ثمّ إنّ في سند الزوزني راشد بن سعد، وهو عند ابن حزم ـ الامام الناقد ـ ضعيف غير راشد، قال الذّهبي في الميزان:
«راشد بن سعد الحمصي، شهد صفين، وروى عن سعد وثوبان وعوف بن مالك وخلق، وعنه الزبيدي وثور ومعاوية بن صالح وعدّة ; وثّقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد ; وقال أحمد: لا بأس به، وشذ ابن حزم فقال: ضعيف ; وقال الدارقطني: يعتبر به، لا بأس به، وقيل: مات سنة ثمان ومائة»(1) إنتهى(*).
وأمّا ما نقل السيوطي عن الديلمي: فهو أيضاً مثل الاكاذيب السابقة، والاباطيل الكاسدة الغير الرائقة، وقد وقع فيه إسحاق بن نجيح، وهو مقدوح غير منجح، ومطعون غير مفلح، قد نصّ أئمة التحقيق على كذبه وخبثه، قال أحمد: هو من أكذب الناس، وذكر عند ابن معين فقال: لا يرحمه الله، وقال مرّة: إنّه كذّاب رجل سوء خبيث عدوّ الله، وقال الفلاّس: كذّاب يضع الحديث، وقال ابن عدي: هو ممّن يضع الحديث(2).
وقد سمّاه الذّهبي في الميزان دجّالاً، حيث قال:
«عن ابن جريح، عن عطاء، عن أبي سعيد: (وصيّة أوصى بها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
(1) ميزان الاعتدال: 3 / 55 (2709).
(*) قال العسقلاني في آخر ترجمة راشد: قلت وفي روايته عن أبي الدرداء نظر، وذكر الحاكم ان الدارقطني ضعفه، وكذا ضعفه ابن حزم، وقد ذكر البخاري انّه شهد صفين مع معاوية (تهذيب التهذيب: 2 / 138 (2185) وهذا يكفيك.
(2) انظر الجامع في العلل لابن حنبل: 1 / 216 (1372)، وتهذيب التهذيب للعسقلاني: 1/221 (476)، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 1 / 535 (155).
وفي حاشية الكاشف للذّهبي في ترجمة إسحاق بن نجيح(2).
ولهم شيخ آخر يقال له: إسحاق بن نجيح الازدي أبو صالح، وقيل: أبو يزيد الملطي، سكن بغداد يروي عن الاوزاعي وابن جريح وعطاء الخراساني وهشام بن حسان، وعنه إبراهيم بن بشار الصوفي وإبراهيم بن راشد المدني، وعليّ بن حجر السعدي، ومحمّد بن شعيب الحراني، ونوح بن حبيب القوسي، وهو أحّد الضعفاء المتروكين والكذبة الوضّاعين(3).
فإذا تبيّنت حال ابن نجيح عند أئمّة الرجال، ونقّاد الاثر وحذّاقه ومهرته، ومن يدور على أيديهم أمر هذا الفنّ، ظهر عليك أنّ التأييد بروايته لا ينجح مراداً، ولا يصلح فساداً، فياليت شعري! كيف يركن إلى روايته، ويُصغى إلى سفاهته.
وبالجملة: طرق هذا الخبر بأجمعها دائرة على الكذّابين والمجهولين، والفسقة المطعونين، ليس له طريق لا يشتمل على مجروح كاذب، فتجشم إثباته وتصحيحه عن الصواب ذاهب.
وقد سلك ابن العراق وتلميذه أيضاً مسلك السيوطي، وقلّداه في التعقب لحكم ابن الجوزي، حيث قال في مختصر تنزيه الشريعة:
«حديث: (لو لم اُبعث فيكم لبعث عمر). عدّ، وفيه زكريا وعبد الله متروك، ومشرح لا يحتجّ به، تُعقّب بأنّ زكريّا قيل ثقة وكذا عبد الله ومشرح، وله شاهد، خرجه الديلمي والطبراني، وأسانيد الكلّ ضعيفة ويتقوّى بعضها
____________
(1) ميزان الاعتدال: 1 / 354 (796)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 8 / 208 (11904).
(2) الكاشف للذهبي: 1 / 239 (325).
(3) انظر تهذيب التهذيب للعسقلاني: 1 / 221 (475، 476).
ولا غرو من هذين الرجلين!، فإنّهما بمعزل عن التحقيق.
ولكن أعجب! من ابن الشوكاني حيث رضى بتمويه السيوطي ولم ينقّب عن حقيقة الامر، مع أنّه إعترض على السيوطي في عدّة أحاديث لمثل هذه التعقبات الركيكة، قال في الفوائد المجموعة:
«حديث: (لو لم اُبعث فيكم لبعث عمر). رواه ابن عدي، عن بلال مرفوعاً في إسناده وضاع ; وروى من طريق أخرى في اسناده: متروكان هما: عبد الله بن واقد، ومشرح بن عاهان ; وقال في اللالئ: وثّق الاوّل ابن معين، وذكر الثاني ابن حبّان في الثقات»(2) إنتهى.
وقد رووا هذا الخبر الموضوع بلفظ آخر، وهو أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ عياذاً بالله ـ ذلك في خطاب عمر، ولكن صرح صاحب المختصر بنكارته، ولذلك أخرجه محمّد بن طاهر الكجراتي في الموضوعات، حيث قال في تذكرة الموضوعات:
«وفي المختصر: (لو لم اُبعث لبعثت يا عمر) منكر»(3).
____________
(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 373.
(2) الفوائد المجموعة للشوكاني: 336.
(3) تذكرة الموضوعات لمحمد طاهر الكجراتي: 94.
الفصل الثالث
[ في كثرة فضائل عمر ]
ومن إفتراآتهم، إنّه قال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّي لو حدّثتك بفضائل عمر مثل ما لبث نوح (عليه السلام) في قومه ما نفدت).
وقد روى هذا الخبر المنحول، والكذب المعسول المرذول، أكابرهم الفحول، وتلقوه بالقبول، والحقّ أنّهم لو عقلوا لما باحوا بما باحوا، بل على فضيحة أسلافهم ناحوا، وما غدوا في هذا المسلك وراحوا، ولو أبصروا وتأمّلوا لما نفدت على خزي أكابرهم حسراتهم، وما انقضت على هتك أستارهم عبراتهم، ولو بكوا على ذلك ما لبث نوح في قومه، لما كفى في ذلك من وزان عيبه ولومه.
وإن كنت من ذلك في ريب، ونسبتني إلى الكذب رجماً بالغيب، وقلت: حاشاهم من مثل هذه الشناعة والعيب، وزعمتهم من مثل هذه الاكاذيب طاهري الجيب، فانظر إلى [ صاحب ] الصواعق، كيف أورد هذا الحديث على فضل أبي بكر مدلّلاً، وجعله لمناقبه مكمّلاً!، قال:
وقد أورده المحبّ الطبري أيضاً في كتابه، وإحتجّ به على فضيلة الشيخين، قال في الرياض:
«ذكر أخبار جبرئيل بفضائلهما: عن عمار بن ياسر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: (يا عمّار، أتاني جبرئيل آنفاً، فقلت: يا جبرئيل، حدّثني بفضائل عمر في السماء؟ فقال: يا محمّد، لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثل ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلى خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر). خرجه الحسن بن عروة العبدي»(2).
وقال الوصابي في كتاب الاكتفاء: «عن اُبي بن كعب، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (جاءني جبرئيل (عليه السلام) فقلت له: أخبرني عن فضائل عمر وماذا له عند الله تعالى؟ فقال لي: يا محمّد، لو جلست معك قدر ما مكث نوح في قومه لم أستطع أن أخبرك بفضائل عمر وماله عند الله عزّ وجلّ، ثمّ قال: ليبك الاسلام على موت عمر) أخرجه الحافظ عبد الملك بن سعد بن
____________
(1) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 228 (101).
(2) الرياض النضرة للطبراني: 1 / 309 (156).
ولا غرو من ابن حجر وأمثاله!، من أن يعدّوا مثل هذا الافتراء من مدائح أئمتهم، ومناقبهم ومفاخرهم ومآثرهم.
ولكنّي اُطيل العجب! من السيوطي الذي هو من نقّاد الحديث، ومهرة هذا الفنّ المتين، عالي الكعب في التحقيق والتدقيق، ذو اليد الطولى في التمييز بين الغثّ والسمين، كيف خفى عليه كذب مثل هذا الافتراء؟!، حتّى أقدم على ذكره مثبّتاً به فضل الشيخين، وهذا غاية المراء.
قال في رسالته التي سمّاها إلقام الحجر في فيّ من زكّى ساب أبي بكر وعمر، في الفصل الاوّل فيما ورد من فضلهما:
«وعن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أتاني جبريل آنفاً فقلت: يا جبريل! حدثني بفضائل عمر بن الخطاب، فقال: يا محمّد! لو حدّثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر). رواه أبو يعلي في مسنده»(2) إنتهى.
يا سبحان الله! هذا السيوطي مع جلالته ونبالته وفضله وجلاله وعلمه وكماله، يتشبث بذيل هذه الموضوعات، ويعتمد على هذه الخرافات التي آثار الكذب من سماها ظاهرة، وعلامات الوضع على نواصيها زاهرة، حتّى نصّت
____________
(1) الاكتفاء للوصابي اليمني: مخطوط، انظر شرف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للخركوشي: 295 النسخة المترجمة للفارسية، فوائد تمام الرازي: 61.
(2) القام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر للسيوطي: 41 (17)، وانظر مسند أبي يعلي: 3/179 (1603).
قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات:
«الحديث الثالث: أخبرنا عليّ بن عبد الله، قال: أنبأ عليّ بن أحمد البسري، قال: أنبأنا أبو عبد الله بن بطة، قال: أنبأنا أبو عليّ إسماعيل بن محمّد الصفّار، قال: ثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثني الوليد بن الفضل الغبري، قال: حدثني إسماعيل بن عبيد بن نافع البصري، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أتاني جبرئيل آنفاً، فقلت: يا جبرئيل! حدّثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمّد! لو حدّثتك بفضائل عمر في السماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر) ; [ قال المصنّف ]: قال أحمد بن حنبل: هذا حديث موضوع ولا أعرف إسماعيل، وقال أبو الفتح الازدي: هو ضعيف.
طريق آخر: أخبرنا أبو عبد الله(1)، قال: أخبرنا عليّ بن أحمد البندار، قال: ثنا عبيد الله بن محمّد العكبري، قال حدثنا أبو بكر محمّد بن الحسين، قال: ثنا محمّد بن عبد الحميد الواسطي، قال: ثنا محمّد بن رزق الله، قال: حدثنا مقدام(2) بن أبي ثابت، قال: حدثنا عبد الله بن عامر الاسلمي، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن اُبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كان
____________
(1) في المصدر: [ عليّ بن عبيد الله ].
(2) في المصدر: [ حبيب ].
فنحمد الله تعالى، حيث ألقمنا الحجر في فم السيوطي الذي زكّى أبا بكر وعمر، وأمليناه بعذاب السقر، ومزّقنا دليله شذر مذر، فإنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ ابن الجوزي الذي هو العمدة في التحقيق والتنقيد، صاحب الذهن الثابت والرأي السديد، قد وضّع هذا الخبر الشنيع، وعدّه من المستبشعات الموضوعة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونزّه عند جنابه الرفيع.
وليس هو متفرّداً في ذلك الحكم! بل سبقه الى ذلك أحمد بن حنبل إمام أئمّتهم، وركن إسلامهم، وقد صرّح الدارقطني أيضاً بوضع هذه الفرية السخيفة، والقرفة الركيكة، كما في مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الاوّل من باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب:
«حديث (أتاني جبرئيل آنفاً فقلت: يا جبرئيل، حدّثني بفضائل عمر في السماء، قال: يا محمّد، لو حدثتك بفضائل عمر في السماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر، وإنّ
____________
(1) في المصدر: [ فضائل ].
(2) في المصدر: [ غير صحيح ].
(3) الموضوعات: 1 / 239، وانظر تاريخ يحيى بن معين: 1 / 128 (767)، وفيه: عبد الله بن عامر الاسلمي ضعيف، والمجروحين لابن حبان: 2 / 6.
فظهر من هذه العبارة!، إنّ هذا الخبر قد صرّح الدارقطني بوضعه، وإنّه عند صاحب تنزيه الشريعة وتلميذه أيضاً موضوع، وإنّه مالم يخالف ابن الجوزي في الحكم بوضعه حيث أورده في مختصر تنزيه الشريعة في الفصل الاوّل.
وقد صرّح الذّهبي أيضاً ببطلان هذا الخبر المكذوب الباطل، ولم يخف في إظهار الحقّ عن لؤم لائم جاهل، قال في الميزان:
«إسماعيل بن عبيد بصري، ضعّفه الازدي، له عن حماد بن أبي سليمان في فضل عمر، والحديث في جزء ابن عرفة وهو باطل، رواه ابن عرفة عن الوليد
____________
(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 346، وفيه بعد ذكر الحديث:
«الحسن بن عرفة من حديث عمار بن يسار، وفيه إسماعيل بن عبيد بن نافع البصري، وجاء من حديث اُبي بن كعب من طريقين أخرج أحدهما ابن بطة، وفيه عبد الله بن عامر الاسلمي ليس بشيء، قال ابن حبّان: يقلب الاسانيد والمتون ; قلت: قال الحافظ ابن حجر الشافعي في لسان الميزان: ليس الافة منه، وفي السند ابن بطة والنقاش المفسر وفيهما مقال صعب إنتهى والله أعلم. وأخرج الاخر تمام في فوائده، وفيه حسان بن غالب، قلت: وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق حسان، وقال: موضوع والله أعلم، وجاء أيضاً من حديث زيد بن ثابت وأبي سعيد أخرجهما ابن عساكر، الاوّل من طريق الكديمي، والثاني من طريق داود بن سليمان، قال الازدي: خراساني ضعيف جداً، وفيه غيره ممّن ينظر في حاله، وجاء أيضاً من طريق عائشة أخرجه الخطيب، وفيه أبو القاسم برية بن محمّد بن برية البغدادي».
وانظر جزء الحسن بن عرفه: 60 (35)، وكتاب الدارقطني علل مالك مفقود كما هو مذكور في مقدمة كتابه العلل.
فهذا كما تراه! صريح في أنّ هذا الخبر رواه ابن عرفة في فضل عمر مكذوب باطل، وإنّ راويه مقدوح مجروح على هذا المقدار.
بل إدّعاه التصريح ببطلان هذا الكذب المستهجن، والعضيهة(2) الكريهة، في ترجمة الوليد بن الفضل أيضاً، حيث قال:
«الوليد بن الفضل العنزي، عن عبد الله بن إدريس الاودي، وعنه الحسن ابن عرفة ; قال ابن حبّان: يروي موضوعات لا يجوز الاحتجاج به بحال ; قلت: هو الذي حديثه في جزء ابن عرفة عن إسماعيل بن عبيد (إنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر) وإسماعيل هالك، والخبر باطل.
وفي سنن الدارقطني: أنا إسماعيل بن العباس الورّاق، ثنا عباد بن الوليد أبو بدر، ثنا الوليد بن الفضل، أخبرني عبد الجبار بن الحجاج الخراساني، عن مكرم بن حكيم الخثعمي، عن سيف بن منير، عن أبي الدرداء: أربع سمعتهنّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تكفروا أحداً من أهل قبلتي بذنب وإن عملوا الكبائر، وصلّوا خلف كلّ إمام، وجاهدوا ـ أو قال: قاتلوا ـ ولا تقولوا في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ إلاّ خير، وقولوا: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ...)(3)) الحديث. قال الدارقطني: من بعد عَبّاد ضعفاء»(4) إنتهى.
ولنعم! ما أجرى الله على لسان القاري، حيث نادى جهاراً بأنّ هذا
____________
(1) ميزان الاعتدال: 1 / 397 (914).
(2) العضيهة: البهيتة: وهي الافك والبهتان والنميمة / لسان.
(3) البقرة الاية: 134، 141.
(4) ميزان الاعتدال: 7 / 136 (9402)، وانظر سنن الدارقطني: 2 / 37 (1742)..
«وممّا وضعتهن جهلة المنتسبين الى السنة حديث: (لو حدّثتكم بفضائل عُمَرُ عُمْرَ نوح في قومه ما فنيت، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر)»(2) إنتهى.
فلم يبق بعد ذلك مرية وإرتياب في أنّ ابن حجر والسيوطي والمحبّ الطبري وأمثالهم من الجهلة الاقشاب، الذي إنتسبوا الى السنّة وليسوا من أهلها بالحقيقة والصواب، حيث صدّقوا هذا الكذب الخبيث الذي يستبشعه وألو الالباب، وينادي بكذبه النصاب، وتصرح بأنّه من وضع جهلة المنتسبين الى السنّة الشريفة، والمنتحلين للملّة الحنيفة.
ثمّ يظهر من النكت البديعات للسيوطي، إنّه لم يتعقّب حكم ابن الجوزي بوضع هذا الخبر، بل أقرّه عليه، فالعجب! من السيوطي، كيف يستدلّ بحديث موضوع صرّح مثل ابن الجوزي، وأحمد بن حنبل، والدارقطني، والذّهبي بوضعه، ولم يمكن له تعقب الحكم بوضعه، لكن التعصّب طبع على قلبه، وأغشى سريرته، فأرداه وأضلّه وألقاه في هذه المهاوي.
ثمّ إنّ أبناء الزمان الذين يبالغون في العدوان، ولا يبالون من البهتان، إن إستحيوا من إلتزام هذه الشناعة الظاهرة عند أهل الايمان، فبرزوا في لباس تحقير أعلامهم الاعيان، ورموا ابن حجر والسيوطي والمحبّ الطبري بالهوان، وقالوا:
____________
(1) في النسخة [ تذكر الموضوعات ] وهو خطأ من الناسخ.
(2) الاسرار المرفوعة لعلي القاري: 454.
فأقول لهم: أوّلاً: هداكم الله! الى سبيل الرشاد، ووفّقكم لسلوك السداد، أتيتم بما هو عين المراد لاهل الحقّ الامجاد، وجانبتم العناد، وجنحتم عن اللداد، حيث ضللتم ابن حجر والسيوطي والمحبّ الطبري، وسفّهتموهم ونسبتموهم الى الحمق والجلاعة، ولو فعلتم في كلّ مقام مثل ذلك، وتبرّأتم من جميع علمائكم لكان خيراً لكم.
ونقول ثانياً: إنّ الذي يصدق في حقه [ گر ولى اين است... الخ(1) ] وهو معجزة من معجزات الله، وآية من آياته باعتراف ولده في التحفة، وهو في هذه البلاد ملجأ السنّيّة طرّاً وعوثهم كلاًّ، يحسبونه مقتدى الافاق والامام على الاطلاق، قد ذكر هذا الكذب الشنيع والافتراء الفظيع في كتابه، وإستدلّ به على أفضليّة الاوّل على الثاني، حيث قال في إزالة الخفاء:
«[ وصلنا الى أنّ أفضليّة الصديق على الفاروق من أين تُفهم؟ إنّها تفهم من حديث عمار وعائشة، وهو الحديث الحادي والاربعون المستشهد به في هذا المجال ] وهو:
عن عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا عمّار، أتاني جبرئيل آنفاً فقلت: يا جبرئيل، حدّثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء؟، فقال: يا محمّد، لو حدثتك بفضائل عمر مثل ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر لحسنة
____________
(1) الگرولي اسم يطلق على أهل السنة في بلاد الهند.
فانظر! كيف ذهب به حبّ الشيخين في تيه الضلال، فصار كناقة عشواء لا يدري يميناً عن شمال، يحتج بهذه الموضوعات الواهية الباطلة المزخرفة، ويستدلّ بهذه الاكاذيب الملفقة الشنيعة البشعة.
ثمّ إنّك إن لم تشبع بما ذكرت من نصّ أحمد بن حنبل، وابن الجوزي، والدارقطني، والذّهبي، على وضع هذا الحديث وكذبه، وإيراد صاحب مختصر تنزيه الشريعة إيّاه في الاحاديث التي نصّ على أنّها حكم ابن الجوزي بوضعها ولم يخالف، وطلبت دليل آخر على كذبه وإفترائه؟.
فنقول: إنّ الدلائل التحقيقيّة على كذبه وإفتراآته أكثر من أن تحصى، وأزيد من أن تستقصى، لكن نورد دليلين آخرين إلزاميين على كذبه:
فاعلم: إنّ العلاّمة الحلّي ـ أحلّه الله دار الكرامة ـ ذكر في كتابه نهج الحقّ في فضائل أمير المؤمنين:
«روى أخطب خوارزم من الجمهور باسناده إلى ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد والجنّ حسّاب، والانس كتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام))»(2).
____________
(1) ازالة الخفاء للدهلوي 2 / 495، وفيه:
«آمديم بآنكه أفضليّت صديق (رضي الله عنه) بر فاروق از كجا مفهوم مى شود، آن مفهوم است از حديث عمار وعائشة وآن جهل ويكم است از أحاديث اين مسلك: عن عمار...».
(2) نهج الحقّ للحلي: 231، وانظر المناقب للخوارزمي: 31 (1)، والحديث رواه الجويني في فرائط السمطين، والگنجي في كفاية الطالب، وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان، والهروي في الاربعين حديث.
«والاخبار التي يرويها أخطب خوارزم، أثر النكر والوضع ظاهر عليها، بحيث لا يخفى على المتدرب في فن الحديث، فإنّ هذه المبالغة التي نسبها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائل عليّ بقوله: (لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والانس كتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب) لا يخفى على الماهر في فنّ الحديث، إنّ هذا ليس من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولينصف المنصف المتدرب في معروفة الاخبار، هل من شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يبالغ فيه مثل هذه المبالغة في مدح أحّد من المخلوقين، وهذا من أوصاف الخالق: (قُل لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي)(2).
ثمّ إنّ لفظ الفضائل لا يوجد أصلاً في كلمات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومحال أن يحكم المحدث أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تكلّم بلفظ الفضائل!، فإنّ هذا من ألفاظ المحدّثين المولدين، وليس من كلام العرب، والمحدث لا يخفى عليه أنّ هذا موضوع»(3)إنتهى.
ولا يخفى! على المنصف اللبيب، والناقد الاريب، إنّ المبالغة التي وضعتها
____________
(1) أي: قد شق على ابن روزبهان.
(2) الكهف الاية: 109.
(3) انظر دلائل الصدق للمظفر: 2 / 499، وقد نقل كلام بن روز بهان هذا وناقشه.
ولنعم ما قال مولانا التستري ـ نوّر الله مرقده ـ في جواب الفضل الفضول:
«وأمّا رابعاً: فأمّا ما جعله إمارة على وضع الحديث من المبالغة الواقعة فيه، فيعارض بالمبالغة الواقعة فيما ذكره ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث في فضائل أبي بكر، حيث قال:
«أخرج أبو يعلي عن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أتاني جبرئيل (عليه السلام) آنفاً فقلت: يا جبرئيل، حدّثني بفضائل عمر بن الخطاب، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ما أنفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر)، إنتهى.
بيان المعارضة: إنّه إذا كان تعذّر إحصاء فضائل عمر بالمثابة التي وضعها أسلاف ابن حجر في هذه الرواية على لسان جبرئيل، مع كون عمر حسنة واحدة من حسنات أبي بكر، فإذا نُظر الى باقي الحسنات الحاصلة لابي بكر من الذّوات الداخلة تحت تربيته كعائشة، وعثمان، وطلحة، والزبير، وأبي عبيدة الجراح، وخالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومغيرة بن شعبة، وأبي هريرة، ومن الافعال الصادرة عنه، كتقمّصه الخلافة ثمّ جعلها عند وفاته لعمر، ومنع ميراث أهل البيت (عليهم السلام) بحديث إفتراه،
فإذا ثبت أنّ المبالغة في هذا الحديث الموضوع مثل المبالغة التي زعمها الفضل، دليلاً على وضع حديث فضيلة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ظهر كذبه وإفتراءه عند النواصب!.
وأيضاً قال ابن روز بهان: «انّ لفظ الفضائل من المتولّدات لم ينطق به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(2)، وجعله أيضاً من دلائل الوضع، مع أنّ تلك اللفظة موجودة في هذا الحديث أيضاً ; فيكون موضوعاً!.
وممّا يزيد في بصيرة الناظر، ويستطرفه الناقد الماهر، إنّ السيوطي وإن خب في إلقام الحجر في محال العدوان، وسرد بتصديق هذا البهتان، وظنّه من الفضائل الثابتة بالاثر، وحسبه موجباً لالقام الحجر في فم طاعن أبي بكر وعمر، لكن لمّا أراد أن يتكلّم في اللالئ المصنوعة على حكم ابن الجوزي، قعد به العجز عن الانتصار، ولم يستطع أن ينكر شمس النهار!.
فمع أنّه إستنفذ جهده وجدّه، وإستفرغ وكده وكدّه، في نقل هذا الكذب البارد بطرق عديدة عن أئمته العمائد، لكن لم يمكنه هناك الاستجّنان بجّنة غابة
____________
(1) انظر احقاق الحق للتستري في رده على بن روزبهان: في حديث كثرة فضائل علي (عليه السلام): 191.
(2) انظر المصدر نفسه وقد نقل فيه كلام الفضل: 190.