الصفحة 81
الصريحة، فإن معنى الحكم بالوضع، إنّ هذا الحديث كذب يستحيل أن يقوله الرسول، وذلك لا يثبت إلاّ بدليل قاطع وبرهان واضح يقضي بذلك، ولا سبيل الى معرفة ذلك إلاّ ما ذكرنا.

فإذا إتضح ذلك فنقول: إنّ كلّ حديث يحكم ابن الجوزي أو غيره من أعلامهم بوضعه، فهو في قوّة التصريح بأنّ هذا الحديث كذب محال، مخالف للدليل، لا يجوز أن يقوله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا القدر كاف للاستدلال وتفضيح أهل الضلال بحمد الله المتعال.

ومن هنا يعلم، إنّ ما يذكره ابن الجوزي أو غيره من القدح في رواة حديث يحكم بوضعه، ليس ذلك إثباتاً لوضعه، فإنَّ وضع حديث لا يثبت بأن يقع في سنده المجروحين، بل إنّما بينوا ذلك لتمييز الواضعين من هؤلاء الرّواة، أعني أنهم إذا علموا بدليل أنّ هذا الحديث موضوع، إحتاجوا الى بيان من وَضَعَه، فنظروا في رجال هذا الحديث فمن كان منهم مجروحاً أو مجهولاً إتهَموه بالوضع، وأمّا الحكم بالوضع فهو بدليل آخر سكتوا عن بيانه، وقلّما يتعرّض له ابن الجوزي وأمثاله.

فإذا تقرّر ذلك: فإعلم أنّه إذا أثبتنا في حديث أنّ ابن الجوزي أو غير حكم بوضعه فقد تم لنا الدسر(1)، ولم يبق لهم بعد ذلك أن يدفعوا وضعه بإثبات طريق آخر صحيح عندهم لهذا الحديث، لانّ ذلك لا ينفع في شيء بل يظهر به زيادة خزيهم وفضيحتهم، حيث يثبت على ذلك التقدير أن رواتهم الثقات أيضاً رووا الاكاذيب والمفتريات.

____________

(1) الدّسرُ: الطعن والدّفع السديد / لسان.


الصفحة 82

الصفحة 83

الفصل الثاني
[ في وضوء أبي بكر ولحوقه بصلاة الجماعة ]

ومن هذه الموضوعات القبيحة، والاكذوبات الصريحة، ما أورده ابن الجوزي في كتاب الموضوعات فقال:

«الحديث الثاني في فضل أبي بكر: أخبرنا سعيد [ بن أحمد ](1) بن البنا، قال: أخبرنا أبو نصر محمّد بن محمّد الزينبي، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر بن عليّ الوراق، قال: أننا محمّد بن السري التمار، قال: ثنا جعفر بن محمّد الطيالسي، قال: حدثنا عليّ بن داود الدمشقي، عن محمّد بن زياد، عن ميمون، وهو ابن مهران، عن المسيّب بن عبد الرحمن، عن حذيفة بن اليمان قال: (صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة الفجر، فلما انفتل من الصلاة، قال: أين الصدّيق أبو بكر؟ فلم يجبه أحد، فقام قائماً على قدميه، فقال: أين الصدّيق أبو بكر؟ فأجابه من آخر الصفوف، يا لبيك يا لبيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: أفرجوا لابي بكر، اُدن مني يا أبا بكر، فدنا أبو بكر من

____________

(1) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 84
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا أبا بكر لحقت معي الركعة الاولى؟ قال: يا رسول الله كنت معك في الصفّ الاوّل، فكبرت واستفتحت الحمد فقرأتها، فوسوس إليّ شيء من الطهور، فخرجت(1) الى باب المسجد، فإذا أنا بهاتف يهتف ويقول: وراءك، فالتفت فإذا بقَدَس(2) من ذهب مملوء ماء، أبيض من اللبن، وأعذَب من الشهد، وألين من الزبد، عليه منديل أخضر مكتوب عليه لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق، فأخذت المنديل فوضعته على منكبي فتوضأت للصلاة وأسبغت الوضوء، ورددت المنديل على القدس، فلحقتك وأنت راكع الرّكعة الاولى، فتممت صلاتي معك يا رسول الله، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا بكر أبشر، إنّ الذي وضأك للصلاة جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل، والذي أمسك ركبتي حتّى لحقت الرّكوع إسرافيل).

[ قال المصنّف ]: هذا حديث موضوع بلا شك، والمتهم به محمّد بن زياد ; قال أحمد بن حنبل: هو كذّاب خبيث يضع الحديث ; وقال يحيى: كذّاب خبيث، وقال السعدي والدارقطني: كذّاب ; وقال النسائي والبخاري والغلاس وأبو حاتم الرازي: متروك الحديث»(3).

