الصفحة 339

الفصل العشرون
[ في عدم محاسبة أبي بكر يوم القيامة ]

ومن غرائب أكاذيب النصّاب، الذين لا يخافون يوم الحساب، ولا يخفى شناعتها على أولي الالباب ; ما افتروه من أنّ أبا بكر لا يؤاخذ بالحساب.

قال في الرياض النضرة في مناقب أبي بكر:

«ذكر إختصاصه بأنّه لا يُحاسب يوم القيامة من بين الامّة: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قلت لجبرئيل حين أسرى بي إلى السماء: يا جبرئيل هل على أمّتي حساب؟ قال: كلّ أمّتك عليها حساب ما خلا أبا بكر، فإذا كان يوم القيامة قيل له: يا أبا بكر أدخل الجنّة، فيقول: ما أدخل حتى يدخل معي من كان يحبّني في الدنيا) خرّجه أبو الحسن العتيقي، وصاحب الديباج، وصاحب الفضائل وقال: غريب»(1).

وقال الوصابي في الاكتفاء:

«وعن أنس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قلت لجرئيل حين أسرى

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 2 / 74 (496).


الصفحة 340
بي الى السماء: يا جبرئيل هل على أمّتي حساب؟ قال: كلّ أمّتك عليها حساب ما خلا أبو بكر، فإذا كان يوم القيامة قيل له: أدخل الجنّة يا أبا بكر، فيقول: ما أدخل حتّى يدخل من كان يحبّني في الدنيا) أخرجه أبو الحسن أحمد بن محمّد العتيقي في جزء من حديثه، وصاحب الديباج، والدولابي في فضائل أبي بكر، وقال: غريب.

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الناس(1) كلّهم محاسبون إلاّ أبا بكر) أخرجه الخطيب في المتّفق والمفترق.

وفي رواية اُخرى عنها رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلّ الناس يحاسب يوم القيامة إلاّ أبا بكر) أخرجه أبو نعيم في فضائل الصدّيق»(2).

وهذا الكذب البارد ممّا يشهد بديهة العقل بوضعه، كما قال الفيروز آبادي في أمثاله، فإنّه لا فرق عند التأمّل الصادق في ذلك وفيما أورده الفيروز آبادي واعترف بأنّ بطلانه يُعرف ببديهة العقل.

والعجب! إنّهم كيف طابت أنفسهم بحطّ منزلة الفاروق وتاليه، فإنّ هذا البهتان ينادي بالاعلان: إنّ عمر وعثمان أيضاً يُحاسبان في القيامة، ولا يراعا فيهما حقّ الامامة، مع مالهما من الفضائل الجمّة الكثيرة، والمناقب الوافرة الغزيرة، التي لا يحصيها عاد ولا يحويها تعداد.

____________

(1) اثبتناه من المتفق والمفترق.

(2) الاكتفاء للوصابي مخطوط، وانظر المتّفق والمفترق للخطيب البغدادي: 1/256 (76)، فضائل الصدّيق وذكر أخبار اصبهان لابي نعيم 1 / 175، كنز العمّال: 11 / 558 (32636).


الصفحة 341
ولعمري، هذا الواضع الغافل، والكاذب الذاهل، قد غفل عمّا فيه من الشين والشنار في حقّ إمامي النار، ولو درى مافيه لما أجراه على فيه.

وإنّي قدّمت ذكر عمر وعثمان تطييباً لقلوب أهل العدوان، وإلاّ كان الانسب أن يذكر أوّلاً في هذا المضمار قسيم الجنّة والنار، فإنّه قد ثبت بالاحاديث الكثيرة المرويّة عن الثقات الاخيار ; إنّ أمر الجنّة والنار مفوّض إليه صلوات الله عليه ما تتابع الليل والنهار(1)، فكيف يُحاسب وهو ـ العياذ بالله ـ ممّا تظنّه الناصبة الكاذبة؟!.

وبالجملة: يدلّ على كذب هذه الخرافة وجوه:

أمّا أولاً: فلانّه قد ثبت برواياتهم أنّ أبا بكر أوّل من يُحاسب، فكيف يصدّق هذا الباطل الذي يستنكف من تصديقه كلّ عاقل.

