الصفحة 444

الصفحة 445

الصفحة 446

الصفحة 447

الصفحة 448

الصفحة 449

الصفحة 450

الصفحة 451

الباب الثاني
في تكذيب بعض مارووا من عجائب الهذر
في فضائل عمر


الصفحة 452

الصفحة 453

الفصل الاوّل
[ في أنّه أوّل من يُعطى كتابه بيمينه ]

فمن الكذب السمج الشنيع، الذي يبدو الوضع من جبينه، ما وضعوه (من أنّ عمر أوّل من يُعطى كتابه بيمينه)، ثم أضافوا إليه ماهو أبين في الفرية من الامس (إنّ له شعاعاً كشعاع الشمس)، ثم زادوا في الزور والغصة والبهتان، فوضعوا إنّه قد سئل لما بين ذلك عن أبي بكر؟ فقال: (قد زفّته الملائكة إلى الجنان).

ولمّا كانت هذه الفرية في غاية الشناعة، مهتوكاً أمرها عند أئمة الفنّ ومهرة الصناعة، تجنّب عن إيرادها وروايتها أكثر المتسمّين بأهل السنّة والجماعة، ولكن تهالك صاحب الديباج على الفرية والعناد والاعوجاج، وبالغ في اللداد واللجاج، فرواها بلا مخافة ورهبة، وأوردها في كتابه شرهاً بالكذب ورغبة ; وعدّ المحب الطبري أيضاً هذا البهتان من فضائل الثاني الشامس الحرون(1)،

____________

(1) رجل شَمُوس: صعب الخلق... عَسِرٌ في عداوته شديد الخلاف على من عانده / لسان.

فرس حَرُونٌ: من خَيْل حُرُن، لا ينقاد، إذا اشتد به الجري وقف / لسان.


الصفحة 454
وشهر الذيل لاثباته وتأويله، ولا غرو فالجنون فنون.

ففي الرياض النضرة:

«ذكر أنّهما ـ أي الشيخان ـ لا يرفع أحد من هذه الامة كتابه حتى يرفع كتابهما: عن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا لا يرفعنَّ أحد كتابه قبل كتاب أبي بكر وعمر) خرجه ابن الغطريف»(1).

«وذكر أنّ عمر أوّل من يُعطى كتابه بيمينه، وقد زفت الملائكة أبا بكر إلى الجنان: عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (أوّل من يُعطى من هذه الامّة كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، فقيل له: فأين أبو بكر يا رسول الله! قال: هيهات، زفته الملائكة إلى الجنان) خرجه صاحب الديباج.

ولا تضادّ بين هذا وبين ما تقدّم في الذكر قبله، إذ الرفع غير الاعطاء، وقد جاء أنّ أبا بكر لا يعرض على حساب، سيأتي ذلك في خصائصه، فلا يحتاج إلى إعطاء الكتاب، بل يرفع كتابه مع كتاب عمر بعد إعطائه إيّاه، وقد زُفّ أبو بكر إلى الجنّة»(2).

أقول: يا للعجب! يبالغ المحبّ الطبري في تصحيح هذا الكذب جاهداً بنفسه، ولا يشعر بما فيه من الركاكة والسخافة.

ومن هناك ترى قد اتفقت كلمة النقاد على وضعه وإبطاله:

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 330 (192).

(2) الرياض النضرة للطبري: 1 / 332 (195).


الصفحة 455
قال ابن الجوزي [ في الموضوعات ] في فضل عمر بن الخطاب من كتاب الفضائل والمثالب:

«الحديث الاوّل: أخبرنا عبد الرحمن بن محمّد، قال: ثنا أحمد بن عليّ، قال: ثنا محمّد بن أحمد بن زرق، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قال: ثنا إسحاق بن شنين الختلي، قال: ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد، قال: حدّثنا مرحوم ابن أرطبان، قال: ثنا عاصم الاحوط، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أوّل من يعطى كتابه بيمينه من هذه الاُمّة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: فأين أبو بكر؟ قال: تزفه الملائكة إلى الجنان) قال المصنف: هذا لا يصح، والمتّهم به عمرو يُعرف بالكردي، قال الدارقطني: كان كذّاباً يضع الحديث»(1) إنتهى.

والسيوطي مع كونه سادراً في غلواء العناد، والمبالغة في الذبّ عن ذمار الكذّابين الاوغاد، لم يمكنه هناك الجريان على ديدنه الذميم، فنفض اليد من تصحيح هذا الكذب السقيم، حيث قال:

«الخطيب، ثنا محمّد بن أحمد بن رزق، أنا عثمان بن أحمد الدقاق، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن سنين، ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي، ثنا مرحوم بن أرطبان بن عم عبد الله بن عون، ثنا عاصم الاحول، عن زيد بن ثابت مرفوعاً: (أوّل من يعطى كتابه بيمينه من هذه الامّة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: فأين أبو بكر؟ قال: تزفّه الملائكة إلى الجنان)

____________

(1) الموضوعات: 1 / 338، انظر سنن الدارقطني: 2 / 5 (2781)، وفيه: عمر بن إبراهيم يقال له الكردي: يضع الاحاديث.


الصفحة 456
المتهم به عمر»(1).

وقد سلّم حكم الوضع على هذه الفرية ابن العراق وتلميذه أيضاً، فأوردها في مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الاوّل من باب مناقب الخلفاء، فأظهر أنّها ممّا حكم ابن الجوزي بوضعه، ولم يخالف في ذلك الحكم، ففي مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الاوّل من باب مناقب الخلفاء الاربعة، من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث: (أوّل من يُعطى كتابه بيمينه من هذه الامّة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل، فأين أبو بكر؟ قال: تزفّه الملائكة إلى الجنان). خط، وفيه عمر وهو المتهم به»(2).

وبالغ الصغاني أيضاً في تبيين كذب هذه الخرافة، ولكن خاف من عذل المتسارعين إلى الجهالة، الراكبين متن الضلالة، فمهّد لذلك عذراً، وفضح المصدقين لها شقاوة وخسراً، فقال في كتابه الدرّ الملتقط في تبيين الغلط، على ما نقل:

«وأنا أنتسب إلى عمر وأقول فيه الحق ; لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (قولوا الحقّ ولو على أنفسكم والوالدين والاقربين) فمن الموضوعات ماروي (إنّ أوّل من يعطى كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: فأين أبو بكر؟ قال: سرقته الملائكة)»(3) إنتهى.

____________

(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 276، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 302 (5905).

(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 346.

(3) الدر الملتقط في تبيين الغلط للصغاني مخطوط في دار الكتب المصرية تحت رقم 1580، ولم نجده في المطبوع.


الصفحة 457
والقاضي ابن الشوكاني أيضاً عدّ هذا الخبر من الموضوعات، وقال: إنّ المتهم به الكردي. ففي الفوائد المجموعة:

«حديث: (أوّل من يُعطى كتابه بيمينه من هذه الاُمّة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: فأين أبو بكر؟ قال: تزفه الملائكة إلى الجنان). رواه الخطيب: عن زيد بن ثابت مرفوعاً، والمتهم به عمر بن خالد بن إبراهيم الكردي»(1) إنتهى.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرنا، إنّ نقاد آثارهم، ومحققي أخبارهم، قد إتفقت كلمتهم عن آخرهم على أنّ هذه الخرافة موضوعة، وأنّ تلك الفرية مصنوعة، ولم يستطع أحد منهم أن ينبس وشمه في إثباتها وتصويبها، أو يتكلّم بشيء، ولو كان ضعيفاً في ردّ إبطالها وتكذيبها، بل أسلموا الحكم بوضعها طوعاً وقهراً، ونصّوا على بطلانها علانية وجهراً(*).

____________

(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 326.

(*) والمتهم فيه عمر بن إبراهيم: فقد ذكر الخطيب تضعيفه عن البرقاني، فقال: أخبرنا البرقاني قال: قرأت على محمّد بن عمر بن بهتة حدثكم أحمد بن محمّد بن سعيد قال: عمر بن إبراهيم ضعيف. وقال في مكان آخر: ذاهب الحديث. انظر تاريخ بغداد: 11 / 202 (5905)، 3/71 (1057).

وقال ابن الجوزي في ترجمته، قال الدارقطني: كان كذّاباً يضع الحديث.

وقال ابن حبّان: روى عن الثقات مالم يحدثوا به قط، لا يجوز الاحتجاج بخبره.

وقال أبو بكر الخطيب كان غير ثقة، يروي المناكير عن الاثبات، انظر الضعفاء والمتروكين: 2 / 204 (2437)، لسان الميزان للعسقلاني 5: 137 (6059)، والمغني للذهبي: 2 / 109 (4418).


الصفحة 458
فيا للعجب! كيف جنح المحبّ الطبري وأمثاله، إلى مثل هذه الكذبة المهتوكة الحال، ولم يهابوا من الخزي والفضيحة بين يدي أصحاب الكمال، ونقاد الاحاديث والرجال، هل هذا إلاّ قلّة ورع ورقّة دين؟!، والله العاصم من وساوس الشياطين.


الصفحة 459

الفصل الثاني
[ في تجويز النبوّة لعمر ]

ومن أكبر خطاياهم، بل أعظم رزاياهم، تخرّصهم على الرسول الناطق بالصواب، تجويز النبوّة لعمر بن الخطّاب(1)، فجعلوا ذلك في مناقبه من الخزي والفضيحة ما يلزم عليه من المطاعن القبيحة، فيقدمون على إعلانه، ويجترؤون على بيانه، بل يذكرون لشدّة وقاحتهم في مقابلة المؤاخذين لعيوبهم، والمطالبين بذنوبهم، ويرومون به معارضتهم، وقد يقصدون به منازلتهم، بل يبتغون به معارضة الاحاديث الصحيحة في شأن الوصيّ (عليه السلام)، ومقابلة الروايات الثابتة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)في حقّ الولي. هذا غاية جهلهم وإختلاطهم، ونهاية هوسهم وإختباطهم.

وإن كنت في ريب من ذلك، وضاقت عليك المسالك، فانظر! إلى التحفة

____________

(1) انظر مسند أحمد: 3 / 363 (17336)، وفضائل الصحابة لاحمد بن حنبل: 1 / 346 (498)، 356 (519)، 436 (694)، والجامع الكبير للترمذي: 6 / 59 (3686)، والمستدرك للحاكم: 4 / 38 (4551)، والمعجم الكبير للطبراني: 17 / 310 (857).


الصفحة 460
المسروقة، حيث يقول فيها بعد ردّ حديث (أنا مدينة العلم):

«[ ومع هذا لا يفيد مدعاهم، لانّه لا ملازمة بين الكون «باب مدينة العلم» وبين الرئاسة العامة بلا فصل بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، غاية مافي الباب تحقّق شرط من شروط الامامة فيه بوجه أتمّ، ولا يلزم من وجود ذلك الشرط وجود المشروط مع وجود ذلك الشرط أو أكثر في غيره، كما ثبت في روايات أهل السنّة، مثل قوله: (ما صبّ الله شيئاً في صدري إلاّ وقد صببته في صدر أبي بكر) وأيضاً: (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر). ولو كانت روايات أهل السنّة معتبرة، فلابدّ من إعتبارها في كلّ مكان، وإلاّ لا يمكن القصد لالزامهم فانّهم لا يُلزمون برواية ](1)» إنتهى.

وقد تكلّمنا على كلامه في دلالة حديث (أنا مدينة العلم) على المدعا تصحيحاً وإثباتاً في كتابنا الكبير الموسوم (بعبقات الانوار)(2) بما لا مزيد عليه، فمن شاء فليرجع إليه، ولكن الغرض هنا هو الكلام في هذا الكذب الموضوع، والباطل المردوع، الذي هو على وجه واضعه مدفوع، ورأسه بمقامع التفضيح

____________

(1) تحفة اثنا عشريّة للدهلوي: الباب السابع: 426 وفيه:

«ومع هذا مفيد مدعاهم نيست، ز يراكه اگر شخصى باب مدينة العلم شد چه لازم است كه صاحب رياست عام هم باشد بلا فصل بعد از پيغمبر، غاية مافي الباب آنكه يك شرط از شرائط امامت دروى بوجه أتم متحقق گشت، ازو وجدان آن يك شرط وجود مشروط لازم نمى آيد، با وصف آنكه آن شرط يا زياده از آن شرط در ديگران هم به روايت أهل سنت ثابت شده باشد، مثل (ما صب الله شيئاً في صدري الا وقد صببته في صدر أبي بكر) ومثل (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر) اگر روايات أهل سنت را اعتبارى است در هر جا اعتبار بايد كرد، والاّ قصد إلزام إيشان نبايد نمود كه بيك روايت الزام نمى خورند».

(2) انظر عبقات الانوار للمؤلف في آخر الجزء الخامس بحث حديث مدينة العلم.


الصفحة 461
ومقامع التشنيع مقموع.

وأقول: لو ميّز الناصب بين الضار والنافع، والشهد الحالي والسم الناقع، لما ذكر هذا الافتراء المفتعل المدحور، ولما أبدى عواره المستور، ولكن حبّ شيوخه يذهب به كلّ مذهب باطل، ويوغل به كلّ تيه، فيجتري لوقاحته وجلاعته على ما يستنكف منه إلاّ عقل السفيه.

وبطلان هذا الخبر المطعون المكروه، لا يخفى على أولي النهى من وجوه:

أمّا أولاً: فلان ابن الخطاب بقى برهة من الزمان وقرناً من الاحيان متلوثاً بالكفر والشرك بالرحمن، والعناد واللداد بالرسول الهادي الى الرضوان، منهمكاً في عبادة الاصنام والاوثان، حلواً في تيه العدوان، سائراً هائماً في مهامة الطغيان، وهذا باعتقاد أرباب الشنان.

وأمّا عند أهل العرفان، وأصحاب الايمان فهو الان كما كان، فكيف تجوز عليه النبوّة والرسالة، واصطفاؤه لهذا المقام الحائز لكلّ شرافة وجلالة!، والمشترط فيه كلّ فخاره ونبالة، من العصمة والطهارة عن كلّ دنس وقذارة.

ولو سلمنا أنّه أسلم وأيقن وعرف الحقّ وآمن، وفاز بالمقامات العليّة، وأحرز الكرامات السنيّة، لكن بتجويز النبوّة على من سبق عليه الكفر والشرك ولو في أوّل العمر، لا يتأتى إلاّ من الملحد والجاهل المتعصّب الغمر.

ولو راموا الفصية عن هذا الاشكال، بمحو فضيلة إمامهم الضّال، وتضييع مساعي أسلافهم الجهال، وقالوا: إنّ هذا من قبيل تعليق المحال، على المحال فلا يتوجه عليه ملام ولا مقال، فإنّ الرسول، قال: (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر) ولمّا كان كون نبيّ بعده محالاً، يكون كون عمر نبيّاً أيضاً محالاً، فلا يلزم من هذا

الصفحة 462
تجويز النبوّة على ابن الخطاب، فلا يتوجه علينا لوم ولا عتاب.

فنقول: لو كان المراد ماذكرتم، والمعنى ما إليه أشرتم، لكان هذا الحديث عبثاً لا طائل تحته لا يفيد فائدة معتداً بها، وأيّ فائدة في الاخبار بأنّ كون عمر نبيّاً بعده محال؟!.

اللهمّ إلاّ أن يقولوا: إنّ عمر إدعى بعده النبوّة، أو إدعاها له أتباعه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك ردءاً لهم وإبطالاً لزعمهم، وعدل تقية وتورية عن التصريح بذلك، إلى هذا الكلام الموهم لخلاف المراد، الظاهر في مطلوب أهل العناد.

ثمّ نقول: لو كان المراد بهذا الحديث محض نفي النبوّة عن عمر، وإنّه ليس بنبيّ بعده، لكان ذكر شيوخكم لهذا الحديث في فضائله دالاً على سفههم وحمقهم وجهلهم ; لانّه ليس في نفي النبوّة عن أحد فضيلة له، حتى يعدّ ذلك في فضائله ومآثره، وهذا في غاية الظهور!، ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور.

وأيضاً يلزم منه سفه صاحب التحفة، حيث جعل هذا الحديث دالاً على أنّه وجد فيه شرط العلم، الذي هو من شروط الامامة، مثل ماوجد في عليّ أو أزيد منه ; وهذا لا يتأتى على تقدير هذا التوجيه، لانّه على هذا التقدير لا يدلّ على أزيد من نفي النبوّة عن عمر وإستحالته عليه!.

وإنّما غرض صاحب التحفة، إنّه لمّا جوّز كون عمر نبيّاً، ظهر أنّه كان صالحاً للنبوّة لائقاً لها، فثبت أنّه كان شرط العلم موجوداً فيه في أتمّ الوجوه، مثل ما كان موجوداً في عليّ، بل كان في عمر أزيد ; لانّه صالح للنبوّة والنبيّ أعلم من الامام.

وقد صرّح بذلك من قبل أبوه ـ فُضّ فوه ـ، حيث قال، ملقياً جلباب الحياء

الصفحة 463
والايمان، مدعياً إستعداد النبوّة لعابد الاوثان:

«[ وقد أخبر (صلى الله عليه وآله وسلم) بقابليّة الفاروق للنبوّة علمياً وعملياً.

أمّا عملياً: ما قال فيه: (إنّ الشيطان يهرب منه)، ورؤيا القميص وأمثاله، وهذه تلو العصمة ونائبة عنها.

وأمّا علمياً: فقوله: (الحق ينطق على لسان عمر)، وإنّه محدث هذه الاُمّة، ورؤيا اللبن وموافقة رأيه للوحي، وهذه الخصلة إنّما هي تلو الوحي ونائبة عنه.

فمن كان إستعداده أشبه بإستعداد الانبياء، كان أحقّ بالخلافة بعد إنقطاع النبوّة ]»(1) إنتهى مافاه به من الكفر الواضح والشرك اللائح.

ولولا ضرورة إظهار مخازيهم، وإبداء فضائحهم، لما نقلنا أمثال هذه الهفوات، وذكرنا أشباه هذه الطامّات.

ثمّ إنّ صاحب التحفة، أشعر في باب المطاعن أيضاً، بأنّ هذا الحديث يدلّ على صلاح عمر للنبوّة، حيث قال، في الطعن الخامس من مطاعن أبي بكر:

«[ سلمنا أنّ عمر عُزل من قبل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن كما عُزل هارون عن

____________

(1) انظر إزالة الخفاء لولي الله الدهلوي: 2 / 408، وفيه:

«آن حضرت (صلى الله عليه وآله وسلم) خبر دادند كه فاروق استعداد نبوّت دارد در قوّت علميّة وعمليّة، اما عملية جائى كه گفتند: شيطان از وى مى گريزد، ورؤياى قميص وما نند آن، واين تلو عصمت است ونائب او است، واما علمية جائى كه گفتند (الحق ينطق على لسان عمر) وگفتند (وي محدث اُمّت است) ورؤياى لبن وموافقت راى او با وحى، واين خصلت تلو وحى ونائب اوست، پس وقتى له نبوت منقطع شد احق بالخلافة كسى است كه استعداد او شبيه به استعداد انبياء است».


الصفحة 464
خلافة موسى بعد رجوعه، ولم يقدح هذا العزل في إستحقاق هارون للامامة، لكونه نبياً بالاستقلال، وكذلك عمر بن الخطاب لا يقدح عزله في لياقته للامامة، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر) ]»(1) إنتهى.

وهذا الكلام من صاحب التحفة والذي نحن في التكلّم عليه، يناديان بأعلى صوتهما أنّ عمر كان صالحاً للنبوّة، وإنّ النبيّ أخبر بجوازها عليه وصلاحه لها!!، ولكنّه إستحى من التصريح الصريح في المقامين، بأن يقول: إنّ عمر كان صالحاً للنبوّة، فأتى بالتلبيس والتدليس، وقال ماهو أبلغ من التصريح.

وأمّا أبوه وشيخه، فإنّه كان راسخ القدم في العصبيّة والصفاقة، لا يخاف من طعن وتشنيع وملامة، فيقول ما يريد، ويأتي بكفريات يخجل منها الشيطان المريد، فلذا صرّح بأنّ عمر كان صالحاً للرسالة، مع ما كان متصفاً بالضلالة والجهالة!!.

ثمّ إنّي ظفرت بعد تحرير هذا المقام، على كلام يتميّز منه الافهام، ويقضي على صاحبه بالكفر والالحاد، والمجانبة للاسلام: وهو ما تفوّه به الطيبي ـ لا طيّب الله رمسه وأصلى بالنار نفسه ـ حيث زاد في الطنبور نغمة، ونسب إلى صاحب العصمة أنّه ـ العياذ بالله ـ تردّد في أنّه هل كان عمر بن الخطاب نبيّاً أم لا، وصرّح بأنّ ابن الخطاب إنتهى إلى درجة الانبياء في الالهام ; قال في شرحه على

____________

(1) تحفة اثنا عشرية للدهلوي: الباب العاشر، مطاعن أبو بكر: 542، وفيه:

«قبول كرديم كه عمر معزول پيغمبر (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكن مثل حضرت هارون كه بعد از مراجعت حضرت موسى از طور از خلافت ايشان معزول شد، لكن چون بالاستقلال نبي بود اين عزل در لياقت امامت او نقصان نكرد، هم چنين عمر بن الخطاب را در حق او (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر) ارشاد شد اين عزل در لياقت امامت نقصان نكرد».


الصفحة 465
المشكاة، في شرح حديث: (لقد كان فيما قبلكم من الامم محدّثون، فإن يك في أمّتي أحد فإنّه عمر):

«هذا الشرط من باب قول الاجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنّه يخيّل في كلامه أنّ تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه، فالمراد بالمحدّث الملهم المبالغ فيه الذي إنتهى الى درجة الانبياء في الالهام.

فالمعنى: لقد كان فيما قبلكم من الامم أنبياء يلهمون من قبيل الملا الاعلى، فإن يك في اُمّتي أحد هذا شأنه فهو عمر، جعله لانقطاع قرينة، وتفوقه على أقرانه في هذا، كأنّه تردّد في أنّه هل هو نبيّ أم لا، فاستعمل «إن»، ويؤيّده ما ورد في الفصل الثاني: (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب) فإن في هذا الحديث بمنزلة إنْ على سبيل الفرض والتقدير»(1) إنتهى.

وأمّا ثانياً: فلانّ النبيّ يجبّ أن يكون معصوماً، وعمر لم يكن معصوماً بإجماع منّا ومنهم، فكيف يصلح للرسالة؟!.

ولكن لا غرو من عصبيّتهم، وذهاب عقولهم، وإستحواذ الشيطان على بصائرهم، أن يدّعوا العصمة لعمر.

أولا ترى! هذا الرجل الذي تسمّى بوليّ الله، يصرّح بأنّ عمر كان مستعداً للنبوّة في القوة العمليّة، ويستدلّ عليه بحديث: (إنّ الشيطان يفرّ من عمر)، وهل هذا إلاّ تصريح بعصمته! ; وإن كان لبس الامر أخيراً وجعل ذلك تلواً للعصمة ونائباً له.

____________

(1) انظر مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 386 (6035) وقد ذكر كلام الطيبي فيه.


الصفحة 466
وهذا معنى غريب ولفظ عجيب!، لم يسمع بمثله ولم يظفر بعديله ; لانّه إن أراد أنّه لم يكن معصوماً عن المعاصي، بل كان في مرتبة العدالة التي هي عبارة عن عدم إرتكاب الكبائر والاصرار على الصغائر، فهذا لا خصوصيّة له بعمر، بل يكون كلّ الصحابة مستعدين للنبوّة في القوّة العمليّة، بل كلّ عادل وإن لم يكن من الصحابة، يصحّ أن يقال له: إنّه صالح مستعد للنبوّة، وهل هذا إلاّ تخريب للدين والاسلام، ومجازفة لا ترضى بها إلاّ الملاحدة.

وإن أراد مرتبة فوق مرتبة العدالة، وهي عدم إرتكاب المعاصي مطلقاً، فهذا عين العصمة، سواء سماه تلو العصمة أو نائبه أو عينه أو ضدّه أو مخالفه، فإنّه لا كلام في الالفاظ، وإنّما البحث عن المعاني والاغراض.

ثم إن لم تصغ لهذا القيل والقال، وتعلقت بالاذيال، وطالبتني في تجويز إدعاء عصمة عمر على إمامته بدليل، وظننتني أنّني في هذا التجويز مجازف آت بالتسويل، وتعلّلت بأنّ القول بهذا كفر شنيع وإلحاد فظيع، فكيف يقول به السنّيّة؟!، وهم أعمدة الاسلام، وحفظة شريعة خير الانام، المقتدون بآثار الصحابة العظام.

فأقول: هب إنّ الامر في الاوّل كما قلت، وحقيقة الحال كما حسبت، لكن الثاني إنّما نشأ من إحسان الظن بهؤلاء الذين إنتحلوا الاسلام، والاغترار بتلبيسات هؤلاء الاعلام، الذين يتّبعون أتباع الملّة الحنيفة، وإقتفاء الاثار الملّة الشريفة، وهم في الحقيقة معاندون للشريعة، قائلون بكلّ شنيعة.

وإنّي لمّا أنسب إليهم ذلك التحقيق، وعزيتهم اليه بالتصديق، لم أكن ـ بحمد الله ـ كاذباً ولا عن الصواب ذاهباً، فإنّ شيخهم الاكبر وإمامهم الافخر الذي هو

الصفحة 467
مقتدى الصوفيّة، وهادي طريقتهم الدينيّة، مميت الدين ومخرّب الشرع المتين، قد نصّ على عصمة الثاني صريحاً، ونقله عنه عبد العالي في (شرح مثنوي الروم) من غير أن يخاف قبيحاً، قال:

«[ ورد عند مسلم وسائر أئمة الحديث: (ما سلك الشيطان فجاً إلاّ غير فجّك)، وقال الشيخ الاكبر وقدوة المحققين: إنّ هذا الحديث نصّ على عصمته حيث لم يسلك الشيطان طريقه ]»(1) انتهى.

فانظر! إلى هذا الكفر الصريح، والتعصّب الفضيح ; وتبرّأ إلى الله من دينهم ونحلتهم، والعرّ على طريقتهم وملّتهم.

وأمّا ثالثاً: فلانّه يلزم على النواصب أن يخرقوا إجماعهم، ويتركوا مذهبهم، من تفضيل أبي بكر على عمر إنْ صدّقوا هذا الحديث ; لانّه ظاهر على الاقاصي والاداني أنّهم خصّوا هذه الكرامة بالثاني، ولم يجعلوا منه للاوّل حظاً ونصيباً، ولم يحم هو حول ذلك بعيداً وقريباً.

فظهر منه! إنّه لو كان بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّ، لكان عمر دون أبي بكر، بل كان أبو بكر من جملة دعاياه وأتباعه، ومرؤسيه وأشياعه.

اللهمّ إلاّ أن يتصدوا للمباهتة، فيقولوا: إنّ الافضليّة ليست شرطاً في النبوّة، وإن كانت شرطاً في الخلافة!، كما هو معتقد وليّ الله في مصنفاته، بل معتقد عمر وأتباعه، حيث إستدلّ على تقديم أبي بكر للبيعة بأفضليّته وخيريّته يوم السقيفة

____________

(1) في المتن:

«در حديث مروى مسلم وديگر أئمه واقع است (ما سلك الشيطان فجا إلاّ غير فجّك) نرفته است شيطان هيچ راهى مگر آنكه رود غير راه تو اى شيطان، وشيخ اكبر قدوه محققان فرموده كه اين حديث نص است بر معصوم بودن او كه شيطان راه نيست در طريق وى (رضي الله عنه)».


الصفحة 468
فسلّمه الباقون، فيصيروا اضحوكة بين العقلاء!، ولا يستحقوا الخطاب والجواب عند الفضلاء.

ولنعم ما أفاد الخان المكرم في تبيين وضع هذا الحديث، حيث قال:

«[ وكذلك قوله: (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر) المروي بألفاظ مختلفة.

وفيه: إنّ المخبر الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يقول فيمن عبد الاوثان سنين من عمره: (إنّه لو كان نبيّ بعدي لكان عمر)؟!.

ومضافاً إلى سخافة مضمون هذه الجملة وركاكتها، والتي لا يمكن إطلاق لفظ الحديث عليها، فإنّه يُبطل ترتيب هذه الطائفة لفضل الخلفاء، إلاّ أن يختلقوا لابي بكر: (لو كان فيهما الهة لكان فلان) ]»(1) انتهى.

وأمّا رابعاً: فلمّا سبق من عبارة مجد الدين الفيروز آبادي المصرّحة بأنّ حديث (ما صبّ الله في صدري شيئاً، إلاّ وصببته في صدر أبي بكر)، وحديث (وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا إشتاق... الخ)، وحديث: (أبا وأبو بكر... الخ) وأمثاله مفتريات يعلم بطلانها ببديهة العقل(2).

____________

(1) في المتن:

«همچنين است حديث (لو كان بعدي نبيّ لكان عمر) كه به عبارات مختلفة مروى است، چه حسبة الله انصاف بايد كرد كه جناب مخبر صادق به حق شخص كه عمرها بت پرستى كرده باشد چگونه ارشاد مى فرموده اند كه بعد از من نبىّ مى بود محمّد مى بود، ويا وجود سخافت وركاكت مضمون اين جمله كه حديثش نتوان گفت مبطل ترتيب مقرر اين طائفه مى شود، مگر اينكه در شأن أبو بكر روايت سازند (لو كان فيها آلهة لكان فلان)».

(2) انظر سفر السعادة للفيروز آبادي: 280.