لانّ ذلك القول يوهم بل يصرّح بأنّ قوله: حتّى مضى سبيله ليس. بيان إنتهاء مدّة الرؤية، بل هو لدفع توهّم ماذكره وهو توهّم قبيح وتخيّل فضيح!.
وسادساً: على أنّ المراد بذلك الرجل هو الخضر (عليه السلام).
ثمّ مع ذلك لا يخلو كلام القاري في الاخر عن جنوح إلى الهوى:
أمّا أوّلاً: فلانّ ما زعمه من أنّ إشكال أفضليّة ذلك الرجل الذي تبيّن أنّه غير عمر بموت عمر، يدفع بأنّ معناه في زمانه، فاسد مدفوع، فانّا قد بينّا وشرحنا أنّ قيد (في الجنّة) مانع من ذلك الحمل، وإنّ القول بتجويز ذلك صريح الهزل.
وأمّا ثانياً: فلانّ ما زعمه أنّه إذا ظهر ذلك الرجل المقتول على يد الدجّال هو الخضر (عليه السلام)، يرتفع الاشكال، ويندفع الاغفال: فإنّ أراد به أنّه يندفع الاشكال من اطلاق (ذاك الرجل أفضل أمّتي درجة في الجنّة) مع قطع النظر عن رؤية أبي سعيد ذلك الرجل عمر، ففيه:
إنّه مع قطع النظر عمّا فيه، يبقى الاشكال من جهة أنّ أبا سعيد إذا رأى مصداق (ذاك الرجل أرفع أمّتي درجة في الجنّة) عمر، فقد رآه أفضل من أبي بكر، فهذا يخالف ما ثبت بالضروره عندهم من القرآن والسنّة، فكيف ينسب هذا الاعتقاد الفاسد إلى مثل أبي سعيد؟!.
ثمّ يزداد الاشكال صعوبة، من جهة نسبة تلك الرؤية إلى أبي سعيد بصيغة الجمع المتكلّم، الدال على أنّه وغيره من الصحابة أيضاً كانوا يرون ذلك!.
وإن أراد أنّه يندفع الاشكال من جهة رؤية أبي سعيد وغيره، أيضاً فهو ممنوع وكونه مدفوعاً مدفوع.
الفصل الخامس عشر
[ في نزول القرآن تأييداً لعمر ]
وممّا استحقوا بوضعه العذاب والنكال، وإقترفوا بإفترائه الخزي والوبال، أنهم كذبوا على الرسول الذي لا ينطق إلاّ بوحي من ذي الجلال، وكان شارعاً للحرام والحلال، إنّه ـ العياذ بالله ـ أخطأ في أسارى بدر، وأصاب عمر بن الخطاب وحاز الفخر، فنزل على الرسول تهديد وعتاب، وأوعده الله بنزول العذاب، وقال الرسول (عليه السلام): (لو نزل من السماء نار ما نجا منها إلاّ عمر)!.
وهذا من أشنع الكذب الذي يجر الى سقر، وصريح في تفضيل عمر على من أضاء ببركته الشمس والقمر، وزهى الزهر وأينع الثمر، ولعلّك تستبعد صدور هذه الفرية الشنعاء. من هؤلاء المنتحلين للاسلام، الذين إفترعوا بزعمك من الدين ذروة السنام.
فاسمع! ما أورده القاري في شرح المشكاة، ولم يخف الشناعة والمخزاة، قال في شرح قوله: وعن ابن مسعود، قال: (فضل الناس عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)بأربع، بذكر الاسارى يوم بدر، أمر بقتلهم، فأنزل الله تعالى: (لَّوْلاَ
«أي في الدنيا قبل الاخرى، وكان أخذهم الفدية يوم بدر من الكفار خطأ في الاجتهاد، مبنيّاً على أن أخذ المال منهم أنسب ليتقوّى المؤمنون، ولعلّهم يؤمنون من بعد ذلك، وذهب إليه أبو بكر ومن تبعه من أرباب الجمال، أو بل ينبغي قتلهم فإنهم أئمة الكفر ورؤساؤه، وهو قول عمر ومن وافقه من أصحاب الجلال، ولمّا كان (صلى الله عليه وآله وسلم) من كماله مائلاً إلى الجمال، إختار قول الصديق في الحال، وكان مطابقاً لما في أزل الازال من حسن المآل.
