الصفحة 556

«(قال لي جبرئيل: ليبك الاسلام على موت عمر) طب عن أبيّ»(1)إنتهى.

وفي الصواعق المحرقة في فضائل عمر:

«الحديث الثامن والخمسون: أخرج الطبراني، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قال جبرئيل: يبكي الاسلام على موت عمر)»(2) إنتهى.

وقال صاحب الاكتفاء [ الوصابي اليمني ]:

«عن اُبي بن كعب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قال لي جبرئيل: ليبك الاسلام على موت عمر) أخرجه الطبراني في الكبير»(3).

ومن تأمّل في الكذب الذي سيأتي وهو (اللّهمّ أعزّ الاسلام بعمر) وفي هذا الكذب، علم لطف مطابقة الصدر والعجز!، وعلم أنّهم كيف راعوا كمال المبالغة في إطراء إمامهم وخليفتهم!، من أنّ أوّل أمره كان بحيث صار الاسلام به عزيزاً متيناً، وآخره كان بحيث أصبح على موته باكياً حزيناً!، خذلهم الله وقاتلهم أنى يؤفكون، كيف يكذبون جهاراً ولا يتحرجون.

ولكنّهم وإنْ سعوا في ترويج الاباطيل، وإفتراء الاضاليل كلّ المساعي، وهوّنوا أنّهم لغرض إثبات فضيلة إمامهم أعظم المعاصي، ولكن الله جعل مالهم أن هوى بهم في أقبح المهاوي، وإبتلاهم بأشنع المخازي، فأظهر كذبهم وإفترائهم على لسان ثقات فضلائهم، وأساطين علمائهم، فعادت هذه الفضائل عليهم

____________

(1) كنز العمّال: 11 / 577 (32736).

(2) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 280 (58).

(3) الاكتفاء للوصابي: مخطوط.


الصفحة 557
مثالب، وصارت هذه المناقب في حقّهم مصائب.

أو ما ترى!، إنّ هذا الكذب أوردته أعلامهم في الموضوعات، وأدخلته في المكذوبات، قال محمّد طاهر الكجراتي صاحب مجمع البحار، وفضله وجلاله بينهم كالشمس في رابعة النهار:

«(قال لي جبرئيل: ليبك الاسلام على موت عمر) لابي بكر في الشريعة، وابن الجوزي في الموضوعات»(1) إنتهى، مافي تذكرة الموضوعات لصاحب الكجرات(*).

____________

(1) تذكرة الموضوعات للكجراني: 94، وانظر الشريعة للاجري: 3 / 116 (1449)، الموضوعات لابن الجوزي: 1 / 239.

(*) الجدير بالذكر انّ الاسناد الذي ذكره الطبراني فيه من الكذّابين والمتروكين والوضاعين عندهم.

فقد قال الطبراني في الكبير:

«حدّثنا أحمد بن داود مكي، حدّثنا حبيب كاتب مالك، ثنا ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن اُبي بن كعب، قال: قال رسول الله.. الحديث» ففيه كاتب مالك وهو متروك كذّاب واضع للحديث، فقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: كان حبيب يحيل الحديث ويكذب وأثنى عليه شراً وسوءاً، وقال أبو داود: وكان من أكذب الناس، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبّان: أحاديثه كلّها موضوعة، ولم نجد أحّد وثّقه». المعجم الكبير: (1 / 67 (61)، وانظر (الجامع في العلل لابن حنبل: 1 / 222 (1445)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3 / 99 (464)، الضعفاء للنسائي: 90 (163)، المجروحين لابن حبّان: 1 / 265، الميزان للذهبي 2 / 190 (1697)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 1 / 492 (1288).


الصفحة 558

الصفحة 559

الفصل الثامن
[ في أنّ عمر سراج أهل الجنّة ]

وممّا راموا بوضعه أن يغلب ظلام الباطل اللجاج على نور الحقّ الابلج، ويحصل لسوق أكاذيبهم رواج، إنّ عمر بن الخطّاب لاهل الجنّة سراج.

ولا يرضى بتصديق ذلك إلاّ الملحد المنهمك في اللجاج، الغائر الممعن في الاعوجاج، المتنكب من إنتهاج سوي المنهاج، المعرض عن أبلج الفجاج.

