ترجمة المؤلّف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
وبعد، لا شك أنّنا حينما نبتغي ترجمة حياة صاحب هذا الاثر القيم، سليل العترة الطاهرة، وثمرة الشجرة المباركة السيد حامد حسين بن السيد محمد قلي الموسوي النيشابوري الهندي اللكهنوي، فإنّنا لا نستطيع أن نفي بما هو حق حقيق من علمه وفضله، ومنزلته ومقامه، وتفانيه في خدمة الدين، والذب عن مذهب الائمة الميامين، لكننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتبيين ماينبغي ذكره في حق هذا الرجل العظيم.
ولهذا لابد لنا أن نذكر موجزاً عن البيت والاسرة التي نشأ فيها والسلالة التي تفرع منها:
لقد صبّ الله سبحانه وتعالى الطافه على هذا البيت الشريف، حتى حوى على جلّة من العلماء والاعلام الذين قل نظيرهم في الفضائل والتفاني لخدمة الاسلام والدين الحنيف، حتى عجز البيان عن إحصاء مناقبهم وفضائلهم، وخير ماذكر في حقهم هو قول الشيخ الفاضل الحجة الطهراني حيث قال (رحمه الله):
«إنّ هذا البيت الجليل من البيوت التي غمرها الله برحمته، فقد صبّ سبحانه وتعالى على أعلامه المواهب، وأمطر عليهم المؤهلات، وأسبل عليهم
واصول هذا البيت الشريف ترجع الى سادات نيشابور الذين هاجروا الى الهند، واستقروا في مناطقها وبالتحديد في بلدة كنتور(2)، وذلك في النصف الاوّل من القرن السابع الهجري، بعد هجوم المغول على نيشابور وضواحيها بقيادة جنگيزخان، ويتصل نسبهم الى الامام السابع من أئمة أهل البيت الامام موسى الكاظم (عليه السلام).
وقبل هجوم جنگيزخان على نيشابور سنة 617 هـ وحصول القتل العام لاهالي هذه المدينة اثر ثورتهم على الحاكم المنصوب من قبله ابن اخته خان داماد وقتله، قام جماعة من كبار العلماء والصلحاء بمغادرة هذه المدينة وترك ديارهم والمهاجرة الى مناطق عديدة، فكان من جملة هؤلاء السيد شرف الدين وأخوه السيد شمس الدين، من أحفاد السيد الاطهر ذي المناقب الملقب
____________
(1) اعلام الشيعة ـ الكرام البررة: 2 / 148.
(2) كنتور بلدة تابعة لمدينة بارابنكي في منطقة اتّراپرادش (يو. پي) الهندية، تعرف سابقاً بكانتاراني، يرجع قدمها الى آلاف السنين، تقع في مكان مرتفع بجانب نهر گاگره ولها عدّة مناطق، منها جشتيان في الشمال، وخواجه في الغرب، ومانجه گاؤن في الوسط، ومشايخ مداريان التي تتميز بكثر نفوس سكانها وترجع اصولهم الى ميتي مدار ابن القاضي محمود من خلفاء بديع الدين المنسوب لعبد الله الاصغر بن عثمان بن عفان، المتوفي سنة 847 هـ في كنتور، وبين منطقة مانجه گاؤن وخواجه تقع منطقة السادات.
فتوجه السيد شمس الدين الى بنگاله وأقام فيها، ويعرف أولاده إلى يومنا هذا بالسادة الموسوية، أمّا السيد شرف الدين فتوجه الى بلدة كنتور وأقام فيها، وكان هو من العلماء الكبار والمتميزين بكمالات ظاهرية ومعنوية، وظف أيام حياته كافة في التبليغ والوعظ وارشاد الناس في منطقة كنتور ونواحيها.
وبعد وفاة السيد شرف الدين، خلفه ابنه السيد علاء الدين الذي تلقى العلوم والمعارف الاسلامية منه، وكانت له شهرة بين العامة والخاصة، يحضر عنده المريدون والمعتقدون به من جميع المناطق للانتفاع من خزين علومه، وكان اضافة لعمله في التبليغ والارشاد منشغلاً بالتأليف والتصنيف وله كتاب في علم الكيمياء ألفه سنة 716 هـ(1)، ووافته المنية في (كنتور)، وقبره يزار إلى يومنا هذا من قبل العامة والخاصة.
