الصفحة 176
رسول الله، إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووصيّه، فأستمعوا له تفلحوا وأطيعوه ترشدوا) أخرجه الخطيب، وابن عساكر في تاريخهما»(1).

ولكن نحريرهم الناقد ابن الجوزي، قد حكم عليه بالوضع، صيانة للدين والشرع، فقال في كتاب الموضوعات:

«الحديث الثامن في خلافته: أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد، قال: أننا أحمد بن عليّ، قال: ثنا عبد الوهاب بن الحسين [ بن عمر بن برهان، قال: حدثنا محمّد بن عبد الله بن خلف بن بخيت، قال: حدثنا عثمان بن سعيد التمّار، قال: حدّثنا أحمد بن منصور، قال: حدّثنا محمّد بن مصعب القرقساني ](2) عن عمر بن إبراهيم بن خالد القرشي، عن عيسى بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عباس، قال: (لمّا نزلت (إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ)(3) جاء العباس الى عليّ فقال: قم(4) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) [ فصارا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ](5)فسألاه عن ذلك؟ فقال: يا عبّاس، يا عمّ رسول الله، إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه، فأسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا ; قال العبّاس: فأطاعوه والله فرشدوا).

طريق آخر: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أننا أبو بكر أحمد بن عليّ، قال: أننا ابن رزق، قال: ثنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: حدثنا إسحاق بن

____________

(1) الاكتفاء للوصابي مخطوط، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 292 (6071)، تاريخ دمشق لابن عساكر: 30 / 224، كنز العمال: 11 / 550 (32586) وذكر نقله عن أبي نعيم.

(2) أثبتناه من المصدر.

(3) النصر، الاية: 1.

(4) في المصدر [ قم بنا ].

(5) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 177
إبراهيم الختلي، قال: ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عيسى بن عليّ بن عبد الله بن العباس، عن أبيه، عن جدّه العباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ياعمّ إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه، فأطيعوه بعدي تهتدوا، وأقتدوا به ترشدوا، قال ابن عباس: ففعلوا فرشدوا).

[ قال المصنّف ]: هذا حديث لا يصحّ، ومدار الطريقين على عمر بن إبراهيم وهو الكردي، قال الدارقطني: كان كذّاباً يضع الحديث»(1) إنتهى.

وقد وافق السيوطي ابن الجوزي في الحكم بوضع هذا الحديث، حيث لم يعقب عليه بشيء، بل ذكر تأييداً له أنّ الذّهبي أيضاً قد حكم ببطلانه، وقال: إنّ الحديث الصحيح يبطله، قال في اللالئ المصنوعة:

«الخطيب: أنا أبو الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان البغدادي، أنا محمّد بن عبد الله بن خلف بن بخيت الدقّاق، قال: ثنا أبو عمرو عثمان بن سعيد التمّار، ثنا أحمد بن منصور المروزي، ثنا محمّد بن مصعب القرقساني، عن عمر بن إبراهيم بن خالد القرشي الكردي، عن عيسى بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عباس قال: (لمّا نزلت (إذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتحُ) جاء العباس إلى عليّ، فقال: قم بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصارا إليه فسأله عن ذلك؟ فقال: إنّ الله تعالى جعل أبا بكر خليفتي على

____________

(1) الموضوعات: 1 / 234، وانظر السنن للدارقطني: 2 / 5 (2781) وفيه: عمر بن إبراهيم يقال له الكردي: يضع الاحاديث وقد ذكر قول الدارقطني في عمر بن إبراهيم، الذّهبي وابن الجوزي (انظر ميزان الاعتدال: 5 / 217 (6050)، الضعفاء والمتروكين: 2 / 204 (3437)، وذكره الخطيب مرتين في تاريخه، قال: وعمر ذاهب الحديث 3 / 7 (1057) وأيضاً: نقلاً عن البرقاني: عمر بن إبراهيم ضعيف: 11 / 202 (5905).


الصفحة 178
دين الله ووصيّه، فأسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا، قال العبّاس: فأطاعوه والله فرشدوا) عمر كذّاب ; قلت: قال في الميزان: هذا الحديث ليس بصحيح، ويبطله حديث الصحيح (أنّ العباس قال لعليّ: ألا تدخل بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسأله...) الحديث، والحديث أخرجه ابن مردويه، وأبو نعيم في فضائل الصحابة، والله أعلم»(1) إنتهى.

