الصفحة 161

فصل
* (في أم الشرور) *


أكثر اعتقاد القوم على رواياتها، وقد خالفت ربها ونبيها في قوله تعالى:

(وقرن في بيوتكن) (1) الآية.

قال ابن عباس: لما علم الله حرب الجمل قال لنساء النبي صلى الله عليه وآله: (وقرن في بيوتكن) الآية وفي أعلام النبوة للماوردي وفردوس الديلمي عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله لنسائه: أيكم صاحبة الجمل الأديب تخرج فتفضحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها ويسارها كثير.

وفي تاريخ البلاذري وأربعين الخوارزمي وابن مردويه في الفضائل قال سالم ابن الجعد: ذكر النبي صلى الله عليه وآله خوارج بعض نسائه فضحكت الحميرا فقال: انظري أن لا تكوني هي، والتفت إلى علي عليه السلام وقال: إذا وليت من أمرها شيئا فارفق بها.

إن قيل: هذا دليل على محبة النبي لها مع علمه بمحاربتها، فلم تنته المحاربة بها إلى تكفيرها كما تزعمون فيها قلنا: كيف ذلك وقد أجمعنا وإياكم على قوله:

يا علي حربك حربي، وحرب النبي صلى الله عليه وآله كفر وقد نقل ابن البطريق في عمدته عن الجمع بين الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وآله: من سل علينا السيف فليس منا، وقال النبي في موضع آخر: علي مني بمنزلة الرأس من الجسد، ولم يرد بقوله: ليس منا نفي الجنسية، ولا القرابة، ولا الزوجية، لأن ذلك لا تنفيه المحاربة فالمراد ليس من ديننا.

وأما وصيته له عليه السلام بالارفاق فإنما هو صون لعرض علي من أهل النفاق وقد بعث معها نساءا في زي الرجال، فنعت عليه في المدينة فانكشف حالهن ليظهر كذبها وافتراءها، وقد بذل أهل عسكرها مهجهم في رضاها، وقعدوا عن ابنة النبي صلى الله عليه وآله لما طلبت إرثها ونحلة أبيها، ولم يكن في معونة فاطمة كفر ولا

____________

(1) الأحزاب: 33.


الصفحة 162
مجاهدة، كما في عائشة فقعودهم عنها أعظم نكر كنهوضهم مع ابنة أبي بكر:


ما صح أن المسلمين بأمةلمحمد بل أمة لعتيق
جاءت تطالب فاطم بتراثهافتقاعدوا عنها بكل طريق
وتسارعوا نحو القتال جميعهملما دعتهم ابنة الصديق
فقعودهم عن هذه ونهوضهممع هذه يغني عن التحقيق

وقد أخرج أبو نعيم في كتاب الفتن وغيره حديث ماء الحوأب وأخرج صاحب المراصد قول النبي صلى الله عليه وآله لعائشة: أما تستحين أن تحاربين لمن رضي الله عنه؟ إنه عهد إلي أنه من خرج على علي فهو في النار، وقد رويتم قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي بغضك سيئة لا تنفع معها حسنة، فحرب الجمل أكان من حب أو بغض؟

والعجب أنكم رويتم أنه قال: خذوا عن عائشة ثلث دينكم، بل ثلثيه، بل كله. فكان من دين النبي صلى الله عليه وآله قتال الوصي، وقد كتبت إلى صعصعة بن صوحان حين توجهت إلى الحرب أن يكسر سيفه ويجلس في بيته، فكتب إليها: أتاني كتابك تأمريني فيه بما أمرك الله من القرار في البيت وترك الفساد، وتفعلين ما أمرني الله به من الجهاد، فاتقي الله وارجعي إلى البيت الذي أمرت، وأنا في أثر كتابي خارج لألاقي لعلي ببيعتي، فالقرار في بيتها فعل من ضربت الصفائح على هودجها تتقي السهام بها.

وفي تاريخ الطبري أنها كانت تركب الجمل وتحمل السلاح وترتجز.


