الصفحة 65
المخلص، ثنا محمّد بن هارون، ثنا عليّ بن الحسن المكتب، ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي ذئب، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله ليتجلّى للناس عامّة و(1) لابي بكر خاصّة) فهذا أقطع بأنّه من وضع ابن عبده(2) على القطان، وقيل: إنّما هو عليّ أبو الحسن، واسم أبيه عبده بن قتيبة التميمي ; قال الدارقطني: كان يضع الحديث ; قلت: ورواه عنه محمّد بن المسيب الارغياني ; ورواه ابن عدي في كامله فقال: ثنا محمّد بن هارون الحضري، ثنا عليّ بن عبده المكتب، فذكره وقال: هذا باطل ; ورواه الدارقطني عن المحاملي، ثنا عليّ بن عبدة، وقد سرقه أبو حامد بن حسنويه، فقال: ثنا الحسن بن عليّ بن عفان(3) ثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا ابن أبي ذئب فذكره»(4) إنتهى.

فقوله: «فهذا أقطع بأنّه من وضع ابن عبده على القطان» صريح في أنّ هذا الخبر كذب، وبهتان وهذر وهذيان، ليس هو مما يجوز أن يحدث به ويرويه ثقة متديّن، حيث نزّه ابن القطان عنه، وقطع بأنّه لم يحدث به، وضعه عليه ابن عبده وافتراه عليه، ثم نرى ابن عدي أيضاً صرح بأنّ هذا الخبر باطل.

وأيضاً في الميزان: «عليّ بن عبده التميمي، أبو الحسن المكتب، عن

____________

(1) في المصدر [ ويتجلّى ].

(2) في المصدر [ هذا الشيخ ].

(3) في المصدر [ عثمان ].

(4) ميزان الاعتدال: 5 / 148 (5814)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 12 / 20 (6381)، والكمال في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 369 (1370) ; وفيه «وهذا حديث باطل بهذا الاسناد، وعلي بن عبده هذا مقدار ماله إمام حديث منكر، أو حديث سرقة من ثقة فرواه»، ولم نجده في سنن الدارقطني ولا في المؤتلف.


الصفحة 66
إسماعيل بن عليّة والقطان وغيرهما ; قال الدارقطني: كان يضع الحديث ; قلت: قد مرّ ذكره في عليّ بن الحسن»(1) إنتهى.

وقال محمّد طاهر الفتني الكجراتي: «عليّ بن عبده يضع، واسمه عليّ بن الحسن، وقيل: عليّ أبو الحسن بن عبدة بن قتيبة التميمي المكتب»(2) إنتهى.

وأيضاً في الميزان: «أحمد بن عليّ بن حسنويه المقري النيسابوري أبو حامد، شيخ أبي عبد الله الحاكم ; قال الخطيب: لم يكن بثقة ; قلت: قيل حدّث عمّن لم يدركه كمسلم والقدماء ; قال الحاكم: لو اقتصر على سماعاته الصحيحة كان أولى به ; حدث عن جماعة أشهد بالله لم يسمع منهم، ولا أعلم له حديثاً وضعه ولا إسناداً ركّبه»(3).

وقال الفتني في قانون الموضوعات في سرد الضعاف ورواة المفتريات: «الوجيز، أحمد بن عليّ بن حسنويه المقري، غير ثقة»(4).

وأيضاً في الميزان: «عمر بن محمّد الترمذي، عن محمّد بن عبد الله بن مرزوق، قال أبو الفتح بن أبي الفوارس: فيه نظر ; قلت: له حديث باطل يذكره في ترجمة محمّد جدّه، وله عن عباس الشكلي، وآخر عن الحسن بن عرفة، ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي الزبير، عن جابر حديث (يا أبا بكر إنّ الله يتجلّى لك خاصّة)»(5).

____________

(1) ميزان الاعتدال: 5 / 174 (5892).

(2) قانون الموضوعات للفتني: 279.

(3) ميزان الاعتدال: 1 / 262 (475)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 1 / 207.

(4) قانون الموضوعات للفتني: 236.

