الصفحة 215
عليك بحجاج ومحمّد بن إسحاق فإنّهما حافظان، وأكتم عليّ عند البصريين في خالد وهشام، إنتهى.

وأيضاً في الميزان: قال ابن معين: كان شعبة يتقي هشام بن حسّان، عن عطاء وعكرمة والحسن»(1).

وأيضاً قدح فيه وهيب حتى لم يستحل الرّواية عنه، ففي الميزان:

«عفان، ثنا وهيب، قال لي سفيان الثوري: أفدني عن هشام بن حسّان، فقلت: لا أستحل ذلك، ولكن اُحدّثك عن أيّوب، فجعلت أحدّثه عن أيّوب وهو يسأل عن هشام.

وأيضاً في الميزان: عن عرعرة بن البرند، قال: سألت عبّاد بن منصور عن هشام بن القردوسي، قال: ما رأيته عند الحسن [ البصري ](2) قط، قال عرعرة: فأخبرت بذلك جرير بن حازم، فقال: قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيت هشاماً عنده قطّ، فقلت: يا أبا النصر قد حدّثنا عن الحسن بأشياء فممّن تراه أخذه؟ قال: أراه أخذ عن حوشب.

وأيضاً في الميزان: نعيم بن حمّاد: سمعت ابن عيينة فيقول: لقد أتى هشام أمراً عظيماً بروايته عن الحسن، فقيل لنعيم: لم؟ قال لانّه كان صغيراً.

وأيضاً فيه ـ الميزان ـ: قال أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن عليّة: كنّا لا نعدّ هشاماً في الحسن شيئاً.

وأيضاً فيه ـ الميزان ـ: قال ابن المديني: كان أصحابنا يثبتون هشام بن حسّان، وكان يحيى بن سعيد يضعّف حديثه عن عطاء، وكان الناس يرون أنّه

____________

(1) ميزان الاعتدال: 7 / 77 (9228).

(2) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 216
أرسل حديث الحسن البصري عن حوشب.

وأيضاً فيه ـ الميزان ـ: سليمان بن حرب، ثنا حمّاد بن زيد، قال: ذكر لابي أيّوب(1)، عن هشام، عن محمّد، قال: سألت عبيدة ما ينقض الوضوء؟ فقال: الحدث وأذى المسلم، فأنكره» إنتهى(2).

فهذه أقوال أئمّتهم وثقاتهم الاعيان، تصرّح بقدح هشام بن حسّان، والذّهبي قد انتصر له ووثّقه!، ولكن لا يفيد ذلك في رفع الالزام، خصوصاً في هذا المقام، كما لا يخفى على أولي الافهام.

وقال ابن حجر في التقريب:

«هشام بن حسّان الازدي القردوسي ـ بالقاف وضمّ الدّال ـ أبو عبد الله البصري ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال، لانّه قيل كان يرسل عنهما»(3).

ثمّ إنّ في هذا الطريق عليّ بن يونس، وهو إن كان البلخي فهو مقدوح، قال العقيلي: لا يتابع على حديثه، قال في الميزان:

«عليّ بن يونس البلخي، عن هشام الغاز ; قال العقيلي: لا يتابع على حديثه»(4) إنتهى.

وكأنّ السيوطي أيضاً على بطلان هذا الطريق عثر، فلم يتعقّب في النكت البديعات حكم ابن الجوزي ببطلان هذا الخبر.

____________

(1) من المصدر [ لايوب ].

(2) ميزان الاعتدال: 7 / 77 (9228)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 8 / 415 (2030)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 6 / 24 (8544).

(3) تقريب التهذيب للعسقلاني: 2 / 323 (82050).

(4) ميزان الاعتدال: 5 / 198 (5979)، وانظر الضعفاء الكبير للعقيلي: 3 / 256 (1261).


