الصفحة 732
المضاف منه، وابقى المضاف اليه على حاله كان أصله مائة بيت، إنتهى وفي نسخة مائة بيت، وهو واضح (فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كاد) أي قارب (ليسلم)»(1).

وأيضاً في الشمائل:

«(إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد يقدم عليه قائماً يفاخر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وينافع، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله يؤيّد لحسان بروح القدس)»(2).

وصرّح القاري في شرحه بأنّ الاشعار التي فيها دفع ما قاله المشركون ليس ممّا لا يجوز، بل يكون ممّا يلهم الملك!، وهذا أيضاً دليلاً باهر، وبرهان قاهر يدلّ على كذب ما وضعوه، وبطلان ما تفوّه به القاري في شرح المشكاة(3)، فقال في المجمع:

«(حدثنا إسماعيل بن موسى الفَزاري) بفتح الفاء فالزاء وعليّ بن حجر والمعنى أي المودى واحد، قال أي كلاهما، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد بكسر الزاي فنون وفي نسخة بتحيّة واسمه عبد الله بن ذكوان على مافي التقريب (عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة (رضي الله عنه)قالت: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضع لحسان بن ثابت) ضبط حسان متصرفاً وغير متصرف بناء على أنّه فعلان أو فعال، فالاول هو الاظهر فتدبّر، وهو ثابت بن منذر بن عمرو بن حزام الانصاري

____________

(1) جمع الوسائل في شرح الشمائل: 2 / 44، وانظر الشمائل المحمدية للترمذي: 95 (258)، الادب المفرد للبخاري: 256 (869).

(2) الشمائل المحديّة للترمذي: 95 (259).

(3) اي في مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح.


الصفحة 733
عاش مائة وعشرون سنة نصفها في الاسلام، وكذا عاش أبوه وجدّه وجدّ أبيه المذكورون توفى سنة أربعين وخمسين، قال صاحب المشكاة في اسماء رجاله: يكنا أبا الوليد الانصاري الخزرجي وهو من فحول الشعراء، قال أبو عبيدة: اجتمعت العرب على أنّ أشعر أهل المدر حسان بن ثابت، روى عنه عمر وأبو هريرة وعائشة، مات قبل الاربعين في خلافه عليّ رضي الله عنهم أجمعين، وقيل سنة خمسين والله أعلم، (منبراً) بكسر الميم آلة النبر وهو الرفع (في المسجد) أي مسجد المدينة (يقوم عليه قائماً) أي قياماً، وقال ميرك نقلاً عن المفضل: قد يرد المصدر على وزن اسم الفاعل نحو قمت قائماً، إنتهى ; في نسخه يقول عليه قائماً، أي يقول حسان الشعر وينشده على المنبر حال كونه قائماً (يفاخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو قال) على مافي الاصل الاصيل أي عروة رواية عن عائشة، وفي نسخة وهي الظاهر أو قالت أي عائشة (ينافح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) أي يخاصم عن قبله ويدافع عن جهته، فقيل المنافحة المخاصمة، فالمراد أنّه كان يهاجي المشركين ويذبهم عنه، وقال صاحب النهاية: ينافع أي يدافع والمنافحة والمكافحة: المدافعة والمضاربة، ونفحت الرجل بالسيف تناوله به، يريد بمنافحته ومدافعته هجاء المشركين ومجاوبتهم عن اشعارهم، (ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) فيه دلالة على تعدّد هذا القول منه له (إنّ الله يؤيد حسان)، وفي نسخة حساناً (بروح القدس) بضمّ الدّال وسكونه أي جبرئيل (عليه السلام)، وسمي به لانّه يأتي الانبياء بما في الحياة الابديّة والمعرفة السرمديّة، واضافته الى القدس وهو الطهارة لانّه خلق منها، وقد جاء في حديث مصرحاً وهو انّ جبرئيل مع حسان (ما ينافح أو يفاخر) للشك، ويحتمل التنويع، وفي رواية ما نافح (عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) فما للدوام والمدّة، والمعنى

الصفحة 734
أنّ الاشعار التي فيها دفع ما يقول المشركون في شأن الله ورسوله ليس ممّا لا يجوز ولا يكون ممّا يلهمه الملك، وليس من الشعر الذي قاله الشعراء من تلقاء أنفسهم وإلقاء الشيطان اليهم بمعان فاسدة»(1).

