الصفحة 116
عليك لا تجعليها وقعة البغلة، ومن العجب العجيب، تقريب البعيد، وتبعيد القريب.


وكيف ضاقت عن الأهلين تربتهوللأجانب في جنبيه متسع

وما جاء في طرقهم من كتاب الفتن من وصية الحسن، بدفنه مع جده المؤتمن فليس علينا فيه حجة، لكونه من طرق الخصم المائل عن المحجة، وقولهم: فتحت من غير فاتح، فهو من أكبر القبائح، لأنه كذب على مالك العباد، حيث لم يرد في متواتر الأخبار والآحاد، وقد رووا أنها أذنت في دفن عمر في حجرته، وكان ذلك شكرا منها لنعمته، حيث شارك أباها في معصيته، وتمهيد طريق غصبيته بالمسارعة إلى بيعته.

تذنيب:

روى عاصم بن حميد عن صفوان عن الصادق عليه السلام أنهما لم يبيتا معه إلا ليلة ثم نقلا إلى واد في جهنم يقال له: واد الدود قال الضبي:


ما ضر جدك أحمدا في قبرهقبر اللذين كلاهما ظلام
ولجا عليه بغير إذن نبيهغصبا وكانا ناكثان غشام

وقال آخر:


ألا يا معشر الناسإلى ما هذه البدعة
رسول الله مدفونوشيطانان في بقعه

فصل


احتجوا لإمامة عثمان بالشورى حين قال لعمر: استخلف، فقال: لا أحملها حيا وميتا، إن كان الخلافة خيرا فقد أصبنا منها، وإن كانت شرا فقد كفانا ما حملنا منها بل اجعلوا الشورى لهؤلاء الستة الذين مات النبي صلى الله عليه وآله وهو عنهم راض:

علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص فبايع عبد الرحمن لعثمان.


الصفحة 117
قلنا: كيف لم يحملها ميتا وقد جعلها شورى في تلك القوم، وقد كانت الشورى سببا لكل شر إلى اليوم، وفي ذلك قوله (إن كانت خيرا) شك في خلافة نفسه وقول عثمان: لا أخلع قميصا قمصنيه الله، يناقض قول عمر هذا، وقول أبي بكر أقيلوني.

وقد ذكر نظام الدين الشافعي في شرحه للطوالع أن عبد الرحمن عرض على علي أن يبايعه على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين - ثلاث مرات - فأبى سيرة الشيخين، فأعرض ذلك على عثمان ثلاثا فقبله وهو من أقوى الأدلة على اعتقاده فساد سيرتهما وبايعه عليا خوفا عند قول عبد الرحمن له بايع ولا تجعل على نفسك سبيلا كما نقله المخالف عنه، والتخويف والتهديد ظاهر فيه.

وفي رواية ابن قتيبة عن عبد الرحمن أنه قال له: فإنه السيف لا غير، وفي كتاب ابن قتيبة قول علي عليه السلام [ عند قول عبد الرحمن ] بايع عثمان وإلا جاهدناك:

فبايعت مستكرها وفي رواية المخالف فبايعت واللج على قفي، واللج السيف والقف الفقار قال علي لعبد الرحمن: ما أملت منه إلا ما أمل صاحبك من صاحبه، فدق الله بينكما عطر منشم (1).

والعجب لعمر كيف يشهد لهم برضى النبي عنهم ثم يأمر أبا طلحة الأنصاري أن يكون في جيش من قومه إن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا بقتلهم، ثم بقتل الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن لعلمه أنه لا يعدل بها من ختنه عثمان، ثم وصف عمر كل واحد من الخمسة بوصف فيه تعريض بعدم صلاحه للخلافة، وقال في علي:

ما يمنعني منك إلا حرصك عليها وأنك أجرى القوم إن وليتها تقيمهم على الحق

____________

(1) المنشم كمجلس ومقعد: عطر شاق الدق، أو قرون السنبل سم ساعة، و - امرأة عطارة من همدان كانوا إذا تطيبوا من ريحها اشتدت الحرب فصارت مثلا في الشر، يقال:

أشأم من عطر منشم فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة تقول الناس: قد دقوا بينهم عطر منشم. فذهب مثلا.


الصفحة 118
المبين، هذا قول ابن قتيبة في كتابه وهل ذلك إلا انحراف منه عن الحق وبغض منه لإمام الخلق.