وتفصيله على مافي الرياض: عن ابن عباس، عن عمر، قال: (لمّا كان يوم بدر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما ترون في هؤلاء الاسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! بنو العم وبنو العشيرة والاخوان، غير أنا نأخذ منهم الفداء، فيكون لنا قوّة على المشركين، وعسى الله أنْ يهديهم إلى الاسلام، ويكونوا لنا عضداً، قال: فما ترى يابن الخطاب؟ قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدهم، فنقربهم ونضرب أعناقهم، قال: فهوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قاله أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء، فلمّا أصبحت غدوت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فاذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت: يا نبي الله صلى الله عليك وسلم! من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟، فإن وجدت بكاء بكيت وإلاّ تباكيت لبكائكما، فقال: لقد عرض على عذابكم أدنى من الشجرة، والشجرة قريبة حينئذ، فأنزل الله تعالى (مَا كَانَ لنَبِيّ أن
____________
(1) الانفال الاية: 68.
وفي رواية لاحمد: (فأنزل الله (لَّوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ)الاية).
وفي طريق: (إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي عمر، فقال: لقد كاد أن(2) يصيبنا بلاء)، أخرجه الواحدي مسنداً في أسباب النزول، وفي بعضها: (لقد كاد يصيبنا بخلافك شر يابن الخطاب)، وفي رواية: (لو نزل من السماء نار لما نجا منها إلاّ عمر)، وفي هذه الاحاديث دليل على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحكم باجتهاده»(3) إنتهى.
ولا يخفى! أنّ الكذب الذي رواه مسلم لا يجتري على تصديقه مسلم، وإنّما يصدّقه كافر، وشناعته من وجوه شتى، ولا يذهب على من له نظر غائر!.
لانّه صريح من أوله إلى آخره في إثبات الخطأ والغلط على ما ساء قط، ومن له الحسنى فقط ومن عليه جبرئيل هبط، وهذا إثبات لما نهجت الكفار بإثباته في الليل والنهار، وصرفت الملاحدة في توخّيه أعمارهم، وشحنوا بتقارير كاذبة في ذلك أسفارهم، فلم يحصل لهم إلاّ إتعاب الابدان ونصب الاشجان، وأفضى بهم الى الصغار والهوان، وتعديهم العجز عما راموا من الضلال،
____________
(1) الانفال الاية: 67.
(2) في المصدر [ كان ].
(3) مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 409 (6052)، وانظر الرياض النضرة للطبري: 1 / 248 (606 ـ 610)، صحيح مسلم: 3 / 1109 (1763)، مسند أحمد: 1 / 51 (208)، أسباب النزول للواحدي: 244 (488)، 242 (486).
فالعجب! من هؤلاء المدّعين للدين، والمنتحلين للشرع المبين، يشايعون الملاحدة والكفار، ويوافقون الزنادقة الاشرار، فيروون إثباتاً لفضائل ابن الخطاب هذه الكفريات، التي هي أعظم منية للكفرة الاقشاب.
ثمّ لا يكتفون على ذلك، فيصححون أمثال هذه الاكاذيب التي تقشعر منه الجلود، ويدخلونها في صحاحهم التي يزعمون أنّه لا ينكرها إلاّ مبطل عنود!.
ثمّ لا يقتصرون على ذلك، فيستدلون بهاعلى إثبات الخطيئة والزّلل على جناب الرسول المعصوم عن كلّ خطأ وخطل!، وهذا عين الكفر والالحاد، ونهاية السفه والحمق والعناد، والازراء بشأن سيد الانبياء الامجاد.
ثمّ إنّهم تركوا الدين والاسلام جهاراً، وأصروا على ما تفوهوا به إصراراً، وإستكبروا عن الاقرار بالحقّ إستكباراً، وقالوا الاشنعة في إثبات الخطأ والغلط والزّلل والسقط على الرسول المعصوم، والذي أمر النبوة به مختوم، فلاثبات الخطأ عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث دليلاً على كونه كذباً مستحيلاً.
