الصفحة 267

وقال ابن عباس: سبق كتاب الله المسح على الخفين، وجاءت الآثار عن الأئمة الأبرار أن الرجل ليصلي أربعين سنة وما يطيع الله، يجعل موضع المسح غسلا.

وقال الصادق عليه السلام: (إذا رد الله كل إهاب إلى موضعه، ذهبت طهارة الناصبية في جنوب الإبل والبقر والغنم).

وروت الناصبية عن عائشة: لئن تقطع رجلاي بالمواسي أحب إلي من أن أمسح على الخفين، وروت أيضا عن أبي هريرة ما أبالي مسحت على خفي أم على ظهر عير بالفلاة.

قالوا: حد الله الرجلين بالكعبين، فمعطوفان على اليدين المحدودتين بالمرفقين. قلنا: قد ذكر الوابشي وغيره من مفسريكم أن الآية تدل قويا على المسح، وفي صحيح البخاري مسحنا على أرجلنا فنادى النبي صلى الله عليه وآله ويل للأعقاب وهذا يدل على أنهم فهموا المسح من الآية، وإلا لكانوا قد جهلوا، وعلى ربهم افتروا، وهذا يوافق أحاديثكم وكتبكم أن الآية منسوخة، وقد عطف الله على الوجه المطلق اليدين المحدودتين، فالأحسن أن يعطف على الرأس المطلق، الرجلين المحدودتين، لحصول المطابقة به، وأيضا فإن الله بعد تقضي جملة الغسل، أتى بجملة السمح، فلو جازت المخالفة بين الرأس والرجلين في المسح، جازت بين الوجه و اليدين في الغسل.

قال الشعبي: نزل القرآن بالمسح، ألا ترى أن المتيمم يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا: نقله الفراء عنه في معالم التنزيل.

قالوا: إنما أتى لفظ المسح في الرجلين لترك الإتراف، لأنهما تربتان من الأرض قلنا: ذلك لا يوجب الترف، ولا نسلم اعتيادهم الترف وقد عرف مباينة الحقيقتين فاشتراكهما في التسمية يوجب التعمية، فقد دلت علماؤكم وكتبكم على ما ذهبنا إليه.

ولنا أحاديث كثيرة من طرقنا، أعرضنا عنها، لعدم الالتزام بها، ولئلا يطول

الصفحة 268
بها الكلام، من أرادها وقف على كثير منها في تهذيب الأحكام.

وأما ابتداؤنا بالمرفقين فإن (إلى) في قوله تعالى: (إلى المرافق) محمولة على (مع) مثل (من أنصاري إلى الله (1)) (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم (2)) ويقال:

فلان ولي الكوفة إلى البصرة، ولا يراد الغاية بل المعنى مع البصرة، وقال امرء القيس:


له كفل كالدعص لبده النداإلى حارك مثل الرباح المضبب

وقال النابغة:


ولوح ذراعين في بركةإلى جؤجؤ زهل المنكب

فأراد بإلى (مع) (3).

____________

(1) آل عمران: 52.

(2) النساء: 2.

(3) أقول: لما كان ظاهر قوله تعالى (أيديكم) في (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) ينصرف إلى الكفين بحسب المعتاد بين الناس عند الغسل، زاد بعده (إلى المرافق) تعميما للغسل والمغسول، فلفظ (إلى) جيئ به لبيان ذلك، لا للانتهاء.

وأما أن الغسل يكون مبتدئا من المرافق أو بالعكس، فهو خارج عن مدلول اللفظ ولما كانت الآية الشريفة مطلقة من حيث ذلك، انصرف إطلاقه إلى الفرد الأكمل الأشرف وهو الغسل على النحو المعتاد الفطري - أعني الغسل من الأعلى إلى الأسفل - وذلك لأن الماء كسائر الأجسام الطبيعية الثقيلة إنما يجري من الأعلى إلى الأسفل وبجريانه يذهب بدرن الوجه واليدين، فالفرد الأكمل الأشرف من أنحاء الغسل أن يكون مبتدئا من الأعلى لينصب غسالة الوجه من الذقن، وغسالة اليدين من الأنامل، وما لورد الماء من الأسفل إلى الأعلى، أو عاليا وسافلا، فقد رد الغسالة - وفيها درن الوجه و اليدين وكثافتها - إلى المغسول وفيه نقض الغرض.