وقد ورث بغضه له عبد الرحمن ابنه، فإنه أتى يبايع الحجاج ليزيد، وقيل لعبد الملك (1) قائلا: من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية فأخرج إليه الحجاج رجله ليبايعه بها استهانة به، حيث روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال بحضرته لعلي:

أنت خليفتي ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية ثم قال الحجاج: يا أهل الكوفة هذا زاهد زمانكم يروي في علي هذا، ويبايع لغيره برجل الحجاج فما أصدق قول النبي صلى الله عليه وآله: البغض يتوارث والحب يتوارث.

وقد ذكر الملا في آخر المجلد الخامس من كتاب وسيلة المتعبدين قول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله: من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله فلينظر العاقل فيمن هذا حاله.

إلحاق


وفي كلام عمر إن وليتموه ليحملنكم على المحجة البيضاء إلا أن فيه دعابة ولعمري إنها كلمة هو قائلها وإنما منعه مع البغض والحسد الصحيفة التي توافقوا فيها على منعه كما روي عن علي ذلك بعينه، وأقر ابن عمر أن عثمان قال له ذلك واستكتمه فقال علي عليه السلام: أخبرني به النبي في حياته وفي منامي بعد وفاته ذكره مسيلمة بن قيس في كتابه ويدل على عدم رضاه بالشورى، وإن دخلها ما ذكره في خطبته الشقشقية، فيا لله والشورى، متى اعترض الريب في مع الأولين حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر.

ولأنه خاف على نفسه لو لم يدخلها أن يفهموا منه تخطئتها وادعاء النص عليها دونها أو دخلها طمعا في أن يتفق عليه أو ليورد عليهم ما جاء من المناقب فيه وقد قال عليه السلام: اليوم أدخلت في باب إن أنصفت فيه وصلت إلى حقي، يعرض بيوم السقيفة حيث لم يشاور فيه! ذكره المفيد في المحاسن أو طلب الاحتجاج كما

____________

(1) زاد في النسخة: لما صار الأمر إلى علي كراهة له.


الصفحة 119
أمر الله نبيه بسؤال الكتابيين (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (1)) ولأنه لو لم يدخل لفهم بعضهم أنه لا يصلح للإمامة، وأدى ذلك إلى عدم تنفيذه لأحكام الله سبحانه وقد صالح النبي صلى الله عليه وآله سهيل بن عمر، ومحا اسم النبوة من الكتاب وشرط عليه رد من أسلم إليه، وليس في ذلك دخول النبي صلى الله عليه وآله في ضلال، فسقط ما ذكرتم في الشورى من الاستدلال.

وقد أسند أخطب خوارزم برجاله إلى أبي الطفيل قال: كنت على الباب وقت الشورى، فارتفعت الأصوات فسمعت عليا يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله أحق منه، فأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا ثم بايع أبو بكر لعمر، وأنا والله أولى بالأمر منه فأطعت مخافة أن يرجع الناس كفرا ثم تريدون أن تبايعوا لعثمان فإذا لا أطيع ثم شرع في المناشدة بخصال اعترفوا بها وذكر نحو ذلك ابن مردويه وهو من ثقاتهم.

وذكر ابن الراوندي من أعيانهم في منهاج البراعة أن عليا قال: أدخل معهم لأن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تجتمع النبوة والإمامة في بيت، و الآن فقد استصلحني لها، فأدخل ليظهر أنه كذب نفسه، فأين الرضا بالشورى مع هذه الأمور المشهورة.

فصل


قالوا في إمامة علي: لم يكن لها سبب سوى البيعة والاجماع فيها، بل من الناس من أباها ومنهم من سكت عنها، ومنهم من أتاها، وقد كانت عائشة في الحج فلما قدمت وعلمت قتل عثمان طلبت من علي قتل قتلته وهم عشرون ألفا فأبى ذلك فخرجت إلى البصرة ساخطة عليه، قائلة ما باله يستولي على رقابنا، لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان.

____________

(1) آل عمران: 93.


الصفحة 120
وخرج معها طلحة والزبير ومعظم الصحابة وكانت المحاربة فقتل طلحة و كف يده عن الزبير، لقول النبي صلى الله عليه وآله: بشروا قاتل ابن صفية بالنار، فصرف زبير الرمح عن ترقوة علي لما رآه لا يمد يده إليه فقال له: أنسيت قول النبي صلى الله عليه وآله: ستحاربه وأنت ظالم له؟ فحطم رمحه فولى فتبعوه وقتلوه، و انكسر العسكر، وأمر علي بستر عائشة ثم اجتمع معها، وتباكيا وندما، على ما كان منهما.