فنقول: لو غشيكم نور التوفيق، وصرتم إلى الانصاف، الذي هو بائن يرجع إليه حقيق، وأستحييتم أدنى الاستحياء، وتفكرتم في عروكم أنفسكم الى الملّة الغرّاء، لما أجتريتم على مثل هذا التحقير والازراء بشأن سيد الانبياء!.
لكن الشيطان الشقي أضلّكم ففي المهالك أرداكم وأعماكم، وإستهواكم فغلب عليكم هواكم، وشنعة نسبة الخطأ الى من بسط له خطا النبوة والرسالة، وعزو الخطيئة والزّلل الى مهبط الوحي ومعدن الجلال، ممّا لا يخفى على مسلم،
ولكن الحق إنّه لا إسلام لكم، ولا عقل ولا فضل، فلذا تقولون مثل ذلك الباطل!.
ولكن بحكم الضرورة، إلتجأت في إثبات قبح ذلك إلى أقوال أعلامكم وتصريحات فخّامكم، وأُظهر بإفاداتهم أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم من الخطأ وإنّ على بصر مجوّزه غطاء.
ولا يخفى وضع هذا الحديث من وجوه:
أمّا أوّلاً: فلانّه إفترى في هذا الحديث أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لقد عرض عليّ عذابكم ادنى من الشجرة)، وهذا صريح في نسبته دنو العذاب الى من (دَنَا فَتَدَلّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدنى)(1)، وهذا من الكفر الواضح الشنيع، والالحاد الفاضح الفظيع، الذي لا يتفوه به إلاّ كافر عنيد أو شيطان مريد!.
وأمّا ثانياً: فلانّه دال بالوضوح والظهور على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أبان أنّ قوله تعالى (ماكان النبيّ.. الخ) فيه عتاب عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا باطل وأي عاقل يجوز أنّ يعاتب الله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المعصوم، الذي كانت جميع أفعاله وأقواله عين الحقّ، بل الحقّ كان أمراً يستفاد منها!.
ولقد أحسن القاضي عياض وأجاد، حيث قال في الشفاء، مفضحاً لما يعتقده أهل النفاق والعناد من تخطئة سيد الامجاد:
____________
(1) النجم الاية: 8، 9.
وهذا صريح في أنّه ليس في هذه الاية توجيه لوم وعتاب على سيد الانجاب صلوات الله وسلامه عليه وآله ما طلع قمر وغاب، بل يظهر ويعلن في هذه الاية بيان فضيلته على غيره من الانبياء، وتخصيصه بذلك من بين زمرة الرسل الاجلاء.
فانظر! عناد النواصب خذلهم الله وجزاهم بما صنعوا، كيف نبذوا الاسلام والدّين، فقلبوا فضيلة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الى الرذيلة، والمنقبة الى النقيصة، ولم يخافوا ما يلزم من تحريف كلام الله وإخراجه عن مراده، ثمّ أتوا بالداهية العظمى، والمصيبة الكبرى، فنسبوا هذا التحريف وعدم فهم مراد الله وحمل الفضيلة على الرذيلة الى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونسبوا إليه أنه بكى على ذلك!!.
وأمّا ثالثاً: فلان، هذا الحديث دال على أنّ الله خاطب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطاب يريدون عرض الدنيا، وهذا نهاية الذم والعيب والازراء والتنقيص في حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي عرض عليه خزائن الارض فأبى أن يقبلها!.
والعياذ بالله أن يريد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عرض الدنيا، وحاله من الزهد فيها،
____________
(1) الانفال الاية: 67.
(2) في المصدر [ للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ].
(3) الشفاء للقاضي عياض: 2 / 361.
والعجب! من الناصبة لا يستحيون من الافتراء على الله ولا على الرسول ولا الازراء بهما، فإنّ هذا في الحقيقة طعن على الله تعالى، حيث بعث نبياً يحبّ عرض الدنيا، ويأمر الناس بالزهد والنفرة عنها، ولا مناقضة أكبر من ذلك!.