والعجب! إنّ صاحب الرياض نفسه قد روى أنّ أبا بكر أوّل من يُحاسب، ثمّ صدّق هذا الهذر، ولم يخف عذاب السقر، وترك الحياء والخفر(2)، [ فقد ]روى صاحب الرياض قبل هذا الحديث في الباب الرابع من القسم الاوّل، فيما جاء مختصّاً بالخلفاء بالاربعة:

«ذكر مراتبهم في الحساب يوم القيامة: عن امامة، قال: (سمعت أبا بكر الصدّيق يقول للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من أوّل من يحاسب؟ قال: أنت يا أبا بكر،

____________

(1) ذكر ذلك ابن المغازلي في مناقب الامام علي (عليه السلام) والخوارزمي في المناقب، والجزري في نهاية اللغة، وابن ابي يعلى الحنبلي في طبقات الحنابلة، والحمويني في فرائد السمطين، وابن كثير في البداية والنهاية، والمتقي الهندي في كنز العمال، والقندوزي في ينابيع المودة، وان أردت المزيد فراجع كتاب احقاق الحق وملحقاته للسيد المرعشي النجفي وقد نقل فيه مصادر هذا الحديث من كتب اهل العامة.

(2) الخَفَرُ ـ بالتحريك: شدّة الحياء / لسان.


الصفحة 342
قال: ثمّ من؟ قال: عمر، قال: ثمّ من؟ قال: عليّ، قال: فعثمان، قال: سألت ربّي أن يهب لي حسابه فلا يحاسبه، فوهب لي) خرّجه الخجندي»(1) إنتهى.

فهذا الذي وضعوه صريحٌ في أنّ أبا بكر يُحاسب، بل يكون أوّل من يُحاسب، فكيف يؤمن أبو بكر من الحساب مع أنّه أوّل من يُحاسب، وأقدم من يطالب؟!.

وانظر! ـ رحمك الله ـ الى شدّة غفولهم وكثرة ذهولهم، حيث جعلوا التقديم في الحساب مرّة منقبة عظيمة وفضيلة جسيمة، فرتبوا فيها الخلفاء على حسب ما يعتقدون فيهم من الترتيب في الفضل، فقدّموا أبا بكر، ووسّطوا عمر، وأخّروا عليّاً، ورووا اخرى إنّ المؤاخذة والحساب منقصة ومخزاة، فوضعوا إنّ أبا بكر ليس عليه حساب، فهذا التناقض الفضيح ممّا لا يبلغ اليه حساب، والله وليّ التوفيق في المبدأ والمآب.

ثمّ لا أدري! ماذا أراد هذا المجنون المخبول، الذي أتى في الاربعة بهذا البهتان المنحول، لانّه إن أراد أنّ الابتداء بالحساب فضيلة، والخلاص منه رذيلة، فلذا قدّم أبا بكر وثنّاه بعمر وثلّثه بعليّ، فلماذا أخرج عثمان من هذا الفضل الجليل والمدح الجزيل؟!.

وإن كان عنده أنّ المؤاخذة للحساب منقصة وعيب، والخلاص منه فضل، فيكون إبتلاء الشيخين به وخلاص الثالث منه دليلاً على أفضليّته عليهما. ويؤيّده سؤال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ على حسب إفترائهم ـ خلاص عثمان من الحساب،

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 249 (86).


الصفحة 343
فينهدم بهذا الحديث مذهبهم وإعتقادهم، في مفضوليّة عثمان من الشيخين وأفضليّتهما عليه، ويثبت كذب نجاة الاوّل من الحساب ـ كما وضعه الكذّأبون الاقشاب ـ.

ثمّ لا يخفى عليك! إنّ صاحب الرياض النضرة لمّا تنبّه على تناقض هذين الكذبين، ومعارضة أحدهما للاخر، رام أن يجمع بينهما فأتى بما يقضي منه العجب الناظرون، ويضحك عليه الماهرون، فقال بعد ما سبق:

«وقال أبو بكر الحافظ البغدادي: وفي رواية اخرى (قضى لي حاجة سرّاً، فسألت أن يجعل حسابه سرّاً) قلت: ولا تضادّ بين الروايتين، بل تحمل الاُولى على أنّه سأله أن لا يحاسبه جهراً بين الناس، فوهب له ذلك، وجمعاً بين هذا وبين ماورد في حقّ أبي بكر من بعض الطرق أنّه لا يحاسب، وسيأتي في خصائصه، ويكون معنى أوّل من يحاسب أوّل من يُبعث للحساب، لانّه أوّل من تنشقّ عنه الارض ـ كما تقدّم ـ ثمّ لا يحاسب»(1) إنتهى.

أقول: لا يذهب على من له مسكة شعور وتمييز بين الظلّ والحرور، إنّ هذا التأويل عليل، وما لاحد من العقلاء إلى تصديقه سبيل ; لانّه إذا كان معنى حديث (أوّل من يحاسب أبو بكر)، إنّه أوّل من يُبعث للحساب لكنّه لا يُحاسب، وكذا عمرو عليّ ـ لاتحاد السياق ـ وبطلان إرادة معنيين من لفظ واحد ; ولا أقل من إرادة ذلك المعنى في حقّ أبي بكر على حسب نصّه وتصريحه، فيكون حال أبي بكر وعمر وعليّ وعثمان كلّهم في عدم الحساب سواسية كأسنان المشط، فلا معنى لافراز عثمان من هؤلاء، مع أنّ الحديث صريح في أنّ

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 250 (86).


