ومن الطريف! أنّ السيوطي كما تراه، لمّا حكى في آخر كلامه عبارة ابن الجوزي، المشتملة على رواية هذا الخبر من أبي الفتح محمّد بن عبد الباقي، لم يحكي قوله «زاد ونقص» بعد قوله «فخلط فيه»(1).
وأيضاً لم يذكر قوله: «على أنّ فيه من التخليط في الاسناد والمتن ما ينبئ أنّه فعل مختلط لا يدري ما يقول»(2).
وكأنّه لما رأى في هذا القول زيادة التشنيع على الواضع الرّقيع، ومبالغة في إبطال هذا الخبر الفظيع، إستحى من نقله وذكره، حتى يلبّس الامر على العامّة فلا يتعاظم عليهم، فيتهافتوا في تصديق الطامّة، ثمّ لا يظهر سخافة الزوزني، العادم العقل، مصنّف شجرة العقل، حيث أقبل على مثل هذا الكذب المنكر، وجانب في الركون إليه الشرع الاطهر.
ولا يذهبن عليك، أنّه قد ظهر من هناك، أنّ هذا الافتراء قد رواه رجلان ثقتان عندهم:
أحدهما: أبو القاسم البغوي ـ أعني القطان ـ وقد نقل السيوطي عن الخطيب أنّه قال في القطان: أنّ رجاله ثقات، وصرّح بأنّ القطان رجل صالح،
____________
(1) انظر اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 267، الموضوعات: 1 / 231 / س11.
(2) انظر اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 267، الموضوعات: 1 / 232 / س3.
وثانيهما: محمّد بن بابشاذ البصري، وقد وثّقه الدارقطني، كما نقل الذّهبي في الميزان ومع ذلك قال الذّهبي: أنّه أتى بطامة لا تتطبب.
فاتضح ولاح أنّ نقادهم مع علمهم بثقة الرجلين قد حكموا على هذا الخبر بالبطلان والكذب، ولم يجعلوه معوّلاً مع كون رواته ثقات معتمدين، فباح من ذلك أنّه لا عبرة برواياتهم ولو كان رجالها ورواتها ثقات عندهم، فإنّ موثقيهم ومعتمديهم أيضاً يروون الموضوعات، وينقلون المفتريات ; فأيّة حجّة وأيّ سند يعتمدون عليه ويتشبّثون بذيله بعد ذلك، في إثبات فضائل الخلفاء وتصحيحها؟!.
فإنّ غاية مباهاتهم إنّما كان على وثوق رواة فضائلهم عندهم، فيقولون كيف يمكن أن تكون هذه الفضائل مكذوبة مجعولة، مع أنّ رواتها ثقات وناقليها اثبات! ; وإذا ظهر أنّ الثقة عندهم ليست بمانعة من رواية الموضوع ونقل المكذوب، فلم يبق في أيديهم حجّة وشبهة يصغى إليها.
وأمّا ماذكره الخطيب والذّهبي من حديث التدسيس والادخال على هذين الرجلين وهما لا يشعران، فهو غير نافع للخصم، لانّه مع كونه مجرّد إحتمال خلاف الظاهر، يجري في سائر رواياتهم وجميع خرافاتهم، فإنّا نقول في غير ذلك من الاخبار والروايات أيضاً، إنّ رجالها وإن كانوا ثقات، لكنّه يحتمل أنّ تلك الروايات التي حدّثوا بها أدخلت ودسّت عليهم، فلا عبرة بها.
ثمّ إعلم! أنّه يدلّ على كذب هذا الخبر وجوه كثيرة، فلنذكر بعضها:
أمّا أوّلاً: فإنّه يتضمّن النصّ الصريح على خلافة أبي بكر، وبطلان النصّ
وأمّا ثانياً: فإنّه يشتمل على أنّ تراب أبي بكر كان من الجنّة، وهذا باطل بالبديهة، فإنّه لو كان كذلك، لكان مؤمناً من الازل، بريئاً من الزّلل، نقيّاً من الخطل والخلل، لم يشرك بالله أبداً، ولم يعبد من دون الله أحداً، ولم يسجد لصنم، ولم يقتحم عظائم النقم ; مع أنّه قد ثبت قطعاً أنّه كان كافراً بالربّ المنعام، وساجد للاصنام، مقترفاً للجرائم العظام، وموبقات الاثام.
