الصفحة 838

ففي مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الاوّل من باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث: (من إفترى على الله كذباً قتل ولا يستتاب، ومن سبّني قتل...) الحديث وآخره (إنّ الله خلقني وخلق أبا بكر وعمر من تربة واحدة فيها ندفن) عد وفيه يعقوب»(1) إنتهى.

فهذا صريح في أنّ هذا الحديث موضوع عنده حيث أورده في الفصل الاوّل وعده ممّا حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يخالف.

ثمّ قال في مختصر تنزيه الشريعة، في الفصل الثاني من باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث: (كلّ مولود يولد يذر على سرته من تربته، فإذا طال عمره رده الله الى تربته التي خلقه منها، وأنا وأبو بكر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن) ابن الجوزي، ولا يصحّ فيه من طعن ومجاهيل، تعقب بأنّ له طريقاً آخر في تاريخي الخطيب وابن عساكر والشيرازي وأبو نعيم والصابوني بلفظ (ما من مولود إلاّ وقد ذر عليه من تراب حفرته) عن أبي هريرة، و له شواهد (إنّ حبشيّاً دفن بالمدينة فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): دفن في طنيته التي خلق منها) أخرجه الطبراني عن ابن عمر، ونحوه عن أبي سعيد أخرجه البزار والحاكم، وعن أنس أخرجه الديلمي، وعن ابن عباس أخرجه الحكيم الترمذي في النوادر، وعن عطاء الخراساني أخرجه عبد بن حميد، وعن هلال بن نساف أخرجه الدينوري في المجالسة»(2).

____________

(1) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 349.

(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 373.


الصفحة 839
أقول: إذا حكم على الحديث الاوّل فهذا الكذب جزء منه، فلا معنى لتصحيحه وإثباته، فإنّ وضع الكلّ مستلزم لثبوت وضع الجزء أيضاً، ومن هناك ترى ابن الجوزي حكم في كليهما وأوردهما معاً في الموضوعات.

ثمّ إنّ الطرق الاخرى التي أوردها الخطيب وابن عساكر لهذا الكذب الفاتر، فقد دريت أنّ طريق الخطيب أيضاً قد قدح فيه ابن الجوزي وقد حكم بوضعه الذّهبي.

وأمّا طريق ابن عساكر ففيه أحمد بن الحسن بن أبان المصري الكذّاب الفاجر كما نصّ عليه المهرة الاول، ومن الواضح المستبين أنّ مثل هذا الطريق بالتعقب غير متين، ولم يرض بأمثال هذا التعقب صاحب مختصر تنزيه الشريعة أيضاً في مواضع شتى كما سلف وسيجيء، ولكنه لم يفحص هناك حقيقة الامر، ورضى بتقليد السيوطي فوقع في هذه الغفلة الظاهرة.

وأمّا ماذكره أبو نعيم والصابوني عن أبي هريرة بلفظ: (ما من مولود إلاّ وقد ذرّ عليه من تراب حفرته): فقد دريت أنّه ليس فيه ذكر لكون الشيخين طينتها متحدّدة بطينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا نفس هذا الكلام بضميمة دفن الشيخين عند رمس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يدلّ عليه كما لا يخفى على أولي الافهام، وهكذا حال الشواهد التي بقوله: وله شواهد (إنّ حبشيّاً... الخ)، فإنّ هذه الشواهد أيضاً غير دالّة على المراد كما لا يخفى على الناقد المرتاد.

وبالجملة: محصل القول، إنّ ماذكره في التعقب لاثبات هذا الكذب قسمان من الاحاديث:


الصفحة 840
القسم الاوّل: ماهو عين هذا الكذب، يعني أنّه متضمّن لكون تربة الشيخين متّحدة مع تربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي رواه الخطيب وابن عساكر، وقد علمت أنّ هذا القسم مجروح مقدوح، لا يصلح أن يتمسك به في إثبات أصل الكذب.

وأمّا القسم الاخر: وهو ماليس فيه تصريح بذلك، بل إنّما إستدلوا به مع ضمّ مقدّمة خارجية وهو دفن الشيخين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على صحّة هذا الكذب، فلا يخفى أنّه بعد تسليمه لا يدلّ على صحته، بل له بمراحل من البعد عنه، بالاخصّ أنّ تلك الشواهد بأجمعها لا تصلح للاحتجاج والاستدلال، فإنّها لا تخلوا عن القدح والاختلال، فأمّا في الاسناد وأمّا في الدلالة على المراد، مع كلّ ذلك لا تنهض للاستناد والله ولي التوفيق والرشاد.

