الصفحة 234
«عبد العزيز بن عمرو، عن جرير بن عبد الحميد، فيه جهالة، والخبر باطل، فهو الافةُ فيه»(1).

ثمّ لا يخفى عليك أنّ الاحتياطي الغير المحتاط، الراكب متن الاختباط، المتنكب عن سوي السراط، قد زاد في الطنبور نغمة، وفي الشطرنج بغلة، فروى هذا البهتان من نفس جرير بن عبد الحميد، وأسقط واسطة عليّ بن جميل، فقال: ثنا جرير، وقد نصّ الذّهبي على كونه باطلاً أيضاً، وقال: المتّهم به هذا الاحتياطي، قال في الميزان:

«الحسين بن عبد الرحمن، قال ابن المديني: تركوا حديثه، قلت: لعلّه الاحتياطي فإنّه غير معتمد، وقيل: إسمه الحسن كما مرّ، وقال الخطيب في تاريخه: الحسين بن عبد الرحمن بن عبّاد بن الهيثم أبو عليّ الاحتياطي، وبعضهم سمّاه الحسن، روى عن ابن عيينة وابن إدريس وجرير بن عبد الحميد، وعنه الهيثم بن خلف ومحمّد بن خلف ومحمّد بن أبي الازهر النحوي وعدّه ; قال المروزي: سألت أبا عبد الله عن الاحتياطي، فقال: يقال له حسين أعرفه بالتخليط، وذكر أنّه دخل في أمر السلطان ; قلت: وقد ذكرته في كتاب طبقات القرّاء ; قال جعفر بن محمّد بن أبي العجوز الخصيب....، وقال الهيثم بن خلف: أنبأ الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس في الجنّة شجرة إلاّ وعلى كلّ ورقة منها مكتوب: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق،

____________

(1) ميزان الاعتدال: 4 / 370 (5125).


الصفحة 235
عمر الفاروق، عثمان ذو النورين)، قلت: هذا باطل، والمتّهم به حسين»(1).

وقال الذّهبي في الميزان: «الحسن بن عبد الرحمن الفزاري الاحتياطي، عن سفيان بن عيينة ليس بثقة ; وقال ابن عدي: يسرق الحديث ولا يشبه حديثه حديث أهل الصدق ; وقال الازدي: لو قلت كذاباً لجاز ; وذكره ابن الجوزي وقال: بعض الرواة يسمّيه الحسين ; قلت: هو مقرئ وله مناكير»(2).

ثمّ إنّ معروفاً بن أبي معروف الذي كان يسرق الحديث، أيضاً روى هذه التهمة الشنيعة عن جرير بن عبد الحميد، ونصّ الذّهبي في ترجمة معروف أيضاً على كونه موضوعاً، حيث قال في الميزان:

«معروف بن أبي معروف البلخي، عن جرير بن عبد الحميد ; قال ابن عدي: يسرق الحديث ; ثنا أحمد بن عامر البرقعيدي، حدّثني معروف البلخي بدمشق، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً، قال: (دخلت الجنّة فما فيها ورقة إلاّ مكتوب عليها: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين) هذا موضوع، لكنّه مشهور بعلي بن جميل عن جرير، وكان يحلف فيقول: حدّثنا والله جرير»(3).

فانظر! ـ رحمك الله ـ إلى تدليس هذا المفتري الكذّاب، الذي لم يهب ربّ الارباب، ومؤاخذة الحساب، وشديد العقاب، إفترى أولاً هذا الخبر المكذوب

____________

(1) ميزان الاعتدال: 2 / 294 (2021)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 57 (4128).

(2) ميزان الاعتدال: 2 / 250 (1883)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 3 / 187 (101).

(3) ميزان الاعتدال: 6 / 470 (8666)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 8 / 30 (185).


الصفحة 236
الغير السديد، ثمّ نسبه إلى جرير بن عبد الحميد، ثمّ يحلف على ذلك باسم الله الجليل، قاصداً بذلك الاغواء والتضليل، ولا يدري أنّه لا ينفعه هذا الوضع والحلف الذي ليس تحته طائل، بل يستريب بذلك في صدّقه كلّ عاقل، وقد فضحه الله المتعال لمّا يريد، بما ليس عليه من مزيد، حيث كذّبه أئمّة السنّيّة، وجرحوه وقدحوه ونصّوا على أنّ هذا الخبر الذي كان يحلف عليه باطل موضوع، مكذوب مردود.