وأمّا ثالثاً: فلانّه ذكر فيه، أنّ جبرئيل وميكائيل وملائكة السماء، بايعوا أبا بكر على الخلافة وكذا وكذا، ولعمري! إنّ ذلك لمن أكبر الزّور والبهتان، والكذب والهذيان، الذي يستحي من تصديقه العوام والجهال، فضلاً عن الفضلاء وأهل الكمال.
والعجب! من هؤلاء، كيف تواقحوا وذكروا مثل هذا الافك المبين، واتّبعوا آثار الشياطين.
بلى لا يبعد ماذكر فيه: من مبايعة طائفة من الشياطين أبا بكر، فإنّه كان
____________
(1) انظر شرح المواقف للايجي، بحث الامامة: 8 / 344، وشرح المقاصد للتفتازاني، بحث الامامة: 5 / 258.
(2) أنظر تحفة إثنا عشريّة للدهلوي: 348 باب الامامة.
والحاصل أنّ بيعة جبرئيل وميكائيل وغيرهما من ملائكة السماء لابي بكر كذب صراح، فإنّ ذلك موجب لتفضيله على الملائكة وهو ظاهر، وقد اعترف الكابلي في الصواقع: بأنّ أخذ ميثاق عليّ (عليه السلام) من النبيّين موجب لتفضيله عليهم(1); وتفضيل أبي بكر على الملائكة باطل بإجماع المسلمين، وكيف لا، فهؤلاء معصومون مطهّرون مقدّسون، (لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤمَرُونَ)(2)، وقد إنعقد إجماع السنيّة على عدم عصمة أبي بكر، وقد دلت الدلائل الباهرة على تلوثه بكثير من المعاصي والخطايا.
وبالجملة: لا ريب في مفضولية أبي بكر من الملائكة عند من أوتي قسطاً من العقل.
وأمّا رابعاً: فإنّ ظاهر قوله (ضمنت كما ضمن الله على نفسه، أن لا يكون ضجيعاً في حفرتي، ولا أنيساً في وحدتي،ولا خليفة على أمّتي من بعدي، إلاّ أبا بكر) صريح في أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمن أن لا يكون ضجيعه إلاّ أبا بكر، مع أنّ عمر أيضاً كان ضجيعه في الظاهر، حيث دفنوه عند رمسه الشريف.
فلزم على السنّيّة أن ينكروا دفن عمر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، تصديقاً لهذا الكذب، أو يقولوا: أنّ الملائكة النقّالة قد نقلته من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفروا
____________
(1) الصواقع للكابلي مخطوط.
(2) التحريم الاية: 6.
وبالجملة: قد ظهر من هذا الكذب السخيف، ركاكة مباهاتهم ومفاخرتهم بمضاجعة عمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يستطيلون بذلك ويمارون ويتكاثرون ويتفاخرون، فإنّه يدلّ على إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن طيّب النفس بمضاجعة غير أبي بكر إيّاه، حيث ضمن له أن لا يكون غيره له ضجيعاً، فكان دفن عمر عند رمسه الشريف صنيعاً شنيعاً وجرماً فظيعاً، وذلك يفضي عند التحقيق الى بطلان خرافاتهم في مضاجعة أبي بكر أيضاً، فإنّه وقد ثبت من هناك: أنّ مجرّد دفن أحد عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يوجب فضيلة ولا يثمر شرفاً، لاحتمال العدوان والمخالفة، فلا يتمّ تشبّثهم بدفن أبي بكر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يثبتوا رضاءه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، ودونه خرط القتاد وضرب الاسفاد، والله ولي التوفيق والرشاد.
وأمّا خامساً: فإنّ النواصب خذلهم الله لمّا يسمعوا الاحاديث الدالّة على أخذ ميثاق إمامة عليّ من الملائكة، ينكرون ذلك شديداً ويسخرون منها ويضحكون، ويبدون إباءً وتشنيعاً فضيعاً، فكيف يصدّق بعد ذلك أنّ الملائكة قد اُخذ منهم الميثاق على إمامة أبي بكر وخلافته، حيث بايعته على خلافته؟!.
