الباب الأول
في ذكر جملة من الفضائل الموضوعة والمدائح
المصنوعة التي افتراها المرجفون وافتعلها
الواضعون في أبي بكر
«قد تعصب قوم لا خَلاق لهم، يدّعون التمسّك بالسنّة، فوضعوا لابي بكر فضائل، وفيهم من قصد معارضة الرافضة بما وضعت لعلي (عليه السلام)، وكلا الفريقين على الخطاء، وذانك السيدان غنيّان بالفضائل الصحيحة الصريحة عن إستعارة وتحرص»(1) إنتهى.
فهذا ابن الجوزي مع جلالته ونقده وتبحره وتمهره وعظمته وفضله ووثوقه، ينادي جهاراً رافعاً عقيرته، بأنّ المدّعين للتمسك بالسنّة الذين هم هؤلاء المتسمّون بأهل السنّة، وضعوا لابي بكر فضائل ليبينوا عن مديحته وإثباتاً لمنقبته، وبعضهم قصدوا معارضة روايات الشيعة في فضائل عليّ (عليه السلام)، فوضعوا فضائل ومناقب لابي بكر، فافتضحوا وكفى بذلك شاهداً، وناهيك به برهاناً على كذب هؤلاء، وكونهم لا يخافون الله المتعال في الافتراء والافتعال، فرماهم الله بأشدّ النّكال، وأفضح الوبال، وأنكر الخبال.
وأمّا إدّعاء ابن الجوزي أنّ الشيعة وضعت فضائل لعلي (عليه السلام): فحاشاهم ثم حاشاهم عن ذلك، والعياذ بالله ان يضعوا ويفعلوا، وكيف يقبل مجرّد الادّعاء لحصول الكذب والافتراء؟!.
ثم ذكر ابن الجوزي بعد هذا الكلام خمسة عشر حديثاً موضوعاً في فضل
____________
(1) الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 225.
«وقد تركت أحاديث كثيرة يروونها في فضل أبي بكر، فمنها صحيح المعنى لكنّها لا تثبت(1) منقولاً، ومنها ما ليس بشيء، وما زال أسمع العوام يقولون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال (ما صبّ الله في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر) و (إذا اشتقت الى الجنّة قبلت شيبة أبي بكر) و (كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان سبقته فأتبعني ولو سبقني لاتبعته) في أشياء وما رأينا لها أثراً [ لا ](2) في الصحيح ولا في الموضوع، ولا فائدة في الاطالة بمثل هذه الاشياء»(3) إنتهى.
وهذا صريح في تكثير الاحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر، وتعددها وتنوّعها، وإنّ ماذكره من الاحاديث الثلاثة إنّما هو من مقولات العوام العمياء، الخابطين في طرق الضلالة، الراكبين متن العشواء، فالعجب كلّ العجب من الذين يعدّون من الاعلام والخواص العظام، كيف اغتروا بمقولات الهمج العوام، وحنوا الى اكذوبات الطغام، فعدّوها من مآثر خليفتهم، وافتخروا وباهوا بها كذباً وزوراً، كما سيظهر عليك إنشاء الله تعالى فيما بعد ظهوراً.
____________
(1) في المصدر [ لكنّه لا يثبت ].
(2) لا يوجد في المصدر.
(3) الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 237.
الفصل الاوّل
[ في تجلّي الله لابي بكر ]
فمن هذه الاكذوبات التي هي كنسج العنكبوت، وأسخف من ورق التوت، وتُرّهات ملاحدة حضرموت، ما يروونه من انّ الله يتجلّى لابي بكر خاصّة وللناس عامة، وهذه طامّة يالها من طامّة.
قال ولي الله في إزالة الخفاء في فضائل أبي بكر:
«[ الثامن والثلاثون: تجلّى الله تعالى عزّ وجلّ خاصة للصديق، من حديث جائر ](1)، ففي قصّة وفد القيس قال: (قد فأجابهم أبو بكر (رضي الله عنه)بجواب وأجاد الجواب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الاكبر، فقال بعض القوم: وما الرضوان الاكبر يا رسول الله، قال: يتجلّى الله لعباده في الاخرة عامّة ويتجلّى لابي بكر خاصّة)»(2) إنتهى.