وقد حكم عليّ بن محمّد بن العراق وتلميذه، والقاضي محمّد بن الشوكاني أيضاً، على هذا الخبر بالوضع، ففي مختصر تنزيه الشريعة:

«حديث ابن عباس (لمّا نزلت (إذَا جَاء نَصْرُ اللهِ)...) الحديث، وفيه (إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله) وآخره (فأطاعوه والله فرشدوا) خط: ولا يصحّ، وفيه عمر الكردي، ويبطله حديث الصحيح (أنّ العبّاس قال لعلي: ألا تدخل بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله...) الحديث»(2).

وفي الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: (إنّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووصيّه، فأسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا) رواه الخطيب، عن ابن عبّاس مرفوعاً، وهو موضوع»(3).

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 269، وانظر كنز العمال: 11 / 550 (32586) وذكر نقله عن ابن مردويه وابو نعيم.

(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 344.

(3) الفوائد المجموعة للشوكاني: 332.


الصفحة 179

الفصل التاسع
[ في تقديم الله لابي بكر ]

ومن الخرافات المجعولة، والتراهات المنحولة، والاخبار المدخولة، والروايات المعلولة، والاحاديث المعسولة، والكلمات المرذولة، والاسماء المنحولة، التي هي من أعظم رواياتهم، وأكبر بلاياهم، وأشدّ طامّاتهم، وأفضح بطلانهم، مايذكرونه من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (سألت الله أن يقدّم عليّاً فأبى الله إلاّ أن يقدّم أبا بكر).

وهذا من عجائب الشغر والبقر، وغرائب الكذب والهذر، الذي ينبغي أن يمزّق شذر مذر، فإنّه من أحاديث الطرقيّة وأخبار السوقيّة وموضوعات البكريّة وإفتراآت أهل السخرية، دلّت على كذبه وبطلانه دلائل لا يحصيها نطاق البيان، ولا يصدّق أمثال هذه الاباطيل إلاّ الجهلة العميان، ولكن الشيطان غطّى بصائرهم، وأغشى سرائرهم، وأخبث ضمائرهم، فذهلوا في حبّ إمامهم عن أجلى الجليّات، وغفلوا عن أوضح البديهات.

أو ماترى! جمعاً منهم يصدّقون ويروون هذا الباطل المعيب، ويؤمنون بهذا البهتان العجيب المحيّر للّبيب، فمنهم الحافظ السلفي، والديلمي، وابن

الصفحة 180
النجار، والخطيب، والدارقطني، وابن عساكر، وأبو عبد الله محمّد بن مهدي، والمحبّ الطبري(1).

قال في الرياض النضرة:

«ذكر سؤال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تقدمة عليّ فأبى الله إلاّ تقدمة أبي بكر: عن عليّ (عليه السلام)قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سألت الله عزّ وجلّ أن يقدّمك ثلاثاً، فأبى إلاّ تقديم أبي بكر) خرجه الحافظ السلفي في المشيخة البغداديّة، وخرّجه صاحب الفضائل، ولفظه: (يا عليّ ما زلت أسأل الله فيك [ ثلاثاً ](2)، فأبى أن يقدّم إلاّ أبا بكر) وقال: غريب، وهذا الحديث مع غرابته يعتضد بما تقدّم من الاحاديث الصحيحة، فيستدلّ بها على صحّته لشهادة الصحيح لمعناه»(3).

وقال في كنز العمّال:

«(يا عليّ! سألتُ الله ثلاثاً أن يقدمك، فأبى عليّ إلاّ أن يقدّم أبا بكر) الديلمي، عن عليّ»(4).

وأيضاً في كنز العمّال، مسند عليّ:

____________

(1) انظر فردوس الاخبار للديلمي 2 / 482 (8311)، تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 213 (5921)، وذكره عن كتاب الافراد للدارقطني السيوطي في اللالئ 1 / 299، الرياض النضرة للطبري: 2 / 175 (648)، جامع الاحاديث للسيوطي: 4 / 462 (12810) عن الخطيب وابن عساكر ولم نجده في مشيخة السلفي المطبوع.

(2) اثبتناه من المصدر.

(3) الرياض النضرة للطبري: 2 / 175 (648)، ولم نجده في المشيخة.

(4) كنز العمّال للمتقي الهندي: 11 / 559 (32638).


الصفحة 181
«عن عوف بن أبي جحيفة، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا عليّ! نازلت ربّي فيك ثلاثاً، فأبى أن يقدّم إلاّ أبا بكر) ابن النجار»(1).

