الصفحة 190

25 - منعوا نكاح بنت الأخ والأخت على العمة والخالة وإن رضيتا، فخالفوا (فانكحوا ما طاب لكم) (1) (وأحل لكم ما وراء ذلكم (2)).

26 - منعوا نكاح المتعة فخالفوا قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن) (3) وهو حقيقة في المتعة (4) وقد قرأ ابن عباس (إلى أجل) وتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله

____________

(1) النساء: 3.

(2) النساء: 24.

(3) النساء: 24.

(4) وليس ذلك لمكان لفظ الاستمتاع فإن التمتع - بالمعنى اللغوي - عام للنكاح الدائم والمنقطع، بل لأجل قوله تعالى (فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة).

أما أولا فلأن لفظ الأجرة لا يطلق إلا في مقابل الاستمتاع المنقطع من أي شئ كان و على أي وجه كان كما في قوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن). وأما في مقابل النكاح الدائم فإنما يطلق لفظ الصداق كما قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا).

وقوله في مورد الاستمتاع المنقطع (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) وزان قوله في مورد الاستمتاع الدائم (فإن طبن لكم عن شئ) الخ.

وأما ثانيا فلأن لفظ (فريضة) يدل على وجوب تعيين الأجرة، فإنه قيد للأجرة، لا للإيتاء، وأما في مورد الاستمتاع الدائم، فقد قال تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة)، وقوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) فلم يوجب فرض المهر ولا تعيين مقداره.

ويدل على جواز المتعة بالمعنى الاصطلاحي آيات أخر:

منها قوله تعالى في النساء: 25: (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف) وهو نكاح المملوكة، فلا يجوز نكاحها إلا بالانقطاع.

ومنها قوله تعالى في المائدة: 5: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) فصدرها يجوز متعة المؤمنات من أهل الاسلام، وذيلها يجوز متعة النساء النصرانيات أو هن وسائر الكتابيات فلا يجوز نكاح الكتابيات إلا بالانقطاع.

ومنها قوله تعالى في الممتحنة: 10، (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن، ولا تمسكوا بعصم الكوافر) وفي تشريع هذا النوع من النكاح في المؤمنات المهاجرات، جمع بين الحقوق، منها حق زوجها الكافر إذا أسلم، فإن له أن يرغب في نكاح زوجتها المهاجرة، إذا لم تنكح دائما، وغير ذلك مما يطول به البحث.


الصفحة 191
إباحتها، وأفتى بها علي وابن مسعود وجابر وعبد الله ومسلم والخدري والمغيرة ومعاوية وابن عباس ومجاهد وابن جبير وعطاء وابن جريج، واستمرت مدة حياة النبي صلى الله عليه وآله وخلافة أبي بكر، وأكثر خلافة عمر، حتى نهى عنها، وسيأتي ذلك محررا إن شاء الله.

27 - أجازوا طلاق الحائض فخالفوا قوله تعالى (1): (فطلقوهن لعدتهن) (2) أي لقبل عدتهن وطلق ابن عمر امرأته حائضا فأمره النبي صلى الله عليه وآله بمراجعتها حتى

____________

(1) (فطلقوهن لعدتهن) أي لوقت عدتهن، فإن اللام للتأقيت، وفيه دلالة على وجوب إيقاع الطلاق في الطهر لأن الأقراء هي الأطهار بين الحيضتين، وليس بالحيض، لوجوه:

منها أنه قال والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وإلحاق التاء بالعدد يراد به المذكر، والطهر مذكر والحيض مؤنثة.

ومنها ما رواه أصحابنا عن زرارة قال: سمعت ربيعة الرأي يقول: إن من رأيي أن الأقراء هي الأطهار بين الحيضتين، وليس بالحيض، فدخلت على الباقر عليه السلام فحدثته بما قال، فقال عليه السلام، كذب، لم يقل برأيه، وإنما بلغه عن علي عليه السلام.

