الصفحة 220

22 - الجلاد لا عهدة عليه، عند جهله بالحال.

23 - إذا تغلب الفسقة على الولاية، فكل من ولوه نفذ حكمه.

قال الآمدي:


علومكم وإن كثرت هباءبلا فضل وفضلكم فضول
أتعتقدون قاتل آل طهغدا في الحشر ينجو والقتيل
ودينكم القياس فهل بهذامتى أنصفتم تقضي العقول

الثالث مالك (1):

وهو أمور:

1 - في كامل المبرد، وعقد ابن ربه: كان مالكا يذكر عليا وعثمان و طلحة والزبير ويقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر.

2 - دخل محمد بن الحسن على مالك ليسمع منه الحديث فسمع في داره المزمار والأوتار، فأنكر عليه، فقال: إنا لا نرى به بأسا.

3 - في حلية الأولياء وغيرها عن ابن حنبل وأبي داود أن جعفر بن سليمان ضرب مالكا وحلقه وحمله على بعير وروي أنه كان على رأي الخوارج فسئل عنهم فقال: ما أقول في قوم ولونا فعدلوا فينا.

4 - قتل شخص أخاه فقال أبوه: أنا الوارث وقد عفوت عنه، قال مالك:

ليس لك ذلك، وكان الأب إذا سئل يقول: أحدهما قتل صاحبه والآخر قتله مالك.

____________

(1) هو مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان الأصبحي المدني، وقيل القرشي التميمي، صاحب كتاب الموطأ في الفقه الأحمدي، أحمد الأئمة الأربعة لجماعة أهل السنة قيل هو أول المعلنين لبدعة العمل بالرأي في هذه الأمة، أخذ القراءة عرضا عن نافع بن أبي نعيم وسمع الزهري ونافعا مولى عبد الله بن عمر وروى عن الأوزاعي ويحيى بن سعيد وأخذ العلم عن ربيعة الرأي.

ولد سنة خمس وتسعين للهجرة، وحمل به ثلاث سنين، وتوفى في شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة.


الصفحة 221
5 - لو تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الشك، وعن الشافعي لا يحل لمالك أن يفتي.

6 - سؤر الكلب والخنزير من المايعات مباح ومن الماء مكروه.

7 - من لم يجد إلا ماء ولغ فيه كلب توضأ منه.

8 - لعاب الكلب طاهر.

9 - كره التسمية في الصلاة إلا في رمضان.

10 - جعل الاستعاذة بعد القراءة أخذه من ظاهر (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله (1)) وجميع أهل المعاني قالوا: معناه إذا أردت أن تقرأ، مثل إذا أكلت فسم.

11 - جوز هو والشافعي تقدم المأموم على الإمام.

12 - لو حلف لا يأكل لحما فأكل شحما حنث، ولو عكس لم يحنث وهذا تناقض.

13 - البحري كله حلال، ولو طفى (2).

14 - سائر سباع الطير ذي المخلاب وغيره لا بأس بأكله، وكذا الوحشي كله إلا الخنزير، وفي كتاب ابن ماجة نهى النبي صلى الله عليه وآله يوم خيبر عن كل ذي ناب أو مخلاب، وفي سننه أيضا: ما تقول يا رسول الله في الثعلب والضبع؟ فقال:

من يأكلهما؟ فقلت فالذئب قال: هل يأكل الذئب أحد فيه خير.

15 - لو قال أنت طالق يوم أموت أو تموتين أو يموت زيد طلقت في الحال.

____________

(1) النحل: 98.

(2) الطافي: السمك الذي مات في الماء فيعلو ويظهر على الماء، قال الشيخ قدس سره في الخلاف: السمك إذا مات في الماء لم يحل أكله، وكذلك إذا نضب الماء عنه أو انحسر عنه الماء، أو حصل في ماء بارد أو حار، فمات فيه، لم يحل أكله.

وقال الشافعي: يحل جميع ذلك من جميع حيوان الماء، وقال أبو حنيفة إذا مات حتف أنفه لم يؤكل، وإن مات بسبب مثل أن انحسر عنه الماء أو ضربه بشئ أكل إلا ما يموت بحرارة الماء أو برده، فإن عنه فيه روايتين.


