ومن ذلك: نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن الأئمة من بعده اثنا عشر عليهم السلام، كقوله عليه السلام للحسين بن علي عليهما السلام: أنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، أبو أئمة حجج تسع تاسعهم قائمهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم.
وقوله عليه السلام: عدد الأئمة من بعدي عدد نقباء موسى.
وخبر اللوح.
وخبر الصحائف.
وأمثال لهذه الأخبار الواردة من طريقي الخاصة والعامة، مع علمنا بصحة ما تضمنه نقل الفريقين المتبائنين والطائفتين المختلفتين، إذ كان لا داعي لمخالف المنقول إليه مع كونه حجة عليه إلا الصدق فيه.
وثبوت النص منه عليه السلام على هذا العدد المخصوص ينوب مناب نصه على أعيان أئمتنا عليهم السلام، لأنه لا أحد قال بهذا في نفسه غيرهم وشيعتهم لهم، فوجب له القطع على إمامتهم.
وأما الضرب الثاني من النص على أعيان الأئمة عليهم السلام، فأفضلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
والنص ثابت عليه بشيئين:
أفعال، وأقوال.
والأقوال على ضربين: كتاب، وسنة.
والسنة على ضربين: معلوم من ظاهره المراد ومن دليله، ومعلوم من دليله المراد.
فأما النص بالفعل: فمن تأمل أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختصاصه به، ومؤاخاته له، وتقديمه على جميع الصحابة والقرابة في جميع
(وقوله) في البعوث: إني باعث رجلا كنفسي.
وعلي مني وأنا منه.
وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث ما دار.
وأنا وعلي كهاتين.
ومنزلك في الجنة تجاه من منزلي، تكسى إذا كسيت وتحيى إذا حييت.
وأنت أول جاث للخصوم من أمتي.
وصاحب لوائي.
وساقي حوضي.
وأول داخل الجنة من أمتي.
وأبو ذريتي.
ولا يؤدي عني إلا رجل مني.
وعلي مني وأنا من علي.
وحربك حربي وسلمك سلمي.
ومن سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سمت الله، ومن سب الله أكبه الله على منخره في النار.
وأمثال ذلك من الأقوال والأفعال التي يطول بها الكتاب.
____________
(1) كذا في النسخة، يحتمل: " وقوله ".
وأما نص الكتاب على إمامته عليه السلام فأي كثيرة:
منها: قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2).
فأخبر سبحانه أن المقيمي الصلاة والمؤتي الزكاة في حال الركوع أولى بالخلق من أنفسهم، حسب ما أوجبه بصدر الآية له تعالى ولرسوله، ولا أحد من المؤمنين ثبت له هذا الحكم غير أمير المؤمنين علي عليه السلام، فيجب كونه إماما للخلق، لكونه (3) أولى بهم من أنفسهم.
إن قيل: دلوا على أن لفظة (وليكم) تفيد الأولى بالتدبير، وأنها لا تحتمل في الآية غير ذلك، وأن الأولى بالتدبير مفترض الطاعة على من كان أولى به، وأن المشار إليه بالذين آمنوا أمير المؤمنين عليه السلام.
قيل: برهان إفادة ولي لأولي ظاهر لغة وشرعا، يقولون: فلان ولي الدم، وولي الأمر، وولي العهد، وولي اليتيم، وولي المرأة، وولي الميت، يريدون: أولى بما هو ولي فيه بغير إشكال.
وبرهان اختصاص (وليكم) في الآية بأولى: أن وليا لا يحتمل في اللغة إلا شيئين: المحبة، والأولى.
ولا يجوز أن يريد بالولاية في الآية المحبة، لأن قوله تعالى: (إنما وليكم) خطاب لكل مكلف بر وفاجر كسائر الخطاب، وكونه خطابا عاما يمنع
____________
(1) جواب: فمن تأمل.
(2) المائدة 5: 55.
(3) في النسخة: " كونه ".
ولأنه لا يخلو أن يكون خطابا لجميع الخلق برهم وفاجرهم، أو الكفار خاصة، أو لجميع المؤمنين دونهم، أو لبعض المؤمنين.
وكونه خطابا للجميع أو للكفار خاصة يمنع من كون المراد بالولاية المودة والنصرة على ما بيناه.