ففي كتاب الاكتفاء في فضائل الخلفاء:

«عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة) أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة.

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة) أخرجه ابن الجوزي في صفوة الصفوة، والحافظ عمر بن محمّد الملاّ في سيرته»(1).

____________

(1) الاكتفاء للوصابي: مخطوط، وانظر معرفة الصحابة لابي نعيم: 1 / 222 (202)، صفوة الصفوة لابن الجوزي: 1 / 278، وسيلة المتعبدين للملا: 5 القسم الثاني / 132.


الصفحة 560
وفي كتاب الرياض النضرة، في فضائل عمر:

«ذكر أنّه سراج أهل الجنّة: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة) أخرجه في الصفوة، والملاّ في سيرته»(1).

وفي كنز العمّال:

«(عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة) البزار، عن ابن عمر ; حلّ، عن أبي هريرة ; ابن عساكر، عن الصعب بن جثامه»(2) إنتهى.

وفي الصواعق المحرقة:

«الحديث الخمسون: أخرج البزار عن ابن عمر، وأبو نعيم في الحلية، عن أبي هريرة، وابن عساكر، عن الصعب بن جثامة: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: (عمر سراج أهل الجنّة)»(3) إنتهى.

فترى هؤلاء ـ أعني البزار وأبا نعيم وابن عساكر ـ من ثقات شيوخهم وأساطين مذهبهم، قد رووا هذا الكذب البارد، والحديث الفاسد، والسيوطي والمتقي وابن حجر وصاحب الرياض وصاحب الاكتفاء، يوردونه في فضائل إمامهم، ويعدونه من مآثره، مع أنّ قبحه وشناعته لا يخفى على مسلم متديّن!(*).

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 267 (664).

(2) كنز العمّال: 11 / 577 (22734)، وانظر كشف الاستار عن زوائد البزار: 174 (2502)، مختصر زوائد مسند البزار: 2 / 295 (1887)، حلية الاولياء لابي نعيم: 6 / 333، وفيه: غريب من حديث مالك تفرد به، عنه الواقدي، تاريخ دمشق لابن عساكر: 44 / 167.

(3) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 277.

(*) والحديث عن ابن عمر ذكره البزار في مسنده، انظر مختصر زوائد مسند البزار 2 / 295 (1887)، وأحمد في فضائل الصحابة 1 / 428 (677)، وابن عساكر في تاريخه 44 / 167، والاجري في الشريعة 3 / 118 (1450): عن الحسن بن عرفة قال: ثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... الحديث.

وفي اسناده من الضعفاء ومنكر الحديث وهو عبد الله بن الغفاري: قال أبو داود: شيخ منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات، وقال الدارقطني: حديثه منكر، وقال ابن حبّان: يحدث عن الثقات بالمقلويات، وقال العقيلي: كاد أن يغلب على حديثه الوهم، وقال الحاكم: روى عن جماعة عن الضعفاء أحاديث موضوعة. (انظر الكامل لابن عدي: 5 / 313 (1003)، والمجروحين لابن حبّان: 2 / 36، والضعفاء للعقيلي: 2/233 (283)، والميزان للذهبي: 4 / 56 (4195)، والتهذيب للعسقلاني: 3/87 (3717).

وقد تفرّد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وهو ضعيف جدّاً، ضعفه أحمد، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، والدارقطني. وانظر الميزان للذهبي: 4 / 282 (4873)، وتهذيب التهذيب للعسقلاني: 3 / 344 (4505).

والحديث عن أبي هريرة ذكره أبو نعيم في معرفة الصحابة (1 / 222 (202))، وفي الحلية (6 / 333)، وابن عساكر في تاريخه (44 / 167): نا عبيد الله بن محمّد اللمري، نا بكر بن عبد الوهّاب، نا محمّد بن عمر الواقدي، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... الحديث.

وفي اسناده أيضاً من هو ضعيف ومتروك ومقلب للاسانيد، وهو محمّد بن عمر الواقدي الذي قال فيه ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: متروك الحديث، وعن الشافعي: كتب الواقدي كذب، وقال الذّهبي: مجمع على تركه. انظر تاريخ يحيى بن معين: 1 / 118 (685)، وانظر الضعفاء للنسائي: 217 (557)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 8 / 20 (92)، والمغني للذهبي 2 / 619، وتهذيب التهذيب للعسقلاني 5 / 217 (7298).