كان للسيد علاء اثنان من الاولاد: السيد جلال الدين الذي قتل شهيداً على يد ملك دهلي (محمد تغلق) آن ذاك(2)، والسيد جمال الدين الذي خلف أباه في
____________
(1) ورد اسم هذا الكتاب في آخر كتاب حقيقة الانساب لاحد علماء الهند.
(2) استمر ملك محمد تغلق لدهلي ونواحيها من 725 ـ 752 هـ، كان معانداً للشيعة بشكل خاص، وكان يعمل على فناء السادة والموالين لبيت العصمة والطهارة، فعندما وصل الى اسماعه بتوجه الناس الى السادات الموجودين في بلدة كنتور، أمر باحضار السيد علاء الدين وكان يقصد قتله وعائلته، لكنه عندما نظر للسيد علاء وشاهد في وجهه سيماء الولاية الحيدرية خاف وانثنا عن عزمه، فطلب منه مرافقته مع الجيش ليبقيه تحت نظره، لكن السيد علاء اعتذر لكبر سنه وعدم طاقته، فغضب محمد تغلق لذلك، وقال: «اذا كنت لا تستطيع فأولادك يستطيعون»، وبهذا صحب السيد جمال والسيد جلال جيش محمد تغلق رغماً عنهما، وبصحبتهم للجيش تأثر الكثير من افراده باخلاق هؤلاء السادة، مما حدى لبعض الحاسدين الوشاية عليهم عند محمد تغلق وحذروه من احتمال انقلاب الجيش عليه بسببهم، ومن غير تحقيق احضر محمد تغلق السيدين وأمر بقتل السيد جلال الدين، وبعد أن هدء غضبه ندم على فعله فأمر بارجاع السيد جمال الدين الى بلده، وعندما وصل السيد جمال الدين الى كنتور كان والده قد انتقل الى جوار رحمة ربه، وباصرار من الناس جلس مكان أبيه للوعظ والارشاد، ولا تعرف سنة وفاته بالتحديد، لكن ذكر في بعض مصنفاته أنه التقى بالشيخ أبو البركات والشيخ يحيى اودهي في دهلي.
الجدير بالذكر، كان سادات كنتور لا يظهرون تشيعهم لشدة معادات محمد تغلق وباقي سلاطين الهند للشيعة، ولم يكن أي أحد من هؤلاء السادة يظهر تشيعه بسبب التقية، لكن من خلال قبورهم يعلم انهم شيعة من اتباع مذهب اهل البيت (عليهم السلام). فالذي يذهب لمقبرة السيد علاء الدين وأولاده الواقعة في الجانب الغربي لمدينة كنتور في البستان المسمى بـ (پنج انبه)، يراها مسطحة وهذه من علامات التشيع، حيث صرح اهل السنة بأنهم عدلوا عن تسطيح القبور الى تسنيمها لانه اصبح شعاراً للشيعة، كما ذكر محمد الغزالي الشافعي في بعض مصنفاته.
