مكتبته:
للسيد حامد حسين مكتبة نفيسة شهيرة تحوي الالاف من المخطوطات القيمة وعشرات الالوف من المطبوعات النادرة، وقد ساعده يسر حالته المالية وامتلاكه للاراضي والعقارات أن يجمع الكتب وأن يؤسس هذه المكتبة العظيمة التي تسمى اليوم باسم نجله (المكتبة الناصرية).
وكانت نواة هذه المكتبة كتب العلامة السيد محمد قلي والد السيد حامد حسين، ثمّ ضمّ إليها نجله السيد ما وصلت اليه من الكتب، ولا سيما ما كان يحصل عليه من البلدان المختلفة من أمهات المصادر في مختلف العلوم والفنون، ثم سعى السيد ناصر حسين في تطويرها وتوسعتها فاشتهرت باسمه.
ولقد كانت هذه المكتبة في زمن السيد حامد حسين تحوي ثلاثين ألف كتاب من مخطوط ومطبوع، ولقد ذكرها معظم الذين ترجموا للمؤلف.
فقد قال الشيخ الطهراني بترجمته:
«وللمترجم خزانة كتب جليلة وحيدة في لكهنو بل في بلاد الهند، وهي احدى مفاخر العالم الشيعي، جمعت ثلاثين ألف كتاب بين مخطوط ومطبوع، من نفائس الكتب وجلائل الاثار، ولا سيما تصانيف أهل السنّة من المتقدمين والمتأخرين.
حدثني شيخنا العلامة الميرزا حسين النوري أن المترجم كتب اليه من لكهنو يطلب منه ارسال أحد الكتب اليه، فأجابه الاستاذ بأنّه من العجيب خلو مكتبتكم من هذا الكتاب على عظمها واحتوائها. فأجابه المترجم بأنّ من المتيقن لدي وجود عدّة نسخ من هذا الكتاب، ولكن التفتيش عنه والحصول عليه أمر
فمن هذا يظهر عظم المكتبة واتساعها. وحدثني بعض فضلاء الهند أنّ أحد أهل الفضل حاول تأليف فهرس لها وفشل في ذلك.
وقد أهدى إليَّ بعض أجلاء الاصدقاء صورة جانب واحد من جوانبها الاربع وهو كتب التفاسير، وقد زرناه فادهشنا.
وبالجملة: فإنّ مكتبة هذا الامام الكبير من أهم خزائن الكتب في الشرق».
وقال السيد محسن الامين:
«ومكتبته في لكهنو وحيدة في كثرة العدد من صنوف الكتب، ولا سيما كتب غير الشيعة. ويناهز عدد كتبها الثلاثين ألفاً ما بين مطبوع ومخطوط... فيما كتبه الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة العرفان ما صورته:
من أهم خزائن الكتب الشرقية في عصرنا هذا: خزانة كتب المرحوم السيد حامد حسين اللكهنوي ـ نسبة الى لكهنو من بلاد الهند ـ صاحب كتاب عبقات الانوار الكبير في الامامة، من ذوي العناية بالكتاب والتوفر على جمع الاثار، أنفق الاموال الطائلة على نسخها ووراقتها، وفي كتابه عبقات الانوار المطبوع في الهند ما يشهد على ذلك.
وقد اشتملت خزانة كتبه على ألوف من المجلدات فيها كثير من نفائس المخطوطات القديمة».
وفي (أحسن الوديعة) بترجمته:
وجاء في (صحيفة المكتبة) الصادرة عن مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الاشرف في ذكر المكتبات التي زارها العلامة الحجة المجاهد صاحب الغدير في مدينة لكهنو بالهند ما نصه:
«مكتبة الناصرية العامة. تزدهر هذه المكتبة العامرة بين الاوساط العلمية وحواضر الثقافة في العالم الاسلامي بنفائسها الجمة، ونوادرها الثمينة، وما تحوي خزانتها من الكتب الكثيرة في العلوم العالية من: الفقه وأصوله، والتفسير، والحديث، والكلام والحكمة والفلسفة، والاخلاق، والتاريخ، واللغة، والادب. الى معاجم ومجاميع وموسوعات في الجغرافيا، والتراجم والرجال، والدراية، والرواية.
