وفي طريق: (إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي عمر، فقال: لقد كان يصيبنا في خلافك بلاء) خرجه الواحدي مسنداً في أسباب النزول.
وفي بعضهما: (لقد كاد يصيبنا بخلافك شرّ يا ابن الخطاب).
وفي رواية: (لو نزل من السماء نار لما نجا منها إلاّ عمر).
وفي رواية: (لو نزل عذاب).
وفي رواية: (لو عذبنا في هذا الامر لما نجا غير عمر) خرجهما القلعي.
وفي هذه الاحاديث دليل على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحكم باجتهاده»(2) إنتهى.
____________
(1) الانفال الاية: 68.
(2) الرياض النضرة للطبري: 14 / 249 (608 ـ 610)، وقد خرج فيما سبق.
وأيضاً فيه برهان واضح على جسارة عمر، وقلّة حيائه، وفقدان تأدبه، وعدم مهابته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى اجترء على جواب كلامه الشريف ثانياً بمثل ما أجاب به أولاً، مع أنّه قد أعرض عنه أولاً ولم يلتفت إليه، فهذا الحديث أولى بأن يكون طعناً وثلباً لعمر من أن يكون مدحاً وثناء، كما ظنّه المحبّ الطبري وأمثاله من قلة تدبّرهم وفقد تأمّلهم!.
وإذا رأيت هذا فأعلم! إنّه روى هذا الخبر صاحب إزالة الخفاء بسياق أشنع ممّا سبق، فقال:
«أخرج مسلم وأبو داود والترمذي، عن عبد الله بن عباس، قال: (حدّثني عمر بن الخطاب، قال: لمّا كان يوم بدر نظر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أصحابه وهم ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل نبيّ الله القبلة ثمّ مدّ يديه وجعل يهتف لربّه مادّاً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداءه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثمّ التزمه من ورائه، قال: يا نبيّ الله أكذلك مناشدتك ربّك فانّه ينجز لك ما وعدك، فأنزل الله (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ
____________
(1) الانفال الاية: 9.
(2) الانفال الاية: 67 ـ 68.
وهذا الكذب الذي رواه مسلم وأبو داود والترمذي بإعتراف هذا الرجل، من أكبر البهتان وأعظم العدوان، حيث يشتمل زائداً على الاكاذيب السابقة، وقوع العقاب على الصحابة والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) العياذ بالله منه، ولا كفر ولا زندقة أعظم من هذا!.
وبالجملة: فقد إشتملت هذه الخرافة على عدّة من الفضائح:
أمّا أوّلاً: فإنّه صريح في أنّ الصحابة عوقبوا في الدنيا بما فعلوا يوم بدر من أخذ الفداء، وهذا نهاية الذمّ والتحقير بالصحابة، حيث يقولون أنّهم مع ما عليهم من الجلالة والرفعة، والتقديس والورع، والكمال والعظم والتقرب إلى الله، والحيازة للفضائل والمناقب، والتنزه عن النقائص، فعلوا من الشناعة والاثم القبيح، ما عاجلهم الله عليه بالعذاب والعقاب في الدنيا فضلاً عن الاخرى، مع ما قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِم)(3)!.
وأمّا ثانياً: فلانّه صريح في أنّ قتل سبعين رجلاً من الصحابة كان عقاباً من الله عليهم، ففي هذا من الشناعة والقبح ما لا يخفى، حيث يسمون شهادة الصحابة
____________
(1) آل عمران الاية: 165.
(2) ازالة الخفاء للدهلوي: 3 / 62، وانظر صحيح مسلم: 5 / 156، سنن ابي داود: 3 / 61 (2690)، الجامع الكبير للترمذي: 5 / 162 (3081).
(3) الانفال الاية: 33.
هل كان إختيار الله تعالى الشهادة لهم على أيدي الكفار إختيار للمراتب الرفيعة والمثوبات الاُخروية لهم، أم كان ذلك عقاباً منه لهم؟!، وإذا سمّوا قتلهم عقاباً منهم، فقد أبطلوا شهادة الله!.