الصفحة 561
وقال صاحب الرياض النضرة بعد إخراج هذا الحديث:

«ومعنى ذلك ـ والله أعلم ـ إنّ أهل الجنّة هم المؤمنون، وكانوا قبل إسلام عمر في ظلمة ظلم الكفّار من قريش، فلمّا أسلم عمر أنقذهم من ظلمهم وأظهر شعار الاسلام، فإنّ فائدة السراج ضوؤه في الظلمة، والجنّة لا ظلمة فيها، فكان

الصفحة 562
معناه ما ذكرناه»(1) إنتهى.

أقول: لا يخفى على من له رأي سديد، وألقى السمع وهو شهيد، إنّ هذا تأويل بعيد، وتوجيه لا يصدّقه إلاّ غير رشيد، فإنّه لو كان المراد بيان إنقاذ عمر المسلمين من ظلمة ظلم الكفّار، لقيل: إنّ عمر سراج المسلمين أو سراج المؤمنين!.

وأمّا كونه سراجاً لاهل الجنّة: فظاهراً في أنّه سراج لسائر أهل الجنّة، غير مختصّ سراجيه بمسلمي هذه الامّة، وذلك لا يصدق حسب ما أفاده، إلاّ إذا فرض أنّه في الجنّة ظلمة، فيكون عمر سراجاً لاهل الجنّة، فيضيء لظلمتهم وينور غسقهم!.

ثمّ إدعاءه أنّ عمر أنقذ المسلمين من ظلمة ظلم الكفّار، يحتاج إلى دليل وشاهدوا أنى لهم ذلك؟!.

ثمّ لو سلّم ذلك فهو يستلزم أفضليّة عمر من أبي بكر، حيث لم يستطع أبو بكر أن ينقذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين ونفسه من ظلمة ظلم الكفّار، وأنقذهم جميعاً عمر، وأيّة فضيلة أعلى وأسنى من ذلك، حتى يكون أبو بكر خيراً منه!.

ثمّ إنّه يستلزم ذلك أنّ عمر أنقذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً من ظلمه ظلم الكفّار، فيكون عمر سراجاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، وهذا مستلزم لتفضيله عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً!.

ولعلّهم أيضاً لا يرضون بأن يقال: إنّ عمر سراج لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سراجاً لسائر أمّته، فكيف يكون أحّد من أُمّته سراجاً له؟! عياذاً بالله من ذلك.

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 268 (665).


الصفحة 563
اللهمّ إلاّ أن يقولوا: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس سراجاً لعمر، فإنّه كان كافراً ملحداً فكيف يكون سراجاً له؟!، فعلى هذا عمر أيضاً لا يكون سراجاً لاحّد من الامّة فضلاً عن أن يكون سراجاً لنفسه الشريفة الكريمة.

ثمّ إنّ هذا التأويل يبطله ويكذبه طريق آخر لهذا الخبر، حيث صرّح فيه أنّ عمر سراج لاهل الجنّة في الجنّة، فإذا صرّح في نفس الخبر بأنّ سراجيّة عمر لاهل الجنّة في الجنّة، فتأويله بأنّ المراد كونه سراجاً للمسلمين من ظلمة ظلم الكفّار تأويل ركيك وتوجيه سخيف!.

وهذا الطريق رواه اليمني الوصابي في كتاب الاكتفاء، حيث قال:

«وعنه ـ يعني عن عليّ (عليه السلام) ـ قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عمر نور الاسلام في الدنيا، وسراج أهل الجنّة في الجنّة) الخ»(1).

وأيضاً رواه بعض معاصري ابن الجوزي في تصنيفه، وعرضه على العلماء الكبار المعاصرين له فصوّبوه، كما سيجيء عن كثب.

ولقد أفصح عن إفتراء هذا الخبر وإختلاقه السيّد المرتضى الرازي في تبصرة العوام، بكلام وجيز يرزي على شذور الابريز، فقال:

«[ الحديث الثالث والعشرون: قيل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (عمر سراج أهل الجنّة)، فنقول: إنّ هذا الخبر خلاف القرآن، لانّ الله تعالى جعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن سراجاً وقمراً منيراً، ولم نجد سراجاً آخر لغيره.