وهي نتيجة فكرة ثلاثة من أبطال العلم والدين، جمعت يمنى كل منهم قسماً من هذه الثروة الاسلامية الطائلة في حياته السعيدة، فأسدى بها الى أمّة القرآن الكريم خدمة كبيرة، تذكر وتشكر مع الابد، ولم يكتف أولئك الفطاحل بذلك الى أن وقف كل منهم ماله عليه وقفاً. فغدت يقضي بها كل عالم مأربه، ويسد بها كل ثقافي حاجته.
وكانت النواة لها مكتبة السيد محمد قلي الموسوي... ثم حذا حذوه وضم كتبه اليها نجله القدوة والاسوة السيد حامد حسين... ثم شفعت تلك المكتبة بمكتبة شبله السيد ناصر حسين....
وهذه المكتبة العامرة تسمى باسمه، يناهز عدد كتبها اليوم ثلاثين ألفاً من
وفاته:
توفي رضوان الله تعالى عليه في مدينة لكهنو في 18 صفر 1306 هـ ودفن في مكتبته، وضريحه يزار إلى يومنا هذا ومن جميع طوائف الناس.
اسلوبه ومنهجه في التأليف:
استحق السيد حامد حسين بتأليفاته وتصنيفاته بحق وجدارة كل الاوصاف التي ذكرها كبار العلماء ومهرة الفنون في كلماتهم المتقدمة، فإنّه أجاد في الاتيان بها بأتم الوجوه وأتقن السبل في إفحام الخصم، الذي لم يجد بداً من الاعتراف بعجزه عن الرد عليها.
وتظهر أسباب هذا التوفيق وتشخص للعيان عند الاطلاع على منهجه واسلوبه في التأليف والتصنيف.
فقد شرع السيد المؤلف (رحمه الله) بالتأليف والتصنيف بعد أن أتم تحصيل أغلب فنون العلوم على أكابر أساتذة عصره، وسعى في بادئ أمره الى اتمام وتخريج
كما عمل على جمع الكتب والمصادر في الفنون كافة ليتسنى له تأسيس مكتبة عظيمة جمعت الكثير من المخطوطات لتكون بمثابة النواة الاولى لمهمته.
كان اعتماده في المرحلة الاولى وقبل البدء بالتأليف على مطالعة أمهات الكتب والمصادر في الفقه والتاريخ والتفسير والكلام، كما كان يعلق ويهمّش على المواضيع المهمة في كل كتاب ومصنف، ولهذا لا يوجد كتاب أو نسخة في مكتبته إلاّ وتوجد فيه تعليقة له، وهذا ما يدل على شدّة حرصه على التدقيق والتحقيق والتوثيق للمصادر عند الاستدلال.
وكان (رحمه الله) قبل البدء بكتابة أي موضوع يبادر إلى مطالعة الكتب التي تخدم ذلك الموضوع، فيستخرج منها ما له صلة بموضوعه وفكرته التي شيّد اطارها مسبقاً في ذهنه، فكان يكتب كل ما يستخرجه على أوراق منفصلة سماها بالمنتخبات، وكان بعد ذلك يقوم بالتأليف والتصنيف معتمداً على هذه المنتخبات، سواء كان ذلك في مجال التصحيح أو التصنيف أو النقل.
وتعتبر هذه المنتخبات مخطوطات له في يومنا هذا، وهي موضوعة حالياً في علب كثيرة جداً، ربما تكون اكثر مما قد الفه وأضعاف ماهو معروف عنه من الكتب.
وبهذا يكون ما ألفه وصنفه هذا السيد العظيم هو نتاج ما جمعه وانتخبه خلال مطالعاته لاَغلب الكتب والمصنفات.
المصادر المعتمدة:
كلمة المحقق
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً والصلاة والسلام على النبيّ المصطفى وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد، إنّ أعداء وخصوم أهل بيت الوحي والنبوة حينما وجدوا عظمة مكانة الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكثرة ما ورد من الفضائل والمناقب الواردة في حقّه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على لسان الصحابة والتابعين، لم يرق لهم ذلك فحاولوا الوقوف ضدّها بشتّى السبل الممكنة، لكنهم لمّا وجدوا عدم وسعهم في تكذيب هذه الاحاديث أو تضعيفها لاشتهارها وتواترها، عمدوا الى تحريف بعض متونها وقلب مضامينها، ووضع أحاديث مختلقة ومزوّرة ومشابهة لها بفضل غيره (عليه السلام) كأبي بكر وعمر وعثمان، ولم يكن ذلك حباً منهم لهؤلاء، بل كان قصدهم تقليل ما لامير المؤمنين (عليه السلام) من فضائل ومناقب في أعين الناس.