(5) ميزان الاعتدال: 5 / 267 (6210).


الصفحة 67
وقال الفتني في قانون الموضوعات: «عمر بن محمّد بن عبد الله الترمذي: فيه نظر»(1) إنتهى.

وأيضاً أسقط هذا الكذب عن درجة الاعتبار، فقال: «إنّه لم يوجد مراده» على الظاهر أنّه لم يوجد في الروايات الصحيحة والكتب المعتمدة المعتبرة، ففي تذكرة الموضوعات لمحمد طاهر (إنّ الله يتجلّى للناس عامّة ولابي بكر خاصّة) لم يوجد.

ثم إنّي لمّا راجعت الى النكت البديعات للسيوطي، وجدت أنّه نسب فيه الى ابن الجوزي، أنّه لم يتكلّم على حديث عائشة ثم حسّنه، حيث قال في النكت:

«حديث (إنّ الله يتجلّى للخلائق يوم القيامة عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصة).

أورده من حديث أنس من طرق: في الاوّل: محمّد بن عبد بن عامر وضّاع ; وفي الثاني: بنوس بن أحمد لا يعرف ; وفي الثالث: مجاهيل.

ومن حديث جابر من طرق: في الاوّل: محمّد بن خالد الختلي، كذّاب ; وفي الثاني: عليّ بن عبد، يضع ; وفي الثالث: أبو حامد أحمد بن عليّ بن حسنويه المقري، غير ثقة ; وفي الرابع: أبو القاسم عمر بن محمّد بن عبد الله الترمذي، فيه نظر.

ومن حديث أبي هريرة: وفيه أحمد بن محمد بن عمر اليمامي، كذاب.

____________

(1) قانون الموضوعات للفتني: 282.


الصفحة 68
ومن حديث عائشة: ولم يتكلّم عليه.

قلت: حديث عائشة رجاله ثقات إلاّ أبا قتادة عبد الله بن واقد مختلف فيه، قال أحمد: لا بأس به، وضعّفه البخاري وأبو حاتم، وهذا الطريق على شرط الحسن.

وحديث جابر أخرجه من طريق الختليّ الحاكم في المستدرك، وتعقبه الذّهبي»(1) إنتهى.

فقضيت العجب! من ذلك وتحيّرت كثيراً، كيف يجتريء السيوطي على ذلك الادعاء الباطل، مع أنّه نحرير ماهر وناقد غير قاصر، ذو إطّلاع وخبرة وتفحّص وتتبّع.

والاعجب!! إنّ بطلان هذه النسبة التي اجترء عليها في النكت، يظهر من كلام السيوطي نفسه في اللالئ المصنوعة، حيث ذكر ذلك الحديث غير قادح فيه، ثم أورد جرح حديث عائشة أيضاً بالقدح في أبي قتادة، ثم تكلّم بما تكلم.

فظهر بذلك ملاحظةً الى دأبه من نقل الاحاديث عن ابن الجوزي والتكلّم عليه، أنّ حديث عائشة أيضاً مما قدح فيه ابن الجوزي، فها أنا مورد عبارته في اللالئ ليتّضح جليّة الحال، ويطّلع على تناقض كلامه أهل الكمال:

قال في اللالئ المصنوعة: «أنا(2) محمّد بن أحمد بن رزق، ثنا محمّد بن يوسف الهمداني، ثنا محمّد بن عبد عامر، ثنا عبد بن حميد، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن قتادة، عن أنس قال: (لمّا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار، أخذ

____________

(1) النكت البديعات للسيوطي: 274 (294).

(2) في المصدر [ الخطيب أنبأنا ].


الصفحة 69
أبو بكر بغرزه فنظر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الى وجهه، فقال: يا أبا بكر ألا أبشّرك؟ قال: بلى فداك أبي وأمي، قال: إنّ الله عزّ وجلّ يتجلّى للخلائق يوم القيامة عامّة، ويتجلّى لك يا أبا بكر خاصّة).

