وأراك يعتلجك الريب!، في كون هذه الرواية مقدوحة مجروحة موضوعة عند أئمة السنّيّة ; لاعتقادك جلالة مرتبة الرجلين ونقدهما وخبرتهما بالحديث، فها أنا أكشف القناع عن هذا الكذب المستنكر عند الطباع، المستكره في الاسماع:
فاعلم! إنّه قد قدح فيه ابن الجوزي، وأورده في الاحاديث الواهية الكثيرة العلل، الشديدة التزلزل، فقال في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية:
____________
(1) انظر كتاب الغدير للعلامة الاميني: 2 / 432 ـ 438.
فظهر من ذلك، إنّ هذا الخبر المزخرف قد تفرّد به عمر بن إبراهيم الكردي، وهو ذاهب الحديث كذّاب، وإنّه من الاحاديث الواهية الشديدة التزلزل، الكثيرة العلل، التي لا تثبت من طريق معتمد وإسناد موثّق، فياليت شعري! كيف يوردون مثل ذلك الخبر المقدوح المجروح المطعون في مقام معارضة أهل الحقّ ومناظرتهم، ولا يستحيون من المآخذة والتفضيح والتنكيل والتعيير والتأنيب.
وقد ذكر هذا الخبر وقدحه عن الخطيب المتقي الهندي أيضاً، ففي كنز العمال:
«(حبّ أبي بكر وشكره واجب على اُمّتي) ك في تاريخه، وأبو نعيم في فضائل الصحابة، والخطيب والديلمي عن سهل بن سعد، وقال الخطيب: تفرّد به عمر بن إبراهيم الكردي وهو ذاهب الحديث»(2) إنتهى.
____________
(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 189 (292). وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 202 (5905).
(2) كنز العمّال: 11 / 552 (32593).
«عمر بن إبراهيم الكردي الهاشمي، مولاهم، عن عبد الملك بن عمير، وعن ابن أبي ذئب [ وشعبة ](1)، وبقي إلى بعد العشرين ومائتين، وعند عبد الله بن محمّد المخرمي وإسحاق الختلي وغيرهما، وقد روي حديث في السابق واللاحق عن العوام بن حوشب، عن عمر بن إبراهيم مولى بني هاشم، فيحتمل أنّه هذا على بُعد ; وروى محمّد بن عبد الله بن العلاء الكاتب، ثنا عمي أحمد بن محمّد بن العلاء، ثنا عمر بن إبراهيم الكردي، ثنا ابن أبي ذئب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حبّ أبي بكر وشكره واجب على اُمّتي) هذا منكر جداً ; قال الدارقطني: كذّاب خبيث ; وقال الخطيب: غير ثقة»(2) إنتهى.
وما ذكرتُ عن أئمّة السنّة من جرح هذا الخبر وقدّحه، وإن كان كافياً للرد على المحتجين بهذه الخرافة وتوهين شأنهم، وهدم بنيانهم، ونقض أركانهم، والابانة عن سخف عقولهم، وكثرة غفولهم، وإرتكاسهم في العصبيّة والعناد الفاحش المذموم، وإرتباكهم(3) في الحميّة الجاهليّة واللّداد المنكر الملوم، ولكنّي أزيدك شرحاً وبياناً وتعييراً لهم وإيهاناً:
فأقول: مع دلالة الادلّة العقليّة والنقليّة على وضع أمثال هذا الخبر، وقد سبق بعضها وسيجيء بعضها: قد حكم عليه جمع من ناقديهم بالوضع والافتراء،
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
(2) ميزان الاعتدال: 5 / 216 (6050)، وانظر الموضوعات 1 / 320 ونقل فيه تضعيف الدارقطني، تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 202 (5905).
(3) ارتَبَكَ: أي اختلط، وارتَبَكَ الرجلُ في الامر أي شب فيه ولم يكد يتخلّص منه / لسان العرب.
«الدارقطني: حدثنا أبو جعفر محمّد بن عبيد الله بن العلاء الكاتب، حدّثنا عمي أحمد بن العلاء، ثنا عمر بن إبراهيم يعرف بالكردي، ثنا محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعاً: (حبّ أبي بكر وشكره وحفظه واجب على اُمّتي)، قال الدارقطني: غريب من حديث أبي حازم ومن حديث أبي ذئب، تفرّد به عمر الكردي وقال الخطيب في التاريخ: تفرد به عمر الكردي وغيره أوثق منه، وقال الذّهبي في الميزان: هذا منكر جدّاً، قال الدارقطني: عمر الكردي كذّاب خبيث، وقال الخطيب: غير ثقة، إنتهى.