وقال ابن حجر في الصواعق، في ذكر نصوص خلافة أبي بكر:

«الثاني عشر: أخرج الدارقطني والخطيب وابن عساكر عن عليّ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (سألت الله أن يقدّمك ثلاثاً، فأبى عليّ إلاّ تقديم أبي بكر)»(2).

وقال الوصابي في كتاب الاكتفاء:

«وعنه (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (سألت الله ثلاثاً أن يقدّمك، فأبى عليّ إلاّ تقدم أبو بكر) أبو طالب العشاري في فضائل الصديق، والخطيب في تاريخه.

وعنه (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا عليّ سألت الله ثلاثاً أن يقدّمك فأبى عليَّ إلاّ أن يقدّم أبا بكر) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس»(3).

ومن البدائع! أنّ صاحب التحفة أيضاً مع أعترافه بأنّ الثلاثة كانوا غير منصوص عليهم عند أهل السنّة(4)، صدّق هذا الكذب الشنيع، فقال في جواب

____________

(1) كنز العمّال للمتّقي الهندي: 12 / 513 (35671).

(2) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 66.

(3) الاكتفاء للوصابي مخطوط.

(4) انظر تحفة اثنا عشرية: الباب السابع: 361.


الصفحة 182
الطعن السابع من مطاعن أبي بكر:

«[ الثاني: إنّ عدم تعيين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للخليفة كان بسبب يقينه المستلهم من الوحي بأنّ الخليفة الذي يكون بعده أبو بكر، وإنّ الصحابة الاخيار يتّفقون على أبي بكر، ولا يدخلون غيره، كما في الحديث (فأبى عليّ إلاّ تقديم أبي بكر) وحديث (يأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر) وحديث (فإنّه الخليفة من بعدي) الموجودة في صحاح أهل السنّة، وتدلّ عليه صريحاً ]»(1) إنتهى.

فترى! شيوخهم وأئمّتهم وقادتهم كيف أقبلوا بكلهم على هذه الفرية الذميمة المنكرة البشعة، وجاهروا بتصويبها وتصديقها وتصحيحها، ولكن أبى الله إلاّ أن يزهق الباطل، ويضمحل الكذب، ويتلاشى الزور، فجرحها ناقدوهم، وردّها محقّقوهم.

فمنهم ابن الجوزي عدّ هذه الخرافة من الاحاديث الواهية الشديدة التزلزل الكثيرة العلل، وصرّح بأنّها لا تصحّ، فقال في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية، في باب فضل أبي بكر من كتاب الفضائل والمثالب:

«أنا القزاز، قال: أنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرني الجوهري، قال: أنا عليّ بن عمر الحافظ، قال: نا محمّد بن مخلد، قال: نا عمر بن محمّد بن الحكم

____________

(1) تحفة إثنا عشريّة للدهلوي: الباب العاشر مطاعن أبو بكر: 544، وفيه:

«دوم: انكه خليفة نكردن جناب بيغمبر (صلى الله عليه وآله وسلم) از آن بود كه بوحى ربانى والهام سبحانى يقين ميدانست كه بعد انجناب أبو بكر خليفه خواهد شد، وصحابة أخيار بر او اجماع خواهند كرد، وغير او را داخل نخواهند داد، چنانچه حديث (فابى عليّ إلاّ تقديم أبي بكر) وحديث (يابى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر) وحديث (فانّه الخليفة من بعدي) كه در صحاح أهل سنت موجود است بران صريح دلالت دارد ]إنتهى.


الصفحة 183
النسائي، قال: نا عليّ بن الحسن الكلبي، قال: نا يحيى بن الضريس، قال: نا مالك بن مغول، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبي جحيفة، عن عليّ قال (قال [ لي ](1) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سألت الله أن يقدّمك ثلاثاً، فأبى عليّ إلاّ تقديم أبي بكر) [ قال المصنّف ]: هذا لا يصحّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عليّ ويحيى مجهولان»(2) إنتهى.

ولقد أصاب ابن الجوزي في جرح هذا الحديث وقدحه، ولكن لا يعجبني إقتصاره على ذلك وعدم تصريحه بكذبه وبطلانه، مع أنّ علائم الوضع على ناصية بادية، وركاكته على كذبه منادية.

ومن هناك ترى الناقد البصير والحاذق النحرير أبا عبد الله الذّهبي، قد بلغ الغاية في تفضيح أهل الضلال والغواية، ولم يأخذه في إظهار الحقّ محاباة وحماية، فصرّح بأنّ هذا الخبر باطل، ولعلّ آفته عليّ بن الحسن الكلبي ; وهذه عبارته في الميزان:

«عليّ بن الحسن الكلبي، عن يحيى بن الضريس بخبر باطل، لعلّ هو آفته، عن مالك بن مغول، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه مرفوعاً (يا عليّ، سألت الله فيك أن يقدّمك، فأبى عليّ إلاّ أبا بكر)»(3).

