الصفحة 205
صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بماء وسدر، وقال: واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور.

58 - أنكر جماعة منهم الحبرة للميت، وفي الجمع بين الصحيحين أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته وهو مسجى بها وفي مسند عائشة نحوه، ومسند أنس: كان أحب إلى النبي صلى الله عليه وآله أن يلبسها، وفي مسند ابن عوف: كفن مصعب ببردة، وفي مسند سهل بن سعد من أفراد البخاري: أهدت امرأة للنبي صلى الله عليه وآله بردة فطلبها رجل فأعطاه، فعابه الناس فقال: أردت أن تكون كفني فكانت كفنه.

فهذه قطرة من بحار اختلافهم، خالفوا فيها كتاب ربهم، وسنة نبيهم، ولهم أقوال أخر شنيعة في أحكام الشريعة، سيأتي في الباب الأخير نبذة منها، تركنا أكثرها خوف الإطالة بها، من أراد بها نجح طيره، طلبها في كتاب نهج الحق وغيره ولا غرو بمن تعصب وترك الأدلة الواضحة، أن يبتدع هذه الأمور الفاضحة، مع نقلهم عن نبيهم (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة مصيرها إلى النار).

ونقلوا من أدخل في دين ما ليس منه فهو رد، وقد أنشأ ابن الحجاج في خطائهم من القيل ما يغني النبيل عن الدليل:


الشافعي من الأئمة واحدولديه ذا الشطرنج غير حرام
وأبو حنيفة قال وهو مصدقفيما يبلغه من الأحكام
شرب المثلث والمنصف جائزفاشرب على طرب من الأيام
وأباح مالك الفقاع تطرقاوبه قوام الدين والاسلام
ولابن حنبل في النصوص فتاوىإن رد ما قد ناله بتمام
ورواة مكة رخصوا في متعتهوهم رعاة مصالح الأعوام
فاشرب ولط وازن وقامر واحتججفي كل مسألة بقول إمام


الصفحة 206

تذنيب:

ذكر الغزالي في الذخيرة والمزني وكانا إمامين للشافعية تسطيح القبور هو المشروع لكن لما اتخذه الرافضة شعارا لهم عدلنا عنه إلى التسنيم وذكر الزمخشري في كشافه وهو من أئمة الحنفية في تفسير قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته (1)) جوز الصلاة بمقتضى هذه الآية على أجود المسلمين، لكن لما اتخذ الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه.

وقال مصنف الهداية من الحنفية أيضا: المشروع التختم في اليمين لكن لما اتخذه الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار، وقال الكنجي في كفاية الطالب: إن عليا عليه السلام كان يتختم في اليمين.

وقال الترمذي والسجستاني وابن حنبل وابن ماجة وأبو يعلى المحتسب والسلمي والبيهقي وهو في صحيحي مسلم والبخاري: إن النبي صلى الله عليه وآله والعترة والصحابة تختموا في أيمانهم، وعد الجاحظ في كتاب نقوش الخواتيم أن الأنبياء من آدم إلى النبي صلى الله عليه وآله تختموا في أيمانهم، وخلعه ابن العاص من يمينه ولبسه في شماله وقت التحكيم.

وذكر الراغب في المحاضرات أن أول من تختم في اليسار معاوية فلبس المخالف في شماله، علامة ضلالته، باستمراره على خلع علي من إمامته، وفي التذكرة قال الشافعي وأحمد والحكم: المسح على الخفين أولى من الغسل لما فيه من مخالفة الشيعة، وقال عبد الله المغربي المالكي في كتابه المعلم بفوائد مسلم:

إن زيدا كبر خمسا على جنازة قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبرها، وهذا المذهب الآن متروك لأنه صار علما على القول بالرفض.

فلينظر العاقل إلى من يذهب إلى ضد الصواب، ويترك ما جاء من السنة والكتاب، ويبدل أحكام الشريعة، لأجل العمل بها من الشيعة، وهلا بدلوا الصلاة

____________

(1) الأحزاب: 43.