[ فقد ] قال صاحب التحفة: «[ وظاهر أنّه لا معنى لاخذ الميثاق من الملائكة، ولذا لم تدخل الملائكة في أيّ ميثاق، لانّ أخذ الميثاق يكون من المكلّفين المحتمل فيهم جانب الطاعة والمعصية، بخلاف الملائكة الّذين (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مايُؤْمَرُونَ)(1) فأيّ حاجة إلى أخذ الميثاق
____________
(1) التحريم الاية: 6.
ثمّ إنّه صريح في أخذ ميثاق خلافة أبي بكر وأمثالها على الوحش، وإذا كان أخذ الميثاق عن الملائكة ممّا لا يتصوّر عند النواصب، بل أخذ الميثاق مختص في المكلّفين كما يدلّ عليه قوله «وأخذ الميثاق من المكلّفين»، فكيف يصدق أخذ الميثاق من الوحش؟!، فكان ذلك أوّل دليل على أنّه كذب مغشوش.
وأمّا سادساً: فإنّ صاحب التحفة ذكر ثلاثة أخبار تتضمّن أخذ ميثاق ولاية عليّ (عليه السلام) من النبيّين، وحكم عليها بالكذب والافتراء، بإدّعاء ركاكة ألفاظها، وهذه ألفاظها على ما نقل:
«عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (إنّ الله أخذ ميثاق النبيّين بولاية عليّ بن أبي طالب) ; وعن داود الرقّي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر طويل، قال: (لمّا أراد الله أن يخلق الخلق، نثرهم بين يديه، وقال: من أنا؟ فكان أوّل من نطق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين والائمة، فقالوا: أنت ربّنا، فحمَّلهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمانتي من خلقي، ثمّ قال لبني آدم: أقرّوا لله بالرّبوبيّة ولهؤلاء النفر بالطّاعة، فقالوا: نعم ربّنا أقررنا) ; وعن ابن عباس
____________
(1) تحفة اثنا عشرية للدهلوي: 324، وفيه:
«وظاهر است كه اخذ ميثاق از ملايكه معنى ندارد، ولهذا در هيچ ميثاق ملايكه داخل شده اند، زيراكه اخذ ميثاق از مكلفين است كه جنبه طاعت وعصيان هر دو در حق شان محتمل است، بخلاف ملايكه كه (لا يعصون ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) شأن ايشان است، اخذ ميثاق از ايشان چه حاجت، انتهى».
وقال في حقّ هذه الاخبار: [ إنّ ركاكة ألفاظها شاهد عادل على أنّها كذب وإفتراء ]»(1) انتهى.
فإذا كانت هذه الاخبار البليغة الفصيحة، المرويّة عن الائمّه الاطهار، التي تشهد بصحتها روايات السنّيّة وأحاديثهم ـ كما بينّا في كتابنا عبقات الانوار(2) ـ ركيكة عند النواصب، بحيث يقولون: أنّ ركاكة ألفاظها شاهد عادل على وضعها وكذبها، فكيف لا يكون هذا الخبر الواهي المزخرف ركيكاً؟!، وكيف لا يشهد ركاكة ألفاظه على وضعه وكذبه؟!.
فياسبحان الله! إذا رووا فضائل عليّ (عليه السلام) عضوا أناملهم من الغيظ، وكسروا الارباط، وطعنوا عليها، وشنعوا وغمزوا بالالحاظ، ونسبوها الى الركاكة والسخافة، وأبدوا إباءً وإنكاراً بلا مخافة، ويصدّقون في المسمى بالخليفة مثل هذه الاكاذيب الركيكة السخيفة، التي شهدت بكذبها أكابرهم، ونصّت على وضعها أماثلهم، فليتأمّل الناقد الاريب، ويقضي العجب العجيب من هذا الصنع المعيب.
وأمّا سابعاً: فإنّه ذكر في هذا الافتراء: إنّ التبري من عائشة عين التبري
____________
(1) تحفة إثنا عشريّة للدهلوي، الباب السادس: 323 ـ 324، وفيه:
«وركاكت الفاظ اين اخبار كواه عادل است بر انكه كذب وافترا است».