وقد ذكر السيوطي أيضاً أنّ ابن الجوزي أورد هذا الحديث في الواهيات، وقال الذّهبي: إنّه باطل، ففي كنز العمّال تبويب جمع الجوامع للسيوطي:

____________

(1) اثبتناه من المصدر.

(2) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 188 (291).

(3) ميزان الاعتدال: 5 / 149 (5831).


الصفحة 184
«عن عليّ قال: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سألت الله أن يقدّمك ثلاثاً، فأبى عليَّ إلاّ تقديم أبي بكر) أبو طالب العشاري في فضائل الصدّيق، خط، وابن الجوزي في الواهيات، كر، وقال في الميزان: إنّه باطل»(1).

أقول: فأنظر ـ رحمك الله وعافاك عن العصبيّة الشنيعة ـ الى تجاهلهم وتغافلهم، وإتّخاذهم العناد والاعتساف ديدناً وخليقة، كيف يروون مثل ذلك الكذب الباطل الصريح، والبهتان الفضيح، ولا يخافون لومة لائم وعذل عاذل ; وكذب أمثال هذه الخرافات يعلم بالقطع والبتّ من مارس الاخبار وتتبّع الاثار، ولا يتخالجه في ذلك ريبة ومرية، فإنّ صحاح السنّه وأحاديثهم المتظافرة تنادي على كذب هذه الروايات.

فوضح من هناك خرافة صاحب التحفة حيث صدّق هذا البهتان، وأحتجّ به على أهل الحقّ والايقان والله المستعان، ولكن لا غروّ ممّن ليس له دين ولا ديانة ولا حياء ولا أمانة، أنّ يصدق مثل هذه الهفوات والخرافات، البيّنة الوضع، الحريّة بالردّ والدفع، القيّمة بالابطال والمنع، المباينة للصّدق والورع.

ثمّ تأمّل! في وقاحة ابن حجر المتقاحم في دركات السقر، حيث يورد في كتابه هذا قدح حديث الغدير والمنزلة(2) في معارضة الشيعة، مع ماهما عليه من الاشتهار والاستفاضة والتواتر والصحّة والثبوت، وقلّما يعادلهما خبر ويوازيهما أثر، ويصدّق مثل هذاالكذب البيّن والبهتان الظاهر.

فظهر أنّ المحبّ الطبري وصاحب الصواعق والتحفة نفخوا في غير ضرم،

____________

(1) كنز العمّال: 12 / 515 (35680)، وانظر جامع الاحاديث للسيوطي: 4 / 462 (13810).

(2) انظر الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 61 ـ 77.


الصفحة 185
وأستسمنوا ذا ورم، فصدّقوا المكذوب، وأستحسنوا المعيوب، ومالوا إلى المثلوب، وجنحوا إلى المطعون، ورجّحوا الموهون، فركبوا متن الجهالة، وأشاعوا البهتان والضلالة، وآثروا إذاعة إفتراء أصحاب الشقاوة، وقطعواعلى أنفسهم بالعدوان والبغاوة، فذهبوا في العصبيّة الجاهلية عريضاً، ولم يميزوا الصحيح عمّا كان مريضاً، وتقاحموا في تصحيح السقيم والعليل، ولم يعرفوا النقي من الدخيل، والخطاء من الصواب الجميل، فحسبواالنحاس لجيناً وعقباناً، وأيقنوا بالكذب إيقاناً، وآمنوا بالبهتان إيماناً.

وتأمّل! في تلبيس واضع هذا البهتان، كيف جعله بزعمه مشيّد الاركان، منيع البنيان، واضح البرهان، حيث وضعه على لسان إمام أهل الايمان، أنّه نقل ذلك عن النبيّ المبعوث إلى الانس والجّان، فيكون أدعى لبطلان خلافته وإمامته، وأدحض عند الجهال لاستحقاقه وكرامته، حيث ثبت معاذ الله إعترافه بإباء الله لتقديمه وإنكاره تعالى عن قبول ترجيحه وتسليمه.