الصفحة 217
وأمّا القاضي محمّد بن الشوكاني فأيضاً ـ أي على بطلانه ـ حيث أورده في الموضوعات، وذكر قدحه ونقل عن ابن ماكولا: أنّ الحمل فيه على محمّد بن أحمد الحليمي ـ يعني أنّه وضعه ـ، ولم يلتفت الى الطريق الذي أورده السيوطي، قال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: (إذاكان يوم القيامة نصب لابراهيم منبراً أمام العرش، ونصب لي منبراً أمام العرش، ونصب لابي بكر كرسيّ فيجلس عليه....) الخ، رواه الخطيب، عن معاذ مرفوعاً، وفي إسناده محمّد بن أحمد الحليمي، قيل: هو مجهول ; وقال الذّهبي: أحاديثه منكرة بل باطلة ; قال ابن ماكولا: الحمل عليه في هذا الحديث»(1) إنتهى.

فاتّضح من هناك، إنّ هذا الخبر موضوع عند ابن ماكولا، والعسقلاني، وابن الجوزي ولم يخالف، والذّهبي، وعليّ بن محمّد بن العراق، والشيخ (رحمه الله)، والقاضي محمّد بن الشوكاني، فقد اتّفقت كلمتهم على وضعه وكذبه، فلا أدري! كيف اجترى الخطيب والزوزني والملاّ والمحبّ الطبري على رواية مثل هذا الباطل الشنيع، وجنحوا إليه وأقبلوا عليه، هل ذلك إلاّ قلّة ورع ورقّة دين؟!.

____________

(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 333.


الصفحة 218

الصفحة 219

الفصل الثالث عشر
[ في كتابة اسم أبي بكر خلف اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ]

ومن سخائف تراهاتهم المورثة إيّاهم الفضيحة، وركائك بطلانهم القبيحة التي تستنكف منها العقول، ويعدّها كلّ فطن يقظ من الهذر الفضول، وكادت السماء والارض تشهدان ببطلانها، والعجماوات والجمادات تناديان ببهتانها، ما وضعوه من أنّ اسم أبي بكر مكتوب خلف اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ سماء.

ولعمري لا يصدّق ذلك إلاّ من يركب متن عمياء، ويخبط خبط عشواء، والله الموفق للرشاد والاهتداء.

قال المحبّ الطبري في الرياض في مناقب أبي بكر، ذكر إختصاصه بكتب إسمه خلف اسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ سماء:

«عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عُرج بيّ إلى السماء، فما مررتُ بسماء إلاّ وجدت فيها إسمي مكتوباً: محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق خلفي) خرّجه ابن عرفة العبدي و [ الحافظ ](1) الثقفي الاصفهاني،

____________

(1) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 220
وخرّجه الفضائلي عن ابن عمر»(1).

وقال الوصابي في الاكتفاء:

«وعن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عرج بيّ في السماء فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها إسمي مكتوباً: محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق من خلفي) أخرجه الحافظ أبو عبد الله القاسم بن فضل الثقفي في الثقفيّات، والدولابي في فضائل الصّدق»(2).

والعجب! إنّ هذا الكذب المستشنع، قد رواه جماعة كثيرة من علمائهم وأساطينهم، ترويجاً للبهتان وتضليلاً للعميان، كماستطلع عليه فيما بعد إنشاء الله المستعان، ولكن ليس للباطل رواء الصّدق، ولا للكذب سمة الحقّ، لا يروّج إلى على المبهوتين، ولا ينفق إلاّ على المحمومين، والواضعون وحماتهم وإنْ شمّروا الذيول في اشاعة الاكاذيب المنكرة، وبلغوا في التلبّس والتدليس كلّ مبلغ، وسعوا في نشر فضائل أئمّتهم كلّ سعي، ولكن الله فضحهم وأخزاهم بالفضيحة في الدنيا، والنار في الاخرة أصلاهم، وقيض منهم رجالاً هتكوا الاستار، ونادوا على سفههم وكذبهم وعدوانهم بالجهار.