ثمّ لا يخفى عليك! إنّ السيوطي ضرب له عرق العصبيّه والحميّة، فتصدى لمحاماة الكذبة الاشرار، الذين ليس لهم خلاق، وشمر الذيل في تصديق إكذوبات أرباب الاختلاق، فأراد أن يحسّن الخبر الذي صدّرنا به العنوان، بإيراد متابعات وشواهد إفتعلته أهل العدوان، ولم يكترث بأقوال أئمّته وصناديده، حيث نصّوا على كذبه، منهم ابن الجوزي والذّهبي والخطيب وابن حبّان وغيّرهم، فحريّ بنا أن نذكر كلامه برمّته ثمّ نتكلّم عليه:

قال في اللالئ المصنوعة، في باب مناقب الخلفاء، من كتاب المناقب والمثالب:

«ابن عدي، ثنا بن إبراهيم، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة مرفوعاً: (عرج بيّ الى السماء، فما مررت بسماء إلاّ وجدت بها اسمي مكتوباً: محمّد رسول الله، وأبو بكر الصدّيق من خلفي) لا يصحّ، الغفاري يضع، وشيخه ضعيف باتّفاق(1) ; قلت: الذي أستخير الله في الحكم على

____________

(1) هذا من تعليقات ابن الجوزي على الحديث، انظر الموضوعات: 1 / 236، أمّا تعقيب ابن عدي على الحديث، فقد ذكره مع حديث آخر وقال: هذان الحديثان عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يرويهما عنه غير عبد الله بن إبراهيم، انظر الكامل في ضعفاء الرجال: 5 / 317.


الصفحة 237
هذا الحديث بالحسن، لا بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده:

قال الخطيب في تاريخه: أنا القاضي أبو العلاء الواسطي، أنا أبو بكر محمّد بن خلف بن حبّان، ثنا محمّد بن عبد الله بن يوسف المهري، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا أبو معاوية الضرير، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عرج بيّ إلى السماء، ما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها مكتوباً: محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق من خلفي) قال الخطيب: هذا حديث غريب من رواية الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد ; ومن رواية أبي معاوية عن الاعمش، تفرّد بروايته محمّد بن عبد الله المهري إن كان محفوظاً عنه، عن الحسن بن عرفة، وكان المهري ثقة ونراه غلطاً ; وصوابه: ما أخبرناه الحسن بن عليّ الجوري، أنا عمر بن أحمد الواعظ، ثنا إبراهيم بن حماد ابن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد، ثناالحسن بن عرفة، ثنا أبو معاوية الضرير، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما مررت بسماء، إلاّ رأيت فيها مكتوباً: محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق) قال الخطيب: وللحسن بن عرفة فيه إسناد آخر، ثمّ أورد الطريق التي أوردها المصنّف من حديث أبي هريرة، إنتهى.

وله [ فيها ](1) إسناد رابع، قال البزار في مسنده: ثنا قتيبة بن المرزبان، ثنا عبد الله بن إبراهيم ـ هو الغفاري ـ ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عرج بي إلى السماء، ما مررت

____________

(1) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 238
بسماء إلاّ وجدت إسمي فيها مكتوباً: محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق من خلفي).

وقد ورد ذلك أيضاً في حديث ابن عباس، قال ابن شاهين في السنّة: أنا إبراهيم بن حمّاد بن إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن يزيد، قال: ثنا الحسن بن عرفة، ثنا أبو معاوية الضرير، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما مررت بسماء إلاّ رأيت فيها مكتوب: محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر الصدّيق).

ومن حديث أبي الدرداء، أخرجه الدارقطني في الافراد، قال: ثنا أبو حامد الحضرمي، ثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال الدارقطني: وثنامحمّد بن أحمد بن أسيد الهروي، ثنا السري بن عاصم، قالا: ثنا محمّد بن فضيل، عن ابن جريح، عن عطاء، عن أبي الدرداء، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (رأيت ليلة أسري بيّ في العرش فريدة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق) قال الدارقطني: تفرّد به ابن فضيل عن ابن جريح، لا أعلم أحداً حدّث به غير هذين.