ومن الطّريف! إنّ أحاديث صحاحهم التي أجمعت عندهم الامّة على قبولها وتسليمها، ولا سيّما الصحيحين، الذين يقولون بتواتر القدر المشترك بينهما كما في النواقض، تنادي على كذب أمثال هذه المفتريات كما أشرنا، فإنّه لو كان عليّ (عليه السلام) روى مثل ذلك النصّ الصريح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف تخلف عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر؟!.

والعجب! أنّ صاحب الرياض مع اعترافه وتصديقه لحديث التخلّف، وإثباته إباء عليّ [ (عليه السلام) ] عن قبول خلافة أبي بكر، وتقريره لذلك بأبسط بيان

الصفحة 186
وأوضح تبيين(1)، صدّق مثل هذا الباطل القبيح.

وأعجب من ذلك! أنّه أبطل في كتابه هذا بعض الاحاديث التي وضعوها على لسان عليّ [ (عليه السلام) ]، وهي متضمّنة النصّ على خلافة أبي بكر وأخويه، وتمسّك بهذا الدليل، أعني تخلف عليّ(2) [ (عليه السلام) ].

ثمّ ذهل وغفل أو تغافل وتناسى، فصدّق هذا الكذب الفظيع، ولم يتفطّن بأنّ هذا الكذب أيضاً باطل، لعين ماذكر هناك وأنّهما سواسيان في البطلان ليس بينهما فارق، ولكن تفطن وعلم ذلك يقيناً فأهمل!، وخبط في الضلال وتصديق اكذوبات الجهال.

وهذا أوّل دليل على إنهماك هؤلاء في الباطل والعناد، حيث يعترفون في بعض المواقع بالحقّ، ثمّ يغلب عليهم الهوى والعصبيّة، ثمّ ينكصون عنه ويصدفون، ممارين مجادلين مدحضين للصّدق، ولعمري! إنّهم لايخافون يوم الحشر والعرض (ءأَمِنتُم مَن في السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الاَرْضَ)(3).

وقد روى أبو بكر الجوزقي وغيره هذا الباطل بألفاظ أخر، عن أبي سعيد

____________

(1) انظر الرياض النضرة للطبري: باب بيعة السقيفة: 2 / 202، وباب ذكر بيعة العامة: 2 / 211، وباب ذكر بيعة عليّ (عليه السلام).

(2) قال الطبري بعد شرح قوله (عليه السلام) «كنّا نرى أنّ لنا في هذا الامر حقّاً»: المراد بالامر هو الخلافة... وذكر عدّة احتمالات اخرى، إلى ان قال: والاول هو المختار والاحتمالان بعده باطلان، لانّه (رضي الله عنه)إذا اعتقد انّه ليس بأحقّ، وأن غيره مساو له أو راجح عليه، وقد عقد له فلايسعه التخلّف لما فيه من شقّ العصا وتفريق الكلمة، وقد صحّ تخلفه فكان دليلاً على عدم اعتقاد ذلك، وإلاّ لزم أن يكون تخلف عن الحقّ مع تمكنه منه، ومنصبه أجل من ذلك ومرتبته في الدين أعظم ومنهاجه فيه اقوم... (انظر الرياض النضرة: 2 / 219 (430).

(3) سورة الملك آية: 16.


الصفحة 187
وابن عمر، ولكن ابن الجوزي وغيره من الناقدين نصّوا على وضعه أيضاً، فقال ابن الجوزي: إنّه موضوع، وضعه يوسف، وكان يضع الحديث، فقال في ذيل الحديث الثامن السابق آنفاً:

«وقد روى أبو بكر الجوزقي في حديث أبي سعيد، أنّ عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عرج بي الى السماء، قلت: اللهمّ إجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، فارتجّت السّموات، وهتفت الملائكة من كلّ جانب: يا محمّد! إقرأ (وما تشاءُون إلاّ أن يشاء الله) قد شاء الله أن يكون من بعدك أبابكر) [ قال المصنّف ]: هذا الحديث موضوع، وضعه يوسف بن جعفر، كان يضع الحديث»(1).

وقد أقرّ الذّهبي أيضاً ابن الجوزي على الحكم بوضع هذاالحديث، حيث ذكره في ترجمة يوسف، ونقل عن أبي سعيد النقاش أنّ يوسف بن جعفر كان يضع الحديث، وإنّ ابن الجوزي ذكر أنّ هذا من وضعه، فقال في الميزان:

«يوسف بن جعفر الخوارزمي: شيخ متأخّر ; قال أبو سعيد النقاش: كان يضع الحديث ; وذكر ابن الجوزي أنّ هذا من وضعه (لمّا عرج بي، قلت: اللهمّ إجعل الخليفة من بعدي عليّاً، قال: فأرتجت السموات وهتفت الملائكة إقرأ (وما تشاءُون إلاّ أن يشاء الله) وقد شاء الله أبا بكر)(2).