الصفحة 222
16 - لو اعتقد الطلاق بقلبه وقع.

17 - لو طلق الأجنبية ثم تزوجها وقع.

18 - لو قال: أنت علي كظهر أمي أو ظهر زيد أو ظهر الدابة وقع.

19 - لو قال: كل من أتزوجها فهي طالق، فتزوج واحدة طلقت، فلو عاد وتزوجها طلقت أيضا.

20 - أكثر الحمل سبع سنين، أو خمس أو أربع.

21 - من قطع ذنب حمار القاضي لزم كمال قيمته (1).

22 - للمخنث أن يستعمل لأنه مالك نفسه.

23 - يحل وطئ النساء في أحشاشهن،

شعر:


فحاولها من خلفها فتمنعتوقالت معاذ الله من فعل ذلك
فقال لها جازت على قول مالكفقالت رماك الله في يد مالك

____________

(1) قال الشيخ قدس سره: إذا جنى على حمار القاضي كان مثله جنايته على حمار الشوكي سواء في أن الجناية إذا لم يسر إلى نفسه يلزمه أرش العيب، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.

وقال مالك: إن كان حمار القاضي فقطع ذنبه ففيه كمال قيمته لأنه إذا قطع ذنبه فقد أتلفه عليه، لأنه لا يمكنه ركوبه، لأن القاضي لا يركب حمارا مقطوع الذنب ويفارق حمار الشوكي لأنه يمكنه حمل الشوك على حمار مقطوع الذنب، ولم يقل هذا في غير ما يركبه القاضي من البهائم مثل الثور وغيره وكذلك لو قطع يد حماره.


الصفحة 223

الرابع ابن حنبل (1):

وهو أمور:

1 - قال الكشي: هو من أولاد ذي الثدية جاهل شديد النصب، يستعمل الحياكة لا يعد من الفقهاء.

2 - هجر الحارث المحاسبي في رده على المبتدعة، وقال: إن ترد عليهم فقد حكيت قولهم.

3 - في قوت القلوب أنه قال: علماء أهل الكلام زنادقة وقال: لا يفلح صاحب الكلام أبدا.

4 - في فضائل الصحابة قال صالح بن أحمد بن حنبل لأبيه: لم لا تلعن يزيد؟

فقال: ومتى رأيتني لعنت أحدا؟ فقال: ألا تلعن من لعنه الله في كتابه؟ قال:

أين؟ قال: قوله: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (2)) فهل قطيعة أعظم من القتل.

____________

(1) هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي الأصل البغدادي المنشأ والمسكن والمدفن. رابع الأئمة الأربعة، لأهل السنة، قال ابن خلكان في وصفه: كان إمام المحدثين، صنف كتابه المسند، وجمع فيه من الحديث ما لم يتفق لغيره، وقيل إنه كان يحفظ ألف ألف حديث، وكان من أصحاب الشافعي وخواصه، لم يزل مصاحبه إلى أن ارتحل الشافعي إلى مصر، دعى إلى القول بخلق القرآن، فلم يجب فضرب وحبس، وفي البحار نقلا من الطرائف: قال: رأيت كتابا كبيرا مجلدا في مناقب أهل البيت عليهم السلام تأليف أحمد بن حنبل فيه أحاديث جليلة قد صرح فيها نبيهم بالنص على علي بن أبي طالب بالخلافة على الناس ليس فيها شبهة عند ذوي الإنصاف، وهى حجة عليهم، وفى خزانة مشهد على ابن أبي طالب عليهم السلام بالغري، من هذا الكتاب نسخة موقوفة، من أراد الوقوف عليها فليطلبها من خزانته المعروفة.

(2) القتال: 21 و 23.


الصفحة 224
5 - في مسند جعفر قال أحمد: لا يكون الرجل سنيا حتى يبغض عليا ولو قليلا.

