فصل
* (في حرب صفين) *
وفيه نعيب على القاسطين، حيث بغوا على الأنزع البطين، ومن معه من المؤمنين، وهذا عمرو بن العاص شاهرا سيفه، محاربا بصفين إمامه، هاتكا عند حيرته سوءته، حتى قال معاوية من عظمها: أنها تعقب فضيحة الأبد وكذا جرى لبشر ابن أرطاة حين رأى عليا عليه السلام في حملته، فسقط عن فرسه، وكشف عن استه، فقال فيهما شاعر:
أفي كل يوم فارس ذو كريهة | له عورة وسط العجاجة باديه |
يكف لها عنه علي سنانه | ويضحك منها في الخلاء معاوية |
فلا تحمدا إلا الحيا وخصاكما | فقد كانتا والله للنفس واقيه |
فهذا فعل عمرو. وهم له يعدلون، ولدينهم عنه يأخذون، ونحو هذا ذكر سبط الجوزي في كتاب الرجال أن عبد الله بن عمر كان زاهدا عابدا يقاتل يوم صفين بسيفين، وهذا تناقض ظاهر للناظرين، فنعوذ بالله من أهواء المضلين، هذا وقد سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: من بايع إماما وجاء آخر يبايعه فاضربوا عنق الآخر ذكره مسلم في الجزء الرابع من صحيحه، وفيه أيضا عن الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير، قال رجل لابن عمر: هذا معاوية يأمرنا بأكل أموالنا بيننا بالباطل وبقتل أنفسنا، فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله، قلت: ولا طاعة في محاربة أمير المؤمنين، وقد علم أن حربه حرب رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقد ظهرت فيهم علامة البغي بقتل عمار، كما يؤمي إليه حديث النبي المختار قال: يا عمار تقتلك الفئة الباغية، ذكره مسلم في الجزء الخامس من صحيحه وزاد جماعة من الرواة: يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.
جهلت ولم تعلم محلك عندنا | فأرسلت شيئا من خطاب ولا تدري |
فثق بالذي عندي لك اليوم آنفا | من العز والاكرام والجاه والقدر |
فأكتب عهدا ترتضيه مؤكدا | وتشفعه بالبذل مني وبالبر |
فكتب إليه عمرو:
أبى القلب مني أن أخادع بالمكر | بقتل ابن عفان أجر إلى الكفر |
وإني لعمرو ذو دهاء وفطنة | وليس أبيع الدين بالربح والوفر |
فلو كنت ذا رأي وعقل وحيلة | لقلت لهذا الشيخ إن خاض في الأمر |
تحية منشو جليل مكرم | بخط صحيح ذي بيان على مصر |
أليس صغير ملك مصر ببيعة | هي العار في الدنيا على العقب من عمرو |
فإن كنت ذا ميل شديد إلى العلا | وإمرة أهل الدين مثل أبي بكر |
فإن دواء الليث صعب على الورى | فإن غاب عمرو زيد شر على شر |
فكتب إليه معاوية بمنشور مصر، فكثر تفكره حتى ذهب نومه، وقال:
تطاول ليلي بالهموم الطوارق | فصافحت من دهري وجوه البوائق |
وأخدعه؟ والخدع فيه سجية | أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق |
أم أقعد في بيتي وفي ذاك راحة | لشيخ يخاف الموت في كل شارق |
فلما أصبح دعا مولاه وردان فشاوره، فقال: إن مع علي آخرة لا دنيا وهي التي تبقى لك، ومع معاوية دنيا لا آخرة، وهي التي لا تبقى على أحد، فاختر أيهما شئت فتبسم عمرو وقال:
يا قاتل الله وردانا وفطنته | لقد أصاب الذي في القلب وردان |
لما تعرضت الدنيا عرضت لها | بحرص نفسي وفي الأطماع ارهان |
نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها | والمرء يأكل تبنا وهو غرثان |
أما عليا فدين ليس يشركه | دنيا وذاك له دنيا وسلطان |
فاخترت من طمع دنيا على بصر | وما معي بالذي اخترت برهان |
إني لأعرف ما فيها وأبصره | وفي أيضا لما أهواه ألوان |
لكن نفسي تحب العيش في شرف | وليس يرضى بذل النفس إنسان |
ثم رحل إلى معاوية وكان الحرب، وقال فيه شاعر:
قد باع عمرو دينه بمصر | مبدلا إيمانه بكفر |
ثم خدع الأشعري في التحكيم، وقيل: إنما كان ذلك عن علم منه كما قال ابنه أبو بردة فيه:
أنا بن مشتت الاسلام | لما صير الحكما |
أزل عن الورى علما | وأنصب للورى صنما |
ولم يخدع كما زعموا | ولكن كان متهما |
ولقد قال له عمرو: أنت كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، وقال الأشعري له: أنت كالحمار يحمل أسفارا، ولعمري إنهما صادقان، وقد أخرج البخاري في الشيطان لقد صدقك وهو كذوب.