ثمّ إنّ السيوطي ذكر في اللالئ المصنوعة على حسب دأبه محصّل كلام ابن الجوزي في إبطال هذا الخبر، ثمّ رواه من الديلمي، فقال:

____________

(1) الموضوعات: 1 / 235.

(2) ميزان الاعتدال: 7 / 294 (9868)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 7 / 527 (9464).


الصفحة 188
«روى أبو بكر الجوزقي من حديث أبي سعيد مرفوعاً: (لمّا عرج بي إلى السماء، قلت: اللهمّ إجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، فأرتجّت السموات وهتف بي الملائكة من كلّ جانب: يا محمّد! إقرأ (وما تشاءُون إلاّ أن يشاء الله) قد شاء الله أن يكون من بعدك أبو بكر الصدّيق) موضوع: وضعه يوسف بن جعفر.

قلت: قال الديلمي: أنا عبد الكريم بن سهلان، أنا أبو بكر محمّد بن إبراهيم العطّار، ثنا عمر بن محمّد بن نظيف المقري بشيراز، ثنا دلف بن عبد الله ابن موسى، ثنا عمر بن محمّد أبو حفص الجوهري، ثنا عليّ بن جعفر الخوارزمي، ثنا الدّبري، عن عبد الرزّاق، عن معمّر، عن سعيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، مرفوعاً (لمّا عرج بي، سألت ربّي أن يجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، فارتجّت الملائكة، وقالوا: يا محمّد! إنّ الله يفعل ما يشاء، والخليفة بعدك أبو بكر) والله أعلم»(1) إنتهى.

أقول: إنْ أراد السيوطي بذكر هذا الطريق الذي رواه الديلمي إثبات هذا الخبر المنكر المكذوب وردّ الحكم بوضعه؟.

فواعجباه منه! كيف ذهل وغفل، مع نقده وسعة إطلاعه وطول باعه، عن شناعة مثل هذا البهتان، الذي لا يسع إظهار فظاعته البيان، وكيف لا! فإنّ الدلائل الجمة الكثيرة قد دلّت على كذب أمثال تلك النصوص.

وإن لم يرد تصديقه وإثباته، فليت شعري! كيف سكت عن قدحه وجرحه.

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 275، انظر مسند الفردوس للديلمي 3 / 120، وفردوس الاخبار للديلمي: 2 / 219 (5255).


الصفحة 189
ولكن قد أجاد غيره من الناقدين، فقدحوا في هذا الطريق أيضاً، منهم الشيخ عليّ بن محمّد بن العراق صاحب تنزيه الشريعة، وتلميذه الشيخ (رحمه الله). ففي مختصر تنزيه الشريعة:

«حديث: (لمّا عرج بي إلى السماء، قلت: اللهمّ إجعل الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، فأرتجّت السموات وهتفت بي الملائكة من كلّ جانب: يا محمّد! إقرأ (وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله) قد شاء الله أن يكون من بعدك أبو بكر الصدّيق) أبو بكر الجوزقي، وفيه يوسف وهذا من وضعه، وأورده أيضاً الديلمي، وفيه يوسف وغيره وفيه مجاهيل»(1) إنتهى.

وقد حكم القاضي محمّد بن الشوكاني أيضاً على هذا الخبر بالوضع، ولم يلتفت الى طريق الديلمي، فقال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة: «حديث (لمّا عرج بي إلى السماء قلت: اللّهمّ إجعل الخليفة بعدي عليّ بن أبي طالب، فأرتجّت السموات وهتف بي الملائكة من كلّ جانب: يا محمّد! إقرأ (وما تشاءُون إلاّ أن يشاء الله) قد شاء الله أن يكون من بعدك أبو بكر الصدّيق) رواه الجوزقي عن أبي سعيد مرفوعاً: وهو موضوع»(2).

وبالجملة: فهذا الكذب ترتج منه السموات والارضون، ويهتف ببطلانه

____________

(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 345، وفيه بعد ذكر الحديث: أبو بكر الجوزقي من حديث أبي سعيد، وفيه يوسف بن جعفر الخوارزمي، قال أبو سعيد النقاش: وهذا من وضعه ; قال السيوطي: وجاء من طريق آخر أخرجه الديلمي، قلت: فيه الديري، وعنه عليّ بن جعفر الخوارزمي، وأظنّه يوسف هذا، دلس بتسميته علياً، وإلاّ فمجهول، وفيه مجهولون آخرون، والله أعلم.