شكوت رأسا قد مللت حملهوقد مللت دهنه وغسله

ألا فتى يحمل عنا كله

وقطع علي خطام جملها أربعمائة وهي مسرورة.

وروى الواقدي أن عمارا قال لها: كيف رأيت ضرب بنيك عن أديانهم؟

قالت: لستم لي ببنين، قال: صدقت أمهاتنا نساء النبي، ذوات الحجاب، المطيعات لله ولرسوله، وأنت فمخالفة لهما.

وقد روت أن النبي صلى الله عليه وآله لعن المرأة المشبهة بالرجال والرجل المشبه

الصفحة 163
بالنساء، قال الفضل بن العباس:


آضت أمور الورى إلى امرأةوليتها لم تكن إذا آضت
مبشر جاءنا يبشرناأميرة المؤمنين قد باضت
هبها تصلي بنا إذا طهرتفمن يصلي بنا إذا حاضت

وقد أسند الخوارزمي أن أبا الحارث مولى أبي ذر دخل على أم سلمة فقالت:

أين طار قلبك لما طارت القلوب؟ قال: مع علي، قالت: وثقت والذي نفسي بيده لقد سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: علي مع القرآن، والقرآن معه، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ومن العجب أن طلحة يطلب بدم عثمان، وهو ممن ألب على عثمان، ولما جاء لحرب البصرة أتاه عبد الله بن حكيم التميمي بكتابه إليه يدعوه إلى قتل عثمان، ويعيبه عليه قال السيد الحميري:


جاءت مع الأشقين في جحفلتزجي إلى البصرة أجنادها
كأنها في فعلها هرةتريد أن تأكل أولادها
عاصية لله في فعلهاموقدة للحرب إيقادها
فبئست الأم وبئس الهوىهوى حداها وهوى قادها

وفي رواية الشعبي: استشارت أم سلمة في الخروج فنهتها وقالت: ألا تذكرين قول النبي صلى الله عليه وآله: لا تذهب الأيام والليالي حتى تنابح كلاب الحوأب على امرأة من نسائي في فئة طاغية فضحكت أنت، فقال: إني لأحسبك هي، فلما تهيأت للخروج أنشأت أم سلمة تقول:


نصحت ولكن ليس للنصح قابلولو قبلت ما عنفتها العواذل

وقالت في طريقها وقد استبطأت بعض جندها: ما كان أغناني عن هذا لولا نفثة الشيطان، وعجلة الانسان، قال الزاهي:


كم نهيت عن تبرج فعصتوأصبحت للخلاف متبعه
قال لها الله في البيوت قريفخالفته العفيفة الورعه

وقال السوسي:


الصفحة 164


وما للنساء وحرب الرجالوهل غلبت قط أنثى ذكر
ولو أنها لزمت بيتهاومغزلها لم ينلها ضرر
فيا سفرا ضل تصحيفهلها وهو لما يصح السقر

وقد تمثل ابن عباس فيها بشعر بني أسد:


ما زال إيماء العصائب بينهمثم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن رأيك فيهمفي كل معركة طنين ذباب

إذا عرفت هذا فالقوم ادعوا توبتها ليزيلوا بها جريمتها، وهي رواية من طرقهم فليست حجة على خصمهم، مع ذلك فالتوبة رواية والمحاربة دراية، والرواية لا تعارض بالدراية، وأين التوبة والنزوع عن بغضة إمام العصر؟ وقد قالت: حين بلغها قتله عليه السلام ما ذكره ابن مسكويه وتاريخ الطبري:


فألقت عصاها واستقرت بها النوىكما قر عينا بالإياب المسافر

وقد ادعوا أنها لم تكن قاصدة حرب، فلا وجه لتوبتها وقد ذكر المؤرخون أنها نهبت بيت المسلمين بالبصرة، وقتلت عمال علي بها، ونتفت لحية عثمان بن حنيف، وذكر أن عليا ندم على ذلك وهذا زور بحت، كيف ذلك وقد أخبره النبي صلى الله عليه وآله أنها تقاتله ظالمة له وفي صحيح البخاري الفتنة تخرج من ههنا من حيث تطلع قرن الشيطان وأشار إلى مسكن عائشة، وقد نقل ابن أعتم صاحب الفتوح أنها كانت قبل ذلك تقول: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا، فلقد أبلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وثيابه لم تبل، ولما قتل قالت: قتل مظلوما وأنا طالبة بدمه، فقال لها عبيد: أول من طمع الناس فيه أنت، فقلت: اقتلوا نعثلا فقد فجر، قالت: قلته وقاله الناس