مضافاً إلى أنَّ عمر لو كان سراجاً فأهل الجنّة إمّا يحتاجون إلى السراج أو

____________

(1) الاكتفاء للوصابي: مخطوط.


الصفحة 564
لا، وعلى الثاني أصبحت سراجيّة عمر لغواً، وعلى الاوّل لزم دخول عمر الى الجنّة قبل الانبياء والرسل، حتّى لا يبقوا في ظلمة الجنّة، فيلزم منه تفضيل عمر على الانبياء والرسل ولا يمكن اتيان الفاضل بعد المفضول.

ولو قالوا: إنّ نور عمر أقلّ من نور الانبياء والرسل، فإذاً يُستغنى عن نور عمر.

ولو قالوا: إنّ نوره أكثر، لاصبح أفضل منهم، وهذا كفر بلا خلاف ]»(1)إنتهى.

ثمّ إنّهم إنْ برزوا في لباس التلبيس والتسويل، وتشبثوا بذيل التأويل العليل الذي لا يصلح للتعويل.

فنقول: هاقد ضيّق عليكم المجال، وروّحكم عن القيل والقال، إمامكم الماهر، وشيخكم الفاخر، الفائز بالكمال، المشهود له بالفضل والاجلال، الممدوح في الاقاصي والاداني، الناقد الصغاني، فنصّ على وضع هذا الحديث وكذبه، فعاد هذا السراج ظلاماً، وصارت هذه الفضيلة ملاماً!.

____________

(1) تبصرة العوام: للرازي 248، وفيه:

«حديث بيست وسوّم: گويند رسول گفت: (عمر سراج أهل بهشت خواهد بود) گوييم اين خبر خلاف است مر قرآن را زيرا كه خدا در قرآن نبي (صلى الله عليه وآله وسلم) را سراج وقمر ومنير خوانده وهيچ نيافتيم كه در قرآن خبر رسول سراجي ديگر است، ونيز اگر عمر سراج باشد أهل بهشت را حال از وبيرون نيست يا محتاج سراجند بانه، اگر محتاج نيستند سراجيّة عمر بى فائدة باشد، واگر محتاج اند عمر پيش از أنبياء ورسل در بهشت شود زيرا كه اگر از ايشان در بهشت رود ايشان در ظلمات باشند تا سراج بيايد پس عمر فاضلتر از أنبياء ورسل بود ونشايد كه فاضل از بس مفضول بود واگر كويند نور عمر كمتر از نور أنبياء ورسل بود حاجت نور وي نه بود واگر بيشتر رود عمر فاضلتر بود واين كفر است بى خلاف».


الصفحة 565
ففي كتاب تذكرة الموضوعات لمحمّد طاهر الكجراتي، صاحب مجمع البحار:

«الخلاصة (الحقّ مع عمر حيث كان)، قال الصغاني موضوع، وكذا (عمر سراج أهل الجنّة)»(1) إنتهى.

فحقّ أن يقال بعد ذلك: أطف المصباح فقد طلع الصباح، فإنّه قد ظهر بتصريح إمام السنّيّة، إنّ هذا الخبر كذب صراح، وإفتراء بواح.

ومن العجب العجاب!، إنّ هؤلاء السائرين في معترك الفسق والظلمة، والواقفين في غياهب الدجى والبهيمة، قد نسبوا هذه الفريّة إلى مولانا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في قصّة منكرة شنيعة، وإحتجّوا بها على مصادقة عليّ (عليه السلام) لعمر وموافقته (عليه السلام) إيّاه، مع ماله من الاعمال الفظيعة!.

قال اليمني الوصابي في الاكتفاء:

«عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة) فبلغ ذلك عمر، فقام في جماعة من الصحابة حتّى أتى عليّاً (رضي الله عنه)، فقال: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة؟، قال: نعم، قال: اُكتب لي خطّاً، فكتب بسم الله الرّحمن الرحيم، هذا ما ضمن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) لعمر بن الخطّاب، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل (عليه السلام)، عن الله تعالى: إنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة، فأخذها عمر وأعطاها أحّد أولاده، وقال: أما إذا متّ وغسلتموني فأدرجوا هذا في كفني حتّى ألقى بها ربّي، فلمّا اُصيب غسّل وكفّن واُدرجت معه في كفنه

____________

(1) تذكرة الموضوعات للكجراتي: 94، وانظر موضوعات الصغاني: 76 (136).


