«الحسن بن عرفة، ثنا الوليد بن الفضل العنبري، ثنا إسماعيل بن عبيد بن نافع البصري، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عمار بن ياسر [ (رضي الله عنه) ] مرفوعاً: (أتاني جبرئيل آنفاً فقلت: ياجبرئيل، حدّثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمّد، لو حدثتك بفضائل عمر في السماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر)، قال أحمد بن حنبل: موضوع، ولا أعرف إسماعيل ; وقال الازدي: هو ضعيف ; وقال ابن حبّان: يروي المناكير التي لا يُشك انّها موضوعة، [ قلت: أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة، والله أعلم ](1).
أخبرنا عليّ بن عبد الله، أنا عليّ بن أحمد البندار، أنا عبيد الله بن أحمد العكبري، ثنا أبو بكر محمّد بن الحسين، ثنا محمّد بن عبد الحميد الواسطي، ثنا محمّد بن رزق الله، ثنا حبيب بن أبي ثابت، ثنا عبد الله بن عامر الاسلمي، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي بن كعب مرفوعاً: (كان جبرئيل يذاكرني أمر عمر، فقلت: يا جبرئيل، اذكر لي فضائل عمر وماله عند
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
وحديث عمار أخرجه الطبراني: ثنا أحمد بن القاسم بن مساور للجوهري، ثنا للوليد بن الفضل العنزي به.
ولحديث أُبيّ طريق آخر أخرجه تمام في فوائده: أنا إبراهيم بن محمّد بن سنان ومحمّد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، قالا: ثنا زكريا بن يحيى، ثنا الفتح بن النصر بن عبد الرحمن الفارسي، كان يسكن مصر، ثنا حسان بن غالب، حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبيّ بن كعب مرفوعاً: (كان جبرئيل يذاكرني فضل عمر فقلت له: يا جبرئيل، ما بلغ من فضائل عمر؟ قال: يا محمّد، لو لبثت ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمر [ وماذا له عند الله، قال لي جبرئيل: يا محمّد، ليبكين الاسلام من بعدك على موت عمر ](1))، قال في الميزان: حسان بن غالب، عن مالك: متروك ; وذكره ابن حبّان، فقال: شيخ من أهل مصر يقلّب الاخبار، ويروي عن الاثبات الملزقات ; وقال الحاكم: له عن مالك أحاديث موضوعة.
وللحديث طريقان آخران، عن زيد بن ثابت وأبي سعيد، قال ابن عساكر: أنا أبو الحسن عليّ بن المسلم، أنا عبد الله بن أبي الحديد، أنا عبد الرحمن بن عبد العزيز بن الطبير، ثنا محمّد بن يحيى بن الحسن التميمي العلاف، ثنا محمّد بن
____________
(1) لا يوجد في المصدر.
وقال ابن عساكر: أنا هبة الله بن أحمد بن عمر، أنا أبو طالب العشاري، أنا أبو الحسين بن سمعون املاءً، أنا أبو بكر محمّد بن يونس المقري، ثنا محمّد بن هشام، ثنا داود بن سليمان، ثنا حازم بن جبلة، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي سعيد، قال: (قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبرئيل (عليه السلام): أيّها الروح الامين، حدّثني بفضائل عمر عندكم في السماء، قال: يا محمّد، لو مكثت معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ما حدثتك بفضيلة واحدة من فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر).
وبالجملة: أصحها إسناداً حديث عمّار، ومع ذلك قال الذّهبي في الميزان إنّه خبر باطل.
وقال الخطيب: أنا الحسين بن محمّد أخو الخلال، حدثني أبو القاسم برية ابن محمّد بن برية البغدادي البيع بجرجان، ثنا إسماعيل بن محمّد الصفّار، أنا أحمد بن منصور الرمادي، أنا عبد الرزاق بن همام، أنا معمر بن راشد عن الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من
____________
(1) اثبتناه من المصدر.
(2) في المصدر [ فذكرني ].