قالوا: ثم بعث علي إلى معاوية يعزله عن الشام، فدفع كتابه إلى عمرو بن العاص، فقال: اجعل لي مصر حتى أكفيك همه، ففعل قال: اكتب إليه: من ارتضاك حتى يصل عزلك إلي؟ ثم امتد الشر حتى كان حرب صفين، وقتل سبعون ألفا من المسلمين: من أصحابك علي خمسة وعشرون، ومن أصحاب معاوية خمسة وأربعون ثم جرى التحكيم فاتفق عمرو والأشعري على خلعهما، ونصب عبد الله بن عباس (1) فلما عزلهما الأشعري أثبتها عمرو في معاوية فقال: ما على هذا كان الاتفاق أنت كالحمار تحمل أسفارا فقال عمرو: وأنت كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ثم افترق الفيلقان، فشاق عليا الخوارج من أصحابه وكان حرب النهروان وكان منهم ابن ملجم، فقتل عليا بمسجد الكوفة ودفن علي فيه بين قصر الإمارة والقبلة.

قلنا: نمنع من عدم سبب آخر غير البيعة، لأن الأمة لما افترقت ثلاث و سبعين للحديث المشهور، خرج منها أربع النصيرية والناكثون والقاسطون والمارقون والباقون ادعوا النص وأنكروا الاختيار وقد أسلفنا ذلك في الآيات والأحبار.

وقد قال إمام الحرمين: الاجماع على إمامة علي لا حاجة له، وإنما هاجت الفتن لأمور أخر قلت: هي التهمة بقتل عثمان المسبب عن الشورى التي لم تكن برضا علي، فكان حرب الجمل وصفين عنها، والخوارج مسبب عن المسبب عنها.

____________

(1) بل عبد الله بن عمر.


الصفحة 121
وقال المتكلمون منهم الإمامة: استقرت لعلي بالاجماع لانعقاده زمان الشورى على أنها له، أو لعثمان، فتعينت له بعد عثمان ذكر ذلك نظام الدين الشافعي في شرحه للطوالع وقد اعترفوا بسخط عائشة على علي في زمان إمامته المجمع عليها فلينظر العاقل في إيمان من هذا فعلها ولو فعل ذلك أحد غيرها بخليفة غيره لسارعوا إلى تكفيره مع أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقل في حق غير علي: حربك حربي، وحرب النبي كفر بالاجماع وقد أسلفنا طرفا من حرب صفين في بدع معاوية، وسيأتي منه جانب آخر قريب إن شاء الله ويأتي أيضا حرب الجمل، في فصل مفرد، وأما الخوارج فقد ظهرت فيهم علامة المروق من الدين بقتل ذي الثدية كما أخبر به سيد المرسلين أمير المؤمنين، فليس في ذلك كله طعن في الاجماع، بل عارضوا الدين بالاجماع.

وما ذكر من دفن علي في موضع قتله فزور إذ قد أخبر الصادق عليه السلام وأولاده به، وأولاد كل شخص أعرف بقبره، ومذهب الإمامية مشهور بتحريم الدفن في المساجد، فلا عبرة بما افتراه المعاند.

وقال الغزالي: ذهب الناس إلى أن عليا دفن على النجف وأنهم حملوه على الناقة، فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره، فبركت ولم تنهض فدفنوه فيه.

وقال أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري: أنه عليه السلام قال لولديه:

إذا أنا مت ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة وثلاثة أكفان من استبرقها، فوجدوا عند رأسه طبقا من ذهب، عليه خمس خامات، فلما جهزوه حملوه على بعير، فبرك عند قبره، وكان قد أعلمهم بذلك فوالله ما علم أحد من حفره فالحد فيه وأظلت الناس غمامة بيضاء، وطير أبيض حتى فزعوا.

وأخرج الشيخ في تهذيب الأحكام عن الصادق عليه السلام أنه أوصى ولديه بحمل مؤخر السرير، وقال: تكفيان مقدمه، وتنتهيان إلى قبر محفور، واللبن موضوع فألحداني وأشرجا اللبن علي.