كان السيد جمال الدين ابن السيد شهاب الدين أبي المظفر حسين الملقب بسيد السادات والمعروف بالسيد علاء الدين أعلى بزرك، هو الجد الحادي عشر للمؤلف كما هو الملحوظ من سلسلة النسب لوالده السيد محمد قلي المذكورة في كتاب تكملة نجوم السماء:
«السيد محمد قلي ابن السيد محمد حسين المعروف بالسيد الله كرم ابن السيد حامد حسين ابن السيد زين العابدين ابن السيد محمد المعروف بالسيد البولاقي ابن السيد محمد المعروف بالسيد مدا ابن السيد حسين المعروف بالسيد ميئهر ابن السيد جعفر ابن السيد علي ابن السيد كبير الدين ابن السيد شمس الدين ابن السيد جمال الدين ابن
ولد السيد محمد قلي والد المؤلف يوم الاثنين الخامس من شهر ذي القعدة
____________
(1) وقد وجدنا للسيد محمد قلي شجرة نسب اخرى منقولة عن كتاب حقيقة الانساب المطبوع في الهند:
«السيد محمد قلي ابن السيد محمد حسين المعروف بالسيد الله كرم ابن السيد حامد حسين ابن السيد زين العابدين ابن السيد محمد المعروف بالسيد البولاقي ابن السيد محمد المعروف بالسيد مدّا ابن السيد حسين المعروف بالسيد ميتي ابن السيد حسين ابن السيد جعفر ابن السيد علي ابن السيد كبير الدين ابن السيد شمس الدين ابن السيد الجليل جمال الدين ابن السيد الاجل شهاب الدين أبي المظفر حسين الملقب بسيد السادات المعروف بالسيد علاء الدين اعلى بزرك ابن السيد محمد المعروف بالسيد عز الدين ابن السيد الاوحد شرف الدين ابي طالب المعروف بالسيد الاشرف ابن السيد الاطهر ذو المناقب محمد الملقب بالمهدي المعروف بالسيد محمد المحروق ابن حمزة بن علي بن ابي محمد بن جعفر بن مهدي بن ابي طالب بن علي بن حمزة بن ابي القاسم حمزة بن الامام أبي ابراهيم موسى الكاظم ابن الامام ابي عبد الله جعفر الصادق ابن الامام أبي جعفر محمد الباقر ابن الامام ابي محمد زين العابدين ابن السبط الشهيد ريحانة الرسول وقرة عين المرتضى والبتول ابي عبد الله الحسين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليهم».
درس السيد محمد قلي العلوم الاسلامية عند والده السيد محمد حسين الذي كان من العلماء الكبار في عصره، وبعد أن أتم مقدمات الفقه والاصول سافر الى مدينة لكهنو لاكمال الدراسة، فدرس أكثر العلوم العقلية عند علماء أهل السنّة، بعدها حضر عند السيد دلدار علي النقوي أول المجتهدين في شمال الهند والملقب بسيد العلماء، فأتم عنده الفقه والاصول.
قال بعضهم في ترجمة هذا السيد: لم يذكر المترجمون له من أساتذته سوى الامام الاكبر السيد دلدار علي النقوي، ولعله لم يأخذ إلا منه ولم يحضر على غيره....
وعندما يعرف صاحب تذكرة العلماء تلامذة السيد دلدار علي النقوي يذكره بقوله:
«ومن جملة هؤلاء كان المدقق والمحقق، الفاضل الاوزعي، السيد الجليل الاوحدي الالمعي، السيد محمد بن محمد بن حامد الكنتوري المشهور بالسيد محمد قلي، الاوحد المتفرد في الفضل والكمالات، والمبارزة في ميادين
وذكره صاحب كتاب نجوم السماء في تذكرته، فقال:
«مولانا المفتي السيد محمد قلي خان ابن السيد محمد حسين ابن السيد حامد حسين ابن السيد زين العابدين الموسوي النيشابوري، من أكابر المتكلمين العظام، وأجلة العلماء الاعلام، وأساطين المناظرين الفخام، جدّ وجهد في إعلاء لواء الشريعة وحماية الدين والملّة، وصيته في ألّسنة الجمهور مشهور، ونوادر تحقيقاته وغرائب تدقيقاته ومحامد صفاته ومعالي كرامته في مصنفات متأخري المؤلفين مرقومة، وصيت فضله وكمال مصنفاته في علم التفسير دليل واضح وحجة مبرهنة على غزارة علمه وفضل تبحره، وعلو مرتبته، وبالجملة: لا يمكن الاحاطة بتوصيفه وتعريفه»(2).
وعلى الرغم من صرف السيد محمد قلي أكثر عمره الشريف في الوعظ والارشاد ورفع إبتلاءات المسلمين ومشكلاتهم، ألف كتباً ومصنفات قيمة وعظيمة في مجال الدفاع عن المذهب الحق، وقد قل نظيره في التحقيق والتدقيق في جميع العلوم الاسلامية، فكان متبحراً بالتفسير والفقه والحديث والصرف والنحو والمناظرة، وكانت من جملة مؤلفاته:
1 ـ أبنية الافعال في علم الصرف: كتاب ألّفه لاولاده.