ولا يجوز أن يكون خطابا لجميع المؤمنين، لأن الآية تتضمن ذكر ولي ومتول، وذلك يقتضي اختصاصها بالبعض.
وكونه خطابا لبعض المؤمنين يمنع من حمل الولاية على المودة والنصرة، لعموم فرضها للجميع.
ولأن حرف (إنما) يثبت الحكم لما اتصل به وينفيه عما انفصل عنه بغير تنازع بين العلماء بلسان العرب.
كقوله تعالى: (إنما إلهكم الله) (1) أثبت الإلهية له ونفاها عمن عداه، وكقوله: (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة التي حرمها) (2) خص العبادة.
برب البلدة ونفاها عمن عداه، وقوله: (إنما أنت منذر) (3) على هذا الوجه.
وقول النبي عليه السلام: إنما الأعمال بالنيات، وقوله: إنما الماء من الماء، وإنما الربا في النسيئة، وإنما الولاء لمن أعتق، كل ذلك يفيد إثبات الحكم للمتصل بحرف إنما ونفيه عن المنفصل، إلا ما علم بدليل آخر: من إيجاب الغسل من غير الماء، وثبوت حكم الربا في غير النسيئة.
____________
(1) طه 20: 98.
(2) النمل 27: 91.
(3) الرعد 13: 7.
وإذا تقرر ما ذكرناه، فحرف (إنما) في الآية يفيد الولاية فيها لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وينفيها عمن عداهم، وذلك يمنع من حملها على ولاية المودة والنصرة المعلوم عمومها.
وإذا بطل أحد القسمين ثبت الآخر.
ولأن (الذين آمنوا) مختص ببعض المؤمنين من وجهين:
أحدها: وصفهم بإيتاء الزكاة، وذلك يقتضي خروج من لا يخاطب بالزكاة أو خوطب ففرط على الصحيح من المذهب عن الآية.
الثاني: وصفهم بإيتاء الزكاة في حال الركوع في قوله: (وهم راكعون)، لارتفاع اللبس من قول القائل: فلان يجود بماله وهو ضاحك، ويضرب زيدا وهو راكب، ويلقى خالدا وهو ماش، في أنه لا يحتمل إلا الحال دون الماضي والمستقبل.
ومعلوم أن هذا حكم لم يعم كل مؤمن، بل لا دعوى لاشتراك اثنين من المؤمنين معينين فيه.
وإذا ثبت الخصوص، وكان كل من قال (2) لخصوص المؤمنين في الآية قال باختصاص الولاية بالأولى، لأن خصوصها يمنع من حملها على المودة والنصرة الواجبة على الجميع.
وبرهان إفادة الأولى للتدبير الأحق بالتصرف في المتولي للإمامة وفرض الطاعة ظاهر، لأن هذا المعنى متى حصل بين ولي ومتول أفاد فرض الطاعة، لأنه لا يكون أولى به وأملك بأمره منه بنفسه إلا لكونه مفترض الطاعة عليه، إذ لا
____________
(1) في النسخة: " الحداق ".
(2) في النسخة: " وكان من كل ما قال ".
وبرهان اختصاص (الذين آمنوا) بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من طرق:
منها: وصف المذكور من إيتاء الزكاة في حال الركوع، ولا أحد ادعى فيه ذلك غيره عليه السلام.
ومنها: أنا قد بينا اختصاص الحكم ببعض المؤمنين، وكل من قال بخصوصه - ممن يعتد بقوله - خصها بعلي بن أبي طالب عليه السلام.
ومنها: قيام البرهان على أن الولاية في الآية تفيد الأولى، وكل من قال بذلك خص بها عليا.
ومنها: تواتر الخبر من طريقي الشيعة وأصحاب الحديث بنزول الآية فيه عليه السلام عقيب تصدقه بالخاتم راكعا.
ومنها: احتجاجه عليه السلام بذلك على وليه وعدوه مع عدم النكير، وارتفاع أسباب الامساك عنه عدا الرضى والتصديق.
ومنها: حصول العلم لكل متكامل الأخبار بأحواله وذريته، لدعوى ذلك منه عليه السلام لنفسه ودعوى كافة ذريته، وذلك يقتضي صدقه وصدقهم عليهم السلام، إذ كونهم كاذبين على الله تعالى ورسوله عليه السلام ما لا يذهب إليه مسلم.