الصفحة 207
والصيام، وغيرهما من الأحكام، لأجل عمل أتباع الإمام عليه السلام.

أما نحن فبحمد الله لم نعمد إلى ما نثبت صحته وروايته، فأخرجناه من سنة نبينا لأجل من يعمل به من غيرنا، لأن المخالف أخذ دينه عن القياس و الاستحسان، ونحن أخذناه عن أئمة الأزمان، الذين أخذوا التحريم والتحليل عن جدهم النبيل، عن جبرئيل، عن الرب الجليل، وحاشاهم أن يجعلوا المشروع غير مشروع، لكون غيرهم يعتقد مشروعيته، وما أحسن قول شاعرهم في الحث على اتباعهم:


إذا شئت أن تختر لنفسك مذهباوتعلم أن الناس في نقل أخبار
فدع عنك قول الشافعي ومالكوأحمد والمروي عن كعب أحبار
ووال أناسا قولهم وحديثهمروى جدنا عن جبرئيل عن الباري


الصفحة 208

(كلام في القياس)
* (عدلوا به عن الكتاب والسنة) *


وقد روى الخطيب في تاريخه والديلمي في فردوسه من عدة رجال إلى عوف ابن مالك إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم يحرمون الحلال، ويحللون الحرام.

وفي الفردوس أيضا عن أنس عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وآله: تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله وبرهة بسنة نبيه، ثم تعمل بالرأي، فإذا عملوا به فقد ضلوا و أضلوا:

وفي إبانة ابن بطة ومسند الهذلي عن ابن عباس: إياكم والرأي، وعنه لو جعل الله الرأي لأحد لجعله لرسوله، بل قال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله (1)) ولم يقل: بما رأيت.

وروى الجاحظ وغيره في كتاب الفتيا قول أبي بكر: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي، وقول عمر: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلوا، وقال:

إياكم والمكاءلة قالوا: وما هي قال: المقايسة.

قال ابن مسعود: يذهب فقهاؤكم وصلحاؤكم ويتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون الأمور بآرائهم وقال الشعبي: إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام، وحرمتم الحلال، قال مسروق: ولا أقيس شيئا بشئ أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها.

فهذا النبي صلى الله عليه وآله وصحابته وأتباعه ينهون عن القياس، وهم يعملون بالقياس فإذا كانوا لقول الله ونبيه وصحابته ينكرون، فبأي حديث بعده يؤمنون.

هذا ما فيه من الأثر وأما العقل فنقول: إذا ذم الله التفاضل في البر

____________

(1) المائدة: 49.


الصفحة 209
فقيس عليه الأرز، مع جواز أن يتعبدنا بتحليل تفاضله، بطل القياس.

قالوا: تحريم التفاضل في البر لعلة فيه، قلنا: فلو أباحه لنا فإن كانت العلة حاضرة استحالت حليته، وإن لم تكن جاز أن لا يكون في الأرز.

قالوا: علل الشريعة علامات لا علل موجبات، قلنا: قد ثبت أن حمل الفرع على الأصل لعلة موجبة، على أن العلامة الدالة على الحكم توجب الحكم، لأنها لا تخرج عن الدلالة أبدا، إذ لا يصح خروج الدليل عن دلالته.

قالوا: هذه العلل سمعية، يجوز أن تخرج أحيانا عن دلالتها، قلنا: فالسمعية لا وصول إليها إلا بالسمع، وحينئذ يكون نصا، ويبطل القياس.

قالوا: إنا نذكر العلامات بضرب من الاستخراج، قلنا: فاستخرجوا الآن فعجزوا.

وقال بعضهم طريق الاستخراج غلبة الظن، قلنا: فالظن لا بد له من سبب قالوا: سبب غلبة الظن معروفة، كمن غلب في ظنه السلامة في طريق دون غيره، والربح في نوع من التجارة دون غيره، والعافية في دواء دون غيره، قلنا: هذه مستنده إلى عادات ظاهرة ولا عادة للشريعة لاتفاق أحكام المختلفات، واختلاف أحكام المتفقات، ولهذا من لم يسلك الطرقات، لم يغلب في ظنه السلامة في بعضها، ومن لم يتجر لم يغلب الربح في بعضها، ومن لم يجرب الأدوية لم يغلب العافية في بعضها.