ولكثرة ما اشاعوا وأذاعوا من هذه الاحاديث المختلقة والموضوعة قام بعض أئمة القوم ـ تعصباً منهم ـ بتدوينها في مسانيدهم ومعاجمهم، وذاكرين لها في ابواب مناقبهم، وحاكمين عليها بالصحة والوثوق سواء كان ذلك تعمداً منهم أو
وبلغ تعصب بعض آخر حداً أن ردّ وطعن في كل ما لامير المؤمنين (عليه السلام) من فضائل ومناقب، وبالغ بعض آخر منهم فطعن فيما اشتهر وتواتر من الاحاديث في حقه (عليه السلام) كالفخر الرازي حينما طعن في حديث الغدير، وابن تيمية اذ ردّ حديث (ستفترق امتي...)، وكذا البدايوني الهندي اذ ردّ على حديث الراية.
وزاد آخرون في تعصّبهم حتى طعنوا في الاحاديث التي أخرجتها صحاحهم بالخصوص البخاري ومسلم، ولم يكترثوا الى القول بقطعية صدور جميع أحاديثهما عندهم.
وذلك كما فعل ابن تيمية وابن الجوزي في قدحهم لحديث (اني تارك فيكم الثقلين...) الوارد في صحيح مسلم، والامدي ومن تبعه في إبطال حديث (أنت مني بمنزلة هارون من موسى...) المذكور في الصحيحين، والدهلوي الذي أبطل حديث هجر الزهراء (عليها السلام) لابي بكر حتى توفت، الوارد في الصحيحين.
ولكن لا يؤدي بنا هذا القول الى إنكار أنّ بعض أكابر أهل السنّة صنّفوا كتباً لتبيين الاحاديث الموضوعة والمختلقة وسموها بالموضوعات مع شرح وتعليق وتعقيب لبعض منها، كما عند ابن الجوزي والسيوطي وابن العراق، لكن لم تخلُ هذه المصنفات من آثار التعصب الواضحة والفاضحة، حيث نرى في كتاب الموضوعات لابن الجوزي أنّه أودع في كتابه الكثير من الاحاديث المتسالم عليها والصحيحة المتواترة التي لا يوجد أي دليل على كونها موضوعة، حتى اعترف بذلك علماؤهم كابن الصلاح وابن جماعة الكناني والطيبي وابن كثير
ومن هذا المنطلق قام بعض علماء الشيعة الاعلام بتبيين الحقائق بوضعهم النقاط على الحروف وكشف الاستار عن التحريف والتزييف والتزوير، وكان منهم صاحب هذا الكتاب الذي سطع نجمه في هذا المضمار، ولحرصه على التقيّد بقواعد المناظرة والنقاش، ولتميّز اسلوبه في البحث والاستدلال، بخصائص من أهمها:
أ ـ نقل كلام المخالف من دون زيادة أو نقصان، ثم طرحه على مائدة البحث، والمبادرة إلى تبيين مواضع الاشكال فيه، ليكون البحث بحثاً موضوعياً نزيهاً.
ب ـ الاحتجاج بما يرويه المخالف، لا بما يرويه المحاجج ويعتمد عليه.
جـ ـ القول بالحق والاعتراف بالحقيقة في مقام الاحتجاج والمناظرة.
اسلوب المؤلف في هذا الكتاب:
أ ـ الاستدلال بما روى أهل السنّة والنقل المباشر من مصادرهم، وعدم الاعتماد على ما نقل بالواسطة من كتب أهل السنّة من الشيعة.
ب ـ البحث في سند الرواية من حيث التوثيق والتضعيف للرواة من نفس مصادرهم الرجالية وتراجمهم ونصوص علمائهم في الجرح والتعديل.
جـ ـ التتبع الدقيق لاقوال الناقلين للحديث الذي يذكره، من أهل العامّة ومن ذكره ونقله بالنص.
