الصفحة 262

الصفحة 263

الفصل الرابع عشر
[ في النهي عن إمامة القوم وأبو بكر فيهم ]

ومن أوضح بسهم(1)، وفأضح التهم، وقبيح بهتانهم، وشنيع عدوانهم، انّهم إفتروا على الرسول المعصوم الصادق، الهادي للخلائق إلى أفضل الخلائق، وأصوب الطرائق، أنّه قال ـ عياذاً بالله ـ: (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره).

وهذا حديث شهير فيما بينهم، يحتجّون به على تقديم أبي بكر وتفضيله وإمامته، وجلالة شأنه، وسموّ فضله، وجلالة خطره، وفخامة قدره، ونباهة أمره، ويوردونه في مصنّفاتهم إبتهاجاً وإفتخاراً، ويستطيرون بتصديقه حبوراً وجذلاً، فيزيدونه إنتشاراً.

ومن البدائع! إنّ الترمذي أيضاً ركن إلى تصديق هذا الباطل البيّن الاختلاق، فأولجه في صحيحه المشهور في الافاق، المقبول عندهم على الاطلاق، وعدّة من الاحاديث التي يزعمونها معتمدة صحيحة السياق، فأنفقه في الاسواق، وأعجب من ذلك! إنّ علماء الحجاز وخراسان والعراق أيضاً رضوا

____________

(1) البس: الحطام، وبس الشيء إذا فتته / لسان.


الصفحة 264
به وارتضوه، وتلقّوه بالوفاق ; حيث عرض عليهم كتابه ليختبروا مافيه من كساد ونفاق، فلم ينكروا عليه بل وافوه بالرضا وترك الشقاق، قال الترمذي في صحيحه في أبواب المناقب:

«باب ثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، نا أحمد بن بشير، عن عيسى بن ميمون الانصاري، عن القاسم بن محمّد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره). هذا حديث غريب»(1) إنتهى.

أقول: لا أدري! كيف وهل الترمذي وذهل، حتى طفق يصحّح مثل هذه الاخلوقات الطرقيّة، والاكذوبات السخريّة، والتي آثار الوضع عليها ظاهرة، وعلامات الافتراء منها زاهرة، ولكن العصبيّة قادته حيث شاءت شاء أو أبى، فأخذ في تصديق الموضوعات، وجنح إلى إرتضائها وصبى، ولو لم يكن في عينه قذى ولا في بصره عمى لتجنّب الغوى، وإختار الهدى، ورأى مافي هذا الصنيع من عقاب الاخرة وفضيحة الدنيا، وعلم أنّه خبر لا ينبغي لقوم فيهم عقل وقلب عقول، أن يتخالجهم الريب في كذبه، فضلاً عن أن يتلقّوه بالقبول، وليته لمّا لم يدرك لانهماكه في عناده مافي متن الخبر، لتأمّل في إسناده فتجنّب عن إيراده.

فإنّ رواية عيسى بن ميمون، وهو مقدوحٌ مجروحٌ مطعونٌ غير ميمون، قد قال البخاري شيخه وأستاذه في حقّه: إنّه منكر الحديث، ومن قال البخاري في حقّه منكر الحديث فلا يحلّ الرواية عنه، كما في الميزان:

____________

(1) الجامع الصحيح للترمذي: 6 / 51 (3673).


الصفحة 265
«سليمان بن داود اليمامي صاحب يحيى بن أبي كثير، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقد مرّ أنّ البخاري قال: من قلت فيه منكر الحديث فلا يحلّ رواية حديثه»(1) إنتهى.

فالعجب! من الترمذي، كيف لم يصغ لقول البخاري هناك مع كونه تلميذه وخرّيجه، يصدر عن رأيه، ويعتمد على إفاداته، كما لا يخفى على ناظر العلل(2).

فقد ثبت من هناك أنّ الترمذي ارتكب الحرام برواية حديث عيسى بن ميمون.

ولم يتفرّد البخاري بقدح ابن ميمون، بل قدح فيه أكثر شيوخهم وأئمّتهم، فمنهم ابن معين، قال: إنّه ليس بشيء(3) [ وقال محمّد بن كعب: إنّه ضعيف ليس بشيء، وقال الفلاس: متروك ](4) ; وقال النسائي: إنّه ليس بثقة(5) ; وقال ابن حبّان: إنّه يروي أحاديث كلها موضوعات(6).

____________

(1) ميزان الاعتدال: 3 / 288 (3452)، وانظر تاريخ الكبير للبخاري: 6 / 401 (2781)، الضعفاء الصغير للبخاري: 90 (266).