الصفحة 344
حال عثمان مغاير لحال هؤلاء في الحساب.

وتوضيحه: إنّه لمّا سأل أبو بكر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أوّل من يُحاسب أجاب ـ على افترائهم ـ بأنّ أوّل من يُحاسب أبو بكر، ثمّ سأل أبو بكر عمّن يُحاسب بعد أبي بكر، فأجيب بأنّه عمر، ثمّ سأل عمّن يُحاسب بعد عمر، فاُجيب بأنّه عليّ، فلمّا ذكر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد عمر علياً ولم يذكر عثمان ـ مع أنّه كان ذلك مقتضى ترتيبهم في الفضيلة على حسب الاحاديث الكثيرة التي سمعها أبو بكر قبل ذلك منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ تحقّق لابي بكر هنا سؤال، حيث قدّم المؤخّر وترك المقدّم، فسأل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عثمان بأنّه ما حاله، ولِمَ لم يذكر في الحساب بعد عمر، فأجاب (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ عثمان لا يحاسب بأن يوهب حسابه بسؤاله، فلذا لم يذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد عمر.

فهذا السؤال الذي صدر من أبي بكر وأقرّه على ذلك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأجابه بما أجاب، إنّما يتصوّر إذا كان معنى أوّل من يحاسب ماهو الظاهر، لا أوّل من يُبعث للحساب، فإنّه إذا بعث أبو بكر للحساب ولم يُحاسب فيكون هو مثل عثمان، فلا يتحقّق بينهما فرق.

ثمّ إنّك ترى المحبّ الطبري يعترف بأنّ عثمان يُحاسب سرّاً لا جهراً ـ لدلالة الرواية التي ذكرها الحافظ البغدادي على ذلك ـ على حسب دلالة هذا الحديث الموضوع في فضل أبي بكر الذي يصدّقه المحبّ الطبري، فثبت على حسب تأويله أنّ عثمان يحاسب ولو سرّاً، وأبو بكر لا يحاسب أصلاً، وأيضاً يعترف بأنّ أبا بكر لا يحاسب، بل يُبعث للحساب ولكنّه لا يحاسب.

فانقلبت القصّة وانعكست المقالة، لانّ حديث الخجندي صريحٌ في أنّ

الصفحة 345
عثمان لا يُحاسب وأبو بكر وعمر وغيرهما يُحاسبون، ويقول المحبّ الطبري ـ مخالفاً لذلك النصّ الصريح ـ أنّ عثمان يحاسب وأبو بكر لا يحاسب، هل هذا إلاّ ضحكة وسخرية لا يتفوّه به أحد من أولي النهى!، والله تعالى وليّ التوفيق والهدى.

بل يقتضي إعتراف المحبّ الطبري بحساب عثمان سرّاً أنّ أبا بكر يُحاسب جهراً، لانّه لو كان حساب كليهما سرّاً لم يبق بينهما فرق، وحديث الخجندي صريح في الفرق بينهما.

فانظر! كيف قلّب المحبّ الطبري الامر الصريح، فادعى في حقّ أبي بكر الذي يحاسب جهراً أنّه لا يحاسب، وأثبت لعثمان الذي ورد في حقّه أنّه لا يحاسب ـ وظاهره أنّه لا يحاسب أصلاً ـ أنّه يُحاسب سرّاً، هل هذا إلاّ ركاكة وسخافة!.

وأمّا ثانياً: فإنّ هذا الحديث صريح في أنّ جميع اُمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يحاسبون إلاّ أبا بكر، فلزم أنّ عثمان أيضاً ممّن يُحاسب ; مع أنّ مدلول حديث الخجندي أنّ عثمان لا يحاسب بل يوهب حسابه، فهذا تناقض صريح وتهافت قبيح!، يكذب أحدهما الاخر، ولا يصدّقهما معاً إلاّ الاعفك(1) الابتر.

فظهر أنّهما من إكذوبات اللّئام وإفتراآت الطغام ; لا من أحاديث خير الانام، والروايات التي ينقلها العلماء الكرام.