وله حديث آخر في مناقب أبي بكر ذكره ابن الجوزي وأعلّه به وقد تقدّم، وقد أورد هذا الحديث في الواهيات وقال: عمر يضع الحديث»(1) إنتهى.
ومن طريف التناقض! إنّ السيوطي مع إيراده هذا الخبر في الموضوعات وإستدراكه بن عليّ ابن الجوزي ; عدّ ذلك في تاريخ الخلفاء من فضائل أبي بكر ومناقبه التي يفتخر بها ويبتهج(2).
____________
(1) ذيل اللالئ للسيوطي كتاب المناقب: 51، وانظر العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 189.
(2) انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي: 58، الاحاديث الواردة في فضله وحده.
«(حبّ أبي بكر وشكره وحفظه واجب على اُمّتي) قط، فيه عمر، قال الذّهبي: منكر جدّاً، وأورده ابن الجوزي في الواهيات»(1) إنتهى.
والفصل الثالث من هذا الكتاب معقود لذكر الاحاديث الموضوعة التي لم يذكرها ابن الجوزي في كتاب الموضوعات(2).
فظهر من هناك، إنّ هذا الخبر موضوع بلا إرتياب، وكذب إفتراه بعض الاغثام الاقشاب(3)، وإن هو إلاّ عمر سمّي الثاني، الناصب لاوليائه النواصب الشرك الشيطاني.
فمن مبلغ عنّي رسالة إلى الكابلي ومقلّده(4)؟ حتى يقول لهما: إنكما ركبتما في الاستدلال بهذا الخبر متن الاختباط، وجاوزتما حدّ السفلة فضلاً عن الاوساط، فإنّه يأبى ويأنف الاسافل أيضاً من ايثار مثل هذا الافتضاح، ومقابلة الصّدق الصريح والحقّ الصحيح بالكذب الصراح، فلو تأمّلتما بعض التأمّل
____________
(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 287، وفيه بعد ذكر الحديث: (قط) من حديث سهل بن سعد من طريق عمر بن إبراهيم الكردي، وأورده ابن الجوزي في الواهيات وأعله بعمر، والحال ان له حديثاً آخر في مناقب أبي بكر ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وأعله بعمر، وهذا من تناقض ابن الجوزي، قلت: أورده الذّهبي في الميزان وقال: منكر جداً، والله أعلم.
(2) اي الفصل الثالث من باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب تنزيه الشريعة.
(3) الاقشاب من الرجال: من لا خير فيه / لسان، الاغثم: الاورق، والغثمة: ان يغلب بياض الشعر سواده / لسان.
(4) يريد به الدهلوي صاحب التحفة.
ولكن الشيطان قد فرخ وباض في صدوركما، وشرك في أموركما، فلا تفرقان بين الصدّق والزور، ولا تعرفان الظلمة من النور ; كيف ذهبت بكما العصبيّة كلّ مذهب شنيع، حتى قدحتما في الخبر المتضمّن لنزول آية المودّة في الخمسة النجباء، مع أنّه صحيح على رأي الحاكم كما في نزل الابرار(1)، وقد إحتججتما بأحاديث الحاكم في كتابيكما، وأيضاً رواه أحمد(2)، وهو الناقد المقدّم المعتمد، والامام المستند السميدع، وأيضاً أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره(3)، وقد إلتزم إخراج أصحّ ما روي. ورواه الثعالبي أيضاً في تفسيره(4)، وقد وثّق روايات تفسيره في خطبة، حيث ادعى فيها النقد والتحقيق والتميز، والتجنّب عن الاكاذيب والمفتريات، وروايات المجروحين وأخبار المقدوحين، وأيضاً رواه ابن حجر في صواعقه(5)، وعدّه من فضائل أهل البيت، ومع ذلك كلّه لم يرم هذه الرواية الشريفة أحّد من المتعصبين أيضاً بالوضع في الكتب المصنّفة لبيان الاحاديث الموضوعة(6).
____________
(1) نزل الابرار للبدخشاني: 32، في تحقيق معنى الال والاهل، وانظر مستدرك الحاكم: 2 / 482 (3660).
(2) انظر فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل: 1 / 669 (1141).
(3) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم الرازي: 10 / 327 (18477) وعنه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم: 44 / 122، سورة الشورى الاية: 23.