أقول: فآخر كلامه كما تراه صريح في أنّ هذا الخبر موضوع، وكذب عن الصحة عاطل، وضوء آفل، وسناد مائل، وغرور حائل، لانّه قال: إنّ أصلحها إسناداً حديث عمّار، ومع ذلك قال الذّهبي إنّه خبر باطل، فذلك صريح في أنّه ليس له طريق يعتمد عليه وسند يركن إليه، وإنّ ماهو أصلح من الجميع كذب شنيع، فكيف يعين الاصلح فإنّه من هذا الكذب أيضاً أقبح؟!.
وهذا الكلام الاخير الصادر من السيوطي النحرير، وإن كان كافياً في ردّ الخبر عند الناقد البصير، وأيضاً فيه غنية عن إبانة غاية عناد السيوطي، وتغافله وإرتكاسه في العصبيّه، حيث احتج بهذا الكذب المردود المنكوس المرذول، ولم يخف في إثبات هذا الباطل الافتضاح عند الجهابذة النقاد، والخزي بين يدي الله تعالى والرسول، ولكن لما رام في صدر الكلام تقوية هذا الكذب بنقله عن عدّة طرق من أئمته الاعلام، والذب عن ذمار بعض الكذبة اللئام، فلا علينا لو بينّا وهن كلامه وفساد مرامه.
____________
(1) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 277، وانظر المعجم الاوسط للطبراني: 2/342 (1093)، فوائد تمام الرازي: 57، تاريخ دمشق لابن عساكر: 44 / 137، 138، تاريخ بغداد للخطيب: 7 / 140 (3578)، ميزان الاعتدال: 7 / 136 (9402) في ترجمته الوليد وفيه: «قلت: هو الذي حديثه في جزء ابن عرفه عن إسماعيل بن عبيد (ان عمر حسنة من حسنات أبي بكر) وإسماعيل هالك، والخبر باطل».
فامّا ما نقل عن ابن عرفة: فحاله مشهور معروف، لانّ الائمّة النقاد قد كذّبوه وأبطلوه، ونقل نفس السيوطي عن أحمد بن حنبل أنّه موضوع، وصرّح الدارقطني أيضاً بوضعه كما سبق، والذّهبي أيضاً حكم ببطلانه وكذبه غير مرّة، وراويه بإعتراف السيوطي عند مهرة الصناعة وأئمة السنّة والجماعة مقدوح مجروح.
فما قال السيوطي بعد ذلك كلّه: إنّ أبا نعيم أخرجه، فإن أراد به التعقب لحكم ابن الجوزي بوضعه، فهو دليل على أنّه بسكرة العصبيّة مخمور، وعقله بسر العناد مغمور، فإنّه ظاهر كلّ الظهور أنّ إخراج أبي نعيم للحديث لا يصلح أن يتمسّك به في التعقّب للحكم بالوضع.
ولنعم! ما أفاد ابن الشوكاني، حيث قال في الفوائد المجموعة:
«حديث: إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لجبرئيل (حدّثني بفضائل عمر في السماء، فقال: يا محمّد، لو حدثتك بفضائل عمر في السماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر) رواه الحسن بن عرفة عن عائشة مرفوعاً ; قال أحمد بن حنبل: إنّه موضوع ; قال في اللالي: إنّه أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة، قلت: أخرجه أبو نعيم فكان ماذا، فليس بمثل هذا يتعقب قول من قال موضوع»(1) إنتهى.
____________
(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 337.
وأمّا ما قال السيوطي بعد نقل الطريق الاخر في التعقب على قدح راويه ; بأنّه من رجال ابن ماجة: فقد سمعت مراراً مافي مثل هذا التعقب(1).
وبالجملة: إذا كان الرجل بتصريح النقاد مقدوحاً مجروحاً، لا يجدي رواية ابن ماجة عنه، بل يكون ذلك دليلاً على غفلته وتساهله وقلّة تماسكه وفقدان تميّزه، وقد عاب عليه بل على من هو أعظم منه بمثل ذلك المحقّقون والمنقدون، كما لا يخفى على المتتبع.