قال الخطيب: لا أصل له، وضعه محمّد بن عبد إسناداً ومتناً ; قلت(1): رأيت له متابعاً، أخرجه أبو العباس الوليد بن أحمد الزوزني في كتاب شجرة العقل، قال: ثنا أبو الحسن الاسواري، ثنا محمّد بن بيان، ثنا الحسن بن كثير، حدثني أحمد بن حنبل الشيباني، عن(2) عبد الرزاق به.

الحسن بن كثير مجهول، ومحمّد بن بيان إن كان الثقفي فهو متّهم بوضع الحديث، والله أعلم.

أخبرنا عبد الاول بن عيسى: نا عبد الله بن محمد الانصاري، أنا إسماعيل ابن إبراهيم بن محمّد وعبد الرحمن بن حمدان البصروي، قالا: حدثنا بنوس بن أحمد بن بنوس، ثنا أبو خليقة الجمحي، حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، ثنا يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر: (إنّ الله يتجلّى للخلائق عامّة، ويتجلّى لك خاصّة) بنوس مجهول لا يعرف.

أنبأنا عليّ بن عبيد الله، أنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عبد الله بن خلف، ثنا عمر بن محمّد بن عيسى الجوهري، أنا إبراهيم بن مهدي، ثنا السكن ابن سعيد القاضي ومحمّد بن سعيد بن مهران، قالا: ثنا عمر بن عون، ثنا يزيد بن

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) في المصدر [ حدثنا ].


الصفحة 70
هارون، عن قتادة، عن أنس به ; فيه مجاهيل [ وأحدهم سرقه من محمّد ](1).

أبو نعيم، ثنا أبو عليّ محمّد بن أحمد بن الحسين ومحمّد بن عمر بن سلم، قالا: ثنا يوسف بن الحكم، ثنا محمّد بن خالد الختلي، ثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برقان، عن محمّد بن سوقة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر قال: (جاء وفد عبد القيس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتكلّم(2) بعضهم بكلام وألغى فيه، فالتفت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أبي بكر، فقال: يا أبا بكر سمعت ما قالوا؟ قال: نعم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وفهمته، قال: فأجبهم يا أبا بكر، فأجابهم بجوابهم فأجاد(3) الجواب، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا بكر أعطاك الله الرضوان الاكبر، فقال له بعض القوم: يا رسول الله وما الرضوان الاكبر؟ قال: يتجلّى الله في الاخرة لعباده المؤمنين عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصّة) تفرّد به محمّد بن خالد وهو كذّاب.

قلت: قال أبو نعيم في الحلية عقب إخراجه: هذا حديث ثابت رواه أعلام تفرد به الختلي عن كثير ; وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق الختلي، وتعقبه الذّهبي، فقال: تفرّد به الختلي واحسبه وضعه، والله أعلم(4).

الخطيب، أنا الازهري، أنا الدارقطني، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو الحسن عليّ بن عبدة، ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي ذئب، عن محمّد

____________

(1) في المصدر [ وأحدهم سوقة بن محمّد بن عبد ]، وفي الموضوعات توجد عبارة المتن.

(2) في المصدر [ فكلّمه ].

(3) في المصدر [ بجواب وأجاد ].

(4) انظر التلخيص للذهبي في هامش المستدرك: 3 / 83 (4463)، وفيه: تفرّد به محمّد بن خالد الحبلي عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن أبي سوقه وأحسب محمّداً وضعه.


الصفحة 71
ابن المنكدر، عن جابر مرفوعاً: (إنّ الله تعالى يتجلّى للناس عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصّة) عليّ بن عبده يضع(1).

قلت: أخرجه ابن عدي، وقال: هذا باطل، وقال في الميزان: هذا أقطع بأنه من وضع ابن عبده على القطان، واسمه عليّ بن الحسن، وقيل: عليّ أبو الحسن بن عبدة بن قتيبة التميمي المكتب، والله أعلم(2).