فقلت: أصلحك الله أكان علي عليه السلام يقول ذلك؟ قال: نعم كان يقول: إنما القرء الطهر يقرء فيه الدم فيجمعه، فإذا جاء الحيض قذفته، قلت: أصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين، قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج الحديث.

وهذا القول هو مذهب أصحابنا والشافعي، لكن عندنا أنه لو فعل خلاف ذلك بطل الطلاق وأما عند الشافعي وباقي الفقهاء فعل حراما وصح طلاقه: أما الحرمة، فلأن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، وأما الصحة فلأن النهي لا يستلزم الفساد.

(2) الطلاق: 1.


الصفحة 192
تطهر، وروي أنه قال له: هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها الطهر.

28 - أوقعوا طلاق الثلاث المرسلة ثلاثا فخالفوا (الطلاق مرتان (1)) فسأل عمر النبي صلى الله عليه وآله لو طلقتها ثلاثا قال: عصيت ربك وزوي عن ابن عباس كان الطلاق ثلاثا واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، فألزمهم الثلاث بلفظ واحد قال ابن عباس: فطلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس فحزن عليها فقال النبي صلى الله عليه وآله: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثا في مجلس واحد قال: إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت، فراجعها.

ولأن (طالق) لفظ واحد فإذا قال: ثلاثا كان كاذبا إذ الواحد لا يكون ثلاثا إلا أن يخبر به عن طلاق ماض، والقاري مرة لو قال بعدها: عشرة، لم تصر عشرا، وكذا المسبح والشاهد في اللعان وغير ذلك.

وقد استفاض عن علي: إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس فإنهن ذوات أزواج وقال ابن عباس: ألا تعجبون لقوم يحلون المرأة لرجل وهي تحرم عليه، ويحرمونها على آخر وهي تحل له، وهو المطلق ثلاثا في مجلس واحد.

وأتي عمر بمطلق ثلاثا فردها إليه بعد أن أوجع رأسه ضربا وأتى بآخر فأبانها منه، فقيل له في اختلاف حكمه؟ فقال: أردت أن أحمله على كتاب الله ولكن خشيت أن يتابع فيه الغير، فاعترف بأن هذا استحسان، وأنه ردها على الأول بحكم الكتاب وقد أجمع على رد ما خالف الكتاب والسنة فقد أجمع على بطلان الثلاث.

29 - لم يوجبوا الإشهاد في الطلاق، فخالفوا (وأشهدوا ذوي عدل منكم (2)) فحملوه على الرجعة، قلنا: لا يحتاج إليه فيها مع أن الفراق أقرب إليه منها.

30 - قالوا: لو قتل الحر حرة قتل ولا رد فخالفوا قوله تعالى: (والأنثى بالأنثى) (3) إذ مفهومه عدم قتل الذكر بالأنثى.

____________

(1) البقرة: 229.

(2) الطلاق: 2.

(3) البقرة: 178.


الصفحة 193
31 - أوجبوا الكفارة بقتل الذمي، فخالفوا مقتضى العقل، بأصل البراءة والكتاب (1): (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة (2)).

32 - أحلوا صيد جوارح الطير والسباع (3) واستثنى أحمد الكلب الأسود البهيم فخالفوا (وما علمتم من الجوارح مكلبين (4)).

33 - منعوا القطع من دون عشرة دراهم، ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله هذه الدراهم إلى زمان الحجاج مع روايتهم أن النبي صلى الله عليه وآله قطع في مجن قوم قيمته ثلاثة دراهم (5).

____________

(1) وقوله خ ل.

(2) النساء: 92.

(3) قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز الصيد إلا بالكلب، ولا يجوز بشئ من جوارح الطير كالصقر والبازي والباشق والعقاب، ولا بشئ من سباع البهائم من الفهد والنمر إلا الكلب خاصة، وبه قال ابن عمر ومجاهد.

وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والثوري وربيعة: يجوز الصيد بجميع ذلك إذا أمكن تعليمه متى تعلم. وقال الحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق يجوز بكل ذلك إلا بالكلب الأسود البهيم لقوله صلى الله عليه وآله لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا الأسود البهيم.

(4) المائدة: 4.

(5) قال الشيخ في الخلاف: النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته ربع دينار سواء كان درهما أو غيره من المتاع، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وعائشة وفي الفقهاء الأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي.

وقال داود وأهل الظاهر: يقطع بقليل الشئ وكثيره، وليس لأقله حد. وبه قال الخوارج، وقال الحسن البصري: القطع في نصف دينار فصاعدا، وبه قال ابن الزبير وقال عثمان البتي: القطع في درهم واحد فصاعدا.

وقال مالك: النصاب الذي يقطع به أصلان: الذهب والفضة، فنصاب الذهب ربع دينار، ونصاب الفضة ثلاثة دراهم، أيهما سرق قطع من غير تقويم. وإن سرق غيرهما قوم بالدراهم، فإن بلغ ثلاثة دراهم قطع.

وقال أبو حنيف وأصحابه: القطع في عشرة دراهم فصاعدا، فإن سرق من غيرها قوم بها، فخالفنا في فصلين في أصل النصاب وفيما يقوم به.

دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: القطع في ربع دينار فصاعدا فإن استدلوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قطع من سرق مجنا قيمته عشرة دراهم عورضوا بما روي أنه كان قيمته ثلاثة دراهم، على أن الخبر تضمن أن المجن كان قيمته عشرة دراهم فليس فيه أنه لا يقطع بأقل منها.


الصفحة 194
34 - قطعوا اليد من الرسغ والرجل من المفصل، وقد قطعهما علي من نصف الكف ونصف القدم، رووا ذلك عن أحمد بن منبه، وذكر الجواليقي أن علي بأن أصمع جد الأصمعي قطعه علي من أصول أصابعه، فجاء إلى الحجاج وقال:

إن أهلي عنفوني بتسميتي عليا فسماه سعيدا، وأجرى عليه كل يوم دانقين و طسوجا، وقال: إن زدت لأقطعن ما أبقاه أبو تراب، من حد مورها أي من أصلها 35 - منعوا حكم القاضي بعلمه إلا أن أبا حنيفة قال: لا يحكم بما علم في غير ولايته، فأوجبوا ترك العمل بالعلم المقدم على الظن، وهو الشهادة، ولأنه إذا علم الطلاق ثلاثا فجحد الزوج فحلفه وسلمه إياه فسق، وإذا لم يحكم وقف الحكم، وكذا في الغصب وغيره، ولو شهد عدلان بخلاف علمه حكم بالباطل في زعمه وخالفوا أيضا قوله تعالى: (فاحكم بين الناس بالحق (1)).

إن قيل: كيف يمكن دعواكم علينا ذلك، والله يقول: (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا (2)) قلنا: هذا احتمال واه إذ المراد بسنة الله ما يرجع إلى أفعال نفسه من عقاب النار وسياق الكلام دل عليه، ولئن عمت أفعال خلقه، لم يمكن تبديلها أيضا لأن ما سنه حق وصواب، ويمتنع جعل الصواب غير صواب، فيصير التقدير (لن تجد لسنة الله من يقدر يبدلها) وإنما العمل بها

____________

(1) ص: 26.

(2) فاطر: 43.


الصفحة 195
كما قال: (بدلوا نعمة الله كفرا (1)) أي بدلوا شكرها كفرا إذ لا يقدر أحد على تبديل نعمة الله وأيضا عندكم إنا نحن بدلنا سنة الله إذ تعتقدون بدعا في أفعالنا وحاشانا من ذلك بمن الله.