وهذا هو الذي بينه النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته في مورد الوضوء، وقد قال صلى الله عليه وآله: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به.


الصفحة 269
وبالجملة فاستعمالها ظاهر في الكلام، وقد عضدها أخبار أهل البيت عليهم السلام وقد روى علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام أن في مصحف علي (اغسلوا وجوهكم و أيديكم من المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم من الكعبين) (1).

ومنها: المتعة كانت من أحكام الجاهلية ثم استمرت حتى نسخت، قلنا:

أخرج البخاري ومسلم حديث عبد الله بن مسعود كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وآله فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، وأخرجا حديث جابر وسلمة أن منادي رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه أذن لكم أن تستمتعوا، وزاد مسلم يعني متعة النساء، وكان ذلك عام أوطاس سنة ست من الهجرة قبل خيبر، كما ذكره صاحب جامع الأصول فكيف تكون من أحكام الجاهلية (2).

وقد أخرج في الجمع بين الصحيحين من عده طرق إباحتها أيام النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وبعض أيام عمر، وأن جميع المسلمين فعلوها بأمر النبي صلى الله عليه وآله إلى حين وفاته، وأيام أبي بكر.

وفي مسند ابن حنبل: لم ينزل قرآن بحرمتها، ولم ينه النبي صلى الله عليه وآله عنها حتى مات، وفي صحيح الترمذي: سئل ابن عمر عنها فأحلها، فقال: أبوك نهى عنها فقال: النبي صلى الله عليه وآله وضعها أفتترك السنة وتتبع قول أبي؟

وقال محمد بن حبيب: كان ستة من الصحابة وستة من التابعين يفتون بإباحتها وذكر ذلك أيضا الحسن بن علي بن زيد في كتاب الأقضية.

قالوا: لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله ولا علي. قلنا: ليس كل ما لم يفعلاه يحكم بتحريمه، وإلا لحرمت أنواع من التجارات، ونكاح الإماء والكتابيات، و السنديات.

____________

(1) يعني أن ذلك في مصحف علي عليه السلام تفسيرا، لا لفظا.

(2) ترى البحث عن المتعة في أغلب كتب أصحابنا مستوفى، راجع النص والاجتهاد للسيد شرف الدين قدس سره ص 126، كنز العرفان في فقه القرآن ج 2 ص 149 الطبعة التي خرجت عن المكتبة المرتضوية الناشر لهذا الكتاب.


الصفحة 270
تخيل بعضهم أن الرجل إذا تمتع في غربة وخرج مدة طويلة، ثم عاد فتزوج بامرأة، فإذا هي بنته من تلك، قلنا: لو كان هذا مانعا لمنع في الدائم، إذ يفرض فيها ذلك كله.

قالوا: إنه يجب أن يشهد بزواجها، فلا يخفى حالها، قلنا: وهذا عندنا واجب في المستمتع بها، وهذا قول المفيد في العيون.

قالوا: نسخها قوله: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم (1)) الآية! قلنا: الآية مكية، وتحليل المتعة مدنية اتفاقا، وقد قال صاحب التقريب: ما في القرآن ما نتعلق به في نسخ المتعة، وقلنا أيضا: الآية صريحة في إباحتها، لكونها زوجة.

قالوا: تخلفت عنها أحكام الزوجة من الطلاق، والقسمة، والميراث ونحوها قلنا: لا يدل التخلف على عدم الزوجية، فإن الفسخ عن الدائمة يسقط الطلاق والنشوز القسم، والإنفاق والكفر والقتل الإرث، وهو اتفاق.