وظهر من هناك تغافل محمّد بن طاهر أيضاً، حيث قلد السيوطي وإعتمد على تعقبه ولم يمعن النظر، فقال في تذكرة الموضوعات:

«ابن مسعود: (كلّ مولود يولد يذر على سرته من تربته، فإذا طال عمره ردّه الله الى تربته التي خلقه منها، وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن) فيه مجاهيل، قلت: له طريق ثان عنه ورد عن أبي هريرة، وله شاهد عنه موقوفاً بلفظ (ويأخذ ـ يعني الملك ـ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته)»(1).

ثمّ إنّ السيوطي كأنّه تنبّه على وهن تعقبه الذي أورده في اللالئ، فنكب عنه في النكت البديعات، ولم يتمسّك هناك بما ذكره الخطيب وابن عساكر والديلمي

____________

(1) تذكرة الموضوعات لمحمّد طاهر الفتني: 93.


الصفحة 841
من الطرق المقدوحه لهذا الكذب، بل تشبث بالقسم الثاني من الاخبار التي ليس فيها ذكر لاتّحاد طينة الشيخين بطينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل صرّح هناك بأنّ قوله (أنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة فيها ندفن) مدرج من حديث ابن مسعود الذي أورده في الموضوعات ابن الجوزي، وانتدب لاثباته السيوطي في اللالئ.

قال في النكت البديعات:

«حديث ابن مسعود: (كلّ مولود يولد يذر على سرته من تربته، فإذا طال عمر ردّه الله إلى تربته التي خلقه منها، وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة، وفيها ندفن) وفيه مجاهيل.

قلت: له طريق ثان عن أبي مسعود في تاريخ الخطيب وابن عساكر وورد من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو نعيم والصابوني في المائتين بلفظ (ما من مولود إلاّ وقد ذرّ عليه من تراب حفرته) ; قال أبو عاصم: ما نعلم فضيلة [ لابي بكر وعمر ](1) أمثل من هذا الحديث، لانّ طينتهما من طينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ومعه دفنا، فالظاهر أنّ هذا القدر من الحديث مدرج في الاول، وله شاهد عن ابن مسعود موقوفاً أخرجه الحكيم في نوادر الاصول بلفظ (ويأخذ ـ يعني الملك ـ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته، فذلك قوله (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً)(2).

[ وأخرج الدينوري في المجالسة عن هلال بن يساف قال: (ما من مولود

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) طه الاية: 55.


الصفحة 842
يولد إلاّ وفي سرَّته من تربة الارض التي يموت فيها) ](1)، وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر: (إنّ حبشيّاً دفن بالمدينة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دفن بالطينة التي خلقه الله منها)، وأخرج البزار والحاكم عن أبي سعيد، إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ في المدينة فرأى جماعة يحفرون قبراً فسأل عنه، فقالوا: حبشي قد مات، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا إله إلاّ الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها)»(2).

أقول: يظهر من هذه العبارة أنّ السيوطي لم يتمسك لاثبات هذا الكذب إلاّ بهذه الاخبار، التي لا رائحة فيها من إتحاد طينة الشيخين بطينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّه لم يذكر هناك مع هذا الوله والشغف بإثباته، أو تشبث بما هو في غاية البعد عن مضاهاته ومضارعته، وإثباته ومساعدته ماهو صريح فيه، بل هو عينه، وهو الذي أخرجه الخطيب وابن عساكر والديلمي كما في اللالئ المصنوعة مفصلاً، ومختصر تنزيه الشريعة وتذكرة الكجراتي مجملاً.

فليس ترك السيوطي في النكت لهذه الطرق الطريفة في هذا الكذب المتحدة به، إلاّ لعثوره على وهنها وقدحها وسخافتها وركاكتها وردائتها، وإلاّ فمن البعيد المستهجن أن يتشبث المحدث المنقد في إثبات مرام بما هو بعيد عنه غاية البعد، بل لا مساس له به عند المتأمّل، ويترك ماهو صريح فيه ناصّ عليه،

____________

(1) لا يوجد في المصدر.