وبالجملة: عبد الله بن عامر مقدوح باجماع المهرة الاكابر، قال ابن حبّان: يقلّب الاسانيد والمتون كما نقل السيوطي، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال يتكلّمون في حفظه، وضعّفه أحمد والنسائي والدارقطني، وابن المديني: إنّه ضعيف مغفّل، وقال ابن سعد: إنّه يستضعف، ففي الميزان للذّهبي:
«عبد الله بن عامر الاسلمي المدني، عن نافع والزهري، ضعّفه أحمد والنسائي والدارقطني ; وقال يحيى: ليس بشيء ; وقال البخاري: يتكلّمون في حفظه، وسئل عن ابن المديني فقال: عندي ذلك(2) ضعيف مغفل».
وأيضاً في الميزان بعد ذكر بعض أحاديثه: «قال ابن سعد: كثير الحديث، قارئ للقرآن، يستضعف»(3).
____________
(1) ذكر المصنّف فيما سبق ان ابن ماجة ينقل في كتابه عن الضعاف والمجروحين.
(2) في المصدر [ ذاك عندنا ].
(3) ميزان الاعتدال: 4 / 130 (4399)، وانظر الجامع في العلل لابن حنبل: 1 / 53 (447)، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 146 (339)، الضعفاء والمتروكين للدارقطني: 361 (316)، تاريخ يحيى بن معين: 1 / 128، التاريخ الكبير للبخاري: 5 / 156 (482)، الطبقات لابن سعد: 5 / 454 (1340).
«حسان بن غالب، عن مالك متروك ; ذكره ابن حبّان، فقال: شيخ من أهل مصر، يقلّب الاخبار، ويروي عن الاثبات الملزقات، لا تحلّ الرواية عنه إلاّ على سبيل الاعتبار ; أنا محمّد بن المسيب، ثنا الفتح بن نصير الفارسي، ثنا حسان ابن غالب، أنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن اُبي بن كعب مرفوعاً: (من سرّح لحيته ورأسه في ليله عوفي من أنواع البلايا).
ومن مصائبه: ثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن أنس مرفوعاً: (الانصار أحبائي، وفي الدين إخواني، وعلى الاعداء أعواني) ; قال الحاكم: له عن مالك أحاديث موضوعة»(1) إنتهى.
وأمّا طريق زيد بن ثابت الذي نقله السيوطي عن ابن عساكر: فحاله أيضاً واضح ظاهر ; لانّ فيه عليّ بن علي الرافعي، وهو مقدوح بنصّ الاكابر، قال أبو حاتم، إنّه لا يحتج به، وقال ابن المديني عن يحيى: كان يرى القدر، وتكلّم فيه ابن معين، وذكره العقيلي في المقدوحين والضعفاء، قال في الميزان:
«عليّ بن عليّ بن نجاد بن رفاعة الرفاعي، أبو إسماعيل البصري، عن
____________
(1) ميزان الاعتدال: 2 / 224 (1813)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 1 / 271.
ثمّ إنّ في هذا الطريق محمّد بن يونس الكريمي، وهو أحّد المتروكين والكذّابين، حتى قال ابن حبّان مع ماله من التساهل والتسارع إلى التوثيق: إنّه لعلّه وضع أكثر من ألف حديث، وقال ابن عدي: إنّه متّهم بالوضع، وإنّه إدعى الرواية عمّن لم يرهم، وإنّ عامة مشايخه تركوا الرواية عنه، وقال الدارقطني: إنّه يتهم بوضع الحديث، وإنّ الذي أحسن القول فيه لم يخبر حاله، وأطلق أبو داود أيضاً الكذب فيه، وكذلك كذّبه موسى بن هارون، والقاسم المطرز أيضاً كذبه مبالغاً، حتى قال: إنّه يجاثيه بين يدي الله تعالى ويقول: إنّه كان يكذب على رسولك وعلى العلماء ; قال الذّهبي في الميزان:
«محمّد بن يونس بن مولى القرشي الشامي الكديمي البصري، أحد المتروكين، ولد سنة خمس وثمانين ومائة أو قبلها، ورُبّي في حجر زوج اُمّه روح بن عبادة، فسمع منه، ومن الطيالسي والخريبي، والطبقة، وعنه أبو بكر الشافعي وأبو بكر القطيعي، وخلق.