ولا قدح في شئ مما قدمناه بما رواه الشاذ من نزول الآية في ابن سلام.
لأنا لم نستدل بالاجماع فينا، وإنما عولنا على تواتر الفريقين، ولأن
____________
(1) الأحزاب 33: 6.
. ولأنه لا يخلو أن يكون ابن سلام هو المتولى في الآية والمتولي، ولا يجوز أن يكون المتولى على جهة الخصوص، لأنه رجوع عن عموم الآية بغير دلالة، ولأن ذلك يقتضي تخصص الولاية به، والاجماع بخلاف ذلك على كلا المذهبين في ولاية الآية، وإن كان متوليا مع غيره فلا ينفعهم ولا يضرنا.
ولا يجوز أن يكون متوليا على مذهب من قال إن الولاية فيها بمعنى المودة، لأن ذلك يقتضي اختصاصها بابن سلام مع حصول الإجماع بعمومها، ولا على مذهب من قال إنها بمعنى الأولى، لأن ابن سلام لا يستحق ذلك بإجماع، فلم يبق لتوجهها إليه خاصة وجه.
وليس لأحد أن يقدح بتضمن الآية لفظ الجمع ومدح المتصدق ووصفه بإيتاء الزكاة، وعلي عليه السلام واحد وفقير وقاطع الصلاة بما فعله.
لأن العبارة عن الواحد بلفظ الجمع على جهة التعظيم ظاهر في العربية.
وكون علي عليه السلام فقيرا غير معلوم.
وإلقاؤه الخاتم في الصلاة من يسير العبث المباح فيها، ولأن كثيره كان مباحا، ولا طريق إلى العلم بتقدم فعله عليه السلام على النسخ من تأخره عنه، ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدحه على فعله وتمدح هو عليه السلام به من غير منكر عليه، وذلك يمنع من كونه مذموما.
ولأنا قد دللنا على اختصاص الآية به بما لا محيص عنه، مع تضمنها تعظيم المذكور فاقتضى ذلك سقوط جميع ما قدحوا به.
ولأن مدح المذكور فيها عن فعل تقدم ووصفه فيه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة راكعا تعريف له وتمييز من غيره، وهذا واضح والمنة لله.
ومنها: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
فأوجب سبحانه تعالى طاعة أولي الأمر على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى وطاعة رسوله بمقتضى العطف الموجب لإلحاق حكم المعطوف بالمعطوف عليه، وقد علمنا عموم طاعته سبحانه وطاعة رسوله في الأعيان والأزمان والأمور فيجب مثل ذلك لأولي الأمر بموجب الأمر، وذلك يقتضي توجه الخطاب بأولي الأمر إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لأن لا أحد قال بعموم طاعة أولي الأمر إلا خص بها عليا عليه السلام والأئمة من ذريته عليهم السلام.
وإذا عمت طاعته الأمة والأزمان والأمور ثبت كونه إماما، لإجماع الأمة على إمامة من كان كذلك وعدم استحقاقه لغيره.
وليس لأحد أن يقول: إنا لم نعلم عموم طاعته سبحانه ورسوله بالآية، وإنما علمناه بدليل آخر، فدلوا على مشاركة أولي الأمر فيه بدليل غير الآية ليسلم لكم المراد.
لأن إطلاق لفظ الطاعة وتوجه الخطاب بها إلى المخاطبين كافة الحاضرين والمتجددين إلى يوم القيامة يفيد عمومها لجميعهم في كل حال وأمر، وإن لم يكن هناك دليل على هذا العموم غير هذا الظاهر لأنه لو أراد تعالى خاصا من المخاطبين أو الأزمان أو الأمور لبينه، فيجب الحكم بعموم ما قلناه، ولا يجوز تخصيص شئ منه إلا بدليل.
وأيضا فحصول العلم بعموم طاعته تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير الظاهر لا يقدح في استدلالنا، لأن الظاهر إذا دل على ما قلناه كان مطابقا لما تقدم العلم به من عموم طاعته تعالى ورسوله، واستفاد المخاطب
____________
(1) النساء 4: 59.