فهذه قطرة مما خالفوا فيه الله ورسوله، فليحذر المنصف نفسه عن اتباع ذو الأهواء، واعتقاد عقائد الآباء، فيستدل ويعتقد، ويخرج من زمرة الأشقياء ولا يخسر الآخرة والأولى، فإن الرؤساء إنما فعلوا ذلك طلبا لمنافع الدنيا، نعوذ بالله من ذلك الإقدام، الموجب للآثام، الموجب للآلام، ونسأله سلوك طريق الاسلام الموصلة إلى دار السلام.

____________

(1) إبراهيم: 28.


الصفحة 196

(2)
فصل
* (نذكر فيه نبذة من اختلافهم في أنفسهم توكيدا لخطائهم) *


وهو أمور:

1 - جوز أبو حنيفة الوضوء بالنبيذ المطبوخ، فخالف القرآن في قوله: (و أنزلنا من السماء ماء طهورا (1)).

(2) منع الشافعي الطهارة بالمتغير بطاهر، فخالف عموم القرآن وألزم الحرج لعدم انفكاك الماء عن تغير يسير غالبا.

3 - طهر الشافعي بالدباغ جلد المأكول، واستثنى أبو حنيفة الخنزير خاصة فطهر به جلد الكلب وغيره، فخالف: (حرمت عليكم الميتة (2)).

4 - لم يوجب أبو حنيفة النية في الطهارة المائية، فخالف (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا (3) (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين (4)) إنما الأعمال بالنيات ويلزم ارتفاع حدث من سقط في ماء نائما.

5 - أجاز أحمد المسح على العمامة فخالف (وامسحوا برؤوسكم (5)).

6 - لم يوجب الترتيب بين الأعضاء في الوضوء أبو حنيفة ومالك فخالفا القرآن بذلك.

7 - لم يوجب مالك الغسل على من أنزل بعد الغسل، بال أولا، ولم يوجب أبو حنيفة الغسل بإنزال الماء بغير شهوة فخالفا (وإن كنتم جنبا فاطهروا (6)).

____________

(1) الفرقان: 48.

(2) المائدة: 3.

(3) المائدة: 6.

(4) البينة: 5.

(5) المائدة: 6.

(6) المائدة: 6.


الصفحة 197
8 - اعتبر أبو حنيفة وضوء الكافر وغسله فخالف (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين) ولا إخلاص للكافر.

9 - جوز أبو حنيفة ومالك التيمم بالمعدن والثلج والملح ولشجر، فخالفا (فتيمموا صعيدا طيبا) (1).

____________

(1) الصعيد: هو التراب المتصاعد من الأرض، إما بالريح أو ضرب اليد أو الرجل بها، ولذلك يطلق الصعيد على الطريق لتصاعد ترابه بضرب الأرجل، ولذلك نفسه عرفه بعض اللغويين بأن الصعيد: المرتفع من الأرض، أو ما ارتفع من الأرض) يعنون من الارتفاع التصاعد، ثم هذا التراب المتصاعد إذا نزل على وجه الأرض أيضا سمى صعيدا باعتبار ما كان ولذلك عرفه الآخرون بأن الصعيد ما على وجه الأرض، فوجه الأرض ظرف، وما عليه هو الصعيد.

وكيف كان، لا ريب أن الصعيد من الأرض ولمكان التصاعد، لا يكون إلا التراب أو الرمل أو الرماد، ولما تقيد بكونه طيبا خرج الرمل والرماد، وبقي التراب الطيب الذي يخرج نباته بإذن الله.

بقي كيفية التيمم، فالتيمم إنما هو الطلب والأخذ ولا يمكن طلب التراب المتصاعد ولا أخذه إلا بالضرب ليتصاعد التراب من وجه الأرض.