وأورده المؤلّف في الواهيات من طريق السري، وقال: لا يصحّ، قال ابن حبّان: لا يحلّ الاحتجاج بالسري بن عاصم.

وقال الديلمي في مسند الفردوس: أنا أحمد، عن أبي منصور المحتسب، عن الفضل بن الفضل، عن إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهينة الشهروري، عن أزهر بن زفر، عن عبد المنعم بن بشير، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (رأيت ليلة أسري بيّ حول العرش مكتوباً آية الكرسي، إلى العليّ العظيم: محمّد

الصفحة 239
رسول الله قبل أن يخلق الشمس والقمر بألفي عام، أبو بكر الصدّيق على أثره).

وقال الختلي في الديباج: ثنا نصر بن جريش، ثنا أبو سهل مسلم الخراساني، عن عبد الله بن إسماعيل، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مكتوب على ساق العرش: لاإله إلاّ الله وحده لا شريك له محمّد رسول الله، ووزيراه أبو بكر الصدّيق وعمر الفاروق).

وقال الخطيب: أنا القاضي أبو العلاء الواسطي، أنا أحمد بن جعفر بن محمّد بن الفرج المقري، ثنا أبو حامد أحمد بن رجاء بن عبيدة، ثنا عليّ بن محمّد البردعي، ثنا يحيى بن زكريا، ثنا أبو محمّد خداش بن مخلد، عن حسّان البصري، أنا عبيد بن عباس المكي، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رأيت ليلة أسري بي على العرش: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبوبكر الصدّيق عمر الفاروق).

وقال ابن عساكر: أنا أبو محمّد بن الاكفاني، ثنا عبد العزيز الكتاني، أنا أبو القاسم عبد الوهاب بن محمّد بن ميمون العمري، ثنا الحسن بن صالح بن جابر ابن عليّ، ثنا أبو طلحة عبد الجبار بن الحسن بن محمّد الطلخي وأبو محمّد الحسن بن محمّد الضبي المعروف بابن أبي كنانة، قالا: ثنا أبو العباس محمّد بن أحمد الاثرم، حدّثني الحسن [ بن داود بن مهران، حدّثني سليمان ](1) بن داود عمرو، عن الحارث بن زياد المحاربي، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مكتوب على ساق العرش: محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق).

____________

(1) لا يوجد في اللالئ ويوجد في المصدر.


الصفحة 240
وقال ابن عساكر: أنا أبو عبد الله الغروي، أناسعيد بن أحمد بن محمّد البحيري، أنا والدي، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ بن بالويه البلخي، ثنا محمّد ابن عبد بن عامر، ثنا عصام بن يوسف، ثنا حمّاد بن سلمة، أنّ عليّ بن زيد بن جدعان حدّثه، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال: قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم: (تدرون ما على العرش؟ مكتوب: لاإله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق عثمان الشهيد عليّ المرتضى)، والله أعلم»(1) إنتهى.

قلت: الذي أستخير الله في الحكم على السيوطي بالخرافة والاحتيال، والحكم على الحديث بالوضع والافتعال، لاالضعف والحسن والصحّة، كما يظنّه أرباب الاغفال، إنّ إدعاء السيوطي حسن هذاالحديث لكثرة شواهده، فهو من شواهد إختلال عقله وإختباط فهمه، فإنّ الحديث قد حكم النقّاد بوضعه، كابن الجوزي والخطيب والذّهبي مراراً، وأصرّوا على إبطاله وتكذيبه إصراراً، ونادوا على بطلانه إعلاناً وإجهاراً، فلا يصغى بعد ذلك إلى كلام مثل السيوطي، الذي ليس له إلاّ رتبة خدّام هؤلاء الاعلام، ومع ذلك فما أورده من الشواهد لا يصلح الاعتناء به كما لا يخفى على النّاقد، فإنّها على وضعها منها شواهد، ولنبيّن

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 271، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 63 (1038)، مختصر زوائد مسند البزار للعسقلاني: 2 / 282 (1869)، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 19 (14397)، تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 62 (1038)، وانظر أطراف الغرائب والافراد للمقدسي: 5 / 41 (4611)، وأورده الخطيب في تاريخ بغداد 11 / 204 (5908)، العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 192 (992)، مسند الفردوس للديلمي 2 / 379 / 3009، ميزان الاعتدال للذهبي وقد نقل عن الديباج للختلي 1 / 330 (729)، ولم نجده في تاريخ بغداد، تاريخ دمشق لابن عساكر: 37 / 344 (4390) مع اختلاف في السند، تاريخ دمشق لابن عساكر: 39 / 297.