____________
(1) في الاصل [ سي وهشتم: تجلي كردن خداى تعالى عزّ وجلّ خاصة براي حضرت صديق (رضي الله عنه) از حديث جابر ].
(2) ازالة الخفاء للدهلوي: 2 / 494.
ثم العجب! أنّه كيف إقتصر هذا الحائر الخاسر القاصر، على نسبة هذا الكذب الى جابر، مع أنّ الكاذبين الاقشاب نسبوه الى عدّة من الاصحاب، ولعلّ ذلك من قصور باعه وعدم إطلاعه.
ففي كنز العمال: «(إن الله ليتجلّى للناس عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصّة) ابن النجار عن جابر»(1).
وفيه أيضاً: (يا أبا بكر! أعطاكَ اللهُ الرضوانَ الاكبر، قال: وما رضوانه [ الاكبر ](2)؟ قال: إن الله يتجلّى للخلق عامة ويتجلّى لك خاصّة) ابن مردويه عن أنس، وتعقب عن جابر(3).
وقال المحبّ الطبري في الرياض النضرة:
«ذكر إختصاصه بتجلّي الله تعالى له يوم القيامة خاصة: عن أنس قال: قال
____________
(1) كنز العمال: 11 / 558 (32629)، انظر ذيل تاريخ بغداد لابن النجار: 19 / 115 (937).
(2) لا يوجد في المصدر.
(3) كنز العمال: 11 / 558 (32630)، ومستدرك الحاكم: 3 / 27 (4520).
وعن عليّ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ينادي مناد: أين السابقون الاوّلون؟ فيقال من؟ فيقول: أين أبو بكر الصدّيق؟ فيتجلّى الله لابي بكر خاصّة وللنّاس عامّة) خرّجه ابن بشران، وصاحب الفضائل، وقال: غريب.
وعن جابر، قال: (كنّا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا جاء وفد عبد القيس فتكلّم بعض القوم ولغا في كلام، فالتفت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الى أبي بكر فقال: يا أبا بكر أسمعت ما قالوا؟ قال: نعم، قال: فأجبهم، قال: فأجابهم وأجاد، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الاكبر، فقال له بعض القوم: يا رسول الله وما الرضوان الاكبر؟ قال: يتجلّى الله عزّ وجلّ [ يوم القيامة ](1) للعباد عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصّة) خرجه الملاّ أيضاً، وصاحب الفضائل، وقال: غريب، وشرح (لَغَا) أي قال باطلاً.
وعن أنس، قال: (لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار أخذ أبو بكر بركاب رسول الله، وأدبر بزمام الناقة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): وهب الله لك الرضوان الاكبر، فقيل: وما الرضوان الاكبر؟...) فذكر نحو ما تقدم، خرجه الملاّ.
وعن الزبير بن العوام: (أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج يريد الغار أتاه أبو بكر بناقة، فقال: إركبها يا رسول الله، فلما ركبها إلتفت الى أبي بكر فقل: يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الاكبر، قال: يا رسول لله وما الرضوان
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
وقال إبراهيم الوصّابي في كتاب الاكتفاء:
«عن أنس (رضي الله عنه) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر: أعطاك الله تعالى الرضوان الاكبر، قال: وما الرضوان الكبر، قال: إن الله تعالى يتجلّى للخلق ويتجلّى لك خاصةّ) أخرجه ابن مردويه في فوائده، والحاكم في المستدرك»(2).
وقد نصّ بن الجوزي على كذب هذا الحديث ووضّعه، وعدّه من الاحاديث المكذوبة المستبشعة، فقال في كتاب الموضوعات:
«الحديث الاوّل: في انّ الله يتجلّى لابي بكر خاصّة، فيه عن أنس وجابر وأبي هريرة وعائشة.
فأمّا حديث أنس فله ثلاثة طرق:
الطريق الاوّل: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: ثنا أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، قال: حدثنا محمد بن يوسف بن
____________
(1) الرياض النضرة للطبري: 2 / 75 ـ 77 (497 ـ 501) وانظر سيرة المتعبدين للملاّ: 5 / 2 / 106.
(2) الاكتفاء للوصابي، مخطوط في الباب الخامس من ما جاء في ذكر فضائله متفرقة خصّه الله تعالى بها على لسان نبيّه، وانظر مستدرك الحاكم: 3 / 83 (4463).
