الصفحة 249
وقد أنصف في هذا المقام عالمهم القمقام القاضي محمّد بن الشوكاني، حيث ردّ على السيوطي المفتون، في حكمه على الحديث بأنّه حسن غير مطعون، بأنّ ماذكره من الشواهد ليست صالحة للركون، فإنّها كلّها لاتخلوا من مقال، لا ينتهض معه للاستدلال، وما كان هكذا، لا يكون من الحسن لغيره وإن كثرت طرقه، فقال في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: (عرج بيّ إلى السماء، فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها إسمي مكتوباً: محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق من خلفي) رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعاً، وفي إسناده عبد الله بن إبراهيم الغفاري وضّاع ; قال في اللالئ: الذي أستخير الله فيه: الحكم على هذا الحديث بالحسن، لا بالضعف ولا بالوضع لكثرة شواهده، ثمّ ذكره عن ابن عباس مرفوعاً، رواه الخطيب في التاريخ، وعن ابن عمر مرفوعاً عن البزار في مسنده، ولكن من طريق الغفاري المذكور، ثمّ ذكر له شواهد غير ذلك، كلّها لا تخلوا عن مقال لاينتهض معه للاستدلال، وما كان هكذا، فلا يكون من الحسن لغيره وإن كثرت طرقه»(1) إنتهى.

وتعقّب السيوطي على ابن الجوزي الحكم بوضع هذا الحديث في النكت البديعات أيضاً، وزاد أنّ الغفاري الذي قد صرّح فيه ابن الجوزي، قد روى له أبو داود والترمذي، ولكنّ مع ذلك اعترف بأن طرق هذه الشواهد ضعيفة، ففي النكت:

«حديث: ابن هريرة (عرج بيّ إلى السماء، فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيه إسمي، محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق من خلفي) فيه

____________

(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 333.


الصفحة 250
عبد الله بن إبراهيم الغفاري، يضع ; عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ضعيف ; قلت: الغفاري أخرج له أبو داود والترمذي، والحديث له شواهد من حديث ابن عمر أخرجه البزار، وابن عباس أخرجه ابن شاهين في السنّة، وعلى وجه آخر ابن عساكر، وأبي الدرداء أخرجه الدارقطني في الافراد، وأنس والبراء بن عازب أخرجهما ابن عساكر وأبي سعيد أخرجه الخطيب، ومن مرسل الحسن أخرجه الختلي في الديباج، وأسانيدها ضعيفة يشدّ بعضها بعضاً»(1) إنتهى.

أقول: كون أبي داود والترمذي رويا عن الغفاري ماذا يجدي؟!، فإنّه ضعيف مقدوح بنصوص الائمّة المتقدّمين، فهذا أولى أن يكون طعناً وثلباً على الترمذي وأبي داود، من أن يكون دليلاً على إعتماد الغفاري، فإنّهما رويا عن المجروح والمطعون المثلوب في صحيحهما(2).

مع أنّ الرواية عن المتّهم المطعون غير جائز عند أئمّتهم وثقاتهم، كما أفصح عن ذلك مسلم في خطبة صحيحة، وشنع كثيراً على محدّثي أهل نحلته لروايتهم عن الضعفاء والمقدوحين، ونال منهم كلّ منال(3).

وبالجملة: قد تسمع فيها بعد أنّ عبد الله ضعيف مجروح، ورواة الحديث يدسّونه لوهنه، وقال الدارقطني: إنّ حديثه عليه، وذكر له ابن عدي حديثين باطلين، وقال الحاكم: إنّه يروي عن جماعة من الضعفاء أحاديث موضوعة،

____________

(1) النكت البديعات للسيوطي: 275 (295)، وانظر سنن أبي داود: 4 / 262 (4846)، الجامع الكبير للترمذي: 4 / 269 (2494).

(2) الغريب أنّ أبا داود نفسه قال في سننه: إنّ عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث، السنن: 4/262 (4846).

(3) انظر صحيح مسلم: 1 / 19 المقدّمة.


الصفحة 251
وحكم ابن حجر العسقلاني عليه بأنّه متروك(1).

ثم إنّ محمّد بن طاهر قلّد السيوطي وذكر ماذكره في النكت، لكنّه أمسك عن ذكر ضعف أسانيده، حتّى يلتبس الامر على الناظر الغير الناقد، قال الكجراني في تذكرة الموضوعات:

«أبو هريرة (عرج بيّ إلى السماء، فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها إسمي، محمّد رسول الله وأبو بكر الصدّيق من خلفي) فيه عبد الله بن إبراهيم يضع عن عبد الرحمن بن زيد ضعيف، قلت:عبد الله أخرج له أبو داود والترمذي، والحديث له شواهد عن ابن عمرو ابن عبّاس وعليّ وأبي الدرداء وأنس والبراء وأبي سعيد»(2).