وقلنا: أيضا لو لم تكن داخلة لزم كون النبي صلى الله عليه وآله لأمره بها بعد نزول الآية والصحابة بفعلها داخلون في التوعد عليها في قوله: (ومن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (2)).

قالوا: نسختها (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون) (3) (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون (4)) فقد توعد على التمتع فيدخل فيه نكاح المتعة.

قلنا: الآيتان مكيتان إجماعا، ونكاح المتعة مدنية، كما سلف، فينقلب

____________

(1) المؤمنون: 5 و 6.

(2) المؤمنون: 7.

(3) المرسلات: 46.

(4) الحجر: 30.


الصفحة 271
الاستدلال بأن يكونا منسوختين على رأيهم، فويل لتلك الطائفة العمياء ما أكثر جهالها (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (1)) ولو نسختا المتعة بعمومها لنسخ الدائم لوجود التمتع الذي هو الالتذاذ فيه، ونسخ الأكل والشرب المباحان وغيرهما.

قالوا: لا دلالة لكم في قوله: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن (2)) لأن سين الاستفعال تدل على أن المعنى ما استوفيتم من منافعهن، أي الدائمات ولو أراد المتعة لقال: ما تمتعتم.

قلنا: قد جاءت السين [ لا ] للاستفعال (فاستجاب له ربه (3)) (فاستجبنا له (4)) (واستشهدوا (5)) وقد سلفت رواية البخاري ومسلم أذن لكم أن تستمتعوا، و أخرجا أيضا: كنت أذنت لكم في الاستمتاع بالنساء.

وقلنا: لو أراد الدائمات، لم يشرط الايتاء بالاستمتاع، لأن لهن النصف بدونه، بل المراد به الموقتات، والمراد آتوهن أجر ما حصل به الانتفاع دون ما منعن منه (6).

وقد قال صاحب التقريب: ذهب بعض الناس إلى أن المراد بالآية نكاح المتعة، قال: وهي محتملة.

قالوا: ذكر الله في الآية المال في قوله: (أن تبتغوا بأموالكم (7)) ولا شك

____________

(1) القتال: 24.

(2) النساء: 24.

(3) يوسف: 34.

(4) الأنبياء: 76 وغير ذلك.

(5) البقرة: 282.

(6) قد سلف منا في هذا المجلد ص 190 كلام في ذلك فراجع.

(7) النساء: 24.


الصفحة 272
أنه عام في المتعة وغيرها، فلا وجه للتخصيص بها، فلا تدل الآية عليها.

قلنا: ظاهر الآية أداء المال بشرط الاستمتاع، فإن أريد به المتعة فلا بحث، وإن أريد الالتذاذ، قلنا: ليس أداء الدائمة مشروطا بالالتذاذ، لوجوب النصف لها بدون الاستمتاع منها، فظهر أن المراد التمتع بها، ولا يدل على خروج الدائمة من مفهوم الآية، لأن التخصيص بالذكر لا يوجب التخصيص بالحكم، ولو سلم خروجها فقد دل قوله: (فنصف ما فرضتم (1)) لهن - عليها.

على أن المتعة حقيقة في المنقطع، فإن استعمل في الدائم فبالمجاز، فلا يسارع الذهن إليه، ولهذا لو قيل: فلان يتمتع لم يصرف إلى الدائم، كما أن الوطئ (2) لغة وطئ القدم، وقد صار حقيقة في الجماع، فكذا التمتع لغة الالتذاذ، وصار عرفا في ذلك النكاح.

قالوا: نكاح الأمة مشروط بعدم طول الحرة، والمتمتع بها ترضى بالقليل لقصر مدتها، والأمة لا تكون إلا لذي ثروة، وهو لا يرضى بالقليل ولو جاز نكاح المتعة الذي هو بقليل المال، لم يجز نكاح الأمة على حال (3).