الصفحة 241
بالاجمال حالها:

فالاسناد الاوّل الذي نقله من الخطيب: قد حكم الخطيب بنفسه بأنّه غلط، فإيراده في جملة الشواهد عين الشطط.

وأمّا الاسناد الثاني: فقد رأيت أنّ الذّهبي قال في حقّه: «إنّ الخطيب سكت عليه»، وقد صرّح الذّهبي ببطلانه أيضاً، وقال: «لا أدري من يغش فيه»(1)، فنقل السيوطي عن الخطيب مخالفاً للذّهبي الاريب، ممّا لايعتمد عليه لبيّب، مع أنّ نقل السيوطي كما يسقطه على الاعتماد العقل، كذلك لا يساعده الاعتبار، لانّه قد نقل عن الخطيب أنّه حكم على الاسناد الاوّل بالغلط وعلى الثاني بالصّواب، وذلك ممّا لا يقبله أولوا الالباب، لانّ الحكم بغلط الاوّل إن كان من جهة المتن فيكون الثاني أيضاً غلطاً، وإن كان ذلك الحكم من جهة الاسناد فلا وجه له، لانّ راويه الذي حكم الخطيب بتفرّده به ثقة باعترافه، وهو محمّد بن عبد الله المهري، وأمّابعد المهري فالرواة في كلا الاسنادين متّحدون، فلا وجه للحكم على أحّد الاسنادين بالغلط وعلى الاخر بالصّواب، وهل يلتاط ذلك إلاّ لصغير ومن عقله مصاب؟!.

وأمّا الاسناد الثالث الذي نقله الخطيب عن الحسن بن عرفة: فهو ممّا لا يصلح أن يكون شاهداً، فإنّه هو الذي حكم ابن الجوزي بوضعه، كما أقرّ بذلك السيوطي نفسه.

وأمّا الاسناد الرابع الذي نقله السيوطي: فهو عين الاسناد الثالث الذي حكم ابن الجوزي بوضع هذاالحديث المروي به، فإنّ فيه أيضاً عبد الله بن

____________

(1) ذكر في أوّل الفصل.


الصفحة 242
إبراهيم الغفاري، وهو يضع الحديث، وأيضاً فيه شيخه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف بالاتفاق، كما نقل السيوطي أيضاً، فظهر أنّ ذلك أيضاً لا يصلح أن يكون شاهداً.

فلا أدري! كيف ذهب على السيوطي الماهر مثل ذلك الامر الجليّ الظاهر، حتّى جعل أحّد الحديثين الذين راويهما واحد شاهد للاخر.

وأمّا حديث ابن عباس الذي نقله السيوطي عن ابن شاهين: حيث قال: «وقد ورد ذلك أيضاً من حديث ابن عباس... الخ»، فظاهر كلّ الظهور أنّ ذلك هو الذي نقله السيوطي عن الخطيب، حيث قال: «وصوابه ما أخبرناه الحسن بن عليّ الجوهري، أنا عمر بن أحمد الواعظ... الخ»(1)، فإنّ إسناد هذين ومتنهما متّحدان كما تراه، والمراد بعمر بن أحمد الواعظ هو ابن شاهين صاحب السنّة، كما صرّح بذلك الذّهبي في الميزان(2)، فما أوهم السيوطي من أنّ هذا مغاير لذلك، فهو تدليس وتلبيس، وإلاّ فخفاء مثل ذلك الامر الظاهر على مثل هذا النحرير الماهر عجيب وأيّ عجيب!!

وأعجب من هذا، إنّ كلامه هذا يوهم أنّه لم ينقل هذا الخبر سابقاً عن ابن عباس، مع إنّ في كون ما نقله عن الخطيب عن ابن عباس ممّا لا يستراب فيه، وإن اُستريب في كلّ شيء؟!.

وبالجملة: فهذا الخبر هو الخبر الذي نقله الخطيب لاغير، وقد حكم

____________

(1) انظر أول كلام السيوطي المذكور في اللالئ، وقد تقدم.

(2) لم نجده في ميزان الاعتدال، وإنّما ذكره الذّهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 129 (923)، وقد ذكره العسقلاني في لسان الميزان: 5 / 145 (6066)، والخطيب في تاريخه: 11 / 264 (6028).