فحينئذ يكون تيمم الصعيد بأن تبسط كفيك وتضرب بهما على التراب، ليتصاعد التراب ويلتصق بباطن كفيك، فهذا معنى تيمم الصعيد، فبعد التيمم، أعني التصاق التراب المتصاعد يمتثل قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)، ولم يقل فامسحوا وجوهكم ليدل إطلاقه على استيعاب الوجه، بل قال (فامسحوا بوجوهكم) يعني يكفي في المسح مسح بعض الوجه، وأما أي بعض منه فهو مطلق، والمطلق - في إطلاق القرآن العظيم - ينصرف إلى الفرد الأكمل الأشرف فإن الله طيب، ولا يقبل إلا الطيب، فالممسوح من الوجه لا يكون إلا أشرف أبعاضه، وهو الجبهة أو هي والجبينين.

ثم يجب المسح على ظاهر اليدين، وإنما قلنا ظاهر اليدين فإن التراب المتصاعد الذي ينفذ في مسام البدن، قد نفذ في باطن اليدين، وعمل فيهما ما عمل، ثم مسحنا بزائده على الجبهة والجبينين، فينصرف بتلك القرينة، مسح الأيدي إلى مسح ظاهر اليدين لا غير.

فعلى هذا لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص الجاف الذي يصلح لأن يتصاعد، و يصلح للعلوق الذي نص عليه القرآن الكريم: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه). وأما اشتراط كونه طاهرا فهو قيد زائد، فإن التراب إذا جف وصلح لأن يتصاعد يطهر بجفافه بنفسه، وإذا كان نديا لم يكن صعيدا.


الصفحة 198
10 - أوجب الشافعي إعادة من صلى بالتيمم إذا كان قد حيل بينه وبين الماء فخالف الأمر بالتيمم، وهو يقتضي الخروج من العهدة.

11 - حد أبو حنيفة الماء الذي لا يقبل التنجيس بما لا يتحرك أحد طرفيه بحركة الآخر (1) فخالف أحكام الشرع لأن أحكامه منوطة بأمور مضبوطة، و الحركة تختلف باختلاف الاعتبار، فلا تكون الأحكام بها منوطة، ويلزم كون الماء الواحد بشدة الحركة نجسا، وبضعفها طاهرا، وهو جمع المتنافيين.

12 - لم يجوز أبو حنيفة التيمم بالأرض المنجسة بالبول، إذا جفت بالشمس وحكم بطهارتها وهو تناقض، ومخالف لقوله: (صعيدا طيبا) والطيب الطاهر.

13 - حرم الشافعي وأبو حنيفة مباشرة الحائض بين السرة والركبة فخالفا (فاعتزلوا النساء في المحيض (2)) أي في موضعه.

14 - جوز أبو حنيفة الصلاة في كل نجاسة نزلت عن الدرهم، فخالف عموم (وثيابك فطهر (3)).

15 - أوجب أحمد قضاء الصلاة على من أغمي عليه في جميع وقتها، فخالف رفع القلم عن ثلاثة، ولاشتراط التكليف بالفهم.

16 - استحب أبو حنيفة الإسفار بالصبح، وتأخير الظهرين والجمعة، فخالف (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم (4)) (فاستبقوا الخيرات (5)) والمكلف في معرض

____________

(1) كأنه ناظر إلى معنى الكر لغة كما أشار إليه الثعالبي وقال به من الشيعة ابن عزاقر الشلمغاني في كتاب التكليف، راجع كتاب التكليف المعروف عند العامة فقه الرضا (ع).

باب الكر، ولنا كلام قصير في ذلك في تعليقة البحار ج 51 ص 375 من طبعته الحديثة.

(2) البقرة: 222.

(3) المدثر: 4.

(4) آل عمران: 133.

(5) المائدة: 48.


الصفحة 199
الحدثان، فالتقديم أولى.

17 - جوز أبو حنيفة انعقاد الصلاة بغير التكبيرة من غير أسماء الله فخالف:

فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله: تحريمها التكبير، وأجاز التكبير بغير العربية فخالف النبي صلى الله عليه وآله حيث فعله بالعربية.