وفي دلائل البطائني كان في مقدم سريره جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، و

الصفحة 122
زمرة من الملائكة، يسمع منهم التقديس وفي حديث آخر مسندا إلى الحسين عليه السلام أنه أوصاهما بإخفاء أمره، وأن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا، ويكفناه فيما يجدان، فإذا غسلاه وضعاه على اللوح، فإذا رأيا مقدم سريره يشال شالا بمؤخره وأن الحسن يصلي عليه ثم الحسين ففعلا ما رسم، فوجدا اللوح مكتوبا عليه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ادخره النبي نوح لعلي بن أبي طالب، وأصابا الكفن في دهليز الدار، وفيه حنوط قد أضاء نوره على نور النهار وفي حديث آخر عن أم كلثوم نحو ذلك.

وفي حديث آخر عن الحسين لما قضينا صلاة العشاء إذا قد شيل بمقدم السرير فلم نزل نتبعه إلى الغري فوجدنا قبرا على ما وصف، ونحن نسمع حفيف أجنحة كثيرة، وجلبة وضجة، فوضعناه ونضدنا عليه.

وعن الصادق عليه السلام لما نضدوا عليه أخذت اللبنة من عند رأسه، وإذا ليس في القبر أحد، وهاتف يقول: إن أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فألحقه الله بنبيه وكذلك يفعل بالأوصياء حتى لو مات نبي بالمشرق ووصيه بالمغرب لألحق به.

وفي خبر أن إسماعيل بن عيسى العباسي سنة ثلاثة ومائتين أنفذ غلاما له في جماعة وقال: احفروا هذا القبر الذي افتتن به الناس، ويقولون: إنه علي فحفر خمسة أذرع فبلغوا أرضا صعبة فجاء الغلام وضرب فيها ثم صاح واستغاث فأخرجوه فإذا على يده دم إلى ترقوته فحملوه إلى مولاه ولم يزل لحمه ينتثر من عضده وساير شقه الأيمن حتى مات، وتاب مولاه، وتبرأ، وركب ليلا إلى علي بن مصعب بن جابر، وسأله أن يعمل على علي صندوقا.

وقال أبو جعفر الطوسي: حدثني محمد بن همام الكوفي عن أبي الحسن بن الحجاج قال: رأينا هذا الصندوق قبل أن يبني عليه الحسن بن زيد الحائط.

وفي الأمالي خرج بعض الخلفاء يتصيد في ناحية الغريين فأرسل الكلاب فلجأت الظبا إلى أكمة فرجعت عنها فهبطت منها فرجعت إليها فسأل شيخا من بني أسد فقال: إن فيها قبر علي بن أبي طالب جعله الله حرما لا يأوي إليه شئ إلا

الصفحة 123
أمن، قال: بل قبره في جامع الكوفة.

قال ابن الجوزي: لو علمت الرافضة قبر من هذا لرجموه، فإنه قبر مغيرة ابن شعبة فأخفى الله قبر علي وظهر للرافضة غيره، لعلمه أنهم ينقلون موتاهم إليه فمنعهم من الاتصال به.

قلنا: هذا النقل عن ابن الجوزي غير صحيح، لأنه قال في كتاب تاريخه:

إن أبا الغنايم من عباد أهل السنة ومحدثيهم قال: مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم بمعروف إلا قبر أمير المؤمنين عليه السلام وهو هذا الذي تزوره الناس الآن.

جاء الصادق والباقر فزاراه وقد كان أرضا حتى جاء محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهره السر في إنكاره أن لا ينقل المخالف إليه ميتا لا يتصل به فقطعوا أفلاذ أكباده وشردوا أولاده، من أجل هذا طرد الله عن جيرته أرواح أضداده.

قالوا: جعلتم في صندوقه معيديا كلم بعض السلاطين فرده رافضيا فكسر العاقولي الصندوق وأخرجه قلنا: لو كان ذلك حقا لورخ المخالف اسم ذلك السلطان وعين ما وقع فيه من الأزمان لينتهز به الفرصة لكسر أهل الإيمان ولو فرض وقوع ذلك من خدام الإمام لم يضر المذهب كما يضر الاسلام فسقة بني شيبة سدنة البيت الحرام، وقد تشيع السلطان خدابنده وكان من كمال إيمانه وعقله أن كتب الثلاثة على أسفل نعله، وليس هذا بأعجب من إنكارهم إبراء قبر الحسين عليه السلام ذوي العاهات، محتجين بأن الشفا يضاد فعل الله، قلنا: هذا رد لصريح القرآن في عيسى وباقي معاجز الأنبياء.