والوصّابي هو: إبراهيم بن عبد الله الوصّابي من علماء أهل السنّة المعتمدين، عدّه العجيلي في (ذخيرة المآل) من أجلّة العلماء، ووصفه المولوي حسن زمان في (القول المستحسن) لدى النقل عن كتابه بـ «الشيخ المحدّث» كما نقل عنه العجيلي في كتابه المذكور، والشيخ محمد محبوب عالم في (تفسيره) وكذا الدهلوي وتلميذه الرشيد، وقد ترجم له في (معجم المؤلفين 1/56) وذكر كتابه المذكور.
الطريق الثاني: أخبرنا عبد الاول بن عيسى، قال ثنا عبد الله بن محمّد الانصاري، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمّد وعبد الرحمن بن حمدان البصروي، قال: ثنا بنوس بن أحمد بن بنوس، قال ثنا أبو خليفة الجمحي [ قال: حدثنا أحمد بن مقدام العجلي ](2) قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر: (إنّ الله يتجلّى للخلائق عامّة ويتجلّى لك خاصّة).
الطريق الثالث: أنبأنا عليّ بن عبيد الله(3) بن خلف، قال: حدثنا عمر بن محمّد بن عيسى الجوهري، قال: أخبرنا إبراهيم بن مهدي، قال: ثنا سكن بن السعيد(4) القاضي ومحمّد بن سعيد بن مهران، قالا: حدثنا عمر بن عون، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم(5) التستري، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
(2) لا يوجد في المصدر.
(3) في المصدر: أنبأنا عليّ بن عبيد الله قال أنبأنا عليّ بن الحسين قال حدثنا محمّد بن عبد الله بن خلف....
(4) في المصدر [ السكن بن سعيد ].
(5) في المصدر [ هارون ].
وأما حديث جابر فله أربعة طرق:
الطريق الاوّل: أخبرنا محمّد بن عبد الباقي بن أحمد، قال: ثنا حمد بن أحمد الحداد، قال: ثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن الحسن ومحمّد بن عمر بن مسلم، قالا: حدثنا يوسف بن الحكم، قال: ثنا محمّد بن خالد، قال: ثنا كثير بن هشام، قال: ثنا جعفر بن برقان، عن محمّد بن سوقة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الاكبر، فقال له بعض القوم: يا رسول الله وما الرضوان الاكبر؟ قال: يتجلّى الله في الاخرة لعبادة المؤمنين عامة ويتجلّى لابي بكر خاصّة).
وأخبرناه بزيادة ألفاظ أبو نصر عبد الجبار إبراهيم بن عبد الوهاب بن منده، أنا أبو العلاء محمّد بن عبد الجبار بن محمّد الفرساني(3) قراءة عليه، قال: أنبأ عليّ بن يحيى بن جعفر الشيرازي(4) قال: أنبأ سليمان بن أحمد بن أيوب، قال: ثنا يوسف بن الحكم الضبي الخياط، قال: حدثنا محمّد بن خالد الختلي، قال: حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن محمّد بن سوقة، عن محمّد ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: (كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاءه
____________
(1) في المصدر [ ألا ابشرك ].
(2) في المصدر [ إذا كان يوم القيامة يتجلّى ].
(3) في المصدر [ الفرسان ـ الفريابي ].
(4) في المصدر [ السراني ].
الطريق الثاني: أخبرنا أبو منصور بن خيرون، قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعدة، قال: أخبرنا حمزة بن يوسف، قال: حدثنا أبو أحمد بن عدي وأخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أنبأ أحمد بن عليّ، قال: أنبأ أبو طالب عمر بن إبراهيم، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله بن صالح الابهري ح. وأخبرنا القزاز، قال: أنبأ أحمد بن عليّ، قال: حدثنا أبو العلاء الواسطي، قال: ثنا المعافي بن زكريا، قال: ثنا محمّد بن هارون الحضرمي ح. وأخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أنبأ أحمد بن عليّ بن ثابت، قال: أنبأ الازهري، قال: أخبرنا عليّ بن عمر الدارقطني، قال: ثنا الحسين بن إسماعيل، قالا: ثنا عليّ بن عبده، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي ذئب، عن محمّد بن المنكدر [ عن جابر ](2)، قال: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله ليتجلّى للناس عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصّة).