الخطيب، ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الله السرّاج، أنا أبو حامد أحمد بن عليّ بن حسنويه المقري، ثنا الحسن بن عليّ بن عفان العامري، ثنا يحيى بن أبي بكر، ثنا ابن أبي ذئب به ; قال الخطيب: الحمل فيه على بن حسنويه، فإنّه غير ثقة، ونرى أنّه وقع له حديث عليّ بن عبدة فركبه على هذا الاسناد، مع أنّا لا نعلم أنّ ابن عفان سمع من يحيى بن أبي بكير شيئاً(3).

وقال: أنا محمّد بن عمر بن بكير، أنا أبو القاسم عمر بن محمّد بن عبد الله الترمذي، ثنا عباس الشكلي وأبو سعيد أحمد بن محمّد بن عبيد الله الخلاّل، قالا: ثنا الحسن بن عرفه، ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: (قال رسول الله لابي بكر: ألا أبشّرك؟ قال: بلى يا رسول

____________

(1) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 12 / 19، وفيه: عن الدارقطني عليّ بن عبده يضع الحديث، وعليّ بن عبده متروك.

(2) ميزان الاعتدال: 5 / 148 (5814)، وفيه بعد ذكر السند والحديث: فهذا أقطع بأنّه من وضع هذا الشويخ عليّ القطان، وقيل: إنما هو عليّ أبو الحسن واسم أبيه عبيدة بن قتيبة التميمي، قال الدارقطني: كان يضع الحديث.

(3) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 12 / 20، وفيه: الحمل فيه على ابن حامد بن حسنويه فإنّه لم يكن ثقة، ونرى أن أبا حامد وقع اليه حديث عليّ بن عبدة فركبه على هذا الاسناد مع أنا لا نعلم ان الحسن بن عليّ بن عفان سمع من يحيى بن أبي بكير شيئاً، والله أعلم.


الصفحة 72
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إنّ الله تعالى يتجلّى للخلائق عامّة، ولك خاصّة) في أبي القاسم نظر(1).

ابن حبّان، أنا محمّد بن أحمد بن الفرج، ثنا أحمد بن محمّد بن عمر بن يونس اليمامي، ثنا أبي، عن ابن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة، قال: (لمّا قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار يريد المدينة، أخذ أبو بكر بغرزه، فقال له: ألا أبشّرك يا أبا بكر؟ إنّ الله تعالى يتجلّى للخلائق يوم القيامة عامّة، ويتجلّى لك خاصّة)، أحمد اليمامي كذّاب، ونراه سرقه وغيّر إسناده(2).

أخبرنا عليّ بن عبيد الله بن نصر، أنا عليّ بن أحمد بن البسري، أنا أبو عبد الله بن بطّة، ثنا أبو محمّد الحسن بن عليّ بن زيد، ثنا عبد الله بن محمّد الحراني، ثنا أبو قتادة عبد الله بن واقد، ثنا ابن جريح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: (أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لابي بكر: ألا أبشّرك برضوان الله الاكبر، قال: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إنّ الله يتجلّى للناس عامّة، ويتجلّى لك خاصّة) عبد الله بن واقد، متروك ; قلت: قال فيه أحمد ما به بأس(3).

ومن طرق الحديث: ما أخرجه أبو الحسين بن بشران في فوائده: ثنا أحمد بن سليمان بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمّد بن بشر، ثنا عطاء

____________

(1) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 253، وفيه: قال ابن أبي الفوارس: توفى أبو القاسم الترمذي في أول سنة أربع وستين وثلاثمائة وكان فيه نظر.

(2) انظر المجروحين لابن حبّان: 1 / 143، وفيه: يروي عن عبد الرزاق وعمر بن يونس وغيرهمااشياء مقلوبة لا يعجبنا الاحتجاج بخبره إذا انفرد.

(3) انظر الجامع في العلل لابن حنبل: 1 / 94 (209)، 222 (1450).