قالوا: هي هناك قلنا: فكذا هنا، ويلزم على قولهم إبطال الرقيات، وتحريم صناعة الأطباء على أنه قد أسند ابن الجوزي في المجلد الرابع من المنتظم إلى جعفر الجلودي أنه كان به جرب فمسحه بقبر الحسين عليه السلام ونام فانتبه، وليس به شئ منه.


الصفحة 124

تذنيب:

عابنا المخالف بما نفعل في العزا اقتداء بسيد الأنبياء فقد أخرج في المصابيح وجامع الأصول وغيرهما قول أم سلمة رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى رأسه ولحيته التراب، وهو يبكي قلت: ما لك؟ قال: شهدت قتل الحسين، فقبلنا عليهم ذلك وقلنا: أنتم خالفتم رسول الله صلى الله عليه وآله في المصاب، وتشاهرتم بالاكتحال والخضاب، اقتداء بمن خضب بدمائه بنانه، وأجرى بالفرح والشماتة بنانه ولسانه.


(شعر)


فتوارث الهمج الخضاب فمنكفر تولد ذلك الكفر
نبكي فتضحكهم مصائبكموسرورهم بمصائبكم نكر
تالله ما سر النبي ولالوصيه بسرورهم سر [ وا ]

قال الثعلبي في تفسيره: قال السدي: لما قتل الحسين بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها، وحكى ابن سيرين أن الحمرة لم تر قبل قتل الحسين، وعن سليم القاضي مطرنا دما أيام قتله.

فصل


قالوا: عدل الله الأمة بقوله: (لتكونوا شهداء على الناس (1)) وقد شهدت لأبي بكر بلا نص قلنا: قد سلف في هذا الحديث الرابع من حديث الحوض وغيره، و نريد هنا أن نخص هذه الآية بعض الأمة قلنا أن نخص بعض الآخر، فلا حجة، و البعض هم الأئمة وقد دل صاحب الناسخ والمنسوخ أنها كانت (وكذلك جعلناكم أئمة) فحرفت إلى (أمة) إذ كيف تكون خير أمة وفيها أنواع المعصيات وترك الطاعات.

قالوا: إنما كفرتم بسب السلف قلنا: منع إمامكم الرازي في كتابه نهاية العقول من الكفر بذلك، وقد قرأ الكوفيون (كنتم غير أمة) وروي ذلك عن الصادق عليه السلام.

____________

(1) البقرة 143.


الصفحة 125
قالوا: في الآية (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فتبطل الآية لو كانت خلافة الثلاثة من المنكر قلنا: الظاهر من (كنتم) تدل على الماضي فلا تستعمل في الآتي عند من يقول بدليل الخطاب.

إن قالوا: (تأمرون) تدل على الآتي قلنا: جاء الآتي بمعنى المضي فلا يتمحض اللفظ للآتي بل هو أعم ولا دلالة لعام، على أن الأمة تقال على البعض (إن إبراهيم كان أمة (1)) فيجب الحمل هنا على البعض لعدم اتصاف الكل بالخير، والبعض من ثبتت عصمته دون غيره، على أن الآمر بالمعروف قد يصير ناهيا عنه بتجديد الفسق وبالعكس، فلو لم يكن البعض هو المعصوم، لزم كون المأمور به منهيا بغير نسخ، والعدالة التي وصف الله بها الأمة ليست عامة لفسق البعض فهي موجبة جزئية ونقيضها لا شئ من الأمة بعدل، والإمام في زمان إمامته ليس من الأمة فلا ينقض به.

أو نقول: السلب الكلي كاذب، فيصدق نقيضه، وهو الايجاب الجزئي، ويلزم المطلوب من سلب العدالة عن المجموع.

وأيضا فشهادة الأمة على من سلف، وإلا لكانت شهادة على نفسها.

قالوا: قال عليه السلام: كونوا مع السواد الأعظم؟ قلنا: ممنوع الصحة، ومعها ممنوع العموم، وإلا لوجب الكون مع الكفار، ولأن رواته إن كانوا من السواد الأعظم لزم إثبات الشئ بنفسه، وإن كانوا من غيرهم فكيف تقبل روايتهم.