قلنا: كلام الله تعالى في (استطاع) متعلق بالدائمة، وفي عدمه متعلق بالأمة والمنقطعة خارجة عن البحث، ولا نسلم قصر مهر المتمتع بها عن الأمة إلا في العاهرة والفتوى بتحريمها، أما غيرها فلا ترضى بالقليل، لطول مدتها بالاستبراء قبله والاعتداد بعده وأيضا فقد تتعذر الأمة وبالجملة فما ذكره خطابي.

وأيضا فلا نسلم اشتراط عدم الطول في الأمة لعموم (ولأمة مؤمنة خير من مشركة (4)) ويحمل ذلك الطول على التنزيه، وقد قال ابن المرتضى في تفسيره:

إن عامة أهل العلم، قالوا: إن آية (فما استمتعتم) منسوخة، قال: وكان ابن

____________

(1) البقرة: 237.

(2) في النسخ: اللواط، وأظنه سهو قلم.

(3) وقد مر منا أن نكاح الإماء أيضا يجب أن يكون بالمتعة راجع ص 190، مما سبق.

(4) البقرة: 221.


الصفحة 273
عباس يذهب إلى أنها محكمة، ويرخص في نكاح المتعة، وسئل عنها، فقال: أما تقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى أجل) قال: لا أقرأها هكذا، قال ابن عباس ثلاث مرات: هكذا أنزل الله.

وقال القاضي في تفسيره أنوار التنزيل: نزلت الآية في المتعة، وذكر ابن عباس جوازها، وحكى الحسن البصري عن الحكم أنه سمع عليا يقول: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي (1).

قال عمران بن حصين: تمتعنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله ومات ولم ينه عنها، لكن قال رجل برأيه فانتهينا، ذكره الثعلبي، وصاحب معالم التنزيل، وقال: الآية منسوخة.

قال: وكان ابن عباس يذهب إلى أنها محكمة فيقرأها (إلى أجل) ويرخص في المتعة وروى الثعلبي عن جبير بن أبي ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفا و قال: هذا على قراءة أبي، فإذا فيه (إلى أجل) والزيادة مقبولة وإن لم تثبت قرآنا، فإنها تثبت حكما فظهر بذلك كله أنها نزلت في متعة النساء.

قالوا: وروى عبد الله والحسن ابنا محمد عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عنها يوم خيبر. قلنا: مزيفة لأن مذهب علي عليه السلام بخلافها:

قالوا: روى ابن سبرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عنها في حجة الوداع، قلنا:

لو صح هذا رفع النهي المدعى في خيبر، مع أن هذا مطعون في سنده، مضطرب

____________

(1) رواه الطبري في تفسيره ج 5 ص 13 عن شعبة عن الحكم، وأخرجه الرازي في تفسيره ذيل آية النساء: 24 (ج 1 ص 50 - الطبعة الأخيرة) والسيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 140، وذكره ابن أبي الحديد ج 12 ص 253 في شرح الخطبة 223 من النهج وهكذا الشيخ في تلخيص الشافي ج 4 ص 32 بسنده عن جيش بن المعتمر.


الصفحة 274
في ألفاظه، معارض بأشهر منه، وبإباحتها.

قالوا: نهى عمر عنها، قلنا: لا حجة فيه مع معارضة ابن عباس وابن مسعود وغيرهما.

قالوا: إجماع الصحابة والتابعين على منعها. قلنا: لا إجماع مع مخالفة أهل البيت والشيعة بأجمعها.

(بحث)


قال النووي في السفر الأول من منهاج المحدثين، في تفسير صحيح مسلم أنها أبيحت قبل خيبر، وحرمت فيه، وأبيحت بفتح مكة وحرمت بعده بثلاثة أيام.

