وما يعترني في عليّ وأهله | إذا ذكروا في الله لومة لائم |
يقولون ما بال النّصارى بحبّهم | وأهل النهى من عرب وأعاجم |
فقلت لهم إنّي لاحسب حبّهم | سرى في قلوب الخلق حتى البهائم |
وإنّ جميع علماء هذه الفرقة ـ أي الشيعة ـ يذكرون ابن فضلون اليهودي بخير لاجل قوله هذه الابيات:
ربّ هب لي من المعيشة سؤلي | واعف عنّي بحق آل الرّسول |
واسقني شربة بكفّ عليّ | سيّد الاولياء بعل البتول |
نعم إنّ حبّ عليّ وأهل البيت ومدحه وذكر مناقبه عبادة بالاجماع، وإنّ قبول جميع العبادات مشروط بالايمان، لقوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإنّا لَهُ لَكاتِبُونَ)(1)، وكما أنّ محبّة الكفار للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)من دون إيمان بما جاء لا تؤثّر، فكذلك لا تؤثّر محبّة الكافر لامير المؤمنين وأهل البيت، مع أنّ وجوب محبّتهم وتعظيمهم تابع للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بلا شبهة.
مضافاً إلى بطلان واستحالة الاعتقاد، بخروج الكافر من النار ودخوله الجنّة عند الشيعة وإن عمل صالحاً، وقطعوا أيضاً بدخول أهل الايمان في الجنّة وإن اجترحوا السيئات والمعاصي، فحبّ الصحابة غاية مافيه كونه من الكبائر، فلماذا يُحرم أهل السنة من الجنّة لحبّ الصحابة مع حبّهم أيضاً لاهل البيت بلا شبهة.
____________
(1) الانبياء الاية: 94.
[ أقول: أمّا أوّلاً:... ](2).
... والاذعان بجميع ما جاء به من شرائع الحق والايقان، تصرح بذلك
____________
(1) تحفة اثنا عشرية للدهلوي: 712، وفيه:
«تعصب سوّم: انكه هر كه محبت عليّ در دل دارد كو يهودي ونصراني وهندو باشد داخل بهشت است، وهر كه دوستي صحابة در دل دارد كو متقي وعابد ومحبّ أهل بيت هم باشد داخل دوزخ است، چنانچه رضي الدين لغوي أز جمله شيعه حكم كرده است بهشتي.
ابن إسحاق نصراني برين جند بيت كه كفته است، حالانكه أبو بكر وعمر را بد نگفته عدي وتيم........ الخ.
وابن فضلون يهودي را جميع علماء اين فرقه بخوبي يا كنند براى دو سه بيتي كه كفته است:
ربّ هب.......... الخ.
حالانكه حبّ حضرت عليّ وأهل بيت ومدح گوئى ومنقبت خوانى اين بزرگوار ان بالاجماع عبادت است، وقبول جميع عبادات ايمان شرط است قوله تعالى (ومن يعمل...) چون محبت بيغمبر (صلى الله عليه وآله وسلم)بدون ايمان بما جاء تاثير در كافران نه كرده، باشد محبّت حضرت أمير وأهل بيت كه بلا شبه تابع آنجناب اند در وجوب محبت وتعظيم در حق كافر چه خواهد كرد، ونيز نجات كفار از دوزخ ودخول آنها در بهشت نزد خود شيعه در عقائد باطل ومحال است هر چند اعمال خير بجا آرند ودخول أهل ايمان اگر چه معاصى وسيئات داشته باشد نزد ايشان هم در بهشت قطعى است، ودوستى صحابه نهايت كار معصيت وگناه كبيره خواهد بود، أهل سنت بسبب دوستى آنها چرا محروم از بهشت باشند، حالا بلا شبه محبت أهل بيت (عليهم السلام) دارند وچون محبت أهل بيت كافر را از دوزخ خلاص كند ودر بهشت در آرد أهل سنت را كه بسبب دوستى صحابه مرتكب گناه اند وبس چرا از دوزخ خلاص نكند ودر بهشت داخل نه سازد».