د ـ ذكر ترجمة الرواة عند جرحهم وإسقاطهم عن درجة الاعتبار، حيث
هـ ـ بعد كل ما تقدم يأخذ المؤلف في بيان وجوه الاشكالات في المقام، والرد عليها بشكل علمي ومستدل.
و ـ الاستشهاد في مقام الرد ببعض أقوال علمائهم الذين ردّ بعضهم على بعض، لتكون الحجة أتم وأبلغ، لانهم حجة ومرجع لدى المخالف.
هذا المطبوع:
ذكر المؤلف (رحمه الله) في مقدمة كتابه (شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص) أنّه رتب هذا الكتاب على ستة أبواب وخاتمة، وذكر في الباب الاوّل ما وضعوا من فضائل لابي بكر، وأعقبه بالباب الثاني وذكر فيه ما وضعوا من فضائل لعمر، وأردفهما بالباب الثالث ذاكراً فيه ما وضعوه للاثنين معاً. والى هنا تنتهي أوراق الكتاب الذي عملنا عليه، المصور على النسخة الخطية للمؤلف، ولم نحصل على أي دليل أو اشارة لوجود باقي الابواب، علماً بأنّ نفس نسخة المؤلف الخطية مفقودة من المكتبة الناصرية في لكهنو.
وقد كان اعتمادنا في عملنا هذا على النسخة الوحيدة المصورة للمخطوط التي تحمل اسم (شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص) الموجودة في مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي (قدس سره) والمشار اليها بالرقم (314 ـ 315 ـ 316 ـ 317).
والجدير بالذكر أنه قد وصل إلينا كراس مدوّن من قبل المركز الثقافي الايراني في الهند يحتوي على دراسة مختصرة عن تاريخ المؤلف وأسرته، كان
1 ـ باب موضوعات فضائل أبي بكر.
2 ـ باب موضوعات فضائل عمر.
3 ـ باب موضوعات فضائل عثمان.
4 ـ باب موضوعات فضائل الشيخين.
5 ـ باب موضوعات فضائل الثلاثة.
6 ـ باب موضوعات فضائل معاوية وعائشة وبقية الاصحاب.
7 ـ باب موضوعات ذم الروافض وغيره.
عملنا في الكتاب:
كان بدء العمل في هذا الكتاب عام 1420 هـ بمدينة قم المقدّسة، وكانت البداية بالتعاون مع أخينا العزيز السيد الجليل هاشم الميلاني وذلك ليتم انجاز وتهيئة الكتاب بفترة زمنية قصيرة، ولكن وللاسف حالت ظروف السيد الخاصة من الاستمرار في العمل فحملت اكمال تحقيق الكتاب على عاتقي متوكلاً على الله تعالى وراجياً من صاحب العصر (عج) العون والتسديد، فواصلت العمل بشوق كبير لما لمست ما للكتاب من فوائد عظيمة قل وجودها في كتب مذهبنا، كان من أهمها فضح ما تمسك به الخصوم وكشف عيوبهم ومخازيهم.
ولا بأس بذكر كيفية الحصول على نسخة الكتاب ; فبعد التوصيات التي
والاصعب من هذا وذاك وجود تداخل في بعض المتون ونقلها إلى أماكن أخرى، ويبدو أن السبب في ذلك هو أنّ النسخة الخطية المصور عليها لم تكن بخط المصنف، وإنّما استنسخها شخص آخر. هذا بالاضافة الى وجود قصاصات كثيرة تحتوي على إضافات كتبها المؤلف بعد اتمام الكتاب، ووضعها بشكل مستقل بين مضان الكتاب.
ولهذا اضطررنا الى استنساخ الكتاب مرتين كتابة حتى تتكامل المطالب، وفي نفس الوقت عملنا على تقطيع متون أبواب الكتاب الى فصول وترقيمها على حسب المواضيع المنتخبة.
