ولكن ظهر بعد التنقيب، إنّ ذلك ظنّ غير مصيب، وإسناد الحاكم أيضاً غير صحيح، وإدخاله إيّاه في المستدرك عند النقاد قبيح، كما في كنز العمّال تبويب جميع الجوامع للسيوطي:
«عن جابر بن عبد الله، قال: (قال عمر ذات يوم لابي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر: أما لئن قلت ذاك، لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر). ت، وقال: غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، وليس إسناده بذاك القائم، وابن أبي عاصم في السنّة والبزار، عق، قط في الافراد، ك وتعقب، كر ; قال عق: فيه عبد الرحمن بن أخي محمّد بن المنكدر لا يتابع عليه ولا يعرف إلاّ به، وقال البزار: لا نعلمه روى الاخر إلاّ من هذا الوجه، ولا نعلم حدّث عن ابن أخي محمّد بن المنكدر سوى عبد الله بن داود الواسطي التمار، قال في الميزان: هو هالك»(1)إنتهى.
فظهر من هناك!، إنّ إدخال الحاكم هذا الحديث في المستدرك، وعدّه إيّاه صحيحاً غير مسلّم عند أهل الحديث، بل حكمه في ذلك مردود متعقب، فإنّ إسناد هذا الحديث لا يصحّ بوجه، وهو منحصر في رواية عبد الرحمن بن محمّد ابن أخي عبد المنكدر، وهو لا يتابع روايته ولا يعرف إلاّ بهذا الحديث.
ثمّ إنّه رواه عنه عبد الله بن داود التمار، وهو أيضاً لا يصلح للاعتماد
____________
(1) كنز العمّال: 13 / 5 (36089).
وإذا ظهر أنّ ماذكر في الجامع ليس لما هو بصدده نافع، وضح قصور باعه، وقلّة إطلاعه.
اللهم إلاّ أن يقول: إنّ ضمير يقوّيه راجع الى تضعيف حديث، حيث نقل قبل ذلك تضعيفه عن الميزان، فيكون مراده: إنّ أقوى ما يقوي تضعيف الحديث مافي الجامع.
ثمّ إنّ ابن الجوزي الذي هو أبو عذل هذه الصناعة، والمصبوغ يداه بالنقد والبراعة، حامل لواء هذا الشأن، المبرّز على الائمّة الاقران، المنقد بين الصحيح والموضوع، الحاوي للاصول والفروع، المحتج بأقواله في مقابلة الشيعة، المحرز للمعالي الرفيعة والمناصب المنيعة، أيضاً قد جرح هذا الخبر، وصرّح بأنّه لا يصحّ، وعدّه من الاحاديث الواهية التي قال فيها: إنّها شديدة التزلزل، كثيرة العلل، لا تثبت بوجه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فيا للعجب! من القاري كيف تجاهل وتغافل، ولم يتفحّص ولم ينقّب عن تصريحات نقّاده وحكّامه، ونصوص أئمته من أعلامه ; حتى رام تقوية هذا الخبر المقدوح، والاثر المجروح، بهواجس نفسانيّة وخرافات واهية.
فهاك تأمّل عبارة ابن الجوزي حتى تعلم صدق ما عزيت إليه، فاعلم! أنّه قال في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية، في باب فضل عمر بن الخطاب من كتاب الفضائل والمثالب:
«حديث آخر: أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: نا محمّد بن المظفر، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد العتيقي، قال: نا يوسف بن أحمد، قال: نا أبو جعفر
وقد ذكر تضعيف هذا الحديث إمام أهل التنقيد وعمادهم وسنادهم، ونحريرهم الاوحدي، الذي لا يشقّ له غبار، المجمع على فضله وبراعته بين العلماء الكبار، أعني المزّي صاحب تهذيب الكمال أيضاً، فنقل عن الترمذي ما نقلنا، وزاد عن العقيلي أنّه قال: لا يتابع عبد الرحمن على هذا الحديث، ولا يعرف إلاّ به، يعني أنّه ليس من الموثوقين المعروفين برواية الاخبار والاثار ; قال في تهذيب الكمال:
«عبد الرحمن القرشي [ التميمي ] ابن أخي محمّد بن المنكدر، روى عن عمّه محمّد بن المنكدر، روى عنه عبد الله بن داود الواسطي، وكان لمحمّد بن المنكدر من الاخوة أبو بكر وعمر ; روى له الترمذي حديثاً واحداً عن عمّه محمّد ابن المنكدر، عن جابر، قال: (قال عمر لابي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر: أما إنّك إن قلت ذاك، فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما طلعت الشمس على أحد أفضل من عمر). وقال:
____________
(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 10 / 195 (304).