وأيضاً في الشمائل:

«إنّ ابن رواحة لمّا كان يمشي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين دخوله مكة في عمرة القضاء كان ينشد بعض الاشعار فاعترضه عمر»(2) وهذا أوضح البرهان وأسنى حجة على كذب هذه الفرية الشنيعة.

وفي الشمائل وشرحه لعلي القاري:

«عن أنس (إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل مكّة في عمرة القضاء) وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:

خلو بين الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً تزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله

(فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) بتقدير الاستفهام، أي أقدام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (وفي حرم الله تقول شعر)، أي وقد ذم الشعراء في كلامه تعالى على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً، (فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): خلّ عنه) أي اتركه مع شعره فإنّه ليس ذم الشعر على اطلاقه (يا عمر) فيجب عليك أيها الفاروق أن تفرد بين أفراده، فان الشعر كسائر الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وإنّما يطلق ذمّه على إرادة التجرّد [ به ] وترك ما يجب من العلم والعمل،

____________

(1) جمع الوسائل في شرح الشمائل للقاري: 2 / 45.

(2) الشمائل المحمدية للترمذي: 93 (255).


الصفحة 735
وإلاّ فللكلام تأثير بليغ لا سيّما إذا كان منظوماً على طريقة البلغاء وخطباء الفصحاء (فلهى) اللام للابتداء تأكيداً، وهي راجعة الى الابيات أو الكلمات أو الى القصيدة المدلول عليها بقوله شعراً، وقيل راجع إلى الشعر باعتبار معناه المقصود، [ أي قول عمر تقول شعراً ](1) وهو القصيدة أي فلتأثيرها (اسرع فيهم) أي أعجل وأنفع في قلوبهم أو في ايذائهم (من نضح النبل) أي من رمية مستعار من نضح الماء، واختير لكونه اسرع نفوذاً وأعجل سراية، والمعنى إنّ هجاءهم أثر فيهم تأثير النيل وقام مقام الرمي في النكاية بهم، بل هو أقوى عليهم لا سيّما مع المشافهة به كما قيل شعراً:

جراحات السنان لها التئام ولا يلتأم ما جرح اللسان»(2)

إنتهى مختصراً.

والعجب! من القاري كيف ذهل عن هذه الاخبار حتى صحّح في شرح المشكاة هذا الباطل المصنوع.

سبحان الله! يقول القاري هناك: إنّه يجب على عمر أن يفرّق بين أفراد الشعر ويعلم أنّ حسنه حسن وقبيحه قبيح، وذمّه على إرادة التجرّد به لا مطلقاً، وللكلام المنظوم على طريقة البلغاء تأثير بليغ، ثمّ ينسى ذلك ويدعي أنّ الشعر مطلقاً مذموم، وإنّ مافيه مدح الله وثناءه أيضاً باطل، وإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)هاب عمر في سماع الشعر المشتمل على مدح الله تعالى وثناءه، واستنصت المنشد إياه عند مجيء عمر!، هل هذا إلاّ تغافل وتهافت وتناقض لا يصدر إلاّ عن محموم أو

____________

(1) لايوجد في المصدر.

(2) جمع الوسائل في شرح الشمائل للقاري: 2 / 42، وانظر الشمائل المحمدية للترمذي: 93 (255).


الصفحة 736
مجنون.

ثمّ إنّك لو تأملت كلام القاري في شرح المشكاة!، يظهر لك ولا ظهور النهار أنّه رام أن يفضل الثاني على النبيّ المختار، لانّه قد ادعى أنّ ابن الخطاب كان لا يحبّ حقاً يشبه باطلاً، وجعل ذلك وجهاً لانتهاء المرأة عن ضرب الدفّ وخوف الشيطان منه، فظهر أنّ هذه الصفة منقبة عظيمة ومدحة جليلة، حيث كان لا يحبّ الحق يشبهه الباطل، وكان الشيطان يخاف منه ويترك برؤية فعله، ولم تكن هذه المنقبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!.