أوما ترى! إمامهم المستند، وقائدهم المعتمد، ومحقّقهم الذي لا يشقّ له غبار، ونحريرهم الاوحدي الممدوح على لسان الكبار، والذي سارت لمحاسنه الرّكبان، واتّفقت على توثيقه وتعديله علماءهم الاعيان ـ أعني ابن الجوزي ـ قد كشف عن ساق الجدّ في إبطال هذا البهتان المكذوب، وتقبيح هذا الخبر

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 407 (328)، وانظر جزء الحسن بن عرفة: 44 (6).

(2) الاكتفاء للوصابي اليمني مخطوط.


الصفحة 221
المعيوب، فأدخله في الموضوعات، وأقحمه في المختلقات المستبشعات، حيث قال في كتاب الموضوعات:

«الحديث الثاني عشر: أنبأنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا ابن مسعدة، قال: أنبأ حمزة، قال: أنبأ ابن عدي، قال: ثنا موسى بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا عبد الله بن إبراهيم [ بن زاهر ](1) الغفّاري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عرج بيّ إلى السماء، فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيه إسمي محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق خلفي) [ قال المصنّف ]: هذا حديث لا يصح، قال ابن حبّان: الغفّاري يضع الاحاديث، فاتفقوا على تضعيفه»(2).

وقد وافق الذّهبي أيضاً ابن الجوزي في الحكم بوضع هذه الخرافة وإبطالها، وروى في الميزان عن أبي سعيد وابن عبّاس وأبي هريرة، وقدح في الكلّ وصرّح مكرّراً بأنّ هذا الخبر باطل، ونقل عن الخطيب أيضاً أنّه قال هو غلط، وهذه عبارته في الميزان:

«محمّد بن عبد الله بن يوسف أبو بكر المهري البصري، عن عليّ بن الحسين الدرهمي والحسن بن عرفة والنضر بن طاهر، وعنه أبو بكر بن شاذان وابن حيوية وجماعة ; وثقة الخطيب ولكن روى له خبراً باطلاً، وحكم بأنّه تفرّد به وأنّه غلط، فقال: أنا أبو العلاء الواسطي، أناأبو بكر محمّد بن خلف بن حيان،

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) الموضوعات: 1 / 236، وانظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 36.


الصفحة 222
ثنامحمّد بن عبد الله بن يوسف، ثنا ابن عرفة، ثناأبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عرج بيّ إلى السماء ما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها مكتوباً: محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق من خلفي).

وقال الخطيب: وأنا به الجوهري، أنا ابن شاهين، ثنا إبراهيم بن حمّاد بن إسحاق، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس: (ما مررت بسماء....) فذكره ; ثمّ سكت الخطيب عن هذا، وهو أيضاً باطل ما أدري من يغشّ فيه، فإن هؤلاء ثقات.

ثم قال: وعند ابن عرفة فيه إسناد آخر، فذكره من جزء ابن عرفة: حدثني عبد الله بن إبراهيم الغفاري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما مررت بسماء إلاّ وجدت إسمي فيها) ; قلت: الغفاري متهم بالكذب، مات نهاية سنة ستّ عشرة وأربعمائة»(1)إنتهى.

فترى الذّهبي صرّح بأنّ خبر أبي سعيد باطل، ونقل عن الخطيب أنّه غلط، ثمّ نقل عن الخطيب أنّه ذكر له طريقاً آخر عن ابن عباس وسكت عليه، ولم يرض الذّهبي بسكوته بل تعقّب عليه بأنّه أيضاً باطل.

وأنظر! إلى شدّة عناية الذّهبي بإبطال هذا البهتان، وعظمة إهتمامه بتكذيب هذا الباطل، كيف لم يكترث بثقة رجاله، فإنّه مع إعترافه بأنّ رجاله

____________

(1) ميزان الاعتدال: 6 / 217 (7815)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 62 (1028)، وجزء حسن بن عرفة: 44 (6).