(2) يوجد سقط هنا في أصل النسخة ولم يبقى من الرد الاول للمصنف إلا هذه الاسطر المذكورة. (المحقق).
فكيف! ينسب هذا الرّجل مع إنتحال العلم وادّعاء رتبة التصنيف الى الشيعة مثل هذا الكذب الفاسد، الذي أطبق على خلافه أكابرهم وأصاغرهم اليهم، ويقصد به الزامهم والتشنيع عليهم.
وهذا طريف جدّاً، أو يظن؟! أنّه يتمّ الالزام بإختلاق الاكاذيب، أو يصحّ الطعن بالافتراآت الفاضحة، التي يستنكف منها كلّ أريب.
وأمّا ثانياً: فلان إدّعاءه أنّ رضيّ الدين اللّغوي من جملة الشيعة، أيضاً من أعظم الكذب والبهتان، وصريح المجازفة والعدوان، وممّا لم ينزل الله عليه من سلطان، فعليه أن يبيّن أنّه في أي كتاب وجده، أو من أية حجّة أثبته، أو من أي عَلم سمعه، وإنّما هواه دعاه الى هذا الكذب المورث للشناعة، فلبّاه سمعاً وطاعة.
بل اللّغوي المذكور من جملة أهل السنّة، وأئمتهم وشيوخهم وقادتهم، قال في المواهب اللدنيّة:
«قال أبو حيّان في البحر: ومن غريب هذا ما أنشدنا الامام اللّغوي رضيّ الدين أبو عبد الله محمّد بن يوسف الانصاري الشاطبي [ رحمه الله تعالى ]، لزبينا بن إسحاق النصراني الرسغي: أنشد شعر (عدي وتيم لا أحاول ذكرهم)»(1).
وقال السيوطي في بغية الوعاة في طبقات اللّغويين والنحّاة:
____________
(1) المواهب اللدنية للقسطلاني: 2 / 532، وانظر البحر المحيط لابي حيان الاندلسي: 7 / 305 سورة مريم.
راح الرضي إلى روح وريحان | فليهنه أن غداً جاراً لرِضوان |
وافى الجنان فوفاها بزخرفةً | يحفّها الاهل من حور وولدان |
وإيّاه عنى بقوله:
وأوصاني الرضي وصاة نصح | وكان مهذّباً شهماً أبيّا |
بألاّ تحسنن ظنّاً بشخص | ولا تصحب حياتك مغربيّاً |
ورثاه السرّاج الورّاق بقصيدة أولها:
سقى [الله](1) أرضاً بها قبر الرضي | حيا الوسمي يردف بالولى |
فقد ترك الغريب غريب دار | وأذكره بفقد الاصمعيّ |
واحكم محكم بلجام حزن | لفقد الفارس البطل الكميّ |
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
ولما اعتل اعتلّ أيضاً | لشكواه صحاح الجوهريّ |
وجارى كلّ عين قد بكته | كتاب العين بالدمع الرويّ |
لشيخ السّبع أبين ما رواه | وصالَ كصولة السّبع الجريّ |
فحزن الشاطبية ليس يخفى | من العنوان عن فهم الغبيّ |
وفي علم الحديث له إجتهاد | به يتلوا إجتهاد البيهقيّ |
وفي الانساب لا يخفى عليه | دعاءُ من صحيح أو دعيّ |
لو أدرك عصره الكلبي ولّى | وهرول خوف ليث هزبريّ |
، إنتهى»(1).