وقد أخذنا على عاتقنا توثيق نصوص الكتاب من مصادرها الاصلية (الام) مما استلزم ذلك بذل جهد كبير ووقت كثير، وذلك لعدم توفر الكثير من تلك المصادر وعدم وجودها في متناول أيدينا، ولكن نشكر الباري عزّ وجلّ إذ وفقنا في إنجاز هذه المهمة باستثناء بعض المصادر المعدودة بالاصابع التي هي
علماً بأننا قمنا باضافة بعض التعليقات كتبناها في الهوامش وربما في المتون أيضاً والتي لا تخلو من فائدة أشرنا اليها بعلامات مميزة.
وأخيراً نحمد الله ونشكره على توفيقه لنا للقيام بهذه الخدمة لمذهب العترة الطاهرة واحياء هذا الاثر العظيم لهذا المؤلف الجليل. واسأل الباري عزّ وجلّ أنّ يجعل ثواب هذا لوالدينا ويشركنا ومتعلقينا معهم، إنّه سميع الدعاء والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وأهل بيته الميامين.
طاهر السلامي
1420 هـ
مقدّمة المؤلّف
الحمد لله الذي أوزعنا تمييز الحق من الباطل، والهمنا تزئيل المحلى من العاطل، ووفقنا لتفريق الملح الاُجاج(1) من النمير العذب السائل، وسددنا لمعرفة الذهب من الرّخام، والشهير من الخامل، ولم يجعلنا من مرجحي المرجوح على الفاضل، وهدانا بالخطاب البيّن الفاصل، وسكب علينا من نعمه ومننه السحاب الهاطل، وصيرنا ممن يصيبه من فضله ومنّه طلّ وابل.
وقصم ظهور الكذابين بتفضيح المنقدين الاماثل، واخزاهم بفضيحة العاجل وعذاب الاجل، وقيض للمفترين والوضاعين من العذاب والنكال ماهو شديد هائل، وأتاح للخادعين والماكرين أغلالاً وحديداً لا يحتمله حامل. وصان شرعه ودينه بالنّاقدين المحققين عن كذبات كلّ مفتر خاتل، وجعل الكذّابين والخدّاعين لا يحصلون بسعيهم وكدّهم وجدّهم في تخرص الاباطيل على طائل، حيث وسم على الحقّ والصّدق من السّمات والمحائل(2)، وعلى
____________
(1) قولهم ملح اجاج، قرئ بالكسر فالسكون، وقرئ بفتح الميم وكسر على فَعِل وخفف وقصر عليه.
ملح اجاج: وهو الشديد الملوحة والمرارة / لسان.
(2) المحائل: جمع محل: وهي المكر والكيد، والمماحلة: المكايدة / لسان.
والصلاة والسلام على نبيّه الكريم المعتام لانقاذ الخلق من شرك الشرك ومصائد الخبائل(1)، المختار للصّدع بالشرع المبين والاضطلاع باعباء الدين، المنتخب من جرثومة(2) الاطائب والافاضل، النّاجه(3) الواقص(4) الرادع لبدع كلّ معاند وجاهل، المستأصل شأفة الاضاليل، والمجتاح اُسّ الاعاليل، المخلّص من الذل الشامل، الهادي الى محجة الصواب وسنن الثواب، ولَقِمَ السنّة والكتاب النازل، فاعتدل بعنايته كلّ زائغ مائل. واستقام بهدايته كلّ معوج مائل.
وعلى آله الكرام البررة الطاهرين الذين هم مصادر الانوار، ومطالع الاسرار، وحفظة الذمار، فهم المنقذون شيعتهم من البوائق والغوائل، والموضّحين لمحبّيهم طريق الجنّة والنار، والمروّجين لصحاح الاثار وصوادق الاخبار، اللاجين لنا المنهج السابل، الكاشفين الصادعين عن أكاذيب الاشرار وأراجيف الفجار، الموصلين أشياعهم الى النعيم المقيم، والثواب الغير الزائل، فلهم عند الله شرف قديم وعزّ صميم، وسناء نور غير آفل، وولائهم والتشبث بذيلهم الطاهر ينعش الخسيس السّافل.
وبعد، فيقول العبد الضئيل حامد حسين بن المولى العلاّمة السيّد محمّد قلي أحلّه الله دار الكرامة:
إنّ الله لما بعث نبيّه، هدى الامم وصان من النقم، وأبان عن جليل النعم،
____________
(1) الخبال: الفساد، أو نوع من الجِنّ / لسان.