(2) انظر العلل للترمذي: 372 (691)، وفيه بعد أن ذكر الحديث مع سنده: سألت محمّداً عن هذا الحديث، فقال: عيسى بن ميمون الانصاري ضعيف الحديث.

وعندما يقول الترمذي: سألت محمّداً، أو قال محمّد، فإنّما يعني به محمّد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح.

(3) انظر تاريخ يحيى بن معين: 2 / 71 (3292).

(4) الظاهر وجود تصحيف هنا، والصحيح (يروي عن محمّد بن كعب هو ضعيف وليس بشيء فقال الفلاس متروك) كما في ميزان الاعتدال وتهذيب الكمال.

(5) انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي: 177 (446)، وفيه: متروك الحديث.

(6) انظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 118.


الصفحة 266
أقول: ظنّ ابن حبّان هنا مصيب كما لا يخفى على الاريب، ويدلّ على ذلك: إنّ عبد الرحمن بن مهدي إستعدى على ابن ميمون، وقال: ما هذه الاحاديث التي تروي عن القاسم عن عائشة؟ قال: لا أعود(1).

فهذا يدلّ صراحة على أنّه كان يفتري أحاديث ويرويها عن القاسم عن عائشة، حتى إستعدى عليه عبد الرحمن، وزجره عن الكذب والبهتان، فلم يستطع إلاّ الانقياد لكلامه، وإظهار الندامة لملامه، فقال: لا أعود إلى رواية تلك الاحاديث ولا أرويها بعد ذلك، فلو أنّ هذه الاحاديث كانت صحيحة ثابتة، وكان سمعها من القاسم وثبتت عنده منه، لما أناب وتاب، بل ردّ كلامه وأجاب، والله الهادي والموفّق للصواب.

ولمّا كان هذا الحديث الذي رواه الترمذي أيضاً ممّا رواه عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة، ظهر أنّ هذا موضوع، وبإعتراف ابن ميمون مقدوح مردود، لا يصلح لان يُروى ويُحدّث، بل يجب الاستغفار على روايته، والندامة على تحديثه، ونشره وترويجه وتنفيقه.

وكلّ ماذكرت هناك من الطعون في حقّ ابن ميمون، يظهر من كتب الرجال على المتتبع الذي جاس تلك الخلال، وكفى شاهداً على ذلك ميزان الذّهبي النحرير، وهو كتاب متداول شهير وهذه عبارته:

«عيسى بن ميمون القريشي المدني، عن مولاه القاسم بن محمّد ; قال عبد

____________

(1) انظر ميزان الاعتدال: 5 / 392 (6622)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 6 / 287 (1595)، وتهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 445 (6288)، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 424، والتذكرة للحسيني: 2 / 1336 (5346).


الصفحة 267
الرحمن بن مهدي: إستعديت عليه وقلت: ما هذه الاحاديث التي تروي عن القاسم عن عائشة؟ قال: لا أعود ; قال البخاري: منكر الحديث، وله عن محمّد ابن كعب القُرَظي ; قال ابن حبّان: يروى أحاديث كأنّها(1) موضوعات ; وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء ; وقال مرّة: لا بأس به ; وفرّق ابن معين وابن حبّان بين هذا وبين عيسى بن ميمون آخر يروي عن القاسم بن محمّد أيضاً ومحمّد بن كعب ; وقال ابن معين: لم يسمع الاوّل من محمّد بن كعب، وقال في كلٍّ منهما: ليس بشيء.

شبابة، [ حدّثنا ](2) عيسى بن ميمون، ثنا محمّد بن كعب، ثنا ابن عباس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: (إنّ لكلّ شيء شرفاً وأشرف المجالس ما استقبل به القبلة).

يزيد بن هارون، ثنا عيسى بن ميمون، عن القاسم، عن عائشة مرفوعاً: (كفى بها نعمة إذا تجالس الرجلان أو تخالطا، أن يتفرّقا وكلّ واحد يقول لصاحبه: جزاك الله خيراً).

[ وقال في عيسى بن ميمون ](3) الذي يروي «أعلنوا بالنكاح» ويروي عن محمّد بن كعب: ضعيف ليس بشيء، وقال الفلاس: متروك.

محمّد بن يزيد الواسطي، ثنا عيسى بن ميمون، عن القاسم، عن عائشة مرفوعاً: (أعلنوا بالنكاح واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدّفت وليولم

____________

(1) في المصدر [ كلها ].

(2) اثبتناه من المصدر.

(3) في المصدر [ قال البخاري عن عيسى بن ميمون ].