وأمّا الطريق الثالث: فرواه ابن الجوزي باسناده عن أبي حامد عليّ بن حسنويه المقري، قال: ثنا الحسن بن عليّ بن عفان، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير،
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
(2) لا يوجد في المصدر.
ثم قال ابن الجوزي:
الطريق الرابع: أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد، قال: أنبأ أحمد بن عليّ، قال: أنبأ محمّد بن جعفر الخرقي ومحمّد بن عمر بن بكير، قالا أنبأ أبو القاسم عمر بن محمّد بن عبد الله الترمذي، قال: أخبرنا عباس الشكلّي وأبو سعيد أحمد ابن محمّد بن عبيد الله الخلال، قالا: ثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر: (يا أبا بكر ألا أبشّرك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: إنّ الله يتجلّى للخلائق عامّة ولك خاصّة).
وأمّا حديث أبي هريرة:
فأنبأ محمّد بن عبد الملك، قال: أنبأنا الحسن بن عليّ الجوهري، عن أبي الحسن الدارقطني، عن أبي حاتم البستي، قال: أنبأ محمّد بن أحمد بن الفرج، قال: ثنا أحمد بن محمّد بن عمر بن يونس، قال: ثنا أبي عن أبي الزناد(2)، عن أبيه، عن الاعرج، عن أبي هريرة: قال: (لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار يريد المدينة، أخذ أبو بكر بغرزة [ ركاب ](3)، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (4): ألا أبشرك يا
____________
(1) في المصدر [ الطريق الثالث: أنبأنا القزاز، قال: أنبأنا أحمد بن عليّ قال أنبأنا أبو القاسم عبدالرحمن بن محمّد بن عبد الله السراج قال أنبأنا أبو حامد أحمد بن عليّ بن حسنويه المقري قال حدثنا الحسن بن عليّ بن عفان العامري قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثنا ابن أبي ذيب عن محمّد بن المنكدر في جابر قال ].
(2) في المصدر [ ابن أبي الزناد ].
(3) لا يوجد في المصدر.
(4) في المصدر [ فقال ].
وأمّا حديث عائشة:
فأخبرنا عليّ بن عبيد الله بن نصر، قال: أخبرنا عليّ بن أحمد البسري، قال: أنبأنا أبو عبد الله بن بطّة، قال: حدّثنا أبو محمّد الحسن بن عليّ بن زيد، قال: ثنا عبد الله بن محمّد الحراني، قال: حدثنا أبو قتادة عبد الله بن واقد، قال: ثنا ابن جريح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لابي [ بكر ](1): (ألا أبشّرك برضوان الله الاكبر؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: إنّ الله عزّ وجلّ يتجلّى للناس عامّة، ويتجلّى لك خاصّة).
قال المصنف(2): هذا الحديث لا يصح من جميع طرقه.
أمّا حديث أنس:
ففي الطريق الاوّل: محمّد بن عبد، قال أبو بكر الخطيب: هذا حديث لا أصل له عند ذوي المعرفة بالنقل فيما نعلمه، وقد وضعه محمّد بن عبد إسناداً ومتناً(3) ; قال الدارقطني: محمّد بن عبد يكذب ويضع(4).
وفي الطريق الثاني: بنوس وهو مجهول لا يعرف.
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
(2) أي ابن الجوزي.
(3) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 193، وفيه أيضاً: وله أحاديث كثيرة تشابه ما ذكرناه، وكلها تدل على سوء حاله وسقوط رواياته.
(4) انظر الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 351 (485).
وأمّا حديث جابر:
فالطريق الاوّل: تفرّد به محمّد بن خالد، وقد كذّبوه.
والطريق الثاني: فيه عليّ بن عبده، قال الدارقطني: كان يضع الحديث(1).
وأمّا الطريق الثالث: فأخبرنا القزّاز، قال: أنبأ أبو بكر الخطيب، قال: الحمل فيه على أبي حامد بن حسنويه فإنه لم يكن ثقة، قال: ويروى أنّ أبا حامد وقع إليه حديث عليّ بن عبده فركب على هذا الاسناد، مع انّا لا نعلم أنّ الحسن ابن عليّ بن عفان سمع من يحيى بن أبي كثير شيئاً، والله اعلم.