الصفحة 566
ودفن ; أخرجه الحافظ أبو سعيد إسماعيل بن عليّ السمان في الموافقة.

وقال الامام محبّ الدين الطبري في الرياض: معنى ذلك ـ والله أعلم ـ إنّ أهل الجنّة هم المؤمنون، وكانوا قبل إسلام عمر في ظلمة ظلم الكفّار من قريش، فلمّا أسلم عمر أنقذهم من ظلمهم وأظهر شعار الاسلام، فإنّ فائدة سراج ضوؤه في الظلمة، والجنّة لا ظلمة فيها، فكان معناه ماذكرنا»(1).

وأيضاً في الاكتفاء:

«وعنه ـ يعني عليّاً (رضي الله عنه) ـ قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: (عمر نور الاسلام في الدنيا، وسراج أهل الجنّة) فسمع الحسن والحسين ذلك، فقالا: لا نحمل إلى عمر هديّة أجل من هذه، فدخلا عليه وأخبراه، فدعا عمر بدواة وقرطاس وكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم حدّثني سيّدا شباب أهل الجنّة، عن أبيهما، عن جدّهما أنّه قال: (عمر بن الخطّاب نور الاسلام في الدّنيا، وسراج أهل الجنّة في الجنّة)، وأوصى ولده أن يجعل ذلك في كفنه على صدره، ففعل، فلمّا دفن أصبحوا ووجدوا على قبره صدقا وصدق أبوهما، إنّ عمر نور الاسلام في الدّنيا، وسراج أهل الجنّة في الجنّة»(2).

وقال المحبّ الطبري في الرياض النضرة:

«عن عليّ (عليه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة) فبلغ ذلك عمر، فقام في جماعة من الصحابة حتّى أتى عليّاً (عليه السلام) فقال: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: عمر سراج أهل الجنّة؟ ـ يعني

____________

(1) الاكتفاء للوصابي: مخطوط، وانظر الرياض النضرة للطبري: 1 / 268 (665).

(2) الاكتفاء للوصابي: مخطوط.


الصفحة 567
عمر ـ قال: نعم، قال: اُكتب لي خطّك، فكتب له: «بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما ضمن عليّ بن أبي طالب لعمر بن الخطّاب، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل، عن الله تعالى: إنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة» فأخذها وأعطاها أحّد أولاده، وقال: إذا أنا متّ وغسلتموني وكفّنتموني فأدرجوا هذا معي في كفني حتّى ألقى بها ربّي، فلمّا أصيب غسل وكفن وأدرجت معه في كفنه ودفن ; أخرجه ابن السمان في الموافقة»(1).

أقول: أنظر! ـ رحمك الله وصانك عن اللّجاج ـ إلى وقاحة هذا الكاذب المدّاج، المفتري لحديث السراج في حقّ الظالم المظلم الدّاج، كيف أوغل وتسارع في الاعوجاج، فعزى هذه الفرية البيّنة الشنان، المهتوك بأمرها عند نقاد الاثار، إلى إمام الاخيار. ولم يهب عقاب الربّ الجبّار، ولا الافتضاح بين يدي الرسول المختار والائمّة الاطهار صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، ما تعاقب الليل والنهار، ولم يحتفل من مؤاخذة العلماء الكبار، وتفصيل المهرة بصناعة الاخبار، وإن كان الدليل العقلي الذي أسلفناه كافياً لهتك ستر هذه الفرية، ولكن أنا أتيك بنصّ إمامهم البارع، وناقدهم الحاذق، على وضع هذا الحديث:

فاعلم! إنّه بالغ ابن الجوزي في تكذيب هذا الخبر الواهي، وشنّع عظيماً على من ذكره في تصنيفه، فنسبه إلى الجهل المتوفّر، وقال: «إنّه من أجهل الجهال الذين ما شموا ريح النقل»(2).

وقال السيوطي في اللالي المصنوعة، ناقلاً عن ابن الجوزي في بيان أصناف الواضعين:

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 267 (665).

(2) انظر الموضوعات: 1 / 21.