الصفحة 268
أحدكم ولو بشاة) وروى شيبان بن فَرُّوخ عن عيسى بن ميمون أحاديث ; وقال ابن عدي: عامّة ما يروه لا يتابعه عليه أحد ; وقال النسائي: ليس بثقة»(1).

وقال العسقلاني في التقريب: «عيسى بن ميمون المديني، مولى القاسم ابن محمّد، يعرف بالواسطي، ويقال له: ابن تليدان ـ بفتح المثناة ـ وفرق بينهما ابن معين وابن حبّان، وابن ميمون ضعيف، من السادسة»(2).

وبالجملة: ظهر من هناك أنّ الحديث ليس بصحيح، بل مقدوح مجروح معيوب، وراوية باعتراف أئمة السنّيّة ومحقّقيهم مطعون مثلوب، بل هو ممّا لا يحلّ روايته ولا التحديث به، وراوية راوي الموضوعات، ومن الاحاديث التي لم يجوّز ابن المهدي روايته، وإستعدى على راويها لتحديثه بها، فندم راويها على روايتها ونقلها، وأناب من نشرها وتنفيقها.

ثمّ إنّ امامهم الناقد، ونحريرهم الذي هو عمدة العمائد، ذو الباع الواسع المديد، والاطلاع الكثير والتنقيد، صاحب الامامة والرئاسة، الحامي عن شريعة صاحب الرسالة، الذّاب عن حريم الدين، القامع لرؤوس المفترين المعاندين، أعني ابن الجوزي، قد فضح الواضعين وكشف عن تلبيسهم، وأخزى المفترين وهتك ستر تدليسهم، فصرّح بالاجهار ونادى عن غير إسرار، إنّ هذه الخرافة موضوعة، مختلقة على خاتم النبيين صلوات الله عليه وآله أجمعين، وإنّ رواتها من المقدوحين المجروحين، قال في كتاب الموضوعات:

____________

(1) ميزان الاعتدال 5: 392 (6623)، وانظر التاريخ الكبير للبخاري: 1 / 128 (156)، المجروحين لابن حبّان: 2 / 118، تاريخ يحيى بن معين: 2 / 71 (2292)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 1 / 269، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 177 (446).

(2) تقريب التهذيب للعسقلاني: 2 / 109 (6000).


الصفحة 269
«الحديث الثالث عشر: أخبرنا محمّد بن عبد الباقي بن سلمان، قال: أخبرنا الحسن بن عبد الملك بن يوسف، قال: أخبرنا أبو محمّد الخلال، قال: حدثنا محمّد بن إسماعيل الورّاق، قال: حدثنا القاضي أبو جعفر محمّد بن صالح ابن ذريح، قال: ثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء، قال: حدثنا أحمد بن بشير، قال: ثنا عيسى بن ميمون، عن القاسم بن محمّد، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يأمّهم غيره)، [ قال المصنّف ]: هذا حديث موضوع على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا عيسى فقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبّان: لا يحتجّ بروايته، وأمّا أحمد بن بشير فقال يحيى: هو متروك»(1).

فترى ابن الجوزي قد شمر عن ساق الجد، وبالغ في الوكد والكدّ، في إبطال هذا الكذب الذي ليس لشناعته حدّ، فتلقّاه بأفضح الطعن وأقطع الردّ، وجعله حريّاً بالاعراض والصدّ، وحال بينه وبين القبول بالسدّ، ولم يحام الترمذي وغيره من أئمته وشيوخه، ولم يحتفل بإيرادهم ذلك في مصنّفاتهم، فحكم جزماً وحتماً وقطعاً، بأنّ هذا الخبر موضوع مصنوع، فالمعتمد عليه والراكن اليه بلا شبهة مخدوع، ولله الحمد على تفضيح الواضعين وحماتهم، وهتك أستار شيوخ السنّة ورواتهم.

وتأمّل! في اهتمام ابن الجوزي بابطال هذا الخبر، حيث لم يكتف ولم يقتصر على القدح في الرواة وإيراده في الموضوعات المستبشعة، التي قال في حقّها: إنّ ألفاظها تدلّ على أنّ حاشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متنزّه منها، حتى صرّح

____________

(1) الموضوعات: 1 / 236.