6 - منتحل الجدل للغزالي: أفتى أحمد بوجوب قتل رجل قال بخلق القرآن فروجع فيه، فقال: إن رجلا رأى في منامه أن إبليس مر على باب ذلك الرجل فقيل: لم لا تدخلها؟ فقال: فيها رجل يقول بخلق القرآن، أغناني عن دخولها فقام الرجل وقال: لو أفتى إبليس بقتلي في اليقظة قبلتموه؟ قالوا: لا، قال: و النوم أولى.

7 - - قال: لله جوارح من عين، ويد، وجنب، وقدم، وينزل إلى السماء كل ليلة، وأفعال العباد منه.

8 - من زعم أن محمدا وعليا خير البشر فهو كافر.

9 - من لا يرى الترحم على معاوية فهو ضال مبتدع.

10 - يجزي المسح على العمامة كإسحاق والأوزاعي والثوري.

11 - يجوز مسح الرأس بيد غيره، وبآلة، ومطر يمر على رأسه.

(بحث)


صنف عبد الله الهروي منهم كتابا في اعتقادهم، وفيه: إن الله عاب الأصنام في قوله: (ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) (1) فدل هذا على أن له ذلك.

قلنا: هذا خرج على وجه الاستعظام، لعبادة الأصنام، حيث عدلوا عنه تعالى مع ظهور آياته إلى من لا ينفع من عبده، ولا يضر من جحده، فلا آلة له يدفع بها عن نفسه، فهو موضع العجب والانسلاخ من القرآن في قوله: (ليس كمثله شئ (2)).

____________

(1) الأعراف: 195.

(2) الشورى: 11.


الصفحة 225

تذنيب:

أسند سليمان بن مقاتل في كتاب الأسماء قيل: يا رسول الله مما ربنا؟ قال:

[ لا ] من ماء رواء ولا من أرض ولا من سماء، خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نفسه من عرقها.

وفيه: منهم من يذكر أن البحر من بصاق الله، وأن على رأسه شعرا جعدا قططا.

وفيه: قيل: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟ قال: في غمام تحته هواء، وفوقه هواء.

وفي تاريخ ثابت بن سنان: نادى صاحب الشرط في بغداد: لا يجتمع من الحنابلة اثنان في موضع واحد.

والمعتصم الخليفة ضرب ابن حنبل وحبسه، ووقع الراضي بالله نسخة للحنابلة فيها: من نافق بإظهار الدين، وتوثب على المسلمين، وأكل أموال المعاهدين، كان قريبا من سخط رب العالمين، وقد تأمل أمير المؤمنين جماعتكم، وكشفت له الخبرة عن مذهب صاحبكم، فوجده كاللعين إبليس، يزين لحزبه المحظور، ويركب بهم صعاب الأمور، ويدلي لهم حبل الغرور، فأقسم بالله لئن لم تنصرفوا عن مذموم مذهبكم، ومعوج طريقكم، ليوسعنكم ضربا، وتشريدا، وقتلا، وتبديدا، و لتعملن السيوف في عواتقكم، والنار في منازلكم.


الصفحة 226

(4)
فصل
* (في البخاري (1)) *


ما رأينا عند العامة أكثر صيتا، ولا أكثر درجة منه، فكأنه جيفة علت، أو كلفة غشت بدرا، كتم الحق وأقصاه، وأظهر الباطل وأدناه، قال ابن البيع في معرفة أصول الحديث: احتج البخاري بأكثر من مائة رجل من المجهولين، و صح عند العلماء أنه روى عن ألف ومائتي رجل من الخوارج الملعونين، ذكر منهم صاحب المصالت جماعة.

وقال له ابن حنبل: سميت كتابك صحيحا وأكثر رواته خوارج؟ فقرر مع الغريري سماع كل كراس بدانق، فلهذا لم ترفع روايته إلا عن الغريري.

وحبسه قاضي بخارى أيام حياته، لما قال له: لم رويت عن الخوارج؟ قال لأنهم ثقات لا يكذبون، وإنما شاع كتابه لتظاهره بعداوة أهل البيت، فلم يرو خبر الغدير مع بلوغه في الاشتهار، إلى حد لا يمكن فيه الانكار، وقد ذكرنا طرفا

____________

(1) هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن برذربه الجعفي بالولاء، ولد ببخارى عام 194 ونشأ بها يتيما فحفظ القرآن وحفظ عشرات الألوف من الأحاديث قبل أن يناهز البلوغ، ثم رحل في طلب الحديث إلى أكثر ممالك الشرق من خراسان والجبل والعراق والحجاز ومصر والشام.