إن قالوا: فقول علي: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب فتح لي من كل باب ألف باب، دليل على صحة القياس، قلنا الذي علمه هو الذي فتحه له، أو أنه افتكر وبحث في كل باب فعرف منه ألف باب لقوله عليه السلام: من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم، أو علمه علامة ألف حادثة فعرف من كل علامة ألف علامة.

هكذا ذكر المفيد في المحاسن، وذكر عن غير واحد أنه علمه صنعة الحكم إجمالا مثل (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ففتح له منه تحريم الأخت ونحوها ومن الربا في المكيل والموزون، ففتح له أنواع هذين، ومثل (يحل

الصفحة 210
من الطير ما دف ويحرم منه ما صف، ومن البيض ما اختلف طرفاه، ويحرم ما اتفق) ونحو ذلك.

وذكر المفيد في المحاسن قول أبي حنيفة: البول في المسجد أحيانا أحسن من بعض القياس، قال محمد بن الحسن من أصحابه: لو دخل جنب بئرا بنية الغسل فسد الماء ولم يطهر وكذا إن خرج ودخل ثانية وثالثة فإن دخل رابعة طهر.

قال جمال الدين في مختلفه: إن اتفقت المسألتان بطل القياس لاتحادهما، و إن اختلفتا بطل القياس لامتناع قياس الشئ على مخالفه.

قال الرازي في معالمه: الحكم بالقياس بغير ما أنزل الله، إذ لو كان بما أنزل كان الحكم بالقرآن حكما بغير ما أنزل، فيدخل تحت (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (1)) وهو باطل للزوم كفر كل من لم يعمل بقياس، فلزم العكس وهو المطلوب.


شعر:


إن كنت كاذب في الذي حدثتني (2)فعليك وزر أبي حنيفة أو زفر
المائلين إلى القياس تعمداالعادلين عن الشريعة والأثر

____________

(1) المائدة: 44.

(2) روى عن علي بن صالح البغوي قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن زيد الواسطي لأحمد بن المعدل: إن كنت كاذبة بما حدثتني الخ.


الصفحة 211

إلحاق


دخل النعمان على الصادق عليه السلام فقال: من أنت؟ قال: مفتي العراق، قال: بما تفتي؟

قال: بكتاب الله قال: هل تعرف ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه؟ قال: نعم، قال:

فقوله تعالى: (وقد رنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين (1)) أي موضع هي؟ قال: بين مكة والمدينة فقال: (ومن دخله كان آمنا (2)) ما هو؟ قال: البيت الحرام، فأنشد جلساءه: هل تعلمون عدم الأمن عن النفس والمال بين مكة والمدينة، وعدم أمن ابن الزبير وابن جبير في البيت؟ قالوا: نعم.

قال أبو حنيفة: ليس لي علم بالكتاب، وإنما أنا صاحب قياس قال له:

أيما أعظم القتل أو الزنا؟ قال: القتل، قال: قنع الله فيه بشاهدين، ولم يقنع في الزنا إلا بأربعة، أيما أفضل الصوم أم الصلاة؟ قال: الصلاة، قال: فلم أوجب على الحائض قضاء الصوم دون الصلاة، وأيما أقذر المني أم البول؟ قال: البول، قال:

فما بال الله أوجب الغسل منه دون البول.

قال: إنما أنا صاحب رأي قال: فما ترى في امرأة إنسان وامرأة عبد، سافرا عنهما، فسقط البيت عليهما فماتتا وتركتا ولدين لا يدري أيهما المالك من المملوك؟

قال: إنما أنا صاحب حدود، قال: فأعور فقأ عين صحيح، وأقطع قطع يد رجل كيف حدهما؟

قال: إنما أنا عالم بما بعث الأنبياء قال عليه السلام: فقوله سبحانه: (لعله يتذكر أو يخشى (3)) أهذا شك من الله؟ قال: لا علم لي، فقال عليه السلام: إنك تعمل بكتاب الله، ولست ممن ورثه، وإنك قياس، وأول من قاس إبليس، ولم يبن دين

____________

(1) سبأ: 18.