وأمّا الطريق الرابع: فقال أبو الفتح بن أبي الفوارس: في أبي القاسم [ الترمذي ](2) نظر.
وأمّا حديث أبي هريرة:
فهو حديث أنس الاوّل، وترى أنّ أحمد بن عمر اليمامي سرقه وغيّر إسناده ; قال أبو حاتم الرازي وابن صاعد: كان اليمامي كذّاباً(3) ; وقال الدارقطني: متروك الحديث(4) ; وقال ابن حبّان: حدث بأحاديث مناكير وينسخ عجائب(5).
____________
(1) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 12 / 20 (6381).
(2) لا يوجد في المصدر.
(3) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 2 / 71 (130).
(4) انظر الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 118 (49).
(5) انظر المجروحين لابن حبّان: 1 / 143، وفيه: ينقل أشياء مقلوبة لا يعجبنا الاحتجاج بخبره إذا انفرد ـ وفي مكان آخر: يأتي من المقلوبات والملزقات والتي ينكرها المتبحّر في هذه الصناعة.
ففيه عبد الله بن واقد، قال أحمد ويحيى: ليس بشيء(1) ; وقال النسائي: متروك الحديث(2) ; وقال ابن حبّان: غفل عن الاتقان، وحدث على التوهّم فوقعت المناكير في أخباره(3)»(4) إنتهى.
فها قد ثبت بعون من الله وحسن العناية، إنّ هذا الحديث الذي وضعته أرباب الغواية من صريح الكذب المنكر البيّن الاظهر، قد نصّ على كذبه ووضعه أوليائهم فضلاً عن أعدائهم ومناوئيهم، وردّته وجرّحته فضلائهم فضلاً عن خصومهم ومعاديهم.
وهذا ابن الجوزي من ثقات محدثيهم النّقاد، وشيوخ أعلامهم المشتهرين في الاغوار والابحار، ولا يستريب في فضله منهم مريب، ولا ينكر جلالة فضله ذو فضل أريب، قد بلغ في الاهتمام والعناية بتكذيبه وإبطاله كلّ مبلغ، حيث صدّر به موضوعات فضائل إمامه، وأورده في أول الباب ونقل له طرقاً عديدة وقدح في الكل، ونقل عن الخطيب أنّه قال: لا أصل لهذا الحديث عند ذوي المعرفة بالنقل، وذكر عنه تصريحه بكونه موضوعاً متناً وإسناداً، ونقل في
____________
(1) انظر الجامع في العلل لابن حنبل: 1 / 222، ونقل عن أبيه نفي البأس عنه، ولكن في آخر ترجمته قال: وقال أبي: أظن أبا قتادة كان يدلس، والله اعلم. وانظر تاريخ ابن معين: 2/345، وفيه: ليس به بأس، إلاّ أنّه كان يغلط في الحديث.
(2) انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي: 150 (354).
(3) انظر المجروحين لابن حبّان 2: 29، وفيه: قال أبو حاتم: كان أبو قتادة من عبّاد أهل الجزيرة وقرّائهم، ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الاتقان، فكان يحدث على التوهّم، فيرفع المناكير في أخباره والمقلوبات فيما يروي عن الثقات حتى لا يجوز الاحتجاج بخبره (راجع الجرح والتعديل: 5 / 191).
(4) الموضوعات: 1 / 225 ـ 229.
وقد صرّح الفيروزآبادي أيضاً: بأنّ حديث التجلّي من أشهر الموضوعات والمفتريات، وإنّ بطلانها معلوم ببديهة العقل، حيث قال في سفر السعادة:
«[ في باب فضائل أبي بكر الصدّيق من أشهر الموضوعات ](2): حديث (أنّ الله يتجلّى للناس عامّة، ولابي بكر خاصّة)، وحديث (ما صبّ الله في صدري شيئاً إلاّ وصبّبته في صدر أبي بكر)، وحديث (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ اشتاق إلى الجنّة قبّل شيبة أبي بكر)، وحديث (أنا وأبو بكر كفرسي رهان)، وحديث (أنّ الله تعالى لما اختار الارواح اختار روح أبي بكر)، [ وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل ](3)»(4).
ثم إنّ الشيخ عبد الحق الدّهلوي قال في شرح هذا الكلام:
«[ ومن هناك أنّ هذه الاحاديث تستلزم التفضيل على سائر الخلق من الانبياء وغيرهم أو يفهم المساوات في رتبة سيد المرسلين أو خارج من دائرة حكم العقل والعادة ]»(5) إنتهى.