(2) النكت البديعات للسيوطي: 278 (297)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 3 / 115 (1114)، تاريخ دمشق لابن عساكر: 44 / 120، 121، نوادر الاصول للحكيم الترمذي: 1 / 767، 268، الاصل الثاني والخمسون، المجالسة للدينوري: 2/39 (190)، كشف الاستار: 1 / 396، مستدرك الحاكم: 1 / 368.


الصفحة 843
ولا سيّما مع العثور والاطلاع عليه!، فليس ترك ذلك إلاّ لعلمه بأنّه مقدوح مجروح، لا طائل تحت ذكره، كما بينّا عند الاتيان على كلامه في اللالئ.

ومع ذلك كلّه فقد ترى السيوطي هناك إعترف من حيث لا يشعر بموضوعية حديث ابن مسعود، الذي حكم بوضعه ابن الجوزي وانتصر له السيوطي في اللالئ، بل تبين هناك أيضاً أنّ كلامه يدلّ صريحاً أنّ قوله: (وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة) في حديث ابن مسعود الذي تكلّم عليه ليس من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّه مدرج وهو أحد رواته، أو من كلام ابن مسعود، لانّه قال بعد نقل قول أبي عاصم وهو: «(إنّ طينة الشيخين من طينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه دفنا) فالظاهر أنّ هذا القدر من الحديث مدرج في الاوّل إنتهى».

والظاهر أنّ مراده بالحديث الاوّل هو حديث ابن مسعود الذي حكم ابن الجوزي بوضعه ونتصر له السيوطي، ومراده بهذا القدر هو قوله: (وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن) لا غير، والظاهر أنّ معنى المدّرج هو ما أدرجه بعض الرواة من كلامه في الحديث.

فثبت من ذلك، إنّ هذا القول بإعترافه ليس من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو مدرج من كلام بعض الرواة.

ثمّ إنّه إذا إعترف بإدراج هذا القدر، لزمه الحكم بكذبه وبطلانه والاعتراف بصحّة حكم ابن الجوزي أيضاً من حيث لا يشعر، فإنّ الادراج الذي لا يستلزم منه الحكم بكذب الحديث، هو الذي لا يكون صريحاً في نسبة المدرج إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ الادراج الذي يكون في عزوه الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو الكذب

الصفحة 844
والبهتان، كما لا يخفى على الحضرة الاعيان.

وظاهر أنّ هناك ليس الادراج إلاّ على سبيل التصريح بنسبة المدرج الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ قوله: (وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن) صريح في أنّ هذا الكلام قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس من الرواة ولا ابن مسعود، فيكون ذلك كذباً وإفتراء وبهتاناً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا إدراجاً فقط!.

فظهر بحمد الله أنّه إذا إعترف السيوطي المائج في اللجاج بالادراج، فقد ذهب سعيه الباطل في اللالئ والنكت أدراج الدراج، ولم يجده شيئاً إلا التعب والكدح والجهد في إثبات هذا الكذب الصراح.


الصفحة 845

الفصل الثامن
[ في إختصاصهما بالسبق بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ]

ومن الكذب القطيع، الذي قد بلغوا فيه الغاية من الوقاحة والصفاقة، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أنا الاوّل وأبو بكر المُصَلِّي(1) وعمر الثالث) فقد رواه جمع من شيوخهم وأئمتهم، المولعين بإنفاق الزلقات، وترويج الاكذوبات، كأبي نعيم والطبراني وابن المهتدي(2).

وقد إحتج به المحبّ الطبري على فضيلة الشيخين، الاوّل بالخصوص، حيث قال في فضائل أبي بكر:

«ذكر إختصاصه بالسبق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اليوم الرهان وغداً السّباق، والغاية الجنّة، والهالك من يدخل النار، أنا الاوّل وأبو بكر المُصلِّي وعمر الثالث، والناس بعدُ على

____________

(1) المُصلِّي: هو الثاني في خيل الحلبة / لسان.

(2) انظر المعجم الاوسط للطبراني: 1 / 358 (609)، تاريخ بغداد للخطيب: 7 / 34 (3495).


الصفحة 846
السنن الاوّل فالاوّل) أخرجه ابن المهتدي بالله في مشيخته، وقد تقدم في باب الشيخين»(1).