ثمّ أيّد القاري هذه الدعوى الخبيثة بهذا الحديث الموضوع الذي نقلناه، حيث ذكر فيه أنّ ابن الخطاب كان لا يحبّ الباطل، وقد بيّن هذا الحديث أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سمع هذا الباطل وأصرّ عليه، وإذا جاء ابن الخطّاب ترك السماع وإستنصت منشد ذلك الباطل!، وقد وقع ذلك مرتين، وهذا ينادي بأعلى صوته على أنّ القاري مراده تفضيل ابن الخطاب على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!!.


الصفحة 737

الفصل الثاني والعشرون
[ في مهابة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من عمر ]

ومن أشنع هذيانهم، وأقبح بهتانهم، ما اختلقوا من قصّة نكرة السياق، بادية الاختلاق، تتضمّن جريان اللهو الباطل بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقريره لذلك، وضحكه عليه، ثمّ هيبته من عمر وإستخفائه ذلك (صلى الله عليه وآله وسلم) منه.

قال في الرياض النضرة:

«وعن عائشة أنّها قالت: (أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بخزيرة(1) طبختها له، فقلت لسودة والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيني وبينها: كلي فأبت، فقلت: لتأكلن أو لالطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة وطليت(2) بها وجهها، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوضع فخذه لها وقال: ألطخ(3) وجهها فلطخت وجهي، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، فمرّ عمر فنادى: يا عبد الله، فظنّ

____________

(1) الخزيرة: لحم يقطع قطع صغاراً ثمّ يطبخ / لسان.

(2) في المصدر [ ولطخت ].

(3) في المصدر [ وقال لسودة: لطخي ].


الصفحة 738
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجوهكما، فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إيّاه) رواه ابن غيلان من حديث الهاشمي، وخرجه الملاّ في سيرته»(1).

وقال الوصابي في الاكتفاء:

«عن عائشة أيضاً قالت: (أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحريرة طبختها فقلت لسودة والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيني وبينها: كلي فأبت، فقلت: لتأكن أو لالطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي في الحريرة فلطخت بها وجهها، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوضع فخذه لها وقال لسودة: لطخي وجهها فلطخت وجهي، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، فمرّ عمر ينادي: يا عبد الله، فظنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه سيدخل فقال: قوما فاغسلا وجهكما، قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) أخرجه ابن غيلان من حديث الهاشمي والحافظ عمر بن محمّد الملاّ في سيرته»(2).

ثمّ إنّ القاري أيضاً لم يطب نفساً بالاكتفاء على ما مرّ من الهذيان، فأورد لهذا الحديث المزري بشأن سيّد الانس والجانّ، مثبتتاً به لفضل خليفته المهان، فقال بعد ما سبق(3):

«ومن هذا القبيل ما روي عن عائشة أنّها قالت: (أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 258 (639)، وانظر وسيلة المتعبدين للملاّ: 5 القسم الثاني (38).

(2) الاكتفاء للوصابي: مخطوط.

(3) اي حديث ضرب الدفّ من عائشة الذي تقدم في الفصل السابق.


الصفحة 739
بحريره طبختها له، فقلت لسودة والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيني وبينها: كلي فأبت، فقلت: لتأكلن أو لالطخن وجهك فأبت، فوضعت يدي في الحريرة وطليت بها وجهها، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضع فخذه لها وقال لسودة: لطخي وجهها، فلطخت بها وجهي، فضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، فمرّ عمر فنادى: يا عبد الله يا عبد الله!، فظنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه سيدخل فقال: قوما فاغسلا وجوهكما، قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إيّاه) رواه ابن غيلان من حديث الهاشمي، وخرجه الملاّ في سيرته»(1)إنتهى.

وهذا الواضع أخزاه الله ولطخ وجهه بالقيح والصديد، وأصلاه بالعذاب الشديد، طبخ خبلاً ووضع محالاً، أراد به أن يثبت فضل الثاني ولم يكترث بما يلزم عليه من الطعن والثلب والازراء بمن نزل عليه السبع المثاني!.

ولاأقول في حقّ صدّيقتهم: إنّها وضعت ذلك إظهار لقربها وشرفها وإكراماً لمعلم أبيها، صوناً لذيلها من الافتراء وحفظاً لها من الازراء، ولكن أشنع على غيرها ممّن نسبوا هذا الكذب إليها، وافتروا هذا البهتان عليها، وإن كان في قلبي منها أشياء ولكن أبغيها مستورة في حجاب الاختفاء.