(2) عبقات الانوار للمؤلف وكتب باللغة الفارسية ذكر فيه احاديث الامامة من مصادر اهل العامة واحتج بها عليهم.
والاعجب! أنّ عائشة قد لعنت عثمان وكفّرته وحكمت بقتله وحرّضت الناس على ذلك، كما روته ثقات شيوخهم وأكابر أئمّتهم(2)، وقد بيّن ذلك في تشييد المطاعن مفصّلاً، فكيف يكون التبري منها عين التبري من الله ومن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ من كفّر عثمان يجب أشدّ التبري منه عند السنّيّة.
اللّهم إلاّ أن يقولوا نحن نصدّق هذا الحديث أيضاً مراعاة لفضل الاوّل، ونتبرأ من عائشة أيضاً حين كفّرت عثمان، وأمرت بقتله وحرّضت الناس عليه، وإن كان هذا التبري عين التبري من الله ورسوله كما شهد به تلك الخرافة
____________
(1) ذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس قال: «إن عائشة لا تطيب له ـ أي عليّ ـ نفساً بخير» الطبقات: 2 / 232، وانظر مسند احمد: 6 / 228، وروى احمد في مسنده: «جاء رجل فوقع في علي وفي عمار عند عائشة، فقالت: اما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً....»، المسند: 6 / 113 ; وقولها: «لا جرم أني لا أحب عليّاً أبدا» انظر مغازي الواقدي: 1 / 430، المصنف لعبد الرزاق: 5 / 415، سيرة ابن هشام: 3/313، صحيح البخاري: 3 / 155 ; وأنّها سجدت عندما بلغها مقتل علي (عليه السلام)، انظر الطبقات لابن سعد: 3 / 40، تاريخ الطبري: 5 / 150.
(2) انظر الطبقات لابن سعد: 5 / 36، انساب الاشراف للبلاذري: 1 / 565، تاريخ اليعقوبي: 2 / 170 ـ 176، العقد الفريد: 4 / 299.
وأمّا ثامناً: فإنّه صريح في أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أنّ عائشة أكرم أزواجه عليه، وهذا بهتان واضح، وكذب صريح، فإنّ الاحاديث الصحيحة الثابتة في صحاح السنّيّة تكذّب ذلك وتبطله، حيث تدل بدلالة صريحة على أنّ خديجة أفضل من عائشة وأكرم(2)، وأعلى درجة، واسنى منقبة، وأورى مدحة.
فتأمّل هنيئة! حتى تدرى حقيقة عناد هؤلاء المدّعين للتمسّك بالسنّة، كيف ذهبت بهم العصبيّة كلّ مذهب، حتّى أنّهم إذا سمعوا الاحاديث الصحيحة الثابتة برواية ثقاة الفريقين، أنكروها واستهزؤوا عليها، وبالغوا في التشنيع على المستدل بها، وأغرقوا في الغيض من يصدّقها، ثمّ يتهافتون على مثل هذه الاباطيل، التي هي من أنكر الخرافات وأبين الافتراآت، التي لا يتخالج الريب في كذبها قلب أحد من العقلاء.
____________
(1) التوبة الاية: 82.
(2) انظر صحيح البخاري: 4 / 230، 6 / 158، صحيح مسلم: 2 / 370، 15 / 200، مسند أحمد: 6/58، 102، 150، 154، 202، 279، وغيرها.
الفصل الرابع
[ في إحادة العذاب عن المحبّ لابي بكر ]
ومن قبائح الاكاذيب الباردة التي تورثهم الصغار، وشنائع المزخرفات العائدة عليهم بالذلّ والشنّار، والموجبة لهم النكال، والمقحمة إيّاهم في الانكال والاغلال، والحاكمة عليهم بالخذلان والضّلال، إنّهم يفترون على الله المتعال، أنّه أحاد عن يهودي لحبّه أبا بكر الانكال والاغلال.
وإن قرنتني بالكذب ومحض التسويل، فانظر في الرياض النضرة، لشيخهم الجليل وقدوتهم النبيل، كيف يقدم على رواية هذه القرفة المستهجنة، ويعدّها من فضائل أبي بكر ومناقبه المستحسنة، ففي الرياض النضرة، في فضائل أبي بكر، في ترجمة ذكر ما جاء في الترغيب في محبّته:
«عن أنس: (أنّ يهوديّاً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى كليماً إنّي لاحبّك، فلم يرفع [ له ](1) أبو بكر رأساً تهاوناً باليهودي، قال: فهبط
____________
(1) أثبتناه من المصدر.