(2) الفوائد المجموعة للشوكاني: 335.


الصفحة 190
الثّقات والناقدون، ظهرت عليه علائم الوضع من كلّ جانب، فإنّه بهتان للصّدق والصحّة مجانب، قد افتعلوه إخلالاً لاخفاء والهام سفهاء الاحلام، وشاؤوا أن يصير مزلّة للاقدام، ومضلّ للافهام.

ولكن! قد شاء الله الجبّار أن يكونوا من يد الوضع والافتراء، على الربّ الغفّار، والرسول المختار، والملائكة الابرار، والصحابة الاخيار، مهتوكي الاسرار، بادين العوار.

سبحان الله! يروي الدّيلمي مع كونه من الشيوخ المشاهير، والاكابر النحارير، مثل هذا الكذب، الذي ركاكته وسخافته أظهر من الصبح المستنير، ويورده السيوطي في مقام التحقيق والتنقيد، ويسكت عن ردّه وجرحه بالدليل السّديد، فإذا كان علماءهم وشيوخهم الذين بلغوا من الاعتماد والثّقة كلّ مبلّغ، لا يبالون برواية أمثال هذه المفتريات الصريحة، التي يعلم بطلانها بدلائل غير متناهية، كما ستقف عليه إنشاء الله تعالى فيما بعد، فما تعجب في رواية غير ذلك من الفضائل الموضوعة والتشبث بذيلها، سواء من الممادح المفتعلة التي كذبها وبطلانها أخفى من هذا البهتان، حيث يدلّ على كذبها دليل أو دليلان.


الصفحة 191

الفصل العاشر
[ في تسمية أبي بكر في السماء بالحليم ]

ومن غرائب الافتراآت التي لا يكتم قبحها على من له ذهن سليم، ورأي مستقيم، وأفتعلوها إتباعاً للشيطان الرجيم، إنّ أبا بكر أشهر في السماء منه في الارض، وإنّ الملائكة تسمية بالحليم، سبحانك هذا بهتان عظم!، ولكن استهوتهم الاهواء، واستغوتهم خبث الاراء، فصدّقوا مثل هذا الباطل، ولم يحتفلوا بما فيه من فضيحة العاجل وعقاب الاجل.

قال المحبّ الطبري في الرياض، لمّا فرّخ الشيطان في صدره وباض:

«ذكر إنّه ـ أي أبا بكر ـ كان يدعى في السماء بالحليم: عن أبي هريرة (رضي الله عنه): (هبط جبرئيل الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوقف مليّاً يناجيه، فمرَّ أبو بكر الصدّيق، فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمّد! هذا ابن أبي قحافة، فقال: يا جبرئيل أو تعرفونه في السماء؟ فقال: والذي بعثك بالحقّ لهو في السماء أشهر منه في الارض [ وإن اسمه في السماء أشهر منه في

الصفحة 192
الارض ](1)، وإنّ إسمه في السماء بالحليم) خرّجه في الفضائل، والملاّ في سيرته»(2).

وقال الوصابي في الاكتفاء:

«وعن أبي هريرة (رضي الله عنه): (مرّ أبو بكر وجبرئيل مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: هذا صاحبك أبو بكر، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أتعرفونه يا جبرئيل؟ فقال: هو في السماء أشهر منه في الارض إسمه في السماء صدّيق وفي الارض عتيق، وإنّ الملائكة تسمّيه حليم قريش، هو قرينك في حياتك وخليفتك بعد وفاتك) أخرجه عبد الله بن اسبوع الاندلسي في كتابه الشفاء.

وعنه (رضي الله عنه) ـ يعني أبا هريرة ـ قال: (هبط جبرئيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فوقف مليّاً يناجيه، فمرّ أبو بكر الصدّيق، فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمّد هذا ابن أبي قحافة، فقال: يا جبرئيل أو تعرفونه في السماء؟ قال والذي بعثك بالحقّ لهو في السماء أشهر منه في الارض، وإنّ إسمه في السماء حليم) أخرجه الحسن ابن عرفة في جزئه في فضائل الصدّيق، والحافظ بن محمّد الملاّ في سيرته.