ثمّ إنّهم إن لم يبالوا بنسبة حبّ عرض الدنيا الى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان عليهم أن يبالوا من نسبة ذلك إلى أبي بكر!!.
وممّا بينّا ظهر كذب الرواية التي رواها أحمد، وأشار إليها القاري، المتضمنة لقوله: «فانه نزل الله تعالى.. الخ»، وهذا صريح في أنّ الله أوعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعذاب، وأظهر أنّه استحقّ العقاب لولا سبق الكتاب، وهذا ظاهر في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل ما يستحقّ به العذاب والعقاب، ولكن الله عفا عن ذلك، لما سبق في علمه من أنّه يرفع عنهم ذلك، ولا عيب ولا شنعة أعظم من نسبة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الى إستحقاق العذاب والعقاب!.
وأمّا رفع العذاب فلا يدل على رفع النقيصة ودفع العيب، لانّ كثيراً من الفساق والفجار يرفع الله عنهم العذاب في العاجل، وهذا لا يرفع عنهم النقص والملامة والفضاضة عنه والعيب الشامل.
ثمّ إنّ القاري قد صرّح بأنّ المراد بالعذاب العذاب الدنيوي، فهذا صريح في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فعل فعلاً في نهاية الشناعة، حتى أنّه يستحق أن ينزل عليه عذاب في الدنيا قبل الاخرى أعظم!.
وأمّا خامساً: فلانّه يلزم منه تفضيله على أبي بكر بعين ماذكرناه.
وأمّا سادساً: فانّ هذا الحديث وأمثاله من الاحاديث المفتراة الصريحة في تخطئة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتغليطه ونزول العذاب عليه، مع أنّه قد ثبت أنّ أخذ الفداء كان بوحي سماوي وتخيير الهي، كما في المشكاة:
«عن عليّ (رضي الله عنه)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ جبرئيل هبط، فقال له: خيّرهم ـ يعني أصحابك ـ في أُسارى بدر، القتل أو الفداء، على أن يقتل منهم قابلاً مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا) رواه الترمذي، وهذا حديث غريب»(1) إنتهى.
فظهر من هذا الحديث المروي في صحيح الترمذي المعتمد عليه عندهم(2)، إنّ الله تعالى قد حكم بتخيرهم بين أخذ الفداء والقتل، فثبت أنّ أخذ الفداء لم يكن رأياً حتى ينزل عليه العتاب، أو يتوجه لوم وخطاء الى سيد الانبياء الاطياب، عياذاً بالله ممّا تظنه الجهلة النصاب.
____________
(1) مشكاة المصابيح للتبريزي: 2 / 399 (3973)، وانظر الجامع الكبير للترمذي: 3 / 226 (1567).
(2) ذكره ابن حبّان في صحيحه: 11 / 118 (4795)، والبيهقي في السنن: 6 / 321، والحاكم في المستدرك: 2 / 479 (2666) وغيرهم.
سبحان الله! كيف بالغوا في الارزاء بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نسبوا إليه أنّه فعل ما كاد أن يصيبه عليه بلاء أو شر، وجعلوا مخالفة عمر موجباً للبلاء والشر في حقّ من هدى الاُمّة الى كلّ خير.
فتراهم كيف عمّوا، حتى جعلوا عمر متبوعاً مسيّراً، وصيروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرتبة الاتباع، ولم يكتفوا عليه حتى جعلوه من الاتباع المخالفين لمتبوعهم، فكأنّهم جعلوه تابعاً مخطئاً، ومقلداً غير مصيب في التقليد والاتّباع، بل هذا إلاّ كفر وإلحاد!.
وأفظع وأشنع من هذا ما رواه القاري، من أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو نزل من السماء نار لما نجا إلاّ عمر)، وفي أصل الرياض، وفي رواية: (لو عذّبنا في هذا الامر لما نجا غير عمر)(1).