18 - لم يستحب مالك التعوذ في أول الصلاة فخالف عموم (فاستعذ بالله (1)) 19 - اكتفى أبو حنيفة بقراءة آية، ولو من غير الفاتحة في الصلاة، فخالف ما تواتر من قوله صلى الله عليه وآله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (2) وكأنه بناه على مذهبه السخيف أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات.

20 - لم يوجب أبو حنيفة ومالك البسملة حتى أن مالك كره قراءتها في الصلاة، فخالف ما تواتر من أنها آية من كل سورة، وعد النبي صلى الله عليه وآله إلى نستعين خمس آيات.

21 - جوز أبو حنيفة السكوت في الأخيرتين وثالثة المغرب، ولم يوجب قراءة ولا تسبيحا، فخالف النبي صلى الله عليه وآله حيث قرأ الحمد وحدها.

22 - لم يوجب أبو حنيفة القراءة بالعربية فخالف (قرآنا عربيا (3)) (بلسان عربي (4)).

23 - اكتفى أبو حنيفة في الركوع بمسمى الانحناء، ولم يوجب الطمأنينة فيه، ولا الرفع منه، ولا الطمأنينة فيه، فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله فيه فإنه ركع و اطمأن وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وأنكر على من لم يطمئن وقال:

____________

(1) النحل: 98.

(2) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير على ما في السراج المنير ج 3 ص 471، و مثله قوله صلى الله عليه وآله: (كل صلاة لم يقرء فيها فاتحة الكتاب فهي خداج) أخرجه أبو داود في سننه ج 1 ص 188.

(3) طه: 113.

(4) الشعراء: 195.


الصفحة 200
نقر كنقر الغراب، لئن مات وهذه صلاته ليموتن على غير ديني.

24 - لم يوجب الشافعي وأبو حنيفة ومالك ذكرا في الركوع والسجود لأنهما لا تلتبس العبادة فيهما بالعادة، والقيام والقعود، لما التبسا احتج إلى القراءة والتشهد فيهما، قلنا: الاجتهاد غير مقبول عند معارضة النص، وهو ما اشتهر من فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم (1)):

ضعوها في ركوعكم، ولما نزلت (سبح اسم ربك الأعلى (2)): اجعلوها في سجودكم.

25 - أجاز أبو حنيفة السجود على الأنف والكف بدل الجبهة، فخالف النبي صلى الله عليه وآله حيث أمر بالسجود على يديه وركبتيه وأطراف أصابعه وجبهته قال:

أمرت أن أسجد على سبعة آراب أي أعضاء، وفسر ابن جبير والزجاج والفراء قوله تعالى: (وأن المساجد لله (3)) بالأعضاء السبعة ورواه المعتصم عن الباقر عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تتم صلاة أحدكم إلا أن يسجد ممكنا جبهته من الأرض حتى ترجع مفاصله.

26 - لم يوجب أبو حنيفة الرفع من السجود، فلو حفر لجبهته ثم هبط إليها حسبت له ثانية، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله: ثم ارفع رأسك حتى تطمئن جالسا.

27 - لم يوجب الشافعي وأبو حنيفة التشهد الأول فخالفا فعل النبي صلى الله عليه وآله.

28 - لم يوجب مالك التشهد الأخير ولا الجلوس له، وأوجب أبو حنيفة الجلوس دون التشهد، فخالفا فعل النبي صلى الله عليه وآله وتعليمه لابن مسعود، فإنه قال:

علمني التشهد، وقال: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك.

29 - لم يبطل مالك الصلاة بتعمد الكلام لمصلحتها، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله لا يصلح فيها كلام الآدميين.

30 - قال الثلاثة غير أحمد: لو سبقه الحدث تطهر وبنى، فخالف قضاء العقل

____________

(1) الواقعة: 74.

(2) الأعلى: 1.

(3) الجن. 18.


الصفحة 201
في الجمع بين الضدين، وأعجب من هذا قول الشافعي إذا سبقه فرج ليتوضأ فأحدث عمدا تطهر وبنى.