وقد أراح ابن الجوزي أهل الحقّ من الانتداب لهذا الكذب وتبيّن شناعته، فأورده في الموضوعات في باب مجمع فضل أبي بكر وعمر، من كتاب الفضائل والمثالب:

«الحديث التاسع: أخبرنا إسماعيل بن أحد، قال [ ثنا حمزة ](2)، قال: ثنا أبو أحمد بن عدي، قال: ثنا أحمد بن محمّد الضبعي، قال: ثنا الحسن بن يونس، قال: ثنا أبو هشام ـ يعني أصرم بن حوشب ـ، قال: حدّثنا مرّة بن خالد، عن الضحّاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أنا الاوّل وأبو بكر المصلِّي وعمر الثالث، والناس بعدنا الاوّل فالاوّل) [ قال المصنّف ]: هذا حديث موضوع على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ أصرم كذّاب خبيث، وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك، وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الثقات»(3).

وقال الذّهبي في الميزان:

«أصرم بن حوشب أبو هشام قاضي همدان، أصرم هالك، له عن زياد بن سعد وقرّة بن خالد، قال يحيى: كذّاب خبيث، وقال البخاري ومسلم والنسائي: متروك، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال السّعدي: كتبت عنه بهمدان سنة

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 2 / 8 (397).

(2) في المصدر [ أنبأنا ابن مسعدة ].

(3) الموضوعات: 1 / 245، وانظر التاريخ الكبير للبخاري: 1 / 56 (1671)، الضعفاء المتروكين للنسائي: 59 (68)، المجروحين لابن حبان: 1 / 181.


الصفحة 847
اثنين ومائتين وهو ضعيف، وقال ابن حبّان: كان يضع الحديث على الثقات أوله عن قرّة بن خالد، عن الضحاك، عن ابن عباس، مرفوعاً: (تذهب الارض يوم القيامة كلها إلاّ المساجد ينضم بعضها إلى بعض)، وبه (أنا الاوّل وأبو بكر المصلِّي وعمر الثالث، والناس بعدنا على السبق الاوّل فالاوّل)... الخ»(1).

والسيوطي لما ذكر هذا الكذب في اللالئ المصنوعة، لم يمكنه أن يذكر لاثباته شيئاً يضفي إليه، ولا أورد له طريقاً آخر ولو كان مجروحاً، بل غاية سعيه هناك أن ذكر: إنّ الطبراني وأبا نعيم قد أخرجا هذا الكذب من طريق عن أصرم الذي سمعت من طعونه ما سمعت.

قال في اللالئ المصنوعة:

«ابن عدي، ثنا أحمد بن محمّد الضبعي، ثنا الحسين بن يوسف، ثنا أبو هشام ـ يعني أصرم بن حوشب ـ، ثنا قرّة بن خالد، عن الضحّاك، عن ابن عباس مرفوعاً: (أنا الاوّل وأبو بكر المصلّي وعمر الثالث والناس بعدنا على السبق الاوّل فالاوّل) موضوع، آفته أصرم، قلت: [ أخرجه الطبراني وأبن نعيم في فضائل الصحابة ](2) والخطيب من طرق [ عن أصرم والله أعلم ](3)»(4).

أقول: لمّا ثبت وضع هذا الحديث بتصريح ابن الجوزي ووضع حال راويه ـ أعني أصرم ـ الصارم لحبل الورع والدين، الكذّاب الوضّاع على خاتم النبيين

____________

(1) ميزان الاعتدال: 1 / 437 (1019)، وانظر الضعفاء والمتروكون للدارقطني: 155 (116).

(2) و (3) في المصدر الذي بين ايدينا لا يوجد.

(4) اللالئ المصنوعة للسيوطي: 1 / 285.


الصفحة 848
عليه وآله صلوات الله الى يوم الدين، من أنّه كذّاب خبيث ومتروك وواضع الحديث على الثقات بتصريح الناقدين، فلا فائدة في إخراج الطبراني وأبي نعيم لهذا الحديث بطرق عن هذا الكاذب المهين، سوى تفضيح هؤلاء المفضوحين الاعلام المشهورين، حيث رووا هذا الكذب المستبين، وقد أنصف ابن الشوكاني حيث صرح بأنّه لا فائدة في هذا الاستدراك.

قال في الفوائد المجموعة:

«حديث: (أنا الاوّل وأبو بكر المصلّي وعمر الثالث، والناس بعدنا على السبق الاوّل فالاوّل) رواه ابن عدي عن ابن عباس مرفوعاً، وهو موضوع، وضعه أصرم بن حوشب ; قال في اللالئ: أخرجه الطبراني وأبو نعيم من طريقه، قلت: فلا فائدة إذن في هذا الاستدراك على ابن الجوزي»(1).