____________
(1) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 12 / 20 (6381).
(2) في الاصل «ودر باب فضائل أبي بكر صديق انچه مشهورتر است از موضوعات».
(3) في الاصل «وامثال اين مفتريات است كه بطلان ان ببداهت عقل معلوم است».
(4) سفر السعادة للفيروز آبادي: 280.
(5) انظر اشعة اللمعات لعبد الحق الدهلوي: 4 / 628، وفيه: «وشايد كه آن از جهت آنست لازم مى آيد فضيلت ابي بكر بر تماميه انبياء (عليهم السلام)، وخبر ايشان ولازم مى آيد مساوات او باسيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)ولازم مى آيد آنچه خارج است از دائرة عقل وعادت».
وابن عديّ والذّهبي أيضاً حكما بوضع هذا الخبر وبطلانه كما ترى فيما بعد.
وها نحن ننقل تراجم الرجال الذين رووا هذا الخبر، وقدح فيهم ابن الجوزي، من الميزان للذّهبي، وغيره.
ففي الميزان: «محمّد بن عبد بن عامر السمرقندي، في حدود الثلثمائة، معروف بوضع الحديث ; قال الخطيب وطوّل ترجمته: روى عن يحيى بن يحيى، وعصام بن يوسف، وجماعة أحاديث باطلة، روى عنه أبو بكر الشافعي، وجماعة ; وقال الدارقطني: كان يكذب ويضعُ الحديث ; قلت: روى باسناد له عن ابن عمر مرفوعاً (من قرأ ليلة النصف ألف مرّة قل هو الله أحد، في مائة ركعة، لم يمت حتى يبعث الله إليه في منامه مائة ملك) ; قال جعفر بن محمّد بن بكارة الموصلي: قدم محمّد بن عبد علينا الموصل، وحدثنا بأحاديث مناكير، فاجتمع جماعة من الشيوخ وصرنا إليه لنُنكر عليه، فإذا في خلق من المحدثين والعامّة، فلما بصُرَ بنا من بعيد علم أنّنا جئنا لننكر عليه، فقال: حدثنا أبو قتبة، عن أبي لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (القرآن غير مخلوق)(1) فلم نجسر أن نقدم عليه خوفاً من العامّة ورجعنا»(2).
____________
(1) في المصدر [ القرآن كلام الله غير مخلوق ].
(2) ميزان الاعتدال: 6 / 245 (7906)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 190 (1221)، والضعفاء والمتروكون للدارقطني: 351 (485).
وأيضاً في الميزان: «بنوس بن أحمد الواسطي، وضع عن أبي خليفة الجمحي حديثاً»(2) إنتهى.
والظاهر أنّ المراد بهذا الحديث الذي وضعه بنوس عن أبي خليفة هو هذا الخبر، فإنّه قد رواه عن أبي خليفة كما رأيت في عبارة ابن الجوزي.
وقال محمّد طاهر الفتني في قانون الموضوعات والضعفاء: «الوجيز: بنوس بن أحمد بن بنوس مجهول لا يعرف»(3).
وأيضاً في الميزان: «محمّد بن خالد الختلّي، قال ابن الجوزي في الموضوعات: كذّبوه، روى عن كثير بن هشام حديث (لابي بكر خاصّة) ; قال ابن منده: صاحب مناكير، ويروى عن شعيب بن حرب»(4).
وقال محمّد طاهر الفتني الكجراتي في قانون الموضوعات: «محمّد بن خالد الختلي، كذّاب وواضع، وكذا في الوجيز»(5).
وأيضاً في الميزان: «عليّ بن الحسن المكتب، هو عليّ بن عبده، عن يحيى القطان كذّاب، قرأت على أحمد الرفيع الهمداني، أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أنا أحمد بن أبي غالب الزاهد، أنا عبد العزيز الانماطي، أنا أبو طاهر
____________
(1) قانون الموضوعات للفتني: 291.
(2) ميزان الاعتدال: 2 / 70 (1325).
(3) قانون الموضوعات للفتني: 245.
(4) ميزان الاعتدال: 6 / 131 (7476).
(5) قانون الموضوعات للفتني: 290.