(2) آل عمران: 97.

(3) طه: 44.


الصفحة 212
الاسلام على القياس، وإنك صاحب رأي وخص الله نبيه بالرأي في قوله: (و احكم بينهم بما أراك الله (1)) فكان رأيه صوابا ومن دونه خطأ، ومن أنزلت عليه الحدود أولى منك بعلمها، وأعلم منك بمباعث الأنبياء خاتم الأنبياء، ولولا أن يقال: دخل أبو حنيفة على جعفر ابن رسول الله فلم يسأله عن شئ لما سألتك فقس إن كنت مقيسا فقال: والله لا تكلمت به بعدها، فقال عليه السلام: كلا إن حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك انتهى كلامه عليه السلام (2).

____________

(1) اقتباس من قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) النساء: 105.

(2) روى الحديث الطبرسي في الاحتجاج ص 196 ط نجف، وروى بعده عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال: يا با حنيفة قد بلغني أنك تقيس فقال: نعم، فقال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس لعنه الله حين قال: (خلقتني من نار وخلقته من طين) فقاس بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.


الصفحة 213

(3)
فصل


وفيه أطراف أربعه للمشايخ الأربعة:

الأول أبو حنيفة (1) وفيه أمور:

1 - أتاه رجل من المشرق بكتاب سمعه منه، فرجع عنه، فنادى: عام الأول

____________

(1) هو النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي أحد الأئمة الأربعة صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه، وذكر الخطيب في تاريخه أن أبا حنيفة رأى في منامه كأنه ينبش قبر رسول الله، فبعث من سأل ابن سيرين فقال ابن سيرين: صاحب هذه الرؤيا يثور علما لم يسبقه إليه أحد قبله.

قلت: (النبش عن قبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن كان تأويله الفحص عن آثار حياته العلمية، لكنه سارق قد أتى من غير الباب، ومن غير الوجه الذي أمر الله به، ولذلك تراه يفتي بالقياس والرأي، ويجعل الحديث الصحيح تحت قدمه ولا يبالي).

روى أنه اجتمع الثوري وشريك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى فبعثوا إلى أبي حنيفة فأتاهم فقالوا: ما تقول في رجل قتل أباه ونكح أمه وشرب الخمر في رأس أبيه؟

فقال: هو مؤمن.

فقال ابن أبي ليلى: لا قبلت لك شهادة أبدا. وقال الثوري: لا كلمتك أبدا، و قال شريك: لو كان لي من الأمر شئ لضربت عنقك، وقال له الحسن: وجهي من وجهك حرام أن أنظر إلى وجهك أبدا وروى عن الإمام مالك: قال: ما ولد في الاسلام مولود أضر على أهل الاسلام من أبي حنيفة، وقال: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس، وعن الأوزاعي:

قال: عمد أبو حنيفة إلى عرى الاسلام فنقضه عروة عروة وأحرج عن أبي صالح الفراء قال:

سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله أربعمائة حديث أو أكثر، قال:

ولو أدركني النبي صلى الله عليه وآله وأدركته لأخذ بكثير من أقولي، وهل الدين إلا الرأي الحسن. توفى أبو حنيفة سنة 150 وقبره ببغداد.


الصفحة 214
أفتيتني بهذا فهرقت به الدماء وأبحت به النساء، قال أبو حنيفة: هذا رأي رجعت عنه، قال: أفيجوز أن ترى من قول غيره أيضا؟ قال: لا أدري؟ قال: لكني أدري إن من أخذ عنك فهو ضال.

2 - قال الغزالي: أجاز أبو حنيفة وضع الحديث على وفق مذهبه.

3 - يوسف ابن أسباط قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله لأخذ بكثير من أقوالي.