الصفحة 223
ثقات حكم عليه بالبطلان والغشّ، وقال: لا أدري من يغشّ فيه، وهذا أوّل دليل على كمال وضوح بطلانه، وإلاّ فهؤلاء يتحاشون شديداً من الحكم ببطلان الخبر إذا كان رجاله موثوقين في زعمهم.

وليكن منك على ذكر! أنّ هذا الحديث الباطل المكذوب قد رواه محمّد بن عبد الله المهري، وهو قد وثّقه الخطيب كما صرّح الذّهبي، ومع ذلك قد حكم الخطيب نفسه على خبره بالبطلان، حيث قال: إنّه غلط، وكذلك الذّهبي صرّح بأنّه باطل.

فقد ثبت من هناك أيضاً أنّ ثقة الرجال عندهم ليست بمانعة من روايتهم الاكذوبات والمفتريات.

وكذلك ما رواه ابن شاهين، رجاله أيضاً ثقات بتصريح الذّهبي، ومع ذلك صرّح الذّهبي ببطلانه أيضاً.

فقد ثبت مرّة بعد أخرى! كون ثقاتهم راوين للاخبار الموضوعة، والاكاذيب المفتعلة، فما بالهم يستعظمون حكم الشيعة بالكذب والبطلان والزور والافتعال على غير ذلك من الخرافات، التي نقلها الرجال الذين هم بزعمهم ثقات؟!.

وأمّا الاسناد الثالث الذي ذكره الخطيب: فالذّهبي قدحه أيضاً كما تراه، حيث قال «أنّ الغفاري الراوي له متّهم بالكذب» وهذا هو الاسناد الذي أورده ابن الجوزي كما رأيت.

وقد رووا هذا الافتراء عن أبي الدرداء أيضاً، بتغيير في بعض الالفاظ، حيث ذكروا بدل (كلّ سماء)، كتابة اسم أبي بكر في جريدة خضراء حول

الصفحة 224
العرش، وقد أورده أيضاً الطبري في الرياض، حيث قال بعد ما سبق ذكر إختصاصه بكتبه إسمه مع اسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في جريدة خضراء حول العرش:

«عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رأيت ليلة أسري بيّ مكتوباً على العرش في جريدة(1) خضراء بقلم من نور: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق)(2).

وقال الوصابي في كتاب الاكتفاء:

«وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رأيت ليلة أسري بي حول العرش فريدة خضراء مكتوباً عليها بقلم من نور أبيض: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق) أخرجه ابن حبّان في صحيحه، والدارقطني في الافراد وفي السنن»(3).

وقد قدح ابن الجوزي في هذا أيضاً، وعدّه من الاحاديث الواهية الكثيرة العلل الشديدة التزلزل، حيث قال في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية:

«أنبأنا ابن خيرون، عن الجوهري، عن الدارقطني، عن أبي حاتم بن حبّان، قال: نا محمّد بن المسيّب، قال: نا السري بن عاصم، قال: نا محمّد بن فضيل، عن ابن جريح، عن عطاء، عن أبي الدرداء، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (رأيت ليلة أسري بيّ حول العرش جريدة(4) خضراء، مكتوب فيما بقلم

____________

(1) في المصدر [ فريدة ].

(2) الرياض النضرة للطبري: 2 / 78 (504).

(3) الاكتفاء للوصابي مخطوط، وانظر المجروحين لابن حبان: 1 / 356، وذكره عن الافراد للدارقطني السيوطي في اللالئ المصنوعة.

(4) في المصدر [ فريدة ].


الصفحة 225
من نور أبيض: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق) قال ابن حبّان: لا يحل الاحتجاج بالسري بن عاصم»(1).

ولا يخفى! إنّ ابن الجوزي وإنْ أصاب في جرح هذا الخبر وقدحه، ولكنه لم يُصب على الاقتصار على ذلك من إيراده في العلل المتناهية، فإنّ ذلك ليشعر بأنّها من الاحاديث الواهية لا من موضوعات أصحاب القلوب الساهية.