وقد أسند الخوارزمي في مناقبه أن حريثا مولى معاوية كان بطلا عظيما يلبس سلاح معاوية، ويقاتل، فتظنه الناس معاوية، وكان يتمنى مبارزة علي عليه السلام فنهاه معاوية فخلا به عمرو وقال: إنما نهاك كراهة أن يقتل غلامه ابن عمه، فإن وجدت فرصة فاقتحم فإنها أحظى لك، فخرج فبرز إليه علي عليه السلام فقالوا: تبرز إلى هذا الكلب؟ فقال: والله إنه لأعظم عناء عندي من معاوية فقتله، فشق على معاوية فقال لعمرو: ما أنصفته حين أمرته بأمر كرهته لنفسك ثم أنشأ:
حريث ألم تعلم وعلمك صائر | بأن عليا للفوارس قاهر |
وأن عليا لا يبارز فارسا | من الناس إلا أحرزته الأظافر |
أمرتك أمرا حازما فعصيتني | فجدك إن لم تقبل النصح عاثر |
ودلاك عمرو والحوادث جمة | فلله ما جرت عليك المقادر |
وظن حريث أن عمروا نصيحه | وقد يدرك الانسان ما قد يحاذر |
وأسند أيضا أن الملأ اجتمعوا في صفين لمعاوية وذكروا شجاعة الأشتر وعلي فقال عتبة بن أبي سفيان: لا نظير لعلي، قال معاوية: قتل علي أباك يا وليد بن أبي معيط يوم بدر، وأخاك يا أبا الأعور يوم أحد، وأباك يا أبا طلحة يوم الجمل فإذا اجتمعتم أدركتم ثأركم، وشفيتم أنفسكم. فضحك الوليد وقال:
يقول لكم معاوية بن حرب | أما فيكم لواتركم طلوب |
يشد على أبي حسن علي | بأسمر لا تهجنه الكعوب |
فيهتك مجمع اللبات منه | ونقع اليوم مطرد يثوب |
فقلت له أتلعب يا بن هند | كأنك بيننا رجل غريب |
أتأمرنا بحية بطن واد | إذا نهشت فليس لها طبيب |
وبسر قبلنا لاقى جهارا | فأحظى نفسه الأجل القريب |
سوى عمرو وفتنة خصيتاه | نجى ولقلبه منها وجيب |
وما ضبع يدب ببطن واد | أتيح لقتله أسد مهيب |
بأصغر حيلة منا إذا ما | لقيناه وذا منا عجيب |
كأن القوم لما عاينوه | خلال النقع ليس لها قلوب |
وقد نادى معاوية بن حرب | فأسمعه ولكن لا يجيب |
قال الوليد: إن لم تصدقوني فاسألوا عمروا يخبركم عن شجاعته، وقد ردها بكشف سوءته.
وبالجملة فشجاعة علي غنية عن الكشف والبيان، والثبوت والبرهان لاشتهارها عند كل إنسان، وظهورها في كل مكان، ومن قام دين الاسلام بقتله وحمل ثقله، كيف يقوم عليه من لم يبلغ معشارا من نبله وفضله.