الصفحة 73
ابن المبارك، ثنا أبو عبيدة، عن الحسن، قال: قال عليّ بن أبي طالب: (يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من أوّل من يحاسبه الله يوم القيامة؟ قال: أبو بكر الصدّيق، قال: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، قال: ثم من؟ قال: ثم أنت يا عليّ، قلت: يا رسول الله أين عثمان(1)؟ قال: إني سألت لعثمان بن عفان حاجة سرّاً فقضاها سرّاً، فسألت الله عزّ وجلّ ان لا يحاسب عثمان، ثم ينادي منادي أين السابقون الاوّلون؟ فيقال: من؟ فيقول: أين أبو بكر الصديق فيتجلّى الله عزّ وجلّ لابي بكر خاصّة، وللناس عامّة) والله أعلم»(2).

فهذا كما تراه صريح، في أنّ ابن الجوزي تكلّم على حديث عائشة أيضاً، وقدح في راويه بأنّه متروك، ثم تعقّبه السّيوطي بما تعقب، فلا أدري!؟ ماذا عرض له من الذهول والغفول، حتى نسب في النّكت البديعات إلى ابن الجوزي، أنّه لم يتكلّم على حديث عائشة، مع نقله في اللالئ المصنوعة التكلّم على حديث عائشة، بقدح أبي قتادة عن ابن الجوزي.

والعجب! من أبي نعيم كيف حكم من غير دليل بثبوت هذا الخبر الباطل، مع أنّه تفرّد به الختليّ وهو كذّاب خاتل.

وأمّا رواية الاعلام لهذا الكذب المستهجن في الالباب والافهام، فلا يخرجه عن الكذب ولا يفيد صحّته، بل يوجب ذلك طعنهم وجرحهم بالثلب

____________

(1) في المصدر [ عثمان بن عفان ].

(2) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 262 ـ 264، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 193، حلية الاولياء لابي نعيم: 5 / 11، مستدرك الحاكم: 3 / 83 (4463)، وفيه بدل الختلي [ الحبلي ]، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 370 (1370)، وفيه هذا الحديث باطل بهذا الاسناد، الموضوعات: 1 / 328.


الصفحة 74
والملام، حيث رووا مثل هذا الكذب المفترى على سيد الانام عليه وآله آلاف التحيّة والسلام.

ورواية الحاكم في المستدرك لهذا الخبر وعدّه صحيحاً، أيضاً من شدّة غفوله وذهوله، وهو حقيق بما تعقبه به الذّهبي حيث قال تفرد به الختليّ وأحسبه وضعه، وليت شعري! كيف يعدّ ما رواه كذّاب مرتاب، من صحاح الاحاديث التي ثبتت عن سيد الانجاب.

ثم لا يخفى عليك! إنّ تحسين السيوطي للطريق المرّوي عن عائشة أيضاً قبيح، فإنّه فيه ابن واقد وهو مقدوح مجروح عند أكثر المحققين الصناديد، منهم البخاري(1)، وأبو زرعة(2)، والدارقطني(3)، وأبو حاتم(4)، والنسائي(5)، وابن معين على أحد القولين(6)، ويعقوب بن إسماعيل بن صبيح(7)، والجوزجاني(8)، وابن حبّان(9)، ويظهر جرح هؤلاء لابن واقد من ميزان الذّهبي(10) وغيره(11).

____________

(1) أنظر الضعفاء للبخاري: 201 (337)، التاريخ الكبير: 5 / 219.

(2) أنظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 5 / 190 (881)، ذيل الكاشف لابي زرعة: 167 (838)، أبو زرعة وجهوده في السنة النبويّة: 2 / 332.

(3) أنظر الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 259 (312).

(4) أنظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 5 / 191 (883).

(5) أنظر الضعفاء والمتروكين للنسائي: 150 (354).

(6) أنظر تاريخ يحيى بن معين: 2 / 295 (4898)، 2 / 345 (5234)، وفيه: ليس به بأس إلاّ أنّه كان يغلط في الحديث.

(7) انظر الجامع في العلل لاحمد بن حنبل: 1 / 222 (1450).

(8) انظر احوال الرجال للجوزجاني: 180 (325).

(9) انظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 29.

(10) ميزان الاعتدال: 4 / 219 ـ (4677).

(11) انظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 5 / 320 (1005).