فظهر من هناك، أن رضيّ الدين اللّغوي الذي أنشد هذه الاشعار عن زيناً النصراني، من فضلاء السنّيّة وعلمائهم، روى عنهم ورووا عنه وأخذوا عنه، فمن المستفيدين منه أبو حيان والامام المزّي والقطب الحلبي وآخرون، وكان عالي الاسناد في القرآن، وكان إمام السنّيّة في عصره في اللّغة، متصدّراً في القاهرة معظّماً عندهم، مقبول الشّفاعة عند قضاتهم، وفيه لطافة وخطّ جيّد، وقد رثى أبو حيان هذا الرضيّ المرضي، فقطع عليه بثواب الرّحمن المنّان، وقال: أنّه راح إلى روح وريحان، وهنّاه لمجاورة الرضوان وموافاة الجنان المحفوفة بالحور والولدان، ومدحه بأنّه شهم مهذّب أبيّ، وأثنى عليه السرّاج بمدائح طويلة، وحكم بكونه مجتهداً في الحديث، يتلو به إجتهاد البيهقي، وأمّا في الانساب بحيث يفوق على الكلبي.
____________
(1) بغية الوعاة للسيوطي: 1 / 194 (329).
فحكم لذلك بكونه ملحداً زنديقاً كافراً، أشرّ من اليهود والنصارى كما يزعم ابن حجر وابن تيمية(1).
وأمّا ثالثاً: فلانّ نسبته إلى رضيّ الدّين اللّغوي أنّه حكم بدخول هذا النصراني في الجنّة: أيضاً كذب وإفتراء، ولم يذكر ذلك عنه أحد من الشيعة والسنّيّة، وإنّما أقدم على هذا الافترآء الفضيح، هذا الرّجل الذي لا يخاف من الله ورسوله، ولا يبالي من الكذب والافتراء على علماءه وعلماء خصومه.
وحقيقة الامر! أنّ رضيّ الدين روى هذه الاشعار عن هذا النصراني، وأنشدها له كما في المواهب اللدنيّة، ولكن إذا أقرّ الناصب بأنّ رضيّ الدّين اللّغوي قد حكم بدخول النصراني في الجنّة، وقد أثبتنا إنّ هذا اللّغوي من أئمة أهل السنّة، فقد عاد عليه الطعن الذي رام أن يوجهه إلى الشيعة، وهذا من غرائب
____________
(1) انظر الصواعق المحرقة لابن حجر في آخر كتابه، ومنهاج السنة لابن تيمية.
وأمّا رابعاً: فلانّ ما افترى على الشيعة من أنّ جميع علمائهم يذكرون ابن فضلون اليهودي بالخير، لما قاله من الاشعار في مدح سيّد الاوصياء الاخيار: أيضاً مثل هذه الاكاذيب التي تقشعر منها الاشعار، وتتحرّج من أمثالها الفجّار، وتأنف من إرتكابها الاشرار فضلاً عن المتدينين الابرار ; ولم يذكر أحد من الشيعة ابن فضلون بالخير، بمعنى الحكم بإيمانه أو نجاته كما هو مراد الناصب، فضلاً عن جميع أعلامهم الحاوين للمناقب.
فليت شعري! كيف اجترأ الناصب على هذه الاكاذيب الاربعة الصريحة، في مثل هذا الكلام المختصر ولم يبال شيئاً، مع أنّ شيخه وإمامه الكابلي الذي يسرق جلّ أقواله وينسج على منواله، لم يقترف هذه الاكاذيب ولم يفتر هذه الاباطيل الاعاجيب، وإنّما ذكر في هذا التعصب مقالاً آخر، حيث قال في تعديد ما زعمه من تعصّبات الشيعة:
«السادس: إدعاء أنّه لا يدخل النار من كان في قلبه حبّ عليّ، مع أنّ الغلاة يحبّونه وكذلك بعض الكفرة كاليهود والنصارى: روى عن الشيخ رضيّ الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن يوسف بن عليّ الانصاري اللّغوي، إنّه أنشد لزبينا بن إسحاق النصراني الرسغي:
عدي وتيم لا أحاول ذكرهم | بسوء ولكنّي محبّ لهاشم |
وما يعتريني في عليّ ورهطه | إذا ذكروا في الله لومة لائم |
يقولون ما بال النّصارى تحبّهم | وأهل النهى من أعرب وأعاجم |
فقلت لهم إنّي لاحسب حبهم | سرى في قلوب الخلق حتى البهائم(1) |
وقد حكت الفرقة عن ابن فضلون اليهودي: انّه كان يحبّه حبّاً شديداً، مع أنّه ما رجع عن اليهوديّة، وروا عنه أشعار منها:
ربّ هب لي من المعيشة سؤلي | وأعف عنّي بحقّ آل الرسول |
واسقني شربة بكف عليّ | سيّد الاولياء بعل البتول |
، وكذلك اليهود»(2) إنتهى.