وأمّا ثالثاً: فإنّ هذه الخرافة تدلّ على أنّ كلّ اُمّة رسول يحاسب غير أبي

____________

(1) رجل أَعْفَكُ: لا يُحسن العمل بيّن العَفَك، وقيل: أحمق لا يثبت على حديث واحد، ولا يتم واحداً حين يأخذ في آخر غيره / لسان.


الصفحة 346
بكر، مع أنّه قد روى في الاحاديث المستفيضة، إنّ سبعين ألفاً من هذه الامّة يدخلون الجنّة بغير حساب(1)، فهل يصدّق بعد ذلك هذا الكذب إلاّ الجهلة الاقشاب الذين لا يخافون ربّ الارباب.

ثمّ إنّهم إن لم تقنعهم هذه الدلائل والبراهين الزاهرة، بل تخالجت بعد سماعها أيضاً في قلوبهم الشبهات، وترامت ظنونهم في الظلمات، وآلوا بإتعاب نفوسهم، وإسهار عيونهم، وإعياء أفكارهم، وإظماء نهارهم، وصرف مساعيهم في إصلاح مخازيهم، بتوجيهات ركيكة، وتأويلات سخيفة.

فها أنا أسمعهم ما يشفي علّتهم، ويروي غلّتهم، ويقطع دابر لجاجهم، ويستأصل شأفة إعوجاجهم، ويدمّر على تسويلهم، ولا يبقى ولا يذر مجالاً لتأويلهم، بل يسقيهم كاسات الشرق، ويمنّيهم بالغصص والعار والرمض والحرق، ويذر في عيونهم قذى وفي حلقهم شجى، أعني أذكر تصريح أئمتهم وشيوخهم وأساطين دينهم، بكذب هذا البهتان الجالب عليهم الهوان:

فإعلم! إنّ الذّهبي الذي هو ناقد الرجال، وقائد أهل الكمال، بل حذيقهم المرجّب، وجذيلهم المحكّك، بأقواله يستدلّون، وعلى إفاداته يعتمدون، قد نصّ على أنّ حديث الحساب كذب بلا إرتياب، وقدح راويه وجرح ناقليه، قال في الميزان:

«محمّد بن جعفر البغدادي، عن داود بن صغير بخبر كذب، عن كثير

____________

(1) أنظر كنز العمّال: 3 / 100 (5683) وفيه: (سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنّة بغير حساب هم الذين لا يكتوون، ولا يكوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون). البزار عن أنس، وجامع الاحاديث للسيوطي: 4 / 470 (12851).


الصفحة 347
النواء، عن أنس (رضي الله عنه) مرفوعاً: (يا جبرئيل، على اُمّتي حساب؟ قال: نعم، ما خلا أبا بكر، فاذا كان يوم القيامة، قال: ما أدخل الجنّة حتى أدخل معي من يحبّني) ثمّ إنّ داود واه»(1) إنتهى.

فلله الحمد حمداً هو أهله، حيث أبان عن كذب هذه الفرية النكراء، بتصريح مثل الناقد الذّهبي عمدة الكبراء، فإنّه قال: إنّ هذا البغدادي أتى عن داود بخبر كذب وهو هذا، فهذا كما تراه يظهر منه أنّ هذا الحديث كذب باطل، وبهتان عن حلية الصحة عاطل.

فيا للعجب! من هؤلاء كيف يصدّقون مثل هذه الاكاذيب الظاهرة، التي نصّت نحاريرهم على إختلاقها وبطلانها، وهدموا بنصوصهم رواسي بنيانها، ثمّ يرون الفضائل الصحيحة لعليّ (عليه السلام) بعيون شزرة، ووجوه منكرة، فتراهم عند سماعها كأنّهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة.

ثمّ إنّ داود الذي قال الذّهبي هنا في حقّه إنّه واه، قد قال الخطيب في حقّه: إنّه ضعيف، وصرّح الدارقطني بأنّه منكر الحديث، كما قال الذّهبي في الميزان في حرف الدال:

«داود بن صغير، الشامي، يُكنّى أبا عبد الرحمن، عن كثير النوا ; قال أبو بكر الخطيب: ضعيف ; وقال الدارقطني: منكر الحديث، وصغير بخطّ الحافظ ـ بمهملة وضمّ ـ وهو خطأ، فإنّ هذا الرجل في تاريخ الخطيب، نقلته من نسخة السماطية وهي متقنة مكتوبة من خطّ المصنّف، صغير ـ بالفتح ثمّ بعين معجمة ـ وهو داود بن صغير بن شيب أبو عبد الرحمن البخاري لا الشامي، فالشامي لا

____________

(1) ميزان الاعتدال: 6 / 92 (7321).