(4) تفسير الثعالبي: 5 / 157، سورة الشورى آية 23.
(5) الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 486.
(6) وقد ذكر القندوزي في كتابه بعض من ذكر هذا الحديث من علماء أهل العامة منهم، أحمد، والطبراني، وابن أبي حاتم، والحاكم، والواحدي، وأبو نعيم، والثعلبي، والحمويني، انظر ينابيع المودة: 1 / الباب 32 تفسير قوله تعالى (قل لا أسألكم).
الفصل الثامن عشر
[ في إعطاء أبي بكر ثواب من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ]
ومن مزخرفاتهم الواهية التي لا تقبلها إلاّ القلوب اللاّهية الساهية، وتنفر منها الطبائع الصافية، وسخافتها على أولي الالباب غير خافية، ونكارتها من مبانيها ومعانيها بادية، بل هي عليهم داهية: (إنّ الله تعالى أعطى أبا بكر ثواب من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مذ بعثه إلى أن تقوم الساعة)، وهذا كذب بيّن الشناعة، وإفتراء ظاهر الفظاعة.
قال في الرياض النضرة في مناقب أبي بكر:
«ذكر أنّ الله أعطاه ثواب من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): عن عليّ بن أبي طالب قال: (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لابي بكر: يا أبا بكر! إنّ الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإنّ الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة) عنه خرجه الخلعي والملاّ وصاحب
وقال الوصابي في الاكتفاء:
«وعن عليّ رضي الله تعالى عنه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر الصدّيق: يا أبا بكر! إنّ الله تعالى أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم (عليه السلام) إلى أن تقوم الساعة، وإنّ الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة). أخرجه الدنيوري في المجالسة، وأبو طالب العشاري في فضائل الصديق، والخلعي في الخلعيات، والخطيب في تاريخه، والديلمي في دلائله»(2).
وكذب هذه الفرية الشنعاء، والقرفة النكراء، لا يخفى على من له فهم وذكاء، ونظر فيما رواه الثقات الفضلاء، والاثبات النبلاء، في فضائل سيّد الاوصياء، وسلطان الاولياء عليه آلاف التحيّة والثناء، فإنّ هناك أحاديث كثيرة وروايات غزيرة تدلّ على أفضليّته (عليه السلام) على الاطلاق، وأكثريّه ثوابه من كلّ الناس، أبا بكر كان أو غيره، فكيف يصدّق بعد ذلك أنّ الله أعطى أبا بكر ثواب كلّ من آمن بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!.
فمن تلك الروايات حديث: (ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتي إلى يوم القيامة)(3)، رواه جمع كثير وجم غفير من شيوخهم
____________
(1) الرياض النضرة للطبري: 2 / 121 (575).
(2) الاكتفاء للوصابي مخطوط، وانظر المجالسة للدنيوري: 549 (الجزء 47)، تاريخ بغداد للخطيب: 5/10 (2309).
(3) انظر المستدرك للحاكم: 3 / 573 (4383)، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 13 / 19 (6978)، وينابيع المودة للقندوزي: 1 / 282، وفرائد السمطين للجويني: 1 / 255 (197)، وروضة الاحباب (مخطوط للدشتكي): 327، وتجهيز الجيش للدهلوي 163، ومفتاح النجا للبدخشي: 26، وأرجح المطالب الامرتسري: 481، وشواهد التنزيل للحسكاني: 2 / 140 (636)، والمناقب للخوارزمي: 106 (112)، وكنز العمّال للمتقي الهندي: 11 / 623 (33035).
ومع ذلك كلّه، فإنّ هذا البهتان عند نقّاد النواصب أيضاً من الاحاديث المقدوحة، والروايات المجروحة.
أما ترى ابن الجوزي قد عدّ هذا الخبر ـ الهاوي بمفتريه في السقر ـ من الاحاديث الواهية الكثيرة العلل الشديدة التزلزل، التي لا تثبت ولا تصحّ بوجه، ونصّ عليه بالخصوص أيضاً، إنّه لا يصحّ وقدح في رواته، فقال: إنّ بعضهم كذّاب وبعضهم لا يحتجّ به، وهذه عبارته في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية:
«أنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن عليّ، قال: نا الحسن بن الحسين النعالي، قال: نا أبو بكر محمّد بن الحسن الدقاق، قال: نا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن حمّاد المصري، قال: نا إبراهيم بن مهدي، قال: نا عمر بن حفص بن صبيح أبو الحسن الشيباني، قال: نا الوضاح، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لابي بكر: (يا أبا بكر! إنّ الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق آدم الى أن بعثني، وإنّ الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من آمن بي منذ بعثني الى أن تقوم الساعة)، [ قال المصنّف ]: هذا لا يصحّ، وفيه الحارث وكان كذّاباً، والوضاح لا يحتج به»(1).