ثم جرى التحكيم على رغم أمير المؤمنين حيث قال له الأشعث بن قيس:
افعل وإلا قتلناك بالسيوف التي قتلنا بها عثمان، فقال: لا رأي لمن لا يطاع.
ولما انقضت الحال من صفين توجه عمرو إلى مصر في جيش فأخذ محمد بن أبي بكر بغير قتال فقتله وحشى جثته في جوف حمار ميت وأحرقه.
تذنيب:
أورد الشهيد محمد بن النيشابوري عن الشافعي عن رجاء الكندي أن عمرا سأل معاوية حاجة فقضاها سريعا فشكره، فقال: لو شكرتني على إحساني لشغلك عن أمورك، فرفع عمرو صوته وقال: يدي عليك تعلو جميع أياديك لأني أبطلت حقا لأجلك، وسخرت الناس لإطفاء نور غيرك، وأنت لعين ابن لعين، طليق ابن طليق، وثن ابن وثن، حتى خلت أني لو لقيت ربي بأحسن أعمال العاملين، لم ينجني من النار، وصرفت لك سيد العرب وأنت في قعر جب يابس آيسا من كل خير متوقعا لكل شر، فقال معاوية: ما تركت بابا إلا فتحته، ولا وكاء إلا حللته، الويل لك والويل منك ثم افترقا فأنشأ عمرو: معاوية الخال لا تنس لي الأبيات وقد سلف في آخر الباب الثاني عشر طرف من ذلك.
وأما الخوارج فقد ظهر فيهم علامة المروق من الدين، بقتل ذي الثدية رأس المضلين، كما أخبر سيد المرسلين، عليا أمير المؤمنين.
تذنيب:
قال الجاحظ: لا فضيلة لعلي في قتال الفرق الثلاثة حيث أخبره النبي صلى الله عليه وآله بالنصرة عليهم والسلامة منهم قلنا: أول ما فيه أنه وثق بقول النبي صلى الله عليه وآله بخلاف من شك فيه، وقد روى الخصم أنه أعلمه بأنه الخليفة من بعده، حيث أسر ذلك إلى ابنته، ولم يقدم على قتل أحد، بل كان في النظارة في بدر واحد، وثانيا أن النبي صلى الله عليه وآله مدحه على ذلك، وما ذكره الجاحظ يجعل المدح عبثا والجد هزلا
(15)
(باب)
* (في تخطئة كل واحد من الأربعة في كثير من أحكامه) *
وفيه فصول: الأول: فيما أجمعوا عليه الثاني: فيما اختلفوا فيه الثالث: فيما أضيف إليهم من المخازي، الرابع: في البخاري، الخامس: فيما أنكر مسلم والبخاري من الأحاديث.
فنقول أولا: إن هؤلاء الأربعة ليسوا من الصحابة بل من التابعين وقد رضيت أهل السنة بنسبة جملة المذهب إليهم، وقد عدلت عن نسبته إلى نبيهم، التي هي أوكد لتعظيمه وحرمتهم، من نسبته إلى قوم يخطئ بعضهم بعضا، وربما يلعن بعضهم بعضا وقد اعترفوا بكمال دينهم في حياة نبيهم، في قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم (1)).
فاختلاف الأربعة إن كان لاختلاف في المقال، فقد وثقوا بمن شهدوا عليهم بالفسق والضلال، وإن كان لحاجة دعتهم إليه، فكيف يقتدى بمن يشهد على ربه بنقص دينه، وإن كان لا لحاجة فقد قبحوا ذكر نبيه حيث وضعوا ما لم يكن في زمانه، وإن كان لزعمهم أنهم أعرف وأهدى لشريعة نبيهم فأتوا بما لم يأت به، فهو بهت لعقولهم مع اختلافهم في أحكامهم، ولقد كان أسلافهم ضلالا قبل ظهورهم.