فانظر! إلى وقاحة السارق الدهلوي وسوء صنيعه، كيف سرق هذا القول من الكابلي، ثم حرّفه وصحّفه وأدخل الاكاذيب الشنيعة فيه، فركب العظائم، فأضحى وصار أضحوكة عند كلّ بصير خابر، وليته اقتصر على ماذكره الكابلي، وإن كان كلامه أيضاً لا يخلو عن غلط صريح ووهم فضيح، كما سأبين إنشاء الله تعالى، وأيّة ضرورة الجأته الى هذا التصحيف والتحريف، إنْ لم يفهم كلامه فذلك بليّة وأيّة بليّة، أم أراد التّحذلق والتّرعرع والزّيادة على أصله بهذه الاكاذيب، فكيف لم يدر إنّ إفتعال الاكاذيب إنّما تورث الذلّ والهوان، ولا تفيد الالزام والسبق في الرهان، فقد رأيت أنّ الكابلي لم يدّع أنّ الشيعة تقول بدخول اليهود والنصارى في الجنّة، ولا نسب ذلك إليهم صراحة ولا إشارة، بل ألزم عليهم ذلك بزعمه الفاسد، حيث زعم أنّهم يحكمون بعدم دخول من أحبّ عليّاً في النّار، أن
____________
(1) انظر المواهب اللدنيّة للعسقلاني: 2 / 532.
(2) الصواعق للكابلي مخطوط.
ولو تمّ إلزام الكابلي أيضاً لم يجز أن يقال: أنّ الشيعة قائلون بدخول النصارى واليهود المحبّين لعليّ في الجنّة، لانّ ما يلزم على أحد وهو مصرّح بخلافه لا يجوز أن ينسب إليه، كما صرّح به صاحب وليّ الله في الحجّة البالغة(1).
ثمّ ترى الكابلي لم يدّع كون الرضيّ اللّغوي من الشيعة كما يراه هذا السارق المارق!.
ثم ترى الكابلي لم يدّع أن الرضي المذكور حكم بدخول هذا النصراني في الجنّة، بل انّما ذكر أنّه أنشد هذه الاشعار لهذا النصراني، وأين هذا من الحكم بدخوله في الجنة!.
ثم ترى الكابلي لم يدّع أنّ الشيعة تذكر ابن فضلون بالخير أو تحكم بنجاته، بل ذكر أنّ فرقة الشيعة حكت عنه أنّه كان يحبّ عليّاً حبّاً شديداً، أو رووا عنه أشعاراً في فضل عليّ (عليه السلام)، وهذا السارق افترى عليهم من تلقاء نفسه انهم يذكرونه بالخير!.
فانظر! الى الاكاذيب الفاضحة التي اجترأ عليها هذا الرجل ونسبها إلى الشيعة، ثم رام بها إلزامهم والتشنيع عليهم، مع أنّ شيخه وقائده أيضاً تجنب من إفتراء هذه الافتراآت الصريحة، مع ما افترى كثيراً من الاكاذيب والاباطيل، في
____________
(1) انظر حجة الله البالغة لولي الله الدهلوي الجزء الاول: الباب السادس.