فانظر! ـ رحمك الله، وصانك عن كلّ عيب وشناعة ـ إلى هؤلاء المتسمين بأهل السنّة والجماعة، كيف غلبت عليهم السّفاهة والرّقاعة، وتسلّطت عليهم الجلاعة، وهانت عليهم الخلاعة، ولم يصعب عليهم الاعتاق في الخزي والفظاعة، يكذبون جهاراً على الله وعلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ لا يكترثون ولا يحتفلون ويلعبون بالدين، ثمّ يدّعون الاسلام وينتحلون، لعمري إنّهم عن السّمع معزولون، وفي حبّ أئمّتهم مخبولون، يعدهم الشيطان ويمنّيهم وفي الاخرة
____________
(1) في المصدر [ يقرئك ].
(2) لا يوجد في المصدر.
(3) الرياض النضرة للطبري: 2 / 155 (633)، انظر وسيلة المتعبدين للملا: 5 / 126 القسم الثاني. وانظر الصحاح للجوهري: مادة حيد، ومادة نكل ; ولسان العرب: مادة حيد ومادة نكل.
ومع ذلك تذهب مساعيهم هدراً وكلماتهم هذراً، وأين للباطل المكذوب أن يروّج نافقاً، وللكاسد التافه أن يبرز رائقاً، وعصى موسى تلقف مايأفكون، قاتلهم الله أنّى يؤفكون.
وليت شعري! كيف خفى عليهم أنّ يوماً ينظر، من أعطاه الله نور الحذق، وحباه بصيرة الصّدق في أباطيلهم، وينقب عن أكاذيبهم وأضاليلهم، فيجعلهم سخرية لكلّ ضاحك، ويوقعهم في المهالك ويضيّق عليهم المسالك.
أو ما علموا! أنّ الله يفضح على يد عباده من إعتاد كذباً وفسوقاً، ونكب عن الحق ومرق عنه مروقاً، وأتخذ الباطل والفرية سوقاً، ويحقّ الله الحقّ ويبطل الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً، ولكنّهم خذلهم الله راموا أن يزلّوا خلق الله عن سواء السبيل، بإلقاء هذه الاباطيل.
____________
(1) القميثل: القبيح المشية / لسان.
(2) اللّي: من اللياء وهو جلد سمكه يتخذ للترس لصلابته، والليا: الارض التي بعد ماؤها / لسان.
(3) الحشر من الاذان ومن قذذ ريش السهام / لسان، واللغاث: من اللغيث: وهو طعام يغش بالشعير / لسان.
وإن إعتراك شبهة وارتياب، في كذب هذا التخليط الذي يأنف منه أهل الالباب، وأصررت في الاقامة على الفضيحة والعناد، وحسبت هذا الكذب الفاسد عين الصّدق والسّداد، فها أنا أسمعك ما يأخذ عن سمعك وقر المداد، وينبّهك من غفلة الرّقاد، ويجلي لك الحق كسفر النهار، ويوضح الامر كإشراق الانوار.
فإعلم! إنّ الحافظ الثقة الحائز من الشرف كلّ تليد وحديث، الذي يشدّ اليه الرّحال في تنقيد الاحاديث، شيخهم وقدوتهم وعمادهم وعمدتهم ابن الجوزي، قد نصّ على أنّ هذا الحديث موضوع، فالعناد والانكار لا يسمن ولا يغني من جوع، فقال في كتاب الموضوعات:
«الحديث الرابع: أنبأنا إسماعيل بن مسعدة، قال: أخبرنا حمزة بن يوسف، قال: أنبأ أبو أحمد بن عدي، قال: حدثنا الحسن بن عليّ العدوي، قال: ثنا الحسن بن عليّ بن راشد الواسطي، قال: ثنا هشيم، عن حميد، عن أنس: (أنّ يهودياً أتى أبا بكر، فقال: والذي بعث موسى وكلّمه تكليماً إنّي
وقد أخبرنا به سعيد بن أحمد بن البنا، قال: أننا أبو نصر محمّد بن محمّد الزيني، قال: أننا أبو بكر محمّد بن عمر بن علي بن خلف، قال: ثنا محمّد بن السري التمار، قال: حدّثنا علي بن أحمد البصري وأبو عبد الله غلام خليل، قالا: ثنا الحسن بن راشد، قال: ثنا هشيم، فذكره. وغلام خليل كذّاب، والبصري مجهول»(6) إنتهى.