منك البداء ومنك الغيرومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإماموقلت لنا إنه قد فجر
ونحن أطعناك في قتلهوقاتله عندنا من أمر


الصفحة 165
قالوا: برأها الله في قوله: (أولئك مبرؤون مما يقولون (1)) قلنا: ذلك تنزيه لنبيه عن الزنا، لا لها كما أجمع فيه المفسرون، على أن في تفسير مجاهد (المبرؤون) هم الطيبون من الرجال، صيغة التذكير، وليس فيها ما يدل على التغليب.

قالوا: هي محبوبة النبي صلى الله عليه وآله وتوفى بين سحرها ونحرها، قلنا: لا تنفعها المحبة، وقد صدر حرب النبي عنها، ويكذب توفيته بين سحرها ونحرها ما أخرجه في المجلد الخامس من الوسيلة من قوله صلى الله عليه وآله: ادعوا لي حبيبي فادخل عليه أبو بكر فغيب وجهه عنه ثم عمر فغيب وجهه عنه، فدخل علي فساره ولم يزل محتضنه حتى مات هذه رواية عائشة فيه.

قالوا: لم ينزل القرآن في بيت غيرها قلنا: كيف ذلك وقد نزل أكثر القرآن في بيت غيرها.

قالوا: أذهب الله الرجس عنها قلنا: وأي رجس أعظم من محاربة إمامها فهذا أعظم فاحشة، وقد قال تعالى: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة يضاعف لها العذاب ضعفين (2)) وقد أخبر الله عن امرأتي نوح ولوط أنهما لم يغنيا عنهما من الله شيئا (3) وكان ذلك تعريضا من الله لعائشة وحفصة في فعلهما وتنبيها على أنهما لا يتكلان

____________

(1) النور: 26.

(2) الأحزاب: 30.

(3) يريد قوله تعالى: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما، فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين، التحريم الآية العاشرة.

والدليل على أن الآية فيها وفى حفصة قوله تعالى في صدر السورة النازلة في ذلك (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير، عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا).

والعجب من غفلة المسلمين عن تعاريض هذه الآية الأخيرة حيث ينفى عنهما الاسلام و الإيمان والقنوت والتوبة والعبادة والسياحة.


الصفحة 166
على رسوله فإنه لم يغن شيئا عنهما.

تذنيب:

قالت أم أفعه العبدية لعائشة: ما تقولين فيمن قتلت ابنا لها؟ قالت: في النار قالت: فمن قتلت عشرين ألفا من أولادها؟ فقالت: خذوا بيد عدوة الله، وهذا شأن المجبرين إذا أعجزهم الخطاب أمروا بالعذاب (حرقوه وانصروا آلهتكم) (1) (أخرجوا آل لوط من قريتكم) (2).

هذا وقد شكت عائشة في نبوته عليه السلام فذكر الغزالي في الإحياء أنها قالت:

أنت تزعم أنك نبي؟ ولم ينقل أحد أنها تيقنت بعد بذلك، وفي الإحياء أيضا كان بينها وبينه كلام فأدخل أباها حاكما فقالت: قل ولا تقل إلا حقا! فلطمها أبوها وقال: يا عدوة الله النبي يقول غير الحق؟

وفي مجمع البيان لما نزلت (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) (3) قالت عائشة: ما أرى الله إلا يسارع في هواك! وفي هذا تهمة لرسوله، وعدم الرضا بقضائه.

ولقد افترت على نبيها ما رواه الزهري عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله إن عليا والعباس يموتان على غير ملتي وقالت: قال عليه السلام: إن سرك أن تنظرين إلى رجلين من أهل النار فانظري إليهما.