وهذا الحديث يتضمّن:

أوّلاً: الطعن على عائشة حيث لطخت وجه سودة بالحريرة، وهذا من شنائع الجرم وفضائح الجريرة، فإنّ ذلك يتضمّن الايذاء والاهانة، والمزاح الباطل، والهزل المعيب، الذي لا يقدم عليه أداني المتورعين فضلاً عن اُمّهات

____________

(1) انظر مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 405 (6048).


الصفحة 740
المؤمنين، اللائي يمدحهن القرآن، ويثني عليهن الرحمن، وكنّ رُقين إلى أعلى المدارج من حسن الاداب، وصعدن إلى أقصى المدارج في كرم الاخلاق، والمجانبة من اللهو واللدد، والالزام للسداد والجدّ، فهذا في الحقيقة قدح في مكارم أخلاق عائشة الصدّيقة، وتلويث لذيلها الطاهر وجيبها الفاخر، بأدناس المعائب وأوضاح المثالب.

وثانياً: يشتمل وقوع ذلك المنكر بين يديّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي كان معصوماً من أن يقرر باطلاً أو يسكت على لغو وهزل، وهو المبعوث ليتمم مكارم الاخلاق، وهداية الخلق الى كريم الفعال، والتحذير من مذام الاعمال، فمعاذ الله أن يجري بين يديه مثل هذا المنكر القبيح، والباطل الشنيع، ويقرّره ولا ينكره.

وثالثاً: يتضمّن ضحك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا الفعل، وهو دليل الاستحسان، بقرينة عدم الانكار والتشنيع على هذا الفعل، فهذا نسبة أعظم القبائح الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!، حيث جرى بين يديه المنكر فلم ينكره بل يضحك عليه ورضى به، فجعل الرسول المعصوم المطهر المقدس من كلّ مخزاة ودنية مثل الطغام الاوغاد السوقية اللئام، يجري بينهم السخرة والمزاح الباطل والمنكرات الشنيعة والقبائح الفظيعة، فلا ينكروها ولا يستبشعونها ويضحكون منها ويستبشرون، ويرضون ويفرحون، العياذ بالله من ذلك.

ورابعاً: يتضمّن أمر سودة بلطخ وجه عائشة، وهذا إن كان مجازات على ما صدر من عائشة من الفعل القبيح، من قبيل جزاء سيئة سيئة مثلها، فلا معنى للسكوت عليه أوّلاً والضحك منه والاستبشار به!، وإن لم تكن عائشة تستحق ذلك بل كان هذا أيضاً من قبيل المزاح والسخر فهو أشنع من الاوّل!.


الصفحة 741
وخامساً: يتضمن لطخ سودة وجه عائشة بالحريرة، وهذا وإن لم يكن مثل الاوّل، لكن لا شك في قبحه وقدحه في المرؤة والعدالة وطهارة الاخلاق وجميل العادات وكريم الشيم.

وسادساً: ضحك النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على لطخ عائشة بالحريرة، وهذا ممّا ينبغي أن يبكى عليه، حيث نسبوا أهل المجون والخلاعة وأرباب الضيق والجلاعة الى مغرس الرسالة ومعدن الجلالة.

وسابعاً: يتضمّن أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يهاب عمر شديداً، حتى أنّه مجرد ظنّ دخوله، دخله الخوف وغامرته الهيبة، وخاف على نفسه المقدّسة أن يراه عمر يجري بين يديه مثل هذا المنكر الشنيع، وهو يرضى ويضحك عليه!، فيعاتبه ويلومه ويهجّن عليه ويؤنبه ويعيّره ويوبخه، والفضيحة العياذ بالله بين الانام، ويشتهر أنّه يرتكب الاثام، ويستحسن الباطل في الخلوة بين النساء، ويجاهر في الناس بالمواعظ الغراء، فلا إعتداد بأقواله ولا ثقة بأعماله.

وهذا يتضمن الطعن والعيب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من وجوه:

أمّا أوّلاً: فلانّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مكرّماً من أن يخاف أحداً ويهابه، وما كان يخاف إلاّ الله، أو يصدّق مؤمن أو مسلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عظم مرتبته، وجلالة مقامه، وسيادته وزعامته على الخلق كافة كان يخاف أحداً!!.