____________
(1) أثبتناه من المصدر.
(2) في المصدر [ عزّ وجلّ قد ].
(3) في المصدر [ فأخبره ].
(4) لا يوجد في المصدر.
(5) في المصدر [ هنيئاً ].
(6) الموضوعات: 1 / 231.
فأقول: إنّه لم يتفرد ابن الجوزي بهذا الحكم حتى يظلّل ويسفّه بهذا الجرم، فإنّه قد شايعه آخرون، وسلم حكمه الماهرون، ولم يخالف ابن الجوزي في الحكم بوضعه أحد، فإنّه ذُكر في الفصل الاوّل في مختصر تنزيه الشريعة، وهو المعقود للاحاديث التي حكم ابن الجوزي بوضعها ولو يخالف في ذلك. ففي مختصر تنزيه الشريعة عن الاحاديث الشنيعة:
«حديث أنس (أنّ يهودياً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى فكلم تكليماً إنّي لاحبّك...) الحديث، وآخره (وأحاد الله عنك النار بحذافيرها، وأدخلك الجنّة بحبّك أبا بكر) عد، أي رواه ابن عدي في الكامل وفيه الحسن العدوي»(1) إنتهى.
____________
(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق، باب مناقب الخلفاء الاربعة، الحديث الثالث (1: 343) وفيه:
حديث أنس (أن يهودياً أتى أبا بكر، فقال: والذي بعث موسى وكلمه تكليماً إني لاحبك، فلم يرفع أبو بكر له رأسه تهاوناً باليهودي، فهبط جبرئيل وقال: يا محمد، إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: قل لليهودي الذي قال لابي بكر إني أحبك: إن الله تعالى قد أحاد عنه في النار خلتين، لا توضع الانكال في عنقه ولا الاغلال في عنقه، لحبه أبا بكر، فأخبره، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنك رسول الله، وما أزددت لابي بكر إلاّ حباً، فقال: هنيئاً لك أحاد الله عنك النار بحذافيرها وأدخلك الجنّة لحبك أبا بكر) عد، من طريق الحسن بن علي العدوي (محمد بن السري التمار) من طريق غلام خليل وآخر مجهول.
وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي 3 / 195 (105)، وفيه: يضع الحديث ويسرق الحديث ويلزقه على قوم آخرين، ويحدّث عن قوم لا يعرفون، وهو متهم فيهم فان الله لم يخلقهم.
«ابن عدي، ثنا الحسن بن عليّ العدوي، ثنا الحسن بن عليّ بن راشد الواسطي، حدثنا هشيم، عن حميد، عن أنس: (أنّ يهودياً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى وكلّمه تكليماً إنّي لاحبّك، فلم يرفع أبو بكر رأسه(1)تهاوناً باليهودي، فهبط جبرئيل، وقال: يا محمّد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: قل لليهودي الذي قال لابي بكر إنّى لاحبّك(2): إنّ الله قد أحاد عنه في النار خلّتين، لا توضع الانكال في عنقه(3)، ولا الاغلال في عنقه، لحبّه أبا بكر، فأخبره، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله، وما أزددت لابي بكر إلاّ حبّاً، فقال: هنيئاً لك أحاد الله عنك النار بحذافيرها، وأدخلك الجنّة لحبّك أبا بكر) محمّد بن السري التمار، ثنا عليّ بن أحمد البصري وأبو عبد الله غلام خليل، قالا: حدثنا الحسن بن راشد، ثنا هشيم به، موضوع ; العدوي وغلام خليل وضّاعان، والبصري مجهول»(4) إنتهى.
وقد ذكر الذّهبي أيضاً هذه الاكذوبة، في ترجمة الحسن العدوي، وقال:
____________
(1) في المصدر [ رأساً ].