وظل طول حياته يتردد بين الأمصار، ويقيم ببغداد ونيسابور حتى اشتاق إلى بلاده فرجع إليها وابتلى فيها بفتنة خلق القرآن، فأخرجه أهل بخارى، ومات في طريقه بقرية يقال لها خرتنك على ثلاثة فراسخ من سمرقند عام 256.

ألف كتابه الجامع الصحيح في ست عشرة سنة واستخرج أحاديثها من ستمائة ألف حديث، عدد أحاديثه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون، وبعد إسقاط المكرر أربعة آلاف.


الصفحة 227
من رواته في باب النص من النبي المختار، على علي الكرار، وكتم حديث الطائر مع كونه مشهورا في الخاص والعام على مرور الأيام، وجحد آية التطهير مع إجماع المفسرين على نزولها فيهم من غير نكير، إلا ما كان من عكرمة الخارجي والكذاب الكلبي وثالثهما البخاري.

ولم ينقل من حديث الراية أوله (1) بل قال: لأعطين الراية رجلا وترك أوله (أن النبي صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر فرجع يؤنب أصحابه ويؤنبونه، ثم عمر فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه، حتى ساء النبي صلى الله عليه وآله فقال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار).

روى ذلك أحمد، والطبري، وابن بطة، والترمذي، وابن ماجة، و الثعلبي، وأبو يعلى. والبيهقي، والواحدي.

ولم يرو حديث سد الأبواب (2) وقد رواه ثلاثون رجلا من الصحابة منهم سعد

____________

(1) رواه في باب غزوة خيبر ج 3 ص 51، وهكذا باب مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام ج 2 ص 299 ولم يذكر صدر الحديث في كلا الموضعين.

(2) لكنه رواه في ج 2 ص 288 عند سرده مناقب المهاجرين وفضلهم لأبي بكر، قال:

حدثني عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا فليح قال حدثني سالم أبو النضر عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله الناس وقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله.

قال فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وآله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من أمن الناس على في صحبته وماله أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الاسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب الأسد إلا باب أبي بكر.

والعجب أن أكثر المحدثين يروون أن النبي صلى الله عليه وآله سد الأبواب إلا باب علي عليه السلام، واستجاز أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفتح من بابه كوة إلى المسجد

=>


الصفحة 228
ابن أبي وقاص، وابن عباس، وابن أرقم، وجابر الأنصاري، وحذيفة، و الخدري، ومعاذ، وابن عمر، وأبو رافع، وأم سلمة، وبريدة، وذكره أبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى في المسند، والخطيب في تاريخه، والبلاذري في تاريخه والترمذي في جامعه، وابن بطة في إبانته، وأحمد في فضائله، والطبري في خصائصه وابن ميمونة في إملائه، وشعبة في أماليه، والبيهقي في كتابه، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه وآله.

ولم يذكر ما نقلته رواتهم من قول الأول: أي سماء تظلني الحديث، ولا خبر الكلالة، ولا خطبة الاستقالة، ولا بدايع عثمان، ولا حديث ماء الحوأب، و لما لم يخش من تلك التمويهات: صدق عليه (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات (1)).

____________

<=

فلم يجزه له، والبخاري يروي هذا الحديث المنكر في صحيحه:

يقول: باب قول النبي صلى الله عليه وآله: (سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر) قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله. ثم يروي الحديث عن أبي سعيد الخدري كما مر وتراه يكثر الحديث في أن رسول الله قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، و بعينه وبعين المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشبك أصابعه بأصابع علي عليه السلام ويغدو ويروح معه، ويعلمه ألف باب يفتح من كل باب ألف باب، ويناجيه من دون الناس ويخلو به في كل مكان، وهو يذب عن وجه رسول الله الكرب، ويمشي بمشيه، ويتسارع إلى خدمته، و و و... فلو كان متخذا خليلا - بعنوان الخلة - لما كان يعدو عن علي بن أبي طالب أخوه الذي كان يقول له برواية البخاري نفسه (ج 2 ص 299): (أنت مني وأنا منك).