الصفحة 348
وجود له ; ثمّ قال الخطيب: سكن بغداد وحدّث عن الاعمش، وأبي عبد الرحمن النوا الشامي، وسفيان، وعنه إسحاق بن سنين، والفضل بن مخلد، وكان ضعيفاً، بقي إلى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين»(1) إنتهى.

ثمّ إنّ ناقدهم النحرير، وإمامهم الشهير ابن الجوزي، أيضاً قدح في هذا الحديث وجرح راويه وقال: «لا أحسب البلاء فيه إلاّ من داود»، يعني يظنّ أنّ داود وضعه وإفتراه، فالله على صنيعه الشنيع بشرّ جزاء جزاه.

قال ابن الجوزي في كتاب العلل المتناهية:

«أنا أبو منصور القزاز قال: نا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا ابن رزق، قال: نا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: نا إسحاق بن إبراهيم الختلي، قال: نا محمّد بن جعفر أبو جعفر البغدادي، قال: نا داود بن صغير، قال: حدّثني كثير النواء، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قلت لجبرئيل حين أسري بي إلى السماء: يا جبرئيل على أُمّتي حساب؟ قال: كلّ اُمّتك عليها حساب ما خلا أبو بكر الصدّيق، فإذا كان يوم القيامة قيل له: يا أبا بكر أدخل الجنّة، قال: ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبّني في الدّنيا).

طريق آخر: أنا القزاز قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: نا محمّد بن عمر ابن بكير، قال: أنا حمزة بن أحمد بن مخلد القطان، قال: نا أبو العباس عبيد الله ابن عبد الله بن محمّد العطار، قال: نا داود بن صغير، قال: نا أبو عبد الرحمن

____________

(1) ميزان الاعتدال: 3 / 14 (2621)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 363 (4466)، المؤتلف والمختلف للدارقطني: 3 / 1440.


الصفحة 349
النواء الشامي، عن أنس بن مالك، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: (إلتقى رسول الله وجبرئيل (عليهما السلام) في الملا الاعلى، فقال: يا جبرئيل على اُمّتي حساب؟ فقال: نعم عليهم حساب ما خلا أبا بكر الصدّيق ليس عليه حساب، فقيل: يا أبا بكر أدخل الجنّة، قال: لن أدخلها حتى اُدخل معي من أحبّني في دار الدّنيا).

[ قال المصنّف ]: هذا حديث لا يصحّ، وداود بن صغير مجروح، قال أبو بكر الخطيب: كان ضعيفاً، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وامّا كثير النواء فقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: كان غالياً في التشيّع، [ وقال المصنّف ]: والعجب كيف روى هذا ولا أحسب البلاء إلاّ من داود»(1) إنتهى.

فظهر من قوله: «لا أحسب البلاء إلاّ من داود»، إن هذا الخبر عنده موضوع مردود، فلا تتوهمن أن إيراده في العلل وعدم إخراجه في الموضوعات دليل على عدم وضعه عنده، فإنّ هذا كان مسلماً لو لم يصرّح بهذه الفقرة، الكاسرة لفقرات النواصب، وأمّا إذا أورد حديثاً في العلل وصرّح بوضعه هناك، أو قال ما يفيد إلتزاماً، فعدم وضعه عنده غير مسلم، بل ذلك دليل على أنّه إستدرك ما فاته في الموضوعات.

ومن هناك ترى السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه، الذي صنّف في إستدراك على ابن الجوزي في جميع موضوعات فاتته، ومفتريات أفلتته، وجعل قوله هذا في العلل دليلاً على وضعه وكذبه، فقال في كتاب ذيل الموضوعات:

____________

(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 190 (295، 296)، وانظر الضعفاء والمتروكين للنسائي: 206 (532)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 7 / 202 (1602).


الصفحة 350
«الخطيب، اُخبرنا ابن رزق، حدّثنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا إسحاق ابن إبراهيم الختلي، ثنا محمّد بن جعفر أبو جعفر البغدادي، ثنا داود بن صغير، حدثني كثير النوا، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قلت لجبرئيل حين أسرى بي الى السماء: ياجبرئيل على اُمّتي حساب؟ قال: كلّ اُمّتك عليها حساب ما خلا أبو بكر الصدّيق، فإذا كان يوم القيامة قيل له: يا أبا بكر أدخل الجنّة، قال: ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبّني في الدّنيا) أورده ابن الجوزي في الواهيات، وقال: كثير ضعيف ولا أحسب البلاء إلاّ في داود»(1).

ومن طريف التناقض! إنّ السيوطي مع حكمه في الذيل على هذه الخرافة بالوضع، رواها عن عائشة في جمع الجوامع، وجنح الى تصديقه وتصويبه، وعدم إبطاله وتكذيبه، وهذه عبارته:

«قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (الناس كلّهم يحاسبون إلاّ أبا بكر) خط في المتّفق والمفترق، عن عائشة، وإسناده لا بأس به»(2).