____________

(1) في المصدر [ فجئت ].

(2) القَدَس بالتحريك: السّطل بلغة أهل الحجاز، لانه يتطهر فيه / لسان.

(3) الموضوعات: 1 / 229، وانظر الجامع في العلل لابن حنبل: 2 / 199 (1854) وفيه: كذّاب خبيث، أعور يضع الحديث، تاريخ يحيى بن معين: 4 / 392، أحوال الرجال للجوزجاني: 198 (363)، الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 342 (466)، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 222 (574)، الضعفاء للبخاري: 104 (317)، تاريخ البخاري: 1 / 83 (226)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 7 / 258.


الصفحة 85
ولا يخفى! أنّ في سند هذه الرواية عليّ بن داود، وهو أيضاً مجروح، كما في الميزان «عليّ بن داود، عن محمّد بن زياد الميموني، وعنه جعفر بن أبي عثمان الطيالسي بخبر منكر»(1).

وأيضاً فيه المسيّب بن عبد الرحمن، وقد قال البخاري فيه: إنّ حديثه منكر، كما في الميزان: «المسيّب بن عبد الرحمن، تابعي كبير، شهد القادسية، قال البخاري: حديثه منكر»(2) إنتهى.

وقد قال البخاري: «إنّ من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل رواية حديثه»(3).

أقول: والعجب! إنّ ابن المهتدي بالله تجنب عن الاهتداء، وركب متن عمياء، فأورد في فوائده مثل هذا الخبر الموضوع المجعول، ولم يستحي من الله والرسول، قال السيوطي في اللالئ المصنوعة:

«أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده: أنا أبو حنيفة الصوفي واسمه عليّ بن الحسين، ثنا جعفر بن محمّد بن نصير الخلدي، ثنا محمّد بن عبد الرحمن القطان، ثنا جعفر بن محمّد، ثنا عليّ بن داود الدمشقي، عن محمّد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن المسيّب بن عبد الرحمن، عن حذيفة بن اليمان، قال: (صلّى(4) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الفجر، فلما انفتل من

____________

(1) ميزان الاعتدال: 5 / 154 (5844).

(2) ميزان الاعتدال: 6 / 430 (8551)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 6 / 725.

(3) انظر ميزان الاعتدال: 3 / 288 (3452)، لسان الميزان للعسقلاني: 2 / 83. وقد نقل العسقلاني عن ابن القطان قول البخاري هذا: 1 / 20.

(4) في المصدر [ صلى بنا ].


الصفحة 86
صلاته، قال: أين أبو بكر الصدّيق؟ فأجابه من آخر الصفوف: لبيك لبيك يا رسول الله، قال: أفرجوا لابي بكر الصدّيق، اُدن مني، يا أبا بكر لحقت معي التكبيرة الاولى؟ قال: يا رسول الله، كنت معك في الصف الاوّل، فكبّرت وكبّرت فاستفتحت بالحمد فقرأتها، فوسوس إلي شيء من الطهور فخرجت إلى باب المسجد، فإذا [ أنا ](1) بهاتف يهتف بي و(2) يقول: وراءك، فالتفت فإذا أنا بقدس(3) من ذهب مملوء ماء، أبيض من الثلج، وأعذب من الشهد، وألين من الزبد، عليه منديل أخضر مكتوب عليه لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله الصدّيق أبو بكر، فأخذت المنديل فوضعته على منكبي وتوضأت للصّلاة وأسبغت الوضوء، ورددت المنديل على القدس(4) ولحقتك وأنت راكع الركعة الاولى، فتممت صلاتي معك يا رسول الله، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أبا بكر أبشر(5)الذي وضّأك للصّلاة جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل، والذي مسك ركبتي حتى لحقت الصّلاة إسرافيل) موضوع، محمّد بن زياد كذّاب ; قلت: الظاهر أنّ الافة من غيره ; قال في الميزان: عليّ بن داود، عن محمّد بن زياد الميموني، وعنه جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، بخبر منكر، والله أعلم»(6).

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) في المصدر [ وهو ].

(3) في المصدر [ بقدح ].

(4) في المصدر [ القدح ].

(5) في المصدر [ أبشر يا أبا بكر ].

(6) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 265.


الصفحة 87
[ و ] أقول: لا أدري وجه ما استظهره السيوطي! فإنّ محمّد بن زياد بنصّ ثقات الائمة، كذّاب خبيث، فما وجه الاستنكاف عن كونه الافة منه، وإستظهار الحمل على غيره.