ولا غروا فإنّ الصارم قد ينبو، والجواد قد يكبوا، والنار قد تخبوا، وهذا الخبر بلا ريب من الاكاذيب والمفتريات، وكيف لا! وقد عدّ إبن الجوزي أمثاله من الموضوعات المستبشعة، التي تدلّ ألفاظها على وضعها، ولا فرق فيها وفي ذلك إلاّ الاسناد أو تغيّر مافي اللّفظ، بحيث لا يوجب فرقاً فيها، يكون ذلك محتملاً للصحّة وتلك موضوعة محتملاً.

وقد أنصف الذّهبي فحكم ببطلان هذا الكذب المزخرف، حيث قال: إنّه من مصائب السري بن عاصم، ونقل قدح بن عاصم الاثم بأكثر ممّا ذكره ابن الجوزي، حيث نقل عن ابن عدي أنّه وهّاه، وقال: يسرق الحديث، ونقل عن ابن خراش أنّه كذّبه، قال في الميزان:

«السري بن عاصم بن سهل أبو عاصم الهمداني مؤدب المعتز بالله، وقد ينسب الى جدّه، روى عن ابن عليّه ; وهّاه ابن عدي وقال: يسرق الحديث، حدث عن حرمر بن عمارة أيضاً ; وكذّبه ابن خراش ; ومن بلاياه: ثنا محمّد بن مصعب، ثنا الاوزاعي، عن عبدة، عن أبي هريرة مرفوعاً (الايمان بالقدر يذهب

____________

(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 192 (299)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 1 / 355، وفيه: السري كان ببغداد يسرق الحديث ويرفع الموقوفات، لا يحل الاحتجاج به.


الصفحة 226
الهمّ والحزن) ; ومن مصائبه أنّه أتى بحديث متنه (رأيت حول العرش وردة مكتوب فيها: محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق) ; ومن مصائبه: ثنا عليّ بن عاصم، عن حميد، عن أنس مرفوعاً (لله ملك من ياقوتة على زمرّدة كلّ يوم يُسعِّر)»(1).

فهذا كما تراه! صريح في أنّ السري بن عاصم كان سارق الحديث كاذباً، وإنّ خبر كتابة اسم أبي بكر بعد اسم رسول الله على وردة حول العرش من مصائب هذا السارق الكاذب، فأصلاه الله بالعذاب الواصب، وأذاقه الهمّ الدائم الناصب، ورماه من عقابه بحاصب.

ثمّ إنّهم حرّفوه وصرّفوه إلى ألفاظ أخر بالكذب والزّور، فقالوا: إنّ هذه العبارة مكتوبة على علم من نور، ورواه أيضاً المحبّ الطبري، حيث قال في الرياض بعد ما سبق ذكر إختصاصه بكتابة إسمه مع اسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في علم من نور:

«عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ لله علماً من نور، مكتوب عليه: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق) خرجهما في الفضائل»(2).

وقال الوصابي في كتاب الاكتفاء:

«وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ لله علماً من نور، مكتوب عليه: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق) أخرجه

____________

(1) ميزان الاعتدال: 3 / 174 (3092)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 4 / 540 (874).

(2) الرياض النضرة للطبري: 2 / 78 (505).


الصفحة 227
الدولابي»(1) إنتهى.

ولا يخفى على من اُوتي قسطاً من الشعور، إنّ كتابة إسم أبي بكر على علم من نور محض الكذب والزّور، إفتراه أصحاب الخدع والغرور، وأرباب البدع والشرور، ولكن (مَن لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُور)(2) (فَإنَّهَا لاَ تَعْميَ الاَبْصَارُ وَلَكِن تَعْميَ القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(3).

