إن قالوا: ليس في هذا أمر بالاقتداء، بل تعريض بخلاف الأول فإن الأمر للوجوب، قلنا: في كون الأمر للوجوب كلام، وقد جاء الأمر في التعريض في النصوص الخفية وغيرها، على أنكم رويتم قوله: اهتدوا بهدى عمار، ففيه الأمر ولم توجبوا خلافة عمار.
تذنيب:
لفظ الاقتداء لا يلزم منه العموم، وقد قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله كان سالكا طريقا فسئل عنه وكان الشيخان خلفه، فقال في الجواب: اقتدوا باللذين من بعدي، و هذا وإن كان غير مقطوع به، فإن لفظ الحديث لا يأباه على أنه يلزم كونهما إمامين في عصر واحد وهو باطل.
وخطاب (أصحابي كالنجوم) إن كان للحاضرين فقد قتل بعضهم بعضا، وتبرأ بعضهم من بعض، وإن كان لمن لم يسلم بعد، فليسوا بأصحاب لأنهم لم يروه، و لزم أن أصحابه يقتدون بمن لم يره، فلو كان الاقتداء بكل واحد منهم صوابا كان الاقتداء بكل واحد خطأ لشهادة بعضهم على بعض بالخطأ.
ومنها: ما رواه أبو مالك الأشجعي أن أبا العريض من أهل خيبر كان النبي صلى الله عليه وآله يعطيه كل سنة مائة راحلة تمرا، فقال: أخاف أن لا أعطاها بعدك، فقال: بلى يعطيكها أبو بكر، قلنا: ليس في العطية دليل الولاية.
ومنها: ما رواه الشعبي أن رسول بني المصطلق سأله من يلي صدقاتهم بعده؟
فقال أبو بكر ثم عمر، قلنا: ليس في أخذ الصدقات أيضا دليل الولاية لأنها قد تكون بغير استحقاق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بأمور غير جائزة كحرب عائشة والفرقة الباغية.
ومنها: قوله في خبر سفينة (1) الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا عضوضا.
____________
(1) شعبة خ ل.
قلنا: أول ما فيه أنه حبر واحد، وجاز أن يكون مزيفة نظر إلى الواقع وبنى عليه الخبر، والثاني أن فيه اختلالا لأن النبي صلى الله عليه وآله قبض سنة عشر من الهجرة لليلتين بقيتا من صفر، وعلي سنة أربعين من الهجرة لتسع بقين من رمضان فهذه ستة أشهر وثلاثة عشر ليلة زائدة.
وفي رواية أن النبي قبض لاثني عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فهذه نقيضه، ولا يجوز دخول اختلال في إخباراته عليه السلام.
على أن توزيع السنين لم يسنده سفينة إلى النبي صلى الله عليه وآله بل هو من جهته، فلا يلتفت إليه وحينئذ لو فرضنا صحته كانت المدة بكمالها بعلي عليه السلام، وقد نطقت بخلافته دونهم الآيات المحكمات، والروايات المتواترات، ولو سلم التوزيع لم يدل على الجواز، ويكون النبي قد أخبر عن الواقع لا عن الفرض الواجب.
قالوا: رأى أبو بكر في النوم أن عليه بردا وأن فيه رقمتين ففسره النبي صلى الله عليه وآله بالخلافة بعده سنتين قلنا: قد قدمنا الجواب عنه.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله لما بنى مسجد قبا، وضع في قبلته حجرا ثم أمر أبا بكر وعمر وعثمان أن يضع كل حجرا، وقال: هؤلاء الأئمة من بعدي، قلنا: لو كان حقا لاحتج به أبو بكر في السقيفة، ولاستغنى به عمر عن الشورى، ومن العجب أنه لم يذكر عليا بذلك وهو أحدهم إجماعا، وفي تركه بخس لحقه.
وهذا أيضا رواية سفينة وفي طريقه حشرج قال صاحب كتاب المجروحين لا يحتج بما تفرد به، وهو منهم لامنا.