هذا حال الناصبة! إذا شاءت أنفسهم ودعتهم الضرورة الى تنقيص الصحابة المؤمنين الذين يعتقد فضلهم وإيمانهم وكمالهم كلّ مسلم، نالوا منهم كلّ منال، ونسبوا إليهم من الفضائح المفتراة والقبائح الموضوعة ما تنهدّ منه الجبال، حتّى قالوا: أنّهم عاقبهم الله في الدنيا، وسمّوا شهادتهم على أيدي الكفّار عقاباً من الله عليهم.
وإنّ قال الشيعة في حقّ الصحابة الذين كانوا من المنافقين، وعادوا أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وغصبوا حقوقهم وخالفوهم، وناؤهم أدنى مقال، تخازرت عيونهم، وانتفخت أوداجهم، وخفظت نفوسهم، وطعنوا على الشيعة بكل طعن شنيع، وبالغوا عليهم بالتشنيع، ونسبوهم إلى الزيغ والالحاد، ومخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الامجاد ; مع أنّ الشيعة لا تطعن إلاّ الصحابة الذين كانوا من المنافقين الاشرار والفسّاق الفجّار.
وأمّا ثالثاً: فإنّه يظهر منه أنّ الصحابة فرّت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعدّ الواضع ذلك أيضاً من العقاب!، ولكن لا يدري إنّ عدّ ذلك من العقاب على الصحابة، حيث استحقوا بالفرار الهوان والصّغار والعيب والشنار في الدنيا والخزي والشنار والفضيحة والعار في الاخرى، أم عدّه عقاباً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تركوا نصرته ونبذوا حراسته، وفي كلّ ذلك من القبح والشناعة ما لا يخفى!.
وأمّا رابعاً: فلانّ الواضع ـ لعنه الله وأخزاه وفي جنّم أصلاه وكسر أسنانه وهشم لسانه ـ قد صرّح نسبة العقاب إلى سيّد الرّسل الانجاب، وذكر في تفصيل
والعجب! من هؤلاء الناصبة ـ خذلهم الله ـ يروون هذه القبائح والمطاعن في حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصححونها ثمّ يدّعون الاسلام.
وليس لهم أن يقولوا أنّ ضمير عوقبوا راجع إلى الصحابة فقط، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)ليس داخلاً فيهم فلا نسبة للعقاب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
لانا نقول: هذا من عدم التأمل في صريح الكلام، لانّ الواضع ـ قطع الله لسانه وجزى شراً سيفه ـ ذكر أولاً حال يوم بدر من أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ الفداء على خلاف، مختاراً لقول أبي بكر فقعد يبكي من غد ذلك، وصرّح بأنّه يبكي للذي عرض عليه عذابهم أدنى من الشجرة لاخذ الفداء، ثمّ ذكر أنّهم عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء.
وظاهر من كلامه ومن الواقع، إنّ الاخذ للفداء إنّما كان هو النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما ينسب الى الصحابة لجهة إتباعهم له في ذلك، فكذا يكون العقاب عياذ بالله على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما اُبتليت الصحابة به لاتّباعهم له، فلا يمكن من لحاظ ذلك أن يكون المراد بعوقبوا الصحابة فقط!.
ثمّ إنّه قال بعد فعوقبوا: «فقتل عنهم.. الخ»، وهذا بيان لما أجمل من العقاب وذكر هذا التفصيل، كسر رباعيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتهشيم البيضة على رأسه، وسيلان الدم على وجهه الشريف، فهذا صريح في أنّ هذه الاُمور التي وقعت على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)كان عقاباً، فإن كان ضمير عوقبوا راجعاً إلى الصحابة فقط، يلزم أنّها كانت عقاباً على الصحابة وإن وقعت على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
فهذا من العجب العجاب!!. يريد الله عقاب الصحابة فيغلط العياذ بالله
ثمّ نقول: إذا كان الصحابة عوقبوا لسوء صنيعهم يوم بدر من أخذ الفداء، مع أنّهم كانوا أتباعاً محضاً، فلم لا يعاقب والعياذ بالله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك، وهو الاخذ في الحقيقة؟!.