وإذا دريت ذلك، فاعلم! إنّ ما قصد الكابلي من الالزام على أعلامنا الفخام، من غرائب الاوهام، وأضغاث الاحلام، فإنّ أعلامنا قدّس الله أسرارهم، وجعل في أعلى عليّين قرارهم، إنّما حكموا بعدم دخول محبّ عليّ (عليه السلام) في النار اذا كان مؤمناً محسناً، ولم يحكموا بأنّ كلّ من أحبّ عليّاً لا يدخل النار سواء كان مؤمناً أو غير مؤمن، بل إنّهم يعتقدون أنّ محبّ عليّ (عليه السلام) إذا كان فاسقاً وإن كان مؤمناً، فللّه تعالى أنْ يعفو عنه وله أنْ يدخله جهنم، وقد ثبت بالقطع أنّ جمعاً من المؤمنين الفسّاق يدخلون النار وهم يحبّو عليّ.
ولو تمّ إلزام الكابلي على الشيعة بحكمهم بعدم دخول محبّ عليّ في النار، لتمّ الالتزام على أهل الاسلام لحكمهم بعدم دخول من قال لا إله إلاّ الله في النار، وقد وردت روايات كثيرة تتضمّن ذلك، مع أنّ كثيراً من الفرق الذين هم خارجون عن الدين يتكلّمون بكلمة الاسلام، بل كثيراً من الكفار والمشركين يتكلّمون بكلمة الاسلام، مع إيثارهم شعائر الشرك واصرارهم عليها.
فانظر! الى صفافة الكابلي ووقاحته كيف تفوه بهذا الالزام، المورد للملام، الذي يهدم بنيان الاسلام، ويوجب الطعن على أحاديث خير الانام وأقوال العلماء الكرام، ومثل هذه الاباطيل يباهون في العوام، ويلقون شناعة مذهب أتباع الائمة الاطهار الكرام عليهم الصلاة والسلام في صدور الجهلة الطغام.
ولمّا تنبه صاحب التحفة على سخافة كلام الكابلي، ورأى أنّ مجرّد القول بعدم دخول محبّ عليّ في النار، لا يوجب تشنيعاً وإلزاماً على أهل الحقّ،
ثمّ لا يخفى عليك! أنّ ما تفوّه به صاحب التحفة في آخر كلامه، من أنّ أهل السنّة نهاية أمرهم عند الشيعة إرتكاب المعصية الكبيرة، فهو من عظائم الجرائم وكبائر الجريرة، لانّ السنّة عندهم خارجون من الايمان، وغاية أمرهم عندهم الخلود في النّيران، لموالاتهم أعداء الرحمن وأولياء الشيطان، وتعظيمهم وتكريمهم عابدي العجل وساجدي الاوثان، مراغمة للرّسول المبعوث بالحقّ والايقان، وليس جرم أهل السنّة محض محبّة الصحابة، بل أعظم جرمهم وأكبر معصيتهم وراء مالهم من الاعتقادات الخبيثة في الاصول، مخالفة الرّسول في عدم إعتقاد حقيقة خلافة زوج البتول، مع نصّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك وإيجاب طاعته، وفرض الاقتداء به على كلّ مجبول.
الفصل الخامس
[ في أنّ لابي بكر قبّة ينظر منها إلى الله تعالى ]
ومن أكاذيبهم المفتعلة، وأباطيلهم المكذوبة، التي تشهد ركاكتها عليها بالاختلاق: (إنّ لابي بكر في أعلى عليّين قبّة من ياقوتة، ينظر من أبوابها الى الله تعالى وقت الاشتياق).
ولمّا كان ذلك في نهاية الركاكة والبطلان، تجنب عن روايته وتحديثه وتصديقه أكثر فضلائهم الاعيان، لكن لمّا غلب أبيّ العبّاس الوليد فرام إثبات فضائل إمامه الغير الرشيد، إعتزل من الفضل، وجانب الطريق العدل، وجرى في حلبة الهزل، ولم يطع الدين والعقل، فأورد ذلك الباطل في كتابه شجرة العقل(1).