ومنها: ما رووا أن أبا بكر أعتق مسلمين من أيدي الكفار، قلنا: لا صحة لذلك ولو سلم لم يواز فضيلة علي إذ فيه الخلاص من عذاب عاجل منقطع، وفي إعتاق علي بسيفه جميع المسلمين من العذاب الأبدي المهين فله على الكل حق السيد المحسن على عبده بسيوفه البواتر، وغروبه القواطر، فهذا شرف شامخ، و
قال الجاحظ:
رأينا الرئيس الكبير اختار أبا بكر وزيرا وصاحبا ومعينا، قلنا: هذا بهت محض، فقد أسند ابن مردويه منهم برجاله أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من ربه عليا وزيرا ولا يطلب ذلك إلا بإذن الله، حيث قال: (وما ينطق عن الهوى (1) وفي رواية الثعلبي في حديث الدار أنه وازره وأما معونة أبي بكر فظاهرة من هربه بخيبر ومجاهدته بحنين، وفراره بأحد، وقتله شجعان بدر، وغير ذلك من وقايعه المشهورة!
ومنها: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، قلنا: ولو وقعت لم توجب الخلافة، ولأنه قد روي أنه عليه السلام قال قبيل وفاته: برئت إلى كل خليل من خلته.
إن قالوا: نحن نثبت الخلة فتقدم، قلنا: ونحن نثبت البراءة فتقدم، إذ البراءة تنسخ الخلة.
قالوا: الأصل في الخلة عدم الناسخ، قلنا: الأصل عدم الخلة.
ومنها: ما رووه من قول النبي صلى الله عليه وآله: ما طلعت شمس على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر، قلنا: هذا مما تفردتم به، فلا يحكم بصحته، بل لم يذكر في صحاحكم، ولا هو متواتر عندكم، ولا دلالة فيه لجواز طلوعها على مساويها، ولأن لفظة طلعت ماضية، فجاز طلوعها فيما بعد على من هو أفضل منه.
إن قالوا: فلا يحكم بصحة ما تفردتم به، قلنا: لكم ذلك في غير المتواتر أما فيه فلا، ولأن أكثر أحاديثنا تروونها ويعز على أحاديثكم مشاركتنا فيها على أن هذا الحديث ينقضه قول أبي بكر وليتكم ولست بخيركم، وكيف ينكر قول النبي صلى الله عليه وآله: إنه خير، ويقول هو: إني لست بخير، وهل هذا إلا رد لقوله عليه السلام.
____________
(1) النجم: 3.
إن قيل: كان له مندوحة عنها، قلنا: لا، كيف وهي المرادة دون غيرها وإنما أحدث إخراج علي قهرا، وأحرق بيته لأجلها.
ومنها: قولهم كان مع النبي في عريشه، قلنا: قعوده إما للمشاورة أو السياسة أو لنشر علم وحكومة، والنبي صلى الله عليه وآله غني عنه في ذلك كله، للوحي المتصل به من ربه، ثم إن قعوده إما من تلقاء نفسه، وفيه نزول عن الجهاد وفضيلته أو بإذن رسوله لألفة، وحاشاه من ذلك، إذ فيه منع لفضيلة جهاده، أو أراد الأنس به وفيه هبوط أيضا لمنزلته، فلم يبق إلا أنه خاف الضرر بوهنه وفشله، حيث يرى الناس شيخا كبيرا في الاسلام قد آثر الانهزام، وهرب الشيخين أمر لا ينكر وقد رواه الثعلبي وغيره في خيبر.
ومنها: قولهم إن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله بعثني إليكم جميعا فقلتم: كذبت وقال صاحبي: صدقت، قلنا: هذا يقتضي كذب الجميع إلا أبا بكر، وكيف يصح ذلك وقد صدق من سبقه إلى الاسلام وهو على التكذيب حينئذ.
ومنها: ما رووا من قول النبي صلى الله عليه وآله: أن أبا بكر لم يسؤني قط، قلنا:
هذه صيغة ماض، وهي يستلزم أن كفر أبي بكر لم يسؤه عليه السلام وذلك كفر.
ومنها: ما رووه أن عليا عليه السلام قال في خطبته: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين: قيل: منهم؟ قال: أبو بكر وعمر إماما الهدى، من اقتدى
____________
(1) طه: 97.
(2) الدخان: 49.
قلنا: كيف صدر هذا من علي عليه السلام، وقد اشتهر عنه التظلم في مقام بعد مقام، وقد نقل الفريقان قوله: اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني، و قال: لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: بايع الناس أبا بكر وأنا أولى بهم منه مني بقميصي هذا، وقال عند استخلافه عمر نحو ذلك وقال عند الشورى: جعلني عمر سادس ستة، فكظمت غيظي حتى ما وجدت إلا القتال أو الكفر بالله.