وقد عدّ في مختصر تنزيه الشريعة هذا الكذب ممّا حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يخالف فيه، حيث قال في الفصل الاوّل، [ من باب مناقب الخلفاء الاربعة من كتاب المناقب والمثالب:

«حديث ]: (أنا الاوّل وأبو بكر المصلِّي، وعمر الثالث، والناس بعدنا الاوّل فالاوّل) عد وفيه أصرم»(2).

____________

(1) الفوائد المجموعة للشوكاني: 339.

(2) انظر تنزيه الشريعة لابن العراق: 1 / 349.


الصفحة 849

الفصل التاسع
[ في أنهما خير الاوّلين والاخرين ]

ومن خرافاتهم المكذوبة، المقدوحة عند النقاد الماهرين، والموضوعات القطعيّة، التي لا تنفق إلاّ على المتعصبة القاصرين، ما وضعوه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (أبو بكر وعمر خير الاوّلين والاخرين)، وقد تشبث بذيل هذا الكذب الجليّ جمع من المغفّلين الحائرين، الواغلين في مجاهيل الكذب، العامهين الخاسرين.

قال المحبّ الطبري في فضائل الشيخين:

«ذكر أنهما خير أهل السموات والارض وخير الاوّلين والاخرين إلاّ النبيين والمرسلين: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبو بكر وعمر خير أهل السموات وخير أهل الارض، وخير الاوّلين وخير الاخرين إلاّ النبيّين والمرسلين) خرجه الجوهري.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبو بكر وعمر خير أهل السماء وخير أهل الارض، وخير من بقي وخير من مضى إلى يوم القيامة

الصفحة 850
إلاّ النبيين والمرسلين) خرجه في فضائل عمر»(1).

وقال الوصابي في الاكتفاء:

«عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبو بكر وعمر خير الاوّلين والاخرين، وخير أهل السموات وخير أهل الارضين، إلاّ النبيّين والمرسلين) أخرجه ابن عدي في الكامل، والحاكم في الكنى، والخطيب وابن عساكر في تاريخيهما»(2).

أقول: التمسك بهذا الخبر وإثبات فضل الشيخين دليل على قلّة ورع هؤلاء، وبعدهم عن التحقيق والنقد، وإنهاكهم في العصبيّة والهوى، وركوبهم نيّبات الطريق ضلالاً، وتنكّبهم عن النهج الصواب، وعدم المبالاة والاكتراث من المؤاخذة واللوم، فإنّه خبر مجروح وأثر مقدوح.

وأبدع ما هناك! أنّ صاحب الاكتفاء نقل هذا الخبر عن ابن عدي أيضاً، ولم يذكر ما بينه من نكارته وطعنه(3)، وهل هذا إلاّ خيانة صريحة وتدليس بيّن، فإنّ نسبته إلى ابن عدي والسكوت عن نقل جرحه يوهم توثيقه وأنّ ابن عدي لم يجرح فيه، وذلك إغراء بالجهل وتعميس للحقّ، وتدليس للامر على القاصرين، ولا يصدر ذلك إلاّ عن عصبيّة وعناد، وقلّة الورع والدين.

____________

(1) الرياض النضرة للطبري: 1 / 318 (169) (170)، وانظر مسند الفردوس للديلمي: 1/438.

(2) الاكتفاء للوصابي: مخطوط، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 2 / 442 (368)، تاريخ بغداد للخطيب: 2 / 333 (831)، تاريخ دمشق لابن عساكر: 44 / 195.

(3) قال ابن عدي في كامله بعد ذكر الحديث: «وهذا الحديث رواه عليّ بن داود القنطري، عن أخيه محمّد بن داود بهذا».


الصفحة 851
أما ترى! أنّ ابن الجوزي قد ذكر هذا الخبر في كتابه العلل المتناهية في الاحاديث الواهية، وقدح فيه ونقل عن ابن عدي أنّه قال: هذا حديث منكر.