[ وفي كنز العمال: «(الناس كلّهم يحاسبون إلاّ أبا بكر) خط في المتفق والمفترق، عن عائشة، وإسناده لا بأس به.

وأيضاً: (كلّ الناس يحاسب يوم القيامة إلاّ أبا بكر) أبو نعيم، عن عائشة»(3) ].

____________

(1) ذيل اللالئ للسيوطي، كتاب المناقب: 52، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 2 / 117 (512).

(2) جامع الاحاديث للسيوطي: 8 / 9 (24012)، وانظر المتّفق والمفترق للخطيب: 1 / 256 (76).

(3) كنز العمّال: 11 / 558 (22635)، (22636).


الصفحة 351
فياليت شعري! ما لهذا الشيخ المغفّل، يحكم على هذا الخبر القبيح تارة بما هو الحقّ الصريح فيدخله في الموضوعات والمفتريات ويحسبه من البلايا والافات، وتارة يشيح بوجهه عن الحقّ والصواب ويذهب عريضاً في الاغفال والابطال المورث للسباب، ويوضع في مهاوي رواية الكذب والبهتان، ويوغل في تيّه العصبيّة والقرفة على سيّد الانس والجان (صلوات الله عليه)، فلا يبالي ولا يحفل بالخزي والعذل والملامة، ويقيم على نفسه القيامة، فيورد في كتاب الحديث النبوي مثل هذه الاباطيل، ويتشبّث بذيل هذه الاضاليل، فيجنح بذلك الى ارتكاب الحرام.

وقد عدّ محمّد بن طاهر صاحب مجمع البحار أيضاً هذا الحديث من الموضوعات والمفتريات، فقال في كتابه تذكرة الموضوعات:

«(قال جبرئيل: كلّ اُمّتك عليها حساب ما خلا أبا بكر الصدّيق، فإذا كان يوم القيامة قيل له: يا أبا بكر أدخل الجنّة، قال: ما أدخل حتى أدخل معي كلّ من يحبّني في الدّنيا) فيه كثير ضعيف»(1).

وصرّح بوضع هذا الخبر القاضي محمّد بن الشوكاني أيضاً، فقال: إنّه موضوع، ففي الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة:

«حديث: (إنّ جبرئيل قال: كلّ أمّتك عليها حساب ما خلا أبا بكر الصدّيق، فإذا كان يوم القيامة قيل له: يا أبا بكر أدخل الجنّة، قال: يقول ما أدخلها حتّى أدخل معي من كان يحبّني في الدّنيا) ذكره في الذيل، وهو موضوع»(2).

____________

(1) تذكرة الموضوعات للفتني: 93، وفي آخره: كثير الضعف.

(2) الفوائد المجموعة للشوكاني: 335.


الصفحة 352
وبالجملة: ظهر ممّا بيّنا أنّ هذا الخبر وإن رواه الحسن العتيقي وصاحب الديباج وصاحب الفضائل، قد قدح فيه شيوخ السنّيّة وأئمّتهم، وقالوا بوضعه وإفتراءه، كالذّهبي وابن الجوزي والسيوطي ومحمّد بن طاهر والقاضي محمّد ابن الشوكاني.

فتصديق صاحب الرياض لمثل هذا الكذب والبهتان، من العجب العجاب!! المحيّر للالباب، القاضي عليه بمحايدته عن الصواب، والجنوح الى مخالفة السنّة والكتاب، والدخول في زمرة الكذبة الاقشاب.

وقد غلب على صاحب تنزيه الشريعة حبّ اللّجاج وعشق الاعوجاج، فرام إبطال الحكم بوضعه بخرافةلا طائل تحتها، مع إقراره بأنّ الحديث من الواهيات، ففي مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الثالث من باب مناقب الخلفاء الاربعة، من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث: (قلت لجبرئيل حين أسرى بيّ الى السماء: يا جبرئيل على اُمّتي حساب؟ قال: كلّ اُمّتك عليها حساب ما خلا أبي بكر الصدّيق، فإذا كان يوم القيامة قيل له: يا أبا بكر أدخل الجنّة، قال: ما أدخل حتّى يدخل معي من كان يحبّني في الدّنيا) خط، وفيه كثير وداود، وأورده ابن الجوزي في الواهيات، وقال: كثير ضعيف ولا أحسب البلاء إلاّ من داود، قلت: كثير أُوثق، وداود لم أرهم اتّهموه، وإنّما قال الخطيب: ضعيف، وقال الدارقطني: منكر الحديث، فالحق إنّ الحديث من الواهيات لا من الموضوعات»(1) إنتهى.