ولا يخفى! على المتدبر الفطن، والبصير اللقن(2)، إنّ هذا الحديث يدلّ دلالة واضحة على نفي فضل أبي بكر على عمر، وهو باطل!.
بيانه: إنّ عمر قال لابي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال أبو بكر في جوابه: أما أن قلت ذلك فلقد سمعت... الخ. وهذا صريح في أنّ أبا بكر أنكر قول عمر بأنّ أبا بكر خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونقل عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يدلّ على نفي أفضليّة أحّد عليه، منبّهاً إلى أنّه إذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فلا يجوز لك أن تقول في حقّي أنّي خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!.
وإن لم يقنعوا بهذا البيان، وأخذوا في تجشّم التأويلات، نقول لهم:
إنّ إمامكم العلاّمة الطيبي قد صرّح: بأنّ قول أبي بكر كأنّه إنكار لما قال عمر، فقد أوسع الرقع عليكم، حيث قال:
«قوله: (فلقد سمعت) جواب قسم محذوف، وقع جواباً للشرط على سبيل الاخبار، كأنّه أنكر عليه قوله: (يا خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) بقوله: (ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر) ونحوه في الاخبار والانكار قوله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِن نِعْمَة فَمِنَ اللهِ)(3)»(4) إنتهى.
وقد أغرب القاري!، حيث قال في المرقاة، في شرح قوله: (ما طلعت
____________
(1) تهذيب الكمال للمزي: 18 / 29 (3402)، وانظر الضعفاء الكبير للعقيلي: 3 / 4 (959).
(2) غلام لَقينٌ: سريع الفهم / لسان.
(3) النحل الاية: 53.
(4) انظر مرقاة المفاتيح لعلي الفارسي: 10 / 402 (6046) وقد نقل كلام الطيبي بالكامل.
«هو إمّا محمول على أيّام خلافته، أو مقيّد ببعد أبي بكر، أو المراد في باب العدالة، أو في طريق السياسة ونحو ذلك، جمعاً بين الالفاظ الواردة في السنة»(1)إنتهى.
وليت شعري! ما يكون معنى الحديث إذا حمل ذلك على أيّام خلافته ; لانّ قوله: (ما طلعت) إخبار عن الماضي، غاية الامر أنّه توسع فيحمل على جميع الازمنة، أو يستدلّ ببقاء ذلك في باقي الازمنة بالاستصحاب!.
أمّا إذا حملوه على زمن خلافته فقط، فقد أخرجوا قوله: (ما طلعت الشمس) عن معنى الماضي ما جعلوه بمنزلة ما تطلع، فيكون المعنى: ما تطلع الشمس على رجل خير من عمر، وهذا تحريف لصريح الحديث!، إذا لم يثبت من اللغة أنّ الماضي في مثل ذلك المقام يستعمل في معنى المضارع، فكيف يحمل عليه؟!.
ثمّ العجب! أنّه إحتمل أن يحمل على خيريّة عمر في باب العدالة والسياسة ; مع أنّ السياسة والعدالة أعظم البواعث على الفضيلة!، حتى يجعلون أسوسيّة عمر موجباً لتقدّمه وتفضّله على عليّ (عليه السلام)، فكيف لا يكون أعدليّة عمر وأسوسيّته موجباً لتفضيله على أبي بكر؟!.
ثمّ إنّهم ينادون جهاراً أنّه يجب على أهل الحلّ والعقد أن ينصبوا الافضل في الرئاسة، فإذا قال القاري: إنّ أبا بكر ما كان خيراً من عمر في السياسة والعدالة!، فقد أبطل خلافة أبي بكر، والحمد لله على ذلك.
____________
(1) مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 402 (6046).
«[ الخامس: ليس من اللازم كون الامام عند الله أفضل من جميع أهل عصره، لانّ الله تعالى جعل طالوت خليفة بنصه عليه، مع وجود شموئيل وداود وهما أفضل منه بلا شبهة، نعم لو كان نصب الرئيس ببيعة أهل الحلّ والعقد، لابدّ أن ينصبوا الافضل في الرئاسة والقيادة دون غيرهما، نعم ربما وليّ كامل وعالم متبحر وسيد أصيل الطرفين لا يتمكن من تدبير البيت، فلابد هنا من فضيله اخرى ]»(1) إنتهى.