على أن ابن ماجة يروي في سننه تحت الرقم 93 من مقدمة كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال قبيل وفاته: ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، إن صاحبكم خليل الله.

وهذا تصريح بعدم اتخاذه الخليل، كما دل عليه حديث البخاري لمكان لفظ (لو) وهو حرف امتناع لامتناع.

(1) البقرة: 139.


الصفحة 229
إن قيل: إنه لم يجوز [ ذلك ] ذكر ما يصنع تلك إلا وضع تلك الأولياء قلنا:

فما بال البخاري ومسلم تصديا لذكر معايب الأنبياء، ففي الحديث التاسع والثمانين بعد المائة من المتفق عليه من الجمع بين الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله أن موسى لطم ملك الموت على عينه فقلعها، لما جاء لقبض روحه.

وفي الحادي عشر منه بعد المائتين أن إبراهيم لما يطلب الخلق منه الشفاعة يقول: كذبت ثلاث كذبات اذهبوا إلى غيري: ونحوه في السابع والعشرين بعد المأتين، ولو أن أحدا نقل عن شيخهم كذبا لطعنوا في روايته، وسارعوا إلى تكذيبه أفما كان للأنبياء المختارين أسوة بالشيخين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الاغتياب وذم الدواب، فكيف يصح عنه ذلك فيمن ذكاهم ومدحهم.

وفي الرابع والأربعين منه لعبت الحبشة عند النبي صلى الله عليه وآله فحصبهم عمر فنهاه النبي صلى الله عليه وآله.

وفي الإحياء: غنت جوار عنده، فدخل عمر فأشار النبي صلى الله عليه وآله بالسكوت فخرج، فقال: عدن! فدخل فأشار بالسكوت فخرج فقلن: من هذا؟ قال: عمر، و هو لا يؤثر سماع الباطل.

وفي المجلد الأول من صحيح مسلم سبعة أحاديث تتضمن نحو ذلك فقبح الله من أضاف النقص إلى نبيه، والكمال إلى بعض رعيته، ولا مدح لتابع، مع ذم المتبوع.

وفي الخامس والأربعين منه أن النبي صلى الله عليه وآله سهى عن العصر عن ركعتين حتى نبهه ذو اليدين، فرجع فأتم بركعتين، وفي الحديث الأول منه، وفي الثاني من أفراد البخاري والثاني أيضا من أفراد مسلم أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس فأيقظه عمر، وهذا يناقض ما رووه من أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه، أي نومه لا يمنعه من معرفة الأحوال وفي الخامس منه أنه ترك صلاة العصر يوم الأحزاب.


الصفحة 230

فضيحة:

من عجيب روايتهم في الرابع والأربعين من الجمع بين الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله سب رجلين وقال: إني شارطت ربي أن أي المسلمين لعنته فاجعله له زكاة وأجرا، وهذا بهت، إذ كيف يكون سباب النبي صلى الله عليه وآله لمسلم ويكون مصلحة له.

فعلى هذا يحسن أن يسأل الله لهم ويسألوه أيضا لأنفسهم، أن يوفق نبيه لسبهم ويلهمه لعنهم.

وفي الرابع عشر منه أن النبي صلى الله عليه وآله ذبح على النصب، فلم يأكل منه زيد ابن نفيل، فكان أعرف بالله منه، وقد جاء في كتبهم أن الله تولى تربيته وتأديبه.

ومن العجب أنهم يرمون نبيهم وباقي الأنبياء بما ذكرناه ونحوه وينزهون صحابته ونساءهم عن مثله.

قال عبد الله الهروي منهم في كتاب الاعتقاد: الصحابة كلهم عدول، ونساؤهم فمن تكلم فيهم بتهمة أو تكذيب فقد توثب على الاسلام بالإبطال.

وفي الأصل التاسع من الإحياء للغزالي: اعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة.