وأوضح نحريرهم المشهور، وعلاّمتهم صدر الصّدور، الناقد الذّهبي الممدوح المشكور، إنّ هذا الخبر موضوع مدحور، وقال: إنّه قد أتّهم محمّد بن يحيى السلمي، يعني قالوا: إنّه واضعه ومختلقه، وهذه عبارته في الميزان:

«محمّد بن يحيى بن عيسى السلمي، عن عبد الواحد بن غياث: أتى بخبر موضوع أتّهم به ; أناه سنقر الزيني، أنا ابن الصابوني، أنا السلفي، أنا ابن أشته، ثنا أبو سعيد النقاش، ثنا محمّد بن موسى الليثي، ثنا محمّد بن يحيى بن عيسى، حدّثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا جهاد بن سلمة،عن عليّ بن زيد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة مرفوعاً: (إنّ لله عَلَماً من نور، مكتوب عليه: لاإله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق)»(4).

ولا يذهب عليك! إنّ بعض الوضاعين لمّا رأوا أنّ في هذا الحديث حطّ منزلة لعمر، حيث لم يذكر فيه كتابة اسمه على ساق أو مثله، أدخلوا وأقحموا في

____________

(1) الاكتفاء للوصابي مخطوط.

(2) النور الاية: 40.

(3) الحج الاية: 46.

(4) ميزان الاعتدال: 6 / 266 (8315).


الصفحة 228
هذا الحديث اسم عمر أيضاً، وقالوا أنّه مكتوب في العرش: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق.

ولكنّه حكم ابن الجوزي بوضعه وكذبه أيضاً، حيث أدخله في الموضوعات واتّهم بوضعه بعض الرواة، ونقل قدحه وجرحه عن أعلامه الثقات، فقال في الموضوعات:

«الحديث السابع: أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد، قال أخبرنا أحمد بن عليّ بن ثابت، قال: أخبرني أحمد بن عمر بن عليّ القاضي، قال: أخبرنا أحمد ابن عليّ بن محمّد الجهم، قال: ثنا محمّد بن جرير الطبري، قال: ثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا ابن فضيل، عن ابن جريح، عن عطاء، عن أبي الدرداء، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: (رأيت ليلة أسري بيّ في العرش فريدة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض: لاإله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق) [ قال المصنّف ]: هذا حديث لا يصحّ، والمتّهم به عمر ابن إسماعيل، قال يحيى: ليس بشيء كذّاب دجّال سوء خبيث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث»(1).

وقد نقل الذّهبي الماهر النبيل مخازي عمر بن إسماعيل أكثر ممّا ذكره ابن الجوزي، فإنّه نقل ما نقل ابن الجوزي وزاد عليه أنّه قال ابن عدي في حقّه: يسرّق الحديث، وهذه عبارة الذّهبي في الميزان:

«عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني، عن أبيه وغيره، كذّبه ابن

____________

(1) الموضوعات: 1 / 244، وانظر سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين 284 (51)، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 189 (490)، الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 293 (271).


الصفحة 229
معين ; وقال النسائي والدارقطني: متروك ; وقال ابن عدي: يسرق الحديث، روى عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس حديثاً (أنا مدينة العلم وعليّ بابها) سرقه من أبي الصلت ; قال ابن معين: فيما رواه عن عبد الله بن أحمد: كذّاب على ابن معاوية ; وقال ابن جرير الطبري: ثنا عمر بن إسماعيل، ثنا أبي فضيل، عن أبي جريح، عن عطاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً (رأيت ليلة الاسرى جريدة خضراء فيها مكتوب بنور: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق) تابعه السري بن عاصم»(1).

ولايخفى! أنّ متابعة السري بن عاصم لهذا الكذّاب الوضّاع لايجدي نفعاً ولا يثلج صدراً، فإنَّه أيضاً مثل إسماعيل كاذب مارق، ولصّ سارق، كما سبق في عبارة الميزان المشتملة على ترجمته(2)، ومع ذلك فقد حكم الذّهبي بنفسه على أنّ ما رواه السري في هذا الباب من مصائبه، وهذا صريح في أنّه موضوع بلا إرتياب، والله العاصم من شرور كلّ وضّاع كذّاب واليه الملجأ في المبدأ والمآب.