الصفحة 270
بوضعه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّه حديث موضوع على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن الغرائب! إنّ السيوطي لمّا رأى في حكم ابن الجوزي بوضع ذلك الخبر شناعة عظيمة على أهل نحلته، حيث يثبت كون صحيحهم الذي بالغوا في مدحه مشتملاً على الكذب الظاهر في مدح إمامهم، فيؤدي ذلك إلى سقوط إعتبارهم رأساً، انتدب لجماعة المفترين وأنصارهم، بالذّب عن حريمهم وذمامهم، فجهد بنفسه في تصحيح هذا الكذب الظاهر، وأتى في إثباته بما يعجب الناظر، ويبهر الناقد الماهر، فهوى في هوة الباطل والعصبيّة، وألوى بيده في مقاحم الحميّة الجاهليّة، فقال في اللالئ المصنوعة:

«ابن عدي، ثنا عبد الله بن محمّد بن ناجيه، ثنا نصر بن عبد الرحمن الوشا، ثنا أحمد بن بشير، عن عيسى بن ميمون، عن القاسم بن محمّد، عن عائشة مرفوعاً: (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره) موضوع، عيسى منكر الحديث والراوي عنه متروك.

قلت: الحديث أخرجه الترمذي من هذا الطريق، وأحمد بن بشير من رجال البخاري، والاكثر على توثيقه، وعيسى قال فيه ابن معين مرّة: لا بأس به، وقال حمّاد بن سلمة: ثقة ; ومن ضعّفه لم يتّهمه بكذب، فمن أين يحكم على الحديث بالوضع؟ على ما يؤيّده من قصّة تقديمه المشهورة في الصحيح، وقد قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في مسند الصديق: إنّ لهذا الحديث شواهد تقتضي صحته.

ثم إنّ المؤلّف(1) ترجم على هذا الحديث باب إمامة من اسمه أبو بكر،

____________

(1) اي ابن الجوزي صاحب الموضوعات.


الصفحة 271
ففهم أنّ المراد من الحديث كلّ من يكون اسمه أبو بكر، ولهذا استنكر وحكم بوضعه، وهذا فهم عجيب!، إنّما المراد أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) خاصّة.

ووقفت له على طريق آخر فيه ذكر السبب: قال أبو العبّاس الزوزني في كتاب شجرة العقل: ثنا يوسف بن يعقوب بالبصرة، ثنا بكر بن محمّد، ثنا عبد الله ابن سعيد الاشج، ثنا ابن أبي عتبة، عن داود بن وازع، أنبأنا هشام بن عروة، وعيسى بن ميمون، وعبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر [ عن القاسم ](1) قال: (وقع بين ناس من الانصار من أهل العوالي شيء، فذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلح بينهم، فرجع وقد صلّى الناس العصر، قال: من صلّى بالناس العصر؟ قالوا: أبو بكر، قال: قد أحسنتم، لا ينبغي لقوم يكون فيهم أبو بكر يصلّي بهم غيره) ; في هذا الطريق متابعة داود بن وازع لاحمد ابن بشير، ومتابعة هشام بن عروة وعبد الرحمن بن القاسم لعيسى بن ميمون.

وقال أحمد بن منيع في مسنده: ثنا يزيد، أنبأنا عيسى بن ميمون، عن القاسم بن محمّد عن عائشة، قالت: (خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصلح فحضرت الصلاة، فقال بلال لابي بكر: قد حضرت الصلاة ليس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)شاهداً، فهل [ لك أن ](2) أؤذّن واُقيم وتصلّي بالناس؟ قال: إن شئت، فأذّن بلال وأقام وتقدّم أبو بكر فصلّى بالنّاس، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ما فرغ فقال: أصلّيتم؟ قالوا: نعم، قال: من صلّى بكم؟ قالوا: أبو بكر، قال: أحسنتم، لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم أحّد غيره) ; فهذه

____________

(1) اثبتناه من المصدر.

(2) اثبتناه من المصدر.


الصفحة 272
متابعة من يزيد بن هارون لاحمد بن بشير، والله أعلم»(1).

أقول: لا يخفى على الناظر السديد، إنّ كلّما ذكره السيوطي في مقام التأييد والتنقيد لهذا الكذب، الذي افترته أتباع إبليس المريد، من الوهن والسخافة على طرف الثمام، لا يقبله طباع أولي الالباب والافهام، بل تمجّه أسماع أصحاب الاذواق والاحلام!.

أمّا إنّ الحديث أخرجه الترمذي: فكان ماذا؟! فليس الترمذي معصوماً، ولا بالحفظ عن الخطأ والزّلل موسوماً، وكيف يهدّد ابن الجوزي باخراج الترمذي لهذا الخبر، مع أنّ رجال الترمذي هم الذين قدح فيهم ابن الجوزي، ونقل قدح بعضهم عن البخاري!، وقد بيّنّا آنفاً أنّ إخراج الترمذي لذلك الحديث من سوء الصنيع، وبتصريح إمام أئمّتهم البخاري حرام شنيع(2).