وأسند الشيخ أبو جعفر الطوسي برجاله إلى أبي بكرة قول علي عليه السلام:
قبض النبي صلى الله عليه وآله وما من الناس أحد أولى بهذا الأمر مني وأسند قوله: ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله إلى يوم الناس هذا، وأسند في حديثين قوله:
ظلمت عدد المدر والوبر وأسند إلى جعفر بن حريث قال: حدثني والدي أن عليا لم يقم على المنبر مرة إلا قال في آخر كلامه قبل نزوله: ما زلت مظلوما وقد أسلفنا في آخر الباب الثاني عشر طرفا من تظلماته.
على أن قوله فيهما إن صح خرج على التقية، ويقبل التأويل بكونهما إماما هدى أي إمامان في الاسلام، وهو الهدى، من اقتدى بهما فيه عصم من الكفر، و من تبع آثارهما فرأى خلافهما على أهل بيت رسولهما وتركهما نصب الأولى منهما وانحرافهما عن وصايا نبيهما هدي إلى صراط مستقيم بمخالفتهما.
ومنها: ما رووا من قول علي عليه السلام: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر، قلنا: هذا أخيره، حذف صدره، لأن الشيخ الطوسي رواه عن جماعة منحرفين عن علي عليه السلام أنه قال: ما هذا الكذب الذي تقولون: ألا إن خير الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر؟! وهذا يدل على أن ذلك إنكار منه عليه السلام كما أنكر النبي صلى الله عليه وآله على أبي عبيدة حين أودعوه الصحيفة بقوله. أصبحت أمين هذه الأمة، وأيضا يجوز أن يريد الازراء على اعتقاد المخاطبين، أنهما خير الأمة كقوله
إن قيل: هذا خروج عن الظاهر، قلنا: ذلك متعين لأجل دليل قاهر، هو ما ذكرناه من الفريقين، ومن كونه خير البرية ونحوه، وقد قيل: إن معاوية بث الرجال في الشام يخبرون بأنه عليه السلام تبرأ منهما وأنه شرك في دم عثمان ليصرف وجوه الناس عن نصرته، فغير بعيد أن يكون قال ذلك: لإطفاء هذه النائرة.
وأيضا لم يدل قوله: إنهما خير هذه الأمة، على تفضيل لهما عليه، لأن المتكلم يخرج من الخطاب فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر، ولم يكن كونه أصدق من النبي صلى الله عليه وآله.
وأيضا فإنه فأشار إلى أمة كانت حاضرة وهي دونهما في الفضل، ولأن تلك الأمة هي المتحيرة بنصبها من عزل الله، وعزلها من نصب الله، ولأنه أراد أن يستنهضهم بما تميل قلوبهم إليه فإن الحرب خدعة.
ومنها: قول النبي صلى الله عليه وآله: إذا سلك عمر طريقا سلك الشيطان في غيرها، قلنا:
الشيطان لم يهب آدم فأخرجه من الجنة وهي محفوفة بالملائكة، ولا موسى إذ قتل الرجل، فقال: (هذا من عمل الشيطان (3)) ولا يوشع إذ قال: (ما أنسانيه إلا الشيطان (4) (وقد قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته (5)) وقال: (الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان (6)) وقد كان عمر منهم، فكيف يستزله وهو يهابه.
____________
(1) طه: 97.
(2) الدخان: 49.
(3) القصص: 15.
(4) القصص: 28.
(5) الحج: 52.
(6) آل عمران: 155.
على أنا لا نمنع العبارة في أفضليته عليهما جدلا أو على اعتقاد الخصم وهذا مثل قول حسان:
أتهجوه ولست له بند | فشركما لخيركما الفداء |
ولم يكن في النبي شر بل على اعتقاد الهاجي.
هذا وقد رووا أن أبا بكر قال: وليتكم ولست بخيركم، وهذا يسقط فضيلته سواء كان صادقا أو كاذبا.