ثمّ نقول: إذا كان قتله الصحابة يوم أحد عقاباً لهم من الله لاخذهم الفداء، لم لا يكون كسر رباعيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتهشيم البيضة على رأسه، وسيلان الدم على وجهه يوم أحد، عقاباً من الله إياه لاخذه الفداء؟! نعوذ بالله من ذلك.
ثمّ لا يخفى! إنّ تشنيعنا بإفتراء هذه الاُكذوبات، وإختلاق هذه الكفريات التي ذكرت في الحديث على غير عمر، من رواة الحديث عن ابن عباس عن عمر لا على عمر، احسان منّا على الناصبة وتبرّع وسماحة، وإلاّ فلو أخذنا بافتراء ذلك عمر بن الخطاب لامكن لنا، حيث انّهم قائلون بصحّة الحديث لروايتهم إياه في صحاحهم، فلنا أن نشنع على عمر حيث إفترى على الرسول مثل هذه الافتراءات الفاضحة، ونسب إليه وإلى أصحابه العقاب، وجعل شهادتهم ومصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أيدي اَلكفّار عقاباً من الله وإيّاه، ولا كفر ولا إلحاد أعظم من ذلك.
فحريّ الان أن نقول هذا الحديث صحيح إلى عمر، بمعنى أنّه لم يصدر الكذب فيه من الرواة على عمر، وأن نشنع بهذه التشنيعات عليه، حيث أراد إظهار فضيلة نفسه ونقيصة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثل هذه الاُكذوبات القبيحة.
____________
(1) فاطر الاية: 18.
الفصل السادس عشر
[ في تفضيل عمر على الناس ]
ومن شنائع فريتهم، وقبائح قرفتهم، حديث وضعوه على ابن مسعود، وهو مشتمل على رأس فضائل عمر وأعلى مآثره، التي بهااستحقّ عندهم التفضيل على الاصحاب.
ففي مشكاة المصابيح:
«عن ابن مسعود، قال: (فُضِّلَ الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكره الاسارى يوم بدر، أمر بقتلهم، فأنزل الله تعالى (لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخذْتُم عَذابٌ عَظِيمٌ)(1)، وبذكره الحجاب، أمر نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنّك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا؟ فأنزل الله تعالى (وإذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَسألُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب)(2)، وبدعوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم أيّد الاسلام
____________
(1) الانفال الاية: 68.
(2) الاحزاب الاية: 53.
وفي الرياض النضرة:
«عن مسعود، قال: (فُضِّلَ الناس عمر بأربع: فذكر الاسرى يوم بدر أمر بقتلهم، فأنزل الله تعالى (لَوْلاَ كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتُمْ عَذابٌ عَظيمٌ)، وبذكره الحجاب أمر نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنّك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا؟، فأنزل الله تعالى (وإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَاب)وبدعوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم أيّد الاسلام بعمر، وبرأيه في أبي بكر: كان أوّل الناس بايعه) أخرجه أحمد»(3) إنتهى.
ولا يخفى!، إنّ هذا من الكذب الفاضح على ابن مسعود، هو أعلى شأناً أن يدّعي مثل هذا الباطل المردود، فإنّ هذا الحديث يدلّ صريحاً على أنّ هذه الاُمور كانت موجبة لتفضيل ابن الخطاب على غيره.
وصرّح به القاري أيضاً، حيث قال:
«عن ابن مسعود ـ أي موقوفاً ـ قال: (فضل الناس)، بضمّ فاء وتشديد ضاد معجمة ونصب الناس على أنّه مفعول ثان مقدم على نائب الفاعل، وهو قوله:
____________
(1) أي أوّل من بايعه من الناس.
(2) مشكاة المصابيح للتبريزي: 3 / 344 (6052)، وانظر مسند أحمد: 4 / 228 (4362) في مسند عبد الله بن عمر.
(3) الرياض النضرة للطبري: 1 / 250 (612).