وأمّا قوله: «إنّ أحمد بن بشير من رجال البخاري والاكثر على توثيقه»: فهو أيضاً سخيف!، فإنّ كون راو من رجال البخاري في مقام التحقيق لا يروي غلّة، ولا يشفي علّة، ولا يزيح ريبة، ولا يميط شبهة، فإنّ من رواته كثيراً من المقدوحين والمجروحين والضعفاء وأهل اللين، بل فيهم من هو للاحاديث واضع، فالتشبّت بذلك غير نافع، ولا فيه برهان شافع.

وكيف يتمسّك في توثيق ابن بشير برواية البخاري عنه، ولا يصغّ قوله في عدم حلّيّة الرواية عن عيسى بن ميمون، لولا مزيد العصبيّة وقلّة التأمّل والتجنّب

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 274، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 1 / 271، تاريخ دمشق لابن عساكر: 30 / 261.

(2) فقد قال البخاري: من قلت فيه منكر الحديث، فلا يحل رواية حديثه.


الصفحة 273
عن الانصاف!.

وبالجملة: إذا روى أحمد بن بشير عن عيسى بن ميمون، وهو ممّن لا يحلّ روايته حديثه عند البخاري، فقد ثبت فسق أحمد بن بشير وإرتكابه الحرام عند البخاري أيضاً.

وأمّا إنّ أكثر أرباب الرجال على توثيقه: فمّما لا يظهر من كتب الرجال الحاضرة عندي، بل يظهر من الميزان أنّ الموثّقين إثنان، هما: ابن نمير وأبو زرعة، وأمّا الجارحون فثلاثة: الدارقطني، والنسائي، وعثمان الدارمي، مع إنّ ابن نمير أيضاً مع توثيقه إيّاه اعترف بأنّه وضيع المرتبة عند الناس ; لمخاصمته في تفضيل العجم على العرب، قال في الميزان.

«أحمد بن بشير الكوفي، عن الاعمش وهشام بن عروة، وعنه ابن عرفة ومسلم بن جنادة وطائفة، قال محمّد بن عبد الله بن نمير: صدوق، حسن المعرفة بأيّام الناس، حسن الفهم، وكان رأساً في الشعوبيّة يخاصم في ذلك، فوضّعه ذلك عند الناس.

قلت: الشعوبيّة هم الذين يفضّلون العجم على العرب.

وقال أبو زرعة: صدوق ; وقال الدارقطني: ضعيف يعتبر بحديثه ; وقال النسائي: ليس بذاك القوي ; وقال عثمان الدارمي: هو متروك ; قلت: قد خرّج له البخاري في صحيحه ; مات سنة سبع وتسعين ومائة»(1)، انتهى.

وهذا على تقدير كون أحمد بن بشير الذي روى هذا الحديث هو هذا

____________

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 218 (307)، وانظر تاريخ عثمان الدارمي: 664، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 1/82 (16)، تاريخ بغداد للخطيب: 4 / 265 (1969).


الصفحة 274
الكوفي، وإلاّ فقد قال بعض أهل السنّة في جواب السيوطي: إنّ راوي الحديث هو غير الكوفي، وهو أحمد بن بشير البغدادي، وهو متروك بلا ريب.

قال القاضي محمّد بن الشوكاني في الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره) رواه ابن عدي عن عائشة مرفوعاً ; قال ابن الجوزي: موضوع وفي إسناده عيسى بن ميمون منكر الحديث، والراوي عند أحمد بن بشير وهو متروك ; قال في اللالئ: الحديث أخرجه الترمذي من هذا الطريق، وأحمد بن بشير من رجال البخاري والاكثر على توثيقه، وعيسى بن ميمون قال فيه ابن معين مرة: لا بأس به، وقال حماد بن سلمة: ثقة، ومن ضعفه لم يتهمه [ بالكذب](1) فمن أين نحكم عليه بالوضع؟.

ويُجاب عنه: بأنّ من اسمه أحمد بن بشير رجلان: أحدهما هذا والاخر متروك ـ كما ذكره صاحب التقريب ـ.

وقال ابن كثير في مسند الصديق: إنّ لهذا الحديث شواهد تقتضي صحّته، ثمّ ذكر له صاحب اللالي شواهد»(2).

أقول: قال في التقريب: «أحمد بن بشير المخزومي، مولى عمرو بن حريث، أبو بكر الكوفي، صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة (197)،

____________

(1) في المصدر [ بوضع ].