قالوا: قاله تواضعا، قلنا: وعلي قال ذلك تواضعا، إن كان، على أن التواضع لا يجوز في موضع يوجب التلبيس، وهل يسوغ للحرة أن تقول: لست بحرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله أولى بمثل ذلك فلا وجه لقوله: أنا سيد ولد آدم.
ومنها: أن أبا سفيان جاء إلى علي يبايعه، فقال: هذه من دواهيك قد أجمع الناس على أبي بكر ما زلت تبغي العوج للاسلام في الجاهلية والاسلام، قلنا:
هذا غير صحيح لعدم دورانه بين الفريقين، وإن صح فليس في الاجماع دليل الصواب لأنه قد يكون على الخطأ كما أجمع قوم موسى على العجل، والقبايل على قتل النبي ليلة المبيت.
إن قيل: لو كان خطأ لم يجز أن يقعد عنه علي وقد قال له أبو سفيان: والله لأملأنها على أبي فصيل خيلا ورجلا قلنا: خاف على ذهاب أصل الدين، بإثارة الفتنة، خصوصا مع كون المشير منافقا، وعلي بخبث سريرته قاطعا، على أن
ومنها: ذكر الصحيفة رووا أن عمر لما كفن قال علي عليه السلام: وددت أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى، قلنا: كيف يقول ذلك وقد اتفق الفريقان على أفضليته.
على أن عمل إنسان لا يصح أن يكون لآخر، فلا بد لهم من إضمار مثلها وحينئذ لنا أن نضمر خلافها بل هو المعهود من تظلماته من عمر، وقد سلف ويعضده ما أسند سليم إلى معاذ بن جبل أنه عند وفاته دعا على نفسه بالويل والثبور قلت:
إنك تهذي قال: لا والله قلت: فلم ذلك؟ قال: لموالاتي عتيقا وعمر على أن أزوي خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله عن علي وروي مثل ذلك عن عبد الله بن عمر أن أباه عمر قال له.
وروي عن محمد بن أبي بكر أن أباه قال له وزاد فيه أن أبا بكر قال: هذا رسول الله ومعه علي بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة، وهو يقول: لقد وفيت بها وتظاهرت على ولي الله، أنت وأصحابك، فأبشر بالنار، في أسفل السافلين ثم لعن ابن صهاك وقال: هو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني.
قال العباس بن الحارث: لما تعاقدوا عليها نزلت (الذين ارتدوا على أدبارهم) الآية (1) وقد ذكرها أبو إسحاق في كتابه، وابن حنبل في مسنده، والحافظ في حليته، والزمخشري في فائقه، ونزل (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا (2)) الآيتان عن الصادق عليه السلام نزلت (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون (3)) الآيتان.
ولقد وبخهم النبي صلى الله عليه وآله لما نزلت فأنكروا فنزلت (يحلفون بالله ما قالوا
____________
(1) القتال: 25.
(2) النمل: 50.
(3) الزخرف: 79.
ورووا أن عمر أودعها أبا عبيدة فقال له النبي صلى الله عليه وآله: أصبحت أمين هذه الأمة، وروته العامة أيضا وقال عمر عند موته: ليتني خرجت من الدنيا كفافا لا علي ولا لي، فقال ابنه: تقول هذا؟ فقال: دعني نحن أعلم بما صنعنا: أو صاحبي وأبو عبيدة ومعاذ.
قال البشنوي:
جر الضلال صحيفة ختمت | بعد النبي ختامها فضوا |
فكل قلب مسلم حرقوا | وكل عظم مؤمن رضوا |
إن قيل: كيف يصدر ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يعظمه ويمدحه؟ قلنا:
ذلك غير معلوم، والخبر بذلك آحادي، ومطعون فيه، على أن المدح لا يستلزم الإمامة.
قالوا: فيدل على إيمانه وأنتم قلتم: إنه كفر بجحد النص، والإيمان عندكم لا يتعقبه كفر، قلنا: جار مدحه على الظاهر فإن النبي صلى الله عليه وآله لا يعلم الباطن.
قالوا: المدح ينافيه، قلنا: جاز كون المدح قبل أن يعلمه الله بالميل عنه على أنا نجوز كفر المؤمن.