قال ابن الجوزي في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية،في ذكر أحاديث فضل أبي بكر وعمر:

«حديث: أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أنا ابن مسعدة، قال: أخبرنا حمزة بن يوسف، [ قال: أنا أحمد بن عدي، قال: نا أحمد بن محمّد بن عبد الخالق، قال: نا محمّد بن داود القنطري ](1)، قال: أناجبرون بن واقد، قال: نا مخلد بن الحسين، عن هشام، عن محمّد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبو بكر وعمر خير الاوّلين وخير الاخرين، وخير أهل السموات وخير أهل الارض إلاّ النبيّين والمرسلين) قال ابن عدي: هذا حديث منكر، وأمّا جبرون فما يعرف»(2).

أقول: إنّ ابن الجوزي وإنّ أصاب في ردّ هذا الخبر وطعنه، ولكنه لا يعجبني إقتصاره على ذلك وعدم التصريح بوضعه، فإنّه حديث مكذوب وخبر مصنوع.

ولله درّ الخرِّيت الحاذق، والبحر الفائق الذي لا يجارى، والناقد الذي لا يبارى، رافع لواء الصناعة، حائز قصب السّبق في حلبة البراعة، الشيخ أبي عبد الله الذّهبي، فإنّه لم يرض بالتقليد وجال في مضمار التنقيد، حيث قال في الميزان:

____________

(1) اثبتناه من المصدر.

(2) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 198 (211).


الصفحة 852
«جبرون بن واقد الافريقي، عن سفيان بن عيينة، متهم فإنّه روى بقلّة حياء عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً (كلام الله ينسخ كلامي...) الحديث، وروى عنه محمّد بن داود القنطري أنّ مخلد بن الحسين حدّثه، عن هشام بن حسان، عن محمّد، عن أبي هريرة مرفوعاً: (أبو بكر وعمر خير الاوّلين...) الحديث، تفرّد به القنطري وبالذي قبله، وهما موضوعان والله أعلم»(1).

أقول: قد اتّضح من هناك وباح كما يشرق نور الصباح أنّ جبرون بن واقد راوي هذا الكذب الفاسد، كذّاب مارد، شيطان معاند، قليل الحياء، عظيم الافتراء، وإنّ هذا الحديث الذي رواه في فضل الشيخين كذب موضوع بل إفتراء.

____________

(1) ميزان الاعتدال: 2 / 111 (1437).


الصفحة 853

الفصل العاشر
[ في أنّهما للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسى ]

ومن أقطع مالهم من الكذب، والزور والعصبية، والبهت والفرية، والقرفة والوقاحة والصفاقة، وهتك ستر الايمان والحياء والورع، وضعفة دار التقى، وهدم أسس الاسلام، وجزّ أهل الديانة، إنّهم لم يخجلوا من الافتضاح والخزي والوكد، وراموا إبطال أشهر فضيلة لعليّ (عليه السلام) وأثبت منقبة له وهو حديث منزلة، فوضعوا أنّ الشيخين أو كلاهما من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسى، وهذا بهتان لا يركن إليه إلاّ من كان دينه مدسوساً، ونور عقله مطموساً، وفي ورطة الجهل والعصبيّة مغموساً.

ولعمري، ما كنت أجد من علمائهم وفضلائهم يجترئ ويقدم على ذكر هذه [ الخرافة ] وإخراجها بلا تنبيه على شناعتها وكذبها، ولكن ظفرت بعد التتبع والتفحص أنّ عالمهم الجليل وشيخهم الكبير عبد الرؤوف المنّاوي، مع نقده وتحقيقه وخلع رقبة التقليد عن عنقه في مواضع شتّى في شرح الجامع الصغير، حيث أبطل فيه كثيراً من فضائل الشيخين، وجرح جلها والشطر الاعظم منها، ركن الى مثل هذا الباطل وأورده في كتابه، ساكتاً عن جرحه مغضياً عن ردّه،

الصفحة 854
حيث قال في كتابه كنوز الحقائق في أحاديث خير الخلائق:

«(أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى) خطّ ـ أي الخطيب ـ»(1).

ثمّ إنّ السيوطي أيضاً أخرج هذا الحديث في كتابه(2)، والمتقي الهندي في كنز العمال في فضائل الشيخين، وكذلك صاحب الاكتفاء في كتاب الاحاديث الغرر في فضائل الشيخين أبي بكر وعمر، ولكنهم مع ذلك قد نقلوا أنّ ابن الجوزي أورده في العلل المتناهية وعدّه من الاحاديث الواهية.

ففي كنز العمّال:

«(أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى) خطّ، وابن الجوزي في الواهيات، عن ابن عباس»(3).