31 - كره مالك سجود الشكر وقال أبو حنيفة: هو بدعة، فخالف العقل الدال على وجوب شكر المنعم الذي أعظمه وضع الجبهة، والنقل (واشكروا لله) ونحوها قال عبد الرحمن بن عوف: سجد النبي صلى الله عليه وآله فأطال ثم جلس، وقال:

أتاني جبرائيل وقال: من صلى عليك مرة صلى الله عليه وآله عشرا فخررت شكرا لله وسجد لله شكرا لما أتي برأس أبي جهل.

وفي صحيح أبي داود كان النبي صلى الله عليه وآله إذا بشر بشئ سجد شكرا لله وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي قال النبي صلى الله عليه وآله: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط بها عنه خطيئة، ومثله في سنن ابن ماجة وسجد النبي صلى الله عليه وآله شكرا لما اجتمع علي بفاطمة والحسنين، فأكلوا العصيدة و روى ابن عوف قال: سجد النبي صلى الله عليه وآله شكرا لله، وروي مثله عن أبي بكر لما بلغه قتل مسيلمة وعن علي لما ظفر بذي الثدية.

وأنكروا علينا تعفير الوجه في السجود، وفي المجلد الثالث من صحيح مسلم قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يعفر لأطأن رقبته، فرآه يعفر فحالت الملائكة بينه وبينه، أفصار فعل النبي صلى الله عليه وآله بدعة، وبدعة الكافر سنة 32 - تنقطع الصلاة بمرور الكلب الأسود والمرأة والحمار، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله المتواتر: لا تنقطع الصلاة بشئ، وادرؤا ما استطعتم، فإنما هو الشيطان.

33 - لم يوجب أبو حنيفة قضاء عبادات زمان الردة، فخالف عموم قول النبي صلى الله عليه وآله: من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها، ولو نقص لكانت الردة وسيلة إلى إسقاط العبادات، بأن يتركها طول عمره، فإذا حضر الموت ارتد ثم أسلم، وهذا من أعظم الفساد.

34 - لم يوجب أبو حنيفة الذكر على من لم يحسن القراءة، فخالف العقل فإن الذكر أنسب بالقراءة من السكوت والنقل في قوله عليه السلام: من لم يكن

الصفحة 202
معه شئ فليحمد الله ويكبره والأمر للوجوب.

35 - حرم أبو حنيفة دخول الجنب المساجد، فخالف (إلا عابري سبيل (1)) وأجاز دخول المشرك جميع المساجد بالإذن (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام (2)) فقد حرم ما حلل الله، وحلل ما حرم الله.

36 - قال أبو حنيفة: القنوت بدعة، وقال الشافعي: محله بعد الركوع فخالفا ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله قنت في صلاة الغداة قبل الركوع.

37 - جوز الشافعي وأبو حنيفة أن يأتم قائم بقاعد، فخالف العقل فإن القاعد يخل بركن والنقل: قول النبي صلى الله عليه وآله: لا يؤمن أحد بعدي قاعدا بقيام، وأعجب من هذا إيجاب ابن حنبل قعود المؤتمين بالقاعد القادرين على القيام وكيف يترك فرض لأجل نفل.

38 - كره الشافعي الايتمام بالفاسق والمبدع، ومن يسب السلف، فخالف (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (3)) (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا (4) وأي ركون أعظم من الايتمام بمثل هؤلاء في عمود الدين.

39 - جعل أبو حنيفة الطريق والماء مانعين من الايتمام، ولم يجعل الجدار مانعا وهو غريب.

40 - جوز الشافعي قصر العاصي، فخالف قواعد الشريعة أن الرخصة لا تناط بالعاصي، وخير في سفر الطاعة بين القصر والتمام، فخالف الله حيث أوجب القصر في الصيام، ولم يفرق أحد بين الصلاة والصيام، قال عمر بن حصين:

حججت مع النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر فكانوا يصلون ركعتين، وقال ابن عباس:

____________

(1) النساء: 43.