2 ـ تكميل الميزان لتعليم الصبيان (تكميل الميزان في علم الصرف)(3).
____________
(1) تذكرة العلماء.
(2) تذكرة نجوم السماء.
(3) الذريعة: 4 / 416.
4 ـ تقريب الافهام في تفسير آيات الاحكام: مجلدان باللغة الفارسية.(2)
5 ـ أحكام العدالة العلوية: باللغة الفارسية(3)، يحتوي على مقدمة واثني عشر باباً وخاتمه، وهو في تعريف القاضي والمفتي والاحكام المتعلقة بهما، ترجم إلى اللغة الاوردية وطبع.
6 ـ الاجناد الاثنى عشرية المحمدية: في رد التحفة الاثنا عشرية، باللغة الفارسية، وهو عبارة عن مجموعة كتب رد فيها على أبواب كتاب التحفة، كان منها:
أ ـ السيف الناصري: في جواب الباب الاوّل للتحفة.
ب ـ تقليب المكائد: في جواب الباب الثاني للتحفة.
جـ ـ برهان السعادة: في جواب الباب السابع للتحفة.
د ـ تشييد المطاعن لكشف الضغائن: في جواب الباب العاشر للتحفة.
و ـ مصارع الافهام: في رد الباب الحادي عشر للتحفة.
7 ـ الاجوبة الفاخرة في رد الاشاعرة، باللغة الفارسية.(4)
____________
(1) الذريعة: 4 / 202.
(2) الذريعة: 4 / 466.
وذكر انه موجود في المكتبة الناصرية بخط مؤلفه وفي بعض الاوراق توجد حواشي للعلامة السيد حامد حسين.
(3) الذريعة: 1 / 299.
(4) الذريعة: 2 / 677.
9 ـ الفتوحات الحيدرية: رد على كتاب الصراط المستقيم لعبد الحق الدهلوي(2).
10 ـ رسالة في التقية.(3)
11 ـ الحواشي والمطالعات.(4)
12 ـ رسالة في الكبائر.(5)
13 ـ نفاق الشيخين بحكم أحاديث الصحيحين.
وتوفي السيد محمد قلي في الرابع من محرم سنة ألف ومئتين وستين للهجرة(6)، وقد أرخه العلامة السيد محمد عباس التستري بقوله:
«لموته هو اقبال يوم عاشوراء...».
أمّا أولاده فجميعهم علماء أصحاب تصانيف ومؤلفات، أكبرهم السيد سراج الدين كبير الفضل، وحكيم عصره، وفيلسوف زمانه، والسيد إعجاز حسين الذي كان من أكابر رجال الشيعة في الهند ومن أعاظم علمائهم، صاحب تصانيف عديدة ومؤلفات مفيدة، توفي في لكنهو عام 1386 هـ، وحمل نعشه الى العراق ودفن في كربلاء في الصحن الشريف، أمّا أعلمهم وأفضلهم وأشهرهم، بل
____________
(1) الذريعة: 14 / 199.
(2) الذريعة: 16 / 116.
(3) الذريعة: 4 / 405.
(4) القول الجلي في ترجمة السيد محمد قلي.
(5) الذريعة: 17 / 259.
(6) وقيل سنة 1261 هـ.
السيد حامد حسين بن السيد محمد قلي
ولد عام 1246 هـ بلكنهو، لقّب بآية الله في العالمين، ومجدد الملّة، ومحي الدين، وحجة الحق على الخلق، العلامة الجليل القدر، المجاهد الكبير، لسان الفقهاء والمجتهدين، ترجمان الحكماء والمتكلمين، كان من ثقات علماء الامامية ومن أعيان فقهاء الاثنى عشرية، الجامع للعلوم العقلية والنقلية، البارع في علوم الحديث والاخبار، المتضلع في معرفة أحوال الرجال، الواسع الاطلاع في الاثار، الفاني عمره بالتأليف والتنقيب.
والذي لا يسعنا التعريف به إلاّ بذكر كلمات العلماء في حقه.