قالوا: لا تجتمع أمتي على خطأ قلنا: وأين الاجتماع مع افتراقها إلى اثنتين وسبعين فرقة، فما نراها اجتمعت إلا على الاختلاف والتساب فليس بخطاء.

قالوا: قال مؤمن الطاق في كتابه: افعل لا تفعل، أي لا تجتمع على خطأ بعينه، يعني أن خطأ الكثرة مثبت، فلم تعم هذا، وقد منع النظام حجية الاجماع بأدلة سلمها الرازي في معالمه هي أن الخطاب في الآية للحاضرين، وهم غير معلومين فلا يدخل غيرهم تحتهم.

____________

(1) النحل: 120.


الصفحة 126
إن قيل: لما لم تثبت حجيته هناك لم تثبت في كل إجماع لعدم القائل بالفرق قلنا: هذا إثبات لأصل الاجماع بأضعف أنواع الاجماع، وهو دور.

سلمنا وصف الأمة بالعدالة، فلم قلتم هي عدل في كل شئ فإن الوصف الثبوتي يكفي صورة صدقه، فإذا قلنا: فلان عالم لا يقتضي عموم علمه.

سلمنا تعميم العدالة لكن يجوز أن تكون شهادتها لأبي بكر خطأ لعدم عصمتها وهي من الصغائر، فلا تقدح في عدالتها انتهى معنى ما حكاه الرازي منها ولم يأت بنقض عليها.

قالوا: قال عليه السلام: لا تجتمع أمتي على ضلال قلنا: قد سلف هذا، ونزيد هنا بأنه خبر واحد، فيرجع الاجماع إليه، فلا حجة فيه، وإن كان مجمعا عليه لزم إثبات الشئ بنفسه، وقد أنكره النظام وجماعة وهو أيضا مخصوص بمن عدا المجانين والأطفال والعوام وقد اختلف في حجية العام المخصوص، وحينئذ نخص كل أدلة الاجماع، وخيار الأمة وأفضلها الإمام، فالعبرة بقوله فمن ثم لا تجتمع الأمة على ضلال.

على أنه يجوز تأويل الأمة بالأئمة كما سلف وقد قرئت (تجتمع) بسكون العين على أنه نهي لا خبر، وهو أولى وإلا لزم كذب الخبر عندهم لوجوب الأمر شرعا على الناس في كل أوان، وقد أجمعوا على تركها الآن.

إن قيل: لا تجتمع أمتي على ضلال اختيارا لا قهرا قلنا: فجاز اجتماعكم على خلافة أبي بكر قهرا، لا اختيارا، ولئن سلمت حجيته لا نسلم حصوله لخروج وجوه بني هاشم منه، والاثنى عشر الذين شهدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله عند أبي بكر بالخلافة لعلي، وقد سلفت أقاويلهم وأسماؤهم ولقد أحسن بعض الفضلاء في قوله شعرا:


الناس للعهد ما والواو ما قربواوللخيانة ما عابوا ولا شنعوا
وفيم صيرتم الاجماع حجتكموالناس ما اتفقوا طورا وما اجتمعوا
أمسى علي بعيدا من مشورتهمستنزعا فيه والعباس يمتنع


الصفحة 127


وتدعيها قريش بالقرابة والأنصارما رفعوا فيها ولا وضعوا
فأي خلف كخلف كان بينهملولا تلفق أخبار وتصطنع

وقد سلف شئ من ذلك.

فصل


قالوا: توعد الله اتباع غير سبيل المؤمنين قلنا: قال النظام: ليست متابعة الغير الاتيان بمثل فعله، وإلا لكان اتباع اليهود في كلمة التوحيد، بل هو فعل مثل فعل الغير لأجل أنه فعله فلو فعل مثل فعل الغير لأن الدليل أداه إليه لم يكن متبعا له، وحينئذ فمتابعة سبيلهم وغير سبيلهم بينهما واسطة هي عدم المتابعة لأحد حتى يظهر الدليل، فلا يلزم من تحريم غير سبيلهم وجوب سبيلهم، فإن المتوقف غير تابع لأحد، و (سبيل) نكرة مثبتة، فلا تعم فتحمل على ما به صاروا مؤمنين وهو الإيمان انتهى نقل الرازي في معالمه عن النظام، ولم يحصل منه جواب تام.