ثمّ إنّهم إن لم يقتصروا على هذا المقال، وقالوا: إنّ التأويل وسيع المجال، ولا يدلّ ما ذكرت على وضع الحديث، وإن كان مؤيّداً بتصريح الطيبي صاحب الكمال!، بل طالبوا بدليل آخر يكذّبه، وافتراءه على من بعثه ذو الجلال.
فأقول: بحمد الله بقي في كنانتي عدّة نبال، وها أنا أرمي بعضها في صدور أهل الضلال، وأثبت الان بتصريحاتهم ظهور إختلاقه، وشناعة سياقه.
فاعلم! إنّه قال المناوي في الفيض القدير شرح الجامع الصغير:
«(ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر)، أخرجه الترمذي في
____________
(1) تحفه اثنا عشريه للدهلوي: الباب السابع: 261، وفيه:
«پنجم انكه امام را لازم نيست كه عند الله أفضل از جميع أهل عصر خود باشد، زيرا كه طالوت را حق تعالى بنصّ خود خليفة ساخت، حال انكه حضرت شمويل وحضرت داود موجود بودند، وبلا شبه از او أفضل، آرى اگر نصب رئيس به بيعت أهل حلّ وعقد باشد، مى بايد كه نصب أفضل كنند در رياست، وشرايط سردارى نه در امور ديگر، آرى بساولى كامل وعالم كامل متبحر وسيد اصيل الطرفين كه از وى امور سردارى يك خانه سر انجام نمى تواند شد، در اينجا فضيلتي ديگر مى بايد».
فأحمد الله وأحمده شكراً جزيلاً، حيث أنطق أهل الضلال بالحقّ!، فصرّح الذّهبي مرّة بأنّه شبه الموضوع، لكن لما كان اقحام لفظ الشبهة على العوام، وكان موجباً لتشكيك الخصام، ألجأه الله مرّة اخرى إلى أن نصّ على أنّه كذب باطل، وعن حلية الصحّة عاطل.
ثمّ إنّ صاحب اللسان أقرّ حكم صاحب الميزان!، فقد ثبت إقرارهم باللسان والجنان بكذب هذه الفرية على سيّد الانس والجان عليه وعلى آله آلاف التحيّة من الله المنّان.
ثمّ إنّي رأيت أن أنقل أصل عبارة الذّهبي في الميزان حتّى تتّضح جليه الحال، وينكشف مزيد فضيحة أهل الضلال، وقبح هؤلاء الكذبة الجهال ; فاعلم! أنّه قال:
«عبد الله بن داود الواسطي التمار ; قال البخاري: فيه نظر ; وقال النسائي: ضعيف ; وقال أبو حاتم: ليس بقوي، في حديثه مناكير ; وتكلّم فيه ابن حبّان وابن عدي، وذكر له ابن عدي في ترجمة عن عبد الرحمن بن أخي محمّد بن
____________
(1) فيض القدير للمنادي: 5 / 579 (7937)، وانظر الجامع الكبير للترمذي: 6 / 58 (3684)، المستدرك للحاكم: 4 / 44 (4564)، ميزان الاعتدال: 4 / 91 (4299)، لسان الميزان للعسقلاني: 8 / 433 (13129).
السكري، ثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً: (الناظر الى عورة أخيه متعمّداً لا يتلاقان في الجنة)، وهذا كذب.
أحمد بن سنان القطان، ثنا عبد الله بن داود الواسطي: بينا أنا واقف إذا أنا بامرأة، فذكر سنان المرأة التي لا تنطق إلاّ بالقرآن.
سهل بن إبراهيم الجارودي، ثنا عبد الله، ثنا ابن جريح، عن ابن أبي مليكة عن عائشة، قالت: (لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتيته بسواك رطب، فقال: امضغيه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يهون به عليّ الموت).
وله: عن حماد بن المختار بن الفلفل، عن أنس مرفوعاً: (من صلّى ركعتين في ليلة جمعة قرأ فيها الفاتحة وخمس عشرة مرّة (إذا زلزلت) آمنه الله من عذاب القبر، ومن أهوال يوم القيامة).
قال ابن عدي: هو ممّن لا بأس به إن شاء الله ; قلت: بل كلّ البأس به ورواياته تشهد بصحّة ذلك ; وقد قال البخاري: فيه نظر، ولا يقول هذا إلاّ فيمن يتهمه غالباً.