وقد نصّ القاضي محمّد بن الشوكاني أيضاً على أنّ هذا الخبر موضوع، فقال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: إنّ أبا بكر قال للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّي كنت معك في الصفّ الاوّل، فكبّرتَ وكبرتُ فاستفتحت بالحمد فقرأتها، فوسوس إليّ شيء من الطهور فخرجت الى باب المسجد، فإذا أنا بهاتف يهتف(1) وهو يقول: وراءك، فالتفت فإذا أنا بقدس(2) من ذهب مملوء ماءً، أبيض من الثلج، وأعذب من الشهد، وألين من الزبد، عليه منديل أخضر مكتوب عليه لا إله إلاّ الله الصدّيق أبو بكر، فأخذت المنديل فوضعته على منكبي وتوضأت للصّلاة وأسبغت الوضوء، ورددت المنديل على القدس(3)، ولحقتك وأنت راكع الركعة الاولى، فتممت صلاتي معك يا رسول الله، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشر يا أبا بكر، الذي وضّأك للصّلاة جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل، والذي مسك ركبتي حتى لحقت الصلاة إسرافيل) هو حديث موضوع، ومحمّد بن زياد المذكور في إسناده: كذّاب»(4) إنتهى.

وحكم عليّ بن محمّد بن العراق وتلميذه أيضاً، بوضع هذا الخبر وكذبه،

____________

(1) في المصدر [ يهتف بي ].

(2) في المصدر [ بقدح ].

(3) في المصدر [ القدح ].

(4) الفوائد المجموعة للشوكاني: 330.


الصفحة 88
ففي مختصر تنزيه الشريعة:

«حديث حذيفة (صلّى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الفجر، فلما إنفتل من صلاته، قال: أين أبو بكر الصدّيق، فأجابه أبو بكر... الحديث)، وفيه (فإذا أنا بقدس من ذهب مملوء ماءً، أبيض من الثلج، وأعذب من الشهد، وألين من الزبد، عليه منديل أخضر مكتوب عليه لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، الصدّيق أبو بكر) وآخره (يا أبا بكر أبشر، الذي وضّأك للصّلاة جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل، والذي مسك ركبتي حتى لحقت الصلاة إسرافيل) أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده ; وفيه محمّد اليشكري وهو المتهم به، أو عليّ بن داود وهو مجهول وحديثه كذب»(1)انتهى.

ولا يخفى على الناقد البصير والماهر الخبير، إنّ هذا الخبر يدل على أنّ أبا بكر شرع في الصّلاة الواجبة واستفتح وكبّر، ثم لمّا وسوس اليه بشيء من الطهور قطع الصلاة ونقضها، والظاهر أنّ قطع الصلاة الواجبة بمحض الوسواس حتى لا يحصل يقين نقض الطهارة غير جائز ; فعاد هذا الخبر منقصة وعيباً في حق أبي بكر، حيث ثبت به كونه جاهلاً، أو متعمّداً لفعل الحرام، فكان يستحق بذلك المؤاخذة والعتاب لا البشارة والثواب، وعلى ذلك لا غرو أن يهتفه هاتف من الشياطين، ويبشّره على فعل الحرام في الدين، إضلالاً وإغواءً له ولغيره من إخوانه المنافقين، وأمّا هتف الهاتف القدسي على ذلك فمحال يخفى على أرباب

____________

(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 341.


الصفحة 89
الدين والفضل في العقل والنقل(1).

فيا عجباه!! من ابن المهتدي الغير المهتدي، كيف يزعم مثل هذه الخرافة التي إفتعلها أهل الخرص والمجون، بل افتراها أصحاب السفه والجنون، من الاحاديث والروايات النبويّة، حتى يورده في فوائده ويزعمه مثبتاً لفضل إمامه ورائده، هل هذا إلاّ تهالك على الكذب والبهتان، وإيضاع في مهامة العصيان، وقلّة إحتفال بأحكام الايمان، والله الموفّق للصّواب وهو المستعان.

____________

(1) ومن الدلائل الظاهرة على وضعه، ماذكر فيه (انه نزل من السماء قدس من ذهب مملواً ماء فتوضّأ أبو بكر من ذلك القدس) ومن الظاهر ان إستعمال أواني الذهب في الدنيا حرام غير جائز، وبالخصوص في عمل قربي كالوضوء للصلاة، فكيف يتغافلون عن ذلك وينسبون هذا العمل إلى ملائكة السماء المرسلة من قبل الله عزّ وجلّ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، (المحقق).


الصفحة 90

الصفحة 91

الفصل الثالث
[ في إختيار روح أبي بكر ]

ومن سخيف هذيانهم وطريف بهتانهم، حديث: (إنّ الله إختار روح أبي بكر لمّا خلق الارواح).