قال العلامة الحجة الامين في كتابه أعيان الشيعة:
«كان من أكابر المتكلمين الباحثين عن أسرار الديانة، والذابين عن بيضة الشريعة وحوزة الدين الحنيف، علامة نحريراً ماهراً بصناعة الكلام والجدل، محيطاً بالاخبار والاثار، واسع الاطلاع، كثير التتبع، دائم المطالعة، لم ير مثله في صناعة الكلام والاحاطة بالاخبار والاثار في عصره، بل وقبل عصره بزمان طويل وبعد عصره حتى اليوم.
ولو قلنا: إنّه لم ينبغ مثله في ذلك بين الامامية بعد عصر المفيد والمرتضى لم نكن مبالغين، يعلم ذلك من مطالعة كتابه (العبقات)، وساعده على ذلك مافي
وكان جامعاً لكثير من فنون العلم، متكلماً، محدثاً، رجالياً، أديباً، قضى عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة».
وقال العلامة الشيخ الطهراني في كتابه طبقات أعلام الشيعة:
«من أكابر متكلّمي الامامية، وأعاظم علماء الشيعة المتبحرين في أوليات هذا القرن، كان كثير التتبع، واسع الاطلاع والاحاطة بالاثار والاخبار والتراث الاسلامي، بلغ في ذلك مبلغاً لم يبلغه أحد من معاصريه ولا المتأخرين عنه، بل ولا كثير من أعلام القرون السابقة، أفنى عمره الشريف في البحث عن أسرار الديانة، والذب عن بيضة الاسلام وحوزة الدين الحنيف، ولا أعهد في القرون المتأخرة من جاهد جهاده، وبذل في سبيل الحقائق الراهنة طارفه وتلاده، ولم تر عين الزمان في جميع الامصار والاعصار مضاهياً له في تتبعه وكثرة إطلاعه، ودقته وذكائه وشدة حفظه وضبطه.
قال سيدنا الحسن الصدر في (التكملة): كان من أكابر المتكلمين، وأعلام علماء الدين وأساطين المناظرين المجاهدين، بذل عمره في نصرة الدين وحماية شريعة سيد المرسلين والائمة الهادين، بتحقيقات أنيقة وتدقيقات رشيقة، وإحتجاجات برهانية، وإلزامات نبوية، وإستدلالات علوية، ونقوض رضوية حتى عاد الباب من (التحفة الاثني عشرية) خطابات شعرية وعبارات هندية تضحك منها البرية، ولا عجب:
فالشبل من ذاك الهزبر وانما | تلد الاسود الضاريات أسودا» |
وقال المحقق الشيخ محمد علي التبريزي في كتابه ريحانة الادب ما تعريبه:
«حجة الاسلام والمسلمين، لسان الفقهاء والمجتهدين، ترجمان الحكماء والمتكلمين، وأركان علماء الامامية، ووجوه وأعيان فقهاء الاثنى عشرية، جامع العلوم العقلية والنقلية اضافة الى علومه الدينية والفقهية، معروف في علم الحديث والاخبار، ومعرفة أحوال رجال الفريقين وعلم الكلام، كان مهتم في الدفاع عن حوزة الدين وبيضة الشريعة، وكان تمام عمره الشريف مشغول بالتأليف».
وقال العلامة المحدث الشيخ القمي في كتابة الفوائد الرضوية ما تعريبه:
«السيد الاجل العلامة والفاضل الورع الفهامة، الفقيه المتكلم المحقق والمفسر المحدث المدقق، حجة الاسلام والمسلمين آية الله في العالمين، وناشر مذهب آبائه الطاهرين، السيف القاطع والركن الدافع والبحر الزاخر والسحاب الماطر، الذي شهد بكثرة فضله العاكف والبادي، وارتوى من بحار علمه الضمآن والصادي:
هو البحر لا بل دون ما علمه البحر | هو البدر لا بل دون طلعته البدر |
هو النجم لا بل دونه النجم طلعة | هو الدر لا بل دون منطقه الدر |
وبالجملة: فإنّ وجوده كان من آيات الله وحجج الشيعة الاثنى عشرية، ومن طالع كتابه (العبقات) يعلم أنّه لم يصنف على هذا المنوال في الكلام ـ لا سيما في مبحث الامامة ـ من صدر الاسلام حتى الان...».