ولم يجز تخصيص طاعتهم بغير دليل، وإن كان الأول معلوما من وجهين والثاني معلوما من وجه واحد، ومجري ذلك مجرى حكيم قال لأصحابه تقدم لهم العلم بعموم طاعة بعض خواصه عليهم: أطيعوا فلانا - وأشار إليه - الطاعة التي تعدونها، وفلانا، وأشار إلى من لم يتقدم لهم العلم بحاله، في وجوب مشاركة الثاني للأول في الطاعة وعمومها بغير إشكال.
ترتيب آخر: الأمة في أولي الأمر رجلان:
أحدهما يخص بها أمراء السرايا، وهم أمراء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
والآخر يخص بها عليا وذريته عليهم السلام المذكورين وبحكم بها على إمامتهم.
وإذا بطل أحد القولين ثبت الآخر، ولا يجوز توجهها إلى أمراء السرايا من وجوه:
أحدها: أن ظاهرها يفيد عموم الطاعة من كل وجه، وطاعة أمراء السرايا مختصة بالمأمورين لهم وبزمان ولايتهم وبما كانوا ولاة فيه، فطاعتهم على ما ترى خاصة من كل وجه، وما تضمنه الآية عام من كل وجه.
ومنها: أنه سبحانه وصف أولي الأمر بصفة لم يدعها أحد لأمراء السرايا، فقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1) فحكم تعالى بكون أولي الأمر ممن يوجب خبره العلم بالمستنبط، وحال أمراء السرايا بخلاف ذلك.
ومنها: أن صحة هذه الفتيا مبنية على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان،
____________
(1) النساء 4: 83.
ومنها: أنه تعالى أطلق طاعة أولي الأمر كطاعته تعالى ورسوله ولم يخصها بشئ، وذلك يقتضي عصمتهم، لأن تجويز القبيح على المأمور بطاعته على الإطلاق يقتضي الأمر بالقبيح أو إباحة ترك الواجب من طاعته، وكلا الأمرين فاسد، ولا أحد قطع بعصمة أمراء السرايا، فبطل توجه الآية إليهم.
ترتيب آخر: إطلاق طاعة أولي الأمر يقتضي عصمتهم، لقبح الأمر مطلقا بطاعة مواقع القبيح، ولا أحد قال بعصمة أولي الأمر إلا خص بها عليا والطاهرين من ذريته عليهم السلام.
ومنها: قوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (1).
فنفى سبحانه أن ينال الإمامة ظالم، وهذا يمنع من استحق سمة الظلم وقتا ما من الصلاح للإمامة، لدخوله تحت الاسم المانع من استحقاقها.
وأيضا فإنه سبحانه أخبر بمعنى الأمر أن الظالم لا يستحقها، وخبره متعلق بالمخبر على ما هو به، فيجب فساد إمامة من يجوز كونه ظالما، وذلك يقتضي وقوف صلاحها على المعصوم، ويوجب فساد إمامة أبي بكر وعمر وعثمان والعباس، لوقوع الظلم منهم، ولعدم القطع على عصمتهم، وإذا بطلت إمامة هؤلاء ثبتت إمامة علي عليه السلام، لأنه لا قول لأحد من الأمة خارج عن ذلك.
وتبطل إمامتهم من الآية: بأن جوابه تعالى بنفي الإمامة عن الظالم خرج مطابقا لسؤال إبراهيم عليه السلام، وذلك يقتضي اختصاصه لمن كان ظالما ثم
____________
(1) البقرة 2: 124.
وليس لأحد أن يقدح في بعض ما مضى: بأن التائب من الظلم لا يكون ظالما.
لأن ظالما من أسماء الفاعلين في اللغة كقاتل وضارب، وليس باسم شرعي، والأسماء المشتقة من الأفعال ثابتة بعد التوبة كثبوتها قبلها، يقولون:
هذا قاتل زيد وضارب عمرو وخاذل علي وإن تابوا مما اقترفوه، ولو كان من أسماء الشرعية لقبح هذا الإطلاق بعد التوبة كفاسق وكافر.