اللهم إلاّ أن يجيبوا بأنّه: هب كان يخاف من أعدائه المنافقين والكافرين، فهذا ممّا يصرّح بعداوة عمر له ونفاقه وكفره، وهذا لو أقرّوا به لرفعنا اليد عن جميع الالزامات وانتهينا عن كلّ التشنيعات.

وثانياً: إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خاف عمر وهابه من أن يطلع على ما جرى بين يديه،

الصفحة 742
لا يخلو من طعن على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو على عمر، ولكنهم لا يرتضون الطعن على عمر وإن ضاع إسلامهم وبطل دينهم ولزمهم الازراء بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!.

وبيانه: أمّا أن يكون هذا الامر الذي جرى بين يدي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حقاً ليس فيه شنعة ولا فضاعة: فيكون خوف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من عمر على هذا الوجه من قبيل خوفه من الاعداء والمنافقين والكفار، ويكون وجه الخوف هو إطلاعه على خبث سريرة عمر، وسوء باطنه وعدم تصديقه بالرسالة، فخاف أن يحمل هذا الفعل على أقبح الوجوه، ويشهره بين الكفار على سبيل الطعن والتشنيع، ويتخذه وسيلة الى القدح في النبوّة، ويؤذيه بالطعن والثلب شفاهاً ووجاهاً، على ماهو دأب المنافقين كما فعل ذو الخويصرة الخارجي.

وأمّا أن يكون باطلاً: فيكون هذا الخوف منه إياه خوف تعظيم وإجلال، وتبجيل وإكرام، فهذا نهاية ما يتصوّر من القدح في النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والازراء به والتنقيص والتهجين والتأنيب عليه!، فإنّ هذا شأن الفسّاق الفجّار الذين لايخافون النار، فيرتكبون في أنديتهم المعاصي ويتجرؤون على المعاصي، وينتهكون المحارم ويقدمون على العظائم، فإذا ظنوا مجيء أحد من الصالحين الكبراء وقدوم أحد من المتورعين العظماء ارتعدت فرائصهم، واضطربت قلوبهم، وهابوا وخافوا، فارتدعوا عن الشنائع، وانتهوا عن الفضائع.

وثالثاً: يتضمّن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ظاهره للباطن مخالفاً، وعلانيته لسريرته منافية!، وهذا قد سمّته الناصبة على الاطلاق عين النفاق، وشنعت به طويلاً على أهل الوفاق، وجعل مخالفة الظاهر للباطن دنيّة وأيّ دنيّة، ولو كان لضرورة داعية كما ندعيه أنّه يجوز في مواضع التقيّة، فكيف إذا كان في فعل

الصفحة 743
الفضائح خلوة وإظهار التقوى والامر بها جلوة!.

وما أفاد القمقام أحله دار السلام في تبئيس هذا الحديث وإفتراءه بعد نقله من كنز العمّال(1):

«[ وهذه فرية بلا مرية، وتهجين بشأن النور الصمدي وأزواج خير البريّة، لانهنّ لا يبادرن بهذه الاعمال التي فيها الاستهزاء والسخرية أمام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن أن يأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سودة بلطخ وجه عائشة، ونعوذ بالله من القول بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يهاب غير الله ذي الجلال من الاولين والاخرين، فلا داعي لهم من هذه الاساءة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على الاطلاق، إلاّ الترفيع وإثبات عظمة عمر بالنسبة الى المبعوث للاسود والاحمر، بايجاد هذا الحديث ـ اي طبخ الحريرة ـ ]»(2)إنتهى.

ثمّ لا يخفى عليك! أنّه لم يكن عجباً من وقاحتهم وشدّة جلاعتهم، إنّهم إذا إطلعوا على هذا البيان ورموا بسهام الملام والهوان، رفعوا اليد في إثبات فضيلة إمامهم لما يلزم من الفضائح والمخازي والشناعات، وكذبوا هذه الاحاديث

____________

(1) ذكر الرواية المتقي الهندي في كنز العمّال: 12 / 593 (35843).