وقال الميرزا مهدي الكشميري اللكهنوي في كتابه تكملة نجوم السماء:
«آية الله في العالمين وحجته على الجاحدين، وارث علوم أوصياء خير البشر، المجدد للمذهب الجعفري على رأس المائة الثالثة عشر، مولانا ومولى الكونين المقتفي لاثار آبائه المصطفين جناب السيد حامد حسين أعلى الله مقامه وزاد في الخلد اكرامه.
بلغ في علو المرتبة وسمو المنزلة مقاماً تقصر عقول العقلاء وألباب الالباء عن دركه، وتعجز ألسنة البلغاء وقرائح الفصحاء عن بيان أيسر فضائله...».
وقال صاحب المآثر والاثار:
«مير حامد حسين اللكهنوي آية من الايات الالهية، وحجة من حجج الشيعة الاثنى عشرية، جمع الى الفقه التضلع في علم الحديث والاحاطة بالاخبار والاثار وتراجم رجال الفريقين، فكان في ذلك المتفرد بين الامامية، وهو صاحب المقام المشهود والموقف المشهور بين المسلمين في فن الكلام ـ ولا سيما مبحث الامامة ـ ومن وقف على كتابه عبقات الانوار علم أنّه لم يصنف على منواله في الشيعة من الاولين والاخرين... ومن الامارات على كونه مؤيداً من عند الله ظفره بكتاب الصواقع لنصر الله الكابلي الذي انتحل الدهلوي كله...».
وقال السيد محمد مهدي الخوانساري في كتابه أحسن الوديعة:
«لسان الفقهاء والمجتهدين، وترجمان الحكماء والمتكلمين، وسند المحدثين مولانا السيد حامد حسين... كان (رحمه الله) من أكابر المتكلمين الباحثين في
وله مكتبة كبيرة في لكهنو، وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب، ولا سيما كتب المخالفين.
وبالجملة: فهو في الديار الهندية سيد المسلمين حقاً وشيخ الاسلام صدقاً، وأهل عصره كلهم مذعنون لعلو شأنه في الدين والسيادة، وحسن الاعتقاد وكثرة الاطلاع وسعة الباع ولزوم طريقة السلف».
وقال عبد الحي اللكهنوي في كتابه نزهة الخواطر:
«وكان بارعاً في الكلام والجدل، واسع الاطلاع، كثير المطالعة، سائل القلم، سريع التأليف، وقد أضنى نفسه في الكتابة والتأليف حتى اعترته الامراض الكثيرة، وضعفت قواه...».
وقال خاتمة المحدثين آية الله الميرزا النوري في تقريض له لكتاب العبقات:
«ولعمري لقد وفى حقّ العلم بحقّ براعته، ونشر حديث الاسلام بصدق لسان يراعته، وبذل من جهده في إقامة الاود وإبانة الرشد ما يقصر دونه العيّوق، فأنّى يدرك شأوه المسحّ السابح السبّوق!! فتلك كتبه قد حبت الظلام وجلت
فجزاه الله عن آبائه الاماجد خير ما جزى به ولداً عن والد...».
وقال الميرزا المجدد الشيرازي في تقريض له لكتاب العبقات:
«ذي الفضل الغزير، والقدر الخطير، والفاضل النحرير، والفائق التحرير، والرائق التعبير، العديم النظير المولوي حامد حسين...».
وقد فقد السيد حامد حسين والده السيد محمد قلي وهو في سن الخامسة عشرة، بعد أن أكمل على يده دراسة مبادئ ومقدمات العلوم والكلام، أمّا باقي العلوم فأتمها على يد مشاهير وأعاظم عصره، كالسيد حسين بن السيد دلدار علي النقوي، والسيد مرتضى بن السيد محمد بن السيد دلدار علي النقوي، والمفتي السيد محمد عباس التستري.