ولأن العرب ما تصف فاعل الضرر الخالص بظالم كما تصفه الشريعة، ولو كان منقلا يجري مجرى مصل ومزك، لاختصاصه بعرف الشرع كذين الإسمين، وإقرار الشريعة له على أصل الوضع يسقط الشبهة، لأنها مبنية على قبح الوصف به بعد التوبة، وما قررته الشريعة من الأسماء على أصله لا يجوز سلبه للتائب بلا خلاف بين العلماء بأحكام الخطاب.
وأما النص الجلي من السنة: فقوله لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليهما: أنت الخليفة من بعدي.
وفي مقام: أنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي.
وأمره لأصحابه في غير مقام بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين.
وفي مقامات: أنت الصديق الأكبر والفاروق الأعظم وذو النورين الأزهر ويعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة.
وهذه الأقوال بصريحها مفيدة استخلافه عليا عليه السلام على أمته ودالة على إمامته، فيجب القطع لما على صحة ما نذهب إليه.
____________
(1) في النسخة: " دخوله ".
قيل: فيما ذكرناه من الأخبار ما تواتر بنقله الخاصة والعامة، ومنها ما تواترت به الشيعة وضامها (1) على نقله بعض أصحاب الحديث.
فالأول: خبر الدار وهو جمع النبي عليه السلام لبني هاشم أربعين رجلا، فيهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق، ويصنع لهم فخذ شاة بمد من قمح وصاع من لبن، فأكلوا بأجمعهم وشربوا والطعام والشراب بحاله.
ثم خطبهم فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن إلى تعالى أرسلني إليكم يا بني هاشم خاصة وإلى الناس عامة، فأيكم يوازرني على هذا الأمر وينصرني يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من بعدي؟
فأمسك القوم، وقام علي عليه السلام فقال: أنا أوازرك يا رسول الله على هذا الأمر، فقال: أجلس، فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي والخليفة من وقد أطبى الناقلون بن الفريقين على هذا كنقلهم المعجزات، إذ كان من جملتها إطعام الخلق الكثير باليسير من الطعام وهو هذا اليوم، وكل من روى هذا المقام روى القصة كما شرحناها.
وأيضا فقد أجمع علماء القبلة على يوم الدار وطريق العلم به النقل، وكل نقل ورد به منقول على ما ذكرناه من النص على علي (2) عليه السلام بالأخوة والوصية والوزارة وشد الأزر والخلافة من بعده، فلحق هذا التفصيل بتلك الجملة إذ جحده جحد لها.
ومن ذلك: أمره لأصحابه بالتسليم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين في غير مقام، وقد تناصر الخبر المتواتر بذلك من طريقي الشيعة وأصحاب
____________
(1) كذا، والوضمة: جماعة من الناس فيهم نحو مائتي إنسان.
(2) في إثبات الهداة 2 / 288 نقلا عن تقريب المعارف: وكل نقلي أوردته مشتمل على النص على علي.
وقد قيل في ذلك أشعار معلوم إضافتها إلى قائليها، كأشعار الشعراء في الجاهلية والاسلام.
فمنه: قول حسان بن ثابت يوم الراية:
وكان علي أرمد العين يبتغي | دواء فلما لم يحس مداويا |
إلى قوله:
(فأصفى بها دون البرية كلها | عليا) (1) وسماه الوزير المواخيا |
والوزارة في عرف النبوة خلافة بغير إشكال، بدليل قوله: (واجعل لي وزيرا من أهلي) (2)، أي: خليفة وإماما باتفاق المفسرين.
ولأن اللفظ الذي تضمن الوزارة والأخوة هو اللفظ الذي تضمن الخلافة، وإنما اقتصر على ذكر بعض المنطوق به اختصارا وتعويلا على علم السامع.
ومنه: قول بريدة الأسلمي: - وقد ركز رايته في بني أسلم وقال: لا أبايع
إلا من أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أسلم عليه بإمرة المؤمنين -
يا بيعة هدموا بها | أسا وجل دعائم |
____________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخة، وأثبتناه من المناقب لابن شهرآشوب 3: 130.
(2) طه 20: 29.