(2) في المتن:

«وهذه فرية بلا مرية وبشان نور صمدي وازواج خبر البرية تهجين است، زيرا كه مبادرت بيان گونه استهزا وسخريت در حضور نبوي از ازواج مطهرة نمى ايد فكيف كه جناب رسالت صاحب (صلى الله عليه وآله وسلم) حضرت سوده سلام الله عليها را اعزا بلطخ وجه جناب عائشة مى فرمودند والعياذ بالله كه جز كبرياى ذوا الجلال در دل رسول اين متعال هيبت احدى از أولين واخرين باشد پس وجه اين همه بجشم اختلاف واساءت أدب جناب رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)على الاطلاق نيست مگر اينكه براى اثبات بزرگوارى عمر وتاليفش نسبت مبعوث إلى الاسود والاحمر بايجاد طبخ حريره اش پخته اند».


الصفحة 744
وقالوا: إنّها من الموضوعات لسنا نعتقد صحّة هذه الهفوات!.

ولكن شيخهم ونحريرهم القاري قد ضيق عليهم السبيل، وأهواهم في قعر العذاب الوبيل، فصدّق هذه الاكذوبات الخبيثة الواهية، وأثبت بها لامامه فضائل عالية ومناقب غالية.


الصفحة 745

الفصل الثالث والعشرون
[ في فرار شياطين الانس والجنّ من عمر ]

ومن الاكاذيب الشنيعة، والمفتريات الصريحه، ما وضعوه من قصّة منكرة، تتضمن رؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رقص الحبشة وإراته عائشة، وفي أخرها أنّه قال عياذ بالله: (إنّي لانظر الى شياطين الانس والجنّ قد فرّوا من عمر).

ففي صحيح الترمذي في فضائل عمر:

«حدثنا الحسن بن الصباح البزار، قال: حدثنا زيد بن حباب، عن خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، قال: أخبرنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً فسمعنا لغطاً وصوت صبيان، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا حبشيّة تُزفن والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري، فجئت فوضعت لحيتي على منكب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت أما شبعت؟ قالت: فجعلت أقولُ لا لانظر منزلتي عنده إذ طلع

الصفحة 746
عمر، قالت: فانفض(1) الناس عنها، قالت: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي لانظر إلى شياطين الانس والجنّ قد فرّوا من عمر، قالت: فرجعت) هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه»(2) إنتهى.

وقبح هذه الكذبة الخبيثة لا يخفى على عاقل متديّن، (قَاتَلَهُمُ اللهُ أنَّى يُؤفَكُونَ)(3) ليس لهم حياء ولا دين ليحجزهم عن إفتراء هذه الموضوعات، وتردعهم عن تصديق مثل هذه الاكذوبات، لا يغتر بها إلاّ كلّ أعفك ما شق، وملحد مارق.

أو ما ترى! ما تتضمنه من الشناعة والفظاعة.

أمّا أوّلاً: فلانّه يتضمّن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى رقص الحبشة وهو حرام صريح وفسق فضيح.

وثانياً: إنّه دعا عائشة الى ذلك الفسق والحرام، وترك الاتقاء والورع وشعار الاسلام.

وثالثاً: تفضيل ابن الخطاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث صرح بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تفرّ منه شياطين الانس والجنّ، بل أنّه والعياذ بالله شايعهم وتابعهم ووافقهم، ولمّا رأوا عمر فرّوا.

ولا يخفى عليك! أنّ في هذا الحديث لا يجري ما كانوا يذكرونه في حديث الدفّ من التأويلات السخيفة والتوجيهات الركيكة، لانّ هذا الكذب صريح في أنّ الفعل الذي كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعائشة الى رؤيته كان من الشيطان، ولمّا جاء عمر فرّوا منه، وهذا لنصّ الحديث، ففي هذا لا يجري أنّ هذا الفعل كان قبل

____________

(1) في المصدر [ فارفصَّ ].

(2) الجامع الكبير للترمذي: 6 / 63 (3691).

(3) التوبة الاية: 30.


الصفحة 747
مجيء عمر جائزاً ومباحاً ومستحباً، أو واجباً وصار عند مجيء عمر مكروهاً أو حراماً، كما كانوا يقولون في حديث الدفّ، اللهم إلاّ أن يدعوا هاهنا أيضاً أنّ الحبشة كانت نذرت الرقص، وعند مجيء عمر تأدى النذر فصار الزائد مكروهاً أو حراماً!.