ومن أباطيله عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن ابن المسيّب مرفوعاً: (جاءني جبرئيل بسفرجلة من الجنّة فأكلتها فواقعت خديجة فعلقت بفاطمة (عليها السلام)...) الحديث، وقد علم الصبيان أنّ جبرئيل لم يهبط على نبيّنا إلاّ بعد
فظهر بحمد الله من ذلك، صباح ولا كظهور تبلج الصباح، إنّ حديث: (عدم طلوع الشمس على أحّد أفضل من عمر) كذب وبهتان وصريح الهذر، فإنّ الذّهبي عمدة جهابذتهم النقّاد، العارفين بدخلة الاخبار، الناخلين للقشر من لباب الاثار، المميزين للباطل من الصحيح، المختبرين للحسن من القبيح، الممتحنين للملحون من الفصيح، المعتمد عليه فيما بينهم في المعرفة والتنقيد، والموثوق عليه عندهم في تزئيل الغلط عن السديد، رافع عقيراه بأنّ هذا الخبر كذب، ونقل قدح راويه عن أئمته وأعلامه، وصرّح بأنّ له أكاذيب عديدة، وإنّ كلّ البأس به، وإنّ بعض أكاذيبه ممّا يعلم بطلانه الصبيان أيضاً فضلاً عن الاعيان.
فيا للعجب! من هؤلاء المصدّقين لهذا الخبر المردود، المطروح المجروح، المطعون الموهون، المشتهر كذبه وبطلانه وفساده فيما بين الناقدين الماهرين.
سبحان الله! يحتجّون ويستدلّون لاثبات فضائل خلفائهم بمثل تلك الخرافات، ويستنكفون في مناظرة الشيعة عن قبول آثار الثقات، فيرمونها بوقاحتهم وقلّة حيائهم بطعون واهية مالها من ثبات.
____________
(1) ميزان الاعتدال: 4 / 91 (4299)، وانظر التاريخ الكبير للبخاري: 5 / 82 (226)، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 151 (355)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 5 / 48 (222)، المجروحين لابن حبّان: 2 / 34، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 5/399 (1071).
الفصل الخامس
[ في غضب الله لغضب عمر ]
ومن الخرافات التي أغضبوا بوضعها الرب الجليل، إنّهم وضعوا عليه ـ تعالى عمّا يقول كلّ ملحد غليل ـ أنّه سبحانه يغضب إذا غضب عمر. ولعمري! لا يجترئ على افتراء مثل ذلك إلاّ الاحمق الابتر.
قال في الرياض النضرة في فضائل عمر:
«ذكر أنّ الله يغضب لغضبه: عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إتّقوا غضب عمر، فإنّ الله يغضب لغضبه) خرّجه الملاّ في سيرته، وصاحب النزهة.
وفي رواية: (لا تغضبوا عمر فانّ الله يغضب إذا غضب)، خرجها أبو الحسين بن أحمد بن البناء الفقيه»(1) إنتهى.
وهذا الخبر مع بشاعته وشناعته مطعون فيما بينهم ; مضعّف موهون، يرمونه بالنكارة، ويعدّونه من الاحاديث الغير الصحيحة، وقد عدّه ابن الجوزي من
____________
(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 276 (679).
قال ابن الجوزي في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية، في باب فضل عمر بن الخطاب من كتاب الفضائل والمثالب:
«حديث آخر: أنا المنصور القزاز، قال: أخبرنا أبو العلاء محمّد بن الحسن الوراق، قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بن جعفر القطان، قال: أنا أبو عبد الله بن الربيع، قال: أنا أبو لقمان، قال: أنا هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إتّقوا غضب عمر، فإنّ الله يغضب إذا غضب)، [ قال المصنّف ]: هذا حديث لا يصحّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال أبو بكر الخطيب: أبو لقمان إسمه محمّد بن عبد الله النحاس ضعيف، يروي المنكرات عن الثقات»(1).
وقال الذّهبي في الميزان:
«محمّد بن عبد الله، أبو لقمان النحاس، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، بخبر منكر في فضل عمر ; ضعّفه الخطيب، وقال: حدّث بمصر، توفى سنة ستّ ومائتين»(2) إنتهى.