تذنيب:
هذه الصحيفة تعاقد عليها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسالم الأبكم على أن لا يورثوا أحدا من أهل النبي صلى الله عليه وآله ولا يولوهم مقامه، وكان أبي (2) يصيح في المسجد ألا هلك أهل العقدة، فسئل عنهم، فقال: ما ذكرناه ثم قال: لئن عشت إلى الجمعة لأبينن للناس أمرهم، فمات قبلها.
____________
(1) براءة: 74.
(2) القائل محمد بن أبي بكر برواية سليم بن قيس الهلالي.
من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة، ولعل ملكا يحدثه، فإن الأنبياء والأئمة محدثون، بل و فاطمة ومريم وسارة محدثات.
إذا عرفت هذا فالصحيفة التي أحب أن يلقى الله بها هي هذه إلى الله فيها، وقد تلونا عليك جانبا من البدع التي أحدثت بأفعاله فكيف يتمنى علي أن يلقى الله بصحيفة أعماله، وقد شهد عليه بالظلم في كثير من أقواله.
إن قالوا: فعله عنى ما فيها من الحسنات قلنا: ظلم الوصي، والرد على النبي صلى الله عليه وآله لا يقابله شئ من الحسنات، وقد اشتهر أنه آذى فاطمة، المربوطة أذية أبيها بأذيتها، أذية النبي كفر فلا حسنة.
إن قيل: فكيف نكح النبي صلى الله عليه وآله ابنتهما على تقدير كفرهما؟ قلنا: جاز ألا يعلم عاقبتهما أو جوز توبتهما أو كان مخاطبا بالبناء على ظاهر إسلامهما، أو كان ذلك من خصائصه، ولا دليل أوضح من فعله.
ومنها: ما قالوا: إن أبا بكر شبه من الملائكة بميكائيل، ومن الأنبياء بإبراهيم قلنا: لا يروي هذا إلا من روى أن الله بكى على عثمان حتى هاجت عيناه، وأن النبي صلى الله عليه وآله رأى في الإسراء ملائكة ملتفين بأكسية، فسألهم عنها، فقالوا: تشبهنا بأبي بكر حين تجلل بالعباءة، كيف يشبه من مضى أكثر زمانه على الكفر والمين بالملك والنبيين المعصومين.
إن قالوا: رويتم تشبيه علي بآدم ونوح وموسى وعيسى ومحمد قلنا: لا يقاس من لم يكفر طرفة عين بالرحمن، بمن خدم في أكثر عمره للأوثان، على أن ما تفردتم به من الحديث غير مسموع، لكونكم خصوصا، وليس لكم علينا مثله، لأنكم نقلتم ما نقلنا ورويتم ما روينا فتشبيه علي، نقله ابن حنبل وغيره، ونقلنا وأنتم أنه خير
أما سنة الرسول صلى الله عليه وآله فقد تواترت بأن عليا هو الإمام، وأما الكتاب المبين ففيه آيات كثيرة بولاية أمير المؤمنين، وقد أسلفنا هذين في بابين.
وأما دلائل العقول فلقبح تقديم المفضول، وقد روينا وأنتم أن عيسى يصلي خلف المهدي، وهو أحد أتباع أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأما الاجماع فالحجة الكبرى فيه قول الإمام، وهو داخل في اتباعه عليه السلام و ليس لتشبيه أبي بكر من هذه الأربعة شاهد، بل كل واحد منها لولايته جاحد.
وقد روى الطبرسي في احتجاجه قول النبي صلى الله عليه وآله في حجة وداعه، قد كثرت علي الكذابة، وستكثر، فمن كذب علي فليتبوء مقعده من النار، فإذا جاء الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فإن وافقهما فخذوا به وإلا فاطرحوه.
تذنيب:
حدث عبد الرزاق اليماني عن معمر عن الزهري والكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قالا: كان لتيم صنما من تمر يعجنونه غدوة ويعبدونه يومهم، فإذا أمسوا اقتسموه وأكلوه، ثم اتخذوا غيره.
وذكر صاحب اللؤلؤيات أنه قيل للأول: العن أبا قحافة، فإنه كان لا يقاتل عدوا ولا يقري ضيفا، وقال الكلبي: كان أبو قحافة دنيا ساقطا، وكان لجذعان أجيرا.