ولعمري، بطلان هذا الكذب الصراح، الذي هو من أنكر النباح وأشنع الصياح، لابين من فلق الصباح، وقد صرّحت ببطلانه نقّادهم الحذاق، واعترفت بكونه مختلقاً أئمتهم المشهورون في الافاق، كابن الجوزي، والخطيب، والذّهبي، والفيروز آبادي، والشيخ عليّ بن محمّد بن العراق، والشيخ عبد الحق الدّهلوي على ما حكاه الرشيد في الايضاح، والشيخ (رحمه الله)، وصاحب تلخيص الموضوعات، ومحمّد بن الشوكاني(1).

____________

(1) انظر الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 230، تاريخ بغداد للخطيب: 14 / 35، ميزان الاعتدال: 7 / 59 (9156)، سفر السعادة للفيروز آبادي: 281، تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 342، اشعه اللمعات لعبد الحق الدهلوي: 4 / 628، تلخيص الموضوعات للذهبي: 93 ـ 209، الفوائد المجموعة للشوكاني: 331، وسوف تأتي أقوالهم مفصلاً تباعاً.


الصفحة 92
ولمّا كان ذلك في غاية السخافة والشناعة، إحتشم عن روايته وتحديثه أكثر علماء تلك الجماعة، ولكن تواقح بعضهم وتظاهر بالعصبيّة الشنيعة، فأورده في بعض تصانيفه الحريّة بالوقيعة، منهم أبو الحسن الجرجاني في تاريخ جرجان، والزوزني في كتاب شجرة العقل(1)(*).

والعجب! كيف يميل بهم الهوى حتى يجنحون الى أمثال تلك المفتريات السخيفة، التي لا يصدّقها الاّ أصحاب العقول الخفيفة، فإنّه مع كونه مشتملاً على طريف الترهات والخرافات، نصّ على خلافة أبي بكر، وكذب ذلك ثابت بدلائل قطعيّة وبراهين سنيّة، وإعتراف محقّقيهم ونحاريرهم، ولا يشك في بطلانه ذو عقل.

____________

(1) ذكر ذلك الذهبى في الميزان: 6 / 77 (7269)، وانظر اللالئ المصنوعة للسيوطي 1: 266.

(*) وابن اسبوع الاندلسي في كتاب الشفاء، قال الوصابي في كتاب الاكتفاء: «وعنها (رض) أي عن عائشة قالت: (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلمّا ضمّني وإياه الفراش، قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أكرم نساءك عليك، قال: بلى، قلت: يا رسول الله حدّثني عن أبي بشيء، فقال: أخبرني جبرئيل (عليه السلام)، قال: لما إختار الله تبارك وتعالى الارواح، إختار أبا بكر من بين الارواح، فجعل طينتها من تراب الجنّة، وخلف فيها مِن الحيوان، وخلف له فيها بيتاً فيه مقاصير من لؤلؤ الرطب، وأنّ الله ضمن لي على نفسه أن لا يكلّفه سيئة ولا يسلبه حسنة، وأني ضمنت له عند الله كما ضمن لي على نفسه، أنّ لا يكون لي ضجيعاً في حفرتي، ولا مؤنساً في خلوتي، ولا خليفتي بعدي في امّتي إلاّ أبو بكر، وبايع على ذلك جبرئيل وميكائيل بخلافته إلى الله براية من درّة بيضاء وعقد اللّواء تحت العرش، قال الله تعالى لملائكته: رضيت بما رضي نبيّي، فكفى بأبيك فخراً أن يبايع له أهل السموات وأهل الارض وبضعة من الشياطين وطرف من الجن باذن البحر، حتى أني أخذت ميثاقه على الوحش، فمن أبا هذا يا عائشة فقد كفر، قالت عائشة (رض): فقبّلت بين عينيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: حسبُك يا عائشة من زعم أنّك لست باُمه فو الله ما أنا نبيَّه، ومن سرّه أن يبرأ من الله ومنّي فليبرء منك) أخرجه عبد الله بن اسبوع الاندلسي في كتاب الشفاء». الاكتفاء مخطوط.


الصفحة 93
ومن هناك بالغ في إبطاله وردّه وطعنه، إمامهم الناقد وقدوتهم الحائز للمحامد، الناقب عن غوامض الاخبار، الباطن لاسرار الاثار، المطّلع على كنه المعائب والعلل، العارف بالقوادح والدواخل ـ أعني ابن الجوزي ـ فإنّه أورده في الموضوعات ونقل عن الخطيب أنّه لا يثبت، وقدحه وجرحه بطريقيه، ثم ذكر طريق آخر، وقال: إنّ فيه من التخليط في المتن والاسناد ما ينبئ أنّه فعل مختلط لا يدري ما يقول، وهذه عبارة ابن الجوزي في كتاب الموضوعات:

«الحديث الثالث: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب، قال: حدّثني الحسن بن عليّ بن المذهب من أصل كتابه العتيق، قال: حدثني أبو القاسم هارون بن أحمد العلاف المعروف بالقطان إملا، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن إسماعيل الادمي، قال: حدثنا أحمد بن منصور الزيادي، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من(1) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش، قلت: يا رسول الله ألست أكرم أزواجك عليك؟ قال: بلى يا عائشة، قلت: فحدّثني عن أبي بفضيلة، قال: حدّثني جبرئيل أنّ الله تعالى لمّا خلق الارواح، اختار روح أبي بكر الصدّيق من بين الارواح، وجعل ترابها من الجنّة، وماءها من الحيوان، وجعل له قصراً في الجنّة من درّة بيضاء مقاصيرها(2) من الذهب والفضة البيضاء، وإنّ الله تعالى آلا على نفسه أن لا يسلبه حسنة ولا يسأله عن سيئة، وإنّي

____________

(1) في المصدر [ مع ].

(2) في المصدر [ مقاصرها فيها ].


الصفحة 94
ضمنت كما ضمن الله على نفسه أنْ(1) لا يكون ضجيعاً في قبري(2)، ولا أنيساً في وحدتي، وخليفة على أمّتي من بعدي إلاّ أبو بكر(3)، يا عائشة بايع على ذلك جبرئيل وميكائيل، وعقدت خلافته براية بيضاء، وعقد لواؤه تحت العرش، قال الله تعالى للملائكة رضيتم بما رضيت لعبدي، فكفى بأبيك فخراً أن بايع له جبرئيل وميكائيل وملائكة السماء وطائفة من الشياطين يسكنون البحر، فمن لم يقبل هذا فليس منّي ولست منه، قالت عائشة: فقبّلت أنفه وما بين عينيه، فقال: حسبك يا عائشة، فمن لست بأمّه فوالله ما أنا بنبيّه، فمن أراد أن يتبرّأ من الله فليتبرأ منك يا عائشة).

قال الخطيب: لا يثبت هذا الحديث، ورجال إسناده كلّهم ثقات، ولعلّه لهذا الشيخ القطان أو أدخل عليه، مع أنّي قد رأيته من حديث محمّد بن بابشاذ [ البصري، عن سلمة بن شبيب، عن عبد الرزاق، وابن بابشاذ ](4) يروي مناكير عن الثقات ; وقد كان في أصل ابن المذهب أحاديث صالحة عن هارون القطان، عن البغوي، وسألت ابن المذهب عنه فقال: كان يسكن دار البطيخ العليا عند دار إسحاق، ولم يكن ممّن يظن به الكذب ولا تلحقه التهمة، لانّه لم يكن يتصدّى(5)للحديث ولا يحسنه، وكان من أهل القرآن والخير.

____________

(1) في المصدر [ ألاّ ].

(2) في المصدر [ حفرتي ].

(3) في المصدر [ أبوك ].

(4) لا يوجد في المصدر، وتوجد هذه العبارة في المصدر المنقول عنه (تاريخ بغداد).

(5) في المصدر [ ممّن يتصدى ].


الصفحة 95
[ قال المصنّف: هذا ](1) قد أدخل عليه لغفلته، وكثير من أهل الدين تغلب عليهم الغفلة، وروى هذا الحديث بعض الناس فخلط فيه وزاد ونقّص.

أخبرنا أبو الفتح محمّد بن عبد الباقي، قال: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر بن جعفر الخرقي، قال: أخبرنا أبو القاسم عمر بن عبد الله الترمذي، قال: أخبرنا جدّي أبو بكر محمّد بن عبيد بن مرزوق، قال: ثنا الحسين بن عليّ الادمي، قال: ثنا أبان بن يزيد، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا معمر، عن الزهري، عن ابن عباس، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش، قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ألست أكرم أزواجك عليك؟ قال: بلى يا عائشة، قلت: فحدّثني عن أبي بشيء، فقال: أخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن الله عزّ وجلّ أنّه لمّا خلق الارواح إختار روح أبي بكر الصدّيق من بين الارواح بعد النبيّين والمرسلين، فجعل ترابه من الجنّة(2)، وجعل ماءه من الحيوان، وجعل له في الجنّة قصراً من ياقوتة بيضاء فيه(3) مقاصير من اللؤلؤ الرطب، وإنّ الله تعالى ضمن لي أن لا يكلّفه سيّئة ولا يسلبه حسنة، وإنّي ضمنت أن لا يكون لي ضجيع في حفرتي، ولا خليفة من بعدي إلاّ أبو بكر الصدّيق، فبايع على ذلك جبرئيل وميكائيل، وعرج بخلافته إلى الله عزّ وجلّ براية من درة(4)، وعقد لواؤه تحت العرش، فكفى لابيك فخراً أن بايع له

____________

(1) في المصدر [ قلت: هذا ].

(2) في المصدر [ الماء ].

(3) في المصدر [ فيها ].

(4) في المصدر [ درة بيضاء ].