قلنا: كيف ذلك وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وآله: لتسلكن سنن من كان قبلكم فبعدا لقوم زكوا من أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن ضلالهم، وأخرجوا رسل الله عن خلالهم وفي الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله عليا بقتل الفرق الثلاث، وقد أسفلنا ما أحدث المشايخ الأخباث من الأنكاث، وأهل السنة يفضلون أهل الذمة، مع علمهم بأنهم يطعنون على نبيهم، وجميع صحابته وأتباعه، حتى لو أن لهم سيفا أفنوا الجميع به، ويقدمونهم على طائفة مسلمة تسمى الرافضة حيث طعنوا في بعضهم بما ثبت صدوره عنهم، وقد شهد نبيهم على أحداثهم.

ففي الثامن والعشرين من الجمع بين الصحيحين: ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، وفي رواية الخدري فيقال: إنك لا تدري ما

الصفحة 231
أحدثوا بعدك فأقول: سحقا لمن بدل بعدي ومنه في الحديث الستين من المتفق عليه لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم.

ومنه في الحادي والثلاثين بعد المائة نحو ذلك ومنه في السابع والستين بعد المائتين نحو ذلك من مسند أبي هريرة من عدة طرق ومن مسند عائشة وأسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة وابن المسيب وابن مسعود وحذيفة.

ولولا عظم ضلالهم، ما قال فيهم: سحقا لمن بدل بعدي، لما بلغوا إلى حد لا تقبل شفاعته فيهم.

ومنه في الحديث الأول من صحيح البخاري قال أبو الدرداء: ما أعرف من أمة محمد شيئا إلا أنهم يصلون جميعا.

ومنه في الحديث الأول من صحيح البخاري قال الزهري: دخلت على أنس وهو يبكي، قلت: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت، وفي حديث ما أعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قيل:

فالصلاة؟ قال، أليس قد صنعتم ما صنعتم؟ فكيف ذموا الرافضة، ورفضوهم بالطعن على بعض الصحابة، بشئ زكوهم فيه، ونقلوا ما هو أعظم منه.


الصفحة 232

(5)
فصل


كتم البخاري ومسلم أخبارا جمة في فضائل أهل البيت، صحيحة على شرطهما ذكرها الشيخ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الجزء الثامن من كتاب بغية الطالبين في مناقب الخلفاء الراشدين، وسأذكر منها ما يليق وضعه بما تقدمه، لا يخفى به حال هذين الإمامين عند من يفهمه:

1 - زيد بن أرقم: علي أول من أسلم، أخرجه ابن حنبل في المناقب، و الترمذي في الجامع، والجاحظ، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1).

2 - أخرج الحاكم في المستدرك قوله عليه السلام: أنا الصديق الأكبر صليت قبل الناس سبع سنين لا يقولها بعدي إلا كاذب، قال: وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

3 - أخرج في المستدرك قوله عليه السلام: أنا الهادي والنبي المنذر، قال: وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

4 - أخرج في المستدرك حديث الفرخ المشوي، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

5 - قول النبي صلى الله عليه وآله لسلمان: من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، وقال: صحيح الإسناد، على شرط البخاري، ومسلم، ولم يخرجاه.

6 - أخرج قول النبي صلى الله عليه وآله: من أراد أن يحيى حياتي، ويموت موتتي

____________

(1) ترى هذه الروايات مستخرجة عن كتاب المستدرك مع النص على صفحته في كتاب فضائل الخمسة منبثة في باب فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام.


الصفحة 233
ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

7 - أخرج قول النبي صلى الله عليه وآله: أنت وليي في الدنيا والآخرة، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

8 - أخرج حديث الغدير وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.

9 - أخرج قول بريدة الأسلمي: تنقصت عليا عند النبي فغضب النبي صلى الله عليه وآله وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه قال: وهذا صحيح الإسناد على شرطيهما ولم يخرجاه.