الصفحة 243
الذّهبي ببطلانه حتماً، وخبر مافي ترجمة محمّد بن عبد الله بن يوسف كما علمت سابقاً فلايعرفه به.

ثمّ إعلم! إنّ رجال هذا الاسناد وإن كانوا موثّقين عند أئمّة السنّة،لكن بعضهم لايخلوا عن قدح وجرح وفساد عقيدة، فإنّ فيهم أبو معاوية الضرير، وهو راو للمناكير، بل هو مرجئ شرير، حتى لم يحضر الوكيع جنازته، كما قال في الميزان:

«أبو معاوية الضرير، أحّد الائمّة الاعلام الثقات، لم يتعرّض له أحّد، وقال ابن خراش: يقال هو في الاعمش ثقة وفي غيره فيه إضطرب، وكذلك قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: هو في غير الاعمش مضطرب لايحفظها حفظاً جيداً، عليّ بن مسهر أحبّ إليّ منه في الحديث... ; وقال العجلي: ثقة يرى الارجاء، ثمّ قال: يقال أنّ وكيعاً لم يحضر جنازته ; وقال أبو داود: كان مرجئاً»(1) إنتهى.

وأمّا حديث أبي الدرداء الذي نقله السيوطي عن الدارقطني: فحاله عيان لا يحتاج إلى البيان، فإنّه رواه عمر بن إسماعيل وهو كذّاب خبيث(2)، وتابعه السري بن عاصم وهو أيضاً مثله كذّاب سارق(3)، ثمّ مع ذلك ففيه محمّد بن

____________

(1) ميزان الاعتدال: 7 / 428 (10626).

(2) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 6 / 99، وفيه: قال سمعت يحيى بن معين يقول: رأيت عمر بن إسماعيل بن مجالد، ليس بشيء كذّاب رجل سوء خبيث....، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 256، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 130 (277)، المجروحين لابن الجوزي: 2 / 92، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 189 (490)، الضعفاء والمتروكين للدارقطني: 293 (371).

(3) قد مرّ سابقاً.


الصفحة 244
فضيل، وقد قال ابن سعيد: إنّ بعضهم لايحتجّ به، كما في الميزان(1).

ثمّ إنّه عند ابن الجوزي من الواهيات المقدوحة والروايات المجروحة كما سمعت سابقاً، وقد اعترف به السيوطي أيضاً كما ترى، وعند الذّهبي خبر باطل كاذب، حيث عدّه من البلايا والمصائب(2).

وأمّا ما نقله عن مسند الفردوس للديلمي: ففيه بلايا وظلمات بعضهافوق بعض، فإنّ فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف بالاتّفاق كما نقل السيوطي بنفسه سابقاً، وقال الذّهبي في الميزان:

«عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري، مولاهم المدني أخو عبد الله وأسامة ; قال أبو يعلي الموصلي: سمعت يحيى بن معين يقول: بنو زيد بن أسلم ليسوا بشيء ; وروى عثمان الدارمي عن يحيى: ضعيف ; وقال البخاري: عبد الرحمن ضعّفه عليّ جدّاً ; وقال النسائي: ضعيف ; وقال أحمد: عبد الله ثقة والاخران ضعيفان»(3).

وأيضاً فيه عبد المنعم، وقد جرحه ابن معين واتّهمه، وصرّح بأنّه روى نحو مائتي حديث كذب عن أبي مودود، وقال ابن حبّان: إنّه منكر الحديث جدّاً لايجوز الاحتجاج به، قال في الميزان:

«عبد المنعم بن بشير أبو الخير الانصاري المصري، عن عبد الله بن عمر،

____________

(1) انظر الطبقات الكبرى لابن سعد: 6 / 361 (2703)، ميزان الاعتدال: 6 / 300 (8068).

(2) انظر ميزان الاعتدال: 5 / 220 (6061).

(3) ميزان الاعتدال: 4 / 282 (4873)، وانظر تاريخ يحيى بن معين: 2 / 22، تاريخ الكبير للبخاري: 5 / 284، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 158 (377)، الجامع في العلل لابن حنبل: 1 / 54 (454)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 3 / 344 (4005).