الصفحة 96
جبرئيل وميكائيل، وأهل السماوات وأهل الارضين، وستّة(1) من الشياطين، وطرف من الجن بادون(2) في البحر، وأخذ ميثاقه على الوحش، فمن أبى هذا فليس منّي ولست منه).

[ قال المصنّف ]: وأخبرنا بهذا الحديث أبو المعمر الانصاري، عن أبي غالب محمّد بن الحسن الباقلاني قال: ثنا محمّد بن عمر الخرقي، فذكره إلاّ أنّه قال: حدّثنا الحسين بن أبان بن يزيد، وهذا الحديث لا يتعدى أبا القاسم الترمذي أو جدّه أبا بكر بن مرزوق، على أنّ فيه من التخليط في الاسناد والمتن، ما ينبئ أنّه فعل مختلط لا يدري ما يقول»(3) إنتهى.

ثمّ إنّ الذّهبي أيضاً حكم ببطلان هذا الحديث ووضعه، حيث قال في الميزان:

«هارون بن أحمد أبو القاسم القطان، عن أبي القاسم البغوي، وعنه أبو عليّ بن المذهب، روى حديثاً باطلاً، كأنّ المسكين أدخل عليه ولا يشعر، وهو عن الرمادي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، عن عائشة، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (حدّثني جبرئيل: أنّ الله لمّا خلق الارواح إختار روح أبي بكر، وجعل ترابها من الجنّة ـ إلى أن قال ـ وأنّ الله ضمن على نفسه أن يكون ضجيعي في حفرتي، وخليفتي على أمّتي، وعقدت خلافته برايةً بيضاء، فمن أراد أن يتبرأ من الله فليتبرأ منك يا عائشة) قال الخطيب:

____________

(1) في المصدر [ وسنه (ثلّة) ].

(2) في المصدر [ ناوون ].

(3) الموضوعات: 1 / 230 ـ 232، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 14 / 35 (7380).


الصفحة 97
رواته ثقات إلاّ القطّان، وله إسناد آخر باطل»(1).

فهذا كما تراه صريح في أنّ مارواه هارون باطل موضوع، وأنّ له إسناد آخر لكنّه أيضاً باطل ; والمراد بالاسناد الاخر، أن محمّد بن بابشاذ أيضاً روى هذه المقرفة عن سلمة كما ذكره الخطيب(2)، وهو وإن وثّقه الدارقطني لكنّ الذّهبي لم يلتفت الى توثيقه، وحكم على خبره هذا بالبطلان، وسمّاه في ترجمة محمّد بن بابشاذ طامّة لا تتطبب، ورآه من البطلان بحيث قال: أنّه لا يحتمله سلمة. كما في الميزان:

«محمّد بن بابشاذ البصري، عن سلمة بن شبيب وجماعة ; وثّقه الدارقطني، ولكنّه قد أتى بطامة لا تتطبب ; قال الحافظ أبو الحسن عليّ بن محمّد(3) الجرجاني في تاريخ جرجان في ترجمة الحافظ حمزة بن يوسف، أنا حمزة السهمي، ثنا محمّد بن خلف بن حبّان ببغداد، أنا محمّد بن بابشاذ، أنا سلمة بن شبيب، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمّر، عن الزهري، عن أنس، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا ضمّني(4) وإيّاه الفراش، قلت: يا رسول الله حدّثني بشيء لابي، قال: أخبرني جبرئيل عن الله تعالى أنّه لمّا خلق الارواح إختار روح أبي بكر لي من بين الارواح، وإنّي ضمنت على الله ألاّ يكون لي خليفة في أمّتي، ولا مؤنساً في خلوتي، ولا ضجيعاً في حفرتي إلاّ أباك، ويخرج بخلافته يوم القيامة

____________

(1) ميزان الاعتدال: 7 / 59 (9156).

(2) قد مرّ سابقاً.

(3) في المصدر [ محمّد بن عليّ ].

(4) في المصدر [ فضمّني ].


الصفحة 98
براية من درّة)، ـ وذكر الحديث، فهذا لا يحتمله سلمة، والظاهر أنّه دُسّ على ابن بابشاذ هذا ; وقال الخطيب: في حديثه غرائب ومناكير»(1) إنتهى.

وقد عدّ في مختصر تنزيه الشريعة أيضاً هذا الخبر من الموضوعات، وقال: إنّ إسناده باطل، ونقل عن تلخيص الموضوعات: أنّ هذا من أسمج الكذب. قال في مختصر تنزيه الشريعة:

«حديث عائشة: (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... الحديث) وفيه (إنّ الله لمّاخلق الارواح، إختار روح أبي بكر الصدّيق من بين الارواح، فجعل ترابها من الجنّة، وماءه من الحيوان) وآخره (فمن أراد أن يتبرّأ من الله ومنّي فليتبرّأ منك يا عائشة) الخطيب، وقال: لا يثبت لان فيه هارون، ولعلّ الافة منه، وإسناده باطل، وقال في تخليص الموضوعات: هذا من أسمج الكذب»(2) إنتهى.