الصفحة 75
فتوثيق أحمد وحده ونفيه البأس عن هذا الكاذب الفاجر، مما لا يصغى إليه في جنب أقوال هؤلاء الاكابر، سيّما ملاحظة الى ما تقرّر بالدليل من تقدم الجرح على التعديل.

ومع ذلك فقد رأيت أنّ ابن الجوزي نقل جرح ابن واقد عن أحمد أيضاً، حيث قال: «وأمّا حديث عائشة ففيه عبد الله بن واقد، قال أحمد ويحيى: ليس بشيء»(1).

فعلى هذا لو ثبت توثيق أحمد إياه، كان معارضاً بجرحه إياه، فيتساقطان لتعارضهما، فيبقى جرح الذين جرحوه ولم يوثقوه أصلاً سالماً عن المعارض، فعلى هذا كأنّه إنعقد الاجماع على جرحه ولم يثبت توثيقه أصلاً.

وبالجملة: دون التشبّت بذيل رواية أبي قتادة مع ما سمعت جرحه من الائمه النقاد خرط القتاد وضرب الاسفاد، والله ولي التوفيق والارشاد الى نهج الصواب والسداد.

ثم انظر! الى تلبيس السيوطي في النكت البديعات إصلاحاً لحال الموضوعات، حيث نسب أوّلاً الى ابن الجوزي أنّه لم يتكلّم عن حديث عائشة بشيء، ثم شرع في بيان حاله من عند نفسه، فقال: «رجال حديثه ثقات إلاّ أبا قتادة» وذكر في حال أبي قتادة أنّه نفى عنه البأس أحمد وضعّفه البخاري وأبو حاتم، فأخفى أسماء أكثر القادحين الذين هم جماعة كثيرة، وبعضهم متقدّمون على البخاري وأبي حاتم، مع أنّك دريت آنفاً أنّ من الجارحين سوى البخاري وأبي حاتم، أبو زرعة، والدارقطني، والجوزجاني، وابن حبّان، والنسائي، وابن

____________

(1) مر ذكره سابقاً.


الصفحة 76
معين على أحد القولين، ثم لم يذكر جرح أحمد في ابن واقد، مع أنّ ابن الجوزي نقل ذلك عنه أيضاً، حتى لا يظهر تساقط مدحه بجرحه، ومع كلّ ذلك فما نقله أيضاً كاف في المقام، فإنّ الجارح بإعترافه أيضاً إثنان والموثق واحد، والاثنان أقوى من الواحد، وتقدم الجرح على التعديل وراء ذلك.

ثم إنّ ماذكر في اللالئ من قدح أبي قتادة أيضاً فيه نوع تدليس، حيث نقل عن ابن الجوزي في حقّه أنّه متروك، ولم ينقل أسماء الجارحين الذين ذكرهم ابن الجوزي مفصّلاً، حتى يستتب له التعقّب بتوثيق أحمد ولا يظهر أنّ أحمد أيضاً من الجارحين، ومع ذلك فجارحوه جماعة عديدة فلا يصغى الى توثيق أحمد المعارض بجرحه في جنب جرح تلك الجامعة.

وبالجملة: لا ريب في كون ابن واقد مجروحاً مقدوحاً لا اعتبار بروايته ولا اعتماد على حديثه، ومن هناك ترى ابن حجر الذي هو عمّدة متأخّريهم الاخيار، ونحريرهم الاوحدي الذي لا يشق له غبار، صرّح بأن أبي قتادة متروك ولم يلتفت إلى توثيق أحمد، حيث نقل ثناءه عليه بعد حكمه بمتروكيته، وكيف يلتفت إليه فإن أحمد ايضاً مع ثناءه عليه، قال في حقه: إنّه لعلّه كبر واختلط، ومع كلّ ذلك كان يدلس.

قال في التقريب: «عبد الله بن واقد الحرّاني، أبو قتادة أصله من خراسان، متروك ; وكان أحمد يثني عليه، وقال: لعلّه كبر واختلط وكان يدلس، من التاسعة مات سنة عشر ومائتين»(1).