فقبح الله قوما يروون ذلك في وصي نبيه، وقد تواترت فيه محبة الله ورسوله وغيرها من فضائله، وقبلوا شهادة عائشة فيه مع كونها من أكبر أعدائه.

روى سعيد بن المسيب عن وهب أن فاطمة لما زفت إلى علي عليه السلام قالت نسوة الأنصار: أبوها سيد الناس، فقال النبي صلى الله عليه وآله: قلن: وبعلها ذو الشدة و

____________

(1) الأنبياء: 68.

(2) النمل: 56.

(3) الأحزاب: 50.


الصفحة 167
البأس، فلم يذكرن عليا فقال في ذلك فقلن: منعتنا فقلن: منعتنا عائشة فقال ما تدع عائشة عداوتنا أهل البيت، وهم يفضلونها على فاطمة فكأن النبي صلى الله عليه وآله قال في عائشة: سيدة نساء هذه الأمة وإنها بضعة منه يؤذيه ما يؤذيها، وينصبه ما ينصبها، ويغضبه ما يغضبها، ويريبه ما رابها. كما أسنده مسلم والبخاري وأبو داود والترمذي في صحاحهم.

وفي مسند أبي داود سيدة نساء العالمين، وفي الجزء الرابع من صحيح مسلم سيدة نساء المؤمنين ونساء هذه الأمة، ورواه الثعلبي في تفسير (إني سميتها مريم) (1) وذكره رزين في الكراس الخامس من الجزء الثاني من الجمع بين الصحاح، وفي الجزء الثالث أيضا منه.

أفلا تنظر العقول السليمة إلى ما صححوه في كتبهم مما يناقض ما هم عليه من جميع أمورهم، بل قد أنكر الجاحظ في كتاب الإنصاف مساواة عائشة لخديجة فضلا عن فاطمة هذا وفي الجمع بين الصحيحين من أفراد مسلم والبخاري أن ابن الزبير أراد أن يحجر عليها، فهذه شهادة منه وممن سمع حديثه، ولم ينكره: أنها أتت بما يوجب الحجر كالسفه والجنون.

____________

(1) آل عمران: 36.


الصفحة 168

فصل
* (في أختها حفصة) *


طلقها النبي صلى الله عليه وآله في حديث أنس وخيرة الزجاج فسأله أبوها من طلاقها فقال: انطلق عني أما والله إن قلبك لوعر، وإن لسانك لقذر، وإن دينك لعور ثم إنك لأضل مضل ذكر، وإنك من قوم عذر، أما والله لولا ما أمرني الله من تألف عباده، لأبدين للناس أمركم، اعزب عني! فوالله ما يؤمن أحدكم حتى يكون النبي أحب إليه من أبيه وأمه، وولده، وماله، فقال: والله أنت أحب إلي من نفسي، فأنزل (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (1)) وفي حديث الحسين بن علوان والديلمي عن الصادق عليه السلام في قوله: (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا (2)) هي حفصة قال الصادق عليه السلام: كفرت في قولها: (من أنبأك هذا) وقال الله فيها وفي أختها: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما (3)) أي زاغت والزيغ الكفر، وفي رواية أنه أعلم حفصة أن أباها وأبا بكر يليان الأمر، فأفشت إلى عائشة، فأفشت إلى أبيها فأفشى إلى صاحبه، فاجتمعا على أن يستعجلا ذلك يسقينه سما فلما أخبره الله بفعلهما هم بقتلهما، فحلفا له أنهما لم يفعلا، فنزل (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم (4)) قال الناشي:


إذ أسر النبي فيه حديثاعند بعض الأزواج ممن تليه
نبأتها به وأظهره اللهعليه فجاء من قيل فيه
سئل المصطفى فعرف بعضابعض ابطان بعضه يستحيه
وغدا يعتب اللتين بفضلأبدأتا سره إلى حاسديه

____________

(1) يوسف: 106.

(2) التحريم: 2.

(3) التحريم: 4.

(4) التحريم: 7.


