بعضنا:


خصرك يا من حوت محاسنهغرائبا ما روين في عصر
أضعف من حجة النواصب فيأن إمام الهدى أبو بكر

وأما الدفن، ففيه جرءة على الله ورسوله، حيث قال: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) (2) (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي (3)) وحيث قال:

____________

(1) المائدة: 55.

(2) الأحزاب: 53.

(3) الحجرات: 2.


الصفحة 115
حرمة المؤمن من ميتا كحرمته حيا.

قيل: الحجرة لعائشة قلنا: يكذبه البخاري حيث روى في صحيحه قوله عليه السلام لبني النجار: ثامنوني وغير ذلك ولم يذكر أنها انتقلت إليها بسبب ناقل.

قيل: أضافها الله إليها بقوله: (وقرن في بيوتكن (1)) قلنا: الإضافة إليهن لا توجب الملك لقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ((2) وقد سلف (لا تدخلوا بيوت النبي).

فروا إلى أخذها إياها بإرثها، أدركناهم بقول إمامهم (لا نورث) فخصمها جميع المسلمين فيها، وبأن النبي مات عن تسع نصيبها لا يسعه.

فروا إلى أخذها إياها من صداقها أدركناهم بأنه لم يدخل بامرأة حتى وفاها مهرها بقوله تعالى: (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن (3)) وقد نسب النبي البيت إلى نفسه فروى الطبري في خبر ابن مسعود أنه عليه السلام قال:

غسلوني وكفنوني وضعوني في بيتي على شفير قبري، واخرجوا عني فإن أول من يصلي علي جبرائيل جليسي وخليلي ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة بأجمعها قالت عائشة منكرة عليه: فأين أسكن أنا؟ فقال:

إنما هو بيتي، فبلغ ذلك عمر فقال: إنما هو بيتك.

وقولهم: أدخلوا الحبيب على الحبيب منقوض بما روته عائشة أنه عليه السلام قال:

ادعوا لي حبيبي فجئ بأبي بكر ثم بعمر فغطى وجهه منهما فقالت عائشة: ادعوا له عليا فوالله ما يريد غيره، فأدخله تحت ثوبه وقد سلف ذلك.

إن قيل: فالحسن أوصى بدفنه مع جده وفيه ما ذكرتم من المحذور قلنا:

لا بل الوارد من طرقنا أنه أوصى الحسين عليه السلام أن يدخله ليجدد به عهدا ثم يدفنه بالبقيع، فلما أراد ذلك ظنوا أنه يدفنه، فمنعه مروان وعائشة في قوم من بني أمية حتى قال لها ابن أبي عتيق: نحن إلى الآن ما خلصنا من وقعة الجمل، فبالله

____________

(1) الأحزاب: 33.

(2) الطلاق: 2.

(3) الأحزاب: 50.