وقال صاحب الاكتفاء في كتاب الاحاديث الغرر في فضل الشيخين أبي بكر وعمر:

«عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى) أخرجه الخطيب في تاريخه، وابن الجوزي في الضعفاء»(4) إنتهى.

أقول: قد ثبت بإعتراف هؤلاء أنّ هذا الحديث من الاحاديث الواهية المجروحة عند ابن الجوزي، التي أوردها في كتاب العلل المتناهية وقال في حقها

____________

(1) كنوز الحقائق للمناوي: 1 / 13 (84)، وانظر تاريخ بغداد للخطيب: 11 / 283 (6257).

(2) لم نجده في الجامع الكبير.

(3) كنز العمّال: 11 / 567 (32682)، انظر العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 199 (312).

(4) الاكتفاء للوصابي: مخطوط.


الصفحة 855
أنّها شديدة التزلزل كثيرة العلل، فلا معنى لعدّها من فضائل الشيخين والابتهاج به، إلاّ الغفلة والتساهل.

اللهمّ إلاّ أن يعتذروا بأنّ كون الحديث واهياً مجروحاً كثير العلل شديد التزلزل لا يمنع من إخراجه وإيراده وروايته!.

فنقول لهم:

أوّلاً: إنّ إمامكم مسلم بن الحجاج قد بالغ في مقدّمة صحيحه على من روى أحاديث الضعفاء والمجروحين، وشنع عليهم عظيماً، وإستعظم في الطعن منهم، وأخرجهم بذلك الصنع الشنيع من زمرة العلماء المحدثين، وأدخلهم في الجهلاء المعاندين الذين ليس لهم ورع ودين.

ونقول ثانياً: إنّه ظهر وباح من الرجوع إلى أصل العلل المتناهية لابن الجوزي، إنّه لم يكتف بإدراجه في الاحاديث الواهية وقدحها وجرحها فقط، بل ظهر من كلامه ظهوراً لا مساغ لدفعه وإنكاره، إنّه يراه كذباً باطلاً وزوراً شنيعاً وتهمة مختلقة، حيث قال بعد تصريحه بأنّه لا يصحّ: «وأنّ المتهم به الشاعر وهو أحّد رواة هذا الكذب الظاهر»، والظاهر أنّ الاتهام لا يكون إلاّ في الكذب والبهتان الذي لا يقبله الافهام، فإنّه لا معنى للاتهام فيما يكون محتملاً للصحة غير مردود بلا دليل من العقل والنقل، وهذا واضح بحمد الله تعالى ليس به خفاء.

قال ابن الجوزي في العلل المتناهية في الاحاديث الواهية، في ذكر أحاديث في فضل أبي بكر وعمر:

«حديث آخر: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أنا أبو بكر بن ثابت، قال: أخبرنا عليّ بن عبد العزيز الطاهري، قال: نا أبو القاسم عليّ بن الحسين بن عليّ بن زكريا الشاعر، قال: نا أبو جعفر بن جرير الطبري، قال: نا بشر بن دحية،

الصفحة 856
قال: نا قزعة بن سويد، عن أبي مليكة، عن ابن عباس، إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: (أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى) [ قال المؤلف ]: هذا حديث لا يصحّ، والمتهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتم الرازي: لا يحتجّ بقزعة بن سويد، وقال أحمد: مضطرب الحديث»(1).

أقول: فتبيّن من هذه العبارة أنّ هذا الخبر تهمة موضوعة وفريّة مكذوبة، وإنّ المتّهم بوضعها عند ابن الجوزي هو الشاعر الغير الشاعر، الكاذب الفاجر، الواضع الخاسر، الفاسق الحائر، فليس الاقدام على روايتها وتعديدها من مناقب الشيخين وإخراجها في كتب الاحاديث النبويّة إلا صنع شنيع وتعصّب فظيع.

ولا يخفى عليك! أنّ الذّهبي أيضاً قدح في راوي هذه الرواية وسماه منكراً، حيث قال في الميزان:

«قزعة بن سويد بن حجير الباهلي البصري، عن أبيه وابن المنكدر وابن أبي مليكة، وعنه قتيبة ومسدّد وجماعة، قال البخاري: ليس بذاك القوي، ولابن معين في قزعة قولان فوثقه مرّة وضعّفه اخرى، وقال أحمد: مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال النسائي: ضعيف، ومشاه ابن عدي، وله حديث منكر عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس مرفوعاً: (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن الله إتّخذ صاحبكم خليلاً أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى) رواه غير واحد عن قزعة»(2).