الصفحة 169


فأتى الوحي إن تتوبا إلى اللهفقد صاغ قلب من يتقيه
أو تحبا تظاهرا فهو مولاهوجبريل ناصر في ذويه
ثم خير الورى أخوه عليصالح المؤمنين من ناصريه

كتبت عائشة إلى حفصة: نزل علي بذي قار، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر فجمعت حفصة النساء وضربن بالمزامر، وقلن: ما الخبر ما الخبر؟ علي في سفر إن تقدم نحر، أو تأخر عقر، فدخلت أم سلمة وقالت: إن تظاهرا عليه فقد تظاهرتما على أخيه من قبل.

تذنيب:

في الطرف: تخرج عليك فلانة، وتتخلف الأخرى تجمع لها هما سواء، فما أنت صانع؟ قال: أدعوهما إلى الكتاب والسنة وبيان حقي عليهما، فإن قبلتا وإلا قاتلتهما، قال: وتعقر الجمل وإن وقع في النار، قال: نعم، قال: اللهم فاشهد ثم قال: فأبنهما مني فإنها بائنتان، وأبوهما شريكان لهما فيما فعلتا.

ملحة:

قال ناصبي لشيعي: أتحب أم المؤمنين؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لئلا يقول النبي: لم تجد امرأة غير امرأتي تحبها؟ ما لي ولزوجة النبي؟ أفترضى أن أحب امرأتك.


الصفحة 170

فصل


الناكثان يطلبان عليا بدم عثمان، وقد روى المدائني أن عليا سمع بعض بنات أبي سفيان تضرب بالدف وتقول:


ظلامة عثمان عند الزبيروأوثر منه بها طلحة
هما سعراها بأجذالهاوكانا حقيقين بالفضحة
يهران سرا هرير الكلابولو أعلنا كانت النبحة

فقال علي: قاتلها الله ما أعلمها بموضع ثأرها.

ويعضده ما رواه الواقدي أن مروان لما رأى طلحة يحث الحرب على علي قال: والله إني لأعلم أنه ما حرض على قتل عثمان كتحريض طلحة ولا قتله سواه وقد أسلفنا كتابه إلى عبد الله بن حكيم يحثه على قتل عثمان ولما رمى طلحة بسهم أسقط مغشيا عليه، فأفاق واسترجع، وقال: أظن أنا عنينا بقوله تعالى: (و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة (1)) ما أظن هذا السهم إلا أرسله الله علي، ثم دفن بالصبخة (2) ولم يصل عليه أحد، وكان الرامي له مروان، وذكره في المعارف قال الأصمعي: رماه بسهم وقال: لا أطلب ثأر عثمان بعد اليوم فمات طلحة (3).

____________

(1) الأنفال: 25.

(2) الصبخة لغة في السبخة، وهي محركة: أرض ذات نزو ملح و - ما يعلو الماء كالطحلب، يقال: علت هذا الماء سبخة.

(3) قال ابن عبد البر في الاستيعاب: روى حصين عن عمرو بن جاوان قال: سمعت الأحنف يقول: لما التقوا، كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله، وروى عن ابن سيرين قال:

رمى طلحة بن عبيد الله بسهم فأصاب ثغرة نحره قال: فأقر مروان أنه رماه.

وروى عن يحيى بن سعيد عن عمه قال: رمى مروان طلحة بسهم ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.

وذكر ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال حدثنا قيس قال رمى مروان ابن الحكم يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، قال فجعل الدم يسيل فإذا أمسكوه أمسك، وإذا تركوه سال، قال: فقال دعوه، قال: وجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله. فمات فدفناه على شاطئ الكلا.


الصفحة 171
وأما الزبير فقال ابن عباس: نزلت (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم) الآية في طلحة والزبير، قال الزبير: لقد قرأناها ولم نعلم فإذا نحن المعنيون بها.