وما الدليل على وجوب الاقتصار على الأربعة، دون الأقل منهم. أو الزايد عليهم، وقد وجد من أتباعهم من يضاهيهم، فلم لا يسري الاسم والتقليد إليهم، إذ كانوا يحتجون بقول النبي: اختلاف أمتي رحمة، فمن زاد فيه زاد في الرحمة، فكان اختلاف كل شخصين من الأمة أبلغ من تحصيل الرحمة، ولزم كون الائتلاف موجبا للتقية وكان النبي صلى الله عليه وآله والصدر الأول مبعدين من هذه الرحمة والمروي في أحاديثنا
____________
(1) المائدة: 6.
قال محمد بن بابويه: أهل البيت لا يختلفون إلا من حيث التقية رحمة للشيعة وإذا تعدلت الأخبار فقد جاء عن الصادق عليه السلام من طريقين إلا إذا وافق أحدهما مذهب العامة فيترك قال ابن بابويه: لاحتمال خروجه على التقية، وما خالفهم لا يحتمل ذلك.
ثم نرجع ونقول: إن كان في سابقتهم من بلغ إلى مرتبتهم، فلم لا كانت الإضافة إليهم، وقد قال الغزالي في خطبة كتابه المسمى باقتحام العوام عن علم الكلام. إعلام: اعلم أن الحق الصريح عن أهل البصائر مذهب السلف، أعني الصحابة والتابعين. فقد نبه على إسقاط الاقتداء بالأربعة، ولقد قال: أقضى الأمة بشهادة نبيه في نهج بلاغته ترد على أحدهم القضية فيحكم فيها برأيه، ثم ترد بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم تجتمع القضاة عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا وإلههم واحد! وكتبهم واحد، أفأمرهم بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء لله فلهم أن يقضوا وعليه أن يرضى، أم أنزل الله دينا تاما فقصر الرسول بتبليغه).
ولقد أحسن النيلي حيث أخذ شيئا من ذلك فقال:
وقالوا اختلاف الناس في الفقه رحمة | فلم ذا لما هذا يحل ويحرم |
أربان للانسان أم كان دينهم | على النقص من دين الكمال فتمموا |
أم الله لا يرضى بشرع نبيه | فأضحوا هم في ذلك الشرع أقوم |
أم المصطفى قد كان في وحي ربه | يقصر في تبليغه ويجمجم |
أم القوم كانوا أنبياء صوامتا | فلما قضى المبعوث عنهم تكلموا |
أم الدين لم يكمل على دين أحمد | فعادوا عليه بالكمال وأحكموا |
أما قال إني اليوم أكملت دينكم | وأتممت للنعماء مني عليكم |
فما فرط الباري إذا في كتابه | بشئ ولا أن المشيئة منهم |
____________
(1) والأظهر أن يكون الاختلاف بمعنى التردد: المجيئ والذهاب لأخذ معالم الدين.
فلم حرموا ما كان حلا وحللوا | بفتواهم ما جاء وهو محرم |
ترى الله فيما قاله زاد أو هفا | نبي الهدى أم كان جبريل يوهم |
لقد أبدعوا فيما أتى من خلافهم | وقالوا اقبلوا مما نقول وسلموا |
قالوا: وأنتم فرق وفي مذهبكم اختلاف، قلنا: لا بل الاثنا عشرية فرقة واحدة، ونقطع بخطاء من خالفها، وأنتم تصوبون الأربعة (1) ونحن لم نرد حديثا ثبتت صحته وقد قال ابن الجوزي شيخ الحنابلة في المنتظم: اتفق الكل في الطعن على أبي حنيفة وعرض به البخاري برده الأحاديث الصحيحة كقوله: القرعة قمار والإشعار مثلة، وسيأتي.
قالوا: لا لوم في الاختلاف، وقد وقع بين الأنبياء كما في داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث (2)) قلنا: لا اختلاف بينهما بل نسخ الله حكم داود بحكم سليمان.