ثمّ إنّهم لمّا رأوا أنّ في إضافة اسم عمر فقط لا يتمّ منيتهم ولا يستتب بغيتهم، حيث يبقى عثمان عريّاً عن هذا الفضل الكبير، ضافوا إسمه أيضاً بعد اسم عمر، ولم يخافوا عذاب السعير، ففي الرياض النضرة:

____________

(1) ميزان الاعتدال: 5 / 219 (6061)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 130 (277)، تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 204 (5908) وذكر فيه الرواية، وقال في آخرها (ـ وزاد الطبري ـ عمر الفاروق).

(2) انظر ميزان الاعتدال: 3 / 174 (2092) وقد خرج قبلاً.


الصفحة 230
«عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليلة أسري بيّ رأيت على [ ساق ](1) العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل ظلماً) خرّجه في الديباج، وخرّجه أبو سعيد في شرف النبوّة وفيه ذكر عليّ، وقد تقدّم في الباب قبله»(2).

وقال الوصابي في كتاب الاكتفاء:

«وعن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليلة أسري بيّ رأيت على العرش مكتوباً: لاإله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل ظلماً) أخرجه في الديباج، وأخرجه الامام الحافظ أبو سعيد عبد الملك بن عثمان الواعظ في شرف النبوّة»(3).

ولكن لم ينفعهم أيضاً ذلك التدبير والافتعال، ولم يورثهم إلاّ الخزي وسوء الحال، فإنّ أئمّتهم الاساطين، ونقّادهم المعتمدين، نصّوا على كذب ذلك البهتان، ونادوا جهاراً على وضع هذا الكذب المهان، وفضحوا المفترين الاشرار، وكشفوا أسرارهم، وأبدوا العوار،منهم ابن الجوزي، أدخل هذاالخبر في الموضوعات وعدّه من المفتريات، وقدح فيه وفي الرّوات،قال في كتاب الموضوعات، في باب فضل الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، من كتاب الفضائل والمثالب:

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) الرياض النضرة للطبري: 1 / 272 (112).

(3) الاكتفاء للوصابي مخطوط.


الصفحة 231
«الحديث الثاني: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أننا أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت،قال: أننا محمّد بن عبيد الله الحنائي، قال: أننا عثمان بن أحمد الدّقاق، قال: أننا إسحاق بن إبراهيم الختلي، قال: ثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عفّان الصوفي، قال: ثنا محمّد بن مجيب الصائغ، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليلة أسري بيّ رأيت على العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق،عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً) [ قال المصنّف ]: هذا حديث لا يصحّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو بكر الصوفي ومحمّد بن مجيب كذّابان، قاله يحيى بن معين»(1).

وفي الميزان: «محمّد بن مجيب الثقفي كوفي، عن جعفر بن محمّد وليث ; روى عباس عن يحيى: كذّاب ; وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث»(2).

وقد روى أيضاً هذا الحديث الباطل العليل عليّ بن جميل الغير الجميل، وعزاه تضليلاً للناس الى ابن عباس، ولكنّه أيضاً مقدوح وبنصّ الثقات مجروح، كذّبه ابن حبّان، وضعّفه الدارقطني وغيره من الاعيان، ثمّ تابعه على ذلك شيخ إسمه معروف، ولكنّه بنصّ الذّهبي مجهول غير معروف، قال في الميزان:

«عليّ بن جميل الرّقي، روى عن جرير بن عبد الحميد وعيسى بن يونس، كذّبه ابن حبّان وضعّفه الدارقطني وغيّره ; قال ابن حبّان: روى عن

____________

(1) الموضوعات: 1 / 252، وانظر تاريخ يحيى بن معين: 2 / 537، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 5 / 255 (7393).