وقال الماوردي: روى إباحتها ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة و سبرة قال: والحديث الذي فيه: استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله محمول على أنه لم يبلغهم نسخها، وإنما كرر النسخ في حجة الوداع ليشيع.

قلنا: الإباحة دراية، والنسخ رواية لا تعارض الدراية، والعجب ادعاؤهم كون الشيخين خصيصان بصحبة النبي صلى الله عليه وآله، ويخفى النسخ عنهما إلى خلافة عمر مع إشاعتها، وكذا كيف خفي عنهما نسخ (فمن ابتغى وراء ذلك (1)) لولا قلة التأمل وقد حكي أن مالكا أيضا قال بإباحتها.

قالوا: أمر الله بالتخفيف في نكاح الإماء للضعفاء (يريد الله أن يخفف عنكم) (2)) فلو جازت المتعة الناقصة في المهر عن الأمة كان أولى بالمنة.

____________

(1) المؤمنون: 7.

(2) النساء، 28.


الصفحة 275
قلنا: سلف عدم قصور مهر المتعة، ولو سلم القصور فقد دل ذكر الأمة على المتعة بمفهوم الموافقة.

قالوا: يستقبحها القائل بها والمنكر لها، كما لو طلبت من أحدهما أخته أو أمه ليتمتع بها، ولو كانت مشروعة لانتفى ذلك عنها.

قلنا: دلت الآية والروايات عليها، فالقبح لازم لمنكرها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله بها صريحا وفعلها الصحابة، فيلزم كونهم أتوا قبيحا، وليس كلما استقبح لم يكن مشروعا، فإن الشريف يستقبح خطبة الدني والجاهلية استقبحت شرائع النبي صلى الله عليه وآله.

وقد أخرج البخاري ومسلم حديث جابر استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر، وفي رواية أبي نضرة اختلف ابن عباس وابن الزبير في المتعتين فقال جابر بن عبد الله: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما (2).

وقال صاحب التقريب: قيل: إنه مذهب ابن عباس وابن مسعود وجابر ونسب أيضا إلى بعض التابعين، وحكي إباحتها في كتاب السلطان عن أمير المؤمنين وابن مسعود وجابر وسلمة والخدري والمغيرة ومعاوية وابن عباس وابن جريج وابن جبير ومجاهد وعطاء وغيرهم.

وذكر الحسن بن علي بن زيد في كتاب الأقضية، يعلى بن منبه، وصفوان ابن أمية وطاووس وابن دينار وجابر بن يزيد، وذكر ابن حبيب النحوي:

زيد بن ثابت وسلمة بن الأكوع وأنس، ووجدنا عليا وولديه وأصحابه الأربع وابن أرقم وأبي الهيثم وحذيفة وأبيا والبراء وبريدة وأبا أيوب، ومن

____________

(1) راجع سنن البيهقي ج 7 ص 206، شرح النووي لصحيح مسلم ج 9 ص 184 شرح النهج ج 20 ص 130 (الطبعة الحديثة).


الصفحة 276
التابعين السدي وابن المسيب والأعمش قائلين بإباحتها، وصنف ابن شاذان كتابا فيها.

وقال أبو حنيفة لصاحب الطاق: إذا كانت المتعة حلالا فأرسل نساءك يتمتعن ويكسبن عليك، فقال: ليس كل الصناعات يرغب فيها، ثم قال: فإذا كان النبيذ حلالا فأرسل نساءك يكتسبن عليك قال: واحدة بواحدة، وسهمك أنفذ.

فهذه كتب القوم، وصحاح أخبارهم، وأما أخبارنا فكثيرة شهيرة أعرضنا عنها لعدم الالزام فيها، والإطالة بها، وما كفاهم هذا الانكار حتى أنشأ شاعرهم الحمار.