على أن سبيل المؤمنين هو التمسك بالدليل لا الاجماع، إذ لو اجتمعوا على مباح وجب وهو تناقض، وفي هذا نظر إذ اللازم من الاجماع على إباحته وجوب اعتقاد إباحته لا أنه يصير واجبا حتى يلزم التناقض ولو سلم ذلك فالمراد بالمؤمنين من علم إيمانهم، وذلك متعذر إلا من المعصوم، لعدم العلم بموافقة باطنهم لظاهرهم.

ثم نقول: لا بد للاجماع من دليل، وليس في العقل ولا القرآن دليل إمامته ولا في السنة، لأنهم لا يقولون: بنص ولا وصية، ولأن كل فرد يجوز خطاؤه فما يعصم الكل عنه، ولأن الاجماع إن اعتبر فيه البعض، فقتل عثمان حق وإن اعتبر فيه الكل فقد قال إمام الحرمين: اجتماع الجمع العظيم على القول الواحد لا ينعقد إلا لدليل قاهر جمعهم عليه.

قال الرازي: وهو منقوض بإطباق الكتابيين على التثليث وصلب عيسى فالمعتمد على قوله تعالى: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (1)) قال: وهو كل الأمة فالاجماع حجة.

____________

(1) براءة: 119.


الصفحة 128
ونحن نقول: يصير المعنى كونوا معكم وهو مناف للمبالغة، على أنا قد بينا النص على علي عليه السلام فالاجماع على خلافة غيره خطأ بغير نزاع.

إن قالوا: سند الاجماع قوله عليه السلام: اقتدوا باللذين من بعدي أبا بكر وعمر قلنا: على تسليمه، المراد كتاب الله والعترة كما هو مشهور من وصية النبي بهما وقد وردت أبا بكر بالنصب على النداء فيكون أمرا للرجلين بالاقتداء بهما، وجهة تخصيصهما بعد دخولهما بالعموم ما علمه من خلافهما وأيضا فيمتنع الاقتداء بهما لما شهر من خلافهما، ولو كان الاقتداء موجبا لخلافتهما لزم ذلك في غيرهما على العموم لحديث أصحابي كالنجوم.

قالوا: نكح علي من سبيهم خولة، فهو دليل على الرضا بهم، وأنكح الحسين شاه زنان قلنا: قد روى البلاذري منكم في كتابه تاريخ الأشراف أن عليا اشتراها منهم ثم أعتقها وأمهرها وتزوجها، وولدت له محمدا، وشاه زنان بعث بها وبأختها الوالي من قبله على جهة المشرق، وهو حريث بن جابر فنحلها الحسين، فولدت له زين العابدين ونحل أختها محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم، على أنهم إذا كانوا أهل ردة لا منع من نكاحهم لأحد من المسلمين، فضلا عن ولاة الدين.

وقد أسند ابن جبير في كتاب إبطال الاختيار إلى الباقر عليه السلام أن رجلين أتياه واحتجا بذلك على رضاه، فدعا بجابر بن حزام وأخبره بقولهما فقال: ظننت أن أموت ولا أسأل عن ذلك إن خولة لما دخلت المسجد أتت قبر النبي وسلمت و شكت فطرح طلحة والزبير ثوبيهما عليها، فقالت: أقسم بربي ونبيي لا يملكني إلا من يخبرني بما رأت في منامها أمي، وهي حامل بي، وما قالت لي عند ولادتي وإن ملكني أحد بقرت بطني، فيذهب ماله ونفسي، ويكون الله المطالب بحقي فدخل علي فأخبروه فقال: ما دعت إلى باطل أخبروها تملكوها.

قالوا: ومن فينا يعلم الغيب؟ قال أبو بكر: فأنت أخبرها، قال: فإن أخبرتها ملكتها بلا اعتراض فيها؟ قال: نعم، فقالت: من أنت لعلك الذي نصبه النبي صلى الله عليه وآله بغدير خم؟ قال: نعم، قالت: من أجلك غصبنا ومن قبلك

الصفحة 129
أتينا فقال عليه السلام: حملت بك أمك في زمان قحط، وكانت تقول: إنك حمل ميشوم ثم بعد سبعة أشهر رأت في نومها أنها قد وضعتك وهي تقول لك ذلك وإنك تقولين لا تشأمي في، فإني ولد مبارك يملكني سيد يولدني ولد، يكون للحنفية فخرا.