4 - الحكم بن هشام قلت لأبي حنيفة: ما تقول هو الحق بعينه؟ قال: لا أدري، ولعله الباطل بعينه؟

5 - في تاريخ بغداد قال شعبة: كف من تراب خير من أبي حنيفة.

6 - قال الشافعي: نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنة.

7 - قال سفيان ومالك وحماد والأوزاعي والشافعي: ما ولد في الاسلام أشأم من أبي حنيفة.

8 - قال مالك: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على الأمة من فتنة إبليس.

9 - قال ابن مهدي: ما فتنة على الاسلام بعد الدجال أعظم من فتنة أبي حنيفة.

10 - قال له الأصمعي: (توضأت)؟ قال: (وصلات) قال: أفسدت الفقه فلا تفسد اللغة.

11 - قال له ابن أبي ليلى: أيحل النبيذ والغنى؟ قال: نعم، قال: أفيسرك أن تكون أمك نباذة أو مغنية؟

12 - في مجالس ابن مهدي: كان أبو حنيفة يشرب مع مساور، فلما تنسك عاب مساورا فكتب إليه شعرا.


إن كان فقهك لا يتمبغير شتمي وانتقاصي
فاقعد وقم بي حيث شئتمن الأداني والأقاصي


الصفحة 215


فلطال ما زكيتني وأناالمقيم على المعاصي
أيام تعطيني وتأخذفي أباريق الرصاص

فأنفذ إليه أبو حنيفة بمال فكف عنه.

13 - طهر جلد الميتة والكلب بالدباغ، وفي سنن ابن ماجة وأمالي ابن شيبة قول النبي صلى الله عليه وآله: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب.

14 - لو ماتت فارة في بئر نزح منها عشرون دلوا ولو وقع فيها ذنبه نزحت كلها، ولو مات فيها مؤمن طاهر نزحت كلها، فسوى بينه وبين ذنب الفارة.

15 - لو بالت فارة في بئر فيها ألف قربة نجستها.

16 - قال النبي صلى الله عليه وآله: من أدرك ركعة من العصر فقد أدركها ومن الصبح فقد أدركها، وقال أبو حنيفة: يكون للعصر مدركا وللصبح ليس مدركا، فأخذ بنصف الخبر وألقى نصفه.

17 - يملك المسلم الخمر بشراء وكيله الذمي.

18 - يصح إبراء الوكيل بغير إذن الموكل.

19 - لو زرع بيده الأرض المغصوبة فلا أجرة عليه، ولو آجره فالأجرة له.

20 - لو غير المغصوب عن صفته ملكه (1).

21 - إذا وجب البيع فلا خيار للمجلس بعده.

____________

(1) قال الشيخ في الخلاف كتاب الغصب المسألة 20: إذا غصب شيئا ثم غيره عن صفته التي هو عليها أو لم يغيره مثل أن كانت نقرة فضربها دراهم أو حنطة فطحنها أو دقيقا فعجنه و خبزه أو شاة فذبحها وقطعها لحما وشواها أو طبخها لم يملكه، وبه قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة: إذا غير الغصب تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله، ملكه فاعتبر ثلاث شرائط: أن يزول به الاسم، والمنفعة المقصودة، وأن يكون ذلك بفعله، فإذا فعل هذا ملك. لكن يكره له التصرف فيه قبل دفع قيمة الشئ.

وحكى ابن جرير عن أبي حنيفة أنه قال: لو أن لصا نقب فدخل دكان رجل فوجد فيه بغلا وطعاما ورحى فصمد إلى البغل وطحن الطعام ملك الدقيق، فإن انتبه صاحب الدكان كان للص قتاله ودفعه عن دقيقه، فإن أتى الدفع عليه، فلا ضمان على اللص.


الصفحة 216
22 - جوز قبض الموهوب بدون إذن الواهب في المجلس.