قال مؤلف الكتاب:
عجبت لتيم في سخافة عقلها | إذ اتخذت تمرا إلها فضلت |
تدين له يوما فعند مسائها | تغذت به لما عليه تولت |
فصير مأكولا ومنهضما به | وفضلات من بول رزي وعذرة |
فكيف دني القوم يضحي رئيسهم | ويمسي بما فيه إماما لأمة |
ومنها: ما رووه عن أبي نضرة في إبطاء علي والزبير عن بيعة أبي بكر، فقال:
ومنها: ما رووه عن عمر بن عيينة قال قلت للنبي صلى الله عليه وآله: من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا، قلنا: في طريقه أبو أمامة وهو من المنحرفين عنه إلى معاوية مع أن في الحديث مع وحدته اختلافا ذكر فيه تارة أنه لقي النبي بمكة مستخفيا، وتارة بعكاظ، وتارة ظاهرا يقيم الصلاة بالناس، وفي اختلافه مع وحدته دليل تزويره.
ومنها: حديث الشعبي سألت ابن عباس من أول من أسلم؟ فقال: أبو بكر قلنا: الشعبي منحرف عن علي وللشعبي حديث آخر من طريق الصلت بن بهرام بضده، وعزاه إلى ابن عباس، والمشهور عنه اعترافه بسبقه، وقد كان أبو صالح معروفا بعكرمة، وعكرمة معروف بابن عباس وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، لم يكن معي من الرجال غيره.
ومنها: قوله عليه السلام: ما دعوت إلى الاسلام أحدا إلا وله كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم أي لم يشك ويتأن، فلو تأخر إسلامه فإن كان قبل عرضة النبي صلى الله عليه وآله عليه كان مقصرا في تبليغه، وإن كان بعده رده الخبر المذكور.
قلنا: جاز أن يكون تأخره قبل تبليغه عليه السلام ولا تقصير منه، لعلمه بعدم قبوله له، في ذلك الوقت، فالمانع منه لا من النبي، على أن النبي صلى الله عليه وآله لا يجب عليه إعلام الأمة دفعة، وإن صح الحديث فمعنى ما عرضت الإيمان: حين عرضته، فلا يدل ذلك على سبق العرض على أبي بكر.
قالوا: قال حسان في شعره: إن أبا بكر أول من أسلم قلنا: حسان مشهور بالانحراف عن علي إلى معاوية، ويطالب عليا بدم عثمان، وليس في شعره أنه أول الأولين الذي هو محل النزاع.
ومنها: ما رووه عن مجاهد: أول من أظهر الاسلام سبعة وعد منهم أبا بكر
ومنها: حديث عمر بن مرة عن النخعي: أبو بكر أول من أسلم، قلنا: يقابله من هو أجل منه الباقر والصادق عليهما السلام وقتادة والحسن وغيرهم وقد روى تمدحه عليه السلام بذلك من طرق لا تحصى وأخبار من النبي صلى الله عليه وآله والصحب والتابعين لا تستقصى، وأنشأت الفضلاء فيه أشعارهم، فلم ينكر عليهم، من طلبها عثر عليها، وقد أسلفنا جانبا منها.
ومنها: أن عليا احتج على طلحة والزبير بالبيعة ونكثها، ولم يذكر النص فدل على عدمه، واحتج على معاوية ببيعة الناس له.
قلنا: الإمامة لا تصح بالبيعة لأن البيعة لا تصح إلا لإمام كالنبوة فلو توقفت عليها لزم الدور، وإنما احتج عليهم لأنها حجة عندهم أي أقطع لعذرهم.
ومنها: قول العباس لعلي: امدد يدك أبايعك، دليل عدم النص قلنا:
لا بل إنما طلبها لأنها الحجة القاطعة عندهم، فأراد إلزامهم إن تمسكوا بها، و لأن البيعة لا تنافي النص، فإنها تقع للنصرة والدفاع، ولهذا قال: فلا تختلف عليك ولو كانت البيعة لتثبيت الإمامة لأوجبت الاختلاف، وقد بايع النبي صلى الله عليه وآله عند الشجرة بعد ثبوت نبوته، وحمل عمر الناس على بيعته بعد نص أبي بكر عليه، فما الحاجة إلى ذلك على ما ذكرتم، ولهذا لما ألح عليه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله أمرني أن لا أجرد سيفا بعده، حتى يأتيني الناس طوعا أو أنه كره أن يتوصل إلى حقه بباطل مع قيام النص.