ولهذا تراهم قعد بهم العجز في شرح هذا الحديث، ولم يتعرضوا لهذا الاشكال ولا خاضوا في جوابه بشيء من المقال!.

فقال عبد الحقّ في اللمعات شرح المشكاة ـ والاحرى أن يقال تفوه عبد الباطل في الظلمات ـ:

«[ قوله: (فارفض الناس) أي تفرقوا عنها من هيبة عمر، وقوله: (إنّي لانظر الى شياطين) كأنّه قال باعتبار كونه في صورة اللهو واللعب، لابد أن يكون في شيء ولكنه ليس بحرام، وإلاّ كيف رآه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأراه عائشة ]»(1)إنتهى.

أقول: لا يخفى على اللبيب المتدين المتتبع للاحاديث وأحكام الفقه، إنّ رؤية الرقص حرام بلا شبهة، وقول عبد الحقّ: وإلاّ كيف رآه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأراه عائشة، نشأ من عدم التأمل والانهماك في التعسف، لانّ نسبة أحّد مراتب حرمته بالقطع الى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدلّ على حليته، بل حرمته الثابتة دليل كاف على كذب هذا الحديث، ويؤيد حرمته ما يظهر من نصّ الحديث من أنّه كان فعلاً من أفعال الشياطين.

ولكن مع قطع النظر عن ذلك نقول: سلّمنا أنّ ما رآه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأراه

____________

(1) أشعة اللمعات لعبد الحق الدهلوي: 4 / 641، وفيه:

«اين قول باعتبار بودن اوست در صورت لهو ولعب الا چگونه ميديد آنرا آنحضرت ومينمود عائشه».


الصفحة 748
عائشة ما كان حراماً، ولكن لا شك أنّه كان شيئاً قبيحاً وأمراً شنيعاً من أفعال الشياطين، حتى أنّ ابن الخطاب على ما كان عليه من المساوئ والمخازي كان يتبرّأ منه ويتنفّر عنه، ولهذا صار عند مجيئه مرفوضاً، وخافت الشياطين منه فأرفضوا منه، وإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رآه وأرى عائشة ذلك، ولم تفرّ الشياطين منه بل تسلّطوا عليه، وهذا القدر كاف في إثبات كذب هذا الافتراء الشنيع، ولا مجال للكلام فيه لاحد، لانّه نصّ الحديث وصريحه، فعليه أن يجيب عن ذلك؟.

وترى عبد الحقّ قد اعترف بشناعة هذا اللهو!، حيث قال: ولابد أن يكون فيه شيء، مراده كما هو ظاهر أنّ فيه شيء من القبح والشناعة، فتنبّه بالتلميح حيث قال: لابدّ أن يكون شيء، ولم يبيّن أنّه أيّ شيء، ولكن لا يستريب أريب في أنّ مراده شيء من القبيح كما لا يخفى.

وقال القاري في مرقاته في شرح هذا الحديث:

«وفيه دليل على عظمة خلقه عليه الصلاة والسلام، وغلبة صفات الجمال عليه، كما يدلّ على غلبة نعت الجلال على عمر (رضي الله عنه)»(1) إنتهى.

وهذا من أعظم الخرافات، وأكبر الهفوات، هام به حبّ إصلاح الموضوعات والعضائل، لا يدري الحقّ من الباطل والثمين من العاطل، يستعمل الالفاظ المستحقّة لتخديع الجهال وإضلال الانذال، فإنّ الفعل إذا كان من الشياطين بنصّ الحديث، فكيف تكون رؤيته وإراته دليلاً على عظمة الخلق وغلبة صفة الجمال؟!.

وهذا من عجائب الهفوات، التي لم يسمع بها سامع، جعل أخلاق

____________

(1) مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 406 (6049).


الصفحة 749
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في مثل أخلاق الفساق، بل لعلّ الفساق أيضاً لا يعدون فعل الشياطين من عظمة الاخلاق وأوصاف الجمال (قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ)(1) فأنهم لا يدرون ما يقولون، هل الاقدام على أفعال الشياطين من مساوئ الاخلاق وأوصاف الضلال، أم من مكارم الاخلاق وأوصاف الجمال؟!.