وقد سمعت سابقاً أنّ الفيروزآبادي نصّ على أنّ هذا من الموضوعات والمفتريات التي يعلم بطلانها ببديهة العقل(3).

وقد ذكر القاضي محمّد بن الشوكاني أيضاً هذا الخبر في الموضوعات، ونقل عن الخطيب أنّه قال: لا يثبت واتّهم به هارون، وذكر عن الذّهبي جزمه بأنّ

____________

(1) ميزان الاعتدال: 6 / 77 (7269)، و انظر لسان الميزان للعسقلاني: 6 / 735 (7135).

(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1/342، وانظر تلخيص الموضوعات للذهبي: 93 (209).

(3) قال الفيروز آبادي في سفر السعادة، في باب فضائل أبي بكر: ومن اشهر الموضوعات حديث (انّ الله يتجلى...) و (ما صب الله في صدري...) و (كان (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا اشتاق الى الجنّة قبّل شيبة أبي بكر) و (أنا وأبو بكر كفرس رهان) و (انّ الله تعالى لمّا إختار الارواح اختار روح أبي بكر) وأمثال هذا من المفتريات المعلومة بطلانها ببديهة العقل. (سفر السعادة: 280).


الصفحة 99
هذا باطل، حيث قال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: (إنّ الله لمّا خلق الارواح، إختار روح أبي بكر الصدّيق من بين الارواح، فجعل ترابها من الجنّة، وماءها من الحيوان، وجعل له قصراً في الجنّة من درّة بيضاء... الخ) رواه الخطيب، عن عائشة مرفوعاً، وقال: لا يثبت، وقد اتّهم به هارون بن أحمد العلاف، المعروف بالقطان ; وقد جزم الذّهبي في الميزان في ترجمته: بأنّ هذا باطل»(1) إنتهى.

ولعمري، إنّ هذا الكذب أهون من يهتم بإثبات وضعه وإفتراءه، ولو تأمّل عاقل مافيه من المعاني السخيفة، والعبارات الركيكة، والتراهات الغريبة، والخزعبلات العجيبة، لاستحى من أن يحتمل صحّته أو يخرجه ويرويه، بل بالغ في أن ينفى ذلك عن أهل مذهبه وطريقته، ولكن العصبيّة تميل بهم يميناً وشمالاً، فيتيهون في كلّ واد ويسدرون في غلواء العناد، فيروون ويروّجون مثل ذلك المتاع، الظاهر الفساد والكساء.

ثمّ إنّ السيوطي لمّا ذكر الحديث، نقل عن الخطيب قدح كلا طريقيه، كما نقل ابن الجوزي ونقل الذّهبي الحكم ببطلانهما، ثم أورد طريقاً آخر عن كتاب شجرة العقل، وسكت عليه ولعلّه قصد إثباته وتصحيحه، ولا غروّ منه فإنّه مفتون مغرم بحبّ إمامه، وتصحيح فضائله المختلقة. وهذه عبارة اللالئ المصنوعة:

«الخطيب، حدثني الحسن بن عليّ بن محمّد المذهّب، ثنا أبو القاسم هارون بن أحمد العلاف المعروف بالقطان إملاء، ثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن إسماعيل الادمي، ثنا أحمد بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن

____________

(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 331.


الصفحة 100
الزهري، عن أنس، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من رسول الله، فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش، قلت: يا رسول الله ألست أكرم أزواجك عليك؟ قال: بلى، قلت: فحدّثني عن أبي بفضيلة، قال: حدّثني جبرئيل أنّ الله تعالى لمّا خلق الارواح، إختار روح أبي بكر [ الصدّيق ](1) من بين الارواح، فجعل ترابها من الجنّة، وماءها من الحيوان، وجعل له قصراً في الجنّة من درّة بيضاء، مقاصيرها منها من الذهب والفضّة البيضاء، وأنّ الله تعالى آلى على نفسه أن لا يسلبه حسنة، ولا يسأله عن سيّئة، وإنّي ضمنت على الله كما ضمن الله على نفسه أن لا يكون ضجياً في حفرتي، ولا أنيساً في وحدتي، ولاخليفة على أمّتي من بعدي إلاّ أبوك، بايع على ذلك جبرئيل وميكائيل، وعقدت خلافته براية بيضاء، وعقد لواءه تحت العرش، قال الله تعالى للملائكة: رضيتم ما رضيت لعبدي، فكفى بأبيك فخراً أن يبايع له جبرئيل وميكائيل، وملائكة السماء، وطائفة من الشياطين يسكنون البحر، فمن لم يقبل هذا فليس منّي ولست منه، قالت عائشة: فقبّلت أنفه ومابين عينيه، فقال: حسبك يا عائشة فمن لست بأمّه فوالله ما أنا بنبيّه، فمن أراد أن يتبّرأ من الله ومنّي فليبرأ منك يا عائشة) قال الخطيب: لا يثبت ورجاله ثقات، ولعلّ الافة من القطان، أو أُدخل عليه وكان رجلاً صالحاً، وأحاديثه كلّها مستقيمة، وقد رأيته من حديث محمّد بن بابشاذ البصري، عن سلمة بن شبيب، عن عبد الرزّاق وابن بابشاذ، يروي المناكير عن الثقات، إنتهى.