(2) في المصدر [ أحبّك ].
(3) في المتن [ عنقه ] وكذلك في المصدر، والموافق للمعنى [ قدمه ].
(4) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 267.
ويجيء إنشاء الله تعالى عبارته بالتمام فيما بعد، فانتظر.
وقد نصّ محمّد بن الشوكاني أيضاً، على أنّ هذا الحديث موضوع وفي إسناده وضّاعان، كما قال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:
«حديث: (أنّ يهودياً قال لابي بكر: والذي بعث موسى وكلّمه تكليماً إنّي لاحبّك، فلم يرفع أبو بكر رأسه تهاوناً باليهودي، فهبط جبرئيل وقال: يا محمّد، إنّ العليّ الاعلى يقرئك السلام، ويقول لك: قل لليهودي الذي قال لابي بكر: إنّي أحبّك، إنّ الله قد أحاد عنه في النار خلّتين: لا توضع الانكال في عنقه، ولا الاغلال في عنقه لحبه أبا بكر... الخ) رواه ابن عدي، عن أنس مرفوعاً ; وهو موضوع، في إسناده وضاعان»(2)إنتهى.
فياللعجب! من صاحب الرياض، يقدح في الفضائل الثابتة الصحيحة لعلي (عليه السلام)، كحديث: (سدّ الابواب إلاّ باب عليّ)، وغيره، ويأنف من تصديقها أو قبولها، ويقبل مثل هذا الكذب الذي اتّفقت كلمة محققيهم وناقديهم
____________
(1) انظر ميزان الاعتدال: 2 / 257 (1907)، وفيه بعد ذكر الحديث: قلت: هذا شيخ قليل الحياء، ما تفكّر فيما يفتريه ; قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر، يقال: حبسه إسماعيل القاضي إنكاراً عليه ; وقال ابن عدي: عامة ما حدّث به إلاّ القليل موضوعات، وكنا نتّهمه، بل تيقّن انّه هو الذي وضعها ; وقال الدارقطني: ذاك متروك ; وقال حمزة السهمي: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ البصري يقول: أبو سعيد العدوي كذّاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول عليه مالم يقل،....
(2) الفوائد المجموعة للشوكاني: 331.
وبالجملة: يظهر من أمثال هذه المواضع، أنهم ليس لهم دين عن العصبيّة حاجز مانع، ولا ورع عن التعسف والعناد مانع، أما ترى! هذين الرجلين ـ أعني الملاّ صاحب السيرة والمحب الطبري ـ الذين هما من أعاظم السنّة وأكابرهم، وأفاخمهم وأماثلهم، يحتج بأخبارهما صاحب التحفة ويستدل بها في مقابلة الشيعة، كيف جنحا الى مثل هذا الموضوع الباطل، الذي لم يخالف إبن الجوزي في الحكم بوضعه أحد من نقّادهم الافاضل.
ثم من عجيب!! أمر تلك الجماعة المعاندة الجائرة عن السبيل القاصدة، إنهم يروون مثل هذه الاكاذيب، ويتلقونها بالقبول والترحيب، ويرونها أبهى من الثوب القشيب، ويطعون على الشيعة بأكاذيب، يفترونها من تلقاء أنفسهم الخادعة، وينسبونها الى أهل الحق، حتى ينخدع العوام إلى ضلالتهم الشائعة.
ألا ترى! الى ما ارتكبه صاحب التحفة من الكذب والبهتان، ونسب الى أهل الحق والايقان، فقال في الباب الحادي عشر:
«[ التعصب الثالث: كلّ من كان حبّ عليّ في قلبه ولو كان يهودياً أو نصرانياً أو هندياً يدخل الجنّة، وكلّ من كان حبّ الصحابة في قلبه ولو كان متّقياً وعابداً ومحبّاً لاهل البيت يدخل النار.
وعلى هذا حكم رضي الدين اللغوي الذي هو من الشيعة بدخول إسحاق النصراني الجنّة، لانّه قال عدة أبيات مع أنّه لم يذمّ أبا بكر وعمر:
عدي وتيم لا أحاول ذكرهم | بسوء ولكنّي محبّ لهاشم |