ولايخفى عليك! أنّ السيوطي تعقّب حكم ابن الجوزي بوضع حديث أبي الدرداء، المتضمّن لكتابة اسم أبي بكر وعمر كليهما في جريدة خضراء أيضاً، ولم يأتي بطائل على عادته وديدنه، فقال في اللالئ المصنوعة:

«الخطيب، أنا أحمد بن عمر بن عليّ القاضي، أنا أحمد بن عليّ بن محمّد ابن الجهم الكاتب، ثنا محمّد بن جرير الطبري، ثنا عمر بن إسماعيل بن مخالد، ثنا ابن فضل، عن ابن جريح، عن عطاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً: (رأيت ليلة أسري في العرش فريدة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق) لا يصحّ، آفته عمر كذّاب ;

____________

(1) انظر ميزان الاعتدال: 4 / 56 (4195)، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 5/313 (1003)، وتقريب التهذيب للعسقلاني: 1 / 381 (2542)، وقد ذكر قول الدارقطني والحاكم فيه.

(2) تذكرة الموضوعات للفتني: 93.


الصفحة 252
قلت: لم ينفرد به بل تابعه السري بن عاصم بن فضيل، وقد قدّمت تخريجه قريباً من أفراد الدارقطني، والله أعلم»(1) إنتهى.

ومن المتبيّن الواضح أنّ متابعة السري بن عاصم لعمر بن إسماعيل لا يخرج هذاالكذب عن الموضوعية، فإنّ ابن عاصم أيضاً مثل ابن إسماعيل كذّاب سارق كما دريت سابقاً، وقد نقل السيوطي بنفسه قدح السري عن ابن الجوزي وعدم صحّة حديثه(2)، فما باله نسي ذلك عاجلاً، فتمسّك لاثبات كذب مقدوح مطعون بكذب آخر مثله، وهل ذلك إلاّ قلّة تأمّل ومنازعة إلى الهوى؟!.

وقد أنصف ابن الشوكاني هناك أيضاً، فحكم على هذه الخرافة بالوضع قطعاً وبتّاً، ولم يصغ إلى لجاج السيوطي، فقال في الفوائد المجموعة:

«حديث: (رأيت ليلة أسري بيّ في العرش جريدة خضراء، فيها مكتوب بنور أبيض: لاإله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق عمر الفاروق) رواه الخطيب عن أبي الدرداء مرفوعاً، وهو موضوع»(3).

ثمّ إنّ السيوطي لم يعقّب حكم ابن الجوزي بوضع الحديث في النكت البديعات،حيث لم يورده فيها فكأنّه رأى بعد ذلك فساد تعصّبه وسقوطه، فتنكّب عن ذكره(4).

وأمّا الحديث المشتمل على كتابة أسماء كلّ من الثلاثة، على كلّ ورق من

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 283، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 204 (5908).

(2) انظر اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 273.

(3) الفوائد المجموعة للشوكاني: 339.

(4) انظر النكت البديعات للسيوطي: 276 (290).


الصفحة 253
أشجار الجنّة الذي حكم ابن الجوزي بوضعه(1)، فقد تكلّم السيوطي عليه أيضاً وذكر له طرقاً، ولكن كأنّه إستحى هناك فقدح في كلّها وجرح فيها بأسرها، فقال في اللالئ المصنوعة:

«الطبراني، ثنا سعيد بن عبد ربّه الصفّار البغدادي، ثنا عليّ بن جميل الرّقي، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً: (مافي الجنّة شجرة إلاّ مكتوب على كلّ ورقة منها: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين) قال ابن حبّان: موضوع، وعليّ بن جميل وضّاع، وقد تفرّد به وسرقه منه معروف بن أبي معروف البلخي وعبد العزيز بن عمر الخراساني برجل مجهول.

قلت: أخرجه أبو نعيم في الحلية: ثنا القاضي أبو أحمد بن محمّد، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الملك، ثنا عليّ بن جميل به ; وقال الختلي في الديباج: حدّثني القاسم بن أبي عليّ الكوفي، ثنا عبد العزيز بن عمر الخراساني، عن جرير الرازي، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً: (ليس في الجنّة إلاّ على كلّ ورقة منها مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين)، قال الذّهبي في الميزان: عبد العزيز فيه جهالة، والخبر باطل فهو الافة فيه.