23 - النضر بن شميل، في كتاب الحيل: ثلاثمائة وثلاثون حيلة قال الشافعي كلها كفر:

منها من قبل حمأته (1) انفسخ نكاح زوجته ومن حلف ليتزوجن برئ بالعقد على كافرة أو إحدى محارمه، ومن حلف ليصومن أو ليصلين فصام بعض يوم أو سجد سجدة لم يحنث في يمينه، ومن حلف ليطأن زوجته صائمين من غير عذر يلف حريرة ويطأ ولا ينقض صومه، ومن طلق ثلاثا فأراد زوجها إرجاعها أمرها بالردة فإذا فعلت نكحها. شعر


لكم من فرج محصنة عفيفةأحل حرامه بأبي حنيفة
وكم من كل مسألة ظريفةتجهمها بآراء سخيفة
فصير حسنها في الناس قبحاوصير طيبها فيهم كجيفة

24 - جوز الطلاق قبل النكاح، وحديث النبي صلى الله عليه وآله بخلافه.

25 - أوقع سائر العقود من المكرهين مع قوله: (لا إكراه في الدين (2)) وروت عائشة لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. والاغلاق هنا الاكراه والسكر.

26 - لو تزوج وطلق عقيب العقد بلا فصل، ولا دخول، لحق به الولد لستة أشهر.

27 - لو عقد عليها بمصر وهي ببغداد، لحق به الولد.

28 - لو غاب عن زوجته مدة طويلة ولم يفارق أصحابه فجاءت بولد لحق به.

29 - لا قود على من قتل بغير حديد، من خنق، ورض رأس، وغيره، حتى قيل له: في رجل رمى آخر بحجر فقتله فقال: لو رماه بأبي قبيس لم أقتله به.

30 - الجنايات الموجبة للحدود إذا تقادم عهدها سقطت.

31 - الشارب إذا زال سكره سقط حده.

____________

(1) يريد بالحمأة أقارب الزوجة ممن لا يجمع بين نكاحها ونكاح الزوجة.

(2) البقرة: 256.


الصفحة 217
32 - المثلث الذي لا يسكر حلال، وشربه سنة، وتحريمه بدعة.

33 - قال كان النبي صلى الله عليه وآله قال: كل سكر حرام، فزادوا الميم وقالوا:

مسكر، قال أبو نواس:


أحل العراقي النبيذ وشربهوقال روينا أنه حرم السكر

وقال العزى:


وما قاله الكوفي في الفقه مثلماتغنى به البصري في صفة الخمر

يعني أبا نواس.

34 - لو سرق بعض الجماعة قطع الجميع حكاه المفيد في المحاسن فأسقط الحد مع وجوبه وأوجبه مع سقوطه.

35 - أسقط النبي الزكاة عن الأوقاص والخيل والرقيق والخضراوات والناقص عن خمسة أوسق من الغلات وأوجبها أبو حنيفة في ذلك كله.

الثاني الشافعي (1):

حكى عنه الربيع في كتابه أنه قال: لا بأس بصلاة الجمعة والعيدين خلف

____________

(1) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي المطلبي يتفق نسبه مع بني هاشم وبني أمية في عبد مناف، لأنه من ولد المطلب بن عبد مناف، ولد يوم وفاة أبي حنيفة سنة 150 بغزة هاشم - مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر - ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبالمدينة وقدم بغداد مرتين وحدث بها وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته سنة 204.

ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، وأثنى عليه كثيرا وذكر في حقه هذين البيتين


مثل الشافعي في العلماءمثل البدر في نجوم السماء
قل لمن قاسه بنعمان جهلاأيقاس الضياء بالظلماء

وله أشعار تشعر عن حب آل بيت رسول الله، قد نقل بعضها المصنف رحمه الله في ما مر من الكتاب، ويحكى عنه أنه قال: في جواب من سأله عن أمير المؤمنين عليه السلام، ما أقول في رجل أسر أولياؤه مناقبه، تقية، وكتمها أعداؤه حنقا وعداوة، ومع ذلك قد شاع منه ما ملأت الخافقين.


الصفحة 218
كل امرئ وإن كان متغلبا صلى علي بالناس وعثمان محصور، صرح بتغلب علي عليه السلام والمتغلب على أمر الأمة فاسق، وقال: صلى الحسنان خلف مروان، وما كانا يعيدان.