وعنه أيضاً قال: (بينا جبرئيل (عليه السلام) مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ مرَّ أبو بكر (رضي الله عنه)فقال جبرئيل (عليه السلام): يا رسول الله هذا أبو بكر، فقال: أتعرفه؟ قال: إنّه في السماء أشهر ممّا في الارض، وإنّ الملائكة تسمّيه حليم قريش، إنّه وزيرك في حياتك، وخليفتك بعد وفاتك) أخرجه ابن اسبوع في الشفاء»(3).

____________

(1) أثبتناه من المصدر.

(2) الرياض النضرة للطبري: 1 / 409 (230)، وسيرة المتعدين للملاّ 5 / 2 (106).

(3) الاكتفاء للوصابي مخطوط.


الصفحة 193
ولكنّ الله فضح أهل العدوان وأخزى أصحاب البهتان، فأنطق علمائهم الاعيان، وثقاتهم الاركان بالحقّ الحقيق، الجدير بالايقان، فقدحوا في هذه الكذبة المستهجنة في العقول، وأدخلوا في الموضوعات هذه الفرية التي لا يقبلها، إلاّ أعفك غفول أو معاند مجهول.

فهذا ابن الجوزي الذي هو من ناقدي رواياتهم وعظماء ثقاتهم، قد عدّ هذا الحديث من الموضوعات المستبشعة، التي تنطق ألفاظها بأنّها موضوعة، وحاشية رسول الله منها منزّهة، وقدح في راويه وذكر إنّه كذّاب، وهذه عبارته في كتاب الموضوعات، في فضائل أبي بكر.

«الحديث التاسع: في خلافته أيضاً: أنبأنا ابن خيرون، عن الجوهري، عن الدارقطني، عن أبي حاتم بن حبّان، قال: ثنا الحسين بن إسحاق الاصبهاني [ قال: ثنا أبو هارون إسماعيل بن محمّد بن يوسف، قال: ثنا المعلى بن يزيد ](1)قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: (بينما جبرئيل مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مرّ أبو بكر، فقال جبرئيل: هذا أبو بكر، فقال: أتعرفه يا جبرئيل؟ قال: نعم، إنّه لفي السماء أشهر منه في الارض، وإنّ الملائكة لتسمّيه حليم قريش، وإنّه وزيرك في حياتك وخليفتك بعد موتك) قال ابن حبّان: لا يجوز الاحتجاج بإسماعيل بن محمّد، فإنّه يقلب الاسانيد ويسرق الاحاديث، وقال محمّد بن طاهر: هو كذّاب»(2) إنتهى.

____________

(1) لايوجد في المصدر، وذكره ابن حبان في المجروحين.

(2) الموضوعات: 1 / 235، وانظر المجروحين لابن حبّان: 1 / 130، قانون الموضوعات للفتني: 241.


الصفحة 194
فالحمد لله والمنّة ـ وهو الواهب للقوّة والمنّة ـ حيث أرخا بنيان الباطل والزور، وأنقض جدران البهتان الغرور، وتهكّمت مباني القرفة المرّوعة، وتهدّمت آساس الفريّة المقدوحة.

ثمّ إنّ الذّهبي أيضاً قدح في إسماعيل بن محمّد، وذكره في المقدوحين، ونقل عن أعلامه جرحه، وصرّح بأنّ الاسناد الذي روى إسماعيل الحديث به مظلم، قال في الميزان:

«إسماعيل بن محمّد بن يوسف أبو هارون الحبريني الفلسطيني، قال ابن حبّان: يسرق الحديث لا يجوز الاحتجاج به ; الى أن قال: وقال ابن الجوزي: أبو هارون كذّاب ; وساق له بإسناد مظلم(1) (إنّ جبرئيل قال: أبو بكر وزيرك في حياتك، وخليفتك بعد موتك)»(2).

وقال الشيخ (رحمه الله) ابن عبد الله في مختصر تنزيه الشريعة في تراجم الكذّابين:

«إسماعيل بن محمّد بن يوسف أبو هارون الحسيرني: كذّاب يروي الموضوعات»(3).

وقال السيوطي في اللالئ المصنوعة:

«ابن حبّان، ثنا الحسين بن إسحاق الاصبهاني، ثنا أبو هارون إسماعيل ابن محمّد بن يوسف، ثنا المعلى بن الوليد، ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن مخلد

____________

(1) أي ابن حبّان.

(2) ميزان الاعتدال: 1 / 407 (936)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 1 / 130، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي: 1 / 120 (414).

(3) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 39 (301)، وفيه: قال ابن حبّان: يسرق الحديث، وقال ابن طاهر: كذاب، وقال الحاكم: روى عن سنيد وأبي عبيدة وعمرو بن سلمة أحاديث موضوعة.