____________
(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 189 (293).
____________
(1) انظر ميزان الاعتدال: 2 / 170 (1629)، وفيه:
«الحارث بن عبد الله الهمداني الاعور، من كبار علماء التابعين على ضعف فيه، يكنى أبا زهير، عن عليّ وابن مسعود...، وروى المغيرة عن الشعبي: حدثني الاعور وكان كذاباً ; وقال منصور عن إبراهيم: إنّ الحارث اتّهم، وروى أبو بكر بن عياش عن مغيرة قال: لم يكن الحارث يصدق عن عليّ في الحديث، وقال ابن المديني: كذاب، وقال جرير بن عبد الحميد: كان زيغاً، وقال ابن معين: ضعيف، وقال النسائي وعنه قال: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، صحين عن الشعبي قال: ما كذب على أحد في هذه الامة ما كذب على عليّ باطل، وقال الاعمش عن إبراهيم: إن الحارث قال: تعلمت القرآن في ثلاث سنين والوحي في سنتين، وقال منفضل بن مهلهل عن مغيرة، سمع الشعبي يقول: حدثني الحارث وأشهد انّه أحّد الكذابين، وروى محمّد بن شيبة الضبي عن أبي إسحاق قال: زعم الحارث الاعور وكان كذاباً، جرير عن الزيات قال: سمع مرة الهمداني من الحارث أمراً فأنكره، فقال له: اقعد حتى أخرج إليك، فدخل فاشتمل على سيفه فأحسّ الحارث بالشرّ فذهب».
وانظر ميزان الاعتدال: 7 / 124 (9259)، وفيه: «وضاح بن يحيى النهشلي الانباري سكن الكوفة، عن العراقيين، كتب عنه أبو حاتم وقال: ليس بالمرضي، وقال ابن حبّان: لا يجوز الاحتجاج به لسوء حفظه».
الفصل التاسع عشر
[ في شفاعة أبي بكر للامّة وطيب ماله ]
ومن موضوعاتهم التي لا تستطاب، ويستنكرها أولوا العقول والالباب، ما افتروه على سيّد الانبياء الاطياب، إنّه قال لابي بكر: (ما أطيب مالك، منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرتُ عليها، وواسيتني بنفسك ومالك، كأنّي أنظر اليك على باب الجنّة تشفع لاُمّتي)(1).
وقد أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية وجرح في رواته، قال في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية:
«قال: أنا إسماعيل بن أحمد، قال: نا ابن مسعدة، قال: أخبرنا حمزة، قال: نا ابن عدي، قال: نا الحسين بن عبد الغفار الازدي، قال: نا سعيد بن كثير ابن غفير، قال: نا الفضل بن المختار، عن أبان، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر: (ما أطيب مالك؟! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوّجتي إبنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأنّي أنظر
____________
(1) انظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 30 / 62.
أقول: إن أراد ابن الجوزي أنّ هذا الخبر موضوع باطل، وأشار اليه بما نقل عن أبي حاتم الرازي ـ من أنّ الفضل بن المختار يحدّث بالاباطيل ـ فقد أصاب، وإن زعم أنّ الحديث من الواهيات لا من الموضوعات ـ كما هو ظاهر إيراده ايّاه في العلل ـ وعدم التصريح بوضعه، فقد أخطأ خطأً بيّناً، فإنّ الحديث من الموضوعات الشنيعة والمفتريات القبيحة قطعاً ; ومن هناك ترى نقّادهم صرّحوا بوضعه:
فمنهم الذّهبي، نقل في الميزان هذا الخبر وغيره في ترجمة الفضل، وقال: إنّ هذه الاخبار أباطيل وعجائب، وهذه عبارته في الميزان:
«الفضل بن المختار أبو سهل البصري، عن ابن أبي ذئب وغيره ; قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة، يحدّث بالبواطيل ; وقال الازدي: منكر الحديث جدّاً ; وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة، عامها لا يتابع عليها.