(2) الفوائد المجموعة للشوكاني: 334، وانظر ترجمة أحمد بن بشير في ميزان الاعتدال: 1/218 (306)، تاريخ بغداد للخطيب: 4 / 265 (1629).


الصفحة 275
وأيضاً فيه: أحمد بن بشير البغدادي آخر متروك، خلطه عثمان الدارمي بالذي قبله، وفرّق بينهما الخطيب فأصاب، من العاشرة»(1).

وأمّا ماذكره السيوطي في عيسى بن ميمون من ابن معين وحمّاد: فمّما لا يجدي نفعاً، ولا يثلج صدراً، فإنّ ما نقله عن ابن معين من نفيه البأس عن ابن ميمون، فهو معارض بقدحه وجرحه إيّاه مرّتين، حيث قال مرّة: إنّه ليس بشيء، ومرّة: إنّه ليس حديثه بشيء ـ كما سبق من الميزان ـ.(2) وأمّا ما نقله عن حمّاد: لو سُلّم أنّ حماداً وثّق ابن ميمون، فقد دريت أنّ نفي ابن معين البأس عنه قد عارضه جرحه إيّاه، فبقي توثيق حمّاد بن سلمة وحده، ولا يُصغى اليه في جنب جرح عبد الرحمن بن مهدي، والبخاري، وابن عدي، وابن حبّان، والنسائي.

ومن هناك رأيت ابن حجر قد حكم قطعاً وحتماً على عيسى بالضعف، ولم يذكر فيه اختلافاً ولا أشعر به(3).

وأمّا إدّعاء السيوطي: إنّ من ضعّف عيسى لم يتّهمه بالكذب: فهو كذب، كيف وقد رأيت ابن حبّان قال في حقّه: إنّه يروي أحاديث كلّها موضوعات، ثمّ إستعداء عبد الرحمن عليه وقوله: ما هذه الاحاديث التي تروي عن القاسم عن عائشة، صريح في إتّهامه وتكذيبه، وقوله: لا أعود، تسليم وإعتراف من نفس عيسى لكذبه وإفترائه!، وهذا واضح بيّن لمن تدبّر وأنصف.

____________

(1) تقريب التهذيب للعسقلاني: 1 / 32 (14 ـ 15).

(2) انظر ميزان الاعتدال: 5 / 392 (6623).

(3) انظر تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني: 2 / 109 (6000).


الصفحة 276
فقد صدق هناك المثل السائر في الفرس [ مدعي سست گواه چيست ]، حيث لم يمكن عيسى أن ينتصر لنفسه في رواية الاكاذيب عن القاسم، ويوثّقه السيوطي وينفي عن تهمة الكذب، وهذا من العجائب!!.

وبالجملة: إذا خاط الانسان عينيه عن شوف الحقّ وإبصاره، وغضّ بصره وأغمض نظره عن رؤية الصبح المشع بإسفاره، فقد هان عليه الاقتحام في تصديق الباطل، وردّ الحقّ وإنكاره، ولم يندم على الفظاظة وإقامته، وتماديه في العدوان وإصراره، بقوله: فمن أين يحكم على الحديث بالوضع؟!.

أقول: يُحكم عليه بالوضع بلا ريب ولا مين، ولا دخل في ذلك لانّى وأين، فإنّ ابن حبّان إعترف بأنّه ـ أي راوية ابن ميمون ـ يروي أحاديث كلّها موضوعات، وأنكر عبد الرحمن بن مهدي عليه رواياته التي منها هذا، ولم يستجز تحديثه بها، وسلّم هو نفسه ذلك الانكار، ولم يتلقّه بالرّد والانكار، وهذا كاف في تكذيبه عند أهل الابصار.

ومن أطرف الاشياء! أنّهم يروون صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف أبي بكر، بل عبد الرحمن أيضاً، فيستحسنون تقديم أبي بكر وعبد الرحمن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يقولون بأنّه لا ينبغي لقوم فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يؤمّهم غيره!، ويخلقون هذا الباطل في حقّ أبي بكر، فلعلّهم يفضّلون أبا بكر وغيره على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

أمّا ما ذكر من أنّه: «يؤيّد هذا البهتان قصّة تقديم أبي بكر في الصلاة وهي

____________

(1) انظر مسند أحمد: 14 / 81 (18052)، و: 14: 100 (18110) وسنن أبي داود: 1 / 38 (102)، والصحيح المسند من فضائل الصحابة لابن العدوي: 176.