(2) براءة: 28.

(3) الحجرات: 6.

(4) هود: 113.


الصفحة 203
فرض الله الصلاة في السفر على لسان نبيكم ركعتين، وعن عائشة فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر. وقال عمر: الصبح ركعتان، و الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والسفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم.

41 - تقتضي صلاة السفر تماما في الحضر والسفر، فخالف قول النبي صلى الله عليه وآله:

من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، وصلاة الحضر غير صلاة السفر.

42 - جوز أبو حنيفة الصلاة في السفينة جالسا للقادر على القيام، فخالف النصوص الدالة على وجوب القيام وأي فارق بين السفينة وغيرها.

43 - جوز الشافعي تقديم العصر على الظهر، فخالف إجماع الأنام، وفعل النبي عليه السلام.

44 - لم يوجب أبو حنيفة الجمعة على أهل السواد، فخالفت: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا) (1) وقريب منه الشافعي حيث لم يوجبها على الخارج عن البلد، ما لم يسمع الأذان.

45 - لم يوجب الشافعي وأحمد الجمعة على أقل من أربعين، فخالفوا عموم القرآن.

46 - جعل الشافعي وأبو حنيفة استمرار العدد إلى آخرها شرطا فيها فخالفا عموم الأمر بها.

47 - جوز أبو حنيفة صلاة الانسان الظهر في داره، وإن كان قادرا على إدراك الجمعة فخالف القرآن.

48 - لم يوجب أبو حنيفة القيام في الخطبة فخالف استمرار النبي صلى الله عليه وآله عليه.

49 - لم يوجب أبو حنيفة قرآنا في صلاة الجمعة فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله فقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين وأحمد بن حنبل في مسنده أنه عليه السلام كان يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية المنافقين.

____________

(1) الجمعة: 9.


الصفحة 204
50 - قال أبو حنيفة: تدرك الجمعة بإدراك اليسير منها، ولو سجود السهو بعد التسليم، فخالف نص الرسول من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.

51 - منع الشافعي وأبو حنيفة صلاة الجمعة في الصحراء، فخالفا عموم القرآن.

فقد ظهر لك أن الإمامية أكثر إيجابا للجمعة من الجمهور، وهم يشنعون عليهم بتركها، حيث لم يأتموا بفاسق أو مخالف للاعتقاد الصحيح، أو من يترك الخطبة التي خطبها النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعون إلى زمن المنصور، لما وقع بينه و بين العلوية خلاف قال: والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، ولأرفعن عليهم بني تيم وعدي، وذكر الصحابة في خطبته واستمرت البدعة إلى الآن.

52 - لم يوجب أبو حنيفة صلاة شدة الخوف ماشيا، بل يؤخرهما إلى انقضاء الخوف ويقضيها فخالف قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) (1) 53 - نفى أبو حنيفة صلاة الاستسقاء فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وآله صلاها ركعتين، ونحوه عن ابن عباس، وفعلها أبو بكر وعمر 54 - منع الشافعي ومالك وأحمد الصلاة على الشهيد فخالفوا فعل النبي صلى الله عليه وآله حيث صلى على حمزة وشهداء أحد.

55 - جعل الثلاثة المشي أمام الجنازة أفضل فخالفوا أمر النبي صلى الله عليه وآله روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال: أمرنا رسول الله باتباع الجنازة ذكره في مسند براء بن عازب في الحديث الخامس من المتفق عليه، ونحوه في الخامس و العشرين من مسند أبي هريرة من المتفق عليه ونحوه في الستين بعد المائة من المتفق عليه.

56 - جوز أبو حنيفة صلاة الجنازة قاعدا مع القدرة عليها قائما، فخالف فعل النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين فإن أحدا منهم لم يصلها قاعدا.

57 - لم يوجب بعضهم الكافور في غسل الأموات، وفي الجزء الأول من

____________

(1) البقرة: 239.