خالد بن عبد السلام، حدثنا الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك، قال: جاء مملوك إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله ; إنّ مولاي زوّجني وهو يريد أن يفرّق بيني وبين امرأتي، فقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر فقال (أيّها الناس، إنّما الطلاق بيد من أخذ بالساق).
محمّد بن عبيد الفزي، حدثنا الفضل بن المختار الليثي، عن عبيد الله بن
____________
(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 190 (294)، وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 7/69.
إبراهيم بن مخلد، حدّثنا الفضل بن مختاره، عن محمّد بن مسلم الطائفي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن جابر، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (يا معاذ انّي مرسلك إلى قوم هم أهل الكتاب، فإذا سألوك عن المجرّة فقل: لعاب حيّة تحت العرش).
فضل بن المختار، عن أبان، عن أنس مرفوعاً، قال لابي بكر: (ما أطيب مالك، منه بلال مؤذّني وناقتي، كأنّي أنظر اليك على باب الجنّة تشفع لاُمّتي). فهذه أباطيل وعجائب»(1).
وظهر من هناك، إنّ هذا الخبر من الاباطيل العجائب، والاكاذيب الغرائب، وإنّ الحكم بكونه واهياً فقط لا موضوعاً ليس بصائب.
قال السيوطي في ذيل الموضوعات في كتاب المناقب:
«ابن عدي: ثنا الحسين بن عبد الغفار الازدي، ثنا سعيد بن كثير بن عفير، ثنا الفضل بن المختار، عن أبان، عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي بكر: (يا أبا بكر، ما أطيب مالك، منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوّجتي ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأنّي أنظر اليك على باب الجنة تشفع لاُمّتي). أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: أبان متروك، والفضل بن المختار، قال أبو حاتم الرازي: يحدّث بالاباطيل، وأورده صاحب
____________
(1) ميزان الاعتدال: 5 / 435 (6756).
وفي مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الثالث باب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب والمثالب:
«حديث أنس قال: إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لابي بكر: (يا أبا بكر ما أطيب مالك، منه بلال) الحديث، وآخره: (كأنّي أنظر إليك على باب الجنّة تشفع لاُمّتي). (عد) فيه أبان، قال الذّهبي: حديث باطل»(2).
وقد قلّبوا هذا الكذب المستنكر إلى ألفاظ اُخر، وقد رواه عمدة محدّثيهم الكبار، وفخر علمائهم الاحبار، سامي الفخار يضع النجار، المحدّث المشهور في الامصار، السائر فضله في الاقطار، الفاشي جلالته في الانجاد والاوغار ابن النجار.
ولكن السيوطي لم يخف هناك أيضاً من التزام العار على أسلافه الواضعين الاشرار الفجّار، فحكم على هذا الكذب المردود عند أهل الابصار، بالكذب والافتراء والشنار، فقال في ذيل الموضوعات في كتاب المناقب:
«ابن النجار: أنبأنا عبد القادر بن خلف المؤدب، أخبرنا أبو الفضل محمّد ابن ناصر، أخبرنا أبو محمّد سعيد بن أحمد بن محمّد الشيرازي، أخبرنا أبو محمّد الحسيني بن عليّ الجوهري، ثنا عمر بن أحمد بن شاهين، ثنا الحسين بن محمّد بن محمد بن عفير الانصاري، ثنا زريق بن السخت، ثنا بشير بن زادان، عن عمر بن صبح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول
____________
(1) ذيل اللالئ للسيوطي كتاب المناقب: 51.
(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 388.
وقد نحا نحوه غيره من النقّاد، ففضحوا أهل العناد، ففي مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الثالث من باب مناقب الخلفاء الاربعة، من كتاب المناقب والمثالب:
«حديث (إنّ أعظم الناس عليّ منّة أبو بكر الصدّيق، زوّجني إبنته، وواساني بماله، وصاحبني بالغار، وإنّ أفضل أموال المسلمين مال أبي بكر، منه ناقتي التي هاجرت عليها، ومؤذّني بلال) (نجا) فيه عمر»(2).
ولا يخفى عليك! إنّ عمر بن صبح الذي قد افترى هذا الكذب الابين من الصبح، وقدح فيه السيوطي وصاحب تنزيه الشريعة وتلميذه، قد نصّ الذّهبي على أنّه ليس بثقة ولا مأمون، ونقل عن ابن حبّان أنّه كان يضع الحديث، وعن الدارقطني وغيره أنّه متروك، وعن الازدي أنّه كذّاب ; قال في الميزان:
«عمر بن صبح الخراساني، أبو نعيم عن قتادة، ويزيد الرقاشي، وعنه عيسى بن موسى بن غنجار، ومحمّد بن يعلي بن زنبور، وجماعة من المجاهيل ; ليس بثقة ولا مأمون ; قال ابن حبّان: كان ممّن يضع الحديث.