قال سلمان قال عثمان: يقتل ابن الجاهلية وهو مرتد عن الاسلام، قال:

فقلت لعلي ذلك: فقال: صدق عثمان وذلك أنه يبايعني ثم ينكث، فيقتل مرتدا وقد روى ابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين من طرق ثمانية أن عليا ذكر الزبير بقول النبي له: ستقاتل عليا وأنت ظالم له (1) وفي حلية الأولياء والواقدي و

____________

(1) هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي يكنى أبا عبد الله وكان أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وآله فهو ابن عمة رسول الله و ابن أخي خديجة بنت خويلد زوج الرسول صلى الله عليه وآله.

شهد الجمل مقاتلا لعلي عليه السلام فناداه علي ودعاه فانفرد به وقال له: أتذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فنظر إلي وضحك وضحكت، فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال: ليس بمزه، ولتقاتلنه وأنت له ظالم؟

فتذكر الزبير ذلك فانصرف عن القتال فنزل بوادي السباع، وقام يصلى فأتاه ابن جرموز فقتله، وجاء بسيفه ورأسه إلى علي عليه السلام فقال عليه السلام: إن هذا سيف طالما فرج الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار، وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من سنة ست وثلاثين.

وقيل: إن ابن جرموز استأذن على علي عليه السلام فلم يأذن له وقال للآذن: بشره بالنار فقال:


أتيت عليا برأس الزبيرأرجو لديه به الزلفه
فبشر بالنار إذ جئتهفبئس البشارة والتحفه
وسيان عندي: قتل الزبيروضرطة عنز بذى الجحفة

وقيل: إن الزبير لما فارق الحرب وبلغ سفوان أتى إنسان إلى الأحنف بن قيس فقال: هذا الزبير قد لقى بسفوان، فقال الأحنف ما شاء الله كان، قد جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته وأهله؟!.

فسمعه ابن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع بن غواة من تميم فركبوا، فأتاه ابن جرموز من خلفه فطعنه طعنة خفيفة، وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له: ذو الخمار حتى إذا ظن أنه قاتله. نادى صاحبيه فحملوا عليه فقتلوه، بل الظاهر من بعض الأخبار أن ابن جرموز قتله في النوم، وقد روى المسعودي في مروج الذهب أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر فخلف عليها عمر ثم الزبير قالت في ذلك:


غدر ابن جرموز بفارس بهمةيوم اللقاء وكان غير مسدد
يا عمرو! لو نبهته لوجدتهلا طائشا رعش الجنان ولا اليد
هبلتك أمك إن قتلت لمسلماحلت عليك عقوبة المتعمد
ما أن رأيت ولا سمعت بمثلهفيمن مضى ممن يروح ويغتدي

أقول: إنما قال عليه السلام: بشر قاتل ابن صفية بالنار، لأن القاتل وهو عمرو بن جرموز - مع أعوانه - قتله غدرا وغيلة ومغافصة، بعد ما ترك الزبير القتال فهو من أهل النار من جهتين.

الأول لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: الإيمان قيد الفتك، فمن فتك مسلما وقتله غيلة كان بمنزلة من قتل مسلما متعمدا لإسلامه، فهو من أهل النار، ولو كان المقتول ظالما مهدور الدم.

فالذي قتله إنما قتله غدرا وبغيا وعدوانا فهو من أهل النار وإنما يقتله أمير المؤمنين عليه السلام به ولم يقد منه، لأنه كان جاهلا بذلك كله، متأولا يعتقد أن قتله واجب وهو مهدور الدم. لأجل أنه أجلب على إمامه أمير المؤمنين وخرج عليه بالسيف، ولم يظهر توبة ولم يستغفر عند وليه أمير المؤمنين.

لكنه كان مقصرا في جهالته ذلك، حيث إن اعتزاله كان بمسمع ومرأى من أمير المؤمنين ولم يحكم فيه بشئ ولا هو استأمره عليه السلام في قتله، مع وجوده بين ظهرانيهم والله أعلم.

وأما الزبير فالظاهر من الأحاديث أنه ندم عن فعله ندامة قطعية بحيث التزم العار فرارا من النار، لكنه لم يظهر منه توبة ولا استغفار، ولو كان أراد التوبة والاستغفار، كان عليه أن يفئ أولا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويستغفره مما فعله، ويجدد بيعته، فلم يفعل.