شعر:


قول الروافض نحن أطيب مولداقول أتى بخلاف قول محمد
نكحوا النساء تمتعا فولدن منذاك النكاح فأين طيب المولد؟

فأجابه شاعر الأبرار، بحديث المجوس الوارد عن النبي المختار:


شعر:


لا بل مواليد النواصب جددتدين المجوس فأين دين محمد؟
لف الحرير على الأيور وغمسهابالأمهات دليل طيب المولد

وقال الآخر:


إن التمتع سنة معروفةورد الكتاب بها وسنة أحمد
ثم استمر الحال في تحليلهاقد صح ذلك في الحديث المسند
عن جابر وعن ابن مسعود وعننقل ابن عباس كريم المولد
ومن المحال بأن يكون محمدقد ضل في شئ وحبتر مهتد
حتى نهى عمر بغير دلالةعنها وكدر صفو ذاك المورد

ولهذا لما سأل يحيى بن أكثم رجلا بصريا: بمن اقتديت في تحليل المتعة؟


الصفحة 277
قال: بعمر بن الخطاب، حيث قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما (1) فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.

وروى الطبري في كتاب المسترشد (2) قول عمر: ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن، ومعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء، وحي على خير العمل في الأذان (3).

والعجب أن المتعة يعيبوننا لأجلها، وقد عرفت ما جاء في حلها، وأئمتهم يحكمون بما يرده الشرع والطباع، ويمجه العقل والأسماع.

هذا أبو حنيفة يقول: لو عقد رجل على إحدى محارمه عالما بها ووطئها لحق الولد به، وسقط الحد عنه، وكذا لو استأجر امرأة ففعل ذلك فيها، ورفع الزنا بلف الحريرة على الذكر، ولم يوجب حدا في الايقاب في الذكر، وجعل شرب النبيذ سنة وتحريمه بدعة وهذا الشافعي يجيز سماع الغنى والقصب ونحوه، و يجيز وطئ الأخت من الرضاع إذا ملكها وهذا مالك يجعل الدف سنة في الوليمة والعرس، وهذا ابن حنبل يذهب إلى تجسيم الرب الجليل، ولا يخفى ما في أحكامه؟

____________

(1) راجع أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 342 تفسير القرطبي ج 2 ص 370 المبسوط للسرخسي باب القران من كتاب الحج، زاد المعاد لابن القيم ج 1 ص 444 كنز العمال ج 8 ص 293، تاريخ ابن خلكان ج 2 ص 359 ط إيران ترجمة يحيى بن أكثم، تفسير الرازي ج 10 ص 50 ذيل آية النساء 24 وهكذا ذيل قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) البقرة: 196، البيان والتبيين ج 2 ص 223، الحيوان ج 4 ص 278. شرح النهج الحديدي تحت الخطبة 223.

(2) المستنير خ. المستبين خ.

(3) ذكره الإمام القوشجي في شرحه على تجريد الكلام ص 408 ط إيران وهو من الأشاعرة، واعتذر بأن ذلك اجتهاد منه.


الصفحة 278
من التضليل، فقد ارتكب المخالف كل بدعة، وشدد علينا في أمر المتعة، وذلك بغضا لآل نبيه، وانهماكا في ضلاله.


شعر:


من كان ذا علم وذا فطنةوبغض أهل البيت من شأنه
فإنما الذنب على أمهإذ حملت من بعض جيرانه

وقال آخر:


يا ذا الذي هجر الوصي وآلهأظهرت منه أن أمك فاعله
فرقت بضاعتها على جيرانها (1)والسائلين من الورى والسابلة


*  *  *


حب علي بن أبي طالبمنقبة باطنة ظاهره
تخبر عن مبغضه أنهمن نطفة جاءت بها عاهره

وقد ذكرنا شيئا من مخالفتهم لكتاب ربهم وسنة نبيهم في مكانين من الباب الخامس عشر فليطلب منه، قال الحجاج:


الحق ليس بضايعوله نفاق بضايع
فقد اتبعت أئمةيقضون حق التابع
فأبو حنيفة للنبيذوللقمار الشافعي
والمالكي لإستهاما في الفراش بضايع
مثل النجوم ثلاثةوحلقت ذقن الرابع

وقال المغربي:


أجاز الشافعي فقال شيئاوقال أبو حنيفة لا يجوز

____________

(1) وقفت خ.