وهذا من أعظم المطاعن في حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الملاحدة!، ولهم البشرى حيث عاضدتهم هذه الفرقة الفاجرة، مع ادعائها الاسلام وكمال الفضل والعلم والتبحر والتمهر، وكثرة العلماء وغزارة الحذاقة، حيث أثبتوا في حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه فعل ما إستحق به العتاب من الله ونزول العذاب، لو نزل نارٌ من السماء لادرك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكاد أن يصيب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بلاء وشر، وهذا عين مدعا الملاحدة
____________
(1) انظر مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 409 (6052) وقد ذكر فيما سبق.
ولنعم ما قال السيّد المرتضى الرازي في تكذيب هذا الخبر الشنيع في تبصرة العوام:
«[ الحديث الثامن: يقولون: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إنّ يوم بدر لو نزل العذاب لهلك النبيّ 6 وأهل البيت والصحابة جميعاً إلاّ عمر)، وقد اشتهرت أخطاء عمر في مسائل ورجوعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)وقوله: (لولا عليّ لهلك عمر).
ومن العجيب! أنّ الله لم يبعث عمر رسولاً مع هذه المنزلة التي يهلك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وينجو هو لوحده، والزنديق الذي يعتقد هذا المعنى لا فائدة بالتكلّم معه عن القرآن والايمان، لكنّي أذكر منها شيئاً كي يعلم القارئ أنّ واضع هذا الحديث لم يؤمن بالله ورسوله:
قال تعالى: (مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(1)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (النجوم أمان لاهل السماء، وأهل بيتي أمان لاهل الارض)، فلو ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، ولو ذهب أهل البيت لم يبق أهل الارض، فلو هلك أهل البيت الذين هم أمان الارض كيف ينجو عمر؟!.
والعجيب! منهم أيضاً، إنّهم لو لم يعتقدوا بفضل أهل البيت لكنهم يعتقدون بأفضليّة أبي بكر على عمر، وعمر هو القائل في حقّ معاذ: (لولا معاذ لهلك عمر)، فكيف يهلك أبو بكر ومعاذ وينجو عمر؟!.
____________
(1) الانفال الاية: 33.
وقد أثبتوا في هذا الحديث أيضاً، معتقد الصوفيّة في تفضيل الاولياء على الانبياء، إعتقدوا بأنّ عمر من الاولياء، فلذا فضّلوه، لكنّهم عمّوا وصمّوا لانّهم يعتقدون بأفضليّة أبي بكر على عمر، فكيف يهلك الفاضل وينجو المفضول؟!]» إنتهى(1).
____________
(1) تبصرة العوام للرازي: 235، وفيه:
«حديث هشتم: گويند رسول گفت كه اگر در روز بدر عذاب فرود امدى رسول (صلى الله عليه وآله)وأهل بيت وصحابه هلاك شدندى إلاّ عمر ومشهور است كه عمر در چند مسئله خطا كرد وامير المؤمنين (عليه السلام) باصلاح او رد عمر بارها گفتا كه (لولا علي لهلك عمر) يعنى اگر على نبودى عمر هلاك شدى والعجب كه عمر را اين منزلت باشد پيش خدا كه رسول هلاك شود وعمر نجات يابد بايستى كه عمر را بر رسالت فرستادى أما زنديقى كه اين معنى روا دارد از قرآن وايمان سخن با وكفتنى بيفائده اما آيه قرآن وحديث از بهران ياد ميكنم تا ديگر انرا معلوم شود كه واضع اين حديث را ايمان بخداؤ ورسول (صلى الله عليه وآله) نبوده ودر قرآن ميفرايد كه (ما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) گفت خدا ايشانرا عذاب وتو در ميان ايشان باشى وايشانرا عقاب نكند مادام كه استغفار كنند، وأمّا حديث رسول ميفرايد (النجوم امان لاهل السماء وأهل بيتي أمان لاهل الارض) ستارگان امان أهل آسمانند وأهل بيت من امان أهل زمين چون ستارگان نمانند أهل نمانند وچون أهل بيت من نمانند أهل زميني نمانند چون أهل بيت كه أمان أهل زمين اند يا رسول هلاك شدند چكونه عمر نجات يافتى. والعجب كه اگر ايشان را با أهل بيت رسول وفضيلت ايشان اعتقاد نبود آخر باعتقاد ايشان ابو بكر فاصلتراست وعمر در حق معاذ گويد (لولا معاذ لهلك عمر) پس چكونه روا با شد كه ابو بكر ومعاد هر دو هلاك شوند وعمر نجات يابد.