وأمّا دلالة الحديث على غلبة صفة الجلال على عمر فلا شكّ فيه، ولكنه ينادي بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عارياً عن ذلك!، والقاري أيضاً يصرّح بذلك، فقد فضّلوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير شكّ، حيث جعلوه عارياً عن صفة الجلال الذي يهاب به الشياطين وتفرّ عنه، وجعلوه خاصاً لعمر.

ثمّ لا يخفى عليك! أنّ القاري ومن تبعه أرادوا تلبيس الامر وإخفاء الشناعة، ففسّروا قوله حبشية بالجارية والمرأة، حيث قال:

«حبشيّة بفتحتين أي جارية أو امرأة منسوبة الى الحبش»(2).

مع أنّه قد ثبت بروايات صحاحهم أنّ الحبشة التي كانوا يرقصون رجالاً لا نساءاً، فالظاهر أن يكون قول الترمذي حبشة، المراد به الجماعة المنسوبة الى الحبش، لا أنّه كانت مرأة واحدة من الحبش، كما زعمه القاري ومن تبعه كعبد الحقّ، حتى يحصل الجمع بين حديث الترمذي والبخاري وغيره، اللهم إلاّ أن يحملوا على تعدد القصّة فيثبتوا هذه الشناعة مرتين!.

____________

(1) التوبة الاية: 30.

(2) انظر مرقاة المفاتيح لعلي القاري: 10 / 406 (6049).


الصفحة 750

الصفحة 751

الباب الثالث
في بيان بعض ما افتعلوه في الشيخين معاً
مما لا يخفى شناعته على من سمع الحقّ ووعاه


الصفحة 752

الصفحة 753

الفصل الاوّل
[ في ما أعدّ لمحبّيهما في الجنّة ]

ومن بهتانهم وعدوانهم، ما تخرصوه ونقلوه، من حكاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ في السماء خيلاً موقوفة لمحبّي أبي بكر وعمر).

ففي الرياض النضرة في فضائل الشيخين:

«ذكر ما أعدّ الله لمحبّيهما: عن أنس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لمّا عرج بيّ جبرئيل (عليه السلام) رأيت في السماء خيلاً موقوفة مسرَّجة ملجَّمة، لا تروثُ ولا تبول ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الاحمر، وحوافرها من الزبرجد الاخضر، وأبدانها من العِقيان الاصفر ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبرئيل: هذه لمحبِّي أبي بكر وعمر يزورون الله عليها يوم القيامة) أخرجه ابن خيرون وابن عبد كوية»(1) إنتهى.

وقد روى هذه الفرية صاحب الاكتفاء أيضاً، حيث قال:

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 366 (263).


الصفحة 754
«وعنه ـ يعني عن أنس ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(لمّا عرج بيّ جبرئيل رأيت في السماء خيلاً موقوفاً مسرجة ملجمة، لا تروث ولا تبول ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الاحمر، وحوافرها من الزبرجد الاخضر وأذانها من العقيان الاصفر ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذا؟ فقال جبرئيل: هذه لمحبّي أبي بكر وعمر يدورون عليهما يوم القيامة) أخرجه الامام الحافظ أحمد بن الحسن بن الخيرون في جزء من حديثه، والامام أبو الحسن عليّ بن يحيى بن جعفر بن عبد اكوية في جزء من حديثه»(1).

ولعمري، إنّ [ حديث ] الخيل الموقوفة من أعظم الاكاذيب، التي بسهام الطعن ونبال الجرح مهدوفة، وهو حري بأن يراث عليه ويبال، فإنّه من يد الشناعة لا يليق بأن يظفى عليه بالمقال، ويذكر على سخافته إستدلال، ولو دروا مافيه من الركاكة! لعرقوا من عرق الخجالة، وعلموا أنّ هذا الكذب من إفتراء أهل الضلالة.

ومن هناك ترى ابن الجوزي لمّا انصف من نفسه ولم يجري في مضمار التقليد، وجنح الى التحقيق والتنقيد، وقصد إتباع الالف والعادة، وطاوع قريحته النقادة، قد عدّه من مستبشعات الموضوعات، التي تنطق ألفاظها ببراءة حاشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، وصرّح بأنّه موضوع بلا شك.

قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات، في باب يجمع فضائل أبي بكر وعمر، من كتاب الفضائل والمثاالب:

____________

(1) الاكتفاء للوصابي: مخطوط.