الصفحة 279


فضل الشيب والشبان مناولم تهدي الفتاة ولا العجوز
ولم آمن على الفقهاء حبساإذا ما قيل للأمناء جوزوا

ومنها: حل وطئ الدبر، لما قلنا: (فأتوا حرثكم أنى شئتم (1)) قالوا: الحرث لا يكون إلا في القبل الذي هو منبت الزرع، وهو الولد ولفظة (أنى) بمعنى كيف قلنا: قد تظافرت الروايات عن إمامكم الثاني أنه فعله ونزل فيه (نساؤكم حرث لكم (2)) وروى جوازه عبد الله ابنه، وذلك في تفسير الثعلبي وجامع الترمذي وأسباب النزول للواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقد أجاز مالك إباحته.

فأسند الثعلبي إلى ابن عباس أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال: هلكت حولت رحلي البارحة، فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) و رواه الفراء في معالمه وابن المرتضى في تفسيره قال: ويحكى عن مالك إباحته ويقرب منه ما حكاه الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك (3).

قولهم: لا يكون الحرث إلا موضع الزرع قلنا: منقوض بإجماع الفريقين على جوازه في نحو السرة والفخذين ولو كان حل الوطئ مربوطا بإرادة الولد لارتفع حيث لا يمكن الولد ولفظة (أنى) قال قتادة والربيع: معناها من أين شئتم، كما قال تعالى: (أنى لك هذا (4)).

قالوا: يجوز كون المعنى من أين شئتم في الفرج قلنا: تخصيص لا دليل عليه

____________

(1) البقرة: 223.

(2) البقرة: 223.

(3) قال الفاضل السيوري في كتابه كنز العرفان ج 2 ص 288: وأجازه مالك قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أن وطئ المرأة في دبرها حلال، ثم قرأ الآية المذكورة.

(4) آل عمران: 37.


الصفحة 280
قالوا: روى ابن عباس وجابر والحسن وغيرهم أن سبب نزولها قول اليهود:

إن من أتى المرأة من خلفها في قبلها خرج الولد أحول، فأنزل الله تكذيبهم بإباحة ذلك بعد أن يكون في الفرج، قلنا: تقدم في الأصول أن السبب لا يخص فلا يضر ذكره.

قالوا: قولكم في قوله تعالى: (أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم (1)) أي مثل ما للذكران وهي الأدبار، لا حجة لكم فيه لأنه لو أراد الأدبار لقال: (وتذرون ما خلق لكم من أزواجكم مثله) كما قال في الفلك الكبار: (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون (2)) يعني الزواريق وقد وبخ الله واطئ الدبر وأخرج الحيوان الأعجم من توبيخه حيث لم يأت إلا في قبله.

قلنا: الظاهر أنه أباح منهن ما يلتمس من الذكران، والتوبيخ إنما هو على أدبار الذكران لا النسوان، وإن احتمل أن يريد أن قبلهن يعوض عن أدبار الذكران وإن لم يتساويا من كل وجه لاستوائهما في مطلق الالتذاذ، ولهذا الاحتمال قال جماعة منا بتحريمه، واهتداء الحيوان الأعجم إنما هو بنكرته وطبعه، فلا حجة في صنعه، ولو كان ذلك لعقله كان أولى من الفاسق بتكليفه حيث يطأ الأتان وغيره من مخالفه، وقد عرفتم صحة الأحاديث من طرقكم، وفعل ذلك وروايته من أئمتكم.

ومنها: عدم وقوع الطلاق بدون الإشهاد لقوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا (3)).

____________

(1) الشعراء، 165.

(2) يس: 42.

(3) الطلاق: 2.