10 - أخرج الترمذي وأبو حاتم وابن حنبل قول النبي: علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي، وأخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجه (1):

11 - أخرج ابن حنبل حديث سد الأبواب غير باب علي، وأخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

12 - أخرج الحاكم في المستدرك قول النبي صلى الله عليه وآله: علي سيد العرب، قال وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

13 - عبد الله بن أسعد: قال النبي صلى الله عليه وآله: أوحى إلي ثلاثا في علي: إنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، قال في المستدرك: صحيح الإسناد.

14 - روى جماعة منهم أبو بكر والخجندي وعمر بن مرة وابن مسعود وعمرو ابن العاص والأسدي وعمر بن الحصين ومعاذ وأبو هريرة وابن الفرات وعائشة من طرق عدة قول النبي صلى الله عليه وآله: النظر إلى وجه علي عبادة، قال في المستدرك:

صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

____________

(1) ولكن أخرجه البخاري كما عرفت في باب مناقبه ج 2 ص 299.


الصفحة 234
15 - قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة: أما ترضين أن الله اطلع إلى الأرض فاختار منها رجلين: أحدهما أبوك، والآخر بعلك، أخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

16 - لف النبي صلى الله عليه وآله عليا وزوجته وولداه عند نزول آية التطهير وقال:

هؤلاء أهل بيتي، أخرجه الترمذي والقزويني والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجه.

17 - أنا مدينة العلم وعلي بابها أخرجه في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وهنا: أخبار أخر لم يصرح الكنجي بأنهما لم يذكراها، منقولة من كتب القوم أعرضنا عنها.

فهذه الأحاديث إن كانت لم تصل إلى الشيخين مع شهرتها، فهو دليل قصورهما فكيف يرجحون كتابيهما، ويلهجون بذكرهما على غيرهما، وإن وصلت إليهما فتركا روايتها ونقلها، كان ذلك من أكبر أبواب التهمة والانحراف، والرجوع عن السبيل الواضح إلى الاعتساف.

وهذا الكنجي وغيره قد أخرج ذلك، وبين الطريق الرافع لاعتذار السالك والجاذب لمن تبصر به إلى النور عن الضلال الحالك، والمنجي لمن تمسك به من عظيم المهالك، ونحن نسأل الله الكريم الرحيم، أن يثبت أقدامنا على الصراط المستقيم ويجعلنا من ورثة جنة النعيم، فضلا من ربك، ذلك هو الفوز العظيم.


الصفحة 235

تذنيب:

عابونا بترك مخالطتهم والأركان إليهم وما ذلك إلا بما علمنا من ظلمهم وضلالهم لقوله: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (1) (وما كنت متخذ المضلين عضدا) (2).

وقد ذكر أحمد بن محمد الجرجاني في مختصر المعارف والغزالي في الإحياء أن مالك بن أنس ترك المسجد والجمعة حتى مات، وفي الإحياء أن سعدا وسعيدا لزما بيوتهما ولم يأتيا المدينة لجمعة ولا غيرها.

وفيه قيل لابن حنبل: ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاة؟ فقال: حجتي الحسن البصري وإبراهيم التميمي، فهلا وسعنا عذرهم لأئمتهم مع أنا أعذر منهم حيث يقرؤن لجليسهم إن الله يعذب من غير ذنب ويسهلون المعاصي، بقولهم: ما قدر الله كان وما لم فلا، ولأنهم طرحوا أحاديث العترة.

ففي أول الجزء الأول من صحيح مسلم قال الجراح بن مليح يقول: سمعت جابرا يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله (3) قال جرير:

____________

(1) هود، 113.

(2) الكهف: 51.

(3) قال السيد بن طاوس نور الله ضريحه في كتاب الطرائف: روى مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول بإسناده إلى الجراح بن مليح قال: سمعت جابرا يقول: عندي سبعون ألف حديث، عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله تركوها كلها ثم ذكر مسلم في صحيحه بإسناده إلى محمد بن عمر الرازي، قال سمعت حريزا يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه، لأنه كان يؤمن بالرجعة.

ثم قال: انظر - رحمك الله - كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلى الله عليه وآله برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم.

أقول: راجع صحيح مسلم ج 1 ص 13 و 14، باب وجوب الرواية عن الثقات و ترك الكذابين.