ولو كانت هذه الاُمور موجبة لتفضيل ابن الخطاب على الناس لاختصاصه بها دونهم، لزم أن يفضلوه على أبي بكر أيضاً، لانّه لم يكن لابي بكر المريب الغير المصيب في ذكر الاسارى يوم بدر وذكر الحجاب ودعوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا نصيب!.
وإذا كان وجه تفضيل ابن الخطاب على غيره تلك الامور، حيث وجدت فيه دونهم، فيدل بعينه على تفضيله على أبي بكر أيضاً!.
ولعلّهم يضعون لابي بكر مثل ما وضعوه لعمر من قوله أعزّ الاسلام بعمر، فلا يمكن لهم معارضة الوجهين الاوّلين من وجه، وذلك أيضاً يكفي في التفضيل.
ثمّ إنّا نحن نفصل الكلام على وجه يظهر لك كذب هذا الافتراء على ابن مسعود، كالصبح إذا انفلق منها عمود:
فنقول: كون موافقة رأي عمر في اُسارى بدر الحكم الالهي موجباً لتفضيل عمر باطل عندهم، لانّهم قد قالوا: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خالف عمر، فلو كان ذلك موجباً للتفضيل لزم تفضيله على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا على الالزام كما لا يخفى على أولي الافهام!.
وكذا أبو بكر خالف وأخطأ في هذه الواقعة، وكان بادياً لذلك على حسب رواياتهم، ونزل عليه وعلى غيره التهديد لذلك الخطأ، فيلزم تفضيل ابن الخطاب عليه أيضاً!.
وحاصل الكلام: إنّ ما وصفوه في قصّة اُسارى بدر من تخطئة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
(1) مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 409 (6052).
وبهذا قد استدللنا على كذب ما وضعوه، وإفتراء ما صنعوه، ولكنهم لفرط لجاجهم، ونهاية إعوجاجهم، ينكرون دلالة ذلك على التفضيل، حتى لا يلزم تفضيل عمر على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر شيخهم الجليل، فيظهر كفرهم وزندقتهم عند كلّ عظيم وذليل، ويلزم حقارة إمامهم النبيل.
وأمّا ماذكروه من أمر الحجاب: فلو لم يكن على عقولهم غطاء وحجاب، وخافوا عذاب يوم الحساب، لما نسبوا مثل هذا الغلط الواضح إلى ابن مسعود، والذي هو من الاصحاب الاطياب، لانّه قد ذكر فيه أنّ عمر أمر بالحجاب أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ليس فيه منقبة له، بل فيه عيب عليه!.
لانّه يدلّ على جسارته على أزواج الرسول، وقلّة مبالاته بمراعات الاداب، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أعلم منه، فما باله يدخل بين أموره ويأمر أزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم) بما لم يأمرهنّ به؟!.
بل هذا تطريق لقلّة الحفاظ، وعدم مراعاة الاحقّ الى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث لم يأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أزواجه بالحجاب، مع أنّه كان أصلح كما رآه عمر وأمر به، ولهذا ترى زينب أنكرت عليه وزجرته، فقالت: (وإنّك علينا يابن الخطاب ـ أي تحكم أو تغار (قاله القاري) ـ والوحي ينزل في بيوتنا)، فهذا صريح فيما قلنا من أنّه لم يكن لابن الخطاب الاجتراء على أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأمّا ماعزوا إلى ابن مسعود أنّه ذكر من وجوه تفضيل عمر دعوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (اللهمّ أيّد الاسلام بعمر): فليس بطلانه ممّا يخفى، لانّا لو سلّمنا أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (اللهمّ أيّد الاسلام بعمر)، فهذا لا يدلّ على تفضيله على غيره، لانّ غاية مفاده أنّ عمر وقع منه التأييد للاسلام، وهذا أمر يشارك فيه جميع الصحابة الذين صرفوا همّهم في إعلاء كلمة الله وتأييد الاسلام، فكيف يكون ذلك مختصّاً بعمر وموجباً لتفضيله عليهم؟!.