____________

(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 388، وفيه بعد ذكر الحديث: «خطّ، من حديث أنس من طريق كثير النواء، وعنه داود بن صغير، وأورده ابن الجوزي في الواهيات، وقال كثير ضعيف، ولا أحسب البلاء إلاّ في داود، قلت: مر في الفصل الذي قبله أنّ كثيراً وثّق، وداود لم أرهم اتّهموه، وانّما قال الخطيب: ضعيف، وقال الدارقطني: منكر الحديث، فالحقّ انّ الحديث من الواهيات لا من الموضوعات، والله أعلم».


الصفحة 353
أقول: أمّا إدعاءه أنّ كثيراً وثّق: فمن طريف الامور! لانّ كثيراً بتصريح أئمّة السنّيّه وشيوخهم غال في التشيّع مفرط فيه، زائغ عن منهج السنّيّة، فما بال هذا السنّي المسلم يوثّق مثل هذا الشيعي المفرط الغالي؟!.

ولكن حبّ شيوخهم، وشغف تصحيح فضائلهم، يذهب بهم إلى كلّ واد، ويتقدّمون على أشنع العناد واللّداد ; سبحان الله! إن سمعوا فضيلة عليّ (عليه السلام) من شيعي جرحوه وكذّبوه، وإن إفترى بعض رجالهم على من هو بتصريح نقّادهم شيعي مفرط غال وثّقوه، هل ذلك إلاّ عناد وعصبيّة! أعاذنا الله منها.

قال في الميزان:

«كثير بن إسماعيل بن النواء أبو إسماعيل، عن عطيّة العوفي وغيره، وعن ابن فضيل وجماعة، شيعي جلد ; [ ضعفوه، منهم ](1) أبو حاتم والنسائي ; وقال ابن عدي: مفرط في التشيّع ; وقال السعدي: زائغ.

منصور بن أبي الاسود، حدثنا كثير بن النواء، عن عبد الله بن مليل: سمعت عليّاً يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ لكلّ نبيّ سبعة نجباء...) الحديث، أبو عقيل يحيى بن المتوكّل، ثنا كثير بن النواء، عن إبراهيم بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، مرفوعاً، قال: (يكون بعدي قوم من اُمّتي يسمّون الرافضة يرفضون

____________

(1) في المصدر [ ضعفه ].


الصفحة 354
الاسلام)»(1) إنتهى.

وقال في التقريب: «كثير بن إسماعيل أو ابن نافع النواء ـ بالتشديد ـ أبو إسماعيل التميمي الكوفي، ضعيف، من السادسة»(2).

وأمّا ماذكر من أنّ لم يرهم اتهموا داود: فيجاب بأنّ عدم إتهام السابقين على ابن الجوزي إيّاه لا يدلّ على سلامته من الاتهام، فانّ ابن الجوزي ـ الذي هو بنصّ الخوارزمي إمام أئمّة التحقيق ـ قد اتهمه كما رأيت سابقاً، ثمّ إنّ تضعيفه أيضاً يكفي في المرام، فإنّ الرجل إذا كان ضعيفاً منكر الحديث، فلا يبعد منه صدور الكذب، وإنّما المانع منه هو العدالة والثقة ; ومن هناك رأيت الخطيب نسب إلى ابن حسنويه وضع حديث التجليّ، وعلّل ذلك بعدم ثقته، حيث قال: «الحمل فيه على ابن حسنويه فانّه لم يكن ثقة»(3).

فظهر! إنّ عدم ثقة الراوي يكفي في ثبوت وضع الحديث، ومع ذلك كلّه قد دريت سابقاً أنّ بناء الحكم بوضع حديث، ليس هو في الحقيقة على وجود كذّاب أو وضّاع في طريق الحديث، بل له علامات غير ذلك، فالواجب هو التفحّص عن ذلك.

ولمّا حكم النقّاد على هذا الخبر بالوضع، علم أنّ فيه أحداً من تلك العلامات، فلا ينفع بعد ذلك الكلام في رواته، خصوصاً إذا كان الكلام في محض الاتّهام وعدمه، ومع تسليم ضعفه وكونه منكر الحديث، فالحق: إنّ

____________

(1) ميزان الاعتدال: 5 / 487 (6936)، وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 7 / 159، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 206 (532)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 7/202 (1602).

(2) تقريب التهذيب للعسقلاني: 2 / 139 (6294).

(3) انظر تاريخ بغداد للخطيب: 12 / 20 (6381).


الصفحة 355
الحديث من الموضوعات لا من الواهيات فقط.