الصفحة 245
وعنه يعقوب الفسوي، جرحه ابن معين واتّهمه، وقال ابن حبّان: منكر الحديث جدّاً لا يجوز الاحتجاج به ; إلى أن قال: قال الختلي: سمعت ابن معين يقول: أتيت عبد المنعم فأخرج إليّ أحاديث أبي مودود، نحواً من مائتي حديث كذب، فقلت: ياشيخ أنت سمعت هذه من أبي مودود؟ قال: نعم، قلت: اتّق الله فإنّ هذه كذب، وقمت ولم أكتب عنه شيئاً»(1).

وأيضاً فيه زيد بن أسلم أبو عبد الرحمن، وهو أيضاً مقدوح، فإنّ ابن عدي الذي هو إمام منقديهم وشيخ محقّقيهم قد أورده في المقدوحين، ثمّ إنّ أهل المدينة أيضاً كانوا يجرحونه ويتكلّمون فيه، وصرّح عبيد الله بن عمر أنّه يفسّر القرآن برأيه، وقد ورد (إنّ من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار)(2)، قال الذّهبي في الميزان:

«زيد بن أسلم مولى عمر، تناكد ابن عدي بذكره في الكامل بأنّه ثقة حجّة، فروى عن حمّاد بن زيد، قال: قدمت المدينة وهم يتكلّمون في زيد بن أسلم، فقال لي عبيد الله بن عمر: ما نعلم به بأساً إلاّ أنّه يفسّر القرآن برأيه»(3).

وأمّا ما نقله عن صاحب الديباج: فهو أيضاً ممّا لا يقبله إلاّ أهل الاعوجاج واللّجاج، فإنّ صاحب الديباج نفسه ضعيف مقدوح، كما في الميزان:

«إسحاق بن إبراهيم بن شنين الختلي، مؤلّف الديباج ; قال الحاكم: ليس بالقوي، وقال مرّة: ضعيف ; وقال الدارقطني: ليس بالقوي ; وأرّخ ابن المنادي

____________

(1) ميزان الاعتدال: 4 / 419 (5276)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 158.

(2) أورد الترمذي في صحيحه عن ابن عباس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار): 5 / 66 (2951). وقد ذكره أحمد وأبو داود والنسائي وأبو يعلي والطبري وغيرهم.

(3) ميزان الاعتدال: 3 / 145 (2992)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 4/165 (704).


الصفحة 246
وفاته في سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقيل: بلغ الثمانين، سمع من عليّ بن الجعد وأبي نصر التمار وهشام بن عمار وطبقتهم، وعنه ابن السمّاك وأبو سهل القطان وأبو بكر الشافعي»(1) إنتهى.

ومع ذلك فإنّ فيه نصر بن حريش، الذي روى عنه صاحب الديباج وهو أيضاً ضعيف، قال في الميزان:

«نصر بن حريش أبو القاسم الصامت، عن المشمعل بن ملحان وغيره، وعنه إسحاق بن شنين ومحمّد بن بشير بن مطر ; قال الدارقطني ضعيف، ذكره الخطيب في تاريخه»(2).

ثمّ إنّ عبد الله بن إسماعيل أيضاً ضعيف، كما في الميزان:

«عبد الله بن إسماعيل بن عثمان بصري روى عن بن شعبة، ليّنه أبو حاتم، ولعله الجوداني الذي روى عن جرير بن حازم، روى عنه محمّد بن سنجر الحافظ ; قال العقيلي: منكر الحديث»(3).

وأمّا ما نقله عن الخطيب، عن القاضي أبي العلاء... الخ: ففيه أبو حامد بن أحمد بن رجاء بن عبيدة، وهو مجهول غير ثقة، كما في الميزان:

«أحمد بن رجاء بن عبيدة، جاء من طريقه باسناد عن ابن مسعود مرفوعاً (مَلكٌ موكّل بالكعبة، وآخر بمسجدي، وآخر بالمسجد الاقصى)، قال

____________

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 330 (729)، وانظر سؤالات الحاكم للدارقطني 104 (58).

(2) ميزان الاعتدال: 7 / 20 (9035)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 13 / 286 (7250) ونقل تضعيفه عن الدارقطني.

(3) ميزان الاعتدال: 4 / 61 (4217)، وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 5 / 3، الضعفاء الكبير للعقيلي: 3 / 234 / 784.