قال الكديمي: قال لي ابن المديني: عندك ماليس عندي، قال الكديمي: كتبت عن ألف ومائة، وحججت، ورأيت عبد الرزّاق ولم أسمع منه ; وقال أحمد
____________
(1) ميزان الاعتدال: 5 / 177 (5901)، وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 6 / 196 (1080)، الضعفاء الكبير للعقيلي: 3 / 240 (1238).
(*) وقال ابن حبّان في المجروحين: كان ممن يخطئ كثيراً: 2 / 112.
قلت: مات سنة ست وثمانين ومائتين، وقد نيّف على المائة ; سئل عنه الدارقطني، فقال: يتهم بوضع الحديث، وما أحسن فيه القول إلاّ من لم يخبر حاله ; ثمّ قال الدارقطني: قال لي أبو بكر أحمد بن المطلب الهاشمي قال: كنّا يوماً عند القاسم بن زكريا المطرز، فمرّ في كتابه حديث من الكديمي، فامتنع من قدامه، فقام محمّد بن عبد الجبار وكان أكثر عن الكديمي، فقال: أيّها الشيخ أحبّ أن تقرأه، فأبى وقال: أجاثيه بين يدي الله غداً، وأقول: إنّ هذا كان يكذب على رسولك وعلى العلماء»(1) إنتهى.
وأمّا طريق أبي سعيد المنقول عن ابن عساكر: ففيه داود بن سليمان، وهو ضعيف جدّاً، قال في الميزان:
«داود بن سليمان، عن حازم بن جبلة، قال الازدي: ضعيف جدّاً خراساني»(2).
____________
(1) ميزان الاعتدال: 6 / 378 (8359)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 7/553 (178)، المجروحين لابن حبّان: 2 / 312، سؤالات السلمي: 288 (308)، الضعفاء والمتروكين للدارقطني: 351 (486).
(2) ميزان الاعتدال: 3 / 13 (2612)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 3 / 14 (3273).
وقد رواه أيضاً ولي الله وإحتج به على أفضليّة الاوّل على الثاني، وهذا غاية الجهل والمراء!، والله الموفق للصواب والاهتداء، فقال متصلاً بالعبارة السابقة(1):
«وعن عائشة، قالت: (بيّنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجري في ليلة صاحية إذ قلت: يا رسول الله، هل يكون لاحد من الحسنات عدد نجوم السماء؟ قال: نعم عمر، قلت: فأين حسنات أبي بكر؟ قال: إنّما جميع حسنات عمر كحسنة واحدة من حسنات أبي بكر)»(2).
وقد روى هذه الخرافة صاحب الرياض النضرة أيضاً، واحتجّ واستدلّ بها على فضيلة الشيخين، حيث قال:
«ذكر أخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ حسنات عمر بعدد نجوم السماء وأنّه حسنة من حسنات أبي بكر: عن عائشة، قالت (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش نظرت إلى السماء والنجوم مشتبكة، فقلت: أيكون في الدنيا أحدٌ له حسنات بعدد نجوم السماء؟ فقال: نعم، قلت: من يا رسول الله؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت: كنت إشتهيتها لابي بكر، فقال: إنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر) خرجه صاحب فضائل عمر.
____________
(1) انظر أوّل الفصل.
(2) ازالة الخفاء للدهلوي: 2 / 490.
لا يخفى على ذي لب!، إنّ حديث إشتباك النجوم بيّن الانتهاك، وكذب مذموم، قد شكلوا فيه الكذب والزور، وبالغوا بافترائه في التخديع والغرور، وأساؤوا غاية الاساءة في إفتعال حديث الحسنات، ولم يذروا من الجرأة على الله ورسوله شيئاً من الهنات والسيئات، ولو نظر فيه أريب لحكم بأنّه كذب غريب.
وكيف لا يكون كذلك؟!، وفيه من المبالغة الفاحشة والاغراق البالغ ما تستنكره العقول، ولا تتلقاه بالقبول إلاّ الغمر الجهول.