قالوا: اختلفت الصحابة حيث قال النبي صلى الله عليه وآله: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، فضاق الوقت، فمنهم من صلى قبل وصوله، ومنهم من ترك، فلم يعتب النبي صلى الله عليه وآله على أحد، قلنا: لا نبطل الاجتهاد بل الرأي والقياس، وقد شهد صاحب المنتظم في أبي حنيفة أنه إمام أصحاب الرأي.
____________
(1) هذا هو الصواب في الجواب فإن فقه الشيعة يبتني على أن الحكم الواقعي واحد، لا يختلف باختلاف الفقهاء، وهو يصوبون الآراء جميعا.
(2) الأنبياء: 78.
(1)
فصل
* (نذكر فيه خطأ الأربعة فيما أجمعوا عليه) *
وهو أمور:
1 - أجازوا غسل الرأس بدلا من مسحه في الوضوء، وأوجبوا غسل الرجلين فخالفوا نص الكتاب في موضعين.
2 - أجازوا مسح الخفين (1) وقد نطق القرآن بالرجلين، وقد قال الباقر مع شهادة الفريقين له: سبق الكتاب المسح على الخفين، وفيه مزيد كلام يأتي في الباب الأخير إن شاء الله.
3 - منعوا الفريضة على الراحلة للضرورة، وفيه ترك الصلاة مع القدرة عليها ومخالفة لقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (2) ولفعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه في يوم مطير على الراحلة صلاها.
4 - أجازوا في الصلاة قول: آمين وخالفوا قول النبي الأمين: لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين.
5 - أجازوا الوضوء بالماء المغصوب مع دلالة صريح العقل وتواتر النقل على قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، والنهي في التعبد موجب للفساد.
6 - توضأوا مع غسل الجنابة، وقد جعل الله غاية المنع من المساجد الغسل فالمتوضي معه متزيد على الشرع، وقد روى صاحب الحلية عن رسول الله صلى الله عليه وآله (من توطأ بعد الغسل فليس منا) وفي سنن السجستاني قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وآله
____________
(1) بعضهم قال بجواز المسح على الخفين مطلقا: حضرا وسفرا، وبعضهم بالجواز في السفر فقط، ومن المنكرين للمسح على الخفين ابن عباس، قال: لئن أمسح على جلد الحمار أحب إلي كم من أن أمسح على الخفين ونقل الرازي أن ابن عمر أيضا كان يخالف ذلك.
(2) البقرة: 286.
7 - استحبوا صلاة الضحى، وقد روي في كتبهم بدعتها، ففي الجمع بين الصحيحين للحميدي عن مرزوق العجلي قلت: أكان عثمان يصلي الضحى؟ قال:
لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبي قال: ما إخاله وفيه من مسند عائشة ما صلى النبي صلى الله عليه وآله الضحى وفيه عن ابن عمر صلاة الضحى بدعة وفي مسند ابن حنبل أن أبا سعيد وأبا بشير رأيا رجلا يصليها فعيباه عليها ونهياه عنها.
وسبب ابتداعها أن معاوية لما بلغه نعي أمير المؤمنين وقت الضحى، قام فصلى ست ركعات، ثم أمر بني أمية بالأحاديث في فضلها عن النبي صلى الله عليه وآله حتى رووا أن النبي قال: إن الله كتبها عليه، ورووها ركعة عن أبي ذر، وعن أم هاني أن النبي صلى الله عليه وآله صلاها ثمان ركعات فانظر إلى تناقض هذه الأحاديث إن أمرك أحدها بالأخذ به أمرك الآخر بتركه.
8 - خيروا المسافر بين الصوم والفطر، فخالفوا قوله تعالى (1): (فعدة من أيام أخر (2)) وفي الجمع بين الصحيحين: خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة في عشرة آلاف، فلما بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد افطر، وقد قال الترمذي يؤخذ من أمر رسول الله بالأخير (3) وفيه خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى خيبر في رمضان وفي الناس
____________
(1) سواء قرى برفع (عدة) أو نصبها، فإذا قرئ بالرفع، كان تقديره: فعليه عدة من أيام أخر. وإذا قرئ بالنصب كان تقديره: فليصم عدة من أيام أخر، وكيف كان وجوب الأيام الأخر يدل على وجوب الافطار، حيث إن التخيير مستلزم للجمع بين الصوم والقضاء.