الصفحة 247
الخطيب: رواته ثقات سوى هذا، وشيخه محمّد بن محمّد بن إسحاق البصري فإنّهما مجهولان»(1).

وأمّا حديث أنس الذي نقله عن ابن عساكر: فهو أيضاً كذب ظاهر، وفيه الحارث بن زياد، هو مقدوح بنصّ الائمّة النقّاد، قال في الميزان:

«الحارث بن زياد، عن أنس بن مالك ضعيف مجهول»(2).

وأمّا ما رواه ابن عساكر بن البراء بن عازب: فهو أيضاً من إفتراآت النواصب، وفيه عصام بن يوسف وقد قدحوا فيه، قال في الميزان:

«عصام بن يوسف البلخي أخو إبراهيم بن يوسف، وروى عن سفيان وشعبة، حدّث عنه عبد الصّمد بن سليمان وغيره ; قال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها، قلت: مات ببلخ سنة خمس عشرة ومائتين»(3).

وداهية وما أدراك ماهية، إنّ فيه محمّد بن عامر، وهو بنصّ الائمّة الاكابر كذّاب فاجر، ووضّاع خاسر، وقد سمعت آنفاً أنّ الذّهبي صرّح بأنّه معروف بوضع الحديث، وقال الخطيب: إنّه روى عن يحيى بن يحيى وعصام بن يوسف وجماعة أحاديث باطلة، وقال الدارقطني: إنّه كان يكذب ويضع، وصرّح جعفر ابن محمّد بكارة: إنّه روى أحاديث مناكير، فصار هو وجماعة من الشيوخ اليه للانكار، ولكن أمسكوا عن ذلك خوفاً من العامّة الاشرار(4) ; وقد نقل السيوطي

____________

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 234 (375)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 4 / 279 (2145).

(2) ميزان الاعتدال: 1 / 180 (712)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 2 / 271 (2206).

(3) ميزان الاعتدال: 5 / 86 (5634)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 7 / 87 (566).

(4) انظر ميزان الاعتدال: 6 / 245 (7906)، وتاريخ بغداد للخطيب: 3 / 190 (1221)، والضعفاء والمتروكين للدارقطني: 351 (485)، والارشاد للخليلي: 389.


الصفحة 248
نفسه عن الخطيب في كتابه هذا في حديث التجلي، إنّ محمّد بن عامر وضعه ولم ينكر ذلك كما سبق(1).

ثمّ أنظر! إلى تلبيس مفتري هذا الخبر الكاذب على البراء بن عازب، كيف أضاف الى كتابه أسماء الثلاثة حول العرش، كتابة اسم عليّ (عليه السلام) مؤخراً عن أسمائهم، حتى يروّج على الجهلة العمياء والحمقة السفهاء،ولكن لم يدرك أنّ أهل الايمان والبصائر، لا ينشبون في شرك هذه الاكاذيب الظواهر، بل يضحكون على سبلة واضعيها الفسّاق، ويحكمون بأنّهم كذبة فجّار مالهم من خلاق.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكر، إنّ ماذكره السيوطي عمّدة العمائد، لهذا الخبر المكذوب من الشواهد، لاتصلح للاصغاء ولا تليق للاعتناء، فإنّ طرقها مقدوحة مجروحة، مضعّفة مطعونة، وبعضهاوإن كانت عندهم سليمة من الطعن بريئة من العيب، لكن هو بنصّ الذّهبي باطل مع ثقة رجاله وإعتماد رواته، وإن كا ن في الحقيقة ذلك أيضاً مقدوحاً مجروحاً لمكان أبي معاوية الضرير فيه.

مع انّا لو سلّمنا أنّ جميع الطرق التي ذكرهاالسيوطي صحيحة عندهم، بمعنى كون رواتها ثقات عدولا، وأئمّة فحولا، فذلك لا يضرّنا زبالا(2)، بل هو أنفع لنا وأضرّ عليهم، لانّا قد أثبتنا كون ذلك الخبر موضوعاً بنصّ أئمّتهم وتصريحاتهم، فإن كان رجاله ثقات فيثبت بذلك أنّ ثقاتهم ومعتمديهم كانوا واضعين للخرافات، مفترين للاكذوبات، وهذا أدعى للفضيحة والعيب والشنار، كما لا يخفى على أولي الابصار!.

____________

(1) انظر اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 362.

(2) الزبال: ما تحمله النملة / لسان.