ثمّ لا يخفى عليك! إنّ عاصم بن ضمرة الذي روى هذا الخبر عن عليّ (عليه السلام)أيضاً مقدوح عند السنّيّة، حتى إنّ ابن عدي قال في حقّه: إنّه صاحب البليّة.
____________
(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 195 (305)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 48 (1018).
(2) ميزان الاعتدال: 6 / 212 (7790)، وانظر لسان الميزان للعسقلاني: 6 / 235 (7644).
«عاصم بن ضمرة، صاحب عليّ، وثّقه ابن معين وابن المديني ; وقال أحمد: هو أعلى من الحارث الاعور، وهو عندي حجة ; وقال النسائي: ليس به بأس ; وأمّا ابن عدي فقال: يتفرّد عن عليّ بأحاديث، والبليّة منه ; وقال أبو بكر بن عيّاش: سمعت المغيرة يقول: لم يصدق في الحديث على عليّ إلاّ أصحاب ابن مسعود ; وقال ابن حبّان: روى عنه أبو إسحاق والحاكم كان رديء الحفظ فاحش الخطاء، يرفع عن عليّ (عليه السلام) قوله كثيراً، فاستحقّ الترك، على أنّه أحسن حالاً من الحارث ; وقال الجوزجاني: حكى عن الثوري، قال: كنّا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث الاعور، قال الجوزجاني: وروى عنه أبو إسحاق (تطوّع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بستّ عشرة ركعة: ركعتين عند التالية من النهار، ثمّ أربعاً قبل الزوال، ثمّ أربعاً بعده، ثمّ ركعتين بعد الظهر، ثمّ أربعاً قبل العصر)، فيا عياذ بالله، أما كان الصحابة واُمّهات المؤمنين يحكون هذا، إذ هُم معه في دهرهم، يعني أنّ عائشة وابن عمر حكوا عنه خلاف هذا، وعاصم بن ضمرة ينقل أنّه (عليه السلام)كان يداوم على ذلك، ثمّ قال: خالف الامّة، وروى أنّ في خمس وعشرين من الايل خمس
وبالجملة: ظهر ممّا ذكرنا، إنّ هذا الخبر مردود مطعون، مجروح مقدوح، وكيف يوقن عاقل بأنّه يغضب الله بغضب عمر؟!، مع أنّه الافظ الاغلظ، المذموم على لسان أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، المتقاحم في الزلاّت، المتورّط في الهلكات، المتجاسر على السيّئات.
وقد ثبت بروايات السنّيّة وأخبارهم المتظافرة وآثارهم المتعارضة، إنّه غضب في وقائع متعددة ومقامات شتى، بغير الحق على من لا يستحق الغضب، فكيف يغضب الله تعالى لغضبه؟!.
وهو الذي قد غضب على فاطمة (عليها السلام) وأوعدها بإحراق باب بيتها على عليّ ومن معه من الاصحاب(2)، وهل يعتقد من هو مسلم بأنّ الله تعالى قد غضب على فاطمة وعليّ لغضبه الملعون المشؤوم!!.
____________
(1) ميزان الاعتدال: 4 / 6 (4057)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6 / 386 (1380)، المجروحين لابن حبّان: 2 / 125، أحوال الرجال للجوزجاني: 43 (11).
(*) وأورده ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة: 127 (93) من طريق الحارث الاعور، عن عليّ مرفوعاً، والحارث ضعيف كذّاب، قد أجمع علمائهم ومحقّقيهم على توهين أمره: قال ابن سعد: كان له قول سوء، وهو ضعيف في روايته، ونقل عن الشعبي قوله: حدثني الحارث الاعور وكان كذوباً (انظر الطبقات: 6 / 208 (2083))، وقال النسائي: ليس بالقوي: (انظر الضعفاء والمتروكين: 77 (116))، وذكره الدارقطني في الضعفاء: (انظر الضعفاء والمتروكين: 175 (153)).
(2) انظر العقد الفريد لابن عبد ربه: 3 / 64، وتاريخ أبي الفداء: 1 / 156، وأنساب الاشراف للبلاذري: 1 / 586، والرياض النضرة للطبري: 1 / 167.
ولا أرى! السنّيّة يرضون بغضب الله تعالى على الاصحاب، وإن إلتزموا ذلك هدموا أساسهم، ورضّوا بنيانهم، وإستأصلوا عن قاتهم، وأبطلوا هفواتهم، فإنّهم إذا وصلوا الى مدح الصحابة بالغوا فيه عظيماً، واستقصوا كثيراً، وأوصلوهم إلى حدّ المعصومين، بل لعلّهم فضّلوهم عليهم حتى أحالوا منهم حطم النملة، فما ظنّك بما فوق ذلك!، كما لا يخفى على ناظر التحفة وغيره من أسفارهم.