(2) البقرة: 184.
(3) ذكره في المنتقى كما نقله نيل الأوطار ج 4 ص 236 عن ابن عباس أن النبي (ص) خرج من المدنية ومعه عشرة آلاف وذلك على رأس ثمانين ونصف من مقدمه المدينة فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى إذا بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا.
وفيه عن جابر خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة عام الفتح في رمضان، فلما بلغ كراع الغميم دعا بقدح فرفعه ليراه الناس ثم شرب، فقيل: إن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة.
9 - أبطلوا صلاة الجمعة بعد انعقادها إذا تفرق العدد، وخالفوا نص القرآن فيه، وقوله عليه السلام: الصلاة على ما افتتحت عليه.
10 - استحبوا صلاة العيد، وقد جاء القرآن بها، ودل على عدم الفلاح بتركها، ودوام النبي صلى الله عليه وآله عليها.
11 - استحبوا صلاة الكسوف فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم ذلك فصلوا، وفي خبر ابن مسعود النذري: فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة.
12 - اكتفوا في صلاة الموتى بتكبيرات أربع (2) وفي الجمع بين الصحيحين عن زيد بن أرقم كان النبي صلى الله عليه وآله يكبر خمسا وكبر [ علي ] على سهل بن حنيف خمسا (3) وقال: إنه من أهل بدر إيضاحا أن الخمس للمؤمن، والأربع للمنافق، ووافقنا ابن أبي ليلى ورثى فقال:
وتكبيره خمسا عليه دلائل | وإن كان تكبير المضلين أربع |
وروى الخطيب والديلمي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي على الميت خمسا
____________
(1) ومن الروايات المتواترة قوله صلى الله عليه وآله: (ليس من البر الصيام في السفر، رواه السيوطي في الجامع الصغير عن مسند أحمد والبخاري ومسلم وأبي داود و النسائي عن جابر وابن ماجة عن ابن عمر، وصححه.
(2) أجمع الفقهاء الأربعة على عدم وجوب التكبيرة الخامسة، ومن الشافعية من جوزها وقال لا تبطل بالخامسة، ثم إنهم أجمعوا على التسليم فيها كتسليم الصلاة وعلى اشتراط الطهارة، والشافعي عين الفاتحة عقيب الأولى وجعل الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عقيب الثانية وأبو حنيفة قال: يحمد الله في الأولى.
(3) كبر عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام خمسا خمسا: خمسا وعشرين تكبيرة.
وفي الفردوس قال عليه السلام: كبرت الملائكة على آدم خمسا وعن بعض الصادقين عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على المؤمن خمسا وعلى المنافق أربعا، فكانت الصحابة تعرف ذلك وفي رواية ابن بطة صلى النبي صلى الله عليه وآله على حمزة بخمس تكبيرات وصلي على السفاح بخمس تكبيرات، وصححه صاحب المنتظم، وذكره الهمداني في عنوان السنن وقال العسكري في كتاب الأوائل: أول من كبر أربعا عمر بن الخطاب، و (1) قد روي أن الله كتب خمس فرائض: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة، والعامة تركوا الولاية فتركوا تكبيرها.
13 - لم يستحبوا الجريدتين مع ما روي في الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله مر بقبرين يعذبان أحدهما من النميمة والآخر بعدم التنزه من البول، فشق عسيبا رطبا باثنين وغرس على كل واحد واحدا، ثم قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا.