وقد روى المفيد قدس سره في جمله أنه لما رأى أمير المؤمنين رأس الزبير وسيفه قال للأحنف: ناولني السيف فناوله، فهزه وقال: سيف طالما قاتل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ولكن الحين ومصارع السوء، ثم تفرس في وجه الزبير وقال: لقد كان لك بالنبي صحبة ومنه قرابة، ولكن دخل الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد.


الصفحة 172
الطبري والبلاذري أنه رجع فلامه ابنه، فقال: حلفت لا أقاتله، فقال: كفر يمينك وفي رواية الطبري والواقدي أنه أعتق عبدا وعاد إلى القتال، وفي خبر أنه قال: كيف أرجع ألا إنه لهو العار، فقال علي عليه السلام: ارجع قبل أن يجتمع عليك العار والنار، قال: كيف وقد سمعت عثمان يقول: شهد النبي صلى الله عليه وآله لي و لعشرة بالجنة فقال علي عليه السلام: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: تسعة ممن ذكرتهم في

الصفحة 173
تابوت في أسفل درك الجحيم، على رأسه صخرة إذا أراد الله عذاب أهلها رفعت، فرجع وهو يقول: نادى علي بأمر لست أنكره، الأبيات.

ادعوا لهما التوبة قلنا: ذكر المفيد في المحاسن أن عليا مر به وهو مرمي فقال: قد كان لك صحبة لكن دخل الشيطان منخريك فأوردك النار، ودعوى التوبة دعوى علم الغيب، إذ كل كافر وضال مات يمكن دعوى توبته باطنا، وانهزام الزبير لا يدل على توبته، وإلا لكان كل من يحارب النبي صلى الله عليه وآله ولا أقر بنبوته ظاهرا يمكن دعوى إيمانه باطنا.

قالوا: لما حمل فيهم قال لهم علي: أفرجوا له فإنه مغضب، وهذا يدل على توبته، قلنا: الكف عنه إنما هو استصلاح ومن كما من النبي صلى الله عليه وآله على أهل مكة مع كفرهم.


الصفحة 174
قالوا: لما قتله ابن جرموز قال علي قال النبي صلى الله عليه وآله: بشروا قاتل ابن صفية بالنار، قلنا: قتل الكافر قد يوجب النار، كما في قتل المعاهد، والقتل غيلة والقتل للسمعة، والقتل المزبور علامة الفجور، وابن الجرموز آمن الزبير، ثم اغتاله، وقد كان أيضا مع عائشة فلما رأى الدائرة عليهم اعتزلهم، وقد كان علي نادى لا يتبع مدبر، فتبعه وقتله، فاستحق النار بمخالفته، وقد جاهد قزمان يوم أحد فاثني عليه بحضرة النبي صلى الله عليه وآله فقال: إنه من أهل النار، فكشف عن حاله فلم يجدوه قاتل إلا لأحساب قومه (1) أقر بذلك قبل موته.

إن قيل: فلم لا يكون في بشراه قاتله بالنار إيماء إلى العلة فيكون المعلول مؤمنا؟ قلنا: ليس في ذلك شئ من أدوات العلة، وجواز كون البشارة لجواز توهم ثواب قاتله من حيث إنه قتل رأس الفتنة فأراد النبي صلى الله عليه وآله الإخبار عن معاقبته أنه معاقب بخاتمة عمله، كما قد يخبر عمن ظاهره الفساد أنه مثاب نظرا إلى خاتمته وهذا شئ معروف. فهذه قطره من بغيهم وغوايتهم، ونزرة من ميلهم وعداوتهم انتصرنا عليهم بعد العثور على جملة منها، لو شرحناها لطال كتابنا.

ومن أحسن ما قيل في هذه القصة ونحوها قول رجل من بني سعد:


صنتم حلائلكم وقدتم أمكمفهذا لعمري قلة الإنصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتهافهوت تجوب البيد بالأسجاف

____________

(1) مع أنه كان قتل نفسه بمشقص لما كان يجد من ألم الجراح.