وقال الفتني في قانون الموضوعات: «عبد الله بن واقد، أبو قتادة

____________

(1) تقريب التهذيب للعسقلاني: 1 / 429 (4090).


الصفحة 77
الحرّاني، كان يغلط فلا يرجع، ضعّفه ابن معين، وقال البخاري تركوه وما به بأس»(1) انتهى.

فهذا كما تراه صريح في أنّ ابن حجر إختار كونه متروكاً مقدوحاً مجروحاً، ولم يلتفت الى توثيق أحمد، ونقل عن أحمد أنّه قال في حقّه: أنّه لعله كبر واختلط، ولا يخفى أنّ المتروك عند إبن حجر عبارة عمّن لم يوثّق البتّة، وضعف مع ذلك بقادح، حيث قال في الخطبة في بيان مراتب الرواة: «العاشرة: من لم يُوثق البتّة ; واليه الاشارة بمتروك أو متروك الحديث أو واهي الحديث أو ساقط»(2) انتهى.

فظهر من هنا أنّ ابن واقد لم يوثّق البتة، وضعف مع ذلك بقادح.

وأمّا الطريق الذي نقله السيوطي من ابن بشران، فهو أيضاً مقدوح لا يصلح للاعتبار، كما لايخفى على ذوي الابصار المتتبعين للكتب والاسفار، فإنّ فيه عطاء بن المبارك وهو مقدوح غير مبارك.

قال في الميزان: «عطاء بن المبارك، عن أبي عبيدة النّاجي، قال الازديّ: لا يدري ما يقول»(3) إنتهى.

فهذا صريح في أنّ الازديّ جعله كمجنون محموم يهذي لا يدري ما يقول.

وأيضاً فيه أبو عبيدة النّاجي، فهو إن كان النّاجي فهو واه غير ناج، بل كاذب مدّاج(4).

____________

(1) قانون الموضوعات للفتني: 274، وانظر تاريخ ابن معين: 2 / 295، الضعفاء للبخاري: 201 (337).

(2) انظر تقريب التهذيب للعسقلاني (في المقدمة): 1 / 14.

(3) ميزان الاعتدال: 5 / 95 (5651)، وانظر ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي: 2 / 157.

(4) مدّج: اسم سمكة بحرية / لسان.


الصفحة 78
قال في الميزان: «بكر بن الاسود، ويقال ابن أبي الاسود، أبو عبيدة النّاجي أحد الزهّاد، روى عن الحسن ومحمّد ; قال يحيى: كذّاب، وقال مرّة: ضعيف ; وكذلك ضعّفه النسائي والدارقطني، وفي رواية عن النسائي: ليس بثقة ; وقال ابن حبّان: غلب عليه التقشف حتى غفل عن تعاهد الحديث، فصار الغالب على حديثه المعضلات ; وكان يحيى بن كثير العنبري يروي عنه ويكذّبه»(1).

وقال الفتني في قانون الموضوعات: «بكر بن عمر وأبو الصدّيق البصري الناجي مشهور بكنيته، وثّقة جماعة، وقال أبو سعد يستنكرون أحاديثه، وفي الترمذي: ويقال بكر بن قيس بكر بن معروف، من الوجيز»(2).

وقال أيضاً في الميزان في الكنى: «أبو عبيدة الباجي، هو بكر بن الاسود، واه قد مرّ»(3).

وهناك أبو عبيدة آخر يروي عن الحسن البصري وهو مجهول، كما قال في الميزان: «أبو عبيدة، عن الحسن البصري، وعنه محمّد بن طلحة، قال يحيى ابن معين: مجهول»(4) إنتهى.

ومع هذا كلّه، فحديث ابن بشران موضوع من وجه آخر، ظاهر على أولي الاذهان، فإنّه مستلزم لتفضيل عثمان على الشيخين، الذين ليس لاحد بإطرائهما يدان، وذلك يفسد عليهم ومذهبهم من تفضيلهما عليه.

ثم إنّه يعارضه ويكذبه وينحيه عن الصدق والسلامة، ما وضعوه من عدم

____________

(1) ميزان الاعتدال: 2 / 58 (1273)، وانظر الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 163 (133)، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 65 (87)، المجروحين لابن حبّان: 196.