(2) الجرثومة بالضم والسكون أصل الشيء. [ المؤلف ].
(3) النجه: الزجر والردع، ونجه على القوم: طلع / لسان.
(4) وقصت الشيء: إذ كسرته / لسان.
ثمّ إنّه لمّا مضى لسبيله، واختار دار رحيله، قلبوا لاهله ظهر المجن، وانقلبوا على أعقابهم متقاحمين في الفتن، انكروا ما عاينوا بعيونهم وسمعوا بأسماعهم، فالظوا(4) لهم النصوص الصادعة، وأقاموا في مدافعتهم عن مقامهم على انكار الشمس الطالعة.
ولكن في خلافة ثلاثتهم الاُول، ولقرب الزمان بفقد الرسول الكريم، ووجود جمع كثير وجمّ غفير من المميزين بين الحق والباطل السَّقيم، لم يجترؤا على أن يفتروا الاكاذيب الصريحة، والمجعولات القبيحة في الوصيّ والال، أو يصرفوا مناقبهم الجميلة ومحامدهم الجليلة الى كلّ معاند ضال، وإن كان يتفق ذلك على الشذوذ والندور، فإن البليّة قد ابتدأت من ارتحال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الى دار
____________
(1) الاضلاع: الامالة / لسان.
(2) المدّيث: المذلّل / لسان.
(3) قمأ الرجل: ذلّ وصغر / لسان.
(4) اللظاظ: الحرب / لسان.
(انجذم فيها حبل الدين، وتضعضعت(1) سواري اليقين، واختلف النجر، وتشتت الامر، وضاق المخرج، وعمي المصدر، فالهدى خامل، والعمى شامل، عُصِي الرحمن، ونُصر الشيطان، وخذل الايمان، فانهارت دعائِمه، وتنكرت معالمه، ودرست سُبله، وعَفت شُرُكُهُ، [ أطاعوا الشيطان ] فسلكوا مسالكه ووردوا مناهله... الخ)(2).
فعند ذلك كثر الافتراء والافتعال، وشاع الزور والبهتان والانتحال، في أرباب التقشف والهتوك والتنطع(3)، المظهرين للفضل والكمال، فما ترى فيهم محدّثاً إلاّ يضع الاخبار، ولا فاضلاً إلاّ يفتعل الاثار، ولا راوياً إلاّ منهمكاً في الكذب والزور، ولا عالماً إلاّ هاوياً في الفجور والثبور، فقلبوا كلّ فضيلة جميلة لعلي (عليه السلام)وأولاده الامجاد الى خلفائهم وأتباعهم الاوغاد، ثم لم يقتصروا على ذلك حتى وضعوا في الوصي والال الكرام، ما يثلب ويغضّ منهم (عليهم السلام).
فرأيت أن أصنّف رسالة لم يسبقني أحد الى تصنيفها، ولم يبادرني مبادر الى ترصيفها، لا يعلم فضلها وجلالة شأنها إلاّ الراسخون، ولا يدرك غورها وقعرها إلاّ الشامخون، أُثبت فيها وضع أحاديث كثيرة، وكذب روايات غير
____________
(1) في المصدر [ تزعزعت ].
(2) نهج البلاغة: الخطبة الثانية.
(3) التنطع في الكلام: التعمق فيه مأخوذ منه، وفي الحديث: (هلك المتنطعون) هم المتعمقون المغالون... / لسان.
ولا يخفى! إنّ أصحابنا أعلى الله أقدارهم، وجعل في بحبوحة الجنّة قرارهم، وإن تعرضوا في مواضع عديدة لذكر دلائل سديدة في مصنفاتهم المفيدة، على وضع بعض أحاديث فضائل الخلفاء وأضرابهم، وهتك أستار الواضعين وأحزابهم، على نهج الاستطراد والتضمين لا على طريقة الجمع والتدوين، فإنّ ذلك من خصائص نعم الله الجليل على هذا العبد القاصر الضئيل.
وسميت هذه الرسالة بـ «شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص»، ورتّبتها على ستة أبواب وخاتمة(1).
____________
(1) النسخة الخطية الموجودة بين أيدينا والموجودة في مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي (قدس سره)، مكونة من ثلاثة أبواب فقط وهي التي يتكون منها هذا الكتاب.