____________

(1) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 101
قلت: قال في الميزان في ترجمة هارون: الاسنادان باطلان، وقال في ترجمة محمّد بن بابشاذ البصري، وثّقه الدارقطني، ولكنّه أتى بطامّة لا تتطبب. قال الحافظ أبو الحسن عليّ بن محمّد الجرجاني في تاريخ جرجان في ترجمة الحافظ حمزة بن يوسف، أنا حمزة السهمي، أنا محمّد بن خلف بن حيان ببغداد، أنا محمّد بن بابشاذ، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزّهري، عن أنس، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش، قلت: يا رسول الله حدّثني بشيء لابي، قال: أخبرني جبرئيل عن الله تعالى أنّه لمّا خلق الارواح، إختار روح أبي بكر من بين الارواح، وإنّي ضمنت على الله أن لا يكون لي خليفة من أمتي ولا مؤنساً(1) في خلوتي ولا ضجيعاً(2) في حفرتي إلاّ أباك، ويخرج بخلافته يوم القيامة براية من درّة... الحديث) فهذا لا يحتمله سلمة(3)والظاهر أنّه دسّ على ابن بابشاذ، إنتهى.

وقد وجدت(4) له طريقاً آخر: قال أبو العباس الوليد بن أحمد الزوزني في كتاب شجرة العقل: ثنا أبو بكر أحمد بن أحمد بالرقّة من حفظه، ثنا أبو هارون الانصاري ببيت المقدس، عن أبي يعلي الموصلي، عن الدبري، عن عبد الرزاق: به، والله أعلم.

____________

(1) في المصدر [ ولا مؤنس ].

(2) في المصدر [ ولا ضجيع ].

(3) في المصدر [ عقل ] والصحيح ما أثبت ومافي الميزان.

(4) هذا الكلام للسيوطي.


الصفحة 102
قال المؤلّف(1): وقد رواه بعض الناس فخلط فيه، أنبأنا أبو الفتح بن عبد الباقي، أنا أبو الفضل بن حيرون، أنا أبو بكر الحرقي، ثنا أبو القاسم عمر بن عبد الله الترمذي، أنا جدّي أبو بكر بن عبيد الله بن مرزوق، ثنا عباس أبو الفضل الشكلي، ثنا عبد الصّمد أبو العباس الهاشمي، ثنا الحسين بن عليّ الادمي، ثنا أبان بن يزيد، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزّهري، عن ابن عباس، عن عائشة: بنحوه. والاسناد لا يتعدى أبا القاسم وجدّه»(2) إنتهى.

أقول: يا للعجب! بين جمادي ورجب، إنّ أبا العباس الوليد كيف اقتصّ أثر الخناس المريد، فجزم حبل التقى والفضل، واستأصل ثمرة العلم وشجرة العقل، وطفق يصبوا الى مثل هذا البهتان والقرفة السخيفة، ويقبل على مثل هذا الكذبة والتهمة الركيكة، ولا يدري مافيه من الفضائح والافات والقبائح والخرافات، وأعجب من ذلك، ذكر السيوطي إيّاه في مقام التنقيد، صافحاً وجهه عن جرحه، سادلاً ثوب الاغضاء دون قدحه.

وبالجملة: لا ريبة في كذبه، ومن هناك قد حكم النقّاد ببطلانه، فإنّ الفيروزآبادي قال: من الموضوعات والمفتريات التي يعلم بطلانها ببديهة العقل، وكذا الذّهبي: حكم ببطلانه وكونه مدسوساً، وسمّاه طامة لا تتطبب، ولم يلتفت الى وثوق راويه عند الدارقطني، وكذا الخطيب: قدح فيه ورآه موضوعاً، مع اعترافه بأنّ القطان كان رجلاً صالحاً كما نقل السيوطي، وكذلك قال صاحب

____________

(1) المراد به ابن الجوزي صاحب الموضوعات.

(2) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 266 ـ 267، قد مرّ سابقاً تخريج كلام الذّهبي، وابن الجوزي، والخطيب.