الصفحة 568
«السابع: قوم شقّ عليهم الحفظ فقربوا بعد(1) الوقت، وربّما رأوا: أنّ المحفوظ معروف، فأتوا بما يغرب(2) ممّا يحصل مقصودهم، فهؤلاء قسمان: أحّدهما القصاص ومعظم البلاء منهم يجري، لانّهم يريدون أحاديث تنفق وترفق(3)، والصحاح يقل فيها هذا، ثمّ إنّ الحفظ يشقّ عليهم ويتفق عدم الدين وهم يحضرهم بمال، فيقولون(4) حكى فقيهان ثقتان عن بعض قصاص زماننا وكان يظهر النسك والتخشّع أنّه حكى لهما، قال: قلت يوم عاشوراء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من فعل اليوم كذا فله كذا ومن فعل كذا فله كذا إلى آخر المجلس، فقالا له: ومن أين حفظت هذه الاحاديث، فقال والله ما حفظتهما ولا أعرفها بل في وقتي قلتها [ قال المصنّف: ولا جرم ذلك القصاص شديد النعير ساقط الجاه لا يلتفت الناس إليه ولا له دنيا ولا آخرة ](5).

وقد صنّف بعض قصاص زماننا كتاباً فذكر فيه: «إنّ الحسن والحسين (عليهما السلام)دخلا على عمر بن الخطّاب وهو مشغول فلمّا فرغ(6) من شغله رفع رأسه فرآهما، فقام فقبّلهما ووهب لكلّ واحد منهما ألفاً، وقال لهما اجعلاني في حلّ فما عرفت دخولكما، فرجعا وشكراه بين يدي أبيهما [ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ](7)، فقال عليّ (عليه السلام) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عمر بن الخطّاب نور في الاسلام

____________

(1) في الموضوعات: [ فضربوا نقد ].

(2) في المصدر [ لا يعرف ].

(3) في الموضوعات [ يزيدون أحاديث تثقف وترفق ].

(4) في الموضوعات [ ومن يحضرهم جهال، فيقولون ولقد ].

(5) اثبتناه من المصدر.

(6) في المصدر [ آفاق ].

(7) أثبتناه من المصدر.


الصفحة 569
وسراج لاهل الجنّة) [ فرجعا ](1) فحدّثاه، فدعا بدواة وقرطاس وكتب [ فيه ](2): بسم الله الرّحمن الرّحيم حدّثني سيّدا شباب أهل الجنّة، عن أبيهما المرتضى، عن جدّهما المصطفى أنّه قال: عمر نور في الاسلام في الدنيا وسراج أهل الجنّة في الجنّة، وأوصى أن يجعل في كفنه على صدره فوضع، فلمّا أصبحوا وجدوه على قبره وفيه صدق الحسن والحسين وصدق أبوهما وصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عمر نور الاسلام وسراج أهل الجنّة».

والعجب! لهذه الذي بلغت به الوقاحة الى أن يصنّف مثل هذا، ثمّ ما كفاه حتّى عرضه على كبار العلماء فكتبوا عليه تصويب ذلك التصنيف [ فلا هو عرف أن هذا محال ولا هم عرفوا، وهذا جهل ](3) متوفّر، علم به أنّه من أجهل الجهال الذين ما شمّوا روح النقل، ولعلّه قد سمعه من بعض الطريقين، وقد ذكرت في كتاب القصاص عنهم طرفاً من هذه الاشياء، وما أكثر ما يعرض عليَّ أحاديث في مجلس الوعظ قد ذكرها قصاص الزمان، فأردها عليهم وأبين أنها محال، فيحقدون عليّ حين أبين عيوب سلفهم(4)، حتى قلت يوماً: قولوا لمن يورد(5)هذه الاحاديث ما يتهيّأ لكم مع وجود هذا الناقد(6) إنفاق زائف»(7).

وقد بالغ ابن الجوزي كما تراه في تكذيب الخبر الباطل، بحيث لم يترك

____________

(1) و (2) لا يوجد في المصدر.

(3) في المصدر [ فلهذا عرف انّ هذا محال ].

(4) في المصدر [ سلكهم ].

(5) في المصدر [ يورده ].

(6) في المصدر [ الناقص ].

(7) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 2 / 391، انظر الموضوعات: 1 / 20.