وفي حديث سفيان أنه عليه السلام قال للأنصار: خضروا صاحبكم بجريدتين خضراوين، يوضعان من أصل الترقوة إلى أصلا اليدين، والأصل فيه أن آدم لما هبط استوحش فسأل الله شيئا من شجر الجنة ليأنس به، فنزلت النخلة فأنس بها وأوصى أن يجعل في كفنه جريدتين منها، وقال: أرجو الأنس في قبري بهما، ففعل ذلك ولده ونسله الأنبياء بعده، فلما درس أحياها النبي صلى الله عليه وآله وشرعه وأوصى
____________
(1) نقله السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 137، وذكره ابن الشحنة في حوادث سنة 23 من تاريخه روضة المناظر المطبوع بهامش الكامل لابن الأثير ج 11 ص 122 وكذا أبو الفداء ج 1 ص 141.
14 - خصوا الخمس بغنائم دار الحرب، فخالفوا عموم (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه (1)).
15 - لم يوجبوا كفارة بتعمد غليظ الغبار، فخالفوا النص الدال على وجوبها بالافطار.
16 - منعوا فسخ الحج إلى العمرة فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله من لم يسق فليحل وليجعلها عمرة (2) 17 - لم يبطلوا حج متعمد ترك المبيت بمزدلفة، فخالفوا فعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه فعله، وقال: خذوا عني مناسككم، وقوله: من ترك المبيت بمزدلفة فلا حج له.
18 - لم يبرؤوا المضمون عنه بالضمان، فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي لما ضمن الدرهمين عن الميت: فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك، فدل على انتقال الدين عن الميت وقال لأبي قتادة لما ضمن الدينارين: هما عليك والميت منهما برئ؟ قال: نعم.
19 - أنفذوا إقرار العبد بحد أو قصاص، فخالفوا قول النبي صلى الله عليه وآله: إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وإقرار العبد على مولاه، فمفهوم الحديث أنه ليس بجائز.
20 - منعوا إجارة الأرض لزرع الطعام فخالفوا قضية العقول، وقوله تعالى:
____________
(1) الأنفال: 41.
(2) وأول من خالف النبي صلى الله عليه وآله في ذلك عمر ابن الخطاب، لما قال صلى الله عليه وآله من لم يسق هديا فليحل، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت، لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدى، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله فقال له عمر بن الخطاب: أنخرج حجاجا وذكر أحدنا يقطر منيا؟ فقال صلى الله عليه و آله: إنك لن تؤمن بها أبدا.
21 - منعوا الوصية للوالدين والأقربين، فخالفوا قوله تعالى: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين (2)) وبدلوا قوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه (3)).
22 - أجازوا عول المواريث قال ابن عباس: سبحان من أحصى رمل عالج جعل في المال نصفين وثلثا، ذهب النصفان بالمال، فأين الثلث؟ قيل: من أول من أعال؟ قال: عمر، قلت: فهلا شرت عليه، قال: هبته.
23 - ورثوا العصبة فخالفوا قوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض (4)) ولا خلاف أن الأقرب فيهم أولى من الأبعد، وألزمهم الفضل بن شاذان أن يرث ابن العم أكثر من ابن الصلب فيمن خلف ولدا وثمانية وعشرين بنتا فإن له سهمين من ثلاثين، وهما خمس الثلث، ولو كان عوضه ابن عم فله مجموع الثلث.
24 - منعوا وارث النبي صلى الله عليه وآله من ميراثه برواية أبي بكر: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة، وهي فاسدة لقوله تعالى: (وورث سليمان داود) (5) وقال: في زكريا: (يرثني ويرث من آل يعقوب (6)) وحكم أبو بكر لعلي بميراث بغلة النبي صلى الله عليه وآله وسيفه ودرعه، لما نازعه فيها العباس، وإنما قصد عليه السلام أن يظهر تخطئة الحكم بتلك الرواية للناس، وقد سلف ذلك في باب المطاعن مستوفى.
____________
(1) المائدة: 1.
(2) البقرة: 180 و 181.
(3) البقرة: 180 و 181.
(4) الأنفال: 75.
(5) النمل: 16.
(6) مريم: 6.