ولو قالوا: هذا اللفظ لم يقله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لاحّد وإن وقع منهم التأييد.
فنقول: إنّ مجرّد ذلك اللفظ لا يدلّ على التفضيل، وأيّ دليل من العقل والنقل قام على أنّ من قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّه ذلك، ودعا له بوقوع التأييد للاسلام منه فهو يكون أفضل، وهل هذا إلاّ سفسطة باطلة!.
____________
(1) هو ابو يحيى عبد الله بن سعد، وقيل سعيد بن أبي سرح، أخو عثمان بن عفان في الرضاعة، أحد طلقاء المنافقين، أسلم ثم شك فكفر وارتد ولحق بالمشركين بمكة، واطلق بعد الفتح بشفاعة عثمان، وولاه عثمان على مصر بعد عمرو بن العاص، وعزله الامام علي عن ولاية مصر.
نزلت فيه الاية 137 من سورة النساء (إنّ الذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم...). ولما أسلم وكان يحسن القراءة والكتابة اتخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كاتباً، فلما طغى أخذ يبدل كلمات الوحي التي كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يمليها عليه.
على أنّا نقول: عند أهل السنّة دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) غير واجب الاجابة، فلا يدلّ مجرّد قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللهمّ أيّد الاسلام بعمر) على فضيلة له، وإلاّ فليدلّ ما رووه مثل ذلك في حقّ أبي جهل أيضاً على فضله!.
وإن تشبثوا بأنّ هذا الدعاء قد أُستجيب ووقع من عمر التأييد للاسلام.
فنقول: أوّلاً: إنّ ما وضعوه على ابن مسعود، يدلّ بظاهره أنّ مجرّد هذه الدعوة أوجبت تفضيله!.
وثانياً: إنّا إن سلّمنا ذلك، لكن هذا لا يضرّنا بل يفيدنا، لانّه إذا كان مدار تفضيله وقوع تأييد الاسلام منه، فهذا غير مختص به، بل عام يشمل جميع الصحابة الذين أيّدوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!.
وأمّا ما افتروا على ابن مسعود، من أنّه جعل الوجه الرابع لتفضيله رأيه في أبي بكر وسبقته الى بيعته، فهذا أكذب من كلّ كذب، وأفضح من كلّ فضيح!!.
ولو نظروا بعين البصيرة ونظر المتأمّل، لعلموا أنّ سبقته الى بيعة أبي بكر لم يكن من موجبات التفضيل في شيء، بل كان موجباً لاعظم المطاعن، وأقبح المثالب، وأفظع المخازي، وأشنع المعاصي(1)، من غصب الحقوق، والمخالفة
____________
(1) ان من أوضح الادلّة على ان هذا الفعل من المطاعن والمثالب وليس من الفضائل، هو تنكر عمر نفسه لبيعة أبي بكر!، وذلك بمقولته الشهيرة (لقد كانت بيعة أبي بكر فلته وقانا الله شرها) فيرجع الاثم والوزر عليه، لانه المهندس لهذا البنيان والمبادر الاول لهذه الفتنة والفلتة، انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي: 67، وصحيح البخاري باب رجم الحبلى 5 / 208، وتاريخ الطبري 2 / 210.
ثمّ إنّه قال: لو كانت خلافة أبي بكر بحيث كان سبقة عمر الى بيعته موجباً لتفضيله، تكون ندامة أبي بكر عليها من العجب العجاب!!، مع أنّه قد ثبت برواية أعلام محدّثيهم على مافي كنز العمّال، إنّه تأسّف على إختيار الخلافة عند موته، حيث قال: «وددت اني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الامر في عنق أحّد الرجلين، الى عبيدة بن الجراح فكان أمير فكنت وزير»(2) إنتهى.
____________
(1) هو السيد محمد قلي بن محمد حسين المعروف بالسيد الله كرم، كان متكلماً محققاً كثير التتبع من كبار علماء الامامية في بلاد الهند كان له اهتمام بالغ في الرد على المخالفين.
(2) كنز العمال للمتقي الهندي: 5 / 632 (14113)، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر: 30/422.