وقال ابن عدي: ثناأحمد بن عامر البرقعيدي، حدثني معروف البلخي بدمشق، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً: (دخلت الجنّة فما فيها ورقة إلاّ عليها مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو

____________

(1) انظر الموضوعات: 1 / 244، وقد مرّ ذكره.


الصفحة 254
بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين) قال الذّهبي: هذا موضوع، لكنّه مشهور بعلي بن جميل عن جرير، وكان يحلف فيقول: حدّثنا والله جرير ; وقال ابن عدي: معروف هذا غير معروف ولعلّه سرقه من عليّ بن جميل على أنّ أحمد بن عامر، قال: كان شيخاً صالحاً، إنتهى.

وقدوجدت لهؤلاء متابعين: قال أبو القاسم بن بشران في أماليه: أنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الطيبي، ثنا أحمد بن محمّد بن مهدي، ثنا محمّد بن عبد بن عامر السمرقندي، نا عصام بن يوسف، ثنا جرير به ; عصام بن يوسف، قال ابن عدي: روى أحاديث لا يتابع عليها، ذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان صاحب حديث ثبتاً في الرواية ربّما أخطأ ; قال ابن سعد: كان عندهم ضعيفاً في الحديث، وقال الخليلي: هو صدوق، ومحمّد بن عبد بن عامر السمرقندي معروف بوضع الحديث.

وقال الخطيب: أنا أبو القاسم عبد العزيز بن حمد بن خضر الستوري، ثنا محمّد بن الشافعي، ثنا الهيثم بن خلف،ثنا حسين بن عبد الرحمن أبو عليّ، ثنا جرير به ; قال في الميزان: هذا باطل، والمتّهم به حسين الاحتياطي، والله أعلم»(1).

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 292، وانظر المعجم الكبير للطبراني: 11/63 (11093). وفيه «في الجنّة شجرة أو مافي الجنّة شجرة» شكّ عليّ بن جميل (ما عليها ورقة...) الحديث، المجروحين لابن حبّان: 2 / 16، حلية الاولياء لابي نعيم: 3 / 304، ميزان الاعتدال: 4 / 370 (5125)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 8 / 30 (1806)، ميزان الاعتدال: 6 / 470 (8666)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 7 / 87 (1534)، الثقات لابن حبّان: 8 / 521، الطبقات الكبرى لابن سعد: 7/265، الارشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي: 84، تاريخ بغداد للخطيب: 7 / 347، ميزان الاعتدال: 2 / 294 (2021). ولم نجده في الامالي لابن بشران.


الصفحة 255
فظهر من هناك! إنّ هذا الخبر موضوع عند السيوطي أيضاً، حيث لم يتعقّب حكم وضعه بشيء يعتدّ به، بل ذكر له طرقاً ثمّ قدح فيها بنفسه.

وقد حكم ابن الشوكاني أيضاً على هذا الحديث بالوضع، حيث قال في الفوائد المجموعة:

«حديث: (مافي الجنّة شجرة إلاّ مكتوب على كلّ ورقة منها: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين) رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً، قال ابن حبّان موضوع، وكذا قال الذّهبي»(1) إنتهى.

ثمّ لا يخفى عليك! أنّ السيوطي لمّا نقل حديث كتابة أسماء الثلاثة على أوراق الجنّة عن ابن بشران، نقل فساد إسناده بوقوع عصام بن يوسف ومحمّد بن عامر فيه، وقد نقل سابقاً حديث كتابة أسماء الثلاثة على العرش بهذا الاسناد، وسكت عليه ولم يطعن فيه بشيء، بل أورده من جملة شواهد تحسين الحديث وتوثيقه(2)، وهذا دليل على قبوله عنده، وذلك تناقض وأيّ تناقض!.

ثم إنّ في الحكم على حديث كتابة اسم أبي بكر بالحسن والثبوت، وعلى حديث كتابة أسماء الشيخين أو الثلاثة بالوضع، أيضاً فيه تهافت وتناقض صريح، فإنّ هذه الاحاديث متقاربة متشاكلة، فإن كان بعضها موضوعاً فتكون كلّها باطلة موضوعة، لانّ الحكم بوضع حديث إنّما هو لاجل بشاعته وشناعته، ومخالفته لدليل العقل أو النقل، وهذا يؤدّي إلى كونه باطلاً بجميع طرقه، فإنّه

____________

(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 242.

(2) ذكره عن ابن عساكر وهو الشاهد الاخير الذي ذكره السيوطي.