____________
(1) انظر تاريخ الطبري: 3 / 203.
الفصل السادس
[ في مباهاة الله بعمر ]
ومن أشنع الموضوعات، وأسخف الخرافات، ما يوردونه في كتبهم مباهاة ومفاخره، ويثبتو به فضل إمامهم، ومماراة ومكاثرة (من أنّ الله باها بالناس عامّة ولعمر بن الخطاب خاصّة).
ففي كنز العمّال:
«(من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحبّ عمر فقد أحبّني، وإنّ الله باهى بالناس عشية عرفة عامّة، وإنّ الله باهى بعمر خاصّة، وإنّه لم يُبعث بنبيّ قطّ إلاّ كان في اُمّته من يحدّث، وإن يكن في أُمّتي أحد فهو عمر، قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يحدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه) ابن عساكر عن أبي سعيد.
وفيه أيضاً: (يا ابن الخطاب! أتدري ممّا تبسمتُ إليك؟ إنّ الله عزّ وجلّ باهى ملائكته ليلة عرفة بأهل عرفة عامّة وباهى بك خاصّة) طب عن ابن عبّاس.
وفي الصواعق، في فضائل عمر:
«الحديث الخامس والخمسون: أخرج الطبراني في الاوسط، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الله باهى بأهل عرفة عامّة، وباهى بعمر بن [الخطّاب ] خاصّة) وأخرج في الكبير مثله من حديث ابن عبّاس»(2).
وفيه أيضاً: «الحديث التاسع والخمسون: أخرج الطبراني في الاوسط، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحبّ عمر فقد أحبّني، وإنّ الله باهى بالنّاس عشيّة عرفة عامّة، وباهى بعمر خاصّة، وإنّه لو لم يبعث الله نبيّاً إلاّ كان في أمّته محدّث، وإن يكن في أمّتي منهم أحد فهو عمر، قالوا: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كيف هو محدّث؟ قال: تتكلّم الملائكة على لسانه) إسناده حسن»(3).
____________
(1) كنز العمّال: 11 / 585 (32788)، (32789)، (32790)، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 44 / 117، المعجم الكبير للطبراني: 11 / 146 (11430).
(2) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 279، وانظر المعجم الاوسط للطبراني: 2 / 147 (1273)، المعجم الكبير للطبراني: 11 / 146 (11430).
(3) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 280، وانظر المعجم الاوسط للطبراني: 7 / 372 (6722).
«عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إنّ الله باهى ملائكة بالناس يوم عرفة عامّة، وباهى بعمر بن الخطّاب خاصّة، ومافي السماء ملك إلاّ وهو يوقّر عمر، ومافي الارض شيطان إلاّ يفرّ من عمر) أخرجه ابن عساكر في تاريخه.
وعنه (رضي الله عنه) قال: (تبسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عمر، ثمّ قال: يا ابن الخطّاب، أتدري ممّا تبسّمت إليك؟ إنّ الله عزّ وجلّ باهى ملائكة ليلة عرفة بأهل عرفة عامّة وباهى بك خاصّة) خرجه الطبراني في الكبير»(1).
وكذب هذه الاكاذيب لا يخفى من وجوه:
أمّا أوّلاً: فلانّها تدلّ على أفضليّة ابن الخطاب من أبي بكر، حيث باهى الله تعالى بعمر بن الخطّاب خاصّة وباهى بأبي بكر عامّة، أو لم يباه به أصلاً، كما هو الواقع!.
وإنّ كذبوا العَيان، وعارضوا صريح الحديث، وتشبّثوا بالتأويلات السخيفة على حسب دأبهم!.
نقول لهم: هاذلك ضرب في بارد الحديد، وتخيّل للمحال، فإنّ إمامكم العتيق قد ضيّق عليكم المجال، فصرّح بأنّ مباهاة الله لعمر بن الخطاب دون أبا بكر يدلّ على تفضيل عمر عليه، كما سبق(2).
____________
(1) الاكتفاء للوصابي مخطوط. وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر 44 / 117، المعجم الكبير للطبراني: 11 / 146 (11430).
(2) انظر كلام الدهلوي في شرح سفر السعادة وسوف يأتي تباعاً.