____________

(1) العلل المتناهية لابن الجوزي: 1 / 199 (312)، وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 7 / 139 (782)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 531 (6523) وقد نقل قول أحمد فيه.

(2) ميزان الاعتدال: 5 / 472 (6900)، وانظر التاريخ الكبير للبخاري: 7 / 192 (854)، تاريخ يحيى بن معين: 2 / 387 (51)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 7 / 139 (783)، الضعفاء والمتروكين للنسائي: 203 (525)، الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 7/176 (1590)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 531 (6523).


الصفحة 857
أقول: إنّ الذّهبي إقتصر هناك على وصف هذا الخبر بالنكارة، ولكنّه قد بالغ قبل ذلك في تفضيح أهل الكذب والخسارة، فصرح بأنّ هذا الخبر كذب، وأنّ قزعة ليس بشيء وأنّ من رواه عنه غير ثقة، فإنّه قد رواه عن قزعة عمار بن هارون وهو بنصّ الناقدين مجروح مطعون، قال موسى بن هارون: إنّه متروك الحديث، وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه غير محفوظ كان يسرق الحديث، ولم يرضه ابن المديني ; وأيضاً رواه بشر بن دحية عنه، وقال الذّهبي: من بشر ـ يعني أنّه مجهول لا يعرف ـ.

قال في الميزان:

«عمّار بن هارون أبو ياسر المستلمي، عن سلام بن مسكين وأبي المقدام هشام وجماعة، وعنه أبو يعلي والحسن بن سفيان، قال موسى بن هارون: متروك الحديث، وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه غير محفوظ كان يسرق الحديث، وقال محمّد بن الضريس: سألت عليّ بن المديني عن هذا الشيخ فلم يرضه، ثمّ قال محمّد: ثنا غندر بن الفضل، ومحمّد بن عنبسة، عن عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس مرفوعاً (اللهم بارك لاُمّتي في بكورها).

ابن عدي، ثنا محمّد بن نوح [ الجنديسابوري ](1)، ثنا جعفر بن محمّد الناقد، ثنا عمّار بن هارون المستلمي، ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس حديث: (ما نفعني مال، ما ينفعني مال أبي بكر) وزاد فيه (وأبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى)، قلت: هذا كذب.

____________

(1) لا يوجد في المصدر.


الصفحة 858
قال ابن عدي: ثنا ابن جرير الطبري، ثنا بشير بن دحية، ثنا قزعة بنحوه، قلت: ومن بشير!، قال ابن عدي: قد حدث به عنه أيضاً مسلم بن إبراهيم غير قزعه، وقزعة ليس بشيء»(1).

أقول: ولله الحمد، وهو مظهر الحقّ ودليله، والاحبّ للصّدق وسبيله، إنّ دار الكذب قد تضعضعت، وبنيّة الفرية قد تزعزعت، واُس الفتراء قد تهدم، وحبل الزور قد إنفصم، وسعي الكذبة قد ذهب أدراج الرياح، وإنّ قبح هذا الكذب الصراح قد لاح.

فترى إمامهم المبرز لعيوب سلعة الكاذبين، المبرّز على المهرة المنقدين الصائبين ـ أعني الذّهبي ـ قد شمر الذيل لابطال هذه الفرية الخبيثة الاصل والفرع، والكذبة البيّنة البطلان والوضع، فصرح بأنّ هذه الخبر كذب، وإنّ راويه عمار مقدوح عند نقاد الرجال والاباء، وإنّ ماذكره ابن عدي ورووه من طريقين آخرين لا يجدي نفعاً، ولا يثمر لهذا الفتق رقعاً، فإنّ بشير بن دحية مجهول ولا يعرفه الائمّة الفحول.

وأمّا طريق مسلم بن إبراهيم، فإنّه أيضاً مقدوح سقيم، وكيف وإنّما يرويه مسلم وغيره لهذه الفرية من قزعة، وقد علمت أنّ النقاد قد جرحوا فيه، ولذلك قال الذّهبي: إنّه ليس بشيء.

____________

(1) ميزان الاعتدال: 5 / 207 (6015)، وانظر الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: 6/142 (1254)، تهذيب التهذيب للعسقلاني: 4 / 245 (5659).