الصفحة 256
ليس بينهما فرق بحيث يوجب بطلان البعض وصحّة البعض، ومن هناك ترى القاضي محمّد بن الشوكاني جنح في كلّ هذه الخرافات الى الحكم بالوضع والبطلان، ولم يقبل تعقّب السيوطي في شيء منها.

ومن البدائع! ما يظهر من صنيع السيوطي، حيث حسن حديث كتابة أبي بكر وذكر له شواهد عديدة فيها ذكر كتابة اسم الشيخين بل الثلاثة أيضاً، ولم يتعقّب الحكم بوضع حديث كتابة اسم الشيخين في النكت البديعات(1)، ولم يبطل وضع كتابة أسماء الثلاثة على أوراق أشجار الجنّة لا في اللالئ ولا في النكت(2).

ثمّ إنّ محمّد بن العراق وتلميذه أيضاً قلدا السيوطي، فحكما على حديث كتابة اسم الثلاثة بالوضع، وعلى حديث أبي بكر بعدمه، حيث ذكرا له تعقباً وسكتا عليه، ففي مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الثاني في باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث (عرج بيّ إلى السماء، فما مررت بسماء إلاّ وجدت فيها إسمي مكتوباً محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق من خلفي) (عد) فيه ابن إبراهيم الغفاري، تعقب بأنّه روى له أبو داود والترمذي، والحديث له شواهد كثيرة، أخرجه ابن شاهين في السنّة، والخطيب، قال الذّهبي: رجال الخطيب ثقات ولا أدري من يغش فيه، وأخرجه البزار والدارقطني وابن عساكر

____________

(1) انظر النكت البديعات للسيوطي: 276 (295).

(2) انظر اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 292.


الصفحة 257
والختلي، فيلحق بدرجة الحسن»(1).

وأيضاً في مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الاوّل من باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث: (ليلة أسري بيّ رأيت على العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل ظلماً) الختلي في الديباج، وفيه عبد الرحمن وهو المتّهم به»(2).

وأيضاً في مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الاوّل من باب مناقب الخلفاء الاربعة في كتاب المناقب والمثالب:

«حديث: (مافي الجنّة شجرة إلاّ مكتوب على كلّ ورقة منها: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين) طب، وفيه عليّ ومعروف وهو غير معروف»(3).

وحقيقة الامر أنّ أصل الحديث كان في فضل الامام الهمام، والنور الصادع، والنجم الساطع، أفضل الاوصياء، إمام الائمّة الاولياء، شمس الهداية، سلطان الولاية، الحائز لافضل المناصب والمراتب، مولانا عليّ بن أبي طالب صلوت الله وسلامه عليه، ما طلع طالع وأفل غارب، فصعب على النواصب الكذّابين المغفّلين الاشرار اختصاصه (عليه السلام) بهذه الفضيلة، العالية المنار، المشرقة الانوار، المتّفتّقة الازهار، الجليلة الاثار، الغريبة الاطوار، الثابتة في صوادق

____________

(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 372.

(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 351.

(3) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 350.


الصفحة 258
الاخبار، الراسخة في قلوب المؤمنين الاخيار، المقبولة عند المخلصين الابرار، المنقولة عن النبيّ المختار والائمّة الاطهار بروايات ثقات الاخيار، إختلقوها في أبي بكر، وتركوا الحياء والخجل.

وقد ثبتت هذه الفضيلة في روايات السنّيّة وأخبارهم، وإعترف به جمع من علمائهم وعظمائهم، ففي الرياض النضرة، في فضائل عليّ (عليه السلام):

«ذكر إختصاصه بتأييد الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) به وكتبه ذلك على ساق العرش وعلى بعض الحيوان: عن أبي الحمراء قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليلة أسري بيّ إلى السماء، نظرت إلى ساق العرش [ الايمن ](1) فرأيت كتاباً من يمينه(2)محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ، ونصرته به) أخرجه الملاّ في سيرته»(3).

«وعن ابن عباس قال: (كنّا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا بطائر في فيه لوزة خضراء، فألقاها في حجر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذها فقبلها، ثمّ كسرها، فإذا في جوفها ورقة(4) خضراء مكتوب عليها(5) بالاصفر: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، نصرته بعليّ) خرّجه أبو الخير القزويني الحاكمي»(6) إنتهى.

وفي الشفاء للقاضي عيّاض: «روى ابن قانع القاضي، عن أبي الحمراء، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا اسري بيّ الى السماء، إذا على العرش

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) في المصدر [ فهمته ].

(3) الرياض النضرة للطبري: 2 / 113 (1358)، وانظر وسيلة المتعبدين للملا: 5 / 2 / 163.