كانت للسيد حامد حسين مكانة علمية رفيعة بين علماء شبه القارة الهندية، وقد اقرّ بمكانته العظيمة جميع العلماء من العرب وغيرهم، حيث أطروه بألقاب كثيرة، كآية الله في العالمين ومجدد الملّة ومحي الدين وحجة الحق على
كان طيلة عمره الشريف مثابراً على المطالعة والكتابة، وكان لكثرة عمله في الكتابة أن ضعفت يداه، فأخذ يملي على الاخرين ليكتبوا له، ولم يمنعه ضعف جسمه ومرضه عن المطالعة والتنقيب في الكتب حتى في أواخر لحظات حياته وهو مستلق على الفراش، وقد نقل عن أحد أولاده أنّه عندما جهز وغسل (رحمه الله) وجد في صدره آثار واضحة وكبيرة خلفتها الكتب التي كان يضعها على صدره، عندما ضعف جسمه واصبح لا يقوى على الجلوس للمطالعة.
مؤلفاته:
للسيد حامد حسين تصانيف جليلة كثيرة نافعة، يستشف الناظر منها ما لهذا الحبر من مادة غزيرة وكيف أنّه كان بحراً متمادي الاطراف. ومؤلفاته عدا الشوارق:
1 ـ عبقات الانوار في مناقب الائمة الاطهار (باللغة الفارسية في عشرة مجلدات،) وهو أجل ما كتب في باب الامامة من صدر الاسلام الى الان، كتبه
2 ـ إستقصاء الافحام وإستيفاء الانتقام، في رد منتهى الكلام لحيدر علي الفيض آبادي (باللغة الفارسية في عشرة مجلدات) طبع عام 1315 هـ.
3 ـ أسفار الانوار عن حقائق أفضل الاسفار، شرح فيه وقائع سفره الى بيت الله الحرام وزيارته لمراقد الائمة الاطهار (عليهم السلام).
4 ـ الشريعة الغرّاء، كتاب في الفقه من أوّل الطهارة الى آخر الديات.
5 ـ الشعلة الجوّالة، في إحراق المصاحف على عهد عثمان.
6 ـ إفحام أهل المين، في رد إزالة الغين لحيدر عليّ الفيض آبادي.
7 ـ العشرة الكاملة، شرح فيه عشر مسائل مشكلة. ولعله هو نفس كتاب كشف المعضلات في حل المشكلات، المذكور في تكملة نجوم السماء ومطلع الانوار.
8 ـ العضب البتّار في مبحث آية الغار (باللغة العربية).
9 ـ صفحة الالماس في حكم الارتماس، في باب الغسل الارتماسي من الفقه.
10 ـ الدرر السنية في المكاتب والمنشآت العربية.
11 ـ الذرائع في شرح الشرائع، فقه استدلالي (باللغة العربية).
12 ـ الظل الممدود والطلح المنضود.
13 ـ زين الوسائل الى تحقيق المسائل، فقه (باللغة العربية).
14 ـ درّة التحقيق.
16 ـ النجم الثاقب في مسألة الحاجب، فقه.
17 ـ شمع المجالس، قصائد له في رثاء سيد الشهداء (باللغة العربية والفارسية).
18 ـ شمع ودمع، شعر (باللغة الفارسية).
وقال المحقق التبريزي في ريحانة الادب: وقد صرح بعض الاكابر ببلوغ مؤلفاته مائتي مجلد.
لمحات من شخصيته:
لم يقتصر دور السيد حامد حسين على التأليف والتصنيف فحسب، بل عمل على تربية علماء وشخصيات فريدة، حملت فكره الرائع ومنهجه العظيم، كالعلامة غلام حسين الكنتوري والعلامة سراج حسين والعلامة القاضي كرامت حسين والعلامة تصدق حسين والعلامة ناصر حسين والعلامة محمد مهدي أديب وغيرهم.
كان السيد حامد حسين شديد التقوى والورع في دين الله، ومن عجائب أمره أنّه كان لا يكتب إلاّ بالحبر والقرطاس الاسلاميين مع كثرة تأليفاته، وذلك لتحرزه عن صنائع غير المسلمين.
ويذكر أنّه كان لا يطيق استماع المصائب المبكية التي لاقاها أهل بيت الوحي والتنزيل (عليهم السلام)، ولهذا كان يتجنب الخطباء والوعاظ قراءة المصائب في محضره، واتفق يوماً أن قرأ أحد خطباء المنبر الحسيني مصيبة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بحضوره فوقع السيد حامد حسين مغشياً عليه من شدة التأثر.