ومع ذلك كلّه، ترى ابن الجوزي قد أشار في كلامه إلى دليل عقلي على وضع هذا الخبر، حيث قال بعد قدح كثير النواء، وذكر غلوّه في التشيّع: «قلت: والعجب كيف روى هذا، ولا أحسب البلاء إلاّ من داود»(1)، مراده أنّه إذا كان غالياً في التشيّع فكيف يروي مثل هذه الفضيلة في أبي بكر، وهو عنده غاصب فاسق فاجر ظالم مرتد؟!.

فظهر من ذلك أنّ كثيراً لم يحدّث بذلك، بل وضع ذلك داود عليه، فليس البلاء ـ يعني بلاء وضع هذا الخبر ـ إلاّ من داود.

____________

(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 190 (295).


الصفحة 356

الصفحة 357

الفصل الحادي والعشرون
[ في محبّة الله تعالى لابي بكر وعدم تعذيب من يحبّه ]

ومن بواطيلهم السافرة، وأضاليلهم الشائعة ; ما أفتروه على الله تعالى أنّه أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحبّ أبي بكر، وإنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره بحبّ الله تعالى وحبّه إيّاه، وقال: «لو أحبّك أهل الارض جميعاً ما عذّبهم الله بالنار»، وقد رواه شيخهم الكبير الفخار ابن النجار بطريقين، عن أبي سعيد وابن عباس.

وقال الوصابي في الاكتفاء:

«وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (سمعت ليلة اُسري بي نداءً من قبل الله تعالى: يا محمّد أحبّ من اُحبّ، فقلت: نعم سيدي ومولاي، قال: أحبّ أبا بكر فانّي اُحبّه. وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): بخّ بخّ لك يا أبا بكر الله يحبّك وأنا أحبّك، والله لو أحبّك أهل الارض كلّهم ما عذّبهم الله بالنار) أخرجه ابن اسبوع الاندلسي في كتابه الشفاء.

وعن ابن عباس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليلة أسري إلى السماء ما مررت بسماء، إلاّ وجدت مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق، ثمّ قربني ربّي فأدنى منه تبارك وتعالى، فكان في

الصفحة 358
بعض مناجاته حبيبي محمّد أحبّ من أحبّ، فقلت: الهي وسيدي من تحبّ؟ قال لي: أحبّ أبا بكر فاني أحبّه، فلما هبطت عارضني جبرئيل عند سدرة المنتهى، وهو مقام جبرئيل (عليه السلام) ولو جاوز ذلك المقام بقياس ثقب أبرة لاحترق بالنور، فقال لي: يا محمّد ماذا قال لك ربّنا؟ قلت: قال لي أحبّ أبا بكر فإنّي أحبّه، فتبسّم جبرئيل (عليه السلام) فقال لي: يا محمّد والذي بعثك لو أحبّه أهل السموات والارض لما عذّب أحّد منهم بالنار، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): فقلت لجبرئيل إنّ قومي لا يصدّقوني حين مضى من الليل الثلث وأنا في منزل أمّ هاني، فقال: سيصدّقك الصدّيق الاكبر) أخرجه ابن سبع الاندلسي في الشفاء»(1).

ولا ريبة لاحّد من العقلاء في وضعه وبطلانه.

والعجب! إنّهم إذا سمعوا الاحاديث الصحيحة الناصّة على أنّ حبّ عليّ (عليه السلام) نجاة من النار(2)، ظهرت ضغائنهم، وتخازرت عيونهم، واحترقت صدورهم، وبدت شرورهم، وإختلجت قلوبهم، وإرتعدت فرائصهم، وتنكّرت وكلحت وجوههم، وتغيّرت نفوسهم، فتلقّوها بالانكار والاستهزاء والسخرية أو الرد والابطال، وأزفوا عائفين غير عاكفين عليها، وأطالوا التشنيع والاغلاط في القول، ونسبة السفه والخبط والجنون إلى مصدّقيها، وزعموا أنّها تناقض قواعد الاسلام والدين، وتهدم بنيان الشريعة، وتحلّ إنتهاك المحارم، وتجوّز إقتراف الجرائم، وتغري الفسّاق على الانهماك في الفسوق والفجور، وتقوي ظهور أهل

____________

(1) الاكتفاء للوصابي مخطوط.

(2) روى العديد من علماء العامّة هذا الحديث ومن طرق كثيرة: منهم الديلمي في فردوس الاخبار عن عمر: 2 / 226 (2545)، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 42 / 244، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 3 / 380 (1519)، والعلاّمة علي بن شهاب الدين الهمداني في مودة القربى: م6.