أمر النبي معاشرا | هم أسوة ولازم (1) |
أن يدخلوا فيسلموا | تسليم من هو عالم |
إن الوصي هو الخلـ | ـيفة بعده والقائم (2) |
وقال النابغة الجعدي: - وقد سمع أصوات الناس في السقيفة لقيس بن صرمة وعمران بن حصين -
قولا لأصلع هاشم إن أنتما | لاقيتما (ه) لقد حللت... (3) |
إلى قوله:
وعليك سلمت (4) الغداة بإمرة | للمؤمنين فما رعت تسليمها |
يا خير من حملته بعد محمد | أنثى وأكرم هاشم وعظيمها |
نكثت بنو تيم بن مرة عهده | فتبوأت نيرانها جحيمها |
وتخاصمت يوم السقيفة والذي | فيه الخصام غدا يكون خصيمها |
وطريق العلم بهذه الأشعار كسائر أشعار الشعراء، وهي دالة على ثبوت النص الجلي من وجهين:
____________
(1) في المسخة: " هم أسرة وأهازم "، والمثبت من المناقب لابن شهرآشوب 3: 54.
(2) في المناقب لابن شهرآشوب مكان البيت الأخير:
مستيقن أن الوصي | هو الإمام القائم |
(3) في النسخة: " ازدمها ".
(4) في النسخة: " سلام ".
الثاني: أنه لم يحفظ عن أحد من الأمة تكذيب لقائليها مع ارتفاع الأعذار كلها في ترك النكير.
والثاني: المختص بتواتر الشيعة الإمامية، هو ما عدا خبر الدار والتسليم مما ذكرناه ومما لم نذكره.
وطريق العلم بتواترهم: أنا نعلم وكل مخالط وجود فرقة عظيمة من الطائفة الإمامية معروفة بنقل الحديث في كل زمان إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنقل خلف عن سلف حتى يتصلوا بمن شوفه، بقوله عليه السلام لعلي عليه السلام في مقامات: أنت الخليفة من بعدي، وأنت سيد المسلمين (1) وإمام المتقين، إلى غير ذلك من النص الصريح بالإمامة، وبلوغ كل طبقة منهم الحد الذي يتعذر معه الكذب بتواطؤ أو اتفاق على ما تبناه في النبوات، فليراع ذلك، فكل (2) شئ قدح به في نقل الشيعة عائد على نقل المسلمين، وكل شئ صحح ذلك صحح هذا.
وتأمل ذلك يسقط ما يطالبون به من إثبات سلف للشيعة، أو دعوى افتعال، أو حصول كثرة بعد قلة، أو سبب جامع، إلى غير ذلك، فليتأمل.
ووضعنا الاستدلال على الوجه الذي بيناه ليسقط ما لا يزالون يهذون به: من أن النص الجلي لو كان حقا لم يقف نقله على الشيعة، أو لو كان حقا لكان شائعا ويعم العلم به، يجري مجرى الصلاة والصوم ونص أبي بكر على عمر.
لأن تواتر العامة بخبر الدار وخبر التسليم يسقط معظم هذا الاعتراض، وتواتر الفريقين به يقتضي شياعه وسقوط دعوى كتمانه، وثبوت الحجة بنقله
____________
(1) في النسخة " المرسلين والمثبت من إثبات الهداة 2 / 289 نقلا عن تقريب المعارف.
(2) في النسخة: " في كل ".
وخالف حال النص (على) علي عليه السلام لنص أبي بكر على عمر والنص على الصلاة.
لأنه لا صارف عن نقل نص أبي بكر لمخالف ولا مؤالف، هذا يتدين به وذلك لا يرتفع بثبوته، ولا خوف ديني ولا دنيوي في نقله، وكذلك حكم الصلاة والزكاة، وحال النص في علي عليه السلام على خلاف ذلك.
على أنا نعلم وهم ضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينص على صلاة سادسة ولا على سلمان، ونقطع جميعا على بهت من ادعى ذلك وكذبه، وليست هذه حالنا في دعوى النص على علي عليه السلام، فإذا جاز أن يفقد النص على شيئين يختلف حال العلم بإثباتهما.
على أنا نورد طرقا من نقل أصحاب الحديث لهذا الضرب من النص (ترد) (1) هذا الاعتراض:
فمن ذلك: ما رووه عن أبي سعيد الخدري وعن ابن عباس وعن زيد بن أرقم وعن بريدة الأسلمي جميعا، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
من كنت وليه فعلي وليه.
ورووا من طرق عن بريدة الأسلمي ومحمد بن علي، عن رسول الله صلى
____________