محمّد بن يعلي، حدّثنا عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن الاعرج،
____________
(1) ذيل اللالئ للسيوطي، كتاب المناقب: 51.
(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 388.
وقد ذكر في مختصر تنزيه الشريعة أنّ ابن صبح كذّاب، وقد إعترف بأنّه يضع الحديث، فقال في تراجم الكذّابين والمجروحين: «عمر بن صبح كذّاب، اعترف بالوضع»(2).
ولا يخفى! إنّ هذا الرجل من رجال ابن ماجة ـ كما يظهر من كتب الرجال(3) ـ ومع ذلك فقد عرفت أنّ السيوطي قد جرح الحديث الذي رواه وحكم بوضعه، وقال في هذا الرجل: إنّه يضع الحديث، وسمعت من حال هذا الرجل على لسان أئمّتهم ما سمعت ; حيث صرّح بعضهم بأنّه يضع الحديث، وبعضهم بأنّه كذّاب وامر، وبعضهم بأنّه متروك، وبعضهم بأنّه ليس بثقة ولا مأمون، ونقل الشيخ (رحمه الله)اعترافه بوضع الحديث.
فوضح من هناك أيضاً بابين وضوح، وأشدّ ظهور إنّ رواية ابن ماجة عن أحد، لا تدلّ عند التحقيق على ثقته وإعتماده، فإنّه يروي عن مثل هذا المقدوح المجروح، الذي يعترف بنفسه بالوضع، واتّفقت كلمة النقاد على جرحه وقدحه، فما سبق من السيوطي من التعقّب على جرح ابن حماد برواية ابن ماجة عنه، لم
____________
(1) ميزان الاعتدال: 5 / 248 (6153)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 88، العلل للدارقطني: 8/225، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 279 (5767).
(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 91 (375).
(3) اخرج له ابن ماجه احاديث كثيرة، فانظر ترجمته في الكامل لابن عدي: 6/230 (1197).
وقد رووا هذا الكذب الصراح، المصرّح بمواساة أبي بكر للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بالنفس والمال والانكاح عن ابن عباس أيضاً، بتغيير يسير وإختصار نزير.
ولعمري، إنّ حديث إعتراف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمواساة من أفحش الترهات، وأفضح الهفوات، وأقبح العثرات، وأشنع الباطلات، وأفظع الخرافات، وهذا لفظه في الرياض النضرة:
«عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته) وخرّجه في فضائله»(1) إنتهى(*).
وقال الذّهبي في الميزان:
«أرطأة بن المنذر، عن ابن جريح، بصري، يكنّى أبا حاتم ; قال محمّد بن صالح بن النطاح، ثنا أرطأة بن المنذر، حدثنا ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعاً، قال: (ما من أحد أعظم عندي يداً من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته) ; قال ابن عدي: ولارطأة غير هذا، وبعضها
____________
(1) الرياض النضرة للطبري: 2 ّ 15 (410)، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 30 / 61.
(*) وقد ذكر هذا الحديث الطبراني في معجمه الكبير: 11 / 153 (11461): «حدثنا عليّ بن سعيد الرازي، ثنا محمّد بن صالح بن مهران، ثنا أرطأة أبو حاتم، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما أحدٌ أعظم عندي يداً من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته). وفيه أرطأه أبو حاتم.
وقد ضعفه الكثير من علمائهم، منهم الهيثمي قال بعد ان نقل الحديث عن الطبراني «وفيه أرطأة أبو حاتم، وهو ضعيف» أنظر مجمع الزوائد: 9 / 27 (14326).
وقد صرّح الذّهبي في ترجمة محمّد بن صالح ـ الغير الصالح ـ الراوي لهذا الكذب ; بأنّ له خبراً باطلاً(2).
____________
(1) ميزان الاعتدال: 1 / 319 (688).
(*) أقول: إنّ توثيق الذّهبي لا رطأة فيه كثير من التهتك، فقد ذكر بنفسه قول ابن عدي فيه، هذا بالاضافة الاّ ماذكر الهيثمي في تضعيفه.
(2) ميزان الاعتدال: 6 / 188 (7691).