(2) ميزان الاعتدال: 6 / 318 (8122)، وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 8 / 96 (415).


الصفحة 232
عيسى، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً (لا يؤذِّن لكم من يدغم الهاء) حدّثنا محمّد بن أحمد الضرّاب بحرّان، حدّثنا عليّ فذكره ; وروى عليّ بن جميل، عن جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عُرج بيّ إلى السماء رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين) تابعه شيخ مجهول، يقال له معروف بن أبي معروف البلخي، عن جرير»(1).

وقد قلبوا هذا الكذب الباطل إلى ألفاظ اُخر، عليها من الوضع مخائل، فذكروا أنّ أسماء الثلاثة مكتوبة على كلّ ورق من أشجار الجنّة(2).

ولعمري، إنّ هذا البهتان، لا يصدّقه إلاّ شياطين الانس والجنّ، وقد نصّ أكابرهم النقاد، وأئمّتهم المشهورين في الاغوار والابحار على كونه موضوعاً، وباطلاً مصنوعاً، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، ونقل عن ابن حبّان، انّه قال: باطل موضوع، قال في كتاب الموضوعات في باب فضائل الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان من كتاب الفضائل والمثالب:

____________

(1) ميزان الاعتدال: 5 / 144 (5806)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 116، وفيه: يضع الحديث وضعاً، لا يحلّ كتابة حديثه ولا الرواية عنه بحال. وكذا ابن عدي في الكامل: 6/368 (1369)، وابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين: 2 / 191.

(2) أورد ذلك الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس: 11 / 63 (11093)، وكذا الخطيب في تاريخه: 5 / 207 (2663)، والطبري في الرياض النضرة: 1 / 273 (113) وفيه: «عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس في الجنّة شجرة إلاّ وعلى كلّ ورقة منها مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين) خرّجه صاحب الديباج والامام أبو الخير القزويني الحاكمي في جزء من حديثه».


الصفحة 233
«الحديث الاوّل: أنبأ عبد الرحمن بن محمّد القزاز، قال: أنبأ أحمد بن عليّ بن ثابت، قال: أنبأ القاضي أبو الفرج محمّد بن أحمد بن الحسن الشافعي، قال: ثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، قال: ثنا أحمد بن محمّد القاضي، قال: ثنا الاحتياطي، قال: ثنا عليّ بن جميل، عن جرير بن عبد الحميد، عن ثابت، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):(مافي الجنّة شجرة إلاّ مكتوب على كلّ ورقة: محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق عثمان ذو النورين) اسم الاحتياطي الحسن بن عبد الرحمن بن عبّاد أبو عليّ، [ قال المصنّف ]: قال أبو حاتم بن حبّان: هذا باطل موضوع، وعليّ بن جميل كان يضع الحديث لا تحلّ الرّواية عنه بحال، وقال أبو أحمد بن عدي: لم يأت بهذاالحديث عن جرير غير عليّ، وعليّ يحدث بالبواطيل عن ثقات الناس وكان يسرق الحديث، وقد سرق هذا الحديث منه رجل يقال له معروف بن أبي معروف البلخي وقد سرقه آخر، فأخبرنا محمّد بن عمر الارموي، قال: ننا أبو الحسين بن المهنّدي، قال: انّنا أبو أحمد الغرضي، قال: ثنا عثمان بن أحمد الدقّاق، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: ثنا القاسم بن عليّ الكوفي، قال: ثنا عبد العزيز بن عمرو الخراساني، عن جرير، فذكره إلاّ أنّ الخراساني مجهول»(1).

وقال في الميزان: إنّ في عبد العزيز بن عمرو جهالة وأنّ الخبر باطل، وهو الافة فيه، والظّاهر أنّه أشار إلى هذا الخبر وهذه عبارته:

____________

(1) الموضوعات: 1 / 251، وانظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 116، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 368 (1369).