اما اجماع خلاف نيست كه رسول مهمتر همه انبياء است ميفرمايد (علي لحمك لحمي ودمك دمي) گوشت تو گوشت من وخون تو خون من است، وميگويد كه (فاطمة بضعة منّي) يعني فاطمه پاره از منست، وميگويد كه (امام حسن (عليه السلام) وامام حسين (عليه السلام) جگر گوشكان من اند كه چكونه خير الانبياء وخير الاوصياء وخيرة النساء وركنان عرش كه بهترى خلقند همه هلاك شوند وعمر نجات يابد ودرين حديث اثبات فرقه صوفيان كردند كه ايشان أولياء بهتر از أنبياء اند وعمر أوليا روانند پس از اين جهت او را تفضيل نهادند بدانكه اينجا هم كور شدند وهم لال واز نقص احتراز نكردند از بهتر انكه نزد ايشان ابو بكر فاضل تر است پس چگونه ولى فاضل را هلاك ومفضول را نجات دهد».
فأقول: إنّه قد صرح رافعاً صوته: بأنّ أخذهم الفداء يوم بدر من الكفار كان خطأ في الاجتهاد، وهذا تصريح بتخطئة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وقدح في جنابه السني، وإتباع للشيطان الغوي!، وقد سبق بيان شناعته وفظاعته.
والعجب! أنّه استحى من التصريح بتخطئة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسبت الخطأ إلى آخذي الفداء، مع أنّه رأس آخذي الفداء، وبأمره فعلوا ما فعلوا، فكان معاذ الله على ذلك رأس الخاطئين ومتبوع الاخذين!.
فكأنّ القاري الناري هاب عوام السنّيّة في هذا المقام، حيث أنّهم إذا اطلعوا على تخطيئه صريحاً للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، يأخذون بتلابيبه، وينتفون لحيته، ويلعنونه ويحقرونه، فعدل من التصريح وتفوه بما أبلغ من القريح، ثمّ كابر برفع ما يلزم من الشناعة والفظاعة، فطفق في التشديق والتسجيع والتزويق والتلميع، يستعمل لفظ
وبالجملة: ما زعم في أنّ إختيار أبي بكر أخذ الفداء كان منشاءه الجمال، إنْ كان صحيحاً، فلما عاتب الله على ذلك، وأبان أنّه كان موجباً للعذاب والنكال؟!، ولكن سبق الكتاب بالعفو منع عن الانزال.
ثمّ العجب! أنّه كان يريد إستحسان فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوجيهه مع تخطيئه وتغليطه أولاً، تراه يقول: ولما كان من كماله مائلاً الى الجمال... الخ.
أقول: إذا كان إختيار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قول الصديق للميل الى الجمال، وإنحطاطاً الى النقصان عن الكمال، مع ما قد ورد (إنّ الله جميل يحبّ الجمال)(1)، فهذا عين الكفر والضلال!، والله العاصم من هفوات الاقوال.
ثمّ العجب! أنّه يقول: إنّ إختيار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قول الصديق في الحال، كان مطابقاً في أزل الازال من حسن المآل، فعلى هذا يكون عتاب الله تعالى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). على ما يعتقده القاري وأصحابه، وإبانته تعالى أنهم استحقوا أنْ يمسّهم العذاب، وتخطيئه له ولاصحابه، خطأ وغلطاً!.
ولا يخفى عليك! إنّ القاري لم ينقل حديث أحمد الذي رواه في الرياض بتمامه، بل نقل آخره المتضمن لنزول آية (لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ... الخ)، وكان لمّا تنبّه لما في أوّله من خزيّ عمر، حيث ذكر فيه إعراض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عنه مرتين وغمه بقوله، حذفه وإستحى عن ذكره، وهذه عبارته(2) في فضائل عمر:
____________
(1) انظر كنز العمال للمتقي الهندي: 6 / 642 (17189).
(2) اي صاحب الرياض النضرة.