سبحان الله! يكون الحديث المروي بين الفريقين في فضيلة عليّ لاشتماله على ما تظنّه الناصبة مبالغة ـ والحقّ أنّه أمر واقعي ـ موضوعاً عندهم، ولا تكون هذه الخرافة البيّنة البطلان كذباً وافتراء.
ثمّ إنّ هذا الخبر كسابقه مقدوح الاسناد، مجروح الراوي، فيا للعجب! من صاحب إزالة الخفاء مع ادعاء التحقيق والتبحر والنقد والتمييز والتحصيل، والاقتحام في التشنيع على أهل الحقّ بأوهام ركيكة، وظنون سخيفة، كيف تشبّث بهذه الخرافة مع كونها مجروحة مطعونة، غير ثابتة بنقل ثقة ورواية ثبت!.
وإن إعتلجك الريب في كلامي!، فها أنا اُسمعك نصّ إمامهم وناقدهم وماهرهم ونحريرهم على قدح هذه الخرافة، وطعنها وجرح راويها.
فاعلم! إنّ ابن الجوزي عدّها من الروايات الواهية المقدوحة، الشديدة
____________
(1) في المصدر: بدعوتهما.
(2) الرياض النضرة للطبري: 1 / 309 (157).
«أنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عليّ، قال: أنا الحسين ابن محمّد أخو الخلاّل، قال: حدّثني أبو القاسم برية بن محمّد بن برية البغدادي، قال: أنا إسماعيل بن محمّد الصفّار، قال: أنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: أنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (كانت ليلتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا ضمّني وإيّاه الفراش نظرت إلى السماء، فنظرت(1) النجوم مشتبكة، فقلت: يا رسول الله في هذه الدنيا رجل له حسنات بعدد نجوم السماء؟ فقال: نعم، قلت: من؟ قال: عمر بن الخطّاب، وإنّه حسنة من حسنات أبيك)، [ قال المؤلّف ]: هذا حديث لا يصحّ، وكلّ رواته ثقات ما خلا برية، قال أبو بكر الخطيب: له أحاديث باطلة موضوعة منكرة المتون جدّاً»(2).
أقول: قد ظهر من هناك سخافة المحتجين بهذه الخرافة، وشدّة غفولهم، وإنهماكهم في الهوى والعصبيّة، وبُعد التحقيق والتدقيق، وجنوحهم إلى الباطل، وركوزهم إلى الزور، وتهالكهم على الكذب والقرفة، وإنحيازهم عن الورع.
وسبحان الله! يتكلّمون عندما يحاولون مناظرة أهل الحقّ في الاحاديث المعتمدة التي روتها رواة الفريقين، وأثبتها أعلامهم وثقاتهم وحذاقهم، ثمّ يغمضون عيونهم ويوغلون في تيه الوقاحة والصفاقة، ويستمرون المرعى الوبى، ويستطبعون الكذب الشنيع، فيحتجون بهذه الخرافات ويتشبثون بهذه الترهات.
____________
(1) في المصدر: فرأيت.
(2) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 194 (302)، وانظر تاريخ بغداد للخطب: 7 / 139 (3578).
وكيف أنّ الحديث السابق قد حكم ابن الجوزي بوضعه، وهذا أيضاً مثله فيكون حكمها واحداً، ولذلك ذكره السيوطي في اللالئ المصنوعة في ذيل الحديث السابق، وكأنّه عدّهما واحداً، كما سبق ما تفوّه به ابن روز بهان في إبطال حديث فضيلة عليّ (عليه السلام)، أدلّ دليلاً على وضعه وبطلانه.