الصفحة 570
كلاماً لقائل، وأظهر أنّ سعي واضعة ومختلقه على غير طائل، وإنّ المخرج له في تصنيفه والمصوبين لتصنيفه بعداء عن درجة النقاد الافاضل، وإنّهم في الجهل المتوفّر وقلّة التميز مشار إليهم بالانامل، فإنّهم من أجهل الجهال، وإنّهم عوام ضلال، ما شموا ريح النقل، وما حاموا حول درجة النقد والفضل، قد سمعوا الخرافات الطرقية، فحسبوها الاحاديث النبويّة، فأدرجوها في التصنيف، وتنكبوا عن مقام التحقيق المنيف، يرمون إنفاق الباطل الزائف، واضاءة المظلم الكاسف، لغيتربهم الجاهلون، ويفتتن بهم الذاهلون، فيخدعون بأكاذيبهم، ويخلعون عن الصدق بأعاجيبهم، فيقبلون عليهم اقبالاً، ويكتسبون نكالاً ووبالاً.

ومن العجب! انّهم يحقدون على النقّاد عند تبيين عيوب سلفهم الكاسد، ويستشيطون غيظاً على المهرة عند تزييف كذبهم البارد، فهل هذا إلاّ رقة دين، وأتباع للشيطان، وإنقياد لوساوسه المفحمة في النيران!!.


الصفحة 571

الفصل التاسع
[ في توقير الملائكة لعمر ]

ومن سخائف الترهات، وعظائم المبطلات، إنّهم لمّا لم يدعوا من وضع الفضائل في حقّ عمر سبّاً في النقير والقطمير، وافتعلوا في حقّه جميع المناقب من الجليل والصغير، راموا إلى أهل السماء فوضعوا أنّ ملائكة السماء عن آخرهم، ومقرّبي حضرة الله عن أسرهم يعاملون عمر بالتوقير، ولنعم ما قيل شعر:

«تو كار زمين را نكو ساختى كه بر آسمان نيز پرداختي»(1).

ففي الصواعق المحرقة:

«الحديث الرابع والخمسون: أخرج ابن عساكر، وابن عدي، عن ابن عباس [ (رضي الله عنه) ] قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مافي السماء ملك إلاّ وهو يوقّر عمر، ولا في الارض شيطان إلاّ وهو يَفرق من عمر)»(2) إنتهى.

____________

(1) أي: هل أنت اصلحت أمر الارض حتى توجهت نحو السماء.

(2) الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 379، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 44 / 85، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 8 / 66 (1831).


الصفحة 572
وقال صاحب الاكتفاء:

«عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مافي السماء ملك إلاّ وهو يوقّر عمر، ولا في الارض شيطان إلاّ وهو يَفرق من عمر) أخرجه أبو نعيم في فضائل الصحابة، والديلمي في مسند الفردوس»(1).

والله تعالى قد أظهر محبّته وأتمّ كلمته وأوضح محجّته، فأنطق أعمدتهم وأساطينهم بردّ هذا الخبر وجرحه وإبطاله:

قال الذّهبي في الميزان:

«موسى بن عبد الرّحمن الثقفي الصنعاني، معروف، ليس بثقة ; قال ابن حبّان فيه: دجّال وضع على ابن جُريح، عن عطاء، عن ابن عباس كتاباً في التفسير ; وقال ابن عدي: منكر الحديث، يعرف بأبي محمّد المفسّر، روى عنه أبو الطاهر بن السرح، إنّ ابن جريج حدّثه عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعاً: (من أحبّ الله أحبّني، ومن أحبّني أحبّ قرابتي وأصحابي، ومن أحبّ قرابتي وأصحابي أحبّ المساجد.. الحديث، وبه شفاعتي لاهل الكبائر من امتي).

بكر بن سهل، ثنا عبد الغني بن سعيد، ثنا موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس (رضي الله عنه) مرفوعاً: (مافي الارض شيطان إلاّ وهو يفرق عمر، ومافي السماء ملك إلاّ وهو يُوقّر عمر) قال ابن عدي: هذه الاحاديث بواطيل»(2).

____________

(1) الاكتفاء للوصابي: مخطوط، وانظر مسند الفردوس للديلمي: 3 / 429، فردوس الاخبار للديلمي: 4 / 394 (6673).

(2) ميزان الاعتدال: 6 / 549 (8897)، وانظر المجروحين لابن حبّان: 2 / 242، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 8 / 66 (1831).