وقد نصّ على كذب هذه الفريّة التي ليس في بطلانها مرية، الخطيب مرّتين بل ثلاث مرّات، وأورده إبن الجوزي في الموضوعات المكذوبات، وعدّه الذّهبي من الطامات، فقال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات، في باب
____________
(1) ذكره السيوطي في اللالئ المصنوعة: 1 / 268.
«الحديث الخامس: أخبرنا أبو منصور بن عبد الرحمن بن محمّد، قال: أخبرنا عبد الرحمن أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت، أننا محمّد بن عليّ بن يعقوب المعدل، قال: ثنا محمّد بن الخضر بن زكريا المقري، قال: ثنا محمّد بن عبد الله بن ثابت الاشناني، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، قال: أننا شعبة، عن عمر بن مروه(1)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إنّ الله إتّخذ لابراهيم في أعلى عليّين قبّة [ من ياقوتة ](2) بيضاء معلّقة بالقدرة، تخترقها رياح الرّحمة، للقبّة أربعة آلاف باب، كلّما إشتاق أبو بكر الى الجنّة انفتح منها باب ينظر الى الله عزّوجلّ، كذا(3) قال اتّخذ لابراهيم). [ قال المصنّف ]: هذا حديث ممّا عملته يد الاشناني، وكان كذّاباً يضع الحديث ; قال الدارقطني: الاشناني كذّاب دجّال ; قال أبو بكر الخطيب: من ركب هذا الحديث على مثل هذاالاسناد فما أبقى من إطراح الحشمة والجرأة على الكذب شيئاً.
[ قال المصنف ]: وقد روي لنا بطريق آخر: أننا أبو منصور القزاز، قال: أننا أحمد بن عليّ الخطيب، قال: أنا الحسن بن الحسين النعالي، قال: أخبرنا أحمد بن نصر بن عبد الله الذّارع، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ([ إنّ الله تعالى ](4) أدخر
____________
(1) في المصدر [ مرة ].
(2) لايوجد في المصدر.
(3) في المصدر [ هكذا ].
(4) لا يوجد في المصدر، وموجود في تلخيص الموضوعات: 94 (210).
[ قال المصنّف ]: هذا الذّراع كأنّه بلغه عن الاشناني، فسرقه وركب له إسناداً ; وقد ذكرنا عن الدّارقطني أنّه قال: الذّارع كذّاب دجّال»(2) إنتهى.
فهذا كما تراه! صريح في أنّ ابن الجوزي حكم بالقطع واليقين لا بالظنّ والتخمين، أنّ هذا الخبر موضوع مكذوب على خاتم النبيّين، وأنّ واضعه أحد المفترين الدجّالين، ورآه الخطيب في الغاية القصوى من الشناعة، وجعل مفتريه مستقصياً لانواع الكذب والرقاعة، حيث لم يبق منه شيئاً ولم يذر، وجعل دينه وإسلامه بذلك شذر مذر.
ثمّ إنّ الطريق الثاني أيضاً نصّ الخطيب على بطلانه، وهدّم ووهّى أركانه، وقد ساعده أيضاً ابن الجوزي على ذلك المطلوب، وأظهر أنّه موضوع معيوب، وأنّ راوية الذي ركب له إسناداً قد ركّب بهتاناً، وكان للشيطان منقاداً، وهو
____________
(1) في المصدر [ هذا الحديث باطل ].
(2) الموضوعات: 1 / 232 ـ 233، وانظر الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 354 (494)، تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 59 (1035) في ترجمة أبو بكر الاشناني وأيضاً: 9 / 451 (5073)، وفيه: هذا الحديث باطل من رواية الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، ومن حيث معمر عن الزهري، ومن حديث عبد الرزاق عن معمر، ومن حديث أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق، لا أعلم رواه سوى الذارع....