إن قيل: فقد توصل بباطل بعد عثمان، قلنا: كان النص مندرسا بمرور الأزمان، أو لأنه لو بايع لزمه الحرب والقيام، وفيه درس الاسلام، كما قال:
لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم، وقد احتج في الشورى بالنص، فلم يكن في حال من الأحوال ثابتا على الاختيار.
____________
(1) ومؤمن آل فرعون.
على أنه يجوز أن يكتم النص عن بعض أهله خوفا عليهم من رده، ولهذا أن مؤمن الطاق لما دعاه زيد للخروج معه، فأبى فقال: أبي يخبرك بالدين ولم يخبرني؟
قال مؤمن الطاق: خاف عليك إن أخبرك لم تقبل، فتدخل النار، ولم يبال بي نجوت أم دخلت النار.
وقد أوصى يعقوب يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته خوفا من كيدهم.
ومنها: أن عليا لم يرد فدكا على وارث فاطمة عند مصير الأمر إليه، و فيه دليل على نفي ظلم المتقدم عليه، قلنا: أما استحقاقها فلا شك فيه، وقد ذكرنا طرفا جيدا من هذه الواقعة ففي باب المطاعن، وقد جمع المأمون مائتي رجل من أهل الحجاز والعراق من أهل الفقه وسألهم عنها فرووا أحاديث فيها، وأن عليا و أسماء وأم أيمن شهدوا لها عند أبي بكر، فكتب لها صحيفة بها، وأن عمر محاها فسألهم عن فاطمة فأخبروه بقول أبيها فيها: يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها وسألهم عن فضائل بعلها فأوردوا جملة منها، فسألهم عن أسماء وأم أيمن ما حالهما؟
فقالوا: شهد النبي صلى الله عليه وآله بالجنة لهما، فقال: إن الطعن على هؤلاء طعن على كتاب الله، وقال: قد نادى علي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان له عدة أو دين فليحضر فحضر جماعة فأعطاهم بغير بينة، وأبو بكر نادى بذلك فادعى جرير بن عبد الله فإعطاء بغير بينة، وادعى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وعده أن يحثو له من مال البحرين ثلاثا فأعطاه أبو بكر بغير بينة، أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى هؤلاء؟ ثم جعلها المأمون في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن زين العابدين.
وقد ذكر هذه القصة صاحب الشافي مروية عن محمد بن زكريا الغلابي عن
وأما تركه عليه السلام ردها في ولايته فلما أسنده ابن بابويه في كتاب العلل إلى الصادق عليه السلام إن الظالم والمظلوم كانا قد انتقلا إلى الله، فعاقب الظالم، وأثاب المظلوم، فلذلك كره عليه السلام ارتجاعها وأسند إلى إبراهيم الكرخي قول الصادق عليه السلام: إن عليا اقتدى في ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله فإن عقيلا باع دوره بمكة فلما فتحها قيل: ألا تدخل دورك فقال: وهل ترك لنا عقيل دورا، إنا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما، ونحوه أسند ابن فضال إلى الكاظم عليه السلام.
وقد قالت لأبي بكر: سيجمعني وإياك يوم يكون فيه فصل الخطاب، فلما وكلت الأمر فيه إلى الله أراد علي ما أرادته، أو تركها بوصيتها أو ليعلم بني أمية وغيرهم ظلمه لها.
وأيضا نقول: إنما لم يردها لاستمرار التقية، وخوف إفساد الدين، فإن أكثر من تابعه كان يعتقد إمامة الثلاثة، وأنها ثبتت بالاختيار، فإن أكثرهم بايعه على موالاة من كان قبله، والحذو على سيرتهم، فلم يتمكن من تغيير ما يقدح في إمامتهم، ولهذا لما قال عليه السلام: وسنة نبيه نزع (1) يده من يده، وبايع غيره.
إن قيل: فقد خالفهم في مسائل فما بال فدك؟ قلنا: ليس في تلك ما يؤدي إلى تظليم القوم، وتحريك الأحقاد الكامنة فيهم، وقد وافقهم في كثير، ولهذا قال لقضاته: اقضوا كما كنتم تقضون، حتى تكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي، فلينظر العاقل ما في هذه الأحوال.
____________
(1) يعني في شورى الستة، والرجل النازع عبد الرحمن بن عوف.