(2) قانون الموضوعات للفتني: 245.

(3 ، 4) ميزان الاعتدال: 7 / 396 (10400).


الصفحة 79
محاسبة أبي بكر في القيامة.

وأيضاً فيه بهتان ينادي بأعلى صوته، إنّ المراد بـ (السابقون الاولون) أبو بكر فحسب، وذلك مما قد أنكر عليه السنّيّة قديماً وحديثاً، ونفروا من قبوله، وأشمأزوا عن تصديقه، حيث قالوا في آية (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ)(1) إنّ إرادة عليّ (عليه السلام) من هذه الاية باطلة، فإنْ (الذين) صيغة جمع لا يصدق على عليّ وحده.

وبالجملة: ظهر مما نقلنا هناك: أنّ حديث التجلّي مما قد كذّبه ابن الجوزي، والخطيب، وابن عديّ، والذّهبي، والفيروز آبادي(2)، فالقول بحسنه أو صحته وثبوته مما لا يعبئ به.

ويظهر من سياق القاضي محمّد بن الشوكاني أيضاً أنّه يرى هذا الخبر موضوعاً، حيث قال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا أبا بكر ألا أبشّرك؟ قال: بلى فداك أبي وأمّي، قال: إنّ الله عزّ وجلّ يتجلّى للخلائق(3) يوم القيامة عامّة، ويتجلّى لك خاصّة)، رواه الخطيب عن أنس مرفوعاً، وقال: لا أصل له، وضعه(4) محمّد بن عبد بن عامر ; وله طرق.

منها: إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لابي بكر: (أعطاك الله الرضوان الاكبر، فقال

____________

(1) سورة المائدة: آية (55).

(2) انظر سفر السعادة للفيروز آبادي: 280.

(3) في المصدر [ للخلق ].

(4) في المصدر [ وفي إسناده ].


الصفحة 80
[ له ](1) بعض القوم: يا رسول الله وما الرضوان الاكبر؟ قال: يتجلّى الله في الاخرة لعباده المؤمنين عامّة، ويتجلّى لابي بكر خاصّة) رواه أبو نعيم عن جابر مرفوعاً، وفي إسناده محمّد بن خالد الختلي، وهو كذّاب ; وقال أبو نعيم بعد إخراجه: هذا حديث ثابت، رواه أعلام، تفرّد به الختلي عن كثير بن هشام»(2) إنتهى.

قال في اللالئ: «وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق الختلي، وتعقبه الذّهبي فقال: تفرد به الختلي [ وضعّفه ]»(3).

تنبيهٌ:

لا يخفى على الفطن البصير واللقن الخبير، الذي ينظر حقائق الامور بعين البصيرة، وينقب الاشياء بصفاء السريرة، أنّ الحديث لا يحكم بوضعه وكذبه وإختلاقه وإفترائه بمجرد رواية المجروح إيّاه وتحديث المطعون به، فإنّه يمكن بل يقع كثيراً أنّ كثيراً من الرواة المجروحين والرجال المقدوحين يروون كثيراً من الاخبار الحقة والاحاديث الصّادقة، وإنّما الواجب أن لا يعتمد ولا يعرّج على مجرّد رواية الضعفاء والمقدوحين، ولا يحكم على أخبارهم بكذب ولا بصدق، وإلاّ لزم الحكم بالكذب والوضع على جميع الاحاديث الضعيفة وكلّ الروايات التي رواها الضعفاء، ولم يبق فرق بين الضّعيف والموضوع.

وإنّما يحكم بالوضع على حديثهم، إذا كان معناه مخالفاً للكتاب أو السنّة أو دليل العقل والاجماع، أو غير ذلك من الامارات الصحيحة والعلامات

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) الفوائد المجموعة للشوكاني: 330، وانظر حيلة الاولياء لابي نعيم 5 / 11.

(3) انظر اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 263، مستدرك الحاكم: 3 / 83 (4463).