قالت: صدقت أنى لك هذا؟ قال: من رسول الله صلى الله عليه وآله، قالت: فما العلامة بيني وبين أمي؟ قال: لوح في عقيصتك قد كتبت فيه رؤياها وكلامك ثم دفعته إليك لما بلغت عشر سنين، وقالت: اجهدي أن لا يملكك إلا من يخبرك به فأخرجت اللوح بين الناس فملكها علي دون غيره بما ظهر من حجته وروي أنه حملها إلى أم سلمة فلما ورد أهلها خطبه منهم وتزوجها.

على أنه قد قيل بجواز نكاح سبي الكفار، وإن سباهم من لم يكن إليه:

سبيهم، وهذا يسقط السؤال عندكم.

قالوا: جلس في مجالسهم مباشرا لأشوارهم قلنا: لا بل كان يجلس في المسجد وليس هو مختصا بهم وكان يتفق الاجتماع معهم، ولو سلم أنه قصد ذلك فإنما كان ليردهم عن خطائهم، وقد رجعوا في مواضع إلى قوله عن آرائهم، ودخوله في أشوارهم ليرشدهم إلى ما يشذ من أمر الدين عنهم، أو لينهاهم عن ما يمكنه من مناكرهم.

قالوا: أخذ عطاهم، قلنا: له أخذه لأنه أحق به من حيث عموم ولايته.

فصل


قالوا: أنكح عمر ابنته، قلنا: قال المرتضى في كتابه الشافي: العقل لا يمنع إباحة نكاح الكفار، وإنما يمنع منه الشرع، وفعل علي أقوى حجة في أحكام الشرع على أنه لا يمتنع شرعا إنكاح الكافر قهرا لا اختيارا، وقد كان عمر على الاسلام ظاهرا وعمر ألح على علي وتوعده بما خاف علي على أمر عظيم فيه من ظهور ما لم يزل يخفيه، فسأله العباس لما رأى ذلك رد أمرها إليه فزوجها منه.

وقد أخرج ابن المغازلي الشافعي في مناقبه والبخاري في صحيحه أن عمر

الصفحة 130
صعد المنبر وقال: حملني الالحاح على علي في ابنته كذا وكذا الحديث.

وفي الحديث أن عمر أحضر العباس وقال على المنبر: أيها الناس هنا رجل من علية أصحاب النبي قد زنى وهو محصن، وقد اطلع أمير المؤمنين وحده عليه فقالوا: ليمض حكم الله فيه فلما انصرفوا قال للعباس: والله لئن لم يفعل لأفعلن فأعلمه فأبى، فسأله العباس السكوت ومضى إلى عمر فزوجه أم كلثوم وفي حديث آخر إنه أمر الزبير يضع درعه على سطح علي فوضعه بالرمح ليزميه؟ بالسرقة.

وفي كافي الكليني أنه قال: لأغورن زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها ولأقيمن شاهدين بأنه سرق وأقطعه.

وسئل مسعود العياشي عن أم كلثوم، فقال: كان سبيلها سبيل آسية مع فرعون، وذكر النوبختي أنها كانت صغيرة ومات عنها قبل الدخول بها.

إن قيل: إنما منع عليا تزويجه الحياء والأنفة فولى العباس، قلنا: قد تولى تزويج غيرها من بناته ولم يمنعه ذلك فلم تبق علة الامتناع سوى الكراهة، و قد روى أهل المذاهب الأربعة عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي مسندا إلى الصادق عليه السلام أنه قال: ذلك فرج غصبنا عليه، وروته الفرقة المحقة أيضا.

على أنه لا خلاف أن التناكح والتوارث على الاسلام، ولا شك في كونه على ظاهر الاسلام.

وقد ذكر الراوندي في خرايجه رواية متصلة إلى الصادق عليه السلام أن عليا دعا يهودية نجرانية، فتمثلت بأم كلثوم فزوجه وحجبت أم كلثوم، فلما قتل ظهرت.

وحكى المفيد في المحاسن عن ابن هيثم أنه أراد بتزويجه استصلاحه وكفه عنه، وقد عرض لوط بناته على الكفار ليردهم عن ضلالهم (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (1)) قالوا: أثبتم خلافة علي بالميراث، وظاهر أن الميراث والخلافة لا تقسم

____________

(1) هود: 78.