أبو بكر بن عياش: سود الله وجه ابن إدريس، وقال عمار بن زريق: ذكر الشافعي عند الثوري فقال: غير فقيه ولا مأمون وقال: حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجرايد، ويطاف بهم في العشاير، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام، وقال أصحابه المختلفون في المذاهب ثلاثة نكفر المعتزلة ونفسق السبابة للسلف، والمخالفون في الفروع لا ولا.

وفي الإحياء أخذ الشافعي من الرشيد ألف دينار.

وفي منية النفس: قال القاضي ابن شهري: كان الشافعي لا يحدث إلا ولجانبه غلام أمرد حسن الوجه، فأنشد أصحابه لنفسه:


يقولون لا تنظر وتلك بليةألا كل ذي عينين لا بد ناظر
وليس اكتحال العين بالعين ريبةإذا عف فيما بينهن الضماير

حكم بطهارة المني وقال: منه خلقت الأنبياء، ونسي خلقهم من العلقة وهم دم نجس، وقد سمي أثر المني رجز الشيطان في قوله: (ويذهب عنكم رجز الشيطان) (1) فأوجب نجاسته والتطهير منه.

1 - لو مس المؤمن التقي فرجه أو فرج كلب أو خنزير أو فرج بهيمة أو صغير أو بدن امرأة أجنبية انتقض وضوؤه.

2 - سن مسح الرأس ثلاثا، وبمرة، لعدم اقتضاء الأمر التكرار.

3 - جوز أكل دود الطعام معه.

4 - كل حيوان طاهر في حياته يطهر جلده إذا مات بدباغه.

5 - لا بأس بالصلاة خلف الخوارج لأنهم متأولون، وخلف الفاسق والمبدع.

6 - أبطل الصلاة في السفينة إذا كان حبلها مشدودا في موضع نجس.

7 - لو تشهد أو سلم بالفارسية أجزأه ولم يرى النبي صلى الله عليه وآله تلفظ بها في

____________

(1) الأنفال: 11.


الصفحة 219
حال فضلا عن أن يؤدي بها فرضا.

8 - لو جمع بين الظهرين في وقت العصر، جاز أن يبدأ بالعصر.

9 - جوز الاعتكاف بغير صوم، ولم يعتكف النبي صلى الله عليه وآله إلا صائما.

10 - من أفطر في رمضان عمدا لا لعذر قضى ولا كفارة.

11 - من أسلم في بعض يوم ولم يصمه قضاه.

12 - صرف المال إلى النكاح أولى من الحج.

13 - للأبوين منع الولد من حج الاسلام.

14 - لو ذبح الهدي ذمي أجزأه.

15 - اللواط أو إيتاء بهيمة لا يفسد الحج قال ابن الحجاج:


فرعون لم يحكم بهذا ولاجرت به سنة هامان

16 - للسلطان أن يقطع شيئا من الشوارع ورحبات الجوامع.

17 - العجم ليسوا أكفاء للعرب، ولا العرب لقريش، ولا قريش لبني هاشم.

18 - يجوز نكاح البنت من الزنا.

19 - نسب نبينا إلى الرغبة في الحرام، حيث قال: إذا أبصر امرأة وأعجبته وجب على زوجها طلاقها، قال ابن الحجاج:


أنت فقيه عالم أحب أن تفتينيمن قبل أن أضطر في شرح كتاب المزني

20 - أحل أكل الطين الأبيض، مع قول النبي صلى الله عليه وآله: الطين حرام على أمتي، قال الخوارزمي:


دع الطين معتقدا مذهبيفقد صح لي من حديث النبي
من الطين ربي برا آدمافآكله آكل للأب

21 - أجاز سماع الغنى بالقصب وشبهه، وفي القرآن (واجتنبوا قول الزور (1).

____________

(1) الحج: 30. وقال الشرتوني في أقرب الموارد: الزور بالضم: الشرك بالله وأعياد اليهود والنصارى، والرئيس، ومجلس الغناء.