(4) في المصدر [ دوده ].

(5) في المصدر [ فيها ].

(6) الرياض النضرة للطبري: 2 / 113 (1359).


الصفحة 259
مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ)»(1).

وفي تفسير الدرّ المنثور: «أخرجه ابن عدي وابن عساكر عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عرج بيّ، رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ)»(2).

وفي مودّة القربى: «عن عليّ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّي رأيت إسمك مقروناً باسمي في أربعة مواطن فالتفت بالنظر اليه، لمّا بلغت بيت المقدس في معراجي الى السماء، وجدت على صخرة بها لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أيّدته بوزيره [ ونصرته بوزيره ](3)، فقلت لجبرئيل(4): ومن وزيري؟ قال: عليّ بن أبي طالب، فلمّا جاوزت من سدرة المنتهى وأنتهيت إلى عرش ربّ العالمين، فوجدت مكتوباً على قوائمه أنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا محمّد حبيبي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته بوزيره، فلمّا هبطت إلى الجنّة وجدت مكتوباً على باب الجنّة، لا إله إلاّ أنا محمّد حبيبي من خلقي أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره)»(5) إنتهى.

وإذا استحضرت ذلك، فإعلم!:

إنّه يدلّ على بطلان الخبر الموضوع في أبي بكر نفس متنه، لانّ كتابة اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اسم الله تعالى على العرش دليل على أفضليته وأكرميّته من

____________

(1) الشفاء للقاضي عياضي: 1 / 340.

(2) تفسير الدرّ المنثور للسيوطي: 5 / 219، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 47 / 344.

(3) لا يوجد في المصدر.

(4) في المصدر [ يا جبرئيل ].

(5) المودّة في القربى: المودة الثامنة، وانظر ينابيع المودّة لذوي القربى للقندوزي: 2 / 308.


الصفحة 260
كلّ الخلق، أنبياءً كانوا أو غيرهم، ومن هناك إستدل آدم (عليه السلام) بمقارنة اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع اسم الله تعالى لمّا رآه على العرش، على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أحبّ جميع مخلوقاته إليه وأفضلهم عنده، فكذلك كتابة اسم أحّد بعد اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)على العرش دليل على أفضليّته من كلّ الخلق بعد رسول الله، ولا ريب في مفضوليّة أبي بكر من الانبياء، فدلّ ذلك على بطلان الخبر في حقّه من غير ريبة.

وأيضاً، فإنّ الكابلي في الصواقع استدلّ باختلاف حديث الطير في الطير المشوي على بطلانه وإسقاطه من طلوح الاحتجاج والاستدلال، حيث قال في وجوه ردّ الاستدلال بحديث الطير:

«ولانّه اختلف بالرّوايات في الطير المشوي، ففي رواية هو النعام، وفي رواية أنّه الحباري، وفي أخرى أنّه الحجل»(1) إنتهى.

وقد علمت أنّ هذا الخبر الموضوع في كتابة إسم أبي بكر على العرش شديد الاختلاف جدّاً!، ففي بعضها كتابة إسم أبي بكر بعد إسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في كلّ سماء(2)، وفي بعضها كتابة إسمه بعد اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على العرش في فريدة خضراء(3)، وفي بعضها كتابة إسمه بعد إسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وردة حول العرش(4)، وفي بعضها كتابة إسمه بعد إسمه الشريف على علم من نور(5)، وفي

____________

(1) الصواقع للكابلي مخطوط.

(2) انظر الرياض النضرة للطبري: 1 / 407 (328).

(3) انظر الرياض النضرة للطبري: 2 / 78 (504).

(4) انظر ميزان الاعتدال للذهبي: 3 / 174 (3092).

(5) انظر الرياض النضرة للطبري: 2 / 78 (505).


الصفحة 261
بعضها كتابة إسم أبي بكر مع إسم عمر في فريدة خضراء في العرش(1)، وفي بعضها كتابة أسماء الثلاثة على ساق العرش(2)، وفي بعضها كتابة أسماء الثلاثة على كلّ ورقة من جميع أشجار الجنّة(3)، إلى غير ذلك من الاختلافات الظاهرة لمن تأمّل فيها من اُولي الدريّات.

فإذا كان حديث الطير باختلاف قليل موضوعاً عند النواصب، فكيف لا يكون هذا الخبر بهذا الاختلاف الكثير موضوعاً مصنوعاً!!.

____________

(1) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 203 (5908).

(2) انظر الرياض النضرة للطبري: 1 / 272 (112).

(3) انظر المعجم الكبير للطبراني: 11 / 63 (11093).