الصفحة 277
مشهورة في الصحيح»: فنجيب عن ذلك:

أمّا أوّلاً: فبأنّه لا يلزم علينا تصديق جميع رواياتهم، وقبول كلّ خرافاتهم، بل نحن نتمسّك في مقام الالزام بأقوال علمائهم الاعلام في تكذيب موضوعات كذبتهم اللئام، فإنّ أيّدها وصدّقها بعض صحاحهم السقام فليس علينا أن نحتفل بشأنها وننكص عن الالزام والافحام.

فإنّه ليس العجب في أن يصدّق صحاحهم فضائل خلفائهم، فإنّهم مبطلون، ديدنهم التوطئة والتمهيد لتصديق الموضوعات وإصلاح المفتريات، ولكن كلّ العجب! في أن ينطقوا بالحق فيبطلوا فضائل أئمّتهم وشيوخهم، فإنّما نتمسّك بالحق الذي نطقوا به، وأمّا الباطل الذي رووه وصحّحوه، فهو مذهبهم ومشربهم ومصدرهم وموردهم، ليس علينا فيه حجة وبرهان.

وأمّا ثانياً: فبأنّ من تتبع كتبهم الكلاميّة، وجدهم متهالكين شرهين، مستبشرين بالتمسك والاحتجاج بأقوال ابن الجوزي، في ردّ الاحاديث التى تمسّك بها أهل الحق في فضيلة الال، وخلافة وصي الرب المتعال، فيوردون إبتهاجاً وإستبشاراً أقواله، الناصّة على حكمه بوضع هذه الروايات وجرحها وإبطالها، كما لا يخفى على من راجع كتاب ابن روزبهان الذي سمّاه إبطال الباطل، ومنهاج ابن تيميّة، وصواقع الكابلي، وتحفة الدهلوي(1).

____________

(1) كتاب ابن روز بهان ابطال نهج الباطل، قد رد فيه على كتاب العلامة الحلي المسمى بنهج الحق ; أمّا كتاب ابن تيمية المسمى بمنهاج السنة، رد فيه على كتاب العلامة الحلي المسمى بمنهاج الكرامة، اما كتاب نصر الله الكابلي المسمى بالصواقع الموبقة، ذكر فيه فضائل الخلفاء وشنع فيه على العقائد الامامية، وقد رده الكثير من علماء الامامية منهم صاحب هذا الكتاب في كتابه عبقات الانوار، أما كتاب عبد العزيز الدهلوي المسمى بتحفة اثنا عشر، فهو أيضاً على نسق الصواقع وقد نقل الكثير من عباراته، بل صرح الكثير من العلماء انّ كتاب التحفة هو ترجمة للصواقع مع بعض الزيادات وقد أشار عبد العزيز الدهلوي الى هذا الامر في جوابه على رسالة الميرزا حسن علي من متعصبي أهل السنّة التي سأله فيها عن هذا الامر بالخصوص.

والجدير بالذكر ان النسخة الخطية للتحفة موجود في آخرها: «الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى... أما بعد ميگويد بنده در گاه حافظ غلام سليم بن شيخ قطب الدين أحمد بن ابي الفيض الدهلوي...» اي ان المؤلف ليس هو عبد العزيز الدهلوي!!! وقد أكد هذا الامر أيضاً وصرح به نفس عبد العزيز الدهلوي في ضمن جوابه على رسالة الميرزا حسن علي. (الرسالة وجوابها نسخة بالفارسية حصلنا عليها عن طريق بعض المؤمنين).


الصفحة 278
فإذا جعلوا ابن الجوزي ملاذاً وعمّدة في تحقيق الاحاديث الموضوعة، والروايات المكذوبة، يحتجون ويتشبثون بأقواله في مقابلة الشيعة، فكيف يمكنهم بعد ذلك أن ينكثوا وينكصوا ويصدفوا ويعدلوا عن حكم ابن الجوزي في إبطال الروايات الموضوعة في فضل خلفائهم؟!.

بل ذلك إلاّ تناقض وتهافت وجحود وعناد وعصبيّة.

وأمّا ثالثاً: فإنّ قصّة تقديم أبي بكر في الصلاة المشهورة عندهم في الصحيح، لا تستلزم صحة هذا الحديث، لانّ تقديم أبي بكر في الصلاة في وقت مخصوص ـ إن سُلّم ـ لا يستلزم كونه مقدّماً في جميع الاوقات، وإلاّ لما أمّ غير أبي بكر في الصلاة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع إنّه ثبت ذلك برواياتهم، حتى أنّهم يروون صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف عبد الرحمن في غزوة تبوك(1)، فكيف قدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عبد الرحمن مع وجود أبي بكر؟!

فظهر بطلان هذا الحديث المفترى عليه (عليه السلام) من (أنّه لا ينبغي لقوم فيهم

____________

(1) ذكره مسلم في صحيحه وصححه: 1 / 105 (951)، وأبو داود في سننه: 1 / 38 (152)، وأحمد بن حنبل في مسنده: 4 / 249 ـ 251، وغيرهم.


الصفحة 279
أبو بكر أن يؤمّهم غيره).

وإن أراد ابن كثير وأمثاله تأييد الاقوال المنقولة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك القصّة المفتراة لهذا الكذب.

فيجاب: إنّ هذه الاقوال إن كانت تفيد كليّة تقديم أبي بكر في الصلاة ـ كما هو مدلول هذا الخبر ـ، فتكون تلك الاقوال أيضاً موضوعة مفتراة عند ابن الجوزي ; لانّه لمّا حكم بوضع هذا الخبر، ظهر أنّه مستحيل عنده أن يقوله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يصدّق ما بعده هو في معناه؟!.

وإن لم تكن تلك الاقوال تفيد كليّة تقديمه، بل إنّما تدلّ على تقديمه في وقت مخصوص، فهي لا تستلزم صحّة هذا الخبر حتى يتعقب بها الحكم بوضعه!.

وأمّا رابعاً: فبأنّ قصّة تقديم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر في الصلاة وأمره بذلك موضوعة مفتراة، يدلّ على ذلك مافي روايتها من التهافت والتناقض والتكاذب ـ كما سنبيّن ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى بأبين تفصيل وأوضح بسط ـ فلا يؤيّد ولا يثبت هذه القصّة ذلك الكذب عند التحقيق.

وأمّا ما ذكر عن ابن كثير من أنّ «لهذا الحديث شواهد تقتضي صحته»: فهو مجرّد إدعاء فلا يصلح للاصغاء، فعليهم بالتوضيح والتفصيل، حتى ينظر فيه العبد الضئيل ويردّه وينقضه حرفاً حرفاً بعون الله الجليل.

ويظهر من كلام محمّد بن الشوكاني(1) إنّ الشواهد التي إدّعاها ابن كثير هي هذه التي ذكرها السيوطي، وستسمع حالها عن كثب.

____________

(1) انظر الفوائد المجموعة للشوكاني: 334.


الصفحة 280
أمّا قوله: «ثم إنّ المؤلّف ترجم على هذا الحديث... الخ»: فذلك أيضاً غير صحيح، بل هو إفتراء قبيح وكذب صريح، فإنّ ابن الجوزي ما وصل من الغباوة والجمود إلى حدّ لا يفهم معنى مثل تلك العبارة الظاهرة في المراد، ويصرفه إلى معنى لا يفهمه أحد من ألفاظها، فيذهب عريضاً في الخبط والفساد.

وهذا كتاب الموضوعات لابن الجوزي موجود عندي نسخة عتيقة، ليس فيه هذه الترجمة المصنوعة عين ولا أثر، وقد رأيت عبارته في هذا الحديث وعنوانه وترجمته، فإنّه إنّما عنونه هكذا: «الحديث الثالث عشر: أخبرنا... الخ».

وكيف! وسياق ابن الجوزي للاحاديث هناك يدلّ على صحة ماذكرنا وبطلان ما نقله، فإنّه لم يعقد في مناقب أبي بكر أبواباً حتى يقول: باب إمامة من اسمه أبو بكر، بل إنّما ترجم على شروع مناقب أبي بكر بالباب ; حيث قال: باب في فضل أبي بكر... الخ. ثم ذكر بعد ذلك أحاديث مناقبه، وترجم عليها بالتعداد ; حيث قال: الحديث الاوّل، الحديث الثاني. وهكذا، إلى أن ذكر خمسة عشر حديثاً، وهذا هو الحديث الثالث عشر، فلو ترجم على هذا الحديث بما ذكره السيوطي ; لاخلّ ذلك بذكر التعداد، وأدّى إلى صريح الخبط والفساد، كما لا يخفى! [ على ] أهل السداد والرشاد(1).

ثمّ إنّ إيراد ابن الجوزي هذا الخبر في ناقب أبي بكر أيضاً، أوضح دليل وأقوى برهان على أنّه فهم من الحديث ماهو الظاهر بل المتعيّن ; من أنّ المراد به أبو بكر خاصّة، لا ما نسبه السيوطي إليه بل إفترى عليه.

____________

(1) انظر الموضوعات: 1 / 225 ـ 236.