وهذا وإن كان في إثبات وضع هذا الحديث كافياً، وبإظهار كذبه وافياً، ولكن اطلعت بحمد الله وحسن توفيقه بعد ذلك على أنّ إمامهم الناقد، وشيخهم صاحب المحامد، ذا الفخر الجميل، والفضل الجزيل، الذاهب في نقد الرجال كلّ مذهب، الواضع الهناء على النقب، الذّهبي، قد نصّ على كذب هذا الحديث ووضعه وإختلاقه، وسمّى واضعه وعيّن صانعه، ولله الحمد على ذلك حمداً كما هو أهله ; قال في الميزان:
«برية بن محمّد بن إسماعيل الصفار، كذّاب مُدْبر، وهو واضع حديث: (يا رسول الله، هل رجل له حسنات بعدد النجوم؟ قال: نعم عمر، وهو حسنة من حسنات أبيك يا عائشة) فذكره بإسناد الصحيحين، عن إسماعيل الصفار ; قال الخطيب: وفي كتابه بهذا الاسناد عدّة أحاديث منكرة المتون جداً»(1) إنتهى.
____________
(1) ميزان الاعتدال: 2 / 15 (1160).
الفصل الرابع
[ في خيريّة عمر ]
ومن واضح مفترياتهم، وأقبح موضوعاتهم، ما نسبوا إلى أبي بكر، إنّه قال لعمر: لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر).
وهذا مع مافيه من البشاعة والشّناعة، ومناداته على تفضيله على كلّ أحّد حتى أبي بكر، وكونه لا يثبت صحّته إسناداً من طرقهم أيضاً، أوردوه في فضائله، وعدوّه في مآثره!.
قال في إزالة الخفاء:
«[ الثالث والاربعون: [ في ] أفضليت الفاروق (رضي الله عنه) عن جابر موقوفاً ومرفوعاً، ومن حديث أبي سعيد الخدري، عن جابر بن عبد الله ] قال: (قال عمر لابي بكر: يا خير النّاس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر: أما إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت الشمس على
وهذا الحديث مصداق ما اشتهر في الفرس: «من تو را حاجى بگويم تو مرا حاجى بگو».
وقال في المشكاة في فضائل عمر:
«عن جابر، قال: (قال عمر لابي بكر: ياخير النّاس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر: أما إنّك إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر)، رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب»(2).
والعجب! من صاحب المشكاة، حيث خان في النقل ولم يذكر ما ذكره الترمذي من تضعيف إسناد هذا الحديث، حيث قال:
«ثنا محمّد بن المثنى، قال: ثنا عبد الله بن داود الواسطي أبو محمّد، قال: حدثني عبد الرحمن بن أخي محمّد بن المنكدر، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر ابن عبد الله، قال: (قال عمر لابي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر: أما إنّك إن قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت الشّمس على رجل خير من عمر) هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، وليس إسناده بذاك»(3) إنتهى.
____________
(1) ازالة الخفاء للدهلوي: 2 / 496، وفيه:
«جهل وسوم: أفضليت فاروق عن جابر موقوفاً ومرفوعاً واز حديث أبي سعيد خدري عن جابر...».
(2) مشكاة المصابيح للتبريزي: 3 / 342 (6046).
(3) انظر الجامع الكبير للترمذي: 6 / 58 (3684).
وسلك المحبّ الطبري أيضاً مسلك صاحب المشكاة في الخيانة، وترك الديانة، فقال في الرياض في فضائل عمر:
«ذكر إختصاصه بالخيريّة، عن جابر، قال: (قال عمر لابي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر: أما إنّك إن قلت ذاك، فلقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت شمس على رجل خير من عمر). أخرجه الامام أبو عيسى محمّد بن سورة الترمذي في جامعه، والامام حافظ أبو حامد بن محمّد بن البزار في مسنده، والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك»(1).(*)
والعجب! في القاري أيضاً، أراد في شرحه إثبات صحّة هذا الحديث
____________
(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 247 (604).
(*) انظر الى هذا الرجل الخائن في النقل، حيث لم ينقل تعقيبات الذين استشهد فذكر اسمائهم فقط، أمّا تعقيب الترمذي فقد ذكره المصنّف فيما سبق، وأمّا تعقيب البزار، فقال بعد ذكر الحديث مع اسناده: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ من هذا الوجه، وابن أخي محمّد بن المنكدر لا نعلم حدث عنه إلاّ عبد الله بن داود الواسطي، وانّما احتمل هذا الحديث على مافي إسناده إذا كان فضيلة لعمر (انظر البحر الزخار للبزار: 1 / 159 (81)، وأمّا تعقيب الحاكم: فقال بعد ذكر الحديث: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (انظر المستدرك: 4 / 44 (4564) ولكن خالفه الذّهبي بذلك وضعف الحديث وقال: الحديث شبه موضوع (انظر ميزان الاعتدال: 4 / 333 (5028).
«قيل: نقل في الميزان عن أهل الحديث تضعيفه، وأقول: يقوّيه مافي الجامع من أنّ قوله: (ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر) رواه الترمذي والحاكم في مستدركه عن أبي بكر مرفوعاً»(1) إنتهى.
وصدور مثل هذا الكلام ممّا يستغرب عن القاري!، مع تبحّره وتمهّره وجلالة شأنه، وطول ممارسة الحديث ; من وجوه:
أمّا أوّلاً: فعدم تعرّضه لتضعيف الترمذي هذا الحديث، وعدم التنبيه على خيانة المشكاة، وسكوته على صنيعه ورضاءه بفعله عجيب!!.
وأمّا ثانياً: فلانّ ماذكره من أنّه (قيل: نقل في الميزان تضعيفه): صريح في أنّه لم يراجع بنفسه الميزان، فإحالة هذا النقل على غيره وعدم تصحيحه بنفسه، ليس إلاّ تلبيساً للعوام، حتى لا يثبت وضوحاً عليهم أنّ صاحب الميزان ضعّف مثل هذا الحديث [ الذي ] هو من أعاظم فضائل إمامه، ويغترون بأنّ قائل هذا القول غير معلوم، فلعلّه من الروافض.
فالعجب كلّ العجب!! إنّه ينقل تضعيفه من الميزان الذي هو من أشهر الكتب، بوساطة رجل يخفي اسمه بصيغة «قيل» المشعرة بجهالته وحقارته، ولا ينقل تضعيفه عن الترمذي الذي هو العمدة والاصل في إخراج هذا الحديث، ومنه نقل صاحب المشكاة إيّاه!.
وبالجملة: فاعلم! إنّ أصل الميزان موجود عندي بفضل الربّ المستعان،
____________
(1) مرقاة المصابيح لعلي القاري: 10 / 402 (6046)، وانظر جامع الاحاديث للسيوطي: 5 / 262 (18630).
«عبد الرحمن بن أخي المنكدر لا يكاد يعرف، ولا يتابع على حديث، رواه عبد الله بن داود التمار وهو هالك، عنه، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر، (قال عمر ذات يوم لابي بكر يا خير الناس بعد رسول الله، فقال أبو بكر: أما لئن قلتها، لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر). قال الترمذي: ليس إسناده بذاك»(1).
وأمّا ثالثاً: فلانّ ما زعم أنّ مافي الجامع أقوى ما يقوي هذا الحديث: فهو أقوى ما يقوي على خبطه وعجزه عن إثبات الصحّة ; لانّه ليس في عبارة الجامع غير «انّ هذا الحديث رواه الترمذي والحاكم».
والظاهر أنّ الذي أراد تقويته هو الذي رواه الترمذي، فلا لتقوية ما رواه الترمذي بنفس ما رواه.
وبقي تقويته برواية الحاكم إيّاه في مستدركه، فهو أيضاً ممّا لا يسمن ولا يغني عن جوع!، لانّ رواية الحاكم لا تزيد على رواية الترمذي، مع أنّ أعلام السنّيّة نسبوا للحاكم المساهلة، وطعنوا عليه بادخاله في المستدرك الموضوعات، فضلاً عمّا لا يصح ويضعف، ولكن لو أظهر أنّه رواه الحاكم باسناد آخر غير إسناد الترمذي مع إثبات صحّة إسناده لكان للتقوية معنى، وأمّا بغير ذلك فالحكم بالتقوية بمجرّد رواية الحاكم تحكّم بحت، وهو ممّا يحكم أهل النقد ببشاعته!.
____________
(1) ميزان